غاية
الوصيَّة
الإلهيَّة أن
تتحوَّل حياة
المؤمن إلى
عيدٍ دائمٍ،
وكما يؤكِّد
في هذا الأصحاح
"لا تكون
إلاَّ فرحًا"
[15]. يحدِّثنا
موسى النبي عن
الثلاثة
أعياد السنويَّة
الرئيسيَّة
الكبرى (خر 23: 14-17؛ 34:
18-23؛ لا 23)، والتي
يمكن دعوتها "أعياد
السياحة أو
الغربة"،
فيها يذكر
الشعب
تغرُّبه بفرح
وسرور مقدِّمًا
عطايا لبيت
الرب قدر
استطاعته وهي:
1. عيد
الفصح [1-8]:
يرمز للفداء،
فيه تهلَّلت
البشريَّة
بغلبتها على
إبليس.
2. عيد
الأسابيع أو
البنطقستي [9-12]:
يرمز لفرحنا
بحلول الروح القدس
علينا
(العنصرة).
3. عيد
المظال [13-17]: إذ
نقيم هنا كما
في مظالٍ
نترقَّب كمال
المجد في
المسيح.
لم يشر
هنا إلى
الأعياد
الكبرى
الأخرى مثل عيد
الأبواق ويوم
الكفَّارة،
إذ اكتفى
بالأعياد
التي يجتمع
فيها الشعب
معًا في بيت
الرب. وقد سبق
لنا الحديث عن
الأعياد
أثناء
دراستنا
لأسفار
الخروج
والعدد واللاويِّين،
عن مفاهيمها
الروحيَّة،
وطقوسها،
ونظامها،
لدراسة
الأعياد راجع
[عد 28-29].
يهتم
هنا بالتركيز
على الفرح
الجماعي
والعبادة
الجماعيَّة
في الموضع
الذي يختاره
الرب، وألاَّ
يظهر المؤمن
فارغًا في بيت
الرب. يختم
ذلك بتأكيد
العدالة في
القضاء في بيت
الرب، وعدم الخلط
بين عبادة
الله
والعبادة
الوثنيَّة. علامة
الإخلاص
للعهد عطاء
القلب لله
بممارسة الفرح
والتهليل.
هكذا تمزج
الشريعة
العطاء القلبي
بالفرح
المستمر في
الرب مع
ممارسة العدالة
كعلامة
للإخلاص لله
العادل الذي
يرفض الظلم.
إذ لا يفصل
بين الشرائع
التي تحكم بين
المؤمنين
والشرائع
الخاصة
بالعبادة. هذا
ما نلاحظه عبر
السفر كلُّه.
فلا عدالة وحب
بدون عبادة نقيَّة،
وليست عبادة
مقبولة دون
عدل ورحمة نحو
الاخوة. هكذا
تمتزج
العبادة
بالسلوك ليعملا
معًا كحياة
واحدة
مقدَّسة لا
تتجزَّأ.
1. عيد
الفصح
[1-8].
2. عيد
الأسابيع
[9-12].
3. عيد
المظال
[13-15].
4.
الأعياد
والعطاء
[16-17].
5.
الأعياد
والعدالة
[18-20].
6. عدم
الخلط بين
عبادة الله
والأوثان
[21].
1. عيد
الفصح:
عيد
الفصح
بالنسبة
للشعب
العبراني له معناه
الخاص، ففيه
خروج آبائهم
من مصر ليعبروا
إلى
البريَّة،
منطلقين نحو
أرض الموعد.
وهو العيد
الذي فيه وُضع
الأساس لإقامة
الشعب كأمَّة
وُلدت في مصر،
في بلدٍ غريب،
ثم انطلقت إلى
البريَّة
كصبيَّة غريبة
مخطوبة
لعريسها. كقول
الرب في سفر
إرميا: "قد
ذكرت لكِ غيرة
صباكِ،
محبَّة
خطبتكِ، ذهابك
ورائي في
البريَّة في
أرض غير
مزروعة" (إر 2: 2). وكأن
عيد الفصح هو
تذكُّر
انطلاق
الصبيَّة المولودة
في الغربة إلى
حالة نضوج
لتكون عروسًا
روحيَّة
للسماوي.
هذا
ما جعل حدث "الخروج"
أو "عيد
الفصح" عَصَب
الكتاب
المقدَّس،
بكونه ظلاً
للخروج الذي
حقَّقه لنا فصحنا
يسوع المسيح،
الذي يعبر بنا
من أرض العبوديَّة
إلى
البريَّة،
متَّجهين نحو السماء،
كعروسٍ
سماويَّة
مزينة لرجلها
(رؤ 21: 2). وقد سبق
أن عرض سفر
الخروج لتفاصيل
هذا العيد في
الأصحاح
الثاني عشر.
شريعة
عيد الفصح لها
قدسيَّتها
الخاصة، فيلتزم
الشعب بحفظ
الشهر كلُّه،
مع أن العيد
يحتفل به
لمدَّة أسبوع
واحد وسط الشهر.
"احفظ
شهر أبيب
واعمل فصحًا
للرب إلهك،
لأنَّه
في شهر أبيب
أخرجك الرب
إلهك من مصر
ليلاً" [1].
جاء
في الترجمة
السبعينيَّة: "احفظ
شهر الأمور
الجديدة،
واحفظ الفصح
للرب إلهك".
v لقد
انتهى زمان
الظلال،
والأمور
القديمة قد بطلت،
الآن شهر
الأمور
الجديدة قد صار
بين أيدينا،
والذي يليق
بكل إنسان أن
يحفظ العيد في
طاعة له[192].
البابا أثناسيوس
الرسولي
شهر
أبيب أو شهر
الثمار
الجديدة (ما
بين شهريّ
مارس وإبريل)،
هو الشهر الذي
فيه تمتَّع
الشعب
بالخروج من
مصر،
والانطلاق من
العبوديَّة.
صار هذا الشهر
هو بدء السنة
اليهوديَّة
(خر 12: 2).
v إن
كان الله نفسه
يحب العيد،
ويدعو إليه،
لهذا لا يليق
يا اخوة أن
تتأخَّروا في
الاحتفال به،
ولا أن تحفظوه
بإهمال،
وإنَّما نأتي
إليه بنشاطٍ
وغيرةٍ،
ونقبل نحو هذا
العيد السماوي
بغيرة[193].
البابا
أثناسيوس
الرسولي
دُعيَ
عيد العبور
حيث عبر
الملاك
المهلك على الأبواب
المرشوشة
بالدم ولم
يهلك أحدًا
(خر 12: 2). قُدِّم
الفصح ليلاً،
وفي نصف الليل
ضرب الرب أبكار
المصريِّين
(خر 12: 29)، عندئذ
ألحَّ المصريُّون
على الشعب أن
يخرج.
في هذا
العيد نخرج
روحيًا من
"رعمسيس"
بمصر، وفي ذهن
العلامة
أوريجانوس
معناها
"الارتباك".
ننطلق من حيث
الارتباك والفساد
إلى حيث
السلام
الداخلي
والقداسة. عيد
الفصح هو دعوة
لمراجعة
النفس في
ارتباطها بالفصح
الحقيقي،
ذبيحة المسيح
الفريدة، القادرة
وحدها أن
تنقلنا إلى
حضن الآب،
حاملين برّ
مخلِّصنا،
فنجد فيه
فرحنا
الدائم،
وسلامنا
الأبدي،
وشركتنا الحيَّة
السماويَّة
مع القدُّوس
نفسه.
لنخرج
روحيًا كما في
نصف الليل وسط
الظلمة الدامسة،
لننعم بعربون
السماء، حيث
لا تحتاج إلى
شمسٍ أو قمرٍ
ولا إلى سراجٍ
يُضيئها، لأن
شمس البرّ
نفسه يشرق
فيها. يقيم
فينا ملكوته
السماوي، ويعكس
بهاء مجده
علينا، فلا
تقدر قوَّات
الظلمة أن
تقترب إلينا.
مع
كل يوم أحد،
بل مع كل نسمة
من نسمات حياتنا
نحتفل بعيد
الفصح، حيث
نختبر قيامة المسيح
فصحنا، فنعيش
الحياة
المقامة التي
تتحدَّى آخر
عدو وهو
الموت! يحوِّل
الله كل
أيَّامنا إلى
عيدٍ غير
منقطعٍ، ويُشرق
في نصف الليل
وسط الظلمة
لنتمتَّع ببهاء
مجده وسط
غربتنا.
"فتذبح
الفصح للرب
إلهك غنمًا
وبقرًا في المكان
الذي يختاره
الرب ليحل
اسمه فيه.
لا
تأكل عليه
خميرًا،
سبعة
أيَّام تأكل
عليه فطيرًا
خبز المشقَّة،
لأنَّك
بعجلة خرجت من
أرض مصر لكي
تذكر يوم خروجك
من أرض مصر كل
أيَّام حياتك.
ولا
يرى عندك خمير
في جميع تخومك
سبعة أيَّام.
ولا
يبت شيء من
اللحم الذي
تذبح مساء في
اليوم الأول
إلى الغد.
لا يحل
لك أن تذبح
الفصح في أحد
أبوابك التي يعطيك
الرب إلهك.
بل في
المكان الذي
يختاره الرب
إلهك ليحل اسمه
فيه هناك تذبح
الفصح مساء
نحو
غروب
الشمس في
ميعاد خروجك
من مصر.
وتطبخ
وتأكل في
المكان الذي
يختاره الرب
إلهك، ثم
تنصرف في الغد
وتذهب إلى
خيامك.
ستَّة
أيَّام تأكل
فطيرًا وفي
اليوم السابع اعتكاف
للرب إلهك لا
تعمل فيه
عملاً" [2-8].
سبق
لنا الحديث عن
طقس هذا العيد
في تفسير خروج
12، وعدد 28. أمَّا
هنا فنركِّز
على النقاط
التالية.
أولاً: أن
تقدَّم ذبائح
العيد في
المكان الذي
يختاره الرب
ليحل اسمه فيه
[2، 6، 7]. لم يشر
هنا إلى أورشليم،
إذ لم يكن قد
بُني الهيكل
بعد. هذا يؤكِّد
أن السفر قد
كُتب قبل عصر
داود حيث اختيرت
أورشليم
كمدينة الله
ليُقيم فيها
سليمان بن
داود هيكل
الله.
تُقدَّم
الذبائح "في
المكان الذي
يختاره الرب
ليحل اسمه
فيه" [2]،
مؤكِّدًا أن
بيت الرب هو
هبة الله
لشعبه، يختار
الموضع
ليُعلن سكناه
في وسط شعبه.
هكذا إذ
يتطلَّع
الإنسان إلى
أعماقه يرى في
داخله هيكلاً
اختاره الرب
لكي يقدِّم
فيه ذبائح
الحب والشكر
لله خلال
الصليب
"ذبيحة
الفصح". في داخلنا
أورشليم
الروحيَّة
التي اختارها
الله بنفسه
مدينته
المقدَّسة،
وأقام فيها
هيكله،
ويتقبَّل في
داخلها
تقدماتنا.
لا
زالت الوصيَّة
قائمة: "تذبح
الفصح للرب
إلهك غنمًا
وبقرًا في
المكان الذي
يختاره الرب
ليحل اسمه فيه"
[2]. ما هو هذا
المكان سوى
الجلجثة، حيث
قُدِّمت ذبيحة
الفصح
الفريدة، فإن
كل تقدمة أو
ذبيحة تُقدَّم
خارج الجلجثة
لن يشتمها
الله الآب رائحة
سرور ورضا.
هذا هو عمل
روح الله القدُّوس،
الذي يجعل من
الكنيسة
جلجثة يلتقي فيها
المصلوب مع
محبوبيه
القادمين
ليحملوا معه
صليبه. هناك
تقدَّم ذبائح
الحب الحق.
