اَلأَصْحَاحُ
السَّابِعُ
وَالْعِشْرُونَ
أيوب
يؤكد براءته
بعد أن رد
أيوب في
الأصحاح
السابق على
بلدد، مؤكدًا
له أنه لم
يقدم شيئًا ذا
نفع له، وأن
بلدد ترك
الموضوع
الرئيسي
ليتحدث عن
عظمة الله وعدم
إمكانية
تبرير
الإنسان
أمامه، فجاء
أيوب بدلائل
أقوى وفي
بلاغة أعظم،
يبدو أن أصدقاء
أيوب الثلاثة
تعبوا من
الكلام،
فتركوا له
المجال
ليتكلم كيفما
شاء. لقد
ألقوا أسلحتهم
جانبًا،
وكفوا عن
الكلام، كمن
خرجوا من المعركة،
إما لأنهم
اقتنعوا أن
أيوب على
صواب، أو
يئسوا من
تقديم دلائل
على أنه شرير.
كنا
نتوقع أن يبدأ
صوفر دوره في
المباحثة الثالثة،
لكنه صمت،
فانطلق أيوب
يتحدث. يكرر
أيوب تأكيد
براءته (1:27-6)،
وينكر ثانية
التهم التي
وجهها أصحابه
ضده سواء
بالتلميح أو
صراحة، وهو يقسم
بالله الذي
نزع حقه، ثم
يتكلم أيوب عن
نهـاية
الشرير (7:27-23).
والآن
وبدون إنذارٍ
يظهر أيوب
كمؤمنٍ غيورٍ بنفس
اعتقاد
أصحابه إن
الشر هو سبب
النكبة! وأن
المرائي سوف
يتبين أخيرًا
إنه قد خُدع،
لأن الله سوف
يسلب نفسه،
ولن يكون له
رجاء عندئذ،
وصلاته لن تستجاب،
وسوف يحل به
الضيق
بالتأكيد،
وبالنسبة
للأشرار فقد
اتفق مع
أصحابه أن
الله سوف يحاسبهم،
ولكنه اختلف
معهم بأن
القصاص لا يحل
عليهم
سريعًا، بل
تتأخر بعض
الوقت، ولكن
الدمار سوف
يلاحقهم هم
وأولادهم.
1.البرهنة
على
نزاهته
1-2.
2.فزعه من
اتهامه
بالرياء
7-10.
3.معاقبة
الأشرار
بالرغم من
نجاحهم
11-23.
1. البرهنة
على نزاهته
وَعَادَ
أَيُّوبُ
يَنْطِقُ
بِمَثَلِهِ
فَقَالَ: [1]
حَيٌّ
هُوَ اللهُ
الَّذِي
نَزَعَ
حَقِّي،
وَالْقَدِيرُ
الَّذِي
أَمَرَّ
نَفْسِي [2]
يرى
البعض أن كلمة
"بمَثَلِه"
هي التي
استخدمت
كعنوان لسفر
أمثال سليمان،
لأنه مملوء
بالتعاليم.
الآن يتكلم
أيوب كما
بأمثالٍ،
بسلطانٍ، كمن
انتصر على
خصومه. يتكلم
كمن ينهي
الحوار
مقدمًا القسم:
"حي هو الله"،
لأن "نهاية كل
مشاجرة هي
القسم" (عب 6: 16).
يقسم أيوب
ليثبت كماله
واستقامته،
ويعلن براءته
من الاتهامات
الموجهة ضده.
يقسم
بالله الحي، بكونه
القاضي
الوحيد صاحب
السلطان
المطلق،
والعارف
بأعماق القلب
والأفكار الداخلية،
فحكمه صادق
وحق.
"الذي
نزع حقي"، أي
رفض أن ينصفه
في المناقشة،
ويظهر براءته
ويدافع عنه،
وقد سبق أن
وبخه أليهو
على هذا (أي 24: 5) ؛
لأن الله عادل
في كل طرقه،
ولا يمكن أن ينزع
حق إنسانٍ ما.
"والقدير
الذي أمر نفسي"؛
بلا شك كان
أيوب يدرك أن
الله القدير
هو أيضًا
المحب الحنون
والحكيم. فمع
قدرته فيه
أبوة مترفقة
وبحكمةٍ
يختار الوقت
اللائق
لتبرئة مؤمنيه
وتقديم
تعزيات لهم،
لكن في لحظات
ضعفه نطق
بهذا. يصدر
هذا الاتهام
عن الإنسان
بسبب عدم
قدرته على
انتظار الوقت
المناسب
لدفاع الله
عنه ومساندته.
ليس هو الذي
يمرر نفوسنا،
لكن عدم صبرنا
وعجزنا عن
إدراك حب الله
وحكمته يسبب
لنا هذه
المرارة.
إن
كان عدو الخير
لا يكف عن أن
يطلب أن يجرب
البشر بظلمٍ
وفي غير
مبالاةٍ، إذ
بإرادته الشريرة
يود هلاكهم،
فإن الله
بإرادته
الصالحة يسمح
للبشر أن
يُجربوا في
اهتمام من
جانبه نحوهم
لتزكيتهم أو
تبريرهم أو
لتنقيتهم
ونموهم
الروحي وتمتعهم
بالمجد. لهذا
وإن كان
الشيطان يبذل
كل الجهد
ليجرب
المؤمن،
فالمؤمن
الواثق من
رعاية الله له
يحسب أنه
يُجرب بسماح
إلهي لبنيانه.
v "حي
هو الله الذي
ينزع حكمي،
والقدير الذي
يحضر نفسي إلى
المر" [2]. بهذه
الكلمات
عينها يخبرنا
أيوب عن ظروفه،
ويقدم لنا
صورة للكنيسة
وهي تحت
الضيق، إذ تحيط
بها جسارة
عدم المؤمنين
وتتقاذفها
مرارة المضطهدين.
تُجرب
الكنيسة من
خصومها
بطريقين:
تُضطهد إما
بالكلام أو
بالسيوف. الآن
تهدف الكنيسة
المقدسة
بجهادها
العظيم نحو
اقتناء
الحكمة
والصبر. تمارس
الحكمة
عندما تُجرب
بالكلام، وتمارس
الصبر عندما
تُجرب
بالسيوف.
على
أي الأحوال
يتحدث الآن عن
ذاك الاضطهاد
الذي يُثار لا
بالسيوف، بل
بالعبارات الباطلة.
نحن نعرف أن
البعض في
مواجهته
لأمرٍ غير
لائقٍ ينكرون
وجود الله،
والبعض
يؤمنون بوجود
الله، لكنهم
يحسبونه أنه
لا يهتم بشئون
البشر.
عن
الأولين قال
داود: "قال
الجاهل في
قلبه: لا إله"
(مز 1:14). وأما عن
الأخيرين
فيقول: "كيف
يعرف الله؟ هل
من معرفةٍ لدى
العلي؟"
وأيضًا:
"يقولون الرب
لا يرى، ولا
يبالي إله
يعقوب" (مز 7:94).
هكذا
فإن هذا الشخص
الذي حمل رمز
الكنيسة المقدسة،
إذ كان في وسط
مرارة حزنه
أجاب على الفريقين.
فكما أن
الحياة لها
وجود، والموت
ليس له وجود،
يجاهر بأن
الله موجود
يقول: "حي هو
الله"،
وهكذا يخبر
أيضًا أن الله
مهتم بشئون
القابلين
للموت، فيضيف:
"الذي ينزع
حكمي، ويحضر
نفسي للمرّ".
فإنه يشهد بأن
ما يعاني منه
من شرورٍ لم
يحدث مصادفة،
وإنما بالله
الذي يأمر بكل
الأشياء، ولا
ينسب أيوب قوة
مرارته إلى
مجربه بل إلى
خالقه...
إرادة
الشيطان
شريرة، لكن إذ
يسمح الله
بها، فإن قوته
عادلة. فمن
جهته (الشيطان)
يطلب أن يجرب
البشر ظلمًا
بغير
اكتراثٍ، أما
المطلوبون أن
يُجربوا،
فإنهم إذ
يُطلبوا هكذا
لا يسمح لهم
الله أن
يجربوا إلا
بعدلٍ.
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
v ينبغي
علينا أن نعرف
أن البشر
جميعًا
يجرّبون
لأسباب ثلاثة:
(أ)
غالبًا لأجل
اختبارهم
(تزكيتهم).
