أستير
تصير ملكة
خُلعت
وشتى عن
المُلك لتملك
أستير عوضًا
عنها؛ وكأن
الأولى تمثل
حرفية الناموس
التي يلزم
نزعتها لتقدم
النعمة المجانية
روح الإنجيل
فينا فتملك
أستير رمز
كنيسة العهد
الجديد.
1.
الحاجة إلى
ملكة
جديدة
[1-4].
2. أستير
المسبية
[5-11].
3. أستير
الملكة
[12-20].
4.
مردخاي ينقذ
الملك
[21-23].
1.
الحاجة إلى
ملكة جديدة:
"بعد
هذه الأمور
لما خمد غضب
الملك
أحشويروش ذكر
وشتى وما
عملته وما
خُتم به
عليها، فقال غلمان
الملك الذين
يخدمونه:
ليطلب الملك
فتيات عذارى
حسنات
المنظر،
وليوكل وكلاء في
كل بلاد
مملكته
ليجتمعوا كل
الفتيات العذارى
الحسنات
المنظر إلى
شوشن القصر
إلى بيت النساء
إلى يد هيجاي
خصي الملك
حارس النساء
وليعطين
أدهان عطرهن،
والفتاة التي
تحسن في عيني
الملك فلتملك
مكان وشتى" [1-3].
لقد
خمد غضب الملك
وتذكر وشتى
وربما كان
يمكنه العفو عنها،
لكن خاف
المشيرون
لئلا تنتقم
منهم بسبب
مشورتهم
للملك
فأسرعوا
بتحريضه على
إختيار زوجة
جميلة. ويُقال
أن الملك كان
في العادة يختار
زوجته من
فتيات
الرؤساء، لكن
إذ خشى الرجال
أن يظن الملك
أنهم دفعوه
لطرد وشتى
لمصلحة شخصية
حاولوا أظهار
حسن نيتهم بأن
يختار الملك
الفتاة
الجميلة من
أية كورة أو
أي جنس، إذ
يجتمعون له
الفتيات
الحسنات من كل
المملكة. بهذا
أرادوا تقديم
علاج لطرد شتى
باحلال إنسانة
جميلة عوضًا
عنها. وكما
يقول القديس
جيروم: [كان
فلاسفة
العالم
ينزعون شهوة
قديمة ببث شهوة
جديدة،
يخلعون
مسمارًا
بتثبيت آخر. على
هذا الأساس
عمل سبعة
رؤساء فارس مع
الملك أحشويروش،
إذ نزعوا
تأسفه على
وشتى الملكة بأثارته
لحب عذارى
أخريات. إنهم
يشفون خطأ بآخر،
وخطية بخطية
أخرى، أما نحن
فيليق بنا أن
نغلب أخطاءنا
بتعليمنا حب
الفضائل
المضادة. وكما
يقول المرتل:
"حد عن الشر
واصنع الخير، أطلب
السلامة واسع
وراءها" (مز 34: 14).
فإن لم نكره الشر
لا نقدر أن
نحب الخير؛ بل
بالحرى لنفعل
الخير إن
أردنا ترك
الشر؛ لنطلب
السلام إن أردنا
تجنب الحرب[8]].
إستغل
الروساء ضعف
شخصية الملك[9] وحبه
للخلاعة
فأخمدوا
حنينه نحو
وشتى بتقديم
الفتيات
الجميلات إلى
بيت النساء
فيختار حسب
هواه.
إن
أخذنا
بالتفسير
الرمزي أو
الروحي نسأل
من هم هؤلاء
الغلمان
الذين
يخدمونه
ويسألونه من
أجل أقامة
ملكة جديدة
عوض وشتى
إلاَّ رجال الإيمان
من العهد
القديم من
بطاركة
وأنبياء
وملوك وكهنة
وعلمانيين
عاشوا تحت ظل
الناموس
(وشتى)،
وأدركوا أنه
لا خلاص لهم
بالناموس
خاصة في
حرفيته إذ
"وُجدت
الوصية (الناموس)
التي للحياة
هي نفسها ليّ
للموت، لأن الخطية
وهي متخذة
فرصة بالوصية
خدعتني بها
وقتلتني" (رو 7:
10-11). فالناموس
أظهر الخطية
وفضحها (رو 7: 12)
وأكدّ موت
الإنسان عوض
أن يسند ويعالج
ويخلص، لهذا
كان رجال
العهد القديم
يترقبون بفرح
مجئ "المسيا"
المخلص ليقيم
أستير ملكة
خلال نعمة
الإنجيل
المجانية،
وكما يقول
الرب نفسه:
"أبوكم
إبراهيم تهلل
بأن يرى يومي
فرأى وفرح" (يو
8: 56).
طلب
الغلمان أن
تُجمع
الفتيات
العذارى
الحسنات
المنظر من كل
المملكة إلى
شوشن القصر،
وكأنهم برجال
العهد القديم
الذين رأوا
كنيسة العهد
الجديد وقد
ضمت في
عضويتها
أبناء من كل
الأمم والشعوب
ودخلت بهم إلى
بيت العذارى
في قصر المسيح،
أي الكنيسة
التي دُعيت
"كنيسة
الأبكار" (عب 12:
23)، لتعلن
عذراويتها
الروحية
وجمالها
الداخلي
بكونها
"كنيسة مجيدة
لا دنس فيها
ولا غضن أو
شيء من مثل
ذلك بل تكون
مقدسة وبلا
عيب" (أف 5: 27). لقد
اشتهى
المؤمنون أن
يروا هذه
العذراء المقدسة
وهي كعروس
للملك، وكما
يقول الرسول
بولس: "لأني
خطبتكم لرجل
واحد لأقدم
عذراء عفيفة
للمسيح" (2 كو 11: 2).
2.
أستير
المسبية:
إذ
خُلعت وشتى عن
المُلك حوّل
الله هذا
الأمر لخلاص
شعبه باقامة
أستير
المولودة في
أرض السبي
والتي قام إبن
عمها مردخاي
بتربيتها– ملكة
عوضًا عن
وشتى.
تحدث
الكتاب عن
مردخاي الذي
كان يعمل في شوشن
القصر، وهو
يهودي سُبى من
أورشليم في أيام
يكنيا ملك
يهوذا بواسطة
نبوخذ نصر ملك
بابل. والأمر
الذي يلفت
أنظارنا أن
البطل الخفي في
قصة أستير هو
"مردخاي"
الذي إتسم
بالأمانة في
تربيته
لأستير
وأرشاداته
لها، وأمانته
في عمله لدى
الملك الغريب
الجنس منفذًا
حياته من
مؤامرة
شريرة، كما
إمتاز
بالتصرف
الروحي العميق
المملوء
إيمانًا وثقة
في عمل الله.
قلنا
أن وشتى تُشير
إلى حرفية
الناموس التي
يجب أن تنزع
من القلب لكي
تملك نعمة
العهد الجديد
فتظهر أستير
(كنيسة العهد
الجديد) ملكة،
أما ملامح
وظروف أستير
فجاءت مطابقة
لكنيسة العهد
الجديد من
جوانب
متعددة، نذكر
منها:
أولاً: وُلدت
أستير في أرض
السبي، حُرمت
من أرض الموعد
والهيكل بكل
طقوسه
الجميلة،
وكأنها تمثل جماعة
الأمم الذين
سقطوا تحت سبي
إبليس، حرموا
من بركات الله
الروحية
والتمتع
بهيلكه... لكن
الله أقامهم
من هذا السبي
وجعلهم ملوكًا
روحيين، إذ
جاء السيد
المسيح
لتحريرهم،
كما يقول
بإشعياء:
"أرسلني
لأعصب منكسري
القلب لأنادي
للمسبيين
بالعتق
وللمأسورين بالاطلاق"
(إش 61: 1).
يقول القديس
أُغسطينوس: [نزعت
سبينا، لا
بتحريرنا من
أيدي
البرابرة... وإنما
من أعمالنا
الشريرة ومن
خطايانا التي بها
سيطر إبليس
علينا، فمن
يتحرر من
خطاياه لا
يعود رئيس
الخطاة
(إبليس) يسيطر
عليه]، كما يقول:
[لتعترف أنك
مسبي فتستحق
أن تتحرر، فمن
لا يعرف عدوه
كيف يحث
محرره؟[10]].
ثانيًا:
"لم يكن لها أب
ولا أم" [7]، آي
يتيمة
الوالدين. هذه
هي سمة
الكنيسة حين
حققت دعوة
الله لإبراهيم:
"إذهب... من بيت
أبيك" (تك 12: 1).
لنترك أبانا
القديم،
إبليس، وأمنا
الأولى أي
محبة العالم،
ليكون الرب
نفسه ابانا
السماوي
والكنيسة السماوية
أمنا. لقد سأل
الرب اليهود
أن يتيتموا من
أبيهم الشرير
حين قال لهم:
"أنتم من أب هو
إبليس وشهوات
أبيكم تريدون
أن تعملوا" (يو
8: 44). ويتحدث القديس
أُغسطينوس
عن ترك الأمم
لأبيهم
القديم،
قائلاً: [جاء
الأمم من عند
أبيهم
الشيطان
وجحدوا
بنوتهم له[11]].
ثالثًا:
"كانت الفتاة
جميلة الصورة
وحسنة المنظر"
[7]...
يرى العريس
السماوي في
عروسه الملكة
جمالاً سكبه
هو عليها، إذ
يقول لها:
"وخرج لكِ إسم
في الأمم
لجمالكِ،
لأنه كان
كاملاً
ببهائي الذي
جعلته عليكِ
يقول السيد
الرب" (حز 16: 14). إن
كان ماضينا
مشين بسواد
الخطية لكننا
في اعتزاز نقول"
"أنا سوداء
وجميلة يا
بنات
أورشليم" (نش 1: 5).
وكما يقول القديس
أمبروسيوس: [إذ
لبست تلك
الثياب خلال
جرن
المعمودية
تقول في نشيد
الأناشيد
"أنا سوداء
وجميلة
(كاملة) يا
بنات
أورشليم".
إنيّ سوداء
خلال الضعف
البشري،
كاملة خلال
سرّ الإيمان[12]].
رابعًا:
"نقلها (هيجاي)
مع فتياتها
إلى أحسن مكان
في بيت
النساء، ولم
تخبر أستير عن
شعبها وجنسها"
[9-10].
كان
هيجان حارسًا
لبيت
العذارى،
وشعشغار حارسًا
للسراري [14]،
أما أستير
فدخلت بيت
العذارى،
ووُضعت في
أفضل موضع
فيه، إذ أدرك
أنها ستجد
نعمة في عيني
الملك وتُقام
ملكة. ما هو
هذا الموضع
إلاَّ
"البنوة لله"
التي صارت لنا
كعطية الروح
القدس لنا في
المسيح يسوع
الإبن وحيد
الجنس. ففيه
إرتفعنا إلى
حضن أبيه
لنوجد معه
كأبناء له.
لم
تخبر أستير عن
شعبها وجنسها
كمشورة مردخاي،
فالنفس إذ
تنعم بالبنوة
لله وتصير ملكة
تحيا على
مستوى سماوي،
ويصير لها جنس
فائق لا
تستطيع اللغة
أن تعبر عنه.
إنها تعيش في
صمت، لا صمت
العجز القائم
على إنغلاق
القلب، وإنما
صمت الحب
المنفتح على
السماء يتأمل
أعمال الله
بفرح مجيد لا
ينطق به.
خامسًا:
إتضاعها.
فقد إتسمت
أستير بروح
الطاعة
والخضوع لمربيها
مردخاي حتى
بعد أن جلست
كملكة على أعظم
عرش في ذلك
الحين، إذ
قيل: "وكانت
أستير تعمل
حسب قول
مردخاي كما
كانت في تربيتها
عنده" [20].
3.
أستير الملكة:
إذ عاد
زركسيس من
حملته ضد
اليونان
مهزومًا إنشغل
باختيار الملكة
الجديدة،
ويبدو أن ما
تم من
إستعدادات مع
العذارى كان
قبل مجيئه من
المعركة وليس
بعد مجيئه، إذ
بقيت العذارى
سنة كاملة
يستعدن للقاء
مع الملك.
ويروي لنا
السفر
الإستعدادات التي
قُدمت لأستير
وهي:
أولاً: كملت
أيام تعطرها، "ستة
أشهر بزيت
المّر وستة
أشهر بالأطياب
وأدهان تعطر
النساء" [12]. ماذا
تعني الستة
أشهر التي
تعطرت فيها
بزيت المرّ
إلاَّ قبولها
الدفن مع
عريسها
المسيح المدفون
وقد طُيب
بالمرّ... إنها
تبقى ستة أشهر،
ورقم 6 يُشير
إلى أيام
الخليقة، أي
تبقى تحمل
الآلام وتدفن
مع عريسها كل
أيام غربتها
حتى يتم كمالها
الروحي
وتلتقي في
اليوم السابع
مع الرب وجهًا
لوجه. وكما
تدفن مع الرب
هكذا تقوم
معه، إذ تُشير
الأطياب
والأدهان إلى
رائحة القيامة
المبهجة. إذًا
لنتألم معه
وندفن معه
ونقوم أيضًا
معه! هذا هو
طريق البلوغ
إلى الإكليل
السماوي. وكما
يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم: [يليق
بكم ألاَّ
تقلقكم هذه
الآلام بل
بالحرى تفرحكم...
هكذا يليق بنا
أن نسلك
الطريق حتى نشاركه
في المجد
والكرامة... ما
أمجد الآلام!
بها نتشبه
بموته![13]].
ثانيًا:
"وكل ما قالت
عنه أُعطى لها
للدخول معها
من بيت النساء
إلى بيت
الملك" [13]. تحمل
العذراء معها
كل ما تريده
من بيت النساء
(العذارى)،
فإنها إذ
تنطلق إلى
عريسها الملك السماوي
تحمل ما قد
جمعته هنا من
مقدسات كالحب
والنقاوة
والفكر
السماوي،
تحمله علامة
حب لعريسها
مما قدمه هو
إليها أيام
غربتها على الأرض،
أي تقدم له
مما أعطاها.
ثالثًا:
"كانت أستير
تنال نعمة في
عيني كل من رآها"
[15]. هذا
هو رصيدها
الحقيقي: نعمة
الله
المجانية التي
تقيم النفس
وترتفع بها
حتى تصلح
لمملكة (حز 16: 13)،
فتجد نعمة في
أعين الكل...
هذه هي نعمة
الله التي
تسند الإنسان
في جهاده،
والتي قال عنها
القديس يوحنا
الذهبي الفم: [ليس
أقوى من الذي
يتمتع بالعون
السماوي، كما أنه
ليس أضعف من
الذي يُحرم
منه[14]].
رابعًا:
"أُخذت أستير
في الشهر
العاشر هو شهر
طيبيت في
السنة
السابعة
لملكة" [16]. لا
يمكن إقامة
أستير كملكة
إلاَّ في
الشهر العاشر
في السنة
السابعة.
الشهر العاشر
يُشير إلى
تكميل
الناموس (10
وصايا)، الذي
يتحقق خلال
إتحادنا في
المسيح الذي
وحده لم يكسر
الناموس، أما
السنة
السابعة
فتُشير إلى
كمال الإنجيل.
وكأن تمتعنا
بالملكوت
يتحقق
بقبولنا الناموس
روحيًا في
الرب خلال
نعمة الإنجيل.
خامسًا:
"وعمل الملك
وليمة عظيمة
لجميع رؤسائه
وعبيده،
وليمة أستير،
عمل راحة
للبلاد، وأعطى
عطايا حسب كرم
الملك" [19]. لقد
أنسته أستير
متاعب معركته
مع اليونان وخسارته
الفادحة،
وتحولت حياته
إلى فرح، معطيًا
راحـة للبلاد
أي
اعفاء
من الجزية
لمدة عام أو
اعفاء من التجنيد...
وضع
الملك التاج
بيديه على
رأسها [17]، إذ لا
تستطيع النفس
أن تملك إلاَّ
بالمسيح يسوع
الذي يتوجها
بأكليل مجده،
ويقيم وليمة
باسمها تفرح
قلب
السمائيين،
وتكون راحة إذ
يحسب الرب إكليلها
سبتًا
مباركًا
وعيدًا
مفرحًا، أما
عطاياه التي
حسب كرم الملك
فهي تقديم
ذاته لنا
كعريس نحمله
فينا. هو
العاطي والعطية،
لا يبخل علينا
بنفسه بل بفرح
بقبولنا له،
لنقول: "حبيبي
ليّ وأنا له
الراعي بين
السوسن" (نش 2: 16).
وكما يناجيه القديس
أُغسطينوس، قائلاً:
[تسهر عليَّ،
وكأنك قد نسيت
الخليقة كلها!
تهبني
عطاياك،
كآنيّ وحدي
موضوع حبك[15]].
4.
مردخاي ينقذ
الملك:
إتسم
مردخاي
بالأمانة،
فكان أمينًا
في حياته
الخاصة، كما
في تربيته
لأستير، وفي
خدمته للملك
كما في حبه
لشعبه.
عرف
مردخاي أن
خصيين حارسي
الباب يدبران
مؤامرة
لأغتيال
الملك فأخبر
أستير التي أخبرت
الملك، وإذ
فحص الأمر
وتحقق منه
صلبهما على
خشبة، وكتب
الأمر في كتاب
أخبار الأيام الخاص
بملوك الفرس.
في
تتمة أستير [12]
يروي لنا أن
الملك قدم
هبات لمردخاي،
لكن فيما بعد
إذ طار النوم
من الملك وقرأ
ما سبق أن
كتبه حسب أن
ما ناله
مردخاي كلا شيء
(6: 1-11)، وأراد
تكريمه بصورة
فائقة. ونحن
أيضًا إذ نجاهد
هنا من أجل
خلاص إخوتنا
من العقاب
الأبدي يحسبه
الرب دينًا،
مع أنه هو
العامل فينا
ومعنا،
فيهبنا بركات
ونعم، لكن هذا
كله يحسبه كلا
شيء عندما
يتوجنا
بأكليل
الحياة
الأبدية ويدخلنا
إلى شركة
أمجاده لنحيا
معه وجهًا لوجه
في حضن الآب.
[8] Ep. 125: 4.
[9] Herod. His. 9: 108-113.
[10] On Ps. 85.
[11] On Ps. 11.
[12] De Myst. 7.
[13] للمؤلف: القديس يوحنا الذهبي الفم، 1980، ص 327.
[14]
In Paralyt. PG 51:
51.
[15] للمؤلف: الحب الإلهي: ص 16، 16.