التابوت
والمائدة
والمنارة
1. بين
الخيمة
والكنيسة
والسماء.
2.
تقدمات
المسكن
[1-9].
3.
التابوت
[10-22].
4.
مائدة خبز
الوجوه
[23-30].
5.
المنارة
وسرجها
[31-39].
سبق
أن أصدرنا مجلدًا
خاصًا بدراسة
مبنى الكنيسة[331]،
وتطوره من
الفردوس حيث
وُجد أبوانا
الأولان حتى
عبورنا إلى
المدينة
السماوية
والدخول إلى
قدس الأقداس
الأبدي.
تحدثنا فيه عن
علاقة المبنى
الكنسي
بالجماعة
الكنيسة
والعبادة الليتروجية
وحياة المؤمن
الداخلية،
كما تحدثنا عن
تفاصيل محتويات
المبنى
وعلاقتها بما
أحتوته خيمة
الإجتماع
والهيكل
القديم على
ضوء الفكر
الإنجيلي
وكتابات
الآباء
الأولين. لهذا
أجد نفسي ملتزمًا
بالإشارة إلى
ضرورة الرجوع
لهذا البحث لتكملة
ما سأشير إليه
أثناء تعرضنا
للخيمة ومحتوياتها،
منعًا من
التكرار.
الآن،
إذ نعود إلى
الأصحاح
الخامس
والعشرين من
سفر الخروج
نرى موسى
النبي وقد
انفصل عن معوقات
الرؤيا
الإلهية
إرتفع على جبل
المعرفة المقدسة،
فقدمت له
الوصايا
الإلهية
والشريعة،
والآن يقدم له
الرب رؤيا
جديدة هي
"المقدس
السماوي"
الذي ليس من
صنع إنسان،
فيه يسكن الله
مع خليقته
المحبوبة
لديه، وقد طلب
منه أن يصنع
ظلاً لصورة
هذا المقدس.
مثالاً له
للذين هم عند
سفح الجبل، لكي
يسكن الله فى
وسطهم
ويهيئهم
للدخول إلى
المقدس
السماوي.
بمعنى آخر
جاءت خيمة
الإجتماع ظلاً
لصورة السماء
عينها حتى
يجتاز الشعب إلى
العهد الجديد
فيدخلون صورة
السماء أو عربونها،
وأخيرًا
ينطلقون في
الحياة
الأبدية إلى
كمال المسكن
السماوي.
هذا
ما عبر عنه الأب
ميثوديوس إذ
قال: [تنبأ
اليهود عن
حالنا، أما
نحن فنتنبأ عن
السمويات؛
حيث أن الخيمة
هي رمز
للكنيسة،
وأما الكنيسة
فهي رمز
السمويات[332]].
كما
يقول: [أمر
العبرانيون
أن يزينوا
الخيمة كمثال
للكنيسة، حتى
يستطيعوا
خلال
المحسوسات أن
يعلنوا
مقدمًا صورة
الأمور
الإلهية. فإن المثال
الذي ظهر
لموسى في
الجبل، والذي
التزم به
عندما أقامها
كان نوعًا من
التمثيل الحقيقي
للمسكن
السماوي الذي
نراه الآن
بأكثر وضوح
مما كان قبلاً
خلال الرموز،
لكنه يحسب قاتمًا
عندما نرى
الحقيقة كما
هي. لأنه حتى
الآن لا تسلم
الحقيقة
للبشرية كما
هي في الحياة
الحاضرة،
لأنها لا تقدر
على رؤية
الأمور الخالدة
النقية، كمن
لا يستطيع
التطلع إلى
أشعة الشمس.
أُعلن
لليهود ظلال
صورة
السمويات،
فنالوا ثلث
الحقيقة؛
أما
نحن فعاينا
صورة النظام
السماوي،
ولكن
بعد القيامة
فتتمثل
الحقيقة
واضحة عندما
نرى المسكن
السماوي،
المدينة التي
صانعها
وباركها الله
(عب 11: 10)، نراها
وجهًا لوجه
وليس في
الظلمة ولا
خلال جزيئيات
(1 كو 13: 12)[333]].
هذا
ما كشفه لنا
الرسول بولس
في سفر
العبرانيين
عندما إقترب
بالروح إلى
الخيمة في
خشوع وإجلال
ليراها "شبه
السمويات
وظلها" (عب 8: 5)،
تعلن أسرار
عمل الله وسط
شعبه، أمور لا
يصوغ له أن
يتكلم عنها
بالتفصيل (عب 9: 5).
