ضيقات القفر
وبركاته
اهتمت
الشعوب
الوثنية في
كنعان
بالآلهة، خاصة
تلك التي
يظنون أنها
مصدر الخصوبة
والنمو والتكاثر؛
لذا أكد موسى
النبي أن نعمة
الله هي مصدر
كل البركات.
في هذا
الأصحاح يكشف
موسى النبي لشعبه
السرّ وراء
التِيه في
القفر. هو أن
يسمح الله
لشعبه أن
يدخلوا في
الضيق، لكن
عينيه
تترفقان
بشعبه في وسط
الضيق، حتى يخرج
بهم إلى السعة
لكي يشكروا
الرب ويدركوا
إحساناته
الفائقة
إليهم.
الله
في حبه
للإنسان يهبه
وصيته
المحيية ليعطيه
ذاته، يدخل
معه في علاقة
حب، ويقدم له
بركات بفيضٍ.
بذات الحب
يدخل به في
الطريق
الضيق؛
لماذا؟
1.
للتزكية: "لكي
يذلَّك
ويجربك ليعرف
ما في قلبك
أتحفظ وصاياه
أم لا؟!" [2].
2.
لتكليلنا، إذ
تتزكى
أمانتنا خلال
الضيق نُحسب
أهلا لنوال
بركات أعظم:
"لأن الرب
إلهك آت بك
إلى أرض جيدة أرض
أنهار من عيون
وغمار..." [7–10].
3.
للتأديب: "كما
يؤدب الإنسان
ابنه قد أدبّك
الرب إلهك" [5].
4. كي لا
نسقط في
كبرياء أو برّ
ذاتي: "لئلاَّ
تقول في قلبك
قوتي وقدرة
يدي اصطنعت لي
هذه الثروة" [17].
5. كفرصة
لرؤية الرب
والتلامس معه
والتمتع بأعماله
في خبرات جديدة:
"فأذلّك
وأجاعك
وأطعمك المنّ
الذي لم تكن
تعرفه ولا
آباؤك" [3]. ففي
وسط أتون
النار نال
الثلاثة فتية
خبرة جديدة إذ
ظهر معهم ابن
الله يحوط بهم
ويرافقهم
محولاً النار
إلى ندى. هكذا
مع نار الضيق
يختبر المؤمن
رؤية جديدة
لله وتذوق
لطعامٍ
سماويٍ يُحسب
جديدًا بالنسبة
له.
6. تحويل
الطاقات من
الشر إلى
طاقات
إيجابية للبنيان، إذ
نُخرج من صخرة
الصوان ماء [15].
فإن كانت حواسنا
وطاقاتنا قد
تحجرت يُخرج
الرب منها
ينابيع مياه
تروي النفوس
الظمآنة،
وتحول القفر
إلى فردوس
إلهي.
1.
حفظ الوصية
غاية
القفر
[1-2].
2.
عينا الرب
تترفقان وسط
القفر
[3-4].
3.
تأديب
أبوي
[5].
4.
سعة بعد
القفر
[6-9].
5.
الشكر من أجل
بركات الرب
وتذكرها
[11-16].
6.
عدم الاتكال
على
الذات
[17-18].
7.
عدم الاتكال
على آلهة
غريبة
[19-20].
1. حفظ
الوصية غاية
القفر:
رأينا
الارتباط بين
الالتقاء
بشخص الرب نفسه
والتمتع
بوصيته؛
فالوصية التي
يقدمها غايتها
أن يتشكل
الإنسان بروح
الله ليعود
إلى أصله،
صورة الله
ومثاله. بهذا
تنجذب الصورة
إلى الأصل،
ويجد الأصل أي
الله مسرته في
صورته الحيّة
المُعلنة في
الإنسان. فإن
كان قد سمح
لشعبه ألاَّ
يعبروا من مصر
إلى كنعان في
فترة وجيزة،
بل يجتازوا
البرية إلى
سنوات، إنما
لكي تُمتحن
أعماقهم، حتى
يحفظوا
وصيته،
ويتمتعوا بها،
ويحيوا بها
ويرثوا كنعان
السماوية.
"جميع
الوصايا التي
أنا أوصيكم
بها تحفظون
لتعملوها،
لكي
تحيوا،
وتكثروا،
وتدخلوا،
وتمتلكوا الأرض
التي أقسم
الرب لآبائكم.
وتتذكر
كل الطريق
التي فيها سار
بك الرب إلهك هذه
الأربعين سنة
في القفر،
لكي
يذلّك
ويجربك،
ليعرف
ما في قلبك
أتحفظ وصاياه
أم لا" [1-2].
واضح
أن موضوع "الطاعة"
أو التمتع
بوصية الرب
هو غاية
الأربعين سنة
في وسط
البرية. فإن
كانت هذه
السنوات
تُشير إلى
حياتنا
الزمنية، التي
هي أشبه برحلة
مستمرة
خلالها نعبر
من أرض العبودية
لندخل كنعان
السماوية،
يليق بنا أن نركز
على كلمة
الله، ونتمتع
بوصيته،
ونجاهد بروحه
القدوس
لنمارس
الطاعة لها.
وذلك باتحادنا
بالكلمة
المتجسد الذي
وهو الابن "تعلم
الطاعة مما
تألم به" (عب 5: 5).
باتحادنا به
ننعم
بالكلمة،
وننال شرف الشركة
معه في
طبيعته، أي
شرف الطاعة
الكاملة لله
الآب.
