يرى
غالبية
الدارسين أن
تسبحة دبورة،
والتي تُدعى
"أغنية
النصرة" أو
"نشيد
الغلبة"، من وضع
دبورة نفسها،
وضعتها
بأسلوب شعري
رائع وفي
بلاغة تفوق
أهل زمانها.
لذلك فهي أقدم
جزء في سفر
القضاة. ويرى العلامة
أوريجانوس
أن هذه
التسبحة هي
تسبحة
الإنسان
المجاهد، الذي
يكون كدبورة
أو النحلة،
يترنم بها
أثناء جهاده الروحي
حيث يزعزع
الرب الجبال
الوعرة أمامنا
واهبًا إيانا
النصرة لكي
نملك أبديًا.
والتسبحة
تضم ٣١ عددًا،
تنقسم إلى
ثلاثه أقسام
أو فصول كل
قسم يتكون من ٩
أعداد (٣-١١، ١٣-٢١،
٢٢-٣٠)، أما
العددان ١، ٢
فهما مقدمة
للتسبحة،
والعدد ١٢
مقدمة للقسم
الثاني،
والعدد ٣١
خاتمة
التسبحة.
١.
مقدمة
التسبحة
[١-٢].
٢. الله
قائد
شعبه
[٣-١١].
٣.
مقدمة الفصل
الثاني
[١٢].
٤.
معركة دبورة
وباراق
[١٣-٢١].
٥.
هزيمة سيسرا
[٢٢-٣٠].
٦. ختام
التسبحة
[٣١].
١.
مقدمة
التسبحة:
"فترنمت
دبورة وباراق
بن أبينوعم في
ذلك اليوم
قائلين: لأجل
قيادة القواد
في إسرائيل،
لأجل إنتداب
الشعب (تقدمهم
للحرب
باختيارهم)، باركوا
الرب" [١-٢].
عند
الضيق غالبًا
ما يصرخ
الإنسان
طالبًا الخلاص،
لكن عند الفرح
نادرًا ما
يرجع لله بالشكر
والتسبيح
لأجل أعماله
معنا. لقد صرخ
عشرة رجال
برص، قائلين:
"يا معلم
إرحمنا" (لو ١٧:
١٣)، وإذ
شفاهم رجع
واحد منهم فقط
ليمجد الله بصوت
غريب وكان
سامريًا، لذا
قال الرب: "أليس
العشرة قد
طهروا فأين
التسعة؟! ألم
يوجد من يرجع
ليعطي مجدًا
لله غير هذا
الغريب
الجنس؟!"
إذ خلص
الرب شعبه من
سيسرا ويابين
على يدي دبورة
وباراق،
انطلقت دبورة
تسبح الرب
ومعها باراق،
لعلها وضعت
التسبحة
بإرشاد إلهي
وقدمتها
لباراق،
فقادت دبورة
النساء للعمل
الملائكي
التسبيحي
وقاد باراق
الرجال. عند
عبور البحر
الأحمر انطلق
موسى
بالتسبيح (خر ١٥:
١) ووراءه
تمثل
المريمات
اللواتي
أعلنَّ القيامة
قبل التلاميذ
وكان لهن
النصيب الأول
في التمتع
ببهجة
القيامة
والتمتع
بالرب القائم من
بين الأموات.
ماذا
قالا؟: "لأجل
قيادة القواد
في إسرائيل"،
بمعنى أنهما
يسبحان الله
الذي عمل في
القادة الذين
تسلموا مركز
القيادة في
الحرب معرضين
حياتهم للخطر
من أجل
إخوتهم. وكأن
دبورة وباراق
وهما يمجدان
الله واهب
النصرة لا
يتجاهلان
جهاد أحد
وتعبه! وقد
جاءت الترجمة
السريانية
والكلدانية:
"لأجل إنتقام إسرائيل"،
أي من أجل ما
وهبه الله
لإسرائيل من
قوة للإنتقام
من سيسرا.
"لأجل
إنتداب الشعب"
أي لقبولهم
العمل (الحرب)
طوعًا، فإن
كان القادة قد
تسلموا
مواقعهم
فالشعب أيضًا
جاهد بفرح
طوعًا... وكأن
النصرة
الروحية إنما
هي ثمر عمل
الله في
القادة كما في
الشعب. ليتنا في
الأعمال
الناجحة ننسب
الفضل كله
لله، ولا نتجاهل
دور القادة
ولا الشعب.