عمل
الروح القدس
أيضًا أن
يُقيم من النفس
جلجثة ويبني
مذبحًا غير
مصنوع من حجارة،
بل هو مذبح
فائق، فيه
يُعلن مسيحنا صليبه،
وتجد النفس
لذَّتها
باللقاء معه
قائلة: "تحت
ظلِّه اشتهيت
أن أجلس وثمرته
حلوة لحلقي،
أدخلني إلى
بيت الخمر وعَلَمه
فوقي محبَّة" (نش
2: 3-4).
ليتنا
لا نذبح الفصح
في الموضع
الذي نختاره
نحن، بل
يختاره روح
الرب ويُقيم
منه جلجثة
حقَّة!
ثانيًا: في [2]
أشار إلى
تقديم
الذبيحة في اليوم
الأول من
العيد، من
الغنم أو
البقر، حيث تؤكل
في العشاء
الخاص
بالفصح، لا
يبقى منها شيء
إلى اليوم
التالي. أمَّا
في بقيَّة
أيَّام العيد
فيُمكن ذبح
أيَّة
حيوانات أخرى.
يربط العيد
بالذبائح،
فالفصح نفسه
هو ذبيحة؛
والمسيح
فصحنا ذُبح
لأجلنا (1 كو 5: 7)،
كما كانت
تقدَّم ذبائح
أخرى خلال
أيَّام العيد
السبعة (عد 28: 19).
لهذا يقول: "فتذبح
الفصح للرب
إلهك غنمًا
وبقرًا" [2].
في كل
قدَّاس إلهي
إذ نحتفل بعيد
فصحنا، أي بصليب
المسيَّا
وقيامته، فيه
نتمتَّع
بالشركة مع
المسيح
الذبيح،
فنقدِّم
حياتنا
المبذولة
ذبيحة حب
مقبولة خلال
الصليب. من لا
يقبل الصلب مع
المسيا المصلوب
لا يختبر بهجة
القيامة معه،
ولا يتذوَّق "عيد
الفصح". لهذا
يقول القدِّيس
أغسطينوس
وهو يتطلَّع
إلى المذبح
الذي يحمل جسد
الرب ودمه
المبذولين
مطالبًا
إيَّانا أن
نقبل شركة
آلامه
عمليًا،
فيقول: "أنتم
فوق المذبح،
أنتم داخل
الكأس".
ثالثًا:
يأكلون
فطيرًا غير
مختمرٍ لمدة
سبعة أيَّام [3-4،
8]، ليس فقط لا
يستخدمون
الخميرة طوال
أيَّام
العيد، بل ولا
يسمحون
بوجودها في
البيت (1 كو 5: 7).
رابعًا:
يدعو هذا
الفطير "خبز
المشقَّة"،
إذ هو ليس
سهلاً في
الهضم، وطعمه
غير لذيذ. ربَّما
يشير إلى
القسوة التي
كانوا يعانون
منها في أرض
العبوديَّة.
إذ يأكلونه
يتذكَّرون
كيف خرج آباؤهم
من مصر بسرعة
ولم يكن خبزهم
قد اختمر. حسب
الطقس
اليهودي كان
رب العائلة
يكسر الخبز
غير المختمر،
ويعطي كل واحد
من أفراد
الأسرة وهو
يقول له: "هذا
هو خبز
المشقَّة
الذي أكله
آباؤك في أرض
مصر".
رأى
الرسول بولس
في الخبز غير
المختمر
إشارة إلى
الاحتفال
بالعيد بروح
الإخلاص بغير
رياء، أو بغير
خمير الخبث (1
كو 5: 7). هذا العيد
يمتد إلى سبعة
أيَّام، أي
إلى الأسبوع
كلُّه، أو كل
حياة الإنسان.
يرى
المسيحي في كل
أيَّام حياته
عيدًا للفصح،
حيث يقبل
المسيح
الذبيح في
أعماقه علَّة
فرحٍ سماوي لا
ينقطع.
بقوله:
"تذهب إلى
خيامك" [7]
واضح أن السفر
قد كُتب حيث
كان الشعب لا
يزال يسكن
الخيام. غير
أن هذا
التعبير صار
فيما بعد
مستخدمًا
ليشير إلى
المساكن سواء
كانت خيامًا
أو مبانٍ (1 صم 13:
2؛ 2 صم 20: 1؛ 1 مل 8: 66
الخ).
كان
عيد الفصح
يسكب على
اليهود بهجة
خاصة مرة واحدة
في السنة، فيه
تذبح مئات
الألوف من الحملان
العاجزة عن
تطهير
الأعماق
الداخليَّة. أمَّا
رجال الله
الحقيقيُّون
فكانوا يتطلَّعون
إلى الحمل
الحقيقي
القادر وحده أن
يطهِّر إلى
التمام،
ويسكب بهجة
على المؤمنين
كل أيَّام
غربتهم، بل
وفي السماء
عينها. رأى
القدِّيس
يوحنا الحبيب
في وسط العرس
إنَّه "خروف
قائم كأنَّه
مذبوح" (رؤ 5: 6).
وإذ رأى القدِّيس
يوحنا
المعمدان
يسوع مقبلاً
إليه قال: "هذا
هو حمل الله
الذي يرفع
خطيَّة
العالم" (يو 1: 29).
وقال عنه
الرسول بطرس:
"عالمين
أنَّكم اُفتديتم
لا بأشياء
تفنى بفضَّة
أو ذهبٍ من سيرتكم
الباطلة التي
تقلدتموها من
الآباء، بل بدمٍ
كريمٍ كما من
حملٍ بلا عيب
ولا دنسٍ، دم المسيح،
معروفًا
سابقًا قبل
تأسيس
العالم" (1 بط 18: 19).
هكذا قبل
سقوطنا في
الخطيَّة قبِل
كلمة الله
بإرادته أن
يقدِّم نفسه
كخروف فصح
ليعبر
بالإنسان
الذي سيسقط
ويدخل به إلى
الأمجاد.
أمَّا الرسول
بولس فبكل
وضوح يدعو صليب
المسيح عيدًا
للفصح، إذ
يقول: "لأن
فصحنا أيضًا
المسيح قد ذبح
لأجلنا، إذًا
لنعيد" (1 كو 5: 7-8).