(ب)
وأحيانًا
لأجل إصلاحهم.
(ج) وفى بعض
الحالات بسبب
خطاياهم.
1- فمن أجل
اختبارهم،
كما نقرأ عن
الطوباويين
إبراهيم
وأيوب وكثير
من القديسين
الذين تحملوا
تجارب بلا
حصر.
2- ومن أجل
الإصلاح،
وذلك عندما
يؤدب أبراره
من أجل
خطاياهم
البسيطة
(اللاإرادية)
والهفوات، ولكي
ما يسمو بهم
إلى حالٍ أعظم
من النقاء،
منقيًا إياهم
من الأفكار
الدنسة، وذلك
كالقول: "كثيرة
هي بلايا
الصديق" (مز19:34)،
"يا ابني لا
تحتقر تأديب
الرب ولا
تَخُرْ إذا
وبَّخك. لأن
الذي يحبُّهُ
الربُّ
يُؤَدّبهُ
ويجلد كل ابنٍ
يقبلهُ فأيُّ
ابنٍ لا
يؤَدبهُ
أبوهُ؟ ولكن
إن كنتم بلا
تأْديبٍ قد
صار الجميع
شركاءَ فيهِ
فأنتم نغول
(أي أولاد زنا)
لا بنون" (عب 5:12-8).
وفى سفر
الرؤيا: "إني
كلُّ من أحبهُ
أوبّخهُ وأؤَدّبهُ"
(رؤ19:3). ويصلي
داود من أجل
عطية التطهير
هذه قائلاً:
"جرّبني يا
ربُّ
وامتحنّي.
صفِّ كليتيَّ
وقلبي" (مز2:26). وإذ
يعلم النبي
قيمة هذه
التجارب يقول:
"أدِّبنْي يا
رب ولكن بالحق
لا بغضبك"
(إر24:10)، وأيضًا "أحمدك
يا رب لأنه إذ
غضبت عليّ
ارتد غضبك
فتعزيني" (إش1:12).
3- كعقابٍ
من أجل
الخطية،
وذلك كما هدّد
الله بأن
يُرسل أوبئة
على بني
إسرائيل بسبب
لشرهم "أرسل
فيهم أنياب
الوحوش مع
حُمَة زواحف
الأرض" (تث24:32). وأيضًا
في المزامير:
"كثيرة هي
نكبات
الشرير" (مز10:32)،
وفى الإنجيل
جاء: "ها أنت
قد بَرِئْت.
فلا تخطئْ
أيضًا
لئَلاَّ يكون
لك أَشَرُّ"
(يو14:5).
4-
بالحقيقة
أيضًا نجد سببًا
رابعًا ذكره
الكتاب
المقدس، وهو
أن الأتعاب
تُجلب علينا
ببساطة من
أجل إظهار مجد
الله
وأعماله،
وذلك كقول
الإنجيل: "لا
هذا أخطأَ ولا
أبواهُ، لكن
لتظهر أعمال
الله فيهِ"
(يو3:9). وأيضًا: "هذا
المرض ليس
للموت بل لأجل
مجد الله
ليتمجد ابن
الله بهِ" (يو4:11).
5- وهناك
أنواع أخرى
للنقمات التي
يُبتلي بها الذين
تجاوزوا
رباطات الشر
في حياتهم
(وبالغوا فيه)، إذ نقرأ
عن داثان
وأبيرام
وقورح الذين
عوقبوا، وعن
الذين يقول
عنهم الرسول:
"أسلمهم إلى أهواءِ
الهوان إلى
ذهنٍ مرفوضٍ"
(رو 26:1، 28). وهذه تعتبر
أمرّ كل
العقابات، لأنهم
صاروا غير
مستأهلين لأن
يشفوا بالافتقاد
الإلهي واهب
الحياة، إذ
"هم قد فقدوا
الحسَّ
أسلموا
نفوسهم
للدعارة
ليعملوا كل
نجاسةٍ في
الطمع" (أف19:4).
وبسبب قسوة
قلوبهم
والتمادي في
عاداتهم
وفعلهم للشر
قد صار لهم
عقاب في هذا
العالم من غير
تطهيرٍ.
وتعيّرهم
الكلمة
المقدسة التي
نطق بها النبي
قائلاً: "قلبتُ
بعضكم كما قلب
الله سدوم
وعمورة فصرتم
كشعلةٍ
مُنتَشَلة من
الحريق فلم
ترجعوا إليَّ
يقول الرب" (عا
11:4). ويقول ارميا:
"أثكل وأبيد
شعبي. ولم
يرجعوا عن
طرقهم" (إر 7:15).
وأيضًا
"ضربتهم فلم يتوجعوا.
أفنيتهم
وأبوا قبول
التأديب.
صلَّبوا
وجوههم أكثر
من الصخر. أبوا
الرجوع" (إر3:5).
فيرى النبي أن
كل أدوية هذه
الحياة لم
تُوجدِ نفعًا
لشفائهم،
معلنًا أنه قد
يئس من
حياتهم،
قائلاً:
"احترق
المِنفاخ من النار،
فني الرصاص.
باطلاً صاغ
الصائغ
والأشرار لا
يُفرَزون.
فضةً مرفوضةً
يُدعَون. لأن
الرب قد
رفضهم" (إر 29:6، 30).
ينوح
الله عليهم
لأنه قدّم لهم
التطهير بالنار
فلم ينتفعوا،
متصلبين في
خطاياهم.
فيبكيهم في
شخص أورشليم
التي تغلفت
بالصدأ إذ
يقول: "ضعها
فارغةً على
الجمر ليحمي
نحاسها
ويُحرَق،
فيذوب قذرها
فيها، ويفنى
زنجارها.
بمشقَّاتٍ
تعبت، ولم
تخرج منها
كثرة زنجارها.
في النار زنجارها.
في نجاستكِ
رذيلة لأني
طهَّرتكِ فلم
تطهري، ولن
تطهري بعدُ من
نجاستكِ" (حز11:24 –13).
إنه يشبه
الطبيب
الحاذق الذي
استخدم كل
وسائل الشفاء
ولم يعد بعد
هناك علاج
يمكن أن يُستخدم...
لذلك يقول
الله:
"وأُحِلَّ
غضبي بكِ
فتنصرف غيرتي
عنكِ فأسكن
ولا أغضب
بعدُ" (حز 42:16)[1110].
الأب
ثيؤدور
القديس
مار يعقوب
السروجي
إِنَّهُ
مَادَامَتْ
نَسَمَتِي
فِيَّ،
وَنَفْخَةُ
اللهِ فِي
أَنْفِي [3]
يعلن
أيوب باسم كل
مؤمنٍ جادٍ في
حياته الروحية
العزيمة
الصادقة على
الحياة
المقدسة ورفض
كل خطية.
مادامت هناك
نسمة حياة لن
ننطق بكلمة
غير لائقة.
كان أيوب يدرك
أن حياته
نسمات سريعة،
أو هي لحظات،
فيلزمه أن
يبقى أمينًا
حتى النسمة
الأخيرة.
من جانب
آخر يدرك أيوب
أن نسمات
حياته هي عطية
من الله الذي
نفخ في آدم
أبيه نسمة
حياة، فالله
هو الذي يعطى
الجميع حياة
ونفسًا وكل
شيءٍ (17: 25)، لذا
يليق بنا أن
نمجده في كل
شيء مادامت
فينا نسمة
حياة.
يعلق القديس
أمبروسيوس
على تعبير
أيوب "نفخة
الله في
أنفي"،
قائلاً بأنه
لا يقصد الأنف
الجسماني،
لكن أنف
الإنسان
الداخلي الذي
يتنسم رائحة
الحياة الأبدية[1112].
v
بالتأكيد
لا يعني هنا
بروحه (نسمة
الله) النسمة
الحية
والنسمة
الجسدانية
العابرة، بل
يعني أنف
الإنسان
الداخلي الذي
فيه يشتَّم
العبير الزكي
للحياة
الأبدية،
وندى نعمة
المسحة
السماوية
كحاسة من نوعٍ
مضاعفٍ[1113].
القديس
أمبروسيوس
روح الله
القدوس الذي
يجدد إنساننا
الداخلي يسحب
كل كياننا
لنتمتع بالله
السماوي،
فنتهلل
برائحته
الإلهية
السماوية.