أولاً:
قبول جميع
الوصايا،
فالوصايا
وِحدة واحدة
لا تتجزأ؛ إما
أن نقبلها
بكليتها أو
نُحسب رافضين
لها. لأن قبول
الوصايا في
أعماقها هو
قبول شخص
الكلمة
الإلهي عاملاً
فينا؛ إما أن
نقبله فنسكن
فيه ويثبت فينا،
أو نصير
خارجًا عنه
ولا نتمتع به.
كلمة الله لا
يتجزأ!
ثانيًا:
بقوله "تحفظون"
يشير إلى
الانشغال
بالوصايا
والاهتمام
بها، تسحب
قلوبنا
وأفكارنا،
وتشغل كل
كياننا. هكذا
من يقبل
الكلمة
المتجسد
يترنم بكل
كيانه، وليس
فقط بلسانه،
قائلاً: "أنا
لحبيبي، وحبيبي
لي" (نش 6: 3).
ثالثًا:
بقوله "لتعملوها"
يعلن النبي أن
الوصية ليس
فكرًا نظريًا
ننشغل به، ولا
فلسفة
نعتنقها، ولا
مبدأ نتحدث
عنه، وإنما
حياة مُعاشة
نمارسها.
أما
غاية الوصية
فهي عودة
الإنسان كما
إلى الحياة
الفردوسية،
فيسمع ما قيل
لأبويه آدم وحواء
أن يعيشا
ويُكثرا
ويتسلطا على
الأرض. يقول
النبي: "لكي
تحيوا
وتكثروا
وتدخلوا
وتمتلكوا".
بالوصية
نقتني كلمة
الله واهب
الحياة، فنحيا،
ونأتي بثمار
كثيرة ويكون
لنا أبناء في
الرب، وندخل
الحياة
السماوية
ونملك،
قائلين مع القدِّيس
يوحنا
اللاهوتي:
"جعلنا ملوكًا
وكهنة لله
أبيه" (رؤ 1: 6).
من
بركات الوصية
أن نتذكر
معاملات الله
معنا، يدخل
بنا إلى القفر
لنكتشف
مذلتنا
وضعفنا،
ونعلن له
حفظنا للوصية
أو رفضنا لها.
ندرك أن كل ما
يمر بنا ليس
كما يظن البعض
مصادفة، بل
بحكمةٍ
إلهيةٍ وخطةٍ
فائقةٍ لكي
نتمتع ببركات
إلهية وسط
القفر.
قيل في
رسالة يعقوب:
"الله لا يجرب
أحدًا" (يع 1: 13)،
بينما هنا
يقول: "الرب
إلهكم يجربكم"
[3]. يقول القدِّيس
أغسطينوس:
[يلزمنا أن
نفهم أنه يوجد
نوعان من
التجارب، تجربة
تخدع والأخرى
تزكي. فمن جهة
التي تخدع قيل:
"الله لا يجرب
أحدًا"، أما
التي تذكي
فقيل عنها:
"الله
يجربكم"[87]].
يكشف
هذا الأصحاح
عن أقصر الطرق
المؤدية إلى
كنعان
السماوية
وأكثرها
أمانًا وهو
اكتشاف خطة
الله من خلال
الأحداث
الماضية. تبدو
الأحداث
التاريخية
للبعض أنها
أحداث بشرية
زمنية، لكن
القلب النقي
يتلمس إعلانات
الله خلال هذه
الأحداث. رحلة
الحياة وإن كانت
تحوي أحداثًا
كثيرة، لكن
جميعها أشبه
بخيوط تُجدل
معًا لتعلن
خيط رعاية
الله الذي لا
ينقطع.
2. عينا
الرب تترفقان
وسط القفر:
"فأذلك
وأجاعك
وأطعمك المن
الذي لم تكن
تعرفه ولا
عرفه آباؤك،
لكي
يعلمك أنه ليس
بالخبز وحده
يحيا الإنسان،
بل
بكل ما يخرج
من فم الرب
يحيا الإنسان.
ثيابك
لم تبلَ عليك،
ورجلك
لم تتورم هذه
الأربعين
سنة" [3-4].
فأذلَّك [3]:
كان التيه في
البرية
عقابًا حلّ
على الجيل الماضي
ليدفع الجيل
الحاضر نحو
التواضع والخضوع.
إذ
صاروا على
أبواب كنعان
يليق بهم ألا
ينسوا فترة
البرية
الطويلة،
فالقفر
بالنسبة لهم مدرسة،
تعلموا فيها
أن الإنسان
كائن جائع يحتاج
إلى طعام لم
يكن يعرفه،
ولا عرفه
آباؤه، المن
النازل من
السماء (خر 16: 28)،
أو كلمة الله
واهبة الحياة.
يدرك
المؤمن أن
الله يهتم بكل
أموره، فيستر
عليه بثياب لا
تُبلى، ويحفظ
قدميه فلا
تتورما. الله
يهتم بأكلنا
وشربنا
وثيابنا
وصحتنا. الله
يسند الحياة
ويشبعها بطريقه
الخاص، بالمن
السماوي. الله
الذي يهب الإنسان
الخبز ليُشبع
الجسد هو الذي
يهب النفس
أسراره
الإلهية
"المن
الروحي"،
ليشبع احتياجاتها.
من يركز عينيه
على الخبز
المادي يصير
مدينًا
للتراب بما
يقدمه له، أما
من يركز عينيه
على معرفة
الله الحية
يصير مدينًا
له بحياته.
إنه
يسمح
بالتجارب
فنشعر
بالمذلة،
لكنه يسمح بها
في الحدود
التي لنفعنا
وبنياننا،
فلا نخرج منها
جائعين أو
عراة أو مرضى،
بل منتصرين ونامين
ومكلّلين
بالمجد. يسمح
بالتجارب لكي نكتشف
الله الحق
ورعايته
ومراحمه وحبه!
إن
كان قد سمح
لهم بالتيه،
لكنهم في وسط
القفر لم
يكونوا في
حاجة إلى حرث
الأرض
وزراعتها وسقيها
وحصد الثمار،
ولا إلى طحن
الحنطة وعمل
خبز، ولا إلى
طهي طعام؛ كما
لم يكونوا في
حاجة إلى من
ينسج لهم
أقمشة، ويصنع
لهم ثيابًا، ولم
يحتاجوا إلى
من يصنع لهم
صنادل أو
أحذية، ولا
إلى أطباء
وأدوية
ومستشفيات.
كانت ثيابهم
لا تبلى بل
وتكبر كلما
كبر الطفل
وهكذا الأحذية.
أورد
السيِّد
المسيح الآية
[4] للرد على
الشيطان
عندما طلب منه
أن يحول
الحجارة إلا
خبز (مت 4: 3-4).
في
وسط البرية لم
يغير الشعب
طعامه، بل كان
يأكل أشبه
بوجبةٍ
واحدةٍ في
الصباح
والظهيرة والمساء،
ودامت كل هذه
السنوات، ولم
يستبدل
الرجال أو
النساء أو الأطفال
ثيابهم، وسار
الكل في طريق
قفر جاف، لكنه
كان يشبعهم
بعنايته
الفائقة. هذا
كله ليؤكد أن
شبعنا
الحقيقي
وسعادتنا
ليست في الأكل
والشرب
والملابس
والزينة
والحياة
المترفة، بل
في الدخول إلى
حب الله
والتمتع
بأبوته الفائقة.
وكما يوصينا
السيِّد
المسيح:
"اطلبوا ملكوت
الله وبره،
وهذه كلها
تُزاد لكم" (مت
6: 33). وكما أوصى
تلاميذه: "لا
تهتموا
بحياتكم بما
تأكلون وبما
تشربون، ولا
لأجسادكم بما
تلبسون. أليست
الحياة أفضل
من الطعام؟!
والجسد أفضل
من اللباس؟!"
(مت 6: 25). وقال
لرسله: "حين
أرسلتكم بلا
كيس ولا مزود
ولا أحذية هل أعوزكم
شيء؟!" (لو 22: 35).
بالنسبة
للمؤمن
فالطريق وإن
كان قفرًا
لكنه آمن ولن
يؤذي قدميه،
إذ قيل: "أرجل
أتقيائه يحرس"
(1 صم 2: 9)، كما قيل
عن الأشرار:
"أما طريق
الغادرين
فأوعر" (أم 13: 15).
كثيرًا
ما ينشغل
الإنسان
بإشباع بطنه
بالخبز
الفاني ولا
يهتم بإشباع
نفسه بالمن
الروحي
الأبدي، كلمة
الله واهب الحياة.
لهذا تهتم
الكنيسة
بتدريب الصوم
لفترات طويلة
لا لإذلال
الجسد بالجوع
وإنما لرفع
النفس إلى
السماء، فتجد
مائدة سماوية
لائقة بها.
v طوبى
للذي يعرف كيف
يشبع في
المسيح، ليس
جسديًا، بل
روحيًا،
الشبع الذي
تقدمه
المعرفة[88].
القدِّيس
أمبروسيوس
v تأكد
تمامًا أن
العدو يهاجم
القلب عن طريق
امتلاء البطن.
الأب
يوحنا من
كرونستادت.
v كن سيدًا
على معدتك قبل
أن تسود هي
عليك. الذي يرعى
شرهه ويأمل في
التغلب على
روح الفجور
يشبه من يحاول
أن يخمد النار
بزيت[89].
القدِّيس
يوحنا
كليماكوس
v احتقروا
طعام
الملائكة
وكانوا يئنون
من أجل لحم
مصر.
صام
موسى لمدة
أربعين يومًا
وأربعين ليلة
على جبل
سيناء، وأظهر
عندئذ أن
الإنسان لا
يحيا بالخبز
وحده بل بكل كلمة
لله. لقد قال
للرب: "شبع
الشعب،
وصنعوا تماثيل".
كان موسى
بمعدة فارغة
يتسلم
الشريعة المكتوبة
بإصبع الله.
الشعب الذي
أكل وشرب وقام
للعب وصبوا
عجلاً
ذهبيًا،
وفضلوا العجل
المصري عن
جلال الله. تعب
أيام كثيرة
ضاع خلال شبع
ساعة واحدة.
كسر
موسى
اللوحين، إذ
عرف أن
السكارى لا
يستطيعون أن
يسمعوا كلمة
الله[90].
v إذ
أطاع الإنسان
الأول بطنه لا
الله طُرد من
الفردوس إلى
وادي الدموع[91].
v بعد
أن أعطيتم
اهتمامًا
عظيمًا
لأفكاركم يليق
بكم أن تلبسوا
سلاح الصوم،
وتتغنوا مع
داود: "أدّبت
بصومٍ نفسي"
(مز 69: 10)، "أكلت
الرماد مثل الخبز"
(مز 102: 9)، "أما
أنا ففي
مضايقتهم لي
كان لباسي
مُسحًا (مز 35: 13).