طلب
الله من موسى
أن يسأل الشعب
لكي يقدم كل إنسان
حسبما يسمح
قلبه (خر 35: 5)، أي
قدرما تسمح
محبته يساهم
في التقدمة
التي تستخدم
في صنع "المقدس"
الذي يسكن فيه
الرب وسط
شعبه: "من كل
من يحثه قلبه
تأخذون
تقدمتي. وهذه
هي التقدمة
التي تأخذونها
منهم: ذهب
وفضة ونحاس
واسمانجوني
وأرجوان
وقرمز وبوص
وشعر معزى
وجلود كباش
محمرة وجلود
تخس وخشب سنط
وزيت للمنارة
وأطياب لدهن
المسحة
وللبخور
العطر وحجارة
جزع وحجارة ترصيع
للرداء
والصدرة" [3-7].
ما
هي هذه المواد
التي نُساهم
بها في المبنى
الذي يصير في
ملكية الله
وفيه يجتمع الله
معنا؟
لنأخذ
أمثلة من هذه
المواد
ونتفهم
معانيها الروحية:
أ.
الذهب:
يرى العلامة
أوريجانوس
أن الذهب هو
الإيمان الذي
يجعل من القلب
سماءً، لذا
يُشير الذهب
إلى
السمويات،
كما يُشير إلى
القديسين
بكونهم سماء
يسكن الله في
قلبهم.
يقول:
[إن آمنت تقدم
قلبك وعقلك
ذهبًا!... لأجل
ذلك فإن موسى
وهو يمثل
الناموس
الروحي يعلن
"خذوا من
عندكم" (35: 5). إن
كنتم
تستطيعون أن
تأخذوا هذه
الأشياء من
عنكم، فهي إذن
في داخلكم.
تستطيع أن
تقدم للرب
شيئًا من مشاعرك،
ومن كلماتك...
الخ[334]].
ويرى
الأب
ميئوديوس أن
الذهب يُشير
إلى حياة
البتولية، إذ
يقول: [لقد أمر
بالذهب (أن
تصنع منه
أدوات داخل
قدس الأقداس)
لسببين: أولاً
أنه لا يصدأ،
وثانيًا أن
لونه إلى حدما
يُقارب من لون
الشمس. بهذا
فهو يناسب
البتولية
التي لا تحمل
شيئًا دنسًا
أو غضنًا إنما
تشع دائمًا
بنور الكلمة. خلالها
نقف قريبين من
الله، داخل
قدس الأقداس
وأمام الحجاب
بأيد غير دنسة
كالبخور،
نقدم الصلوات
للرب رائحة
ذكية مقبولة،
في مجامر الأربعة
وعشرين
قسيسًا
(الذهبية)
التي هي صلوات
القديسين[335]].
ب.
الفضة:
إن كان الذهب
هو الإيمان
القلبي، فإن
الفضة هي كلمة
الكرازة، لأن
كلمة الله
كالفضة مصفاة
سبع مرات.
وإن كان
الذهب يُشير
إلى البتولية
فالآباء يرون
في الفضة
إشارة إلى عفة
الزواج.
ج.
النحاس:
يُشير إلى
الصبر أو
القوة. فالسيد
المسيح، ظهرت
يداه حلقتان
من ذهب (نش 5: 14)،
لأن أعماله
سماوية، أما رجلاه
فشبه النحاس
النقي كأنهما
محميتان في أتون
(رؤ 1: 15)، بهما
ندُكّ كل
أشواك هذه
الحياة وضيقات
بلا خوف!
د.
الخشب الذي لا
يسوس:
يُتشير إلى
العلم أو
العفة التي لا
تشيخ[336] ولا
تفسد.
هـ
. البوص
(الكتان)
المبروم:
إذ يُشير
البوص إلى
الجسد، فكونه
مبرومًا أي
تحت الضبط
والقمع[337]، كقول
الرسول
"أُقمع جسدي
وأستعبده" (1
كو 9: 27). فكل جهاد
لضبط الجسد والتحكم
فيه في المسيح
يسوع هو تقدمة
لبيت الرب.
و.
القرمز:
أن كان الحبل
القرمزي الذي
أنقذ حياة
راحاب وكل
بيتها (يش 2: 18)
يُشير إلى دم
السيد المسيح
المخلص، فإن
القرمز الذي
نقدمه هو
شهادتنا له حتى
الدم، إذ يقول
الرسول "من
أجلك نمات كل
النهار"؛ كان
القرمز يُشير
إلى
الإستشهاد
سواء بسفك دم
المؤمنين في
عصور
الإستشهاد أو
حياة الإماتة
اليومية من أجل
الرب.
ز.
الأرجوان:
إن كان
الأرجوان هو
لباس الملوك،
لذا عندما أرادوا
الإستهزاء
بالسيد
المسيح كملك
ألبسوه
أرجوانًا،
فإننا نلبس
نحن
الأرجوان،
ثوب الملك،
الذي هو
"المحبة".
يرى
العلامة
أوريجانوس
أنه يُشير إلى
ضياء المحبة[338]، كما
يُشير أيضًا
إلى النار[339].
فالمسيحي
الحقيقي يحمل
في قلبه
نارًا، هي نار
الروح القدس
الذي يُنير
الطريق،
والذي يحرق
الأشواك
الخانقة
للنفس.
أكد
السيد المسيح
وجود هذه
النار في
قلوبنا إذ
قال: "جئت
لألقي نارًا
على الأرض،
فماذا أُريد
لو اضرمت؟!"
(لو 12: 39). وفي سفر
أرميا يقول
الرب: "هأنذا
جاعل كلامي في
فمك نارًا" (5: 14)،
لأنه منقوش في
القلب بالروح
القدس الناري.
لقد تقبل تلميذا
عمواس نارًا
إلهية عند
سماعها كلمات
المخلص، إذ
قالا: "ألم يكن
ملتهبًا فينا
إذ كان يشرح
لنا الكتب؟!"
(لو 24: 32). وقبلت
الكنيسة
الألسنة
النارية في يوم
الخمسين (أع 2).
س.
شعر المعزى:
يُشير إلى
الموت عن
الخطية (خر 35: 6،
لا 4: 23). يقول العلامة
أوريجانوس: [تقديمه
يُشير إلى
تحطيم
الخطية،
وموتها فيه،
فلا تملك بعد
في أعضائه[340]].
ش.
جلود الكباش:
إن كانت
المعزى تُشير
إلى الخطية،
فالكباش تُشير
إلى الغضب،
فمن يقدم
جلودها إنما
يعلن أنه قد
مات الغضب
فيه.
اشتراك
الكل فى
التقدمة:
يقول
العلامة أوريجانوس:
[إشتراك كل
أحد في
التقدمة أمر
لا يهمله
الرب. يا
للكرامة التي
تأخذها!... وعلى
العكس يا للعار
إن اكتشف الرب
أنك لم تقدم
شيئًا في بناء
المسكن! فإنك
إن عشت في عدم
تقوى وبغير
أمانة لا تترك
لك ذكرى في
مسكن الرب.
عندما
يأتي رئيس
العالم يبحث
في قلوبنا
لعله يجد
شيئًا ملكًا
له فيطالب به،
أما الرب فإن
وجد في قلبك
تقدمة له فإنه
يدافع عنك
ويقيمك ملكًا.
ربي
يسوع، هبني
الإستحقاق أن
أترك لنفسي
ذكرى في
مسكنك. فإنني
أشتاق أن يكون
ليّ نصيب في هذا
الذهب الذي
يصنع منه
المذبح أو
يُغطى به التابوت
أو الذي تصنع
منه المنارة
أو السرج، وإن
لم يكن ليّ
شيء في هذا
فهب ليّ
الإستطاعة
على الأقل أن
يكون ليّ نصيب
في الفضة التي
تقدم للأعمدة
أو قواعدها،
أو حتى أستحق
أن يكون أستحق
أن يكون ليّ نصيب
في تقديم نحاس
المسكن الذي
يصنع منه الدوائر
والأشياء
الأخرى
المذكورة في
الكتاب
المقدس.
ليتني
أكون أميرًا
فأقدم
الحجارة
الكريمة للأفود
وصدرة رئيس
الكهنة. إن
كان ذلك فوق
طاقتي لأقدم
شيئًا آخر
لمسكن الله
كشعر المعزى،
حتى لا أوجد
عقيمًا بلا
ثمر[341]!].
في
الأصحاح
الخامس
والثلاثين
يشهد أن الرجال
والنساء
جاءوا إلى
موسى
بتقدماتهم...
الأمر الذي نتحدث
عنه في حينه
إن شاء الرب
وعشنا.
من
أين جاءوا
بالتقدمات؟
يرى
العلامة
أوريجانوس
أن الشعب
استخدم الذهب
والفضة
والحجارة الكريمة
والثياب التي
أخذوها من بيت
العبودية في
صنع خيمة
الإجتماع
بمحتوياتها،
إذ يقول: [لم
يستخدم
المصريون هذه
الأمور
إستخدامًا
حسنًا، اما
العبرانيون
فاستخدموها
في أغراض
دينية لأن
حكمة الله
كانت معهم[342]].
يصنعون
ليّ مقدسًا:
طلب
الرب من موسى
أن يصنعوا له
مقدسًا يسكن
فيه الله
معهم، يكون
ظلاً
للسمويات، إذ
يقول: "بحسب
جميع ما أريك
من مثال
المسكن ومثال
جميع آنية
هكذا تصنعون"
[9].
كما
يحمل المبنى
الكنسي
الأصيل صورة
للسمويات،
هكذا يقام في
القلب أيضًا
مسكنًا للرب
يحمل صورة
السمويات. في
هذا يقول العلامة
أوريجانوس:
[يستطيع كل
واحد منا أن
يبني مسكنًا
للرب داخل
نفسه[343]]. كما
يقول: [يشتهي
الله أن يصنع
له مسكنًا،
واعدًا إيانا
برؤيته
كمقابل لذلك]،
إذ يقول الرسول
للعبرانيين:
"إتبعوا
السلام مع
الجميع والقداسة
التي بدونها
لن يرى أحد
الرب" (عب 12: 14). هذا
هو المسكن
الذي يأمر
ببنائه، والذي
يود الرسول أن
يراه في
الأبكار،
ليكونوا مقدسين
جسدًا
وروحًا، إذ
كان يدرك
تمامًا أن بناء
مسكن الرب
إنما يكون
خلال طهارة
القلب والجسد
فيرى الله.
إذن فلنبنِ
للرب مسكنًا؛
لنبنه جميعًا
معًا، وليبنه
كل واحد منا
في داخله. أما
المسكن الذي
نبنيه فهو
الكنيسة المقدسة
"التي لا دنس
فيها ولا غضن"
(أف 5: 27)[344].
كنا
نتوقع في سفر
الخروج أن
يحدثنا بعد
الدعوة
للإشتراك في
تقدمات بناء
الخيمة أن
يحدد أبعاد
الخيمة ومواد
بنائها
وأقسامها
وأخيرًا الأثاث
الذي فيها،
لكننا هنا
نجده يبدأ
بالحديث عن
بعض أثاثها
قبل حديثه عن
الخيمة نفسها.
فيحدثنا في
هذا الأصحاح
عن تابوت العهد
ومائدة خبز
الوجوه
والمنارة،
ولعله بهذا
أراد أن يبدأ
بالحديث عن
أقدس الأمور
في أقدس موضع
في ذلك الحين؛
هذه الأشياء
الثلاثة إنما
تمثل سرّ حلول
الله وسط شعبه
(التابوت)
وسرّ شبعهم
بالله (مائدة
خبز الوجوه)
وسرّ استنارتهم
به (المنارة
الذهبية).
جاء الحديث
عن هذه الأمور
الثلاثة قبل
الحديث عن
المنارة
نفسها وبعد
استلام
الوصايا العشر
والشريعة،
وكأن الله
أراد بهذا أن
يقدم لشعبه
الإمكانيات
التي تسندهم
في تنفيذ هذه
الوصايا
الإلهية، لأن
الإنسان
بإرادته
الحرة وحدها
لا يقدر أن
ينفذ الوصايا
الإلهية،
لكنه في حاجة
إلى التابوت
الذي هو حلول
الله نفسه
داخل القلب،
ومائدة خبز
الوجوه التي
هي الشبع بخبز
الملائكة،
وبالمنارة
التى هي
الإستنارة
بالروح القدس.
بهذا ليس فقط
تصير الوصايا
ممكنة
التنفيذ،
لكنها تصبح
طبيعية في
حياة أولاد
الله ومفرحة
لنفوسهم.
والآن
نتحدث عن
تابوت العهد:
شكل
التابوت
ومادته:
يسمى
بالعبرية
"عارون"،
وتعني الكلمة
"صندوق". فقد
كان أشبه
بصندوق طوله
ذراعان ونصف
وعرضه ذراع
ونصف وارتفاعه
ذراع ونصف،
مصنوع من خشب
السنط ومغشى
بصفائح ذهبية
خالصة، من
الداخل ومن
الخارج [11]. يحيط
برأسه إكليل
من ذهب. فوقه
غطاء من الذهب
الخالص يسمى
"كابورت"؛
هذا الاسم
مشتق من "كافار"
التي تعني
"يغطي"، وكما
تعني "يكفِّر".
ويسمى أيضًا
كرسي الرحمة
حيث كان يمثل
عرش الله
المملوء
حنوًا نحو
أولاده. وفوقه
كروبان، واحد
من كل طرف،
وهما من الذهب
الخالص،
يظللان
الغطاء،
باسطين
أجنحتهما إلى
فوق،
ووجهاهما كل
واحد نحو
الآخر. وعلى
كل من الجانبين
حلقتان
ذهبيتنان لكي
يدخل في كل
حلقتين عصا من
خشب السنط
المغشاه
بالذهب،
تُستخدم لحمل
التابوت. وكان
المنوط
بحراسته
وحمله بنوقهات
من اللأويين
(عد 3: 29-31).
تاريخ
التابوت
وعمله:
كان
تابوت العهد
يمثل الحضرة
الإلهية، إذ
يقول الرب:
"وأنا أجتمع
بك هناك
وأتكلم معك
على الغطاء من
بين الكروبين
اللذين على
تابوت الشهادة
بكل ما أوصيك
به إلى بني إسرائيل"
[22].
بهذا
كان التابوت
يسير أمام
الشعب يتقدمه
عمود السحاب
نهارًا وعمود
النار ليلاً،
وكان متى حمل
يُقال: "قم يا
رب فلتتبدد
أعداؤك ويهرب مبغضوك
من أمامك"،
وإذا حلّ في
موضع يُقال: "إرجع
يا رب إلى
ربوات ألوف
إسرائيل" (عد 10:
33-36).
عندما عبر
الشعب الأردن
حمل التابوت
أمامهم فانشق
النهر (يش 3: 14-17)، ثم
بقى مدة في
الخيمة في
الجلجال، نقل
بعده إلى
شيلوه حيث بقى
ما بين ثلاثة
قرون وأربعة
(إر 7: 12-15). وبسبب شر
إبني عالي
الكاهن وقع
التابوت في يديّ
الفلسطنيين
في أفيق (1 صم 4)
وجاؤا به إلى
أشدود ووضعوه
بجوار صنم
داجون (1 صم 5: 2)
فحلت بهم
البلايا
واضطروا إلى
إرجاعه، فوضع
في قرية
يعاريم (1 صم 6: 7)،
ثم نقله داود
النبي إلى
أورشليم، حتى
بنى الهيكل (2
صم 6: 1-15، أي 15: 25-29).
التابوت
والمذبح
المسيحي[345]:
لا
يُشير تابوت
العهد إلى
الحضرة
الإلهية
فحسب، وإنما
يُشير إلى عمل
الله الخلاصي
خلال ذبيحة
العهد، لذا
جاء المذبح
يكمل ما هدف
إليه التابوت
في كل تفاصيله
ومحتوياته،
نذكر على سبيل
المثال:
أ.
كان التابوت
مصنوعًا من
خشب السنط،
إشارة إلى
الصليب
الخشبي، سرّ
اتحادنا مع
الله وعلة دخولنا
إلى مقدساته
الإلهية.
ب.
مغشى بالذهب
الخالص من
الداخل
والخارج، مع أن
الداخل غير
ظاهر للعيان،
لكي يعمل عمل
الذبيحة في
أعماقنا
الداخلية كما
في تصرفاتنا الخارجية،
فنحيا بروح
سماوي (ذهبي).
ج.
يحيط برأسه
إكليل من
الذهب، علامة
دخولنا إلى
الأمجاد
السماوية
خلال المذبح
الإلهي.
د.
يظلل الغطاء
كروبان،
علامة
إنفتاحنا على
الخليقة
السماوية
وشركتنا مع
السيرافيم
والكاروبيم
في تسابيحهم
وليتروجياتهم.
و.
ظهور السحاب
بين الكروبين
وتراءي الله
هناك وسماع
صوته، وظهور
لون أزرق
(سماوي) عند
الكروبين...
هذا جميعه عن
اسخاتولوجية
(أخروية)
ليتروجيتنا
في المذبح
الجديد،
واتسامها بالطابع
السماوي.
ز.
يوجد في داخل
التابوت لوحا
العهد اللذان
يشيران إلى
كلمة الله
الخلاصية
التي نتقبلها
خلال العمل
الذبيحي،
ووعاء المن
الذي يُشير إلى
جسد الرب
المقدس، وعصا
هرون التي
تُشير إلى
العمل الرعوي
الكنسي وإرتباطه
بالذبيحة.
التابوت
والكنيسة:
حينما
أتكلم عن
الكنيسة لا
أستطيع أن
أفصل الكنيسة
الجامعة عن
كنيسة القلب
إذ أن الأخير
عضو في
الجماعة
المقدسة
الكلية... وقد
جاء التابوت
يحمل رمزًا
لهذه الكنيسة
الواحدة،
كنيسة
الجماعة
المقدسة،
وكنيسة القلب.
يقول
القديس
جيروم: [يليق
بعروس المسيح
أن تكون
كتابوت العهد
مغشى بالذهب
من الداخل
والخارج، وأن
تكون حارسة لشريعة
الله (للوحي
الشريعة)،
وكما أن
التابوت لا
يحوي سوى لوحي
الشريعة[346] (1 مل 8: 9)
هكذا يليق بك
ألاَّ يكون في
ذهنك شيء خارج
الشريعة إذ
يُسر الله أن
يجلس في ذهنك
كما جلس على
كرسي الرحمة
والكاروبين[22]"[347]].
وإن
كان التابوت
يمثل
الكنيسة، فهو
يمثل أيضًا
القديسة مريم
العذراء
بكونها حاملة
للسيد
المسيح،
والعضو
الأمثل في
الكنيسة
المقدسة.
لقد
سبق فتحدثنا
بأكثر تفصيل
عن مدى
التشابه بين
تابوت العهد
والقديسة
مريم، إنها
مغشاه
بالبتولية
(الذهب)
الروحية
والجسدية، من
الداخل
والخارج. وكما
كان التابوت
يبعث في الشعب
فرحًا حتى رقص
داود أمامه (2
صم 6)، هكذا
زيارة
القديسة مريم
الحاملة
للسيد في
أحشائها
أبهجت الجنين
يوحنا
المعمدان في
أحشاء أمه
فرقص
(سكيرتان) بابتهاج[348]!.
كانت
مائدة خبز
الوجوه
مصنوعة من خشب
السنط، طولها
ذراعين
وعرضها
ذراعًا
واحدًا
وارتفاعها
ذراعًا ونصف؛
وكانت مغشاه بالذهب،
وعلى حافتها
العليا إكليل
ذهبي. وبها
أربعة حلقات
ذهبية عند
أطرافها
ليوضع فيها عصوان
لحملها.
وكانت
الصحاف
تستخدم في
إحضار الخبز
إلى المائدة
ورفعها عنها،
أما الصحون
فتحوي البخور
(لا 24: 7)، ويوضع
في الكاسات
الخمر للتقدمة،
وتستخدم
الجامات في صب
الخمر وسكبه.
توضع
مائدة خبز
الوجوه في
القدس بجوار
الحائط
الشمالي، أي
عن يمين
الداخل في
الخيمة (خر 40: 22). وقد
وُجد في هيكل
سليمان عشر
موائد حبز
وجوه، كما وجد
به عشر منائر
ذهبية، لكنه
يبدو أنه لم
يكن يستخدم
إلاَّ مائدة
واحدة في وقت
واحد، كما لا
تستخدم إلاَّ
منارة واحدة
في وقت واحد (2
أي 4: 8، 19؛ 3: 11).
أما
الهيكل
الثاني
فمائدته
أخذها
أنطيخوس أبيفانيوس،
وقام يهوذا
المكابي بعمل
مائدة أخرى
عوضًا عنها (
1مك 22؛ 4: 49-51).
مصطلحات
خبز الوجوه:
هناك
مصطلحات
كثيرة لهذا
الخبز[349]، حملت
معانٍ روحية
تخص علاقتنا
بالله، فهو يسمى
خبز الوجوه Showbread, Shewbread أو خبز
الخضرة Bread of
Presence (
خر 25: 30؛ 35: 13)،
والترجمة
الحرفية
للتعبير
العبري هو خبز
الوجه Bread of (the) face
يُشير إلى
وجود هذا
الخبز أمام
الله وفي
حضرته. وكأن
الله ملتزم
شخصيًا باشباع
احتياجات
شعبه، لذلك
كان عدد الخبز
اثنى عشر
علامة تعهده
باشباع كل
شعبه (جميع
الأسباط). كما
أن رقم 12 يُشير
أيضًا إلى
أشهر السنة،
كأن الله
يتعهد بإشباع
شعبه طوال
العام، لهذا
يسمى "الخبز
الدائم" (عد 4: 7)،
كما يدعى "خبز
الوجوه
الدائم
التقدمة" (2 أي 2:
4)... وكأن
الديمومة هنا
أيضًا تُشير
إلى تقديمه
بغير انقطاع،
علامة وجود
عهد دائم بين
الله وكل الجماعة
لا يتوقف. كما
يسمى "الخبز
المقدس" (1 صم 2:
14)، فلا يأكله
إلاَّ الكهنة
المقدسين
للعمل، يأكلونه
في الخيمة يوم
السبت
(الراحة) بعد
أن يوضع خبز
جديد ساخن،
وكأنه لا
يُشير إلى شبع
مادي جسداني،
لكنه يُشير إلى
الشبع الروحي
اللائق بحياة
القداسة، يؤكل
يوم السبت، أي
يوم الراحة،
كأنه يخص
الراحة الأبدية!