يتنسم الله في
أولاده
المحبوبين
لديه رائحة
رضا ومسرة (تك 8:
21) كما حدث بعد
الطوفان حين قدم
نوح ذبيحة
لله، ويناجي
السيد المسيح
عروسه "رائحة
أنفك
كالتفاح" (نش 7:
8)؛ وهكذا نحن
أيضًا نتنسم
في مسيحنا
رائحة الحياة
الأبدية.
v
لا يمكن
لروح الله أن
يسكن في أي
شخص يسلك حسب
الجسديات[1114].
الأب
أمبروسياتير
لَنْ
تَتَكَلَّمَ
شَفَتَايَ
إِثْمًا،
وَلاَ
يَلْفِظَ
لِسَانِي
بِغِشٍّ [4].
للبابا
غريغوريوس
(الكبير) تعليق عجيب
على هذه
العبارة إذ
يقول بأن أيوب
لم يقل: "لن
أفكر في
الإثم"، بل "لن
تتكلم شفتاى
إثمًا"، لأن
النطق بالإثم
أهون من الفكر،
فكثيرًا ما
تفلت كلمات من
أفواهنا بغير
إرادتنا، لكن
بالنسبة
لأفكارنا
فإنها غالبًا
ما تكون موضوع
انشغال شرير
وأثيم. لقد
عزم أيوب ألا
تتفوه شفتاه
بكلمة أثيمةٍ،
ولا يلفظ
لسانه بكذبٍ،
فهو ينطق
بالحق، حتى ولو
كان فيه إدانة
لنفسه. لا
يتستر على
خطيةٍ ما في
حياته بكلمة
خداعٍ؛ بمعنى
آخر ليس للرياء
موضع في حياته
وفي كلماته.
v
يوجد
فارق شاسع بين
تعبير "يتكلم"
وتعبير "يتأمل
أو يفكر".
أحيانًا
التفكير
الباطل يكون
أشر من النطق به.
فإنه غالبًا
إذ يتكلم
الشخص يحدث
الخطأ عفوًا،
أما التفكير
فيحمل شرًا
مبيتًا!
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
حَاشَا
لِي أَنْ
أُبَرِّرَكُمْ!
حَتَّى
أُسْلِمَ
الرُّوحَ لاَ
أَعْزِلُ كَمَالِي
عَنِّي [5].
في صراحة
أيضًا لم يكن
أيوب مستعدًا
أن يداهن
أصدقاءه
بكلمة غشٍ لكي
يكسبهم على
حساب نقاوة
قلبه، فهو لا
ينطق بغير ما
يحمله في
داخله. وكما
يقول الرسول
بولس: "لأننا
نثق أن لنا
ضميرًا صالحًا،
راغبين أن
نتصرف حسنًا
في كل شيء" (عب 13:
18). لقد هاجم
حزقيال النبي
الأنبياء
الكذبة،
لأنهم من أجل
المكسب
المادي أو
الاجتماعي
كانوا
يداهنون
الأشرار،
قائلين: "سلام،
وليس سلام "
(حز 13: 10)، أو كما
يقول إشعياء
النبي عنهم
إنهم كلمونا
بالناعمات (إش
30: 10).
v
لم يكن
ممكنًا لأيوب
أن يداهن
أصحابه،
ويبرر أخطاءهم،
فقد وضع موته
نصب عينيه،
ولا يود أن
يرحل من هذا
العالم
فاقدًا براءته،
مهما كان
الثمن.
إنه
يفقد براءته
إن حسب
الأشرار
صالحين، كما يشهد
سليمان
القائل: "من
يبرر الشرير
ويدين البار،
كلاهما مكرهة
عند الرب" (أم
15:17). إذ يوجد أشخاص
يمجدون
الأعمال
الشريرة
للناس،
يمجدون ما كان
يجب أن يوبخوه.
هكذا قيل
بالنبي: "ويل
للذين يخيطون
وسائد تحت
"كوع" اليد،
"ويصنعون
وسائد تحت رأس
كل قامةٍٍ"
(راجع حز 18:13) فإن
الوسادة توضع
هناك لكي
نستريح بأكثر
سهولة. فمن
يتملق
أشخاصًا يمارسون
خطأ ويضعون
وسائد تحت رأس
أو كوع شخصٍ راقدٍ!
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
لقد
فضل أيوب أن
يموت متمسكًا
بكماله عن أن
يداهن
الأشرار، إذ
"ويل
للقائلين
للشر خيرًا وللخير
شرًا،
الجاعلين
الظلام نورًا
والنور ظلامًا،
الجاعلين
المر حلوًا
والحلو مرًا" (إش
5: 20).
تَمَسَّكْتُ
بِبِرِّي،
وَلاَ
أَرْخِيهِ.
قَلْبِي
لاَ
يُعَيِّرُ
يَوْمًا مِنْ
أَيَّامِي [6].
يؤكد لهم
أيوب أن
انتقاداتهم
المرة له لن
تهز أعماقه،
فهو عالم بما
في قلبه من حب
الله، وعزيمة
قوية على
ممارسة
الصلاح، وأن
فرحه الداخلي
بهذه الحياة
لن يستطيع أحد
أن ينزعه منه.
إن كانوا
يعيرونه
ظلمًا، فإنه
لن يسمح لقلبه
أن يعيره. ما
يشغله ليس انتقادات
الناس له، بل
نقاوة قلبه.
عندما أخطا داود
النبي ضربه
قلبه، "فقال
داود للرب:
لقد أخطأت
جدًا في ما
فعلت، والآن
يا رب أزل إثم
عبدك، لأني
انحمقت جدًا"
(2 صم 24: 10). فما يشكو
علينا هو قلبنا
الذي يعمل فيه
روح الله
القدوس
مبكتًا إيانا
على خطية.
v
"لا أترك
برِّي الذي
بدأت أتمسك به"
[6]. فإنه إن قام
أحد بمدح
أشخاصٍ
يرتكبون الخطية
يترك برّه
الذي بدأ به....
"فإنه
لا يوبخني
قلبي في كل
حياتي" [6]. كأنه
يعبِّر عن
نفسه بكلمات
واضحة: "ضع في
حسبانك أنه
يلزمني ألا
أنسحب في
إثمٍ، كما أنني
أخشى أن أرتكب
خطية في شئوني...
ربما يسأل
أحد: على أي
أساس يعلن أنه
لا يوبخه
قلبه، مع أنه
اتهم نفسه
قبلاً أنه قد
أخطأ، قائلاً:
"إني مخطئ،
ماذا أفعل معك
يا حافظ البشر؟"
(أي 20:7). أو يؤكد:
"إن كنت أبرر
نفسي، ففمي يدينني"
(أي 20:9). يلزم أن
نعرف أنه توجد
خطايا يمكن
للأبرار أن
يتجنبوها،
وتوجد بعض
خطايا لا يمكن
حتى للأبرار أن
يتجنبوها. أي
قلب لإنسانٍ
مرتبط بالجسد
الفاسد لا
ينزلق في فكرٍ
يميل نحو
الشر، حتى وإن
كان لا يندفع
في حفرة
الموافقة
عليه؟ ومع هذا
فإن التفكير
بهذا الفكر
الخاطئ هو
ارتكاب خطية.
لكن إن وُجدت
مقاومة
للفكر، فإن
النفس تتحرر
من الارتباك.
وهكذا فإن ذهب
البار، وإن
كان متحررًا
من الممارسة
الشريرة إلا
أنه أحيانًا
يسقط في فكرٍ
شريرٍ...
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
v
بالرغم
من أن خدام
الله
وأصدقاءه
يتجنبون الخطايا
التي للموت،
ويمارسون
أعمالاً
صالحة كثيرة
إلا أننا لا
نعتقد أنهم
بلا خطايا
تافهة، فإن
الله لا يكذب
حيث يقول: "ليس
طفل حياته يوم
واحد على
الأرض بلا
خطية"(أي
4:14-5 LXX).. أضف إلى هذا
الطوباوي
يوحنا
الإنجيلي
الذي بلا شك
ليس بأقل من
يعقوب في
استحقاقه،
يعلن: "إن قلنا
أننا بلا
خطية، نضل
أنفسنا والحق
ليس فينا" (1
يو 8:1). علاوة
على هذا، نقرأ
في موضع آخر:
"الصديق يسقط
سبع مرات
ويقوم" (أم 16:24)[1115].