استُبعدت
حواء من
الفردوس
لأنها أكلت
الثمرة
الممنوعة. وإيليا
من جانب آخر
حُمل في مركبة
نارية إلى السماء
بعد أربعين
يومًا من
الصوم.
لمدة
أربعين يومًا
وأربعين ليلة
عاش موسى في لقاء
حميم مع الله،
مؤكدًا في
حالته صدق
حقيقة القول:
"ليس بالخبز
وحده يحيا
الإنسان، بل بكل
كلمة تخرج من
فم الرب" [3].
مخلص
العالم الذي
بفضائله
ونموذج حياته
ترك لنا
مثالاً نتبعه
(يو 13: 15؛ 1 بط 2: 21)،
بعد عماده
مباشرة اصعده
الروح لكي
يصارع مع
الشيطان (مت 4: 1)،
وبعد سحقه
والنصرة عليه
يسلمه
لتلاميذه كي
يطأوا
بأقدامهم
عليه، ماذا
يقول الرسول:
"الله سيسحق
الشيطان تحت
أرجلكم
سريعًا" (رو 16: 20).
ومع هذا بعد
أن صام المخلص
أربعين يومًا
نصب الشيطان فخه
له بالطعام:
"إن كنت ابن
الله فقل أن
تصير هذه
الحجارة
خبزًا" (مت 5: 3).
في
ظل الشريعة،
في الشهر
السابع بعد
النفخ في البوق
وفي اليوم
العاشر من
الشهر يُعلن
صوم لكل الشعب
اليهودي،
وتقطع كل نفس
من شعبها أن فضلت
ترفها عن
التذلل (لا 23: 27-29).
وفي
أيوب كتب عن
بهيموث أن:
"قوته في
متنيه، وشدته
في عضل بطنه"
(أي 40: 16) [92].
القدِّيس
جيروم
3. تأديب
أبوي:
لم
يكن القفر
مدرسة لاكتشاف
الإنسان
ضعفاته فحسب
فيتطلع إلى الله
كسيد وحيد له،
وإنما هي
مدرسة حب الله
الهادف. ففي
البرية يدخل
المؤمن تحت
التأديب الأبوي
لكي ينال
خبرات جديدة
ونموًا في
الفهم والحكمة.
"فاعلم
في قلبك أنه
كما يؤدب
الإنسان ابنه
قد أدبك الرب
إلهك" [5]. وكما
يقول المرتل:
"طوبى للرجل
الذي تؤدبه
وتعلمه من
شريعتك" (مز 94: 12).
v الله
يوبخ لكي
يُصلح،
ويُصلح لكي
يحفظنا له[93].
القدِّيس
كبريانوس
مع
الخيرات التي
يقدمها الله
لشعبه يقدم التأديبات
الأبدية
لحفظهم بروح
البنوة [4-5]. التأديب
بالنسبة
للمؤمن ليس
عقوبة يخشاها
ويرتعب منها،
لكنه مدرسة
يتمتع فيها
المؤمن بالمعرفة
والنمو
المستمر، هو
باب الصلاة
الحارة التي
تدفع
بالإنسان إلى
حضن أبيه
السماوي.
التأديب
هو بداية
الطريق
لإعلان الله
عن ذاته
للمؤدَب.
فالمؤدَب
يُدرك حقيقة
نفسه، وبإدراكه
لنفسه يدرك
الله، لأن من
يعرف نفسه
يعرف الله.
لهذا ركز
الآباء
الأولون مثل
القدِّيس
أكليمندس
السكندري
وأنبا أنطونيوس
الكبير على
إدراك
الإنسان
لأعماق نفسه.
بالتأديب يدرك
الإنسان أنه
كلا شيء
بذاته، لكنه
بالله قادر
على كل شيء.
يمكن
القول بأن
التأديب
بالضيق له هدف
مزدوج:
أ. أن
يتعرف
الإنسان على
نفسه،
وبالتالي
يتعرف على
الله العامل
في قلب
الإنسان
وإنسانه الداخلي.
ب. لكي
ينسحب
الإنسان من
طريق الخطية
ليقبل برّ
المسيح فيه،
يحمل طاعة
البنوة التي
للسيد المسيح
نحو أبيه الواحد
في الجوهر.
هذه هي
خطة الله في
التأديب:
نتعرف على
الله، ونتمتع
بالمسيح فينا
، ونشاركه
سماته.
4. سعة بعد
القفر:
"واحفظ
وصايا الرب
إلهك لتسلك في
طرقه وتتقيه.
لأن
الرب إلهك آتٍ
بك إلى أرضٍ
جيدة،
أرض
أنهار من عيون
وغمار تنبع في
البقاع والجبال.
أرض
حنطةٍ وشعير
وكرم وتين
ورمان.
أرض
زيتون زيتٍ
وعسل.
أرض
ليس بالمسكنة
تأكل فيها
خبزًا، ولا
يعوزك فيها
شيء.
أرض
حجارتها
حديد، ومن
جبالها تحفر
نحاسًا" [6-9].
