نشيد نصرة
الملك
مزمور ملوكي:
هو
مزمور ملوكي وصلاة ليتورجية من أجل انتصار الملك. يشبه المزمور السابق بكونه يركز
على الملك؛ وهو يناسب أي احتفال ملوكي أو أي تذكار خاص بالملك. يرى بعض الدارسين أن
المزمور السابق يُنشد قبل المعركة، أما هذا المزمور فهو تسبحة حمد لله تُرنَّم بعد
المعركة من أجل استجابة الصلاة الواردة في المزمور السابق. وضعة داود الملك وهو في
قمة الفرح بروح الشكر لله الذي وهبه النصرة، ربما في معركته ضد بنى عمون في رِبَّه
(2 صم 12: 26-31).
يعتقد
البعض أن هذا المزمور يعكس احتفالاً في الهيكل قيبل المُضِيّ إلى الحرب كالزمور
السابق؛ وأن الاختلاف الأساسى بينهما هو أن المزمور 20 يهتم بطلب العون
والنجاح في الحرب بينما يُشير المزمور 21 إلى دائرة المواهب الإلهية ككل
الممنوحة لمسيح الرب[424].
ينفرد
ثيؤدورت باقتراض أن المزمور كُتِب بمناسبة مرض الملك حزقيا وشفائه.
يقول
L. Sabourin: [ربما
كان المزمور جزءًا من طقس تتويج الملك (راجع عدد 4 - الترجمة السبعينية)؛ ربما كان الكاهن - في حضرة الملك - يتلو كلاً من تقديم
البركات بطريقة تعبدية [2-7] والصلاة [9-13]، بينما يردد الشعب العددان [8، 14]
أنتيفون (قرار) مثل (مز 60: 6)... هذا المزمور هو ليتروجية خاصة بتتويج الملك،
يشبه في هذا المزامير (5، 16، 23، 27، 42-43، 61، 63، 84، 91، 101)[425].
مزمور مسيّاني:
يقول
R.J. Clifford:
[بعدما توقف النظام الملكي في إسرائيل بعد القرن السادس ق.م.، صارت لغة (هذا
المزمور) مُستِخْدمة عن ابن داود المقبل[426]].
ويقول
Gaebelein: [هذا المزمور مسيّاني. يُعلم الترجوم (الصيغة الكلدانية للعهد
القديم) والتلمود بأن الملك المذكور في هذا المزمور المسيَّا. قبل العاِلم العظيم
المتخصص في التلمود الحاخام سليمان اسحق المعروف باسم راشي (وُلد عام 1040م) هذا
التفسير فاقترح أن يُتَرك هذا المزمور لحساب المسيحين لاستخدامه برهانًا على أن
يسوع الناصرى هو المسيّا...
لعدة
قرون استخدم الطقسيون هذا المزمور بحق في الاحتفال بعيد الصعود، كذكرى لعودة ربنا
إلى المجد ودوره كرئيس كهنتنا الأعظم... قبل العصر المسيحي، استُخِدم المزمور
دون شك في العبادة الهيكلية].
بعض
أجزاء من هذا المزمور [مثل عدد 4] لا يمكن أن تنطبق حرفيًا إلا على المسيَّا[427]، مع هذا لم يُقْتَبس هذا المزمور قط في العهد الجديد، وإن كان قد
أُشير إليه بالتلميح مرتين في (عب 2: 9، 12: 2).
إن
كان هذا المزمور هو "نشيد نصرة الملك"، حيث نترنم بحب المسيَّا، ملك
الملوك الممجد، الذي يهبنا فيه شركة الأمجاد، فإنه يقودنا إلى المزمور التالي
(22)، مزمور "آلام المسيح المجيدة"، يقودنا إلى رابية الجلجثة، ويدخل
بنا إلى أعتاب عرشه.
يحثنا
هذا المزمور على تكريس حياتنا تكريسًا كاملاً لحساب ربنا يسوع، في طاعة مطلقة
لإرادة الله، وفي ثقة شديدة في أمانة الله من نحونا.
الكلمة الاسترشادية (مفتاح السفر):
الكمة
الاسترشادية هي "قوة" [1، 13]؛ ويليق بنا هنا أن نشير إلى كلمة أخرى لها
صلة بالقوة جاءت في العدد [7]: "وبرحمة (الحب الثابت) العلي لا
يتزعزع"، تُفسرّ لنا مصدر كل قوة توجد في الميثاق بين الرب وشعبه، رباط الحب
الشديد، الإخلاص خلال دم المسيح الخلاصي، المتأصل في الرب.
الإطار العام:
1.
نصرات المسيح الملك الماضية [1- 7].
2.
نصرات المسيح
المقبلة
[8- 12].
3.
تسبيح وحمد الشعب
[13].
1. نصرات المسيح الملك الماضية:
هذا القسم [1-7] هو شكر من أجل الأمتيازات التي قُدّمت
للملك وكما قلنا أن هذا الملك هو ابن داود الذي يصوره المرتل كملك مقاتل يُحارب
إبليس وجنوده الأشرار لحسابنا.
ونحن
أيضًا كأعضاء جسد المسيح صرنا ملوكًا محاربين، نتلقى العون من ملك الملوك في
حربنا الروحية. لذلك أُستُخِدم الكثير من عبارات هذا المزمور عن القديسين في
الليتورجيات مثل Desiderium cordis euis tribuistiei[428].
أولاً: شكر لله من أجل قوته وخلاصه.
"يارب
بقوتك يفرح الملك،
وبخلاصك
يتهلل جدًا" [1].
إذ
سأل بيلاطس السيد المسيح: "أنت ملك اليهود"، أجابه: "أمن ذاتك تقول
هذا أم آخرون قالوا لك عني؟!... أنت تقول إني ملك. لهذا قد وُلدت أنا، ولهذا قد
أتيت إلى العاَلم لأشهد للحق" (يو 18: 23-27). إنه ليس مجرد ملك، لكنه "الملك"،
الذي ارتفع على الصليب بالحب كعرش له، ليقيم مملكته في القلوب وداخل النفوس.
يمكننا القول إن المزمور السابق هو نشيد الملك في البستان حيث يدخل معركة الصليب
"يوم الشدة"، مُقدّمًا حياته ذبيحة محرقة، وقد استجاب الآب طلبته
وشفاعته الكفارية عن جميع مؤمنيه، الآن يُترنَّم بتسبحة القيامة، بكونها قوة الملك
الغالب الموت، واهب الفرح والتهليل لكل المتمتعين بحياته المُقامة.
لم
يفرح داود بعرشة ولا بقوة جيشة وإنما بقوة الرب وخلاصه المجانى. ونحن أيضًا إذ
نتحد مع ابن داود نملك على أهوائنا، لنعيش بحياته المُقامة، غالبين ومنتصرين. وكما
يقول القديس بولس: "لكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل
حين ويُظهِر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2 كو 2: 14).
اختبر داود الملك أن كل خلاص إنما يتحقق بالله، متى قدم
خلاصًا يُقهر كل عدو.
لماذا يفرح داود بخلاص الله؟
أ.
خلاص الله فعَّال، به يظهر كل الأعداء عاجزين عن أن يسببوا لنا ضررًا، إذ لا حول
لهم ولا قوة أمام المخلص.
v لما نظر الله الكائن في كل أحد، كيف مسك الشيطان البشر
وقادهم في جميع طرقه الممتلئة عثرات... شفق وتحنن هو برحمته التي لا قياس لها،
ورأى بحكمته ومحبته التي لا تدرك أن يكسر افتخار الشيطان وشموخه، ويُظهر ويفضح
غشه... أتى إلينا وشفانا وشجعنا وقوّانا ونصرنا... وأشركنا مع عظمته، ورفعنا إلى
عالمه الحقيقي ومملكته الأمينة[429].
القديس يوحنا التبايسي
v الآن (بقيامة السيد المسيح) يا أحبائى...
قد ذُبح الشيطان، ذلك الطاغية الذي هو ضد العالم كله...
الآن
إذ نأكل "كلمة" الآب، وتُمسح قلوبنا بدم العهد الجديد نعرف النعمة التي
يهبنا إياها المخلص، الذي قال: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات
والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19). لأنه لا يعود يملك الموت، بل تتسلط
الحياة عوض الموت، إذ يقول الرب: "أنا هو الحياة" (يو 14: 6)، حتى أن كل
شيء قد إمتلأ بالفرح والسعادة، كما هو مكتوب: "الرب قد ملك فلتفرح
الأرض"[430].
البابا أثناسيوس الرسولي
لقد
صار اسم "يسوع" سرّ قوة للمؤمن وغلبه على الخطية والشيطان وكل قوات
الظلمة.
يقول العلامة أوريجانوس: [باسمه كثيرًا ما تُطرد الشياطين من البشر، خاصة
إن رُدد بطريقة سليمة وبكل ثقة. عظيم هو إسم يسوع!... إسم يسوع يشفي المتألمين
ذهنيًا، ويطرد أرواح الظلمة، ويهب شفاءً للمرضى[431]].
ب.
يتحقق الخلاص بطرق لم تكن في الحسبان.
ج.
يتم الخلاص في أحلك اللحظات؛ الله لا يتأخر لحظة واحدة في تقديم مراحمه، لكنه
أحيانا ينتظر حتى اللحظة الأخيرة[432].
د.
لم يكن فرح داود بالنصرة في ذاتها بل في قوة الله وخلاصه. لم يفتخر داود
بإمكانياته ولا بنصرة جيوشه، معطيًا كل المجد والكرامة لمخلصه.
هـ.
كانت انتصارات داود ظلاً لانتصارات ابن داود التي تحققت بالصليب. يقول القديس
بولس: "الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزى، فجلس
عن يمين عرش الله" (عب 12: 2). كنائب عنا، تألم وصُلب لحسابنا؛ فيه قمنا وفيه
ارتفع إنساننا الداخلي إلى السموات معه (أف 3: 6)، لهذا يتهلل السيد المسيح نفسه
بخلاص الآب الذي تممه فيه، ولعمله الفدائي... إذ "هكذا أحب الله العالم حتى بذل
ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3:
16). لذا قيل: "يارب بقوتك يفرح الملك، وبخلاصك يتهلل جدًا".
ونحن أيضًا إذ صرنا ملوكًا نفرح بالشركة معه في صلبه، لأن ما يُسِرُّ الملك
(المسيح) يُفرّحنا نحن أيضًا (1 صم 3: 16). في المسيح يسوع نتهلل حين نتمتع بعمله
الفدائي في حياتنا اليومية وعند رؤيتنا الآخرين يَنْعمون معنا بذات النعمة التي
نتمتع بها.
ثانيًا: الشكر لاستجابة الله سُوٌْل
قلبنا.
"شهوة
قلبه أعطيه،
وسؤال
شفتيه لم تعدمه" [2].
يبدأ
المرتل بشهوة القلب ثم يُكمل بسؤال الشفتين، لأن شهوة القلب تسبق سؤال الشفتين
ويَلزم أن تتفق معه، ليعمل الداخل والخارج حسب إرادة الله... عندئذ نجد استجابة
الله السريعة للقلب كما للفم.
لقد
صلى مسيحنا بشفتيه: "مَجِدّ ابنك فيُمجِدك ابنك أيضًا" (يو 17: 1)،
وجاءت كلماته تتفق مع شهوة قلبه، وقد استُجِيبَت.
v اشتهي المسيح أن يأكل الفصح (لو 22: 15)،
وأن يبذل حياته ليضعها بإرادته ويأخذها أيضًا بإرادته (يو 10: 18)، وقد تحققت
شهوته.
أعلن
مسيحنا شهوة قلبه الداخلية بالصلاة المسموعة، بالكلمات وأيضًا بالآلام... وقد
تحققت شهوة قلبه ولا تزال تتحقق في كنيسته إلى أن يتم جهاد كل المختارين وينعموا
بشركة الميراث معه.
ثالثًا: الشكر لله الذي يمجد ابنه.
"لأنك
أدركته ببركات صلاحك،
ووضعت
على رأسه إكليلاً من حجر كريم" [3].
في
النص العبري: "لأنك تتقدمه ببركات خير"، فقد سبقت بركات صلاحه أو
خيره فأُعْلِنت حتى قبل تجسده، فقد رأى إبراهيم يوم الرب فتهلل وفرح (يو 8: 56)،
وتمتع رجال العهد القديم بالخلاص خلال رموزه وظلاله وعلى رجاء موته.
ونحن
أيضًا في العهد الجديد تمتعنا ببركات صلاحه، فنلنا الكثير من العطايا الإلهية قبل أن
نسأله أو نطلبها مثل نعمة الوجود، وتمتعنا بالإيمان المسيحي، ونوالنا العماد وسمحة
الميرون وسكنى الروح القدس في قلوبنا مع أمور كثيره لا تُحصَى وُهِبت لنا كما أنعم
لداود بالعرش دون فضل من جانبه. لم يطلب أحد ما مخلصًا إنما هو من قبيل حب الله
جاء الوعد بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية. وكأن عطايا الله للبشر هي من قبيل حبه
وصلاحه، يبادر بالحب حتى قبلما أن نوجد أو نتعرف عليه.
