تذكير
بالعهد
في كل
سفر التثنية،
بل في كل
الكتاب المقدس،
ليس أمر يشغل
ذهن رجال الله
مثل التمتع
بالعهد مع
الله، هذا
الذي قدمه
الله لإبراهيم
ولنسله من
بعده. وانشغل
به موسى النبي
وجماعة
الأنبياء عبر
العصور حتى
جاء السيد
المسيح وختمه
بدمه الثمين.
عاد
موسى ليذكرهم
بمعاملات
الله معهم في
الخروج وفي
البرية [2-9]،
حاثًا
إيَّاهم على
الوفاء
بالعهد
الإلهي كجيلٍ
جديدٍ اختاره
الرب ليكون
ممثلاً لله نفسه
على الأرض [10-21].
إنه عهد
جماعي، فيه
يعلن أن الله
يؤكد انتماء
الشعب إليه
وسط الأمم [22-29].
لم
يذكر طقس
تجديد العهد
الذي مارسه
الجيل الجديد.
1. تذكير
بالعهد
[1-9].
2. طرفا
العهد
[10-15].
3. عبادة
الأوثان كسر
للعهد
[16-28].
4.
السرائر
للرب
[29].
1. تذكير
بالعهد
:
تميل
طبيعة
الإنسان
للنسيان،
خاصة فيما يخص
بعلاقته مع الله،
لهذا يدفعنا
الله نحو
التجديد
العهد معه،
مذكرًا
إيَّانا
بمعاملاته
معنا في الماضي.
الآن قبل
انتقال موسى
النبي من هذا
العالم ذكَّر
الشعب مرة
ومرات بما
فعله الله
معهم ومع
آبائهم، منذ
كانوا يعانون
من العبودية
في مصر حتى
بلغوا جبل
موآب. لقد سبق
فأقام عهدًا
مع أبيهم
إبراهيم
بتجديد العهد.
إنه لا يقدم عهدًا
جديدًا يختلف
عما أقيم في
سيناء بل يُريد
تأكيد وتثبيت
ذلك العهد
نفسه وتجديده.
الله
أمين في عهده
الأبدي الذي
لا يتغير، لكن
الإنسان
بقلبه الفاسد
ينسى أو
يتناسى من أجل
شهوة أو
كبرياء أو
مكسب مادي،
لهذا يحتاج إلى
من يذكِّره
دومًا لتجديد
العهد مع الرب
مخلصه.
أوضح
موسى النبي أن
شروط العهد
ليست من عنده،
إنما عليه أن
يفك الختوم
ويكشف
عمَّا وضعه
الرب نفسه.
"هذه
هي كلمات
العهد الذي
أمر الرب موسى
أن يقطعه مع
بني إسرائيل
في أرض موآب
فضلاً عن
العهد الذي
قطعه معهم في
حوريب" [1].
مع
أن العهد يحمل
ذات الروح
سواء الذي سبق
فقطعه في
حوريب والذي
يقطعه الآن في
أرض موآب، إلا
أن الله يقدمه
لكل جيل بما
يناسب
ظروفهم، كمن
يقوم بتجديده.
يود الله أن
يؤكد لكل جيل
كأن العهد خاص
بهم وليس
بالعهد الخاص
بالأجيال السابقة.
إنه عهد يناسب
الجيل الحاضر.
أولاً:
يبدأ العهد
دائمًا
بالإشارة إلى
الأحداث العظيمة
التي تمت،
والتي تكشف عن
معاملات الله مع
شعبه:
"ودعا
موسى جميع
إسرائيل وقال
لهم:
أنتم
شاهدتم ما فعل
الرب أمام
أعينكم في أرض
مصر بفرعون
وبجميع عبيده
وبكل أرضه.
التجارب
العظيمة التي
أبصرتها
عيناك،
وتلك
الآيات
والعجائب
العظيمة" [2-3].
الخروج
من مصر،
والتحرر من
عبودية
فرعون، وما
صحب ذلك من
آيات وعجائب
تكشف عن خطة
الله من نحو
شعبه، وغايته
من العهد الذي
يقطعه معهم.
مع أنه
يتحدث مع جيلٍ
جديدٍ وُلد في
البرية لكنه
يتحدث عن
الخروج من
مصر، قائلاً
لهم: "أنتم شاهدتم،
أمام أعينكم،
أبصرتها
عيناك". فما
شاهده آباؤهم
وتحدثوا عنه
لأبنائهم كخبرة
ملموسة يحسب
كأن الجيل
التالي قد
عاين بنفسه
الأحداث ورأى
صنيع الرب
معهم.