في
العهد القديم
يقدم الله
الأرض الجيدة
أرض أنهار،
حيث تنبع
العيون
والغمار في
البقاع والجبال،
تأتي بكل ما
يحتاجه الإنسان
من ثمار
ومحاصيل [7]. أما
في العهد الجديد
فيقدم لنا
السيِّد
المسيح حضن
الآب كموضع ميراث
لنا، حيث
نستقر فيه إلى
الأبد في آمان
بلا حرب ولا
عدو، تفيض
علينا ينابيع
الروح القدس
الذي يشكلنا
على أيقونة
المسيح،
ويجعلنا مثله.
لم يكن ممكنًا
للإسرائيليين
أن يدركوا سرّ
الله الفائق،
ولا أن
يختبروا
الحياة
السماوية
الفائقة، كل
ما كان يمكن
للشعب إدراكه
هو الأرض
الجيدة
والأنهار
والينابيع والحنطة
والشعير
والكروم
والتين
والرمان والزيتون
والعسل.
أرض
جيدة [7] يقول
المسافرون في
البرية في
طريقهم من مصر
أنهم يشعرون
بالارتياح
عند وصولهم
إلى فلسطين
بسهولها
المزهرة ووديانها
الجميلة
وتلالها
الخضراء،
خصوصًا وأن
ارتفاعها
يمدها
بمحصولات
المنطقة
المعتدلة،
والقريبة من
الحارة.
حجارتها
حديد [9] الوصف
هنا للصخور
الصلبة
السوداء التي
تُستعمل
لأغراض كثيرة.
نحاس [9] يوجد
في تلال
فلسطين (2 صم 8: 8)،
وقد وُجدت
آثار لتعدين
النحاس
بالقرب من
حماة.
تحتوي
جبال جنوب
لبنان ومنطقة
شرق بحر الجليل
وجنوب البحر
الميت على
حديد. أما
النحاس والحديد
فيوجدان
بكثرة في
منطقة عربة
جنوب البحر
الميت. بعض
مناجم النحاس
ترجع إلى أيام
سليمان وربما
قبل ذلك. كانت
زارتان Zarethan
مركزًا
للأعمال
النحاسية في
أيام سليمان (1
مل 7: 45-46)
بعض
الأشياء
البرنزية في
هذا الموقع
ترجع إلى ما
قبل سليمان،
واليوم توجد
أعمال برنزية
في تمنه بنجب.
إذ
يدخل بنا إلى
القفر للتأديب
نعلن عن حفظنا
وصايا الرب
وتمتعنا بمخافته.
عندئذ ينطلق
بنا من الضيق
إلى السعة.
·
عِوض
الأرض القفر
يدخل بنا إلى
أرض جديدة.
·
عِوض
الجفاف نتمتع
بأنهار مياه
حيّة وينابيع
لا تنضب.
·
عِوض
البرية
الجافة نتمتع
بحقول مملوءة
من المحاصيل والفواكه.
·
عِوض
الضنك لا
نعتاز إلى
شيء.
·
عِوض
الحجارة نجد
مناجم حديد،
وعِوض الجبال مناجم
نحاس.
وكأنه
خلال ضيق
البرية يدخل
الإنسان كما
إلى جنة عدن،
ليحيا ويعمل
في أرض جيدة،
ترويها الأنهار
والينابيع،
ويجد ثمارًا
بلا حصر، وموارد
ثمينة.
لقد
قدم لهم هذه
العطايا
للأسباب
التالية:
1.
لكي يكتشفوا
عناية الله
الفائقة،
فبعد حياة
طويلة في
القفر ينالون
بفيض ما لم
يتوقعونه.
2.
لكي يدركوا
بركات حفظ
وصايا الرب،
فإنه يهب المطيعين
بركات زمنية
وسماوية.
3. أن
الله يُحوّل
حتى تعب
الآخرين
لراحتهم، يجدون
حقولاً لم يغرسوها،
وآبارًا لم
يحفروها،
وموارد غنية لم
يتعبوا فيها.
4. ما
ينالونه إنما
هو رمز لما
سينالونه
بدخولهم
أورشليم
العليا،
وتمتعهم
بكنعان
السماوية.
لم
يشر إلى كل
المحصولات
والفواكه
التي في كنعان
بل اختار
الآتي:
أولاً:
الحنطة
والشعير،
الحنطة
تستخدم
كطعامٍ للإنسان،
والشعير
للحيوانات
والطيور. وكأن
الله يشبع
احتياجاتهم
واحتياجات
حيواناتهم
وطيورهم.
ثانيًا:
الكروم، إذ
يشير عصير
العنب أو
الخمر إلى الفرح
الروحي، الذي
هو غذاء
النفس. فكما
يهتم بأجسادهم
يهتم أيضًا
بنفوسهم،
فيشبعها
بالفرح
السماوي.
ثالثًا:
التين، وهو
يشير إلى
الكنيسة حيث
لا تحمل بذرة
ما طعمًا، ما
لم تجتمع
البذور كلها
معًا في غلاف
يعطيها عذوبة.
هكذا المؤمن
مهما كان
مركزه الكنسي
يكون بلا طعم
ولا قيمة ما
لم يتحد مع
اخوته في غلاف
الوحدة والحب.
وكأن الله
يهتم
بالجماعة ككل
كما بكل عضوٍ
فيها.
رابعًا:
الرُمّان،
يستخدم عصيره
في المناطق
الحارة صيفًا
كشرابٍ باردٍ.
فالله يهتم
حتى براحتنا،
واهبًا إيّانا
برودة وسط
الضيقات.
خامسًا:
الزيتون،
يستخدم زيته
كطعامٍ
صحّيٍ، وفي الإضاءة
والأدوية، أي
يهتم بصحة
شعبه واستنارتهم.