الأب
قيصريوس أسقف
آرل
2. فزعه من
اتهامه
بالرياء
لِيَكُنْ
عَدُوِّي
كَالشِّرِّيرِ،
وَمُعَانِدِي
كَفَاعِلِ
الشَّرِّ [7].
إذ كان
أيوب في حالة
ذهول من اتهام
أصدقائه له
بأنه شرير
يستحق تأديبات
أقسى مما حلت
به، وأنه يلزم
أن يتوقع هلاكًا
تامًا، أكد
لهم أنه ليس
بالإنسان
الشرير كما
كانوا
يتصورون. الآن
يقول لهم إنه
أبعد ما يكون
عن أن يقبل أي
طريق شرير أو
يجد فيه لذة،
فإنه لو كان
له عدو لدود
جدًا لتمنى له
أن يكون
شريرًا، إذ
ليس شيء أسوا
من هذا. هذا لا
يعني أنه يكره
أشخاصًا كأعداء
له وأنه يشتهي
لهم أن يكونوا
هكذا، وإنما من
قبيل إظهار
مدى كراهيته
للشر، وذلك
كما قال
دانيال النبي
لنبوخذ نصر:
"الحلم
لمبغضيك" (دا 4: 19).
كأن
أيوب يقول له
إنه يشتهي أن
يكون في أي
وضعٍ كأن يصير
فقيرًا أو
عبدًا
محتقرًا أو
فاقدًا
لأولاده، ولا
يكون شريرًا،
فإن الخطية
خاطئة جدًا"
(رو 7: 13). وكما
يقول السيد
المسيح: "الحق
الحق أقول لكم
إن كل من يعمل
الخطية هو عبد
للخطية" (يو 8: 34).
ويقول الرسول
يوحنا: "كل من
يفعل الخطية
يفعل التعدي أيضًا،
والخطية هي
التعدي (1 يو 3: 4)؛
"من يفعل الخطية
فهو من إبليس،
لأن إبليس من
البدء يخطئ، لأجل
هذا أظهر ابن
الله لكي ينقض
أعمال إبليس (1 يو
3: 8).
v
"ليكن
عدوي كالشرير".
أحيانًا تأتي
كلمة "مثل" لا
للتشبيه بل
لتصوِّر
واقعًا. مثل:
"رأينا مجده
مجدًا كما
لوحيدٍ للآب"
(يو 14:1). هنا كلمة
"كما" تأتي
للتأكيد وليس
للتشبيه.
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
v
تؤذي
الخطايا
النفس بخطورة
أعظم من أذية
الدود للجسم.
ومع هذا فنحن
لا ندرك
فسادها، ولا نشعر
بإلحاح ضرورة
التطهر منها.
وذلك كالسكران
الذي يعجز عن
أن يعرف كيف أن
مذاق الخمر
مشمئز، أما
المتعقل
فيمكنه تمييز
ذلك بسهولة.
هكذا بالنسبة
للخطايا، فمن
يعيش في وقارٍ
يميز بسهولة
الوحل
والفساد، وأما
من يعيش في
الشرٍ فيكون
كالمخمور
بالمسكر، فلا
يتحقق من أنه
مريض. هذا هو
أشر ما في
الخطية أنها
لا تسمح
للساقطين
فيها أن
يدركوا حالة
المرض الخطير
التي هم فيها،
وإنما يكونون كمن
يرقدون في
وحلٍ ويظنون
أنهم يتمتعون
بالأطياب.
فليس لديهم
أدنى رغبة
للتحرر. وإذ
يعمل فيهم
الدود
يفتخرون كمن
لديهم حجارة
كريمة. لهذا
لا يريدون
قتلها، بل أن
ينعشوها
ويضاعفوها
حتى تعبر بهم
إلى الدود
الذي في
الحياة العتيدة[1116].
القديس
يوحنا الذهبي
الفم
لأَنَّهُ
مَا هُوَ
رَجَاءُ
الْفَاجِرِ
عِنْدَمَا
يَقْطَعُهُ،
عِنْدَمَا
يَسْلِبُ
اللهُ
نَفْسَهُ؟ [8]
يترجم
البعض هذه
العبارة "لأنه
ما هو رجاء
المرائي، حتى
وإن جنى أي
ربح، عندما
يأخذ الله
روحه؟"
فالشرير،
خاصة
المرائي،
يعيش بلا
رجاء، لان
مصيره الهلاك
الأبدي. فإذ
اتهمه
أصدقاؤه بالرياء،
يؤكد لهم أنه
ليس غبيًا
ليمارس الرياء
محطم الرجاء.
فإن كان
الرياء يقدم
ربحًا زمنيًا،
هو مديح الناس
له أو نوال
ثروة زمنية،
فإن هذا ليس
إلا خداعًا
مؤقتًا، يظهر
عندما تُطلب
نفس المرائي
منه، فينكشف
كل ما في قلبه.
يقول المرتل
عن المرائي:
لأنه عند موته
كله لا يأخذ،
لا ينزل وراءه
مجده" ( مز 49: 17). كما
يقول
الكتاب:"لا
تكن مرائيًا
في وجوه الناس،
وكن محترسًا
لشفتيك"
(سيراخ 1: 37).
v
"فإنه
ما هو رجاء
المرائي، إن
أمسك به
الطمع، ولا
يحرر الله
نفسه؟" [8]
المرائي الذي
يقال عنه في
اللاتينية simulator، أي
متظاهر، ليس
له هدف غير
الظهور.
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
v
يكره
الله الرياء،
ويمقته
الإنسان. لا
يجلب مكافأة،
وبلا منفعة
تمامًا في
خلاص النفس،
بل بالحري
يكون علَّة
هلاكها.
إن كان
الرياء لا
ينفضح
أحيانًا، لكن
إلى حين، إذ
لا يدوم
كثيرًا، بل
ينكشف كل شيء،
فيجلب على
صاحبه
وبالاً،
وهكذا يكون
أشبه بامرأة قبيحة
المنظر
تُنزَع عنها
زينتها
الخارجيَّة
التي وُضعت
لها بطرق
صناعيَّة.
v
الرياء
غريب عن سمات
القدِّيسين،
إذ يستحيل أن
يفلت شيء مما
نفعله أو
نقوله من عيني
اللاهوت، إذ
"ليس مكتوم
لن يُستعلن،
ولا خفي لن
يُعرف". كل
كلماتنا
وأعمالنا
ستُعلن في يوم
الدين. لذلك
فالرياء
مُتعب وبلا
منفعة. يليق
بنا أن نتزكَّى
كعبَّاد
حقيقيِّين
نخدم الله
بملامح صريحة
وواضحة[1117].
القدِّيس
كيرلس الكبير
أَفَيَسْمَعُ
اللهُ
صُرَاخَهُ
إِذَا جَاءَ
عَلَيْهِ
ضِيقٌ؟ [9]
صلاة
المرائي لا
تُستجاب،
فسيحل به
الضيق ويصرخ،
لكن صراخه لا
قيمة له. لا
يسمع الله
صرخات
المرائين حتى
يتركوا
رياهم،
ويقدموا توبة،
ويكون لهم
رجوع إليه.
يقول الرب
لإشعياء
النبي: "أخذت
الرعدة المنافقين"
(إش 33: 14). "إن
راعيت إثمًا
في قلبي لا
يستمع لي
الرب" (مز 66: 18).
"من يحول أذنه
عن سماع
الشريعة فصلاته
أيضًا
مكروهة" (أم 28: 9).
سيصرخ
الأشرار في يوم
الرب ولا يسمع
الله لهم.
يقول الرب:
"لأني دعوت
فأبيتم، ومددت
يدي وليس من
يبالي، بل
رفضتم كل
مشورتي ولم
ترضوا
توبيخي، فأنا
أيضًا أضحك
عند بليتكم"
(أم 1: 24-25).
مسكين
الإنسان
المرائي،
فإنه لن يختبر
سلام الله
وتعزياته،
فلا يتلذذ
بالقدير، لأن
لذته في ثروات
العالم،
ومجده الزائل
وفي ملذات الجسد
وشهواته. لا
يعرف المرائي
كيف يدعو
الله، لأنه في
وقت الرخاء
يلهو بما
لديه، ويستخف
بالعبادة
الروحية، وفي
وقت الضيق
يتذمر ويجدف
على الله.
لا يعرف
المرائي كيف
يدعوه، لأن
ليس لله موضع في
قلبه، إذ لا
يسكن الله مع
الرياء، ولا
الحق مع الغش
والخداع.
قد يعتقد
المرائي
بوجود الله،
وأنه القدير
ويلزم الصلاة
إليه، لكنه
عمليًا لا مكان
لله في
أعماقه. يظن
أن قدرته
الحقيقية فيما
يناله من أمور
زمنية،
واتكاله على
ممتلكاته
وسلطانه
وصداقاته لا
على الله
القدير!
غاية
الكنيسة أن
تقدم السيد
المسيح
للعالم كي
يخبر الكل عن
الآب، ويعلن
عن خطته
القديرة لخلاص
البشرية.
إذ تختبر
الكنيسة
الشركة مع
عريسها، ربنا
يسوع، المدعو
يد الله، تذوق
عذوبة أسرار
الله، وتختبر
قوته وقدرته،
فتدعو الكل
ليشاركوها هذه
الخبرة
المفرحة.
v
"هل
يسمع الله
صرخته عندما
تحل به
المتاعب؟ أو هل
يكون قادرًا
على أن يُسر
نفسه في
القدير؟[1118]"
[9] لا يسمع الله
صرخته في وقت
الشدائد،
لأنه في وقت
الهدوء لم
يسمع للرب
الذي يصرخ في
وصاياه.
مكتوب: "من
يحول أذنه عن
سماع
الشريعة، حتى صلاته
تكون مكرهة"
(أم 9:28). إذ يرى
الإنسان
القديس أن كل
الذين لا
يبالون بممارسة
ما هو مستقيم
الآن، ففي
النهاية يفزع
من كلمات
التوسل... هكذا
يقول النبي:
"أطلبوا الرب حيث
يوجد، ادعوه
وهو قريب" (إش 6:55).
الآن
الله لا يُري،
وهو قريب،
فيما بعد
سيُرى ولا
يكون قريبًا.
إنه لم يظهر
بعد في
الدينونة،
فإن طُلب
يُوجد. فإنه
عندما يظهر في
الدينونة
بطريقٍ
عجيبٍ، يُرى
ولا يُوجد.
هكذا
يصف سليمان
الحكمة بأنها
تعانق بعذوبة،
وتدين برهبة،
فيقول:
"الحكمة تدعو
عاليًا في
الخارج. ترفع
صوتها في
الساحات
المفتوحة".
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
يحثنا
السيد المسيح
على الصلاة
الخفية لكي يحفظنا
من الرياء
الذي يفسد
الصلاة فلا
تُستجاب.
v بالمثل
علمنا
مخلِّصنا هذا
النوع من
الصلاة. يجب
أن تصلِّي
سرًا لذاك
الذي هو في
الخفاء وهو
يرى الكل،
هكذا قال
السيِّد
المسيح: "أدخل
إلى مخدعك،
وأغلق بابك،
وصلِّ إلى
أبيك الذي في
الخفاء،
فأبوك الذي
يرى في الخفاء
يجازيك علانية"
(مت 6: 6).
أحبَّائي،
لماذا يعلمنا
مخلِّصنا
قائلاً: "صلِّ
إلى أبيك في
الخفاء،
والباب
مغلق"؟
سوف
أريكم ذلك على
قدر استطاعتي.
تعرِّفنا
كلمات
سيِّدنا أنه
يجب أن تصلِّي
بقلبك في
الخفاء،
والباب مغلق،
لكن ما هو
الباب الذي
يجب أن تغلقه؟
إن لم يكن هو
فمك، لأنه هو
الهيكل الذي
يسكن فيه
المسيح، كما
قال الرسول:
"أما تعلمون
أنكم هيكل
الله؟" (1 كو 3: 16)،
فلكي يدخل
الله إلى
إنسانك
الداخلي في
هذا المسكن،
يجب أن
يُنظِّف من كل
شيء غير طاهر،
بينما يكون
الباب، أي
فمك، مغلقًا[1119].
القدّيس
أفراهاط
v الله
نفسه غير
منظور، لذا
يودّ أن تكون
صلاتك أيضًا
غير منظورة[1120].
القدّيس
يوحنا الذهبي
الفم
v قبل كل
شيء يجب أن
نلاحظ بكل
اعتناء
الوصية الإنجيلية
التي تأمرنا
أن ندخل مخدعنا
ونغلق بابنا
ونصلّي
لأبينا. وهذا
يتحقق كالآتي:
v نصلّي
داخل مخدعنا
عندما ننزع من
قلوبنا الداخلية
الأفكار
المقلقة
والاهتمامات
الباطلة،
وندخل في حديث
سرّي مغلق
بيننا وبين
الرب.
v نصلّي
بأبواب
مغلقة، عندما
نصلّي بشفاه
مغلقة في
هدوءٍ وصمتٍ
كاملٍ لذاك
الذي يطلب
القلوب لا
الكلمات.
v نصلّي في
الخفاء عندما
نكتم طلباتنا
الصادرة من
قلوبنا
وأذهاننا
المتقدة بحيث
لا نكشفها إلا
لله وحده، فلا
تستطيع
القوات
المضادة (الشياطين)
أن تكتشفها.
لذلك يجب أن
نصلّي في صمت
كامل، لا
لنتحاشى فقط
التشويش على
إخوتنا المجاورين
لنا وعدم
إزعاجهم
بهمسنا أو
كلماتنا العالية،
ونتجنب
اضطراب أفكار
المصلّين
معنا، وإنما
لكي نخفي مغزى
طلباتنا عن
أعدائنا الذين
يراقبوننا،
بالأخص في وقت
الصلاة،
وبهذا تتم
الوصية: "احفظ
أبواب فمك عن
المضطجعة في حضنك"
(مي 5:7)[1121].
الأب
إسحق
أَمْ
يَتَلَذَّذُ
بِالْقَدِيرِ؟
هَلْ
يَدْعُو
اللهَ فِي
كُلِّ حِينٍ؟
[10]
يرى
البعض[1122] أنه
يقصد هنا: أي
رجاء للشرير
أو للمرائي
حتى وإن نال
الكثير من
الغنى حسب
شهوة قلبه؟ هل
سيسمع للحال
صراخه عندما
يكون في ضيقٍ؟
ويرى آخرون أن
أيوب يعلم أنه
لا منفعة
للشرير حتى إن
نال الكثير،
فحتمًا سيرحل
ويكون مرعبًا
للمرائي[1123].
3. معاقبة
الأشرار
بالرغم من
نجاحهم
إِنِّي
أُعَلِّمُكُمْ
بِيَدِ اللهِ.
لاَ
أَكْتُمُ مَا
هُوَ عِنْدَ
الْقَدِيرِ [11].
يؤكد أيوب أن
معرفته
للأسرار
الإلهية قد
تسلمها كما من
يد الله، وأنه
لا يبخل عن أن
بعلن ما
تسلمه. وهو في
هذا يرمز
للكنيسة التي
تلقنت الحق من
السيد
المسيح،
بكونه الحق
نفسه، جاء لكي
يخبرنا عن
الآب.
إذ يرمز
أيوب للكنيسة
المضطهدة،
فإنه باسمها
يعلن عن
رسالتها، ألا
وهى أن تعلِّم
الناس بيد
الله أي
بالمسيح
يسوع، لأن يد
الله تشير إلى
الابن
الكلمة،
وإصبع الله
يشير إلى
الروح القدس.
كثيرًا
ما كان القديس
إكليمنضس
السكندري
يدعو السيد
المسيح
المعلم أو
المدرب أو
المهذب Paedagogus. كان
القديس يميز
بين اللوغوس
الإلهي كهادٍ Protrepikos،
وكمربٍ Paedagogus،
وكمعلمٍ Didaskelos[1124]. فهو
الهادي يدعو
الناس
للخلاص، وهو
المربي الذي
يحث المؤمنين
على الحياة
الأفضل
ويشفيهم من
آلامهم، ممارسًا
عمله الروحي
فيهم،
وأخيرًا هو
بعينه المعلم Didaskalos الذي
يعلم الأسس
العامة
ويشرحها،
مفسرًا المنطوقات
الرمزية.
ومن
كلمات القديس
نفسه: [المرشد
السماوي، اللوغوس
يُدعى الهادي
عندما يدعو
البشرية للخلاص...
لكنه إذ يعمل
كطبيبٍ أو
مربٍ يصير
اسمه "المربي"...
فإن النفس
المريضة
تحتاج إلى
مربٍ يشفي آلامها.
ثم تحتاج إلى
المعلم الذي
يعطيها
الإدراك...
"إعلان
اللوغوس".
هكذا إذ يريد
اللوغوس خلاصنا
خطوة فخطوة
يستخدم وسيلة
ممتازة. إنه
في البداية
يهدي، ثم
يصلح،
وأخيرًا يعلم[1125].]
v ليست
معرفة بدون
إيمان، ولا
إيمان بدون
معرفة... الابن
هو المعلم
الحقيقي عن
الآب. إنّنا
نؤمن بالابن
لكي نعرف
الآب، الذي
معه أيضًا الابن.
مرّة أخرى،
لكي نعرف الآب
يلزمنا أن
نؤمن بالابن،
ابن الآب.
معرفة
الآب والابن،
بطريقة الغنوسي
الحقيقي،
إنّما هي بلوغ
للحق بواسطة
الحق... حقًا،
قليلون هم
الذين يؤمنون
ويعرفون[1126].
القديس
إكليمنضس
السكندري
v يتكلم
الطوباوي
أيوب بطريقة
ما مشيرًا إلى
أمرٍ يخصنا.
فالكنيسة
المقدسة في
تعليمها تشرح
الحق لكي
نعرفه، ولا
تخفي أدنى جزء
من الحق. هكذا
لأن "يد الله"
هي اسم الابن،
إذ به كان كل
شيءٍ (يو 3:1). إنها
تؤكد أن بيد
الله تُعلم
أولئك الذين
تراهم مستمرين
في الجهالة
بتمسكهم
بحكمتهم
الذاتية. وكأنها
تقول في
صراحة: "لست
أعرف شيئًا من
نفسي، بل ما
أدركه من الحق
أفهمه بسخاء
الحق".
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
هَا
أَنْتُمْ
كُلُّكُمْ
قَدْ
رَأَيْتُمْ،
فَلِمَاذَا
تَتَبَطَّلُونَ
تَبَطُّلاً قَائِلِينَ:
[12]
هنا
يوبخ الذين
لهم معرفة ولا
يعَلِمون،
فهذا خطية
كقول الرسول
(يع 17:4).
ماذا
رأوا في أيوب؟
حقا لقد تمررت
نفسه جدًا بسبب
اتهاماتهم
الباطلة التي
أضافت إلى
ضيقاته ضيقًا
أشد. لكنه مع
هذا لم يجدف
على الله، ولا
نسب إليه
ظلمًا. في
مرارة نفسه
طلب أن يقف
أمام الله
ليُحاكم، فهو
في يقين أنه
عادل ومحب، سيبرئه.
في
عتابٍ يقول
لهم: لماذا
تنطقون
بالباطل؟
لماذا
تتصيدون لي الأخطاء؟
لماذا لا
تحكمون عليّ
من خلال
الواقع الذي
أعيش فيه؟ لماذا
لم تدركوا ما
وراء كلماتي
من إيمانٍ حي بالله
القدير؟
هَذَا
نَصِيبُ
الإِنْسَانِ
الشِّرِّيرِ
مِنْ عِنْدِ
اللهِ،
وَمِيرَاثُ
الْعُتَاةِ
الَّذِي
يَنَالُونَهُ
مِنَ
الْقَدِيرِ [13].
يقول لهم:
لماذا تنطقون
عليّ بالباطل؟
فإن كنت أعاني
من النكبات
والضربات، أنظروا
ما هو نصيب
الشرير في هذا
العالم،
وميراث
العتاة هنا؟
فإن كثيرين
منهم ناجحون
وأصحاب سلطة
وأغنياء... لكن
إلى لحظة،
فينهار كل ما
لديهم إن لم
يكن في هذا
العالم ففي
الحياة العقيدة.
هوذا الواقع
العملي يشهد
أنه ليس كل
الأبرار في
وسعٍ، ولا كل
الأشرار في
ضيق! لا تتسرعوا
في الحكم علي!
إِنْ
كَثُرَ
بَنُوهُ
فَلِلسَّيْفِ،
وَذُرِّيَّتُهُ
لاَ تَشْبَعُ
خُبْزًا [14].
تعاني
ذرية الشرير
من الجوع، فلا
يجدون الخبز
الضروري
للشبع. وإن
وُجد طعام
يأكلون، وليس من
شبعٍ (راجع حج 1:
6). كما يمكن أن
يعني عوزهم
إلى تذوق
الخبز
السماوي،
كلمة الله
المشبعة للنفس،
حيث تحل بهم
مجاعة إلى
الكلمة. هوذا أيام
تأتي يقول
السيد الرب،
أرسل جوعًا في
الأرض، لا
جوعًا للخبز،
ولا عطشًا
للماء، بل
لاستماع
كلمات الرب"
(عا 8: 11).
بَقِيَّتُهُ
تُدْفَنُ
بِالْوَبَاءِ،
وَأَرَامِلُهُ
لاَ تَبْكِي [15].
تصير
ذريته ثقلاً
على المجتمع،
حتى في موتهم لا
يكرمهم أحد،
وكما قيل في
إرميا: "تُدفن
دفن حمارٍ" (إر
22: 19). متى ماتوا
لا تبكي عليهم
أراملهم،
فإنه ليس من
داعٍ للحزن
عليهم، إذ
تستريح الأرامل
منهم، ويحسبن
موتهم راحة
لهن.
v
يصف
أيوب النصيب
البائس
للأشرار. فإنه
وإن كان لهم
الكثير من
الأطفال،
يكونون بلا
ذرية، إذ
ينقصهم النسل
الصالح
والأعمال
التي تستحق التقدير.
بالحقيقة فإن
الذرية ليست
تلك التي على
الأرض، بل في
السماء. لذلك
مثل هؤلاء
ينقصهم
ميراثهم، ويكون
الموت هو
نهايتهم.
بالرغم من
أنهم يجمعون الثروة،،
فإنهم
يشحذون، إذ
عندما يموتون
يكونون في
عوزٍ حيث لا
يجدون راحة.
ليس من يشفق
على أراملهم[1127].
القديس
أمبروسيوس
إِنْ
كَنَزَ
فِضَّةً
كَالتُّرَابِ،
وَأَعَدَّ
مَلاَبِسَ كَالطِّينِ
[16]
يكدس
الأشرار
ثروتهم من
الفضة والذهب
والملابس،
لكن الفضة لا
تفيدهم في
شيء، بل تكون
أشبه
بالتراب،
والثياب أشبه
بالطين. تصير
كنوزهم ثقلاً
وعبئًا
عليهم،
يثقِّلون
أنفسهم بها.
ولما
كانت الفضة في
الكتاب
المقدس
غالبًا ما تشير
إلى كلمة
الله، فإن الأشرار
حتى في
اقتنائهم
للكتاب
المقدس يصير
بالنسبة لهم
كالتراب،
لأنهم لا
يقبلونه
للتمتع
بعربون
السماويات،
وإنما لأجل
نوال البركات
زمنية.
ولما
كانت الملابس
تشير إلى برّ
المسيح الذي يستر
المؤمن
ويصونه من
الخطية، إذا
بالشرير يمارس
بعض الفضائل
من أجل المجد
الزمني في
رياءٍ، فتصير
ثيابه
الداخلية
طينًا قذرًا.
إلي وقت
قريب كان كثير
من الشرقيين
يحصون ثيابهم
الثمينة مع
الفضة والذهب
بكونها تمثل
ثروة ذات
تقديرٍ كبيرٍ
وكنز ثمينٍ.
يقول الرسول بولس:
"فضة أو ذهب أو
لباس أحدٍ لم
أشتهِ" (أع 20: 33).
كما أشار إلي
قيمة الثياب
في (1 تي 2: 9)
"ملابس كثيرة
الثمن".
ويعقوب
الرسول يتحدث
عن الأغنياء:
"غناكم قد
تهرأ، وثيابكم
قد أكلها
العث" (يع 5: 2).
وعندما أكرم يوسف
أخاه بنيامين
قيل: "أعطاه
ثلاث مئة من
الفضة وخمس
حلل ثياب" (تك
45: 22).
كانت
الثياب من
الهدايا
الثمينة التي
تُقدم
كنوعٍ من التقدير
والاعتزاز
والتكريم. فقد
وعد شمشون
بتقديم ثيابٍ
لمن يحل لغزه
(قض 14: 12- 13، 19). وأخذ نعمان
ثيابًا مع
بقية الهدايا
لتقديمها
لإليشع النبي
(2 مل 5: 5). وسليمان
في كل مجده لم
يمتنع من قبول
ثياب كهدايا
قيِّمة (2 أي 9: 24).ودانيال
ارتدى ثوبًا
من أرجوان قدمه
له الملك
لتكريمه (دا 5: 29).
جاء عن
شاعر شرقي
مشهور في
القرن التاسع
أنه قدمت له
هدايا كثيرة
في حياته،
وعند موته كان
لديه 100 طاقم من
الملابس
كاملة، و200
قميصٍ و500 عمامة.
لا يزال
الهندوس
يقدمون في
نهاية العيد
ثيابًا جديدة
لكل ضيفٍ حضر
العيد.
v
عادة ما
تُفسر الفضة
بمعنى نقاوة
الكتاب المقدس،
حيث قيل في
موضع آخر:
"كلمات الرب
كلمات نقية،
مثل الفضة
المُجربة في
تنور الأرض"
(مز 6:12) ولما كان
البعض
يشتاقون أن
تكون لهم كلمة
الله، ليس
داخليًا لكي
يتمثلوا بها،
بل خارجيًا للتباهي
بها، قيل
بالنبي: "كل
هؤلاء الذين
يلتحفون
بالفضة
يُقطعون" (صف
11:1)، وذلك بخصوص
الذين لا
يملأون
أنفسهم بكلمة
الله بانتعاشٍ
داخلي، بل
يكسون أنفسهم
باستعراضٍ خارجيٍ.
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
"البريء
يقسم الفضة"،
إذ لا يكنزها
كما فعل
الشرير الذي
جمعها، إنما
يوزعها على
الفقراء.
"يعطي نصيبًا
لسبعة
ولثمانية" (جا
11: 2). فهو يودعها
في خزانةٍ
أمينةٍ،
تسنده في يوم
الرب العظيم.
v
"وأما
البريء فيقسم
الفضة". فإن
البريء (له
قلب صادق)
يقسم الفضة،
أي يقدم إعلانات
الرب (الواردة
في الكتاب
المقدس) قطعة فقطعة
بتمييز،
ويقدم لكل
فردٍ ما يناسبه
بلياقة. فإن
كلمة الرب
التي تُدعى
هنا فضة أو
ثيابًا،
تُدعى في موضع
آخر "غنائم".
يشهد بذلك
المرتل بعمل
مقارنة،
قائلاً:
"ابتهج
بكلامك، كمن وجد
غنائم" (مز 162:119).
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
يَبْنِي
بَيْتَهُ
كَالْعُثِّ،
أَوْ
كَمِظَلَّةٍ
صَنَعَهَا
الْحَارِسُ [18].
قد يبني
الأشرار
قصورًا فخمة،
يظنون أنها
تهبهم سعادة
وراحة كما
تبقى لتخليد
ذكراهم، ولا يدركون
أنها تشبه ما
يبنيه العث في
ثوبٍ قديمٍ،
سرعان ما يزول
تمامًا.
v
"يبني
بيته مثل العث
(عثة الملابس)" [8].
فالعث يبني
بيتًا لنفسه
بالفساد.
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
يَضْطَجِعُ
غَنِيًّا،
وَلَكِنَّهُ
لاَ يُضَمُّ.
يَفْتَحُ
عَيْنَيْهِ
وَلاَ
يَكُونُ [19].
عند نومه
يقول: "يا نفسي
استريحي" (لو 12:
19). يبدو للآخرين
أنه سعيد
للغاية
ومستريح، قد
جمع ما يكفيه
كل عمره وما
يكفي أبناءه
وأحفاده. لكنه
لا يجد في
أعماقه راحة
حقيقية. "نوم المشتغل
حلو، إن أكل
قليلاً أو
كثيرًا، ووفر
الغني لا
يريحه حتى
ينام" (جا 5: 12).
إذ يغمض
الشرير عينيه
عند موته
ويرقد، يفتحهما،
فيجد أن كل ما
قد جمعه قد
تبدد، لا
يسنده في شيء
أمام الديان.
v
"عندما
ينام الغني لا
يأخذ معه
شيئًا، يفتح
عينيه فلا يجد
شيئًا" [19] في
تناغم مع هذه
العبارة يقول
المرتل: كل الأغبياء
مضطربون في
القلب،
ينامون
نومهم، وكل
الأغنياء لا
يجدون في
أياديهم
شيئًا" (مز 5:76). فلكي
يجد الأغنياء
بعد موتهم
شيئًا في
أياديهم
يُقال لهم قبل
الموت وهم
واضعون غناهم
في أياديهم:
"اصنعوا
لأنفسكم أصدقاء
من مال الظلم،
حتى متى
فُنيتم
يقبلونكم في المساكن
الأبدية" (لو 9:16).
v
عندما
ينام الجسد في
الموت،
تستيقظ النفس
في معرفة
صادقة. وهكذا
فإن الغني
ينام ويفتح
عينيه، لأن من
يموت في الجسد
تلتزم نفسه أن
ترى ما كانت
تخشى توقعه.
عندئذ تقوم في
معرفة صادقة،
وترى أن كل ما
قد اقتنته هو
لا شيء، فتجد
نفسها في
فراغٍ. لقد
اعتادت أن
تتهلل بكونها
مملوءة خيرات
أكثر من بقية
العالم. لكنها
تنام ولا تأخذ
معها شيئًا.
بالتأكيد لا
تأخذ شيئًا من
الخيرات التي
اقتنتها. إذ
تصاحبها خطية
اقتناء الخيرات،
وإن كانت تترك
وراءها كل ما
من أجله
ارتكبت
الخطية.
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
الأَهْوَالُ
تُدْرِكُهُ
كَالْمِيَاهِ،
لَيْلاً
تَخْتَطِفُهُ
الزَّوْبَعَةُ
[20].
يصير
الموت
بالنسبة
للشرير ملك
الأهوال. يصير
كمن يغرق في
مياه غامرة.
يرتعب في
رحيله من هذا
العالم،
فيكون كالعاصفة
التي تخطفها
زوبعة. تهب
عاصفة غضب الله
علبه "ليلاً"،
وتختطفه وسط
الظلمة التي
اختارها
بنفسه، فيكون
كمن يتزعزع
ولا يراه أحد
لينقذه. إذ
يحرم نفسه من
إشراق شمس
البرّ عليه،
ليسكب رحمته فيه،
يضع نفسه تحت
العدالة
الإلهية، ومن
يحتملها؟!
v
"العوز يلحق
به كالماء،
والعاصفة
تجتاحه في
الليل[1128]" [20]... ليس
من غير اللائق
أن يشبه العوز
بالماء، لهذا
أُعتيد أن
تُدعى
العذابات في
جهنم بالبحيرة،
تبتلع من
تتقبله فيها
وتنزل به حتى
الأعماق. لذلك
قيل بالنبي
على لسان
البشرية:
"حياتي تسقط
في البحيرة"
(مراثي 53:3). بينما
يتغنى
المنتصرون
الهاربون
منها، قائلين:
"أيها الرب
إلهي أصرخ
إليك وأنت
تشفيني. أيها
الرب قد أصعدت
نفسي من
القبر. حفظتني
من الذين
ينحدرون في
البحيرة" (مز
2:30-3).
v
"تجتاحه
عاصفة في
الليل[1129]" [20]. ما
هذا الذي
يدعوه "الليل"
هنا إلا الزمن
الخفي للرحيل
المفاجئ؟
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
تَحْمِلُهُ
الشَّرْقِيَّةُ
فَيَذْهَبُ،
وَتَجْرُفُهُ
مِنْ
مَكَانِهِ [21].
تهب عليه
عاصفة الغضب
كريحٍ شرقيةٍ
عنيفةٍ ومرعبةٍ
جدًا، تنقله
كما إلى
الهلاك
الأبدي. أما
البار فتهب
عليه نسمة حب
الله
ومراحمه،
لتنقله إلى
حضن الآب في
السماء! الموت
بالنسبة
للشرير مدمر،
وبالنسبة للبار
مُبهج للغاية.
يرى البابا
غريغوريوس
(الكبير) أن
الريح
الشرقية
المُحرقة هي
الروح الشرير بسهامه
النارية،
الذي يثير بها
الشهوات في
الشرير،
ويدخل به إلى
جهنم الأبدية.
v
"الريح
المحرقة
ستنقله
بالقوة
وتطرده[1130]" [21]. ما هو
هذا الذي
يدعوه هنا
بالريح
المحرقة سوى
الروح الشرير
الذي يثير
لهيب الشهوات
المختلفة في
القلب،
فيسبحه إلى
عقوبة أبدية؟
يُقال إن
الريح
المحرقة تنقل
بالقوة
الأشرار، لأن
المتآمر،
الروح
الشرير، الذي
يلهب الإنسان
الذي يعيش في
الشر، يسحبه
إلى العذابات عند
الموت. يقصد
بـ "الريح
المحرقة"
عادة الروح
النجس الذي
بنسمة
الاقتراحات الشريرة
يلهب قلوب
الأشرار
بالشهوات
الأرضية.
v
"ومثل زوبعة
تحمله من
مكانه" [21].
مكان الشرير
هو التمتع
بالحياة
الزمنية ولذة
الجسد. لذلك
كل فرد بطريقة
ما يُحمل من
مكانه بواسطة
زوبعة عندما
يبتلعه الخوف
من اليوم الأخير،
فإنه ينفصل عن
كل مسراته.
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
يُلْقِي
اللهُ
عَلَيْهِ
وَلاَ
يُشْفِقُ.
مِنْ
يَدِهِ
يَهْرُبُ
هَرْبًا [22].
حين كان
الشرير في
العالم،
يترفق الله
به، حتى في
تأديبه بحزمٍ
شديد، فاتحًا
له أبوابه لكي
يرجع إليه
بالتوبة، لكن
في يوم
الدينونة لن يقدر
أن يهرب من
العدل الإلهي.
الآن وقت
الرحمة وطول
الأناة.
يَصْفِقُونَ
عَلَيْهِ
بِأَيْدِيهِمْ،
وَيَصْفِرُونَ
عَلَيْهِ
مِنْ
مَكَانِهِ [23].
بعد أن
تحدث أيوب عن
ازدهار
الشرير
المؤقت، وصوَّر
لنا مرارة
نفسه وهو
يواجه الموت،
الآن يرى كيف
أن الضعفاء
وبعض الخطاة
يرون في هذا درسًا
عمليًا من ثمر
الشر المرّ،
فيُصفِّقون بأياديهم
في دهشة،
ويرجعون عن
طريقهم
الشرير،
ويطلبون حياة
مع الله.
"يصفِّقون
عليه
بأياديهم"،
أي يفرحون
بالقصاص الذي
ينهي الظلم،
ويُحدر إبليس
وجنوده إلى
جهنم. "عند
هلاك الأشرار هتاف"
(أم 11: 10)؛ "في نفس
المكان الذي
ترفَّه فيه يضحك
عليه
الصدِّيقون"
(مز 52: 6)، "يُداس
رماده تحت
بطون أقدام
الأتقياء" (مل
4: 3).
v
عندما
يموت الخاطي
يكتم هؤلاء
الذين يشهدون موته
أفواههم وهم
في هسهسة
(كصوت
الأفعى)، بهذا
يتحولون إلى
تلك الكلمات
الروحية التي
كانوا
يستخفون بها،
وبهذا
يبتدئون أن
يؤمنوا، ويتعلمون
ما لم يؤمنوا
به قبلاً،
وذلك عندما ظنوا
أن الشرير
يحيا في
ازدهارٍ. يقول
سليمان:
"عندما يعاقب
الإنسان
الخطير، يصير
الضعيف
حكيمًا" (أم 11:21)
v
كل ضربة
من الله، إما
لتطهير
الحياة
الحاضرة فينا،
أو كبداية
لعقوبةٍ
مقبلةٍ... أما
بالنسبة
للأشخاص
الذين تكون
لهم الضربات
لعنة وليس للتأديب،
فيُقال عنهم:
"لقد ضربتهم ولم
يحزنوا. لقد
أفنيتهم ولم
يقبلوا
الإصلاح" (إر 3:5).
بالنسبة
لهؤلاء تبدأ
ضرباتهم في
هذه الحياة،
وتستمر في
ضربات أبدية.
يقول الرب
بموسى: "فإن
نارًا تشعل
غضبي، وستحرق
إلى أسافل جهنم"
(تث 22:32).
البابا
غريغوريوس
(الكبير)
من
وحي أيوب 27
من
يسندني في
تجاربي سواك؟
v
أنت
القدير وحدك،
صرت مُجربًا
لكي تعينني.
هب
ليّ الحكمة،
حينما تحل بيّ
تجربة
بالاتهامات
الباطلة.
وهب
ليّ الصبر،
حينما تحل بيّ
ضيقة مُرة!
أومن
أنك حيّ، تهتم
بكل أموري!
تسمح
ليّ بالمُرّ،
وتحول مرارتي
إلى عذوبة.
v
لتكن
الضيقة لنموي
الروحي.
فلا
يندفع لساني
بكلمة غير
لائقة،
ولا
تسقط أفكاري
في الجحود.
لا
أداهن
الأشرار على
حساب نقاوة
قلبي،
بل
أتصرف بضميرٍ
صالحٍ في كل
شيءٍ!
فإن
موتي أهون من
مداهنتي
للأشرار!
v
لتنزع
عني كل شر،
فإنه قاتل
لنفسي.
انزع
عني كل رياء،
فهو مخادع
ليّ.
v
علمني
كيف أدخل
مخدعي،
وأتحدث
معك يا أيها
الآب السماوي.
ليس
ليّ ما هو
أعظم من أن
أقتنيك!
v
أنت هو
الهادي،
تقودني إلى
طريق الخلاص.
أنت
هو المدرب،
تحملني
وتدربني
بنعمتك.
أنت
هو المعلم،
تهبني ذاتك،
يا أيها
الحكمة الإلهي!
v
لماذا
أخشى الشرير؟
وإن
نجح فإلى حين،
تنتظره
العقوبة
الأبدية.
إن
كثر بنوه
فإنهم يعانون
حتى من الجوع.
ذريته
يصيرون ثقلاً
على المجتمع،
وفي
موتهم لا
يكرمهم أحد،
حتى أراملهم
لا يحزن
عليهم.
وإن
اغتنوا
بالفضة
والثياب.
ماذا
تنفعهم الفضة
بدون كلمة
الله الفضية
النقية؟
وماذا
تنفعهم
الثياب ما لم
يستتروا بدم
المسيح؟
يبنون
قصورًا
لتخليد
ذكراهم،
فتكون كثوبٍ قديم
لحقه العث.
يجمعون
غنى، وفي
لحظات تُطلب
نفوسهم منهم.
تهب
عليهم عاصفة
الموت كما في
وسط ظلمة
الليل،
تنفتح
أعينهم ليروا
البحيرة
المتقدة
نارًا أمامهم.
يسحبهم
عدو الخير
ليقيموا معه
أبديًا.
[1110] Cassian: Conferences,6:11.
[1111]
الرسالة
الثانية
والثلاثون.
[1112] The Holy
Spirit, 2:7: 67.
[1113] Of the Holy
Spirit, Book 2:7:67.
[1114] Commentary
on Rom 8:9.
[1115] Sermons,
91:4.
[1116] Homilies on Rom., 40.
[1117] In Luc Ser
86.
[1118]
التزمت
بالنصوص
الواردة في
كتابات
البابا غريغوريوس
كما هي.
[1119] Demonstrations, 4:10 (Of Prayer).
[1120] In Matt., hom.,
19:4.
[1121] Cassian: Conferences, 9:35.
[1122] Cf. Barnes’
notes on this verse.
[1123] Cf. Matthew
Henry Commentary.
[1124] Osborn : The Philosophy of Clement of Alexandria, Cambridge
1957, p 5.
[1125] Paedagogus 1: 1.
[1126] Strom 5: 1.
[1127] The Prayer of Job and David.
(Frs. of the Church vol. 65, p. 366).
[1128]
التزمت
بالنصوص
الواردة في
كتابات البابا
غريغوريوس
كما هي.
[1129]
التزمت
بالنصوص
الواردة في
كتابات
البابا غريغوريوس
كما هي.
[1130]
التزمت
بالنصوص
الواردة في
كتابات
البابا غريغوريوس
كما هي.