ثانيًا:
تشهد الأحداث
الماضية عن
معاملات
الله، وتكشف
عن عهده، لكن
المشكلة في
الإنسان الذي
لا يطلب فهمًا
وحكمة، الأمر
الذي يحزن قلب
موسى من
جهتهم.
"ولكن
لم يعطكم الرب
قلبًا
لتفهموا،
وأعينًا
لتبصروا،
وآذانًا
لتسمعوا إلى
هذا اليوم" [4].
الله
يود أن يعطي
قلبًا للفهم،
وكما يقول الحكيم:
"الأذن
السامعة
والعين
الباصرة الرب
صنعهما
كليتهما" (أم 20:
12)، لكن لا يقدمه
لمن يقاوم.
كثيرون
لهم أعين ترى
وفي نفس الوقت
لا ترى، لأنهم
لا يريدون
الحق، بل
يطلبون ما هو
لشهواتهم. لقد
جاء السيد
المسيح إلى
خاصته،
وخاصته رأته
لكنها لم تره
بعيني
الإيمان،
لهذا لم تقبله.
وكما يقول
الرسول بولس:
"لو عرفوا رب
المجد لما
صلبوه".
وهب
الله الإنسان
قلبًا يحمل
بصيرة داخلية
وآذان روحية،
فيستطيع
المؤمن أن يرى
ويسمع. لكن إذ
يرفض الطاعة
لله يصير كمن
لم يُوهب
قلبًا للفهم
ولا أعينًا
للبصر ولا
آذان للسمع.
ومع كل ممارسة
للطاعة بروح
الحب ترتفع
النفس كما على
درجة من سلم
السماء،
يقودها نور
الروح القدس
الذي يطهر
أعماقها
فتصير قادرة
على الرؤيا
والاستماع
للصوت الإلهي.
بهذا يكون تجديد
العهد مع الله
ليس مجرد
تقديم وعود
لله بالتجاوب
مع حبه، وإنما
بالتجاوب
العملي مع روح
الله، وقبول
النعمة
الإلهية في
الحياة العملية،
فتصعد النفس
يومًا فيومًا
كما إلى السماء
عينها.
ثالثًا: عمل
الله دائم
ومستمر، لم
يقف عند
خروجهم من مصر،
ولا عند هلاك
فرعون
وجنوده، لكنه
عال الشعب
أربعين سنة في
البرية، حيث
لم يعوزهم
شيء. إذ يشير
إلى معاملات
الله
المملوءة
حنوًا نحو
شعبه في وسط
البرية لا
يتكلم موسى
النبي، بل
يقدم الله
نفسه لينطق بها.
"فقد
سرت بكم
أربعين سنة في
البرية لم
تٌبل ثيابكم
عليكم،
ونعلك
لم تبلَ على
رجلك.
لم
تأكلوا
خبزًا، ولم
تشربوا خمرًا
ولا مسكرًا.
لكي
تعلموا أني
أنا الرب
إلهكم" [5-6].
قام
بدور القائد،
حيث سار بهم،
واهتم بثيابهم
وأحذيتهم
وطعامهم
وشرابهم. يقدم
لهم ليس فقط
ما هو ضروري؛
وإنما حتى
الخمر الذي
يرمز للفرح.
رابعًا:
نوالهم حياة
الغلبة
والنصرة على
الأعداء.
"ولما
جئتم إلى هذا
المكان خرج
سيحون ملك
حشبون وعوج
ملك باشان
للقائنا
للحرب
فكسرناهما.
وأخذنا
أرضهما
وأعطيناها
نصيبًا
لرأوبين وجاد
ونصف سبط
منسى" [7-8].
مع
النصرة
أعطاهم أيضًا
فيض غنى، إذ
سلمهم أرض
الأعداء نصيبًا
لهم.
يدعوهم
موسى النبي
إلى حفظ
العهد،
وتحقيقه عمليًا
لكي ينالوا
نجاحًا في كل
شيء.
"فاحفظوا
كلمات هذا
العهد،
واعملوا بها
لكي تفلحوا في
كل ما تفعلون"
[9].
