مقدمة
في لاهوتيات
السفر
إن
كان صُلب
السفر كله
يحمل نغمة
الذل والضيق فقد
افتتح الوحيّ
السفر بروح
الغلبة
والنصرة، على
أدوني بازق
والكنعانيين
ليبث فينا روح
الرجاء
المفرح،
والآن إذ
تهاون الشعب
في طاعة الرب
إنتقل ملاك
الرب إلى
بوكيم لينطلق
بهم إلى
البكاء بروح
التوبة حتى إذ
يضيق بهم الأمر
جدًا يرسل لهم
من ينقذهم
خلال روح
التوبة.
١.
ملاك الرب في
بوكيم
[١-٥].
٢.
موت
يشوع
[٦-١٠].
٣.
التعبد للبعل
وإقامة
قضاة
[١١-٢٣].
١.
ملاك الرب في
بوكيم:
"وصعد
ملاك الرب من
الجلجال إلى بوكيم،
وقال: قد
أصعدتكم من
مصر وإتيت بكم
إلى الأرض
التي أقسمت
لآباِئكم
وقلت لا أنكث
عهدي معكم إلى
الأبد، وأنتم
فلا تقطعوا
عهدًا مع سكان
هذه الأرض،
اهدموا
مذابحهم، ولم
تسمعوا
لصوتي، فماذا
عملتم؟! فقلت
أيضًا لا
أطردهم من
أمامكم بل
يكونون لكم
مضايقين،
وتكون آلهتهم
لكم شركًا.
وكان لما تكلم
ملاك الرب بهذا
الكلام إلى
جميع بني
إسرائيل أن
الشعب رفعوا
صوتهم وبكوا،
فدعوا إسم ذلك
المكان
بوكيم، وذبحوا
هناك للرب" [١-٥].
تقدم
لنا هذه
العبارات
ملخصًا
دقيقًا للاهوتيات
السفر كله،
وخطًا واضحًا
لغايته.
ويلاحظ
في هذه
العبارات الآتي:
أولاً:
ملاك الرب
المذكور هنا
غالبًا ما
يعني ظهورًا
إلهيًا لكلمة
الله كما يرى
غالبية
الدارسين.
فكلمة الله
الحيّ هو الذي
قاد الشعب إلى
الجلجال وهو
الذي صعد بهم
إلى بوكيم،
بكونه واهب
التوبة
وقابلها.
ثانيًا:
صعود ملاك
الرب من
الجلجال إلى
بوكيم يحمل مفهومًا
لاهوتيًا
عميقًا
فالجلجال كما
رأينا في دراستنا
لسفر يشوع[26]
هو أول معسكر
للشعب بعد
عبوره الأردن
ودخوله كنعان،
والإسم يعني
"متدحرج" أو
"دائرة"، جاء
ليعلن عن
دحرجه عار
العبودية
القديم (يش ٥: ٩)،
وكأن عار
العبودية لا
يُنزع عنا
إلاّ بدخولنا
"دائرة
الأبدية".
وكان الجلجال
مركزًا
لعمليات
يشوع، وفيه
اختتن الشعب
ثانية (يش ٥: ٩)،
وظهر كموضع
مقدس حتى أيام
صموئيل النبي
(١ صم ٧: ٦)
وغالبًا ما
كان به هيكل[27]، كما
صار مركزًا
لعمليات شاول
الحربية ضد
عماليق الخ...
بمعنى آخر
الجلجال إنما
يعني مقدس القلب
الداخلي الذي
فيه يدير ربنا
يسوع (يشوع) العمل
الروحي، وفيه
تتجلى الحياة
السماوية (الختان
الروحي
الثاني)، وفيه
تقدم ذبيحة
شكر لله،
وخلاله نصارع
مع الشيطان
(عماليق)... هذا
المقدس
يفارقه ملاك
الرب معلنًا
عصياننا
وكسرنا للعهد
المبرم مع
الله، وينطلق
بنا إلى
بوكيم،
فيتحول قلبنا
إلى الندامة
والبكاء حتى
إذ نرجع إلى
الله في
أعماقنا نقدم
ذبيحة روحية
للرب [٥].
ثالثًا: لخص
ملاك الرب
خطايانا في
إعلانه أنه لن
ينكث العهد
معنا إلى الأبد
وإذا بنا
نتجاهل العهد
الإلهي لنقيم
عهدًا مع سكان
هذه الأرض، أي
مع الخطايا.
فإن كان الله
إلهًا
غيورًا، إنما
يريدنا في
إتحاد معه على
مستوى
الإتحاد
الزواجي، فكل
إتحاد مع غيره
(الخطايا)
يُحسب زنى،
بسببه ينحل
عقد اتحادنا
الزواجي معه.
رابعًا:
الله يقدس
الحرية
الإنسانية
جدًا، فإذ
نقيم العهد مع
سكان هذه
الأرض
(الخطايا)
يهبنا سؤال
قلبنا فلا
يطردهم من
أمامنا...
فيكونون
مضايقين لنا،
وهكذا جعل
الله من
تصرفاتنا
الشريرة فرصة
للتأديب. إنه
لا يلزمنا
بالتوبة، لكن
ثمار خطايانا
المرّة تضيق
علينا فنرفع
قلوبنا بكامل
حريتنا لنرى
الأذرع
الأبدية
مفتوحة لنا.
على أي
الأحوال فإن
صعود ملاك
الرب من
الجلجال إلى
بوكيم وحديثه
معهم هو
بمثابة إعلان
عن العلاج قبل
استعراض
مرارة المرض.
هكذا يتعامل الله
معنا، إذ يفتح
أمامنا أبواب
الرجاء مقدمًا
حتى متى سقطنا
نذكر رحمته
وننطلق
بالروح القدس
إلى بوكيم
لنقدم ذبائح
التوبة للرب
في إستحقاقات
الدم الثمين.
والآن
إذ قدم العلاج
بدأ يكشف عن
ظهور المرض فتحدث
عن عصر يشوع
والشيوخ
المرافقين له
حيث شهد الكل
أعمال الله
العجيبة فلم
ينحرفوا عن الإيمان،
لكن الجيل
التالي "لم
يعرف الرب ولا
العمل الذي
عمل
لإسرائيل" [١٠].
٢.
موت يشوع:
إذ سمع
يشوع كلمات
ملاك الرب في
بوكيم ورأى الشعب
يرفع صوته
ويبكي لأنه
عرف ما سيحل
به أو بالأجيال
المقبلة
كثمرة
لتهاونهم مع
الأمم الوثنية،
ذُبحت ذبائح
للرب [٥]، ثم
صرف يشوع
الشعب... "كل
واحد إلى ملكه
لأجل إمتلاك
الأرض" [٦]، إي
ذهب كل سبط ليملك
ما قد تمتع به
كنصيب له.
يا لها
من صورة حية
للكنيسة
الحقيقية، إذ
تجتمع معًا مع
يشوع لتمارس
التوبة
الجماعية في بوكيم،
وتقدم ذبيحة
الرب بروح
واحد جماعي،
لكن كل واحد
يملك نصيبه!
كأن الحياة
الكنسية هي حياة
جماعية تمثل
جسدًا
واحدًا، لكن
لكل عضو عمله
وشركته
الخاصة. بمعنى
آخر لا تعني
الحياة
الجماعية تجاهل
العمل الشخصي
أو العلاقة
الشخصية السرية
التي تربط
النفس بالله،
كما أن العمل
الشخصي لا
يوقف الحياة
الجماعية، بل
هما متلازمان
ومتكاملان
غير منفصلين.
إني أعرف الرب
إلهي كرأس خاص
بيّ "حبيبي
ليّ وأنا له"
(نش ٢: ١٦)،
ألتقي معه
سريًا على
مستوى شخصي،
لكن كعضو في
الجماعة
المقدسة، فهو
رأس الكنيسة
(أف ١: ٢٢) التي
أنا عضو فيها.
تحدث
عن حال الشعب
في عهد يشوع،
قائلاً: "وعبد
الشعب الرب كل
أيام يشوع وكل
أيام الشيوخ
الذين طالت
أيامهم بعد
يشوع الذين
رأوا كل عمل
الرب العظيم
الذي عُمل
لإسرائيل" [٧].
متى كان يشوع
الحقيقي،
يسوع المسيح،
هو القائد
للكنيسة
والمحرك لها
روحيًا يعبد
الشعب الرب في
حرارة الروح؛
ومتى تسلم
الكنيسة شيوخ أي
رعاة رأوا كل
عمل الرب
العظيم
وتلامسوا مع صليبه
تبقى الكنيسة
ملتهبة
بالروح، أما
إن تسلمها
رعاة ليس لهم
شركة مع يشوع
الحقيقي
فينحرف الشعب
عن عبادة الله
الحقة.
أخيرًا
"مات يشوع بن
نون عبد الرب
إبن مئة وعشر
سنين فدفنوه
في تخم ملكه
في تمنة حارس
في جبل أفرايم
شمالي جبل
جاعش" [٨-٩].
إعلان
موت يشوع
والإهتمام
بدفنه في تخم
نصيبه إنما
يكشف للشعب عن
الإيمان
بقيامة
الجسد، الأمر
الذي لم يكن
يستطيع
اليهود في ذلك
الحين إدراكه
تمامًا.
دفن في
المنطقة
الجرداء التي
إختارها
لنفسه بعد
التوزيع
للأسباط إذ
كان زاهدًا لا
يطلب ما لنفسه
بل ما هو
للآخرين. إنه
يدفن في أرض
جرداء لينعم
بالأرض
الجديدة، أي
الحياة
الأبدية حيث
فيض الغنى
السماوي.
دفن في
"تمنة حارس"
أو كما جاء في
سفر يشوع "تمنة
سارح" (يش ٢٤: ٣)،
وقد اشتهرت
المدينة
بالاسمين،
الأول تمنة حارس
الذي يعني
"نصيب
الشمس"،
والثاني تمنة سارح
الذي يعني
"نصيب مزدوج".
ويرى
الربانيون
أنها دُعيت
تمنة حارس
بسبب وقوف
الشمس في عهد
يشوع، لذلك
رسمت صورة
الشمس على
قبره. على أي
الأحوال دفن
يشوع في هذه
المدينة
ليكون نصيبه
شمس البر،
يسوع المسيح،
أي مات على
رجاء التمتع
به، وبتمتعه
بيسوع يحسب
نفسه قد نال
نصيبًا
مزدوجًا أو
وفيرًا.
كانت
هذه المدينة
في جبل أفرايم
شمالي جبل جاعش
أي جبل
الزلزلة،
الذي يذكرنا
بالزلزلة
التي حدثت عند
قيامة يشوع
الحقيقي، كأن يشوع
قد مات
منتظرًا أن
يكون "شمس
البر" نفسه هو
نصيبه
المزدوج، به
ينعم
بالزلزلة
للحياة القديمة
ليتمتع
بحياته
المقامة من
الأموات.
٣.
التعبد للبعل
وإقامة قضاة:
الآن
إذ أُعلن موت
يشوع على رجاء
القيامة ومات
الجيل الذي عاين
أعمال الرب
العظيمة "قام
بعدهم جيل آخر
لم يعرف الرب"
[١٠]... وفي
عبارات قليلة
كشف بقية
الأصحاح عن
جوهر أحداث
سفر القضاة
ومعاملات
الله مع الشعب
في ذلك الحين،
إذ قال: "وتركوا
الرب إله
آبائهم الذي
أخرجهم من أرض
مصر وساروا
وراء آلهة
أخرى من آلهة
الشعوب الذين
حولهم وسجدوا
لها وأغاظوا
الرب" [١٢].
لقد نسى الجيل
الجديد أعمال
الله محب
البشر مع
آبائهم
وانسحب قلبهم
إلى العبادات
الوثنية من
أجل ما تحمله
من رجاسات
وملذات جسديه
طريقها سهل،
فتركوا إله
آبائهم
ونقضوا عهده [٢٠]
وعبدوا
البعليم
والعشتاروت [١٣]
فأغاظوا الرب الذي
حمى غضبه
عليهم [٢٠].
ماذا
تعني اغاظة
الرب وما معنى
حمو غضبه عليهم؟
الله ليس فيه
انفعالات
مثلنا لكنه حب
مطلق، وفي حبه
يضمنا إليه
كعروس له،
يغير علينا. يودنا
أحباء وأبناء
نسكن في حضنه،
ويسكب حبه بلا
حدود فينا.
فاغاظته إنما
تعني تهاوننا
نحن في قبول
حبه واستهتارنا
بصداقته، أما
غضبه فإشارة
إلى سقوطنا
تحت عدله
الإلهي نجتني
ثمر خطايانا...
فيبدو الله كغاضب.
إذ تركوا الله
مصدر حياتهم
وانطلقوا إلى
العبادات
الباطلة
سقطوا في
الباطل واجتنوا
منها ثمر
عملهم،
وحرموا
أنفسهم
بأنفسهم من
الرحمة
الإلهية، ومع
هذا فهو يسمح
لهم بذلك حتى
يضيق بهم
الأمر جدًا [١٥]،
عندئذ كان
يقيم لهم قضاة
يُخلصونهم من
يد ناهبيهم [١٦].
وللأسف "عند
موت القاضي
كانوا يرجعون
يفسدون أكثر
من آبائهم..." [١٩].
هذه هي
قصة سفر
القضاة كله،
بل هي قصة
حياة الكثيرين
منا، سرعان ما
ننسى معاملات
الله معنا
لنسلك حسب
أهوائنا وإذ
نخضع لثمر
شرنا نصرخ
فيُنجي،
لنعود مرة أخرى
فننسى الرب
ونتعدى عهده!
أما
عبادة البعل
فكانت تُقدم
للإله
الكنعاني
"بعل" وجمعه
"بعليم"،
ومعناه "سيد"
أو "رب" أو
"زوج". وكانت
زوجته الإلهة
عشتاروت. هو
إله الخصب ورب
المزارع
والمهتم
بالحيوانات
إله الشمس، وهي
إلهة القمر.
لذا كانت
النساء يعجن
لها فطيرًا
(أر ٧: ١٨) يُرسم
عليه صورة
القمر. وكان
المتعبدون
لها يحسبون
البعل أبًا
لهم وعشتاروت
أمًا، وكانوا
يُقدمون لهما
من أطفالهم
ذبائح
ومحرقات. إذ
كانت بعض
الأصنام تصنع
من النحاس
مجوفة،
يوقدون تحتها
النيران ومتى
إحمرت جدًا
وتوهجت تلقي
الأم رضيعها
على يديه
المتوهجتين
وتُضرب
الطبول حتى لا
تُسمع صرخات
الرضيع وهو
يحترق! وكان
للبعل كهنة
كثيرون
يخدعون الناس
بسحرهم
وشعوذتهم،
كما وُجدت
أحيانًا كاهنات
هن نساء وبنات
يقدمن أنفسهن
للزنى والرجاسات
كجزء من
العبادة
وطقسٍ من
طقوسها (هو ٤: ١٤).
هذا
وقد انتشرت
عبادة
البعليم في
الشرق بصورة
متسعة حتى صار
لبعض البلاد
بعل خاصٍ بها
مثل بعل فغور،
وبعل زبوب
الخ...
[26] يشوع
سنة ١٩٨٢، ص ٨٢،
٨٣.
[27] Mckenzie, P 311