رأى
المرتل مسيحنا مكللاً على الصليب كملك، فقال: "وضعتَ على رأسه إكليلاً من حجر
كريم". حسب الظاهر وُضِع على رأسه إكليل شوك لا أحجار كريمة ليدفع ثمن
خطايانا، أما في الداخل فقد توَّجنا معه ملوكًا لنَنْعم بأكاليل سماوية ثمينة.
v إن كانت الملائكة تفرح متى رأت إنسانًا خاطئًا يرجع إلى الله
تائبًا، فكيف لا يمتلئون فرحًا عظيمًا عندما يرون الطبيعة البشرية كلها - في بكرها
- تصعد اليوم إلى السماء؟![433].
القديس يوحنا ذهبي الفم
"مجده عظيم بخلاصك.
مجدًا
وبهاءً عظيمًا جعلت عليه،
لأنك
تعطهِ بركة إلى أبد الأبد" [5].
لأجلنا
أخلى ذاته عن مجده ولأجلنا تمجّد، نال من الآب الكرامة والمجد (1 بط 1: 17)، المجد
الذي كان له من قبل تأسيس العالم (يو 17: 5).
ربنا يسوع - ملك الملوك - يضع التيجان الملوكية على رؤوس
مؤمنيه الأتقياء بيده. ما من درجة من الكرامة مهما علت لا يمكن لله أن يرفعنا
إليها إذا أراد ذلك؛ فهو يرفع المسكين
من المزبلة، ويقيمه وسط الأشراف (مز 113: 7-8) "الملوك الروحيين". فقد
أخذ الرب داود من بين أغنامه وأقامه ملكًا متوجًا على أعظم عرش في المسكونة
كلها في ذلك الحين.
في
استحقاقات الدم الثمين وهبنا ربنا يسوع المسيح روحه القدوس، الذي يشكل إنساننا
الداخلي لنحمل شركة المجد والبهاء بصورة فائقة:
v الابن يجعل الذين يقبلونه مشابهين له
بواسطة الروح القدس[434].
v حينما تتجدد صورتنا بالقداسة يفعل هذا الروح، فنحن في الواقع
نتغير إلى صورة الله، وهذا هو ما يقوله الرسول: "يا أولادي الذين اتمخض بكم
أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم" فالمسيح فينا بالروح القدس الذي يجدد شكلنا
بحسب الله[435].
v المسيح يتصور فينا بفعل الروح القدس الذي
يرسم في نفوسنا صورة إلهية في البر والقداسة[436].
القديس كيرلس الكبير
رابعًا: الشكر لله من أجل الحياة
المقامة.
"حياة
سألك فأعطيته،
طول
الأيام إلى أبد الأبد" [4].
لعل
من أعمق الأسباب لتقديم الشكر لله هو تمتعنا بالحياة الجديدة الغالبة للموت. ربما
قدم داود الشكر لله لأنه منذ صباه وحتى شيخوخته تعرض لتجارب كثيرة جعلته حسب
المنطق البشري على عتبة أبواب الموت، وفي كل مرة كان خلاصة من الموت هو عطية من
قبل الله، وليس بعمل بشري. شعر داود الملك أنه مدين لله بكل حياته. إن انطلقنا إلى
ابن داود نجده وقد أطاع حتى الموت موت الصليب تقبل القيامة من الآب مع كونه هو
"القيامة"، وبسلطانه وضع نفسه وأخذها... بالطاعة نال إرادة الآب أن
يقوم. ونحن أيضًا إذ صرنا أعضاء جسد المسيح القائم من الأموات ننال هذه الحياة
الجديدة فيه.
v "حياة سألك فأعطيته"، أي القيامة التي
اِنْجلَت في كلماته: "أيها الآب مَجِدّ ابنك" (يو 14: 7)، وقد أعطيتها له. "طول الأيام إلى
أبد الأبد"، أي تلك السنين التي تعيشها الكنيسة
في العالم الآن، وستبقى فيما بعد إلى
الدهر الذي بلا نهاية.
القديس أغسطينوس
لقد
فُسِرَتْ بركة "طول الأيام إلى أبد الأبد"، في العصور اليهودية المتأخرة
وبعض المفسرين المسيحين بأنها بركة مسيّانية، تشير إلى المُلْك الأبدي لنسل داود[437].
خامسًا: الشكر لله من أجل البركات
الإلهية.
"لأنك تعطيه بركة إلى أبد الأبد" [6].
السيد المسيح المُبارك، مصدر كل بركة؛ بالصليب بسط يديه
فاتحًا أحضانه لكل الأمم كي تَنْعَم بالبركات الإلهية؛ فيجد الكل فيه كفايتهم
وشبعهم.
سادسًا: شكر لله من أجل الفرح برؤية
الله.
"أبهجته بفرح مع وجهك" [6].
نشكر الله من أجل قوّته وخلاصه اللذين يملاّننا فرحًا،
وتهليلاً، ومن أجل تحقيق شهوة قلوبنا وسُؤْل شفاهنا في صلواتنا، من أجل المجد الذي
نلناه في الداخل باتحادنا معه، ولتمتُّعِنا بالحياة الجديدة في المسيح يسوع، ومن
أجل فيض بركاته، أما تاج هذا كله فهو دخولنا إلى ملكوت الفرح بتمتُّعِنا بوجه
إلهنا حيث نَنْعم برؤيته.
2. نصرات المسيح المقبلة:
الشكر الحقيقي الذي يقدمه المَلِك والشعب لا يكمن في
تمجيد الماضي وإنما بالحري من أجل الثقة في عمل الله معهم في المستقبل. لقد عَلَّم
المرتل شعبه أن يتطلعوا إلى الماضي بفرح مُمَجّدين عمل الله معهم حتى يثقوا في
الله الذي يهب الخلاص من الأعداء مهما بلغت قوتهم. هو الذي خلصهم ويُخلصهم ويبقى
يُخلصهم في المستقبل. لذا يصف المرتل هنا الأعداء وتخطيطاتهم ومصيرهم:
"تظفر يدك
بجميع أعدائك،
ويمينك تظفر بجميع مبغضيك
تجعلهم مثل تنور نار في آوان وجهك.
يارب بغضبك تُقلقهم، وتأكلهم النار" [8-9].
إن كان الرب بصليبه قد مزق صك خطايانا، وشّهَّر بعدو
الخير وكل قواته؛ عند مجيئه الأخير سيحطم مملكته تمامًا. يجعله كأتون النار
لأنفسهم، وذلك " في أوان وجهك"، أي في زمان مجيء الرب للدينونة؛
زمان الغضب.
شَبَّه أعداء الملِك والذين هم أنفسهم أعداء الله،
بالعُشْب الجاف والكلأ، الذي يُوقد به في التنور (الفرن)، ويُلقى في نيرانه. وقد
تكررت الكلمة المقابلة للتنور oven 15 مرة في النص العبري والكلمة
التي تقابل فرن furnace أربع مرات، هذه الصور تُعبّر عن هلاك أعداء الله، إذ يبيدون كقطع
خشبية قد زُجَّت في الفرن، فيهلكون تمامًا[438].
وتُستخدم
كلمة "نار" في الكتاب المقدس أحيانًا للتعبير عن غضب الله (راجع تث 4:
12؛ 5: 22-25؛ مز 18: 14) وعن يوم الرب الانقضائي (الاسخاتولوجي) (عا 1: 4-14؛ 2:
2-5؛ ملا 3: 2؛ 4: 1)[439]. ويقول سفر الرؤيا
عن الأشرار: "يتصاعد دخان عذاباتهم إلى الأبد".
لا
يعني غضب الله كراهية أو انتقامًا لنفسه، وإنما يختار الأشرار لأنفسهم أن يكونوا
عشبًا زائلاً ويرفضوا أن يَنْعموا بموضع في الحضن الإلهي. إنهم يعدون أنفسهم بمحض
إرادتهم ألا يقبلوا مراحم الله ليشتركوا في أمجاده.
"وثمرتهم من الأرض تهلك،
ونسلهم
من بني البشر" [10].
جاءت
كلمة "ثمرة" في العبرية "أولاد" فالحديث عن الأولاد كثمر هو
حديث قديم جدًا (راجع تك 30: 2؛ تث 7: 13؛ 28: 4؛ مز 127: 3؛ 132: 11؛ إش 13: 18؛
مرا 2: 20؛ هو 9: 16؛ مي 6: 7). في المسيح يسوع ربنا تهلك ثمرة إبليس وكل أبنائه،
أي الخطايا التي تربض في القلب كما في الأرض. بنعمة الله لا يُتْرك لهم أثر في
قلوبنا أو أفكارنا أو عواطفنا، فنقول مع موسى النبي: "لا يبقى ظلف" (خر
10: 26).
إذ
يُحوّل الرب قلوبنا إلى السماء تتبدد ظلمة إبليس وكل أعماله، فلا يوجد في داخلنا
تراب أو أررض يمكن للعدو أن يركض فيها، لذا قيل "ثمرتهم من الأرض تهلك".
ربما
يعني بالأرض الجسد، فلا يكون للعدو ثمر في جسدنا كما لا مكان له في نفوسنا؛ إذ
يتقدس الإنسان بكُليّته: الجسد والنفس معًا.
"لأنهم أمالوا عليك شرورًا،
وتشاوروا
مشورة لم يستطيعوا إقامتها" [11].
أعداء
المسيح أقوياء لكنهم أمامه ضعفاء للغاية. إنهم مملؤون دهاءً وشرًا، يدبرون بالخبث
مكائدهم ضده وضد كنيسته، لكنه أخيرًا يفشلون إذ "لا يستطيعون إقامتها".
إنهم كالأفعى تحمل سمًّا لكن رأسه مهشم، وكالأسد يزأر لكنه أسير!
يقول
الأب قيصريوس أسقف آرل: [إن هذه النبوة قد تحققت عندما زعم الجنود الأشرار
أن التلاميذ جاءوا ليلاً وسرقوا جسد السيد المسيح وهم نائمون، لأنهم لو كانوا
مستيقظين لحرسوا القبر؟ ولكن إن كانوا نائمين فكيف علموا ما حدث؟[440] بقولهم هذا أكدَّوا القيامة وهم لا يدرون؟
3. تسبيح وحمد الشعب:
"ارتفع
يارب بقوتك،
نسبح
ونرتل لجبروتك" [13].
جاءت
الخاتمة مشابهة للأفتتاحية إلى حد كبير ومماثلة لختام (ذكصولوجية) الصلاة الربانية[441]. هكذا تنتهي آلامنا إلى إعلان مجد الله المفرح في حياتنا وفي
لقائنا معه أبديًا!
صلاة
v يدك يا إلهي لا تقصر عن أن تعمل في حياة
أولادك!
v أنت الذي خلَّصتَ وتُخلّص وستُخلّص حتى
تدخل بنا جميعًا إلى شركة أمجادك.
v اقبل يارب شكرنا وتهليلاتنا لأنك أتيت
وخلصتنا؛
تسمع
نبضات قلبنا وتستجيب لكلمات شفاهنا؛
تسكب
بهاءك علينا فنصلح لمملكة؛
تهبنا
حياتك سرّ القيامة التي لا يُحطمها الموت؛
تُفيض
علينا بينبوع بركات لا يجف؛
وأخيرًا
تُعلن ذاتك فنعرف ونراك وجهًا لوجه!
v حَطّم يارب ثمر العدو في قلوبنا،
ولتُقِمْ
ملكوتك داخلنا؛
ولتتمجَّد
فينا إلى الأبد!
[424] W. Plumer: The Psalms, p. 275.
[425] L. Sabourin: The Psalms, vol. 2, p. 228.
[426] The Collegeville Bible Comm., p. 759.
[427] Scripture Union: Bible Study Books, The Psalms, p. 20.
[428] Nelson: A New Comm. In the Holy Scripture, 1969, p. 449.
[429] المؤلف: الحب الإلهي، ص 468. (دير السريان العامر: الآباء الحاذقون في العبادة، ج 1).
[430] Paschal Ep. 4.
[431] المؤلف: آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، 1980، ص 194.
[432] Plumer, p. 281.
[433] In Ascensione PG 50.
[434] PG 73: 885 A
[435] PG 75: 1088.
[436] PG 70: 936-937.
[437] L. Sabourin, vol. 2, p. 228.
[438] Plumer, p. 279.
[439] L. Sabourin, vol. 2, p. 228.
[440] Sermon 142: 7.
[441] Plumer, p. 281.