لم يشر
موسى النبي في
تجديد العهد
إلى الذبائح
الحيوانية
ولا إلى طقوس
التطهيرات،
فإنه يعلم أن
الشعب لا ينسى
هذه الأمور.
الأمر الذي
ركز عليه موسى
في تجديد
العهد هو
"الطاعة"، أو
إخلاص القلب
في الالتقاء
مع الله على
مستوى الحب؛ هذا
هو موضوع
تجديد العهد:
القلب المكرس
لله بالحب
والطاعة!
العين
المقدسة
لترى، والأذن
المقدسة لكي
تسمع صوت
الله!
طرفا
العهد هما:
-
الله الذي
يريد أن يقيم
منهم شعبًا
له، ويكون لهم
إلهًا [12]، له
معرفة كاملة
بشعبه، وصاحب
سلطان مطلق
عليهم.
الطرف
الآخر هو
الشعب كله، من
رؤساء أسباط
وشيوخ ورجال
ونساء
وأطفال،
وأيضًا
الغرباء الذين
دخلوا معهم في
الإيمان.
"أنتم
واقفون اليوم
جميعكم أمام
الرب إلهكم:
رؤساؤكم
أسباطكم
شيوخكم
وعرفاؤكم وكل
رجال إسرائيل.
فأطفالكم
ونساؤكم
وغريبكم الذي
في وسط محلتكم
ممن يحتطب
حطبكم إلى من
يستقي
ماءكم"
[10-11].
يقيم
الله عهده مع
الجماعة بكل
عناصرها من قادة
وشعب؛ كبار
وصغار، رجال
ونساء،
عبرانيين
ودخلاء، جيل
حاضر وأجيال
مقبلة.
يبدأ بالعظماء
رؤساء
الأسباط إذ
يليق بهم أن
يحنوا رقابهم
تحت النير
الإلهي،
ويدخلوا معه
في عهدٍ، حيث
يجدون في نير
العهد حبًا
فائقًا
ومراحم غزيرة
ونجاحًا في كل
شيء.
يشترك
في العهد النساء
والأطفال الصغار،
فالكل مدعوون
للتمتع بهذا
العهد. لهذا
يقول السيد
المسيح: "دعوا
الأولاد
يأتون إليّ
ولا تمنعوهم
لأن لمثل
هؤلاء ملكوت
السموات".
يشترك
في الدعوة الغرباء
الذين جحدوا
الوثنية
ودخلوا في
الإيمان بالله.
عندما دخل
السيد المسيح
بيت ذكا رئيس
العشارين قال:
"إذ هو أيضًا
ابن إبراهيم"
(لو 19: 9).
لا
يحرم العبيد من
التمتع
بالعهد،
هؤلاء الذين
يلتزمون بجمع
الحطب أو
يستقون ماءً.
بمعنى
آخر لا يوجد
إنسان عظيم
يترفع عن أن
يدخل في عهد
مع الله
ويرتبط
بقيوده، ولا
يوجد إنسان لا
يُدعى للتمتع
ببركات العهد.
في المسيح يسوع
لا يوجد عبد
ولا حر (كو 3: 11).
يقول الرسول
بولس: "دُعيت
وأنت عبد فلا
يهمك" (1 كو 7: 21).
"لكي
تدخل في عهد
الرب إلهك
وقسمه الذي
يقطعه الرب
إلهك معك
اليوم.
لكي
يقيمك اليوم
لنفسه شعبًا،
وهو يكون لك
إلهًا.
كما
قال لك، وكما
حلف لآبائك
إبراهيم
واسحق ويعقوب"
[12-13].
الدعوة
مقدمة للذين
كانوا حاضرين
في اجتماع روحي
مقدس وأيضًا
تضم
الغائبين، إذ
يقول:
"وليس
معكم وحدكم
أقطع أنا هذا
العهد وهذا
القَسَم،
بل مع
الذي هو هنا
معنا واقفًا
اليوم أمام
الرب إلهنا،
ومع
الذي ليس هنا
معنا اليوم" [14-15].
جاءت
كلمة "تدخل"
في العبرية
تحمل معنى
يصعب ترجمته،
فهو لا يعني
توقيع عقد
مشترك في
شكلية، وإنما
دخول إلى
العقد في
أعماقه. وكأن
العقد هو موضع
لقاء يدخل فيه
الله مع الجماعة
المقدسة معًا،
كما في حجال
عرسٍ، أو في
اتحاد عجيب!
يريد
الله أن يقطع
عهده مع كل
شعبه، سواء
الذين حضروا
أمامه أو
الذين بسببٍ
قهري كالمرض
لم يستطيعوا.
هؤلاء لا
يستبعدون من
العهد، فإنهم
وإن كانوا لم
يشتركوا في العبادة
ولم يأتوا إلى
بيت الرب
لكنهم حاضرون فيه
بالروح دون
الجسد.
لعله
يقصد بغير
الحاضرين
الأجيال
القادمة، فالعهد
ممتد إلى آخر
الدهور.
أما
ملخص العهد
كله فهو: "لكي
يقيمك اليوم
لنفسه شعبًا
وهو يكون لك
إلهًا" [13]،
مقدمًا حياة
آبائنا مثلاً
حيًا للدخول في
العهد مع
الله. "كما
حلف لآبائك
إبراهيم
واسحق ويعقوب"
[13].
رأينا
من الجانب
الإيجابي يود
الله أن يقيم
منهم شعبه
الخاص، أما من
الجانب
السلبي يود أن
يعطوا ظهورهم
للعبادة
الوثنية،
مصدر كل خطية
في ذلك الحين.
ربما
يتساءل البعض:
لماذا يتحدث
عن السلبيات؟
أما كان يكفي
الحديث عن
الإيجابيات؟
الواقع
العملي الذي
عاش فيه
اليهود في بدء
نشأتهم في مصر
يؤكد ضرورة
الحديث في
السلبيات، إذ
حمل اليهود في
قلوبهم
العبادة الوثنية
المصرية، كم
بالأكثر
حينما يستقرون
في كنعان
ويرثون أماكن
العبادة
الوثنية، ويسكن
في وسطهم بعض
الوثنيين،
وأيضًا توجد
أمم وثنية
تحيط بهم؟!
أولاً:
كانوا في خطر
حتى بعد
خروجهم من مصر
أن يحملوا في
قلوبهم
العبادة
الوثنية
برجاساتها في
قلوبهم.
"لأنكم
قد عرفتم كيف
أقمنا في أرض
مصر،
وكيف
اجتزنا في وسط
الأمم الذين
مررتم بهم.
ورأيتم
أرجاسهم
وأصنامهم
التي عندهم من
خشب وحجر وفضة
وذهب،
لئلا
يكون فيكم رجل
أو امرأة أو
عشيرة أو سبط قلبه
اليوم منصرف
عن الرب إلهنا
لكي
يذهب
ليعبد آلهة
تلك الأمم.
لئلا
يكون فيكم أصل
يثمر علقمًا
وأفسنتينًا"
[16-18].
جاءت
كلمة "أصنامهم"
في العبرية
لتعني كتل
ضخمة لا شكل
لها يصعب حملها
لذا
يدحرجونها؛
وقد استخدمت
كثيرًا في الكتاب
المقدس ليعني
بها "تماثيل
الأصنام". هكذا
آلهتهم أشبه
بثقل لا شكل
له، عاجز عن
الحركة،
ويصعب حملها،
لا تستحق إلا
دحرجتها إلى
هياكل الأوثان،
بل دحرجتها من
القلب حتى
يتفرغ القلب
لسكنى الله
وحده.
يحذرهم
لئلا يتسلل
المرض إلى شخص
واحد، رجل أو
امرأة، عندئذ
يحل بالعشيرة
كلها، ثم
بالسبط كله.
هكذا تفسد
الخميرة
الفاسدة
العجين كله.
يصير إنسان
واحد أصلاً
ليثمر علقمًا
وإفسنتينًا،
يحمل سمًا
ومرارة ويمرر
حياة الجماعة
كلها ويهلكها.
وكما يقول
الرسول بولس:
"ملاحظين
لئلا يخيب أحد
من نعمة الله،
لئلا يطلع أصل
مرارة ويصنع
انزعاجًا،
فيتنجس به
كثيرون" (عب 12: 15).
هكذا
قد يبدأ شخص
واحد يتشكك في
الإيمان، فيصير
أشبه بالعشب
في وسط حقل
يتسلل ليفسد
الحقل كله،
يصير مملوء أعشابًا
تحرم الحنطة
من الثمار
المطلوبة. يحذرنا
الرسول بولس
ممن يجحد
الإيمان
قائلاً:
"ملاحظين
(باجتهاد)" (عب
12: 15) فإنه يصير
أشبه بجذور
خفية تحمل
ثمارها من
يقطف منها
يأكل سمًا
مميتًا
ومرارة لنفسه.
هكذا في كل
عصر يوجد من
ينبت داخل
الجماعة كما
يحوط البعض خارجها
لقتل الإيمان
الحي وتحطيم
الحياة الجديدة،
فتهلك النفوس.
وقد حذرنا
السيد المسيح
نفسه من ذلك،
خاصة ما سيحدث
في الأيام
الأخيرة من
ارتداد حتى إن
أمكن أن يضل
المختارون.
كثيرون
يضلّون عن
"الإيمان
المسلم مرة
للقديسين".
التعاليم
الفاسدة تصير
أصل مرارة
تفسد قلوب المؤمنين
وتحرمهم من
ثمار الروح،
فتكون سرّ مرارة
لهم.
v فإنه
حتى إن وجد
جذر من هذا
النوع
(المُرّ) لا تدعه
أن ينمو بل
اقطعه، حتى لا
يحمل ثمره
الخاص به،
وحتى لا ينجس
ويفسد
الآخرين
أيضًا.
بسبب
صالح دعا
الخطية
مرارة، فإنه
لا يوجد شيء
ما أكثر مرارة
من الخطية[283].
القديس
يوحنا الذهبي
الفم
في
القديم كان
الشعب في خطر
الانحراف نحو
العبادة
الوثنية
وإنكار
الإيمان
بالله الحيّ، أما
وقد تم الخلاص
الإلهي فقد
تحوّلت حرب
عدو الخير إلى
جذب المؤمنين
نحو جحود العمل
الخلاصي
وإنكار لاهوت
السيد المسيح
والاستهانة
بعمله
الفدائي على
الصليب. هكذا
في كل عصر
يعرف عدو
الخير كيف
يحطم الإيمان.
ثانيًا: يظن
الخاطئ – خاصة
عابد الأوثان
– أنه في سلام وأمان
فيجذب معه
غيره. عِوض أن
يحذر من هذا
النبات
القاتل
المملوء سمًا
مع مرارة، يهنئ
الإنسان نفسه
كمن قد اقتنى
سلامًا خلال تخيلات
قلبه القاسي
والمصر على
الشر.
"فيكون
متى سمع كلام
هذه اللعنة
يتبرك في قلبه
قائلاً:
يكون
لي سلام، أي
بإصرار قلبي
أسلك لإفناء
الريّان مع
العطشان" [19].
في
العهد القديم
كان عدو الخير
يعمل بكل
طاقاته لكي
يخدع الإنسان
نفسه فيسكر
ويترنح ظانًا
أنه في عبادته
للأوثان يفرح
ويمارس
الحياة، ولا
يحرم نفسه من
شهوات الجسد
والرجاسات.
ولا تزال
الحرب قائمة،
حرب خداع
النفس، فيطلب
الإنسان
إيمانًا مرتبطًا
بالطريق
الواسع ليحقق
كل شهوات جسده
بضمير
مستريح، عِوض
الصليب الضيق.
هكذا نجد العالم
يتسم بنوع من
الميوعة في
الإيمان، فكثيرون
ينادون بأنهم
لا ينكرون
وجود الله،
لكنهم
يجحدونه
بانسكابهم في
الطريق
الواسع السهل.
كثيرون
يخدعون
أنفسهم
بالرجاء
الكاذب تحت ستار
الإيمان، وهم
منحرفون عن
الحق، مدعين
أنهم مملوءون
سلامًا.
لهذا
فإن غضبه يحل
على هذا
الإنسان،
ويسقط تحت
اللعنات،
ويمحو الرب
اسمه من تحت
السماء [20].
لا يقف
الأمر عند
الإنسان
الساقط في
الوثنية،
لكنه إذ يجتذب
الكثيرين إلى
الشر يدفع
بالأمة كلها
للدمار.
"لا
يشاء الرب أن
يرفق به،
بل
يدخن حينئذ
غضب الرب
وغيرته على
ذلك الرجل،
فتحل
عليه كل
اللعنات
المكتوبة في
هذا الكتاب،
ويمحو
الرب اسمه من
تحت السماء.
ويفرزه
الرب للشر من
جميع أسباط
إسرائيل حسب جميع
لعنات العهد
المكتوبة في
كتاب
الشريعة هذا"
[20-21].