سادسًا:
العسل، حيث
يختبر
المؤمنون
حلاوة العشرة
مع الله وعذوبتها.
5. الشكر
من أجل بركات
الرب وتذكرها:
"فمتى
أكلت وشبعت
تبارك الرب
إلهك لأجل
الأرض الجيدة
التي أعطاك.
احترز
من أن تنسى
الرب إلهك ولا
تحفظ وصاياه وأحكامه
وفرائضه التي
أنا أوصيك بها
اليوم.
لئلاَّ
إذا أكلت
وشبعت وبنيت
بيوتا جيدة
وسكنت،
وكثرت
بقرك وغنمك
وكثرت لك
الفضة والذهب
وكثر كل ما
لك،
يرتفع
قلبك وتنسى
الرب إلهك
الذي أخرجك من
أرض مصر من
بيت العبودية.
الذي
سار بك في
القفر العظيم
المخوف مكان
حيات محرقة
وعقارب وعطش
حيث ليس ماء
الذي
أخرج لك ماء
من صخرة
الصوان.
الذي
أطعمك في
البرية المن الذي
لم يعرفه
آباؤك لكي
يذلك ويجربك
لكي يحسن إليك
في آخرتك" [10-16].
إن كان
الله قد وهب
شعبه أرضًا
جيدة إنما لكي
يأكل
المؤمنون
ويشبعون
ويباركون
الرب، فيصيرون
هم أنفسهم
أرضًا جيدة
تحمل ثمار
الروح: الحب
والفرح
والشكر
الدائم لواهب
البركات.
حياة
الشكر تكشف عن
قلوب مقدسة
تتلامس مع
محبة الله
وتدرك أسرار حبه،
فتتجاوب معه.
أما
النفوس التي
تنسى رعاية
الله وبركاته
فتسقط في
الكبرياء
وتتجاهل عمل
الله معها
الذي انطلق
بها من البرية
مسكن الحيات
المحرقة والعقارب،
الأرض القفر
التي بلا ماء،
ودخل بها إلى
أرض جيدة تفيض
بالخيرات
ومملوءة
بالموارد
الطبيعية.
عِوض القفر مسكن
الحيات
القاتلة قدّم
أرضًا مملوءة
حقولاً يرعى
فيها البقر
والغنم. عِوض
الصحراء قدّم
لهم أرضًا
مملوءة
بالفضة
والذهب.
في وسط
البرية
القاحلة أخرج
لهم ماءً من
صخرة صوان.
وكان الينبوع
يرافقهم كل
الطريق حتى عبروا
إلى حيث
الأمطار
والمياه
الغزيرة.
كثيرًا ما
ركّز الأنبياء
في العهد
القديم على
وجود الأمطار في
أرض الموعد
كعلامة على
عطايا السماء
في العهد
الجديد، حتى
دُعيَ العصر
المسياني
بعصر المياه.
لاحظ القدِّيس
جيروم الربط
هنا بين
الحيات
المحرقة
والعقارب وبين
العطش حيث ليس
ماء فكتب في
رسالته إلى
أوشانيوس Oceanus أحد
النبلاء
الرومان
الغيورين على
الإيمان متحدثًا
عن بركات
المياه
والمعمودية،
جاء فيها[94]:
·
في
البدء أثناء
الخلقة كان
روح الله يرف
على وجه
المياه كقائد
مركبة (تك 1: 2)،
وأخرج منها
العالم
الصغير،
رمزًا للطفل
المسيحي الذي
يغطس في مياه
المعمودية.
·
إن
كلمة سموات في
العبرية shamyim تعني
"الخارج من
المياه".
·
الكائنات
الحية
السماوية
التي رآها
حزقيال النبي
في رؤياه على
رؤوسها شبه
مقبب كمنظر البلور
الهائل
منتشرًا على
رؤوسها (حز 1: 22)،
وأنها مياه
مضغوطة جدًا.
·
في
جنة عدن وُجد
نهر في وسطها،
له أربعة رؤوس
يسقي الجنة
(تك 2: 10).
·
في
رؤيا حزقيال
عن بيت الرب
الجديد رأى
مياه تخرج من
عتبة البيت
نحو المشرق،
والمياه تُشفي،
وتهب حياة
للأنفس
الميتة (حز 47: 1-9).
·
عندما
سقط العالم في
الخطية لم يكن
ممكنًا تطهيره
إلا
بالطوفان،
وبعد أن خرج
الطائر الدنس،
عادت حمامة
الروح القدس
إلى نوح، جاءت
فيما بعد إلى
المسيح في نهر
الأردن وحملت
الغصن المبشر
بالسلام
للعالم كله في
منقارها.
·
غرق
في مياه البحر
الأحمر فرعون
وجنوده الذين
رفضوا السماح
لشعب الله أن
يتركوا مصر،
بهذا صار
البحر رمزًا
لمعموديتنا.
وقد وُصف هلاك
فرعون في سفر
المزامير:
"أنت شققت البحر
بالفضائل
بقوتك؛ كسرت
رؤوس
التنانين في
المياه. أنت
رضضت رؤوس
لويثان" (مز 74: 13-14 LXX).
·
كما
أن الخشبة
جعلت مياه
مارة حلوة
لتروي
بمجاريها
سبعين نخلة،
هكذا جعل
الصليب مياه
الشريعة
واهبة الحياة
لرسل المسيح
السبعين (خر 15:
23-27؛ لو 10: 1).
·
حفر
إبراهيم
واسحق آبارًا
بينما حاول
الفلسطينيون
منعهما (تك 26: 15، 18).
·
بئر
سبع، مدينة
القسم (تك 21: 31)،
وجيحون موضع
تجليس سليمان
ملكًا، حملت
أسماءها من
الينابيع (1 مل 1:
38؛ 2 أي 32: 30).
·
وجد
اليعازر رفقة
بجوار بئر (تك 24:
15-16).
·
إذ
كانت راحيل
تسحب ماء من
البئر نالت
قبلة هناك (تك 29:
11) بواسطة
يعقوب.
·
إذ
كانت بنات
كاهن مديان في
طريقهن
ليبلغن إلى
البئر وكن في
ضيقة فتح موسى
لهن الطريق
وخلصهن من
الطاردين لهن
(خر 2: 16-17).
·
هيأ
سابق الرب في
ساليم (أي
السلام) الشعب
للمسيح
بينبوع ماء
(يو 3: 23).
·
لم
يبشر المخلص
نفسه بملكوت
السموات إلا
بعد أن طهر
الأردن
بعماده فيه
بالتغطيس (مت 3:
13-14).
·
قال
لنيقوديموس
بطريقة سرية:
"إن كان أحد لا
يولد من الماء
والروح لا
يقدر أن يدخل
ملكوت الله"
(يو 3: 5).
·
كما
بدأت خدمة
المسيح
بالماء انتهت
أيضًا به، إذ
ضُرب جنبه
بالحربة ففاض
منه دم وماء
كرمزين
للعماد
والاستشهاد
(يو 9: 34).
·
بعد
قيامته عندما
أرسل رسله
للأمم أمرهم
أن يعمدوهم
بسرّ الثالوث
(مت 28: 19).
·
إذ
تاب اليهود عن
شرورهم
أرسلهم بطرس
ليعتمدوا (أع 2:
38).
·
بولس
مضطهد
الكنيسة،
الذئب الثائر
الخارج من
بنيامين (تك 49: 27)
يحني رأسه
أمام حنانيا،
واحد من قطيع
المسيح، ونال
بصيرته فقط
عندما تقبل
دواء
المعمودية (أع
9: 17-18).
·
بقراءة
النبي تهيأ
خصي كنداكة
ملك أثيوبيا لمعمودية
المسيح (أع 8: 27، 38).
وعلى خلاف
الطبيعة غيّر
الأثيوبي
جلده والنمر
رقطه (إر 13: 23)...
·
"صوت
الرب على
المياه... الرب
على المياه
كثيرة" (مز 29: 3، 10).
"أسنانك
كقطيع
الجزائر
الصادرة من الغسل،
اللواتي كل
واحدة متئم،
وليس فيهن عقيم"
(نش 4: 2).
·
أشار
ميخا النبي
إلى نعمة
المعمودية:
"يعود يرحمنا،
يدوس آثامنا،
وتُطرح في
أعماق البحر جميع
خطاياكم" (مي 7: 19).
ربما
يتساءل البعض:
"أما يعلم الله
أن بالبرية
حيات قاتلة
وعقارب ولا
يوجد بها ماء،
فلماذا سمح
الله لشعبه أن
يسلك هذا
الطريق
الضيق؟"
أولاً: لكي
يكتشف المؤمن
أعماقه
الداخلية،
ففي وسط الضيق
يسهل على
الإنسان أن
تنسحب نظراته
إلى أعماقه
ليراها. لقد
قاد الله شعبه
في وسط البرية
حيث الحيات المحرقة
والعقارب،
فكان حارسًا
وسندًا لهم حتى
يعبروا إلى
الأرض
الجديدة
الآمنة. هكذا
يليق بنا أن
ندرك أن الله
يحملنا إلى
أعماقنا لنراها
مملوءة
بالحيات
القاتلة التي
تسلّلت إلينا
إما بإرادتنا
أو خلال
إهمالنا. إنه
يقودنا
ويحوّل
طبيعتنا
القاحلة التي
تسكنها الخطايا
كحيات قاتلة،
ويعبر بنا إلى
الطبيعة الجديدة.
يحوّل جفافنا
الروحي إلى
شركة الطبيعة
الإلهية،
فنصير كمن هم
في كنعان
الجديدة.
محبة
الله وراء ذلك
التي تحول
الإنسان الذي
قد أفسدته
الخطية إلى
عدم الفساد.
اختار الإنسان
بكامل حريته
الخطية، لذا
صار الضيق
ضروريًا لسحبه
من طريقها.
v لم
تكن هذه
البرية قفرًا
بلا ثمر مثل
الطبيعة البشرية.
فإنه كم من
العقارب
والأفاعي
توجد في برية
هذا المثل
(الطبيعة
البشرية)؟ كم
من الحيات
وأولاد
الأفاعي (مت 3: 7)
توجد فيها؟!...
لكن ليتنا لا
نخاف، فإن
قائد خروجنا
هذا ليس موسى
بل يسوع[95].
القدِّيس
يوحنا الذهبي
الفم
ثانيًا: إذ
يدخل بنا إلى
الضيق ندرك
عجز كل يدٍ
بشريةٍ عن
مساندتنا،
فنتطلع إلى
الله وحده
القادر أن
يجعل من
الضيقة
طريقًا
لخلاصنا وسعادتنا
الداخلية
ومجدنا.