لعل
دبورة بقولها:
"باركوا
الرب" تطلب
من القادة
الذين كانوا
أمناء في
مواقعهم
وللشعب الذي
جاء طوعًا
للعمل ألاّ
تلهيهم النصرة
من تقديم
تسبحة الحمد
لله والشكر
لنعمته
الغنية،
وإنما
يتمثلون
بالرسول بولس
القائل: "ليس
أننا كفاة من
أنفسنا أن
نفتكر شيئًا
كأنه من
أنفسنا بل
كفايتنا من
الله" (٢ كو ٣: ٥).
٢.
الله قائد
شعبه:
يبدأ
صُلب التسبحة
بالعبارة: "اسمعوا
أيها الملوك
واصغوا أيها
العظماء، أنا
أنا للرب
أترنم، إزمر
للرب إله
إسرائيل" [٣].
إذ لم يكن
لإسرائيل
ملوك حتى ذلك
الحين
فالدعوة هنا
موجهة لملوك
الأمم
الوثنية
والتي كانت
متعاطفة أو
متحالفة مع
يابين ملك
كنعان لكي
تتأمل أعمال
الله الحيّ،
فترجع عن
الآلهة
الكاذبة وتخشى
الرب الحقيقي.
تؤكد
"أنا أنا للرب
أترنم"،
وكأنها تقول:
"أنا دبورة
المرأة
الضعيفة، أنا
هي التي تفتح
فمها لترنم
لله مخلصها".
فإن كنتم
ملوكًا
وعظماء، لكني
وأنا الضعيفة
أدعوكم
لتدارك الأمر
وتفهم أعمال
الله معنا.
وربما تكرار
كلمة "أنا"
مرتين يشير
إلى الكنيسة، التي
ترنمت للرب في
العهد القديم
خلال الناموس،
وتزمر له في
العهد الجديد
خلال النعمة. إنها
الكنيسة
الواحدة، لكن
كها أعضاء من
رجال العهد
القديم
وأعضاء أُخر
من العهد
الجديد.
يرى القديس
أغسطينوس[59]
أن رقم ٢ يشير
إلى "الحب" إذ
يجعل الاثنين
واحدًا، فتكرار
كلمة "أنا" مرتين
يشير إلى سمة
دبورة
الحقيقية أي
الكنيسة،
القادرة على
الترنم
والتسبيح،
إلاَّ وهي سمة
الحب، الذي
بدونه لا
يتقبل الرب
عبادتها أو
تسابيحها،
كقول الرسول:
"إن كنت أتكلم
بألسنة الناس
والملائكة
ولكن ليس ليّ
محبة فقد صرت
نحاسًا يطن أو
صنجًا يرن" (١
كو ١٣: ١).
"يارب
بخروجك من
سعير بصعودك
من صحراء
أدوم، الأرض
ارتعدت،
السموات
أيضًا قطرت،
كذلك السحب
قطرت ماء" [٤].
تعود دبورة
تذاكرتها إلى
معاملات الله
مع آبائها حين
كانوا في
البرية قومًا
رحل، من الذي سندهم
ضد أرض سعير
وأدوم غيره
(عد ٢٠: ٢٢؛ ٢١: ٤)!
الله الذي خلص
في القديم
آباءهم هو هو
بعينه
يرافقهم في
جهادهم ضد
سيسرا ويابين
ملك
الكنعانيين.
تعلن
دبورة سرّ
النصرة
بقولها للرب
"بخروجك... بصعودك"،
فالله لا يقف
في معزل عن
الإنسان بل في
حبه لنا دائم
الحركة من
أجلنا، فبحبه
يخرج من سعير
(التي تعني
شعر وهو إسم
عيسو بكونه مشعرًا)
ويصعد من أدوم
(تعني دم أو
أرض وهو إسم
عيسو أيضًا).
وكأنه بالحب
ينزل إلينا
ويحل بيننا
لكي يخرجنا من
"سعير" أي من
الفكر
الجسداني،
ويصعد بنا إلى
ما فوق آدوم
أي فوق الدم
والأرض. بالمسيح
يسوع نخرج
ونصعد فلا
نعيش بعد على
المستوى
الجسدي
الدموي
الأرضي، إنما
نشاركه
الحياة
الجديدة
لنحيا في
السمويات،
وكما يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم: [كأن
الإنسان قد
أُخذ إلى
السماء عينها
ويقف بجوار
عرش المجد[60]].
هكذا
تؤكد دبورة
النبية في
تسبحتها أن
الله هو
العامل فينا،
فإذ نحمله
داخلنا نخرج
من سعير ونصعد
من أدوم
الرمزية، أما
ثمر هذا العمل
فهو:
أولاً: "الأرض
ارتعدت" [٤].
هنا يشير إلى
الخشية التي
حلت بالأمم
تجاه إسرائيل
حين سمعوا عن
أعمال الله
معهم، وكما يقول
موسى النبي:
يسمع الشعوب
فيرتعدون،
تأخذ الرعدة
سكان فلسطين،
حينئذ يندهش
أمراء آدوم،
أقوياء موآب
تأخذهم
الرجفة يذوب
كل سكان
كنعان" (خر ١٥: ١٤،
١٥؛ راجع يش ٢: ٩–١١).
الأرض
أيضًا تشير
إلى الجسد،
فإذ يعمل الله
فينا يرتعد
الجسد بمعنى
يخشى الله فلا
يسلك في شهواته
وملذاته بل
يخضع لروح
الرب. وكما
قيل في حبقوق
النبي: "شققت
الأرض
أنهارًا" (حب ٣:
٩). فإن كانت
أرضنا أي
جسدنا قفراء،
فإن الرب يفجر
فينا بصليبه
ينابيع روحه
القدوس
كأنهار ماء حيّ.
ثانيًا: "السموات
أيضًا قطرت،
كذلك السحب
قطرت ماء" [٤].
إن كانت الأمم
الوثنية
كالأرض
ارتعدت أمام الله،
فإن أولاده
كسموات تقطر
ندى وكسحب
تهطل أمطارًا
تحول القفر
إلى فردوس.
بالله القدوس
تحمل حياتنا
الداخلية –
كسموات – ندى
الروح القدس
وأمطاره
السماوية.
ما
نقوله عن
الأمم
الوثنية
وأولاد الله
نكرره بخصوص
الجسد
والروح، فإن
كان الجسد
كالأرض يرتعد
أمام الله فلا
يطلب شهواته،
فإن الروح كسماء
تقدم بالرب كل
مطر مفرح.
ثالثًا: "تزلزلت
الجبال من وجه
الرب" [٥].
وكما يقول
إشعياء النبي:
"حين صنعت
مخاوف لم ننتظرها
نزلت تزلزلت
الجبال من
حضرتك" (إش ٦٤: ٣).
في
دراستنا لسفر
حزقيال رأينا
الله يقيم نفوس
قديسيه كجبال
مقدسة
يسكنها،
ترتفع فوق الأرضيات،
وعدو الخير
أيضًا يقيم من
خدامه جبالاً
دنسة معثرة
تتسم بكبرياء
النفس
وعصيانها
للوصية[61].
مثل هذه
الجبال تزلزل
من وجه الرب،
فيسقط تشامخها
وتنسحق قدامه.
بعد أن
عرضت دبورة
أعمال الله مع
الآباء في وسط
البرية، عادت
لتصف حالهم في
أيامها
وحاجتهم إلى
عمل الله،
فقالت:
"في
أيام شمجر بن
عناة في أيام
ياعيل
إستراحت الطرق
(لم تستخدم
الطرق)،
وعابرو السبل
ساروا في
مسالك معوجة.
خذل الحكام
(توقف سكان
القرى) في
إسرائيل،
خذلوا حتى قمت
أنا دبورة،
قمت أمًا في
إسرائيل" [٦-٧].
يبدو
أن الضيقة حلت
بالشعب في
أواخر أيام
القاضي شمجر (٣:
٣١)، ولا نعلم
إن كانت دبورة
قد عاصرته أم
لا، أما ياعيل
هنا فيرى
البعض أنها
ياعيل زوجة
حابر التي
قتلت سيسرا،
فربما كانت
معروفة
بغيرتها على
إسرائيل
لخلاصه لكنها
كانت تعمل في
الخفاء خشية
بطش سيسرا
بها، ويرى
آخرون أنها
ياعيل أخرى
كان لها دورها
في أيام شمجر.
على أي
الأحوال تقدم
لنا دبورة
صورة مرّة
لمضايقات
الكنعانيين
لهم فقد
أغلقوا عليهم
الطرق الرئيسية
حتى اضطر
اليهود في
سفرهم أن
يستخدموا
المسالك
الفرعية
المعوجة
والخطيرة،
وصارت الحقول
بلا فلاحين إذ
هربوا إلى
المدن يتحصنون
فيها خشية بطش
الكنعانيين،
فصارت الأراضي
الخصبة قفرًا
بلا ثمار.
إنها صورة عمل
عدو الخير مع
البشرية، إذ
يغلق أمامها
الطرق
الإلهية خلال
قطع الرجاء أو
إغراءات
الشر، ويدخل
بها في
المسالك
الملتوية
الشريرة حتى
ينحرف بها عن
غايتها،
ويحول حقلها
الداخلي إلى
قفر وجنتها
إلى برية
قاحلة. وبقيت
البشرية هكذا
حتى قامت
الكنيسة
الروحية
(دبورة)
وأعلنت
أمومتها في
الرب... "قمت
أمًا في
إسرائيل".
وكأنه لم يكن
ممكنًا
التحرر من
مرارة
الكنعانيين
إلاّ بقبول
دبورة أمًا،
أي قبول أمومة
الكنيسة الروحية.
لذلك يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم: [لا
تعتزل
الكنيسة،
لأنه لا شيء
أقوى منها (كإيمان
وحياة).
الكنيسة هي
رجاؤك وخلاصك
وملجأك، إنها
أعلى من
السماء،
وأوسع من
المسكونة. إنها
لن تشيخ قط،
بل هي دائمًا
في كامل
حيويتها[62]].
"اختار
آلهة حديثة؛
حينئذ حرب
الأبواب، هل كان
يُرى مجن أو
رمح في أربعين
إلفًا من إسرائيل؟!"
[٨].
لم يقف
الدمار خلال
مضايقة
الكنعانيين
لهم من
الخارج،
وإنما تحقق
خلال الفساد
الداخلي، إذ
لجأ اليهود
إلى آلهة
غريبة حديثة،
وكما قيل في
سفر التثنية:
"ذبحوا
لأوثان ليست
لله، لآلهة لم
يعرفوها
أحداث قد جاءت
من قريب" (تث ٣٢:
١٧). لهذا
تركهم الرب
حتى صارت
الحرب عند
الأبواب،
فتحول الموضع
الذي كان
مجالس
الرؤساء
والحكام إلى
ملحمة دماء، أمام
هذا المشهد
ماذا يفعل
إسرائيل حتى
وإن ضم جيشه
أربعين ألفًا
من الرجال إذ
لا يحمل مجن
الروح ولا رمح
الإيمان! لقد
حرمهم
الكنعانيون
من حمل
السلاح، بل هم
حرموا أنفسهم
من السلاح
الروحي
بانحرافهم
نحو العبادة
الوثنية!
إذ صار
حال الشعب
هكذا، ضيق في
الخارج وفساد
في الداخل، لم
يتركهم الرب
بل أرسل إليهم
قضاة قبلوا
العمل ندبًا
(طوعًا)
لإنقاذ الكل؛
إذ تطالب
الشعب أن
يبارك الرب
على هذا
العمل، قائلة:
"قلبي نحو
قضاة إسرائيل
المنتدبين في
الشعب،
باركوا الرب" [٩].
هكذا إذ قبل
القضاة العمل
وسط الضيقات
المرّة تطالب
أيضًا عظماء
الشعب أن
يسبحوا الرب
الذي أرسلهم
لخلاصهم: "أيها
الراكبون
الأتن الصحر،
الجالسون على
طنافس،
والسالكون في
الطريق،
سبحوا" [١٠].
إن كان الشعب
الفقير الذي
يسير على
قدميه في الطريق
يشكر الله،
فيليق أيضًا
بالعظماء الراكبين
الأتن
القادمة من
الصحراء، وهي
من الأتن
الغبراء في
حمرة خفية مع
بياض قليل،
وهي نوع نادر
لا يركبه
إلاَّ
الأغنياء،
أما الجالسون
على طنافس أي
على سجاد ثمين
فيُقصد بهم
رجال القضاء،
هؤلاء جميعًا
فليسبحوا
الرب.
تختم
دبورة الفصل
الأول من
تسبحتها
بقولها: "من
صوت المحاصين
بين الأحواض
هناك يثنون
على حق الرب،
حق أحكامه في
إسرائيل،
حينئذ نزل شعب
الرب إلى
الأبواب" [١١].
جاء الأصل
العبري
غامضًا لذا
اختلف
الدارسون في
تفسير هذه
الخاتمة. فرأى
البعض أن
المحاصين هم
رماة السهام
بينما رأى
الغالبية
أنهم
المتقاسمون
الغنائم، كل
يأخذ حصته،
فيأتون
بحصصهم من
الغنائم إلى
أحواض المياه
لتشرب وهم
يسبحون الرب
ويثنون على
عمله إذ وهبهم
النصرة وقدم
لهم من الأعداء
غنائم كثيرة
يدخلون بها
إلى أبواب
مدينتهم.
٣.
مقدمة الفصل
الثاني:
إذ
سبحت دبورة
الرب، وطالبت
الأغنياء
والفقراء،
وكل طبقات الشعب
أن يسبحوه إذ
خلصهم من
الأعداء ونزع
عنهم فسادهم
مقدمًا لهم
عوض المذلة
نصرة، وعوض
الفقر خيرات
وغنائم،
تفتتح القسم
الثاني أو الفصل
الثاني من
تسبحتها بهذه
المقدمة: "استيقظي
استيقظي يا
دبورة
استيقظي
استيقظي... قم
يا باراق واسب
سبيك يا ابن
أبينوعم" [١٢].
لما
كان الفصل
الثاني يعلن
عمل الله
الخلاصي خلال
دبورة وباراق
بكونه رمزًا
وتهيئة للخلاص
الذي يقدمه
السيد المسيح
خلال كنيسة
العهد
الجديد، لهذا
يبدأ في
مقدمته
بمناداة الكنيسة
أربع مرات " استيقظي".
إن كانت
البشرية في
العالم قد
نامت نوم
الموت بسبب
الخطية، فقد
جاء السيد
المسيح ليعلن
قيامة
الكنيسة التي
يجمعها من
جهات
المسكونة
الأربع، من
المشارق
والمغارب
والشمال
والجنوب.
لتستيقظ
الشعوب
والأمم الوثنية
من سباتها فقد
جاء القائم من
الأموات
القادر على
إقامتها.
إن كان
باراق قد قاد
المعركة فقد
سبى سبيًا
وصارت له
غنائم كثيرة
من العدو.
يعرضها على
الشعب ليملأ
حياتهم بهجة
عوض سنوات
الذل التي
عاشوها. هكذا
إذ غلب الرب على
الصليب حرر
البشرية
المسبية تحت
عبودية إبليس
وانطلق بها
إلى حريته على
المستوى السماوي،
وكما يقول
المرتل: "صعدت
إلى العلاء، سبيت
سبيًا" (مز ٦٨: ١٨).
ويعلق القديس
چيروم: [لقد
صعدت إلى
السماء.
خلصتنا نحن
الذين كنا مسبيين
بواسطة
الشيطان[63]].
ويعلق القديس
أغسطينوس
على قول
المرتل "سبيت
سبيًا" هكذا:
[أحدث هذا لأنه
غلب الموت
الذي أسر
الذين ملك
عليهم؟! أو
أنه يدعو
الناس أنفسهم
مسبيين إذ
كانوق أسرى
للشيطان؟...
هؤلاء إذ
خلصوا من
الخطية التي
كانوا
يخدمونها
صاروا خدامًا
للبر وأبناءً![64]]. بمعنى
آخر نحن الذين
كنا قبلاً في
السبي تحت نير
الخطية
تمتعنا
بالحرية،
فصرنا في المسيح
يسوع أبناء
لله، يسبينا
حبه المفرح...
فصرنا كمن في
سبي الحب،
غنائم محبته
الفائقة. دخلنا
إلى خدمة البر
بفرح طوعًا
بعد تذوقنا
مرارة سبي
الشر!
٤.
معركة دبورة
وباراق:
يصف
لنا الفصل
الثاني من هذه
التسبحة
معركة دبورة
وباراق
ونصرتهما في
الرب.
"حينئذ
تسلط الشارد
على عظماء
الشعب، الرب
سلطني على
الجبابرة" [١٣].
ماذا يعني
بالشارد هنا
إلاَّ الهارب
أو الطريد
بسبب الجور،
وقد جاء في
بعض الترجمات
"البقية" أي
ما تبقى في
الشعب بعد ظلم
الكنعانيين،
فقد تسلط
هؤلاء
المطرودون أو
البقية الضعيفة
بعد ضيق سنوات
طويلة على
عظماء شعب
الكنعايين...
وقد استخدم
الرب دبورة
لتغلب الجبابرة
منهم.
إذ
أراد الله
نصرة هذه
البقية
المسكينة
أقام دبورة
النبية التي
جاءت الأسباط
تسير وراءها
مع باراق ضد
الكنعانيين،
وقد عددت في
التسبحة هذه
الإسباط هكذا:
أولاً:
سبط أفرايم
"جاء من
أفرايم الذين
مقرهم بين
عماليق" [١٤].
كان
أفرايم
ساكنًا في
الأرض التي
تحسب حصنًا للإسرائيليين
من عماليق،
خرجوا للحرب
مع باراق.
ثانيًا: "وبعدك
بنيامين مع
قومك" [١٤].
كان نصيب
بنيامين ما
بين أفرايم
ويهوذا، وبالرغم
من قلة عددهم
كانوا أشداء
بأس، أقوياء،
خرجوا للحرب
مع أفرايم
يختلطون بهم.
ثالثًا:
سبط منسى "من
ماكير نزل
قضاة (حكام)" [١٤].
كانت عشيرة
ماكير من سبط
منسى، الذين
أقاموا غرب
الأردن، وقد
اشتركوا مع
باراق في
الحرب، وكان
منهم قادة
الجيش (حكام).
رابعًا:
سبط زبولون
"ومن زبولون
ماسكون قضيب
القائد" [١٤].
جاءت الكلمة
العبرية التي
ترجمت "قائد"
شفر إي
"الكاتب"،
فكان الكاتب
يرفع العصا
فوق البهائم
ليكون العاشر
من كل منها
قدسًا للرب
(لا ٢٧: ٣٢)، لذا
رأى البعض إنه
من زبولون قام
الكاتب الذي
يمسك بيده
القضيب ليحصي
الجنود ويكتب
عددهم. لعله
يشير بهذا إلى
عمل تعداد
للجيش ليتمتع الكل
بنصيبه في
الغنائم. ويرى
البعض أن قضيب
القائد أو
الكاتب هنا
يشير إلى
مركزهم
القيادي
لتحريك الجيش
للعمل.
خامسًا:
سبط يساكر "والرؤساء
في يساكر مع
دبورة، وكما
يساكر هكذا
باراق، اندفع
إلى الوادي
وراءه" [١٥].
هنا تمدح
رؤساء يساكر
إذ خرجوا
بأنفسهم مع
دبورة التي
كانت في ساحة
القتال، لم
يرسلوا
رجالهم فحسب
بل خرجوا
بأنفسهم. ولكي
تُظهر
شجاعتهم وأقدامهم
لم تشبههم
بباراق
الشجاع بل
وشجعت باراق
بهم زيادة في
المديح. لقد
اندفع يساكر
مع باراق إلى
الوادي (٤: ١٤)،
أي إلى السهل
الذي ضم
الأعداء
وفرسانهم
ومركباتهم
الحديدية.
سادسًا:
سبط نفتالي "زبولون
شعب أهان نفسه
إلى الموت مع
نفتالي على
روابي الحقل"
[١٨]. في
الأصحاح
السابق رأينا
باراق يدعو
زبولون ونفتالي
إلى قادش
للحرب [١٠]
ويبدو أنه كان
لهم نصيب
الأسد في هذه
المعركة،
لذلك مدحت زبولون
بأنه ماسك
بقضيب القائد
[١٤]، والآن في
ختام حديثها
عن الأسباط
تصف زبولون
ونفتالي
بأنهما خاطرا
بحياتهما حتى
الموت في
شجاعة نادرة
وحب. أما
كونهما
يخاطران على روابي
(الرابية موقع
مرتفع) الحقل،
فعلامة الشجاعة
أن يقفا في
مكان عالٍ
أمام العدو
بلا خوف، وفي
الحقل حيث تم
حصاد
الكثيرين في
هذه المعركة.
إن
كانت دبورة قد
مدحت الأسباط
المشتركة مع باراق
في الجهاد،
فبلطف وأدب
وبخت الأسباط
التي رفضت
الإشتراك
معه، خاصة تلك
التي قطنت شرقى
الأردن في أرض
جلعاد "سبطا
رأوبين وجاد
ونصف سبط منسى[65]"، وقد
إشترك معهما
في هذا
التهاون سبطا
دان وأشير.
رأينا
في دراستنا
لسفر العدد أن
السبطين والنصف
سبط الذين
أرادو السكنى
شرقي الأردن
يمثلون
اليهود الذين
لم ينعموا
بعبور الأردن
ليتمتعوا
بميراث العهد
الجديد[66]،
أما سبط دان
فيرى بعض
الآباء أنه
يشير إلى
الهراطقة إذ
منهم يخرج ضد
المسيح في عصر
الإرتداد[67]،
أما أشير
فتذكر دبورة
أنه كان
مقيمًا على ساحل
البحر أي
مرتبطًا
بقلاقل
العالم
واضطراباته.
وكأن الفئات
التي تحرم من
إكليل النصرة
هم رافضوا
المسيح يسوع
(اليهود)،
والهراطقة
الحاملون
لروح ضد
المسيح،
ومحبو العالم
والغارقون في
اهتماماته.
وبخت
دبورة النبية
الأسباط
القائمة شرقي
الأردن فقالت
لرأوبين: "على
مساقي (جداول)
رأوبين أقضية
قلب عظيمة؛ لماذا
أقمت بين
الحظائر لسمع
الصغير
للقطعان، لدى
مساقي رأوبين
مباحث قلب
عظيمة" [١٥-١٦].
كأنها تقول
لرأوبين وهو
البكر بين
الأسباط أنه
قد خذل إخوته
إذ جلس عند
مجاري المياه
يتباحث في
الأمر فارتبط
قلبه بخصوبة
الأرض عوض النزول
مع إخوته
للجهاد ضد
العدو. لقد
فضل الإقامة
بجوار حظائر
غنمه يسمع
صفير الرعاة
للغنم عوض
الاستماع
لصوت بوق
القتال. هذا
السبط يمثل
النفس التي
إرتبطت
بمجاري مياه
العالم
وتعلقت بالغنم
أي بالجسد
الحيواني،
بمعنى آخر
أفسدت محبة
العالم
وشهوات الجسد
روحهم عن
الجهاد الروحي
ضد الخطية.
والآن
توبخ بقية
الأسباط
القائمة شرقي
الأردن
بقولها: "جلعاد
في عبر الأردن
سكن" [١٧].
جلعاد يمثل
النفس التي
إستكانت خلف
الأردن، فلم
تقبل الدفن مع
السيد المسيح
في مياه الأردن،
إنها تختار
الطريق السهل
المتسع، لا
طريق شركة
الآلام
والدفن مع
الرب!
إذ
مدحت دبورة
القاضية
الأسباط
المشتركة مع باراق
في المعركة
ووبخت
الأسباط التي
تكاسلت، تتحدث
عن العدو نفسه
أو عن
المعركة،
فتقول:
"جاء
ملوك،
حاربوا،
حينئذ حارب
ملوك كنعان في
تعنك على مياه
مجدو. بضع فضة
لم يأخذوا" [١٩].
تتحدث هنا عن
الملوك الذين
آزروا ملك
كنعان، فقد
جاءوا إلى
تعنك وهي
مدينة تبعد
حوالي خمسة
أميال جنوب
شرقي مجدو،
إسمها كنعاني
يعني (أرضًا
رملية). كانت
هذه المدينة
تابعة ليساكر
ثم صارت لمنسي
ثم للاويين.
وقد ظن العدو
حين نزل إليها
أنه يأخذ
الغنائم
والفضة فدية
عن الأسرى أو
يأخذ أجرة من
ملك كنعان عن
مساعدتهم له،
لكنهم فوجئوا
بما لم
يتوقعوا، إذ
رأوا السماء
نفسها
تحاربهم. "من
السموات حاربوا،
الكواكب من
حبكها (طريق
مسارها) حاربت
سيسرا، نهر
قيشون جرفهم،
نهر وقائع نهر
قيشون، دوسي
يا نفسي بعز" [٢٠-٢١].
بينما
توقع حلفاء
كنعان أن
ينالوا
النصرة بسهولة
فيتمتعوا
بأجرة من
الفضة ثمنًا
لتعبهم مع
إقتسام
للغنيمة إذ
بالطبيعة
نفسها تقف ضدهم،
فالسموات
ثارت ضدهم
خلال ظروف
الطبيعة
القاسية حتى
بدت كواكبها
كجنود
تحاربهم،
ونهر قيشون
فاض بالمياه
فجرف القتلى
مع الجرحى
والأحياء
أيضًا. ذكر يوسيفوس
أن الطبيعة
لعبت دورًا
رئيسيًا في هزيمة
ملك كنعان
وحلفائه!
حين
يرجع الإنسان
إلى الله
بالتوبة، لا
تستطيع ضربات
العدو الشمالية
أو اليمينية
أن تلحق به،
إنما يعطيه
الرب عونًا من
السماء ويكون
السمائيون
والقديسون
كجنود روحيين
يستخدمهم
الله لعونه،
ومياه الأنهار
(ينابيع الروح
القدس) تجرف
الخطية وتهلكها،
عندئذ بقوة
الروح يقول:
"دوسي يا نفسي بعز"،
أو كما جاءت
في بعض
الترجمات
"لقد دستِ يا
نفسي
الأقوياء"،
إذ تظفر
بإبليس
وأعماله الشريرة
التي أسرت
النفس زمانًا!
لتقل نفوسنا:
"لا تشمتي بيّ
ياعدوتي، إذا
سقطت أقوم،
إذا جلست في
الظلمة فالرب
نور ليّ) (مي ٧: ٨).
٥.
هزيمة سيسرا:
إذ
كشفت دبورة في
الفصل الثاني
حقيقة المعركة،
أن لله قد
تدخل
مستخدمًا الطبيعة
لحساب مؤمنيه
تكشف الآن في
الفصل الأخير
من تسبحتها عن
ضعف سيسرا
وهزيمته،
فتقول: "حينئذ
ضربت أعقاب
الخيل من
السوق سوق
أقويائه" [٢٢].
أدرك جيش
سيسرا
الهزيمة
فحاول الفرار
في جنون وهلع
فكان يضرب
الخيل بشدة
للهرب وكانت
الخيل تضرب
الأرض
بحوافرها،
لكن "باطل هو
الفرس لأجل
الخلاص وبشدة
قوته لا ينجي"
(مز ٣٣: ١٧).
ما هذا
الخيل الذي
يضرب بحوافره
الأرض ولا ينجي
إلاَّ إتكال
الإنسان على
البشر أو على
ذاته في
الخلاص،
فيكون كمن
يركب خيلاً
تعجز عن خلاصه.
وكما يقول القديس
أغسطينوس:
[مخدوع هو
الإنسان الذي
يظن أنه يقتني
الخلاص من
البشر، أو ذاك
الذي بتهور
شجاعته الذاتية
يهرب من
الهلاك[68]].
"إلعنوا
ميروز قال
ملاك الرب،
إلعنوا ساكنيها،
لأنهم لم
يأتوا لمعونة
الرب معونة
الرب بين
الجابرة،
تبارك على
النساء ياعيل
إمرأة حابر
القيني" [٢٣-٢٤]. حلت
اللعنة
بمدينة
"ميروز" بكل
سكانها بيمنا
حلت البركة
على ياعيل لأن
ميروز إتخذت
موقفًا
سلبيًا، فإذ
رأت سيسرا
هاربًا لم
تمسك به ولا
سلمته لمن
سندهم الرب
أما ياعيل
فقتلته. مدينة
ميروز تمثل
الإنسان الذي
لا يجمع مع
الرب فهو يفرق
(مت ١٢: ٣٠؛ لو ١١:
٢٣)، أما ياعيل
فتمثل
الإنسان
العامل ضد
مملكة إبليس
لحساب الرب.
أظهرت ميروز
المدينة بكل
سكانها جبنًا،
أما المرأة
الوحيدة في
خيمتها
فأظهرت شجاعة
ضد الشر!
يقال
أن ميروز
مدينة إندثرت
تمامًا كانت
بالقرب من نهر
قيشون، رأت
جيش سيسرا
هاربًا وربما
رأت سيسرا
نفسه يهرب فلم
تبالي ولم
تسند شعب
دبورة وباراق.
صارت
ياعيل مباركة
أكثر كل نساء
الخيام، قدمت
لسيسرا اللبن
(الزبدة)
لتضربه
بالوتد ومضراب
العَملة (به
يُضرب الوتد)
في رأسه
فسحقته، وصار
قتيلاً عند
رجليها... وكما
قلنا انها
صورة لكنيسة
الأمم التي
ضربت
بالإيمان
بالصليب رأس
الحية وسحقت
إبليس تحت
قدميها
فاقدًا كل
سلطان له
عليها، بل
وصار بها
حياة.
بينما
انتصرت ياعيل
لحساب مملكة
الرب كانت أم
سيسرا في
قلقها مع
كبرياء قلبها
تولول. لقد توقعت
بطشه السريع
بهذا الشعب
ورجوعه بغنائم
كثيرة مع
مركباته. لكن
إحدى النساء
في القصر
أجابتها
ألاَّ تقلق فإنه
منشغل
بالغنيمة مع
جنوده، يقتسم
نساء إسرائيل
ويسلب الثياب
الثمينة
المطرزة
الوجهين... هذا
ما اعتاد عليه
هذا العدو
قبلاً: يقتل
الرجال
(النفوس)
ويقتنص
النساء
(الأجساد)
كغنائم تعمل
لحسابه
ويستخدم كل
مواهبهم
(الثياب) للشر.
٦.
ختام التسبحة:
"هكذا
يبيد جميع أعدائك
يارب،
وأحباؤه
كخروج الشمس
في جبروتها. واستراحت
الأرض أربعين
سنة" [٣١].
في بعض
الترجمات
"وأحباؤك"،
تُشير إلى شعب
الله الذي حطم
الله عدوهم
(إبليس)
وأباده، فأشرقت
كالشمس تزداد
مجدًا وبهاءً
وتشتد حرارتها
بعد
انبثاقها...
لتسترح
أرضنا أي
جسدنا في الرب
من الشهوات
والحروب،
مادام الرب
نفسه هو العامل
فينا العدو
الحقيقي!
[59] راجع زكريا، ص ١٣١ (أيضًا القديس أغسطينوس: تفسير يوحنا مقال ١٧: ٦).
[60] In Ioan, hom. 46.
[61] حزقيال، ص ٦٧-٧٠.
[62]
الكنيسة تحبك ١٩٦٦،
ص ٤٢، ٤٣.
[63] On Ps. hom
7.
[64] On Ps. 68.
[65] سفر العدد، ١٩٨١، ص ٢١٠-٢١٦.
[66]
المرجع
السابق، ص ٢١٣،
٢١٤، العلامة
أوريجين: في
العدد عظة ٢٦.
[67] St. Hippolytus of Rome: On
Christ & Anti-Chirst.
[68] On Ps. 33.