طقس
الخبز:
لهذا
الخبز طقس
دقيق جاء في
اللاويين (24: 5-9)،
فكان يصنع كل
سبت حيث لا
يجوز العمل،
لأنه يُشير
إلى الخبز السماوي
الذي ليس من
هذا العالم
(أي المسيح
نفسه السماوي)،
يقدم على
المائدة
الذهبية
ساخنًا،
تأكيدًا
لسمته
السماوية
وقلبه
الملتهب حبًا
لإشباعنا.
يوضع الخبز
على صفين أو
جهين، ويوضع
بخور فوق كل
صف. وكما يقول يوسيفوس
المؤرخ: [إنه
كان يُقدم
بخور على
كاسات ذهبية[350]، يحرق
يوم السبت[351]].
يرى
يوسيفوس أن
هذا الخبز كان
فطيرًا بلا
خمير[352]. كل
خبزة عبارة عن
عشرى إيفة من
الدقيق
الفاخر، الذي
كان يستخدم
لتقديمه للضيوف
أصحاب
الكرامة،
وعلى مائدة
الملك (تك 18: 6، 1 مل
4: 22)، كما كان
يستخدم في بعض
التقدمات.
وضع
الرب تصميمها
وحدد مادتها
ومقاييسها. بلغ
ارتفاعها ستة
أقدام،
وتتكون من
قاعدة وساق وست
شُعب، تزينت كاسات
وعجر وأزهار
وملاقط
ومنافض، كلها
من الذهب تحمل
سبعة أسرج،
تضاء بزيت نقي
جدًا، طول المساء
(خر 25: 31؛ 37: 17، لا 24: 4،
عدد 8: 2). كانت
الملاقط الذهبية
تستخدم في
إصلاح
الأسرجة، أما
المنافض فتوضع
فيها الأشرطة
المحترقة.
لم
تكن المنارة
لمجرد
الإضاءة
فحسب، وإنما
كانت جزءًا لا
يتجزأ من
الطقس
التعبدي، لها
مفاهيمها
اللاهوتية
الروحية.
فالنور يذكرنا
بالله الذي
أوجده كأول
أعمال خلقته
(تك 1: 3) في النور
يسكن الله (تك 24:
10)، وبه يلتحف
(مو 10: 42). هو نور
شعبه (إش 10: 27)،
يضيئ عليه
بمجيئه
لخلاصه (إش 9: 2)، كما
يضيئ على
الأمم
والشعوب (إش 42: 6،
49: 6)، ليحولهم من
أبناء الظلمة
إلى أبناء
النور. لهذا
ففي طقس العماد
إذ يجحد طالب
العماد
الشيطان ينظر
إلى الغرب،
إشارة إلى
مملكة الظلمة
التي لإبليس،
وإذ يعترف
بعمل الله
الخلاصي ينظر
إلى الشرق، إشارة
إلى مملكة
النور التي
لله.
وكما
أن السيد
المسيح هو نور
العالم (يو 1: 41، 8: 12)
فبإشراقه على
تلاميذه
جعلهم نورًا
للعالم (مت 5: 14،
16)، بهذا نرى
الكنائس في
سفر الرؤيا في
شكل منابر سبع
(رؤ 1).
وجود
السبعة أسرجة
تُشير إلى عمل
الروح القدس
الناري، الذي
يضيئ في
الكنيسة
ويلهبها بنار
الحب الإلهي،
يعمل في
حياتها
السرائرية
(خلال الأسرار
السبعة) بل
وفي كل عمل
روحي تمتد
إليه يد الكنيسة
لكي يعيش
المؤمنون في
استنارة دائمة.