يؤكد
الكتاب
المقدس في كل
موضع حاجة
الإنسان بعد
سقوطه في
الخطية إلى
الضيق. كأن
الكتاب كله،
خاصة هذا
السفر، يؤكد
هذه الحقيقة
أن الضيق هو
طريق الدخول
إلى السعادة
الحقة.
6. عدم
الاتكال على
الذات:
أولى
الخطايا
ورأسها التي
تسللت حتى إلى
السمائيين
فأحدرت إبليس
وجنوده هي
الكبرياء أو
الاعتداد
بالذات. صوب
العدو ذات السهم
إلى قلبيّ
أبوينا
الأولين آدم
وحواء، إذ قال
لحواء: "تكونان
كالله" (تك 3: 5).
ولا يزال
يصوّب ذات
السهم نحو
البشرية، فنظن
أننا آلهة، بقوتنا
وقدرتنا
بلغنا
المكاسب
المادية أو الاجتماعية
أو الروحية.
أما علاج ذلك
فهو تذكر
معاملات الله
معنا ورعايته
الفائقة وعطاياه
المستمرة
لذلك يقول:
"ولئلاَّ
تقول في قلبك
قوتي وقدرة
يدي اصطنعت لي
هذه الثروة.
بل
اذكر الرب
إلهك انه هو
الذي يعطيك
قوة لاصطناع
الثروة لكي
يفي بعهده
الذي اقسم به
لآبائك
كما في هذا
اليوم" [17-18].
7. عدم
الاتكال على
آلهة غريبة:
عدم
تذكر عطايا
الله ونسيان
رعايته
الفائقة ليس
فقط يدفعنا
إلى الكبرياء
فنقيم من
ذواتنا آلهة
لأنفسنا،
وإنما ينحرف
بنا لنتشبه
بعبدة
الأوثان، إذ
نقيم لأنفسنا
آلهة أخرى غير
الله الحقيقي.
كأن نتكئ على
الأذرع
البشرية أو
خبراتنا
البشرية المجردة،
أو
إمكانياتنا
أو علمنا
ومعرفتنا أو مراكزنا
الاجتماعية،
آلهة كثيرة
ينحني أمامها
الإنسان
متجاهلاً
إمكانية الله.
بمعنى آخر
عِوض
الالتجاء إلى
الله الذي
وهبنا كل هذه
البركات
بيديه، نُقيم
منها آلهة،
فتتحول هذه البركات
إلى دعوة
للعبادة
الوثنية.
"وإن
نسيت الرب
إلهك وذهبت
وراء آلهة
أخرى وعبدتها
وسجدت لها،
أشهد
عليكم اليوم
أنكم تبيدون
لا محالة.
كالشعوب
الذين يبيدهم
الرب من
أمامكم كذلك تبيدون
لأجل أنكم لم
تسمعوا لقول
الرب
إلهكم"
[19-20].
ليس
عند الله
محاباة، فمن
يتكئ عليه ويطيعه
يتمتع
بالمكافأة،
ومن يلجأ إلى
غيره متجاهلاً
رعايته
وعاصيًا
وصاياه يفقد بركته؛
تاركًا كمال
الحرية
للإنسان أن
يختار طريقه.
من
وحي تثنية 8
لتعبر
بي في قفر
حياتي
v لترافقني
أيها العجيب
في رعايته.
بروح
الأبوة
الفائقة
اسندني، فإني
في قفر!
أنت
تحوّل قفر
حياتي إلى
فردوس.
تسير
بي لتدربني
وسط الآلام،
تحفظ
قلبي وتسنده
فيصير كله لك.
v في
وسط البرية
أشعر بعطشٍ
شديدٍ.
من
يرويني إلا
الينبوع
الصادر من
جنبك،
يا
أيها الصخرة
التي ترافقني!
v في
وسط البرية
أشعر بجوع
قاتل،
لترسل
لي المن
السماوي.
هب لي
كلمتك
المحيية
خبزًا
سماويًا.
عرفني
ذاتك، معرفتك
هي الطعام
الأبدي.
إني
أصرخ إليك:
إلى
متى اهتم بشبع
بطني،
ولا
أنشغل بطعام
نفسي؟!
v بإرادتي
دخلت الحيات
المحرقة إلى
طبيعتي.
وجدت
العقارب لها
في مكانًا.
صرت
في ظمأ قاتل!
بصليبك
تقتل كل
حيَّة،
وتسحق
العقارب تحت
قدمي،
وتفيض
ينابيع روحك
القدوس في
داخلي!
عجيب
أنت يا من
تحوّل قفر
طبيعتي،
إلى
شركة الطبيعة
الإلهية.
v ماذا
أقدم لك في
وسط البرية؟
ليس
لي ما أقدمه
إليك يا أيها
الغني!
اقبل
شكري ذبيحة حب
مقبولة لديك.
لأذكر
رعايتك
الفائقة،
لأذكر
حبك العملي
العجيب،
لأذكر
معاملاتك معي
كل يوم.
أثارك
تقطر دسمًا يا
أيها الحب
الفائق.
[87] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tract. 43:5.
[88] St. Ambrose: The Duties of the Clergy, Book X, 17 (92).
[89] Ladder, step 14.
[90] St. Jerome: Against Jovinianus, Book 2:15.
[91] St. Jerome: Ep. 22:10.
[92] St. Jerome: Letter 130:10.
[93] Epistle 7:5.
[94] St. Jerome: Letter 69:6.
[95] In Ephes. Hom. 23.