الأصحاح
الأول
الاستيلاء
على بقية
كنعان
إن
كان السفر
السابق يعلن
ميراثنا أرض
الموعد بيشوع
الحقيقي، فإن
سفر القضاة
يكشف عن
الإلتزام بدوام
الجهاد
مادمنا في
الجسد حتى
نستولي على كنعان
كلها، أي ننعم
بكمال الوعد.
ففي هذا الأصحاح
نرى غلبة
الإنسان على
أدوني بازق
رمز الشيطان،
ليفقد الأخير
سلطانه
وينسحق تحت
قدمي المؤمن،
الذي يملك على
أورشليم
السماوية عوض
إبليس الساقط
منها.
١.
سقوط أدوني
بازق
[١ – ٧].
٢.
امتلاك
أورشليم ومدن
أخرى [٨ – ٢١].
٣.
امتلاك بيت
إيل
[٢2 – ٢٦].
٤.
التهاون مع
الكنعانيين
[٢٧ – ٣٥].
١.
سقوط أدوني
بازق:
"وكان
بعد موت يشوع
أن بني
إسرائيل
سألوا الرب
قائلين: من
منا يصعد إلى
الكنعانيين
أولاً
لمحاربتهم؟
فقال الرب:
يهوذا يصعد قد
دفعت الأرض
ليده؛ فقال
يهوذا لشمعون
أخيه: إصعد
معي في قرعتي... فأصعد
أنا أيضًا في
قرعتك، فذهب
شمعون معه" [١– ٣].
إذ مات
يشوع بعد أن
عبر بهم الأردن
ودخل بهم إلى
أرض كنعان
التزم بنو
إسرائيل أن
يحاربو
الكنعانيين
لكي يرثوا
الأرض بعد طرد
الوثنيين. لقد
مات "يسوع" رب
المجد على الصليب
بعد أن عبر
بنا مياه
المعمودية
وصارت لنا
إمكانية
إلهية لكي
نجاهد في أرض
الموعد، إي
خلال الحياة
الجديدة التي
لنا في المسيح
يسوع. لكي
نطرد
الكنعانيين
أي أعمال
إبليس ونرث في
الرب، بمعنى
آخر أن موت
ربنا يسوع
وعبورنا مياة
المعمودية
ليس نهاية
الطريق بل هو
بدايته، لكي
نجاهد
قانونيا
بالروح القدس
لكي نغلب
ونرث، لا إلى
حين، وإنما
ننطلق من جهاد
روحي إلى جهاد
آخر، ومن نصرة
إلى نصرة، وننعم
بالإنطلاق من
مجد إلى مجد
خلال جهادنا
الروحي. وكما
يقول القديس
غريغوريوس
النيصي: [من
يتقبل حميم
التجديد يشبه
جنديًا
صغيرًا أُعطي
له مكان بين
المصارعين
لكنه لم يبرهن
بعد على
إستحقاقه
للجندية[11]].
إذ سأل
بنو إسرائيل
الرب عمن يصعد
أولاً لمحاربة
الكنعانيين،
جاءت الإجابة
"يهوذا" وقد طلب
يهوذا من أخيه
شمعون أن يصعد
معه في قرعته
ليحارب. من هو
يهوذا الذي
يبدأ بالحرب
الروحية سوى
ربنا يسوع
المسيح
"الخارج من
سبط يهوذا"،
هذا الذي يقود
بنفسه الموكب
ليغلب وينتصر
لحسابنا، هذا
الذي رآه
القديس يوحنا
للاهوتي: "خرج
غالبًا ولكي
يغلب" (رؤ ٦: ٣).
فإن كان
"شمعون" تعني
(المستمع)[12]
ويشير إلى
المؤمن الذي
يصغي لسيده
ويسمع صوته في
طاعة، فإن
يهوذا أي ربنا
يسوع في صراعه
ضد العدو
إبليس يطلب من
شمعون أي من
المؤمن
المستمع
لوصيته أن
يشاركه الحرب
الروحية. إذن
فالمحارب هو
السيد المسيح
الذي يدعونا
أن نختفي فيه
لكي به نجاهد،
وبه ننتصر
ونكلل! وكما
يقول القديس
أغسطينوس:
[يسوع قائدنا
سمح لنفسه
بالتجربة حتى
يعلم أولاده
كيف يحاربون[13]].
إن كان
"يهوذا" يعني
"اعتراف" أو
"إيمان"، فإن
ربنا يسوع
المسيح
يطالبنا في
محاربتنا للكنعانيين
الوثنيين أي
للخطايا التي
ملكت في القلب
أن ننطلق
للجهاد خلال
الإيمان أو
الإعتراف
بالإيمان
"يهوذا"، لكن
ليس بدون
"شمعون"
أخيه، أي ليس
بدون العمل أو
الإستماع
للوصية. كأن
إنطلاق يهوذا مع
شمعون
للمعركة
الأولى ضد
الكنعانيين
إنما يعلن
الجهاد
الروحي خلال
الإيمان
الحيّ غير
المنفصل عن
العمل،
فإنهما أخوان
متلازمان. بمعنى
آخر لا إنفصال
بين نعمة الله
المجانية والجهاد
العملي، وكما
يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم: [يطلب
الله منا حجة
صغيرة لكي
يقوم هو بكل
العمل[14]].
كما يقول:
[النعمة
دائمًا
مستعدة! إنها
تطلب الذين
يقبلونها بكل
ترحيب. هكذا
إذ يرى سيدنا
نفسًا ساهرة
وملتهبة
حبًا، يسكب
عليها غناه بفيض
وغزارة تفوق
كل طلبته[15]].
إنطلق
يهوذا وفي
صحبته شمعون
ليحاربا
أدوني بازق،
هذا الذي سبق
فأذل سبعين
ملكًا بقطع أباهمَ
أيديهم
وأرجلهم
وكانوا
يلتقطون
الفتات
الساقط من
مائدته
كالحيوانات،
فإذا به يسقط
أسيرًا
وتُقطع
أباهمُ يديه
ورجليه ويبقى
تحت المائدة ذليلاً...
وكما قال: "كما
فعلت كذلك
جازاني الله" [٧].
كلمة
"أدوني" تعني
"سيد" أو
"مالك" أو
"رب"[16]،
وكلمة "بازق"
تعني "مبرق"[17].
والكلمتان
تمثلان سمتي
إبليس، فقد
أقام نفسه
"أدونيًا" أي
سيدًا وربًا
ومالكًا على
حياة الإنسان
الخاضع
لمشورته،
و"مبرقًا"
بخداعاته
الكاذبة. وقد
أعلن الكتاب
المقدس هاتين
السمتين،
فقيل عنه:
"رئيس هذا
العالم قد
دين" (يو 16: 11)،
"لأن الشيطان
نفسه يغير
شكله إلى شبه
ملاك نور" (٢
كو ١١: ١٤). إذن
أدوني بازق
يشير إلى الشيطان
الذي أقام
نفسه رئيسًا
على محبي
العالم،
مبرقًا عليهم
بنور مخادع
على شبه ملاك
ليقتنصهم
وبالفعل أذل
البشرية التي
كانت تمثل سبعين
ملكًا، فقد
قطع أباهم
أيديهم
وأرجلهم، لكن
جاء يهوذا
ليقطع
بالصليب
أباهم يدي
إبليس ورجليه
ويحني عنقه
بالمذلة تحت
قدمي الإنسان.
فقد رأى السيد
المسيح
الشيطان
ساقطًا مثل البرق
من السماء (لو ١٠:
١٨) عندئذ قال
لرسله: "ها أنا
أعطيكم
سلطانًا لتدوسوا
الحيات
والعقارب وكل
قوة العدو ولا
يضركم شيء،
ولكن لا
تفرحوا بهذا
أن الأرواح
تخضع لكم بل
افرحوا
بالحري أن
أسماءكم كتبت
في السموات"
(لو ١٠: ١٩-٢٠).
هذا هو أدوني
بازق الذي سقط
من قلوبنا كما
من السماء
وصار مدوسًا
تحت أقدامنا
لا يقدر أن يضرنا
في شيء.
والآن
ماذا يُعنى
بقطع أباهم
الأيدي
والأرجل؟
يرى
كثير من
الآباء أن
"إصبع الله"
يرمز للروح
القدس، فإذ
قيل "لوحي حجر
مكتوب بأصبع
الله" (خر ٣١: ١٨)
إنما يشير إلى
كلمة الله
التي تنقش
فينا بالروح
القدس. فإن
كان الأصبع
يشير إلى
الروح فقطع
أدوني بازق
أباهم أيدي
وأرجل الملوك
السبعين إنما يعني
نزعه روحهم
وإفقاد
البشرية التي
كان يجب أن
تملك في الرب
كل قوتها
وحياتها؛ قطع
أباهم اليد
يشير إلى توقف
العمل تمامًا
لحساب مملكة
الله وقطع
أباهم الأرجل
يشير إلى توقف
الحركة أو
الإنطلاق في
الطريق
الملوكي. هكذا
أذل الشيطان
البشرية ونزع
عنها عملها
الملوكي
وحركتها
السماوية،
وجعلها أسيرة
قصره تأكل من
الفتات
الساقط من
مائدته في
التراب، تسلك
كحيوانات بلا
كرامة ولا
سلطان روحي!
لكن الله لم
يترك أدوني
بازق يذل
خليقته
أبديًا، وإنما
على الصليب
"إذ جرد
الرياسات
والسلاطين أشهرهم
جهارًا
ظافرًا بهم
فيه" (كو ٢: ١٥).
وكأنه قطع
أباهم يديه
ورجليه وجعله
تحت قدمي
المؤمنين بلا
سلطان!
صار
موضع إبليس
الجديد ليس في
القلب كي يملك
وإنما تحت
المائدة
يُداس بالأقدام،
فاقدًا
القدرة على
العمل أو الحركة.
نال
إبليس جزاء
عمله، وارتد
فعله إليه كما
قيل لأهل
أدوم: "عملك
يرتد على
رأسك" (عو ١٥).
هذا القانون
يخضع له
الجميع، كقول
الرب نفسه:
"بالكيل الذي
به تكيلون
يُكال لكم" (مت
٧: ٢).
أخيرًا
يقول لكتاب: "وأتوا
به إلى أورشليم
فمات هناك" [٧].
فإن كانت
"أورشليم"
تعني "رؤية
السلام"، فلا
يمكن أن يحل
السلام في
القلب ولا أن
تعاينه النفس
ما لم يمت
أولاً أدوني
بازق، أي يضع
نهاية لعدو
الخير إبليس.
يموت إبليس
فتحيا النفس في
سلام مع
خالقها مع
إخوتها وبقية
الخليقة بل
وحتى مع
نفسها، إذ
تمتلئ
بالسلام
الروحي
الداخلي.
أورشليم
التي هي رمز
لسلام النفس
مع الله وتمتعها
بالحياة، هي
بعينها موت
لإبليس وهلاك
للخطية.
لقد
أتوا بالعدو
من بازق إلى
أورشليم، أي
من "المبرق"
أو من خداعاته
التى تجعله
يبرق كملاك من
نور ليموت في
المدينة التي
يحل الرب فيها
بسلامه.
هذا
وإن "بازق" هي
"خربة بزقة"،
وهي مدينة في وسط
فلسطين، تبعد
حوالي ١٣
ميلاً شرقي
شكيم[18].
٢.
امتلاك
أورشليم ومدن
أخرى:
إذ قيل:
"أتوا بأدوني
بازق إلى
أورشليم" [٧]
قدم بيانًا
تفصيليًا عن
محاربة يهوذا
للإستيلاء
على أورشليم
وقرية أربع
(حبرون) وقرية
دبير... الأمر
الذي سبق لنا
الحديث عنه في
مفهومه
الروحي بشيء
من التفصيل،
عند دراستنا
لسفر يشوع
(الأصحاح
الخامس عشر)...
لذا أرجو
الرجوع إليه،
مكتفيًا هنا
ببعض
الإيضاحات
الإضافية.
من جهة
أورشليم فقد
حاربوا أهلها
واستولوا عليها،
ودخلوا
بأدوني بازق
فيها كأسير
يموت هناك. غير
أن الإستيلاء
الكامل أو
الدائم لهذه
المدينة لم
يتحقق إلاَّ
في عهد داود
النبي الملك (٢
صم ٥: ٦-٧). إذ
يُقال أن
اليبوسيين،
سكان أورشليم
(يبوس) الأصليين
رجعوا إلى
حصنهم جبل
صهيون ونزعوا المدينة
عن يهوذا حتى
إستولى
إسرائيل
عليها من جديد
في أيام داود.
ويرى البعض أن
يهوذا أخذ
المدينة ولم
يأخذ الحصن الذي
بقى في يد
اليبوسيين
حتى أيام داود
الملك.
"وحارب
بنو يهوذا
أورشليم
وأخذوها
وضربوها بحد
السيف
وأشعلوا
المدينة
بالنار" [٨].
جاء في
العبرية
"ضربوها بفم
السيف" كناية
عن شدة الحرب
إذ كان السيف
يلتهمهم كفم
يبتلع الفريسة
فلا توجد. أما
إشعال
المدينة
بالنار فلا يعني
حرقها تمامًا
وإنما حرق جزء
منها، كالقول
بأن الثوب
إحترق،
بالرغم من أن
الجزء المحترق
صغير. والدليل
على ذلك أن
المدينة بقيت
يسكنها
اليبوسيين مع
يهوذا وبني
بنيامين (ع ٢١،
يش ١٥: ٦٣).
إن
كانت [أورشليم
الأرضية هذه
إنما هي ظل
أورشليم
السماوية[19]]
كما يقول القديس
أغسطينوس،
فإنها تصير
مسكنًا
ليهوذا إن
ضُرب اليبوسيين
(الُمُداسون
بالأقدام) بفم
السيف، أي
حُطم في القلب
كل ما يستحق
أن يُداس بالقدمين،
وأن أُشعلت
المدينة بنار
الروح القدس
الذي ينزع
عنها البرود
الروحي
ويلهبها بنيران
الحب التي لا
تنطفئ.
إذ
تمتع يهوذا
بأورشليم
الملتهبة
بنار الروح
القدس لا
يتوقف عن
الجهاد
الروحي بل
ينزل "لمحاربة
الكنعانيين
سكان الجبل
والجنوب
والسهل" [٩].
هكذا ينزل من
أورشليم
المدينة
المرتفعه
حوالي ٢٥٩٣
قدمًا ليحارب
"الكنعانيين"
التي تعني
"الهياج"،
فلا يستطيع من
يملك أورشليم
أن تكون له "رؤية
سلام" أو أن
يحتمل الهياج
الداخلي للقلب
خلال الخطية
بل يحاربه حتى
يكون له
السلام الفائق
في المسيح
يسوع. أما
المناطق التي
يحاربها فهي:
أولاً:
سكان الجبل،
وقد دعيت هكذا
لأن الأرض
جبلية، تقع
جنوبي
أورشليم وتضم
بيت لحم
وحبرون.
ثانيا:
الجنوب،
تترجم عن
العبرية هكذا
"الجنوب"، لكنها
تعرف بالنجب.
كلمة نجب في
العربية تعني
لحاء الشجر
بعد جفافه، أو
قشرة ساقه
الجافة. وقد
دعيت المنطقة
بالنجب بسبب
إتسامها
بالجفاف
والقحط، تمتد ٧٠
ميلاً جنوب
حبرون حتى تصل
إلى التية أو
القفر، يحدها
شرقًا بحر لوط
وغربًا سواحل
البحر.
ثالثا:
السهل وتترجم
"هشفلة"،
عبارة عن
منطقة منخفضة
تحت سفح
التلال تمتد
بين الساحل
المنبسط وسلسلة
جبال يهوذا،
وتتميز
بخصوبة أرضها
وكثرة أشجارها
ونباتاتها
على عكس منطقة
النجب في عصر
القضاة كان
الفلسطينيون
يشغلون
الساحل
المنبسط وبنو
إسرائيل
يشغلون جبال
يهوذا، وكانت
المعارك تدور
بينهما في
السهل (هشفلة).
لقد
حارب بنو
يهوذا
الكنعانيين
في هذه الماطق
الثلاث: الجبل
والنجب
(الجفاف)
والسهل، وكأن
بني يهوذا
الحقيقي –
يسوع المسيح –
يتعقبون
الخطية بالروح
القدس لكي
يحطموها
منطلقين إلى
الجبل عاليًا
بلا خوف من
سكانه، وإلى
النجب وسط
القفار بلا
ارتباك، وفي
السهل دون
إغراء
لخضرتها وثمارها.