إذ
يحطم الشرير
نفسه
بارتباطه
بالعبادة الوثنية
وإصراره على
ذلك، ويحطم من
حوله لا يترفق
به بل يسمح
بتأديبه،
ويدخل به كما
إلى أتون
الغضب
الإلهي، إذ
يصعد "دخان"
الغضب الذي يبيده،
ويمحو اسمه من
تحت السماء،
ويعزله من الجماعة
المقدسة، إذ
لا يستحق
التمتع بالعهد
الإلهي معهم،
بل يسقط تحت
اللعنات.
"فيقول
الجيل الأخير
بنوكم الذين
يقومون بعدكم
والأجنبي
الذي يأتي من
أرض بعيدة حين
يرون
ضربات تلك
الأرض
وأمراضها
التي يمرضها بها
الرب.
كبريت
وملح كل
أرضها،
حريق
لا تزرع ولا
تنبت ولا يطلع
فيها عشب ما، كانقلاب
سدوم وعمورة
وادمة
وصبوييم
التي
قلبها الرب
بغضبه وسخطه"
[22-23].
إذ
تسمع الأجيال
المقبلة
والأمم
الغريبة عما
حلً بالشعب
الذي ملك
الأرض وورثها
ثم عاد فحلّت
الكوارث بسبب
عبادتهم
الوثنية
يقفون في دهشة
متسائلين عن
سبب ذلك كله.
"ويقول
جميع الأمم:
لماذا
فعل الرب هكذا
بهذه الأرض؟
لماذا
حمو هذا الغضب
العظيم؟
فيقولون:
لأنهم تركوا
عهد الرب إله
آبائهم الذي
قطعه معهم حين
أخرجهم من أرض
مصر.
وذهبوا
وعبدوا آلهة
أخرى، وسجدوا
لها، آلهة لم
يعرفوها ولا
قسمت لهم.
فاشتعل
غضب الرب على
تلك الأرض حتى
جلب عليها كل
اللعنات
المكتوبة في
هذا السفر.
واستأصلهم
الرب من أرضهم
بغضب وسخط
وغيظ عظيم،
وألقاهم
إلى أرض أخرى
كما في هذا
اليوم" [24-28].
يبدأ
الرب
تأديباته
بالوباء
والأمراض
لعلهم يتوبون
ويرجعون [22]،
فإن لم
يستجيبوا
يدمر الأمة
كلها كسدوم
وعمورة وأدمة
وصبوبيم التي
قلبها الرب
بغضبه وسخطه [23].
صار خراب مدن
السهل مثالاً
مشهورًا
للعقاب
الإلهي، وقد
أشار هوشع إلى
هذه الآية [8]
الذي تدل
نبوته على أنه
كان يعرف سفر
التثنية.
بهذا
يكونوا عبرة
للأجيال
القادمة حين
تدرس تاريخ
الآباء فتسمع
عما فعله
الأشرار
بأنفسهم،
ويكونوا عبرة
للأمم
الغريبة
أيضًا. وكما يقول
الرسول بطرس:
"لأنه الوقت
لابتداء القضاء
من بيت الله.
فإن كان أولاً
منا، فما هي
نهاية الذين
لا يطيعون
إنجيل الله؟!"
(1 بط 4: 17).
الأرض
التي وُهبت
لهم تفيض
عسلاً ولبنًا
تصير أمثولة
أمام العالم
بدمارها بسبب
الخطية. فإنه
ليس لدى الله
محاباة، إنه
يدين الذين له
كما الآخرين.
الذين يعرفون
أكثر تكون
دينونتهم
أقسى وأمَرّ.
يقول الرب:
"إياكم فقط
عرفت من جميع
قبائل الأرض،
لذلك أعاقبكم على
جميع ذنوبكم"
(عا 3: 2). وجاء في
دانيال: "وكل
إسرائيل قد
تعدى على
شريعتك
وحادوا لئلا
يسمعوا صوتك،
فسكبت علينا
اللعنة
والحلف
المكتوب في
شريعة موسى
عبد الله
لأننا أخطأنا
إليه. وقد
أقام كلماته
التي تكلم بها
علينا وعلى
قضاتنا الذين
قضوا لنا
ليجلبه علينا
شرًا عظيمًا
ما لم يُجر
تحت السموات
كلها كما أجرى
على
أورشليم..." (دا 9:
11-12).