النور
في كنيسة
العهد الجديد:
تسلمت
الكنيسة عن
التقليد
اليهودي –
التوراة والكتابات
وطقوس
العبادة –
مفاهيم روحية
للنور،
واستخدمت
كنيسة الرسل
الأنوار
أثناء
العبادة، فلا
يمكن لسفر
أعمال الرسل
أن يروي لنا
عن وجود مصابيح
كثيرة (20: 8) أثناء
إقامة
الإفخارستيا
في ترواس بلا
معنى، فلو
إنها لمجرد
الإضاءة،
لكان هذا
الامر
طبيعيًا لا
حاجة لذكره،
لكن الكنيسة
المسيحية منذ
بدء انطلاقها
رأت في الإضاءة
طقسًا روحيًا
يمس حياة
العابدين. وقد
سلكت الكنيسة
بهذا الروح،
فنجد الشاعر
الأسباني Prudentius فى القرن
الرابع يتحدث
عن السرج
المنيرة داخل
الكنيسة وقد
انعكست
أضواؤها على
زجاج الكنيسة
النقي وكأنها
السموات قد
تلألأت
بالنور. وفي
نفس القرن قدم
الأب بولينوس
أسقف نولا
شهادة مشابهة
عن استخدام
الأنوار أثناء
العبادة.
سبق
أن تحدثنا عن
السراج
المنير في
الشرقية ليل
نهار وكأنه
نجم المشرق
الذي ظهر
للمجوس ليدخل
بهم إلى
المسيا
المخلص[353]، وعن
الشمعدانين
حول المذبح وكأنهما
الملاكان
المرافقان
لجسد السيد في
القبر واحد
عند الرأس
والآخر عند
القدمين[354]،
والسراج التي
تضيئ أمام
أيقونات
القديسين إذ
صار القديسون
بالمسيح يسوع
ربنا نورًا في
العالم
وكواكب مضيئة
في الفردوس.
في
القداس
الإلهي حسب
الطقس
البيزنطي
يبارك الأسقف
الشعب بشمعة
ذات فرعين dikri أو ثلاثة
فروع trikri[355]،
أما في الطقس
القبطي
فيبارك
الكاهن
الخادم الشعب
بالصليب
يرافقه ثلاث
شمعات أثناء
رفع البخور
وطلب الرحمة
من الله.
أثناء قراءة
الإنجيل تضاء
كل أنوار
الكنيسة كما
يحمل شماسان
شمعتين عن
يمين الإنجيل
وعن يساره،
كقول المرتل
"كلامك سراج
رجلي ونور
لسبيلي"
وإشارة لعمل
الإنجيل في
إنارة العالم[356].
وتستخدم
الأنوار –
المصابيح
والمشاعل-
كجزء من طقس
صلاة
الجنازات،
كما جاء في
أعمال
إستشهاد
القديس
كبريانوس[357]، ووصف
جنازة
القديسة
ماكرينا أخت
القديس غريغوريوس
أسقف نيصص[358]،
وجنازة
الإمبراطور
قسطنطين[359]، إشارة
إلى عبور
النفس
الراحلة إلى
النور
السماوي والفرح
الإبدي.
[331]
للمؤلف:
الكنيسة بيت
الله، طبعة 1979.
[332] Methoudius:
Banquet of the Ten Vergins. 5: 8.
[333] Ibid 5: 7.
[334] Origin: In Exod, hom 13: 2.
[335] Banquet of the Ten Virgins 5: 8.
[336] Origin: In Exod, hom 9: 3.
[337] Ibid 13: 5.
[338] Ibid 9: 3.
[339] Ibid 13: 4.
[340] Ibid 13: 5.
[341] Ibid 13: 3.
[342] Letter to Greg. Thaum.
[343] In Exod, hom 9: 4.
[344] Ibid 9: 3.
[345] للمؤلف: الكنيسة بيت الله، طبعة 1979، صفحة 110، 111.
[346]
أي لا يحوي
ألواح أخرى
إلاَّ لوحي
الشريعة... أما
وعاء المن
وعصا هرون
وكتاب التورة
فهذه جميعها
تدخل في نطاق
الشريعة
وكلمة الله.
[347] Epis. 22: 24.
[348]
للإستزادة
راجع للمؤلف:
القديسة مريم
في المفهوم
الأرثوذكسي،
1978، صفحة 61، 62.
[349] J. Hastings: Dict
of the Bible, 1963, p. 911-913.
[350] Antiq. 3: 6: 6.
[351] Ibid 3: 10: 7.
[352] Ibid 3: 6: 6.
[353] الكنيسة بيت الله، صفحة 143.
[354]
المرجع
السابق صفحة 127.
[355] J. G. David: Dict. of Liturgy & Worship.
P. 112.
[356] St. Jerome: Contra Vigilantium.
[357] Acta Proconsularia S. Capriani, 5.
[358] St. Greg. Nyss.: Vita S. Macrinae.
[359] Euseb.: Vita Contan. 4: 66.