إنهم تجاهدون
في كل
المواقع:
الجبال والقفار
والأراضي
الخصبة، لا
يحطمهم عنف الخطية
وقسوتها ولا
تجتذبهم
إغراءاتها.
أما
بخصوص قرية
أربع أو حبرون
[١٠] فقد رأينا
كيف طالبَ
كالب بن يفنة
حقه في إمتلاكها،
وقد طرد بني
عناق الثلاثة
وقتلهم... وقد
حملت أسماء
المدينة وبنو
عناق معانٍ
رمزية سبق
الحديث عنها[20].
إهتم
كالب بإمتلاك
هذه المدينة
بكونها مدينة
حصينة يصعب
الاستيلاء
عليها، لهذا
يبدو أن داود
جعلها عاصمة
لمملكته قبل
إستيلائه على أورشليم.
وكان لهذه
المدينة
قدسيتها عند
اليهود،
ودعيت
بالخليل
تذكارًا
لابراهيم
خليل الله
الذي ضرب
خيامه فيها،
وفيها دفن مع
سارة امرأته
(تك ٢٥: ٧-١١)،
وقد صارت من
مدن الملجأ
(يش ٢١: ١١– ١٣).
أما دعوتها
"قرية
الربع"، فيرى
بعض معلمي اليهود
أنها دعيت
هكذا لأن فيها
دُفن أربعة
آباء: آدم
وابراهيم
وإسحق ويعقوب
مع زوجاتهم
(تك ٢٣: ١٩؛ ٢٥: ٩؛
٤٩: ٣٠، ٣١)،
كما سكن فيها
أربعة
المشاهير:
إبراهيم وعابر
وأشكول وممرا.
لكن الكتاب
المقدس ينسب
إسمها إلى
"أربع الرجل
الأعظم في
العناقيين"
(يش ١٤: ٥)، وقد
دعى "أربع"
أبي عناق (يش ١٥:
١٣).
بعد
الاستيلاء
على حبرون أو
قرية أربع
وقتل بني عناق
انطلق يهوذا
إلى دبير أو
قرية سفر،
حيث أعلن كالب
بن يفنة أن من
يضربها يعطيه
عكسة ابنته
امرأة... هذه
التي تمتعت
بالينابيع
العليا
والينابيع
السفلى كهبة
من أبيها بعد
أن تزوجت
بعثنيئيل
فاتح قرية سفر
أو دبير.
"دبير"
من أصل عبري
يعني "يقرأ"،
أما دعوتها "قرية
سفر" أو
"كتاب"، أو
"قرية سّنة"
(يش ١٥: ٤٩) أي ما
يحويه الكتاب
من شريعة أو
سنن، فيُظهر
انها كانت
مركزًا للعلم
والدين عند
الكنعانيين.
ظن كثيرون أن
مكانها الآن
قرية الظهرية
التي تبعد
حوالي ١٣
ميلاً جنوب
غربي حبرون،
لكن الآن يرجح
أن مكانها تل
أبيب مرسيم
التي تبعد
غرباً نحو ١٣
ميلاً جنوب
غربي حبرون
وعلى بعد
ثلاثة أميال شمال
غربي شامير[21].
رأينا
أن كلمة
"عثنيئيل"
تعني (إستجابة
الرب)، فلا
يستطيع أحد أن
يغتصب قرية
الكتاب المقدس
إلاّ من يوهب
له من قِبل
الله أو
يُستجاب لطلبته،
عندئذ يتزوج
عكسة إبنة
كالب أي يلتصق
بالحياة
المقدسة
ويتعرف على
أسرارها لا
كقرية يسكنها
وإنما كعروس
يتزوج بها،
أما نزول عكسة
عن الحمار
لتطلب من
أبيها
الينابيع
العيا والينابيع
السفلى كهبة
منه لإبنته،
إنما يُشير
إلى النفس
التي تنزل عن
إهتمامات
الجسد الحيواني
(الحمار)
لتطلب من
أبيها
السماوي ينابيع
المياه
الحية، أي
ثمار الروح
على مستوى سماوي
عالٍ، كما
تنعم بالثمر
الذي تعيش به
هنا على الأرض
(الينابيع
السفلى)[22].
يتحدث
بعد ذلك عن
إلتصاق بني
القيني (وفي
الترجمة
السبعينية
بنو حوباب
القيني)، أي
أبناء إخوة
زوجة موسى،
ببني يهوذا إذ
صعدوا من
مدينة النخل
أي أريحا التي
خربت ولعنت
لذا لم يذكر
هنا إسمها،
وانطلقوا إلى
برية يهوذا إذ
كانوا لا
يحبون سكنى المدن
كسائر أهل
البدو (إر ٣٥: ٦-٧)،
في جنوبي عراد
(تبعد ١٧
ميلاً جنوبي
حبرون) وسكنوا
مع شعب هذا
الموضع أي
عماليق! وهكذا
إختطلت
الحنطة
بالزوان!
إشترك
السبطان
يهوذا وشمعون
في ضرب "صفاة"
ودعوها
"حرمة"،
والتي هي في
الغالب "تل
السبع". كلمة
"حرمة" تحمل
معنيين: "موضع
مقدس، خراب"؛
فقد حطموها
تمامًا
وضربوها بسبب
ما قاسوه فيها
من مرارة في
حرب العمالقة
(عد ١٤: ٤٥).
أما
المدن "غزة
وأشقلون
وعقرون" [١٨]،
من عواصم
الفلسطينيين
الخمس، فقد
أخذها
الفلسطينيون
لكنهم لم
يبقوا فيها
زمانًا
طويلاً، لذلك
جاءت الترجمة
السبعينية (لم
يأخذها يهوذا أي
لم يرثها)...
"لم
يُطرد سكان
الوادي لأن
لهم مركبات من
حديد" [١٩]،
كان ذلك مع
بدء ظهور
العصر
الحديدي، وقد
إحتكر
الفلسطينيون
صناعته حتى لا
ينتفع به
الإسرائيليون
(١ صم ١٣: ١٩-٢٢)،
ولكن نصرة
داود على
الفلسطينيين
كانت بداية
لاستخدام
الحديد كسلعة
عامة في
إسرائيل.
وسط
هذه
الإنتصارات
المتتالية
أعلن الكتاب تهاون
هذا الشعب: "وبنو
بنيامين لم
يطردوا
اليبوسيين
سكان أورشليم،
فسكن
اليبوسيون مع
بني بنيامين
في أورشليم
إلى هذا اليوم"
[٢١]. وكما
يقول العلامة
أوريجانوس:
[إذ نسمع في
الإنجيل بأن
الحنطة تنمو
مع الزوان،
بنفس الطريقة
يوجد في
أورشليم أي
الكنيسة
اليبوسيون
الذي يسلكون
بحياة رديئة،
هؤلاء
الفاسدون في
إيمانهم كما
في أعمالهم
وكل طريقة
حياتهم. من
المستحيل
تتنقى الكنيسة
بالكلية
طالما هي على
الأرض[23]].
٣.
امتلاك بيت
إيل:
إن كان
يهوذا قد جاء
متقدمًا كل
الإسباط، إذ كانت
قرعته هي
الأولى في
الهجوم بكونه
يمثل السيد
المسيح نفسه
الخارج من سبط
يهوذا، فقد
جاء بعده في
القرعة "بيت
يوسف" إي سبطا
إفرايم ومنسى.
"يوسف" يعني
"نمو"،
و"إفرايم"
يعني "ثمر
متكاثر"،
"منسى" أي
"ينسى"، فإن كنا
في المرحلة
الأولى قد
رأينا يهوذا
يطلب من أخيه
شمعون أن
يخرجا معًا
كأخوين
متلازمين علامة
إتحاد
الإيمان
بالإستماع
للوصية أي بالعمل،
ففي هذه
المرحلة
ينطلق يوسف أي
النمو الروحي
خلال عمل
إفرايم مع
منسى أي
التمتع بثمر
الروح مع
نسيان محبة
العالم.
يهوذا
اقتنى
أورشليم أي
رؤية السلام،
وبيت يوسف أخذ
مدينة بيت إيل
أي بيت الله؛
فبالإيمان
(يهوذا) ننعم
برؤية السلام
الإلهي
الفائق داخلنا،
وبالنمو
الروحي (يوسف)
نصير نحن
أنفسنا بيت
إيل أي مسكنًا
مقدسًا لله.
ليست
هناك مدينة
تحدث عنها
الكتاب
المقدس بعد
أورشليم مثل
بيت أيل، التي
كانت تُدعى
مدينة لوز؛
أول ما قدم
إبراهيم أرض
الموعد نصب
خيمته في
الأراضي
المرتفعة قرب
بيت إيل (تك ١٢: ٨،
١٣: ٣)، ولما
هرب يعقوب من
وجه عيسو
متجهًا إلى ما
بين النهرين
بات في مكان
قرب مدينة
لوز، حيث شاهد
السلم السماوي
ودعا المدينة
بيت إيل (تك 28: 11-19؛
31: 13)، وللأسف عند
إنقسام
المملكة أقام
يربعام
العجلين الذهبيين
في بيت أيل (١
مل ١٢: ٢٨–٣٣)
لذلك دعاها
هوشع النبي
"بيت آون" أي
بيت الأصنام
(هو ١٠: ٥، ٨)،
فعوض تابوت
العهد (القضاة
٢٠: ٢٧) الذي
بارك المدينة
وقدسها صارت
مركزًا رئيسيًا
للعبادة
الوثنية في
إسرائيل (عا ٤: ٤؛
٥: ٥).
أما
كيف استولى
بيت يوسف على
بيت إيل فيقول
الكتاب: "صعد
بيت يوسف
أيضًا إلى بيت
إيل والرب
معهم" [٢٢]. لقد
دخلوها خلال
معية الله! لا
نستطيع
إقتحام بيت إيل
أي بيت الله
إلاّ بالله
نفسه الذي
يحملنا فيه
إلى بيته،
ويكشف لنا
أسراره،
ويمتعنا بحياته
السماوية.
ويروي
لنا الكتاب
المقدس طريقة
الدخول إلى بيت
إيل بقوله:
أولاً: "واستكشف
بيت يوسف عن
بيت إيل" [٢٣]،
أي أرسل بيت يوسف
مراقبين أو
جواسيس
يستكشفون
أمرها، كما سبق
فأرسل يشوع
جاسوسين
لمعرفة أسرار
أريحا (يش 2: 1). إن
كان يوسف يمثل
السيد المسيح
في جوانب كثيرة
فإن بيت يوسف
يمثل الكنيسة
التي ترسل مراقبين
أي خدامًا
للكلمة
يشهدون للحق
ويفتتحون كل
قلب لحساب
مملكة الله،
لتجعل منه بيت
إيل الحقيقي.
إن
كانت النفس
البشرية هي
بيت يوسف
الحقيقي، يليق
بها ألاّ تكف
عن استخدام كل
طاقاتها وامكانياتها
كمراقبين
عملهم تقديس
الأعماق بالروح
القدس، لكي
يظهر القلب
كبيت إيل،
متحققًا فيه
قول السيد
المسيح: "ها
ملكوت الله
داخلكم" (لو 17: 21).
وقول الرسول:
"أم لستم
تعلمون أن
جسدكم هو هيكل
للروح القدس
الذي فيكم
الذي لكم من
الله وأنكم
لستم لأنفسكم؟!"
(١ كو ٦: ١٩).
ثانيًا:
ينطلق
المراقبون
إلى مدينة
"لوز"، إذ قيل:
"وكان إسم
المدينة
قبلاً لوز" [٢٣].
لم يذكر إسم
المدينة بلا
هدف، فإن
اللوز إنما يُشير
إلى كلمة الله
كقول الرب
نفسه لأرميا
(أر ١: ١١-١٢).
وكما يقول العلامة
أوريجانوس:
[إن اللوز
يحمل قشرة
خارجية تجف
وتسقط، وله غلاف
صلب يكسر، في
داخله اللوز
نفسه يؤكل.
هكذا يرى أن
كلمة الله أو
الكتاب
المقدس إذ
فُسر حرفيًا
يكون الإنسان
قد أكل الغلاف
المرّ الجاف،
وإذا توقف عند
التفسير
السلوكي أو
الأخلاقي
يكون كمن اهتم
بالغلاف
الصلب، أما من
يدخل إلى
التفسير الروحي
العميق فينعم
باللوزة
نفسها الشهية والنافعة[24]].
أرسل
بيت يوسف
المراقبين
ليتعرفوا على
لوز ويدخلوا
إليها
فينعموا ببيت
إيل، هكذا لا
تستطيع النفس
أن تصير بيتًا
لله ما لم
ترسل المراقبين
إلى كلمة الله
(لوز) وتتعرف
على أسرار
الكتاب
المقدس
لتنطلق
بالروح القدس
المراقب
الحقيقي،
القادر أن
يدخل بها إلى
أعماق مفاهيم
أسراره
الروحية. لقد
انطلق داود
النبي بالروح
إلى لوز حين
قال "ابتهج
أنا بكلامك كمن
وجد غنيمة
وافرة" (مز ١١٩:
١٦٢).
ثالثًا:
"فرأى
المراقبون
رجلاً خارجًا
من المدينة، فقالوا
له أرنا مدخل
المدينة
فنعمل معك
معروفًا" [٢٤].
من هو هذا
الرجل الذي
يعرف مدخل
المدينة والذي
قاد
المراقبين
إليها إلاّ
جماعة اليهود
الذين
أؤتمنوا على
كلمة الله
وصارت إليهم
النبوة، فقد
دخلوا
بالعالم إلى
معرفة السيد
المسيح
وكشفوا للأمم
"بيت إيل"
ومداخلها
لحقيقية، أما
هم فذهبوا إلى
أرض الحيثيين
[٢٦] وأقاموا
لأنفسهم
مدينة لوز حسب
أهوائهم. إنهم
كعمال فلك نوح
الذي صنعوا
الفلك لنوح
وعائلته أما
هم فلم
يخلصوا.
لقد
عمل بيت يوسف
معروفًا مع
الرجل
وعشيرته
وأطلقوهم [٢٥]،
لكن عوض أن
يدخلوا معهم
المدينة
ويشتركوا معهم
في الميراث
إنطلقوا
للحياة مع
الحيثيين يشاركونهم
جحودهم وعدم
إيمانهم!
ما
صنعه الرجل مع
بيت يوسف
يفعله
الكثيرون حتى
اليوم،
يقودون
الآخرين إلى
معرفة الحق
وأما هم فلا
يدخلون. هذا
ما خشاه
الرسول بولس
لئلا يسقط فيه
عندما قال:
"أقمع جسدي
وأستعبده حتى
بعدما كرزت
للآخرين لا
أصير أنا نفسي
مرفوضًا" (١ كو
٩: ٢٧). وما خشاه القديس
يوحنا الذهبي
الفم على
نفسه، إذ قال:
[إني أسكب
الدموع عندما
أرى نفسي في
كرسي فوق
كراسي
الآخرين،
وعندما يُقدم
ليّ إحترام
أكثر من غيري[25]].
٤.
التهاون مع
الكنعانيين:
قلنا
أن كلمة
"الكنعانيين"
تعني
"هياجًا"، لذا
فاستبقاء
الكنعانيين
وسطهم من أجل
الجزية وعدم
طردهم [٢٨-٣٠، ٣٣،
إلخ] إنما
يُشير إلى
إنحراف القلب
إلى محبة المال.
فقد أعطانا
الرب سلطانًا
أن نطرد عنا
كل هياج وكل
تشويش روحي،
لكن من أجل
الجزية أي
محبة العالم
لا نطرده بل
نستبقيه
لنفعنا
الزمني...
الأمر الذي يحطم
النفس هنا
ويفقدها
أبديتها هناك.
[11] PG 46:929 C.
[12] للمؤلف: سفر العدد سنة ١٩٨١، ص ١٥.
[13]
للمؤلف:
الإنجيل بحسب
متى سنة ١٩٨٣،
ص ٧٩.
[14] In Rom. PG 60:499.
[15] In Gen. PG 53:76, 77.
[16] James Strong: Dict. of The Words in the Hebrew Bible, article 113.
[17] Ibid, article 966.
[18] New westminster Dict. of the Bible, P 114.
[19] On Ps. 122.
[20] سفر يشوع سنة ١٩٨٢، ص ١٨٢، ١٨٣.
[21] New westminster
Dict. of the Bible, P 219.
[22] يشوع، ص ١٨٤.
[23] In Jos. hom
21:1.
[24] للمؤلف: آباء مدرسة الاسكندرية الأولون سنة ١٩٨٠، ص ١٦٠.
[25] الحب
الرعوي، ص ٧٦٤.