"آلهة
لم يعرفوها" [26]:
يعتقد
الوثنيون أن
لكل شعب إلهًا
يرثون عبادته
كتراث للقبيلة،
لذلك سيستغرب
الأمم إذا ترك
اليهود إلههم
ليعبدوا آخر
لم يعرفوه.
يختم
موسى النبي
حديثه عن رفض
إسرائيل
بتأكيده أن
الله وحده
العارف
السرائر،
خطته فائقة يصعب
إدراكها.
"السرائر
للرب إلهنا،
والمعلنات
لنا
ولبنياننا
إلى الأبد، لنعمل
بجميع كلمات
هذه الشريعة"
[29].
لهذه
العبارة
أهمية خاصة في
الكشف عن غاية
الرؤى
والإعلانات
الإلهية، فإن
الله لا يقدمها
لإشباع حب
الاستطلاع
فينا ولا
لإشباعنا عقليًا،
وإنما لأجل
بنياننا
ونمونا
عمليًا. الإعلانات
والمعجزات
ليست
استعراضًا
لأسرار الله
وقوته، بل هي
دعوة للتمتع
بها في حياتنا
العملية.
حينما
أعلن لنا
الكتاب
المقدس عن
الخلقة كمثال،
تحدث في بساطة
لأجل نفعنا،
دون الحديث في
أسلوب علمي
ولا فلسفي.
فكلمة الله
ليست كتابًا
علميًا أو
فلسفيًا بل هو
كلمة إلهية
تحمل الإنسان
إلى حضن الله
عمليًا. تعلن
عن أبوة الله
وشوقه للدخول
في عهدٍ معنا
وعمله الخلاصي
حتى نتجاوب
معه بالإيمان
الحيّ العملي
والطاعة
الكاملة.
الإعلانات
الإلهية ليست
حوارات عقلية
لكنها هي
تنازل إلهي
خلال الحب
ليتعرف
الإنسان على
محبوبه،
ويشتاق أن
ينطلق إليه
ويتمتع بالسكنى
معه الآن وعلى
مستوى أبدي.
لهذا تُقدم
لكل إنسان قدر
ما يحتمل، وما
هو لنفعه،
وتبقى أسرار
الله غير
المحدودة
رصيدًا نتمتع
به في الأبدية
لا ينضب،
ندركه بأعماق
جديدة مستمرة
بشوق عظيم
ورغبة
متزايدة حتى
في الأبدية.
يقول
موسى النبي: "الأسرار
للرب...
والمعلنات
لنا"، وكأن
ما يعلنه لنا
إنما هو ما
يخصنا، وليس
لإدراك الله
المطلق كما
هو! للقديس
يوحنا الذهبي
الفم مقال
مسهب عن "طبيعة
الله غير
المدركة"
يكشف فيها عن
إعلانات الله
عن طبيعته
للخليقة
السماوية
والأرضية قدر
ما يستطيعون
أن يتمتعوا.
"المعلنات
لنا"، إذ
صرنا "وكلاء
أسرار الله" (1
كو 4: 1)، صارت إعلانات
الله تعني
بالنسبة
التزامًا
ومسئولية
للشهادة عنها
أمام الغير.
فالرؤى
إعلانات ليست
موضوع فخر بل
دعوة للعمل
والكرازة.
لهذا إذ يتحدث
الرسول عن كشف
السرّ الإلهي
يربطه بالخدمة،
قائلاً:
"السرّ
المكتوم منذ
الدهور ومنذ
الأجيال لكنه
الآن قد أُظهر
لقديسيه، الذين
أراد الله أن
يعرفهم ما هو
غنى مجد هذا
السرّ في
الأمم، الذي
هو المسيح
فيكم رجاء
المجد؛ الذي
ننادي به
منذرين كل
إنسان،
ومعلمين كل إنسانٍ
بكل حكمة لكي
نُحضر كل
إنسانٍ
كاملاً في
المسيح يسوع"
(كو 1: 26-28).
من
يتمتع بالسر
يشتهي أن
يشاركه الكل
ذات الخبرة،
فلا يكف عن
الصلاة
والعمل لأجل
تحقيق ذلك.
وكما يقول
الرسول بولس:
"كي يعطيكم
إله ربنا يسوع
المسيح أبو
المجد روح
الحكمة
والإعلان في
معرفته، مستنيرة
عيون
أذهانكم..." (أف 1:
17-18).
هذا
وأنه مهما
نلنا من
إعلانات،
فإننا نعرف السرّ
الإلهي
جزئيًا (1 كو 13: 9)،
ما دمنا لا
نزال في الجسد
في هذا العالم
الحاضر.
كأن
النبي موسى
يؤكد خضوعنا
لحكمة الله
الفائقة،
فإنه يعلن لنا
قدر ما نحتمل،
وما فيه نفعنا،
لكن تبقى خطة
الله فائقة
بالنسبة
للعقل. يقول
السيد المسيح
لتلاميذه:
"ليس لكم أن
تعرفوا
الأزمنة
والأوقات
التي جعلها
الآب في سلطانه"
(أع 1: 7). كما قال
لتلميذه بطرس
عن يوحنا
الحبيب: "إن
كنت أشاء أنه
يبقى حتى أجيء
فماذا لك؟! اتبعني
أنت" (يو 21: 22).
ويقول الرسول
بولس: "لا
يخسركم أحد
الجعالة
راغبًا في
التواضع وعبادة
الملائكة،
متداخلاً في
ما لم ينظره، منتفخًا
باطلاً من قبل
ذهنه الجسدي"
(كو 2: 18).
يدعونا
الرب لطلب
المعرفة
والجهاد
فيها، لأنه
يشتاق أن نحمل
معرفة صادقة
من عنده، لكن
فيما هو
لبنياننا
وقدر
احتمالنا،
فلا نرتئي فوق
ما نرتئي (رو 12: 3).
هكذا كل معرفة
وكل رؤيا لا
تكون بلا هدف
بل لنفعنا
وبنياننا.
لهذه
العبارة
تقدير خاص لدى
اليهود،
حاسبين أنها
تقدم مواضيع
غاية في
الأهمية تخصهم.
من
وحي التثنية 29
لتجدد
العهد معي!
v إنها
ليست صرخات
قلبي نحوك:
لتجدد
العهد معي.
إنها
صرخات روحك
الناري فإنك
تشتاق إليّ.
تود أن
تجدد عهدك مع
شعبك في كل
جيل.
تشتاق
أن يختم كل
مؤمن
مستجيبًا
للعهد.
v صنعت
مع آبائي آيات
وعجائب.
ولازلت
أنت هو هو أمس
واليوم وإلى
الأبد.
تصنع
معي وتقدم لي
أكثر مما أسأل
وفوق ما أطلب!
أنت
القائد
العجيب،
تهتم
بخلاصي
ونصرتي.
تهتم
حتى بثيابي
وطعامي
وشرابي.
تشتاق
أن تملأ حياتي
فرحًا
حقيقيًا.
v أنت
واهب النصرة.
تحطم
أمامي قوات
الظلمة بكل
طاقاتها.
وتدخل
بي إلى الأرض
الجديدة
لأمتلكها.
تهبني
مع النصرة غنى
فائقًا،
ويصير
النجاح
مرافقًا لي في
كل عملٍ تمتد
إليه يداي.
v لأقف
أمامك في
حضرتك،
لا
لتدينني بل
لتوقع عهد
الحب بيننا.
أنت
تعرفني تمام
المعرفة.
تعرف
سقطاتي
وفسادي
وضعفاتي.
لا
تستنكف من قطع
عهد معي.
v أقمت
عهدك مع
العظماء
والعبيد،
مع
الرجال
والنساء
والأطفال.
مع
العبرانيين
والدخلاء،
حتى الأسرى
منهم.
ها أنا
أتقدم لكي
تقيمني من
المزبلة.
وتجعلني
كوعدك الصادق
بين أشراف
أشراف شعبك.
لأعطي
ظهري لإبليس
وكل مغرياته.
لن
أسمح أن يتسلل
فكر إلى
أعماقي.
فإنه
يصير أصل علقم
ومرارة لكل
كياني!
v هل
من عذوبة أفضل
من حبك!
وهل من
مرارة أقسى من
الخطية!
أنت
عذوبة حبي
التي تنزع عني
كل مرارة
الخطية!
v لأقطع
معك عهدًا يا
أيها الحكمة
السماوي.
فتكشف
لي أسرارك،
وتعلن
في أعماقي حقك
وخطتك!
أنت هو
الحكمة عينها
وكاشف كل
الأسرار!
[283] In Hebr. hom. 31:1.