آلام المسيح
المجيدة
من الآلام
إلى الأمجاد:
يعتبر هذا المزمور بالنسبة للمسيحين
"قدس الاقداس". استخدم مخلصنا كلماته الأفتتاحية في صلاته على الصليب
وهو يروي لنا في شيء من التفصيل الصلب والقيامة وتأسيس مملكة المسيح الروحية من
الأمم.
نسمع في هذا المزمور ربنا يسوع - خلال فم
داود النبي - يتغنى بتسبحة الألم ليحوّل آلامنا إلى تسبيح! وكما يقول القديس بولس:
"ناظرين إلى... يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب
مستهينًا بالخزى فجلس عن يمين عرش الله" (عب 12: 2).
مزمور مسياني:
هيكل هذا المزمور فريد في نوعة يراه
البعض مرثاة لها قوتها الخاصة[442]،
ويحسبه آخرون تجميعًا لثلاثة مزامير منفصلة[443]،
أو على الأقل لمزمورين: واحد مرثاة [1-21]، والآخر شكر [22-31]. هذان المزموران أو
القسمان متمايزان عن بعضهما البعض، لاختلافهم من جهة نفسية المرتل، وأفكاره
وأسلوبه[444]. يظن بعض الداريسن
أن هذين القسمين كُتبا منفصلين بعد اجتياز المرتل خبرة مُرَّةً رهيبة، وأُضيفا
فيما بعد إلى بعضما البعض لاستخدامهما في الهيكل للعبادة، وقد فُسرا معًا كمزمور
مستقبلي يحمل فهمًا مسيانيًا[445].
يتطلع آباء الكنيسة إلى هذا المزمور
كمزمور مسياني، يروى بتناغم وتوافق أحداث الصلب المؤلمة جنبًا إلى جنب مع أحداث
القيامة المبهجة، وأخبار الكرازة بالإنجيل (الأخبار السارة) بين الأمم لأقامة
كنيسة المسيح، مملكة المجيدة!
لا يمكن لمسيحي أن يقرأ هذا المزمور إلا
ويلتقي بالصلب في حيوية وقوة. "النبوة" ربما هي الموضوع الوحيد لهذا المزمور
(1 بط 1: 10-11؛ لو 24: 25-26)، إذ يُحسب إحدى النبوات الكاملة عن آلام المسيح
واتضاعة ومملكته المجيدة غير المحدودة بين الأمم.
ورد في العهد الجديد اقتباسات من هذا
المزمور 13 مرة، منها 9 مرات في قصة الآلام وحدها. وقد اتخذ منه تلاميذ ربنا يسوع
المسيح مادة للكرازة بالرسالة الخلاصية لصلب السيد المسيح وموته وقيامته.
مع شعور المرتل بالعزلة التامة والتخلي
عنه، غير أنه يعيش في مملكة السلام. لا نجده يُلمِّح وهو متألم إلى خطية ما، ولا
يناشد بتبرئة نفسه، ولا يدافع قط ضد اتهامات باطلة، ولا ينفث غضبًا ضد أعدائه. لا
نجد ذكرًا مباشرًا للأعداء، ولا طلب اللعنة عليهم كما في معظم المراثي[446].
العنوان:
"لإمام
المغنين على أيلة الصبح (سحر الصباح) Aijeleth Sahar؛ مزمور داود".
ماذا يعني تعبير "أيلة الصبح"؟
1. يصف عمل السيد المسيح الفدائي: آلام
القدوس وقيامته. إذ تتألم الأيل الجريحة وهي بريئة ليأتي عليها السحر بالفرج. هكذا
تألم مسيحنا وجُرح على الصليب، ليعلن مجده فى فجر الأحد بقيامته. مسيحنا مثل
غُفْرِ الأيائل على جبال الأطياب (نش 8: 14)، مثل الظبية المحبوبة والوعلة الزهية
لدى جميع المؤمنين (أم 5: 19)، ينطق بأقوال حسنة كنفتالي الذي يشبه "أيلة
مسبية" (تك 49: 21).