هكذا
حوَّل
مخلِّّصنا
يسوع المسيح
بصليبه حياتنا
إلى عيد فصحٍ
دائمٍ، فلا
نأكل لحم خروفٍ
عاجز عن
القيامة، بل
نتناول جسده
ودمه المبذولين،
فننعم
بالحياة
الفصحيَّة
المقامة. نأكله
لا بأعشابٍ
مُرَّةٍ، بل بروح
التوبة
الصادقة،
فندخل إلى
بهجة ملكوته
السماوي. لا
نرش الدم على
قوائم أبواب
بيوتنا، بل
يرشُّه روح
الله في
أعماقنا،
فتنفتح أمامنا
أبواب
السماء،
ويصير لنا حق
الدخول إلى حضن
الآب في
استحقاقات دم
المسيح
وبرِّه.
يرتبط
عيد الفصح
بحدثٍ تاريخيٍ،
وهو انطلاق
الشعب من
العبوديَّة،
كرمز للحرِّيَّة
التي صارت لنا
في المسيح
يسوع. أمَّا
عيد المظال أو
الأسابيع
ففيه تقدمة
شكر لعمل الله الذي
يفيض علينا
بالميراث من
الأرض التي
وهبنا
إيَّاها. العيد
الأول هو عيد
المصالحة بين
الله والإنسان
خلال الدم،
والعيد الثاني
هو عيد المساواة
بين بني البشر،
فيشترك الكل
معًا في الفرح
أمام الرب،
أيضًا خلال
ذبيحة المسيح.
عيد
الأسابيع
الذي هو
البنطقستي أو
الخمسين، حيث
يحتفل بعد
سبعة أسابيع
من عيد الفطير
(اليوم
الخمسين). فيه
يُبعث الرسل
لحصاد حزمة شعير
تُقدَّم للرب
كبكورٍ (لا 33: 10).
يرى البعض أن
العيد يحتفل
بالعناية
الإلهيَّة
بالأرض حيث
يتم الحصاد في
موعده خلال
رعاية الله
بالأحوال
الجويَّة.
"سبعة
أسابيع تحسب
لك من ابتداء
المنجل في الزرع
تبتدئ أن تحسب
سبعة أسابيع.
وتعمل
عيد أسابيع
للرب إلهك على
قدر ما تسمح يدك
أن تعطي، كما
يباركك الرب
إلهك" [9-10].
أولاً:
إحضار تقدمة
للرب، كلٌ
قدر استطاعته
[10]، وهي تقدمة
اختياريَّة،
أشبه بجزية
تقدَّم للملك
"الله نفسه"
صاحب الأرض،
والذي وهبها للشعب
كي يعمل فيها.
هذه تقدمة "حرِّيَّة
الإرادة"،
إذ تُرك
للمؤمن أن
يقدِّم حسب
كرمه دون وضع
حدود معينة،
ولكي يقدِّم
بفرح وبكامل
حرِّيَّته.
كما أن الرب
يعطيه بسخاء،
إذ يبارك محصوله
[10]، هكذا يليق
به أن يقدِّم
له ممَّا وهبه
بسخاء.
إذ
هو عيد شكر
لله السخي في
العطاء، يليق أن
يعبَّر عن هذا
العيد ليس فقط
بالعبادة وإنَّما
أن يتشبَّه
المؤمن بإلهه
فيكون سخيًا
في العطاء
لأخيه
المحتاج.
ثانيًا: أن
يُمزج العطاء
بالفرح:
"وتفرح
أمام الرب
إلهك أنت
وابنك وابنتك
وعبدك
وأَمتَك
واللاوي الذي
في أبوابك
والغريب
واليتيم
والأرملة
الذين في
وسطك،
في
المكان الذي
يختاره الرب
إلهك ليحل
اسمه فيه" [11].
يترجم
المؤمن شكره
لله عمليًا
بعطائه السخي
لأخيه، وفرحه
بالعطاء بروح
التسبيح. فيفرح
ويُفرِّح
قلوب اخوته
معه.
غاية
الأعياد
تمتُّع
المؤمن
بالفرح الروحي
ليحيا كما في
السماء،
ويعكس هذا
الفرح على
حياة أسرته
وأقربائه
والعاملين معه
وتحته. يمارس
هذا الفرح في
بيته وعبادته
وعمله وفي لقائه
مع الغير،
خاصة المساكين
والمحتاجين.
فالفرح أمام
الرب لا يقف
عند تقديم
تسابيح بالفم
لله، وإنَّما
يعبر الإنسان
بكل كيانه عن
فرحه وشكره
لله.
يرى
أحد
المفسِّرين
اليهود راشي[194] Rashi أن الله
يطلب من
المؤمن أن
يفرِّح قلوب
ثمانية: أربعة
من جانب
المؤمن هم:
"الابن والابنة
والعبد
والأَمَة"،
وأربعة من
جانب الله:
"اللاوي
والغريب
واليتيم
والأرملة". هكذا
يحتفل المؤمن
بالعيد،
جالسًا وسط
أسرته وعبيده
ورجال الله
والغرباء
والمحتاجين.
يهتم المؤمن
بأسرته
ليشتركوا معه
في بهجته بالعيد،
ولا ينسى
عبيده
العاملين في
بيته، وفي نفس
الوقت يشترك
معه من يخدم
الرب ومن يهتم
بهم الرب من
أيتام وأرامل.
كل من
يفقد حبُّه
العائلي، أو
يتشامخ على المرذولين
من العبيد
والإماء، أو
لا يبالي
بخدَّام
الرب، ولا
يفتح بيته
للغرباء، ولا
يهتم
بالمحتاجين،
يعجز عن أن
يحتفل بالعيد.
بهذا
يصير
الاحتفال
بالعيد
أيقونة
للسماء حيث
يجتمع الكل
حول الله
ويتمتَّعون
بأحضانه،
فيجد المؤمن
نفسه كما في
وسط أسرته،
بلا تمييز بين
سيِّد وعبد،
ذكر وأنثى،
يهودي أو أُممي،
غني أو فقير،
كاهن وأحد
أفراد الشعب.
يرتبط
هذا الفرح
بالعبادة،
خاصة بتقديم
ذبائح
السلامة،
وذبائح
التسبيح
والشكر لله،
فيصير القلب
حاملاً طبيعة
الشكر المتهلِّلة.
يميِّز
نوع الفرح،
فيقول "تفرح
أمام الرب"،
لأن فرح
العالم الذي
يقوم على
اللهو وعدم الالتزام
بالمسئوليَّة
وما إلى ذلك
لا يتحقَّق
أمام الرب،
ولا يملأ
النفس في
الداخل، بل
غالبًا ما
يتحوَّل إلى
حزن.
ثالثًا:
التأمُّل في
عمل الله
الخلاصي:
من أهم
العوامل التي
تبعث الفرح
الداخلي في النفس
وتدفعنا إلى
حفظ الوصيَّة
الإلهيَّة هو
تذكُّر
معاملات الله
معنا في
حياتنا، وخلاصه
العجيب لنا.
"وتذكَّر
أنَّك كنت
عبدًا في مصر،
وتحفظ
هذه الفرائض"
[12].
هكذا
يربط بين
الفرح وعمل
الله الخلاصي
مع حياة الشكر
والطاعة
للوصيَّة،
كلَّها جوانب
متلاحمة
لحقيقة واحدة
هي "الشركة مع
الله المخلِّص".
رأينا
في عيد الفصح
رمزًا
للسيِّد المسيح
الفصح
الحقيقي الذي
حوَّل حياتنا
على الأرض كما
إلى السماء،
إلى عيد لا ينقطع.
نراه
فتتهلَّل
نفوسنا وينطق
كل كياننا
بتسبحة الحمل
الجديدة.
أمَّا
بالنسبة لعيد
الأسابيع أو "البنطقستي"
فنرى الكنيسة
تقيم هذا
العيد كل
أيَّام تغربها
على الأرض،
فتقدِّم للآب
المسيح البكر،
تقدمة الشكر
العجيبة التي
لحساب كل المؤمنين،
وكما يقول
الرسول: "الآن
قد قام المسيح
من الأموات
وصار باكورة
الراقدين" (1
كو 15: 20). هذا هو
أول وأعظم
حصاد، مقبول
لدى الآب، وموضع
سروره. من
يتَّحِدون به
يصيرون معه
أبكارًا، فيقال
عنه: "أنَّهم
باكورة
أخائيَّة" (1
كو 16: 15). وكما
يقول الرسول
يعقوب: "شاء
فولدنا بكلمة
الحق لكي نكون
باكورة من
خلائقه" (يع 1: 18).
كما يُقال
عنهم: "هؤلاء
هم الذين
يتبعون
الخروف حيثما
ذهب، هؤلاء
أُشتروا من
بين الناس باكورة
لله وللخروف"
(رؤ 14: 4). هكذا
تبقى الكنيسة
البكر في حالة
عيدٍ مستمرٍ تقدِّم
مسيحها
البكر،
السنبلة الأولى،
تردِّدها في
حضرة الآب،
تقدمة شكر مقبولة
لديه.
تتكامل
هذه الأعياد
الثلاثة معًا بإعلانها
عن احتياجنا
إلى تقديس
الله لعملنا
في هذا العالم
في كل مراحله،
إذ كان اليهود
يحتفون بعيد
الفصح مع ضربة
المنجل الأولى
للحصاد علامة
بدء العمل،
وبعيد البنطقستي
حين يتم
الحصاد علامة
استمرار بركة الرب
وسط عملنا،
وبعيد المظال
في نهاية
السنة
الزراعيَّة
لكي تختم بركة
الرب على
عملنا في
نهاية الطريق.
كأن بركة الرب
ترافقنا في
البداية
وخلال العمل
وحتى النهاية.
في
عيد الفصح
يتمتَّع
المؤمن
بالمصالحة مع
الله، وفي عيد
الأسابيع
يقدِّم
المؤمن الشكر
لله بالسخاء مع
اخوته وشعوره بالمساواة
بين
المؤمنين،
وفي عيد
المظال يفرح
المؤمن
بغربته
مشتاقًا نحو
الانطلاق إلى
السماء. هذه
الأعياد
الثلاثة لا
يمكن فصلها عن
بعضها البعض،
وهي تُوجِد
نوعًا من
الاتِّحاد
بين الله
والإنسان
والسماء، هذا
الاتِّحاد
يولِّد فرحًا
جماعيًا وشخصيًا،
لن يتحقَّق
إلاَّ خلال
ذبيحة السيِّد
المسيح على
الصليب.
يُذكرهم
هنا ببعض
الطقوس
الخاصة بعيد
المظال التي
سبق فتحدَّث
عنها (عد 29: 12).
ويوضِّح
الحقائق
التالية:
أولاً: الربط
بين عمل
المظال
والجمع من
البيْدر ومن المعصرة:
"تعمل لنفسك
عيد المظال
سبعة أيَّام
عندما تجمع من
بيْدرَك ومن
معصرتك" [13]،
فإنَّه إذ
يهبنا الرب
بركة في
محصولاتنا ويسكب
فيض عطاياه
الزمنيَّة
علينا ببركته
الفائقة يخشى
لئلاَّ ترتبط
نفوسنا
بالعالم لا بخالقه.
لهذا كلَّما
تمتَّعنا
بالخيرات
يليق بنا أن
نقيم لأنفسنا
"المظال"،
متذكِّرين
أنَّنا غرباء
ونزلاء على
الأرض، التي
لن نستقر
عليها أبديًا.
ثانيًا:
ارتباط الشعور
بالغربة
بالفرح
السماوي في
الرب.
"وتفرح
في عيدك أنت
وابنك وابنتك
وعبدك وأَمَتك
واللاوي
والغريب
واليتيم
والأرملة
الذين
في أبوابك
سبعة
أيَّام تعيِّد
للرب إلهك في
المكان الذي
يختاره الرب،
لأن
الرب إلهك
يبارك في كل
محصولك، وفي
كل عمل يديك،
فلا
تكون إلاَّ
فرحًا" [14].
هذا
العيد هو دعوة
لإدراك حقيقة
مركز الإنسان
في العالم،
إنَّه غريب.
وكما يقول المرتِّل:
"لأنِّي أنا
غريب عندك، نزيل
مثل جميع
آبائي" (مز 39: 12).
هذه النظرة
ليست
تشاؤميَّة،
إذ يرافقها تطلُّع
نحو السماء
المفتوحة
وأذرع الله
المبسوطة
للمؤمنين،
لكي ينطلقوا
إليه ويستريحوا
فيه. وكما
يقول الرسول
بولس: "لأنَّنا
نعلم إنَّه إن
نقُض بيت خيمتنا
الأرضي فلنا
في السموات
بناء من الله بيت
غير مصنوع
بيدٍ أبدي" (2
كو 5: 1). الشعور
بالغربة
مصحوبًا
بالرجاء في
السماء
يولِّد فرحًا
داخليًا.
هذه هي
إرادة الله
لنا أن نفرح
أمامه، وتفرح
قلوب الآخرين
معنا. إن كان
يليق بمن هم
في ظل الناموس
أن يفرحوا
ويبعثوا
الفرح في حياة
الآخرين كم
بالأكثر يليق
بنا نحن الذين
دخلنا إلى عهد
النعمة
وتمتَّعنا
بسكنى الروح
القدس الدائمة
فينا، هذا
الذي يهبنا
ثماره التي هي
المحبَّة
والفرح الخ.
يفرح
المؤمن من أجل
ما وهبه الله
من عطايا وبركات،
ويفرح أيضًا
أنَّه يعطي
الغير، فيكون
فرحه في
العطاء أكثر
من الأخذ، حاسبًا
فرح اخوته
فرحًا له!
إنَّنا
نفرح في العيد
من أجل الرب
نفسه عيدنا،
ومن أجل عطاياه
التي تعلن عن
حبُّه لنا،
ومن أجل إنَّه
يهبنا بركة العطاء
للغير فتفرح
قلوبهم،
ونفرح من أجل
مواعيده
الصادقة
والأمينة
التي ننالها
حين يحملنا
إلى حضن الآب
عِوض المظال
التي نعيش فيها
هنا،
ونتمتَّع
بشركة المجد
معه. إنَّنا
لا نعرف هنا
إلاَّ الفرح
الروحي الداخلي:
"فلا تكون
إلاَّ فرحًا"
[15].
يقدِّم
لنا لمسات
عامة خاصة
بهذه الأعياد
السنويَّة
الثلاثة، كما
جاء في (خر 23: 16-17، 34: 23).
أولاً:
ممارسة
الحياة
الجماعيَّة
في الرب.
"ثلاث
مرَّات في
السنة يحضر
جميع ذكورك
أمام الرب
إلهك.
في
المكان الذي
يختاره في عيد
الفطير وعيد
الأسابيع
وعيد المظال"
[16].
ظهور
الذكور معًا
ثلاث مرَّات
في السنة في
موضع العبادة
المركزي يشير
إلى تأكيد
الوحدة في
الرب،
والشركة معًا
بروح الفرح
الجماعي.
ثانيًا:
العطاء.
"ولا
يحضروا أمام
الرب فارغين.
كل
واحدٍ حسبما
تُعطي يده
كبركة الرب
إلهك التي
أعطاك" [16-17].
هذا
العطاء هو
ذبيحة شكر
تُقدَّم للرب
ممَّا يعطينا،
كلٍ حسب
اتِّساع
قلبه، قدر ما
يفيض قلبه
بروح الشكر
لله،
ومحبَّته
لاخوته كي
يشبع احتياجاتهم
ويفرح
قلوبهم، وذلك
كما يشبع الله
احتياجاته
ويسكب فرحه
عليه. يوصينا
الرسول بولس: "وأمَّا
من جهة الجمع
لأجل
القدِّيسين
في كل أول
أسبوع ليصنع
كل واحدٍ منكم
عنده خازنًا
ما تيسر" (1 كو 16: 1-2).
كما يقول عن
أهل مكدونيَّة:
"أَعطوا حسب
الطاقة، أنا
أشهد وفوق الطاقة
من تلقاء
أنفسهم،
ملتمسين
منَّا بطلبة كثيرة
أن نقبل
النعمة وشركة
الخدمة التي
للقدِّيسين.
وليس كما
رجونا بل
أعطوا أنفسهم
أولاً للرب
ولنا بمشيئة
الله" (2 كو 8: 2-5).
صورة
رائعة
للعطاء، فهو
عطاء النفس
لله ولمحبِّيه
قبل عطاء
المادة، أو
عطاء الحب
والفرح قبل العطاء
المنظور،
نابع عن شوق
حقيقي ورغبة
صادقة
للعطاء،
قدَّموه حسب
طاقتهم، بل ما
هو فوق
إمكانيَّاتهم،
إذ حسبوا ذلك
كرامة ومجدًا أن
يتمتَّعوا
بنعمة العطاء
ويشتركوا في
خدمة
القدِّيسين.
إنَّهم
تمثَّلوا
بالأرملة الفقيرة
التي قدَّمت
كل ما عندها
(لو 21: 4).
يود
الله لشعبه
ممارسة الفرح
في الرب،
فيأتون إلى
بيته فرحين،
ويتهلَّل
الكل بالفرح،
والغنى
بعطائه بسخاء
وحب، والفقير
بقبوله العطيَّة
بشكر وامتنان.
يتحقَّق هذا
الفرح بالأكثر
حيث يقيم لهم
قضاة وعرفاء في
جميع
الأبواب، أي
عند باب كل
مدينة وقريَّة
كي ينظروا في
متاعب الشعب
وينصفوا
المظلومين.
لم تقم
مباني خاصة
بالقضاء، ولا
كان القضاء يُقام
في ميادين
البلاد
العامة بل عند
أبواب أسوار
المدينة،
لماذا؟
أولاً: لأن
أغلب المدن
كان لها
أسوار، منها
يخرج العاملون
في الزراعة
والحقول كل
يوم حيث
يعبرون إلى
أماكن عملهم،
ومنها يدخلون
بعد العمل؛
كما يدخل منها
كل الغرباء أو
القادمين من
بلاد أخرى،
فكانت أبواب
الأسوار
تعتبر مناطق
عامة يلتقي عندها
الداخلون
والخارجون.
ثانيًا: إن
كان يجب تحصين
المدينة
بأسوارٍ
قويَّة لحماية
سكان المدينة
من العدو،
فإنَّه يليق
أن ترتبط هذه
الحماية
بالعدالة.
بدون العدل لا
تقدر الأسوار أن
تحفظ المدينة
من العدو، بل
يدمِّرها
الظلم.
ثالثًا:
الله نفسه
كُلِّي
العدالة هو
السور الذي
يحمي شعبه،
لذا يقول:
"أكون لها سور
نارٍ من حولها،
وأكون مجدًا
في وسطها" (زك 2: 5).
"قضاة
وعرفاء تجعل
لك في جميع
أبوابك التي
يعطيك الرب
إلهك حسب
أسباطك،
فيقضون
للشعب قضاء
عادلاً" [18].
يليق
بالقاضي أن
يدرك أن من
قبل محبَّة
الله وتنازله
سُمح للإنسان
أن يمارس
القضاء، "لأن القضاء
لله" (تث 1: 17).
القاضي هو
وكيل وسفير عن
الله، لذا
يليق أن
يقدِّم صورة
لائقة بهذا
المركز
الخطير. لقد
دُعي القضاة
آلهة: "في وسط
الآلهة يقضي،
حتى متى تقضون
جورًا،
وترفعون وجوه
الأشرار؟!" (مز
82: 1). ويوصينا
الرسول بولس:
"لتخضع كل
نفسٍ للسلاطين
الفائقة،
لأنَّه ليس
سلطان إلاَّ
من الله،
والسلاطين
الكائنة هي
مرتَّبة من
الله" (رو 13: 1).
لقد
أقام لهم قضاة
حسب أعدادهم
مع رؤساء ألوف
ورؤساء مئات
وذلك في
البريَّة.
الآن وهم قادمون
إلى المدن
يقيم لهم قضاة
وعرفاء
(الهيئة التنفيذيَّة
للقضاء) تكون
عند كل مدينة
وقرية. فكما
ينطلق الرجال
إلى بيت الرب
للعبادة بفرحٍ،
يجدون عند
بيوتهم من
ينصفهم من
الظلم ويدافع
عن المظلومين
منهم.
بجانب
السبعين
شيخًا الذين
اختارهم موسى
فصاروا نواة
وبداية لمجمع
السنهدرين
الذي يجلس
للقضاء في
القدس أقيم في
المدن الكبرى
وفي المدن
الصغيرة التي
تحوي أكثر من 120
عائلة مجالس
قضاء حسب
تعداد
المدينة، وقد
تجدَّد ذلك في
أيَّام
يهوشافاط (2 أي 19:
5، 8).
يرى
البعض أن
العرفاء officers هنا هم
مجموعة
السكرتاريِّين
والكتبة الذين
يرافقون
القضاة،
لمساعدتهم،
وربَّما يكونون
أشبه بمشيرين
لهم يقدِّمون
مشورات تسندهم.
لم
يذكر هنا عدد
القضاة
والعرفاء، إذ
يختلفون من
مدينة إلى
مدينة أو من
قريَّة إلى
أخرى حسب
التعداد.
لقد
طلب الله من
الشعب أن
يقيموا
القضاة، فيختاروا
من يروا فيهم
روح العدالة
وعدم المحاباة.
جاء
في النص
العبري "قضاء
عادلاً
عادلاً"، هذا
التكرار يشير
إلى التأكيد.
تكرارها
مرَّتين،
ربَّما لأن
رقم 2 يشير إلى
المحبَّة
التي تجعل من
الاثنين
"واحدًا"،
وكما قدَّمت
الأرملة
الفلسين في
الخزانة خلال
حبَّها،
وأيضًا قدَّم
السامري
الصالح فلسين
للفندق من أجل
الاهتمام
بالجريح
علامة حبُّه.
هكذا يليق
بالقاضي وهو
يصدر الحكم
بالعدل ألاَّ
يحمل في داخله
كراهيَّة أو
بغضة حتى
للمحكوم
عليهم بالتأديب
أو الرجم،
إنَّما يلزم
أن يحمل في
داخله محبَّة
لا تنفصل قط
عن العدل.
"لا
تحرِّف
القضاء،
ولا
تنظر إلى
الوجوه،
ولا
تأخذ رشوة.
لأن
الرشوة تعمي
أعين الحكماء
وتُعوِّج كلام
الصدِّيقين"
[19].
إذ
يعلم الله
فساد قلب
الإنسان
وانحرافه لذا
حذَّر القضاة
من ثلاثة
أمور: "الحيد
عن الحق،
محاباة
الوجوه،
الرشوة".
v بينما
يطلبون المال
(الرشوة)
يفقدون
نفوسهم. ليس
أحد يقتني
ربحًا بظلم
دون خسارة
عادلة. حيث
يوجد الربح
تكون الخسارة.
يكون الربح في
مال الصندوق،
أمَّا
الخسارة
فتكون في
الضمير[195].
الأب
قيصريوس
يحذِّر
القضاة من
ممارسة أي
ظلم، ورفض
أيَّة رشوة
(خر 23: 8)، بل
يلتزموا
بالعدالة.
"العدل
العدل تتبع،
لكي
تحيا وتمتلك
الأرض التي
يعطيك الرب
إلهك" [20].
يقصد بالعرفاء
غالبًا
العاملين لتحقيق
القضاء مثل
الجند وأيضًا
الذين يقومون
بالتفتيش مثل
مراجعة
الموازين
والمقاييس.
"لا
تنصب لنفسك
سارية من شجرة
ما بجانب مذبح
الرب إلهك
الذي تصنعه
لك.
ولا
تقم لك نصبًا،
الذي يبغضه
الرب إلهك" [21].
ذكر
الأنصاب
والسواري
برهان على أن
هذه الخطابات
أُلقيت في زمن
مبكِّر، حيث
تتجلَّى
مظاهر
العبادة
الكنعانيَّة،
وليس في زمن
متأخِّر
تأثَّر الشعب
فيه بما حوله
من عادات
وثنيَّة. واضح
أن الحديث
قُدِّم للشعب
قبل إقامة
هيكل سليمان
حيث كان يمكن إقامة
مذابح في
مناطق
متعدِّدة.
السارية (الشارية)
Asherah كانت شجرة
مقدَّسة أو
عمودًا
خشبيًا يرمز
للآلهة
عشتاروت Astarate أو
في شبه إحدى
الآلهة،
وكانوا
يفترضون وجود قوَّة
سحريَّة فيها.
النصب masseba هو
عمود من حجر
له قيمة
مقدَّسة، وقد
يكون تذكاريًا،
يشير إلى
الإله الذكر
بعل.
المذبح
الذي يُقام
باسم الرب هو
للشعب لا لله،
"الذي تصنعه
لك"، فالله
ليس في حاجة
إلى ذبائح
وتقدمات، بل نحن
نحتاج إلى
المصالحة مع
الله.
يبغض
الله الخلط
بين الحق
والباطل،
والعبادة لله
مع عبادة
الأوثان.
فإنَّه يليق
بالإنسان
ألاَّ يعرِّج
بين
الفريقين، بل
يسلك في الطريق
الملوكي باستقامة.
فهو لا
يطالبنا أن
نسلك بالحق
فحسب، إنَّما
وأن ندقِّق في
سلوكنا حتى لا
نُعثر أحدًا.
لهذا ليس فقط
يرفض العبادة
الوثنيَّة،
وإنَّما
مجرَّد غرس
سارية من خشب
أو إقامة نصب
بجوار الهيكل
حتى وإن لم
يستخدمه
المؤمن في
العبادة
الوثنيَّة،
لكي لا يشك
أحد أن الذي صنع
المذبح يمارس
عبادة
وثنيَّة.
جاء في
الترجمة
السبعينيَّة
"لا تقم لك
عمودًا،
الأشياء التي
يبغضها الرب
إلهك". يميِّز
القدِّيس
جيروم في تعليقه
علي عنوان
المزمور 16 "نقش
تذكاري لداود"
بين النصب
التذكاري
الذي يُسر
الله به، والنصب
أو العمود
التذكاري
الذي يبغضه الله.
فالمزمور
16 وغيره من
المزامير
تمثِّل نقشًا
تذكاريًا
ينحت علي
نفوسنا كلمات
الله حتى نتذكَّر
علي الدوام
موت الرب،
وذلك كما أقام
يعقوب عمودًا
تذكاريًا علي
قبر راحيل.
هكذا يري القدِّيس
جيروم في
قلوب
المؤمنين
أشبه بقبرٍ
مقدَّس يُنحت
عليه تذكار عن
موت المسيح،
وتشارك
مسيحها آلامه
وموته.
توجد
أيضًا نصب
تذكاريَّة
يبغضها الرب،
كما أقام
أبشالوم
لنفسه عمودًا
تذكاريًا،
وكما صارت
امرأة لوط
نفسها عمودًا
تذكاريًا
بتطلُّعها
إلي خلف لا
إلي الأمام[196].
لا
تكون إلاَّ
فرحًا!
v أقمت
من سبتك سبتًا
لي، ومن راحتك
راحة لي.
فإنَّك
تستريح فيَّ،
وتهبني راحة
فيك.
تود أن
تجعل من كل
أيَّامي
أعيادًا
مقدَّسة،
بل تود
أن تدخل بي
إلى عيدٍ لا
ينقطع.
v جعلت
من حياتي
أيَّامًا
جديدة على
الدوام.
تخرجني
في كل يوم من
عبوديَّة
الخطيَّة.
وتعبر
بي إلى كنعان
السماويَّة.
فأُعيد
لك عيد العبور
يا أيُّها
الفصح الحقيقي!
v أيَّامي
كلَّها
أيَّام حصاد.
ثمر
روحك
القدُّوس لا
ينقطع ولا
ينقص!
لأتقدَّم
أمامك بثمر
روحك، وتأكل
نفسي وتفرح.
لأشبع
من عملك،
ولتُشبع نفوس
الجائعين معي!
لتأكل
يا أيُّها
القدُّوس من
جنَّتك التي
غرستها فيَّ.
لتدعو
أصحابك
السمائيِّين،
فيأكلوا
ويشربوا
ويفرحوا!
v أقضي
حياتي كلَّها
كعيدٍ للمظال.
لن
تستقر نفسي
مادمت على
الأرض،
بل
تحيا في خيمة
هذا الجسد.
حتى
التقي بك واستقر
في حضن أبيك!
v توصيني
بل تعدني:
"لا
تكون إلاَّ
فرحًا!"
نعم
لأفرح!
أفرح
بسبوتك
وبأعيادك غير
المنقطعة.
أفرح
حين أقدِّم لك
ممَّا وهبتني.
فلا
أظهر أمامك
فارغًا.
v لأفرح
ببرَّك،
وأسلك بروح
العدالة
المملوءة
حبًا.
فلا
يتسلَّل ظلم
إلى قلبي.
ولا
أُعثر أحدًا
في سلوكي.
لتفرح
بعملك معي يا
مخلِّصي
الصالح.
ولتفرح
نفسي مع جسدي
وكل كياني.
وليفرح
كل فقير
ومحتاج بسخاء
قلبي.
وليفرح
كل متألِّم إذ
يجد في حياتي
روح العدالة
والحب!
[192] Paschal Letters, 19:1.
[193] Paschal Letters, 6:1.
[194] Joseph Parker: The People’s Bible, vol. 4, Deuteronomy 16:11.
[195] Sermon 13.
[196] St. Jerome: On Ps. hom. 61.