2. بحسب التقليد اليهودي القديم، هذا
التعبير يعني الشكناه، أي السحابة المجيدة التي كانت تظهر وسط شعب الله.
بحسب التقليد كان الحمل يُقدم كذبيحة
صباحية بمجرد أن يرى الرقيب من فوق قبة الهيكل أشعة الفجر (السحر) الأولى، فيصرخ
قائلاً: "انظروا ها هي أشعة النهار الأولى قد سطعت". هكذا يتحقق إشراق
الفداء المقدس خلال آلام المسيح حمل الله التي نراها في هذا المزمور[447].
3. يرى آخرون أن هذا التعبير يشير إلى
مجرد النغمة التي تستخدم للتسبيح بالمزمور.
أقسام
المزمور:
1. المسيح المتألم
[1-21].
2. المسيح
الممجد
[22-31].
1. المسيح
المتألم:
ورد هنا وصف كامل لقصة الصلب الرهيبة،
التي تحققت تمامًا وبطريقة حرفية خلال آلام السيد المسيح.
1. أعلنت كلمات المزمور الأولى عن تكلفة
فدائنا:
"إلهي إلهي لماذا تركتني؟! بعيدًا
عن خلاصي عن كلام زفيري (عن ثقل خطاياي)" [1].
ربما يقول أحد إن كلمات الأفتتاحية هذه
تناقض نفسها، إذ كيف يمكن لأحد أن يقول "إلهي" لذاك الإله الذي ترك
عبده؟! إلا أننا لا نشعر أننا متروكون من الغرباء إنما فقط يكون لنا هذا الشعور
نحو الملاصقين لنا.
إنها صرخة يائسة اقتبسها ربنا على
الصليب، مظهرًا أنه يختبر ما ورد في هذا المزمور.
لقد حُسب ربنا- كمثل للبشرية- كأنه متروك
من الآب إلى حين، لأنه صار لعنة لأجلنا (غلا 3: 13)، وصار خطية من أجلنا ذاك الذي
لم يعرف خطية (2 كو 5: 21) حتى لا نصير نحن متروكين من الآب أبديًا. جاء في إشعياء
"لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة أجمعك، بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة، وبإحسان
أبدي أرحمك" (إش 54: 7). شاركنا مخلصنا خبرتنا المُرّة إذ نشعر أن الله
تركنا. صارع حتى الموت ليقيم نفسه جسرًا يقودنا خارج ضيقاتنا وينطلق بنا إلى حضن
الآب. أُظهر لنا على الصليب مقدار بعدنا عن الله وانفصالنا عنه، هذا الذي هو علّة
وجودنا كله.
تدخل بنا هذه الكلمات وجهًا لوجه مع
أعماق عمل المسيح غير المدرك الحامل لخطايانا، هذا الذي وضع عليه إثم جميعنا. يسوع
الذي صار خطية لأجلنا، وفي خضوع وضع نفسه تحت غضب الآب وكراهيته للخطية. "أما
الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن" (إش 53: 10).
v لم يكن المسيح متروكًا من الآب ولا من
لاهوته كما يظن البعض، أو كما لو كـان
خائفًا من الآلام فانفصل بلاهوته عن
ناسوته أثناء آلامه...؛ وإنما كما قلت إنه كان ينوب عنا في شخصه. نحن كنا قبلاً
متروكين ومرذولين، أما الآن فبآلام ذاك الذي لا يسوغ له أن يتألم (حسب اللاهوت)
أقامنا وخلصنا[448].
القديس غرغوريوس النزيزى
v ماذا يعني ربنا؟ الله لم يتركه إذ هو
نفسه الله... فلماذا استخدم هذه الكلمات لو لم نكن نحن حاضرين (فيه)، لأن الكنيسة
هي جسد المسيح (أف 1: 23)؟ ماذا يقصد بقوله: "إلهي إلهي لماذا تركتني"
إلا أن يستلفت أنظارنا، قائلاً لنا: "هذا المزمور إنما كُتب عني؟"
القديس أغسطينوس
v الصلاة التي أنطق بها ليست صلاة رجل بار،
إنما تليق بمن حمل الخطايا. من يُصلي هكذا هو ذاك الذي الذي يسُمّر على الصليب
إنساننا العتيق الذي لا يُدرك حتى لماذا تركه الله.
القديس أغسطينوس
v بكونه إنسانًا يتكلم حاملاً مخاوفي،
فإننا إذ نكون في وسط المخاطر نظن أن الله قد تركنا. لهذا كإنسان اكتأب، وكإنسان
بكى، وكإنسان صُلب[449].
القديس أمبروسيوس
v صنع المسيح نفسه هذا (صرخ على الصليب) كي
نتعلم أنه حتى النفس الأخير كان يكرم أبيه، وأنه ليس ضد الله[450]
القديس يوحنا الذهبى الفم
أجاب المخلص المصلوب على هذا السؤال
بنفسه، قائلاً: "أنت القدوس" [4]. هذه هي الإجابة: القداسة
الإلهية؛ لأنه كان يجب أن يسدد بالكمل ثمن الخطية، الثمن الذي لا يمكننا إدراكه.
قداسة الله تكشف الفرق الشاسع بين عظمة الله
وبيننا نحن. خلال الصليب صرنا ملتصقين بالله الذي لا يُدنى منه، إذ ننال الشركة مع
الابن الذي هو بِرُّنا وتقديسنا، وفيه نصير قديسين.
2. يُظهر المزمور صورة الصليب بآلامه
وعاره.
يقول المرتل إن آباءه اتكلوا على الرب
[5-6]، أما حالته فميئوس منها، لأنه دودة لا إنسان.
"أما أنا فدودة لا
إنسان،
عار عند البشر ومحتقر الشعب" [6].
هذه هي كلمات السيد المسيح الذي صار
مهانًا ومُحتقر الشعب. صار في عيني الأعداء مرزولاً من الله، كدودة مدوسة
بالأقدام!
الكلمة العبرية المقابلة لـ
"دودة" تُستخدم للحشرة الصغيرة cocus التي يستخرج منها
الصبغة القرمزية اللون أو الأرجوانية، تنتج عن موت الحشرة. هذا اللون كان لازمًا
في خيمة الاجتماع. هكذا مات السيد المسيح حتى تصير خطايانا التي كالقرمز بيضاء
كالثلج.
v "وأما أنا فدودة" ... الآن لا
أتكلم كآدم، إنما أنا يسوع المسيح أتحدث باسمى الخاص. لقد وُلدت حاملاً الجسد
البشري دون زرع بشر، حتى بكوني إنسنًا أصير فوق البشر؛ بهذا أُخضع الكبرياء البشري
بامتثالهم لاتضاعي.
v لماذا "... لا إنسان"؟ لأنه هو
الله. لماذا وضع نفسه هكذا حتى قال إنه "دودة"؟ هل لأن الدودة تولد من
جسم دون اتصال جسدي، كما جاء السيد المسيح من العذراء مريم؟ ... فقد وُلد من جسد
لكن دون زرع بشري.
القديس أغسطينوس
استخدم العلامة ترتليان هذه الآية
في مناظرته ضد أتباع فالنتنيان. منكري ناسوت المسيح قائلاً: [إنهم ينكرون ناسوت
المسيح، هذا الذي أعلن عن نفسه أنه "دورة لا إنسان"، والذي قال عنه إشعياء
النبي أيضًا: "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه، محتقر
ومخذول من الناس، رجل أوجاع... وكمستَّرٍ عنه وجوهنا، محتقرٌ فلم نعتدَّ به"
(إش 53: 3)[451]].
يرى القديس باسيليوس الكبير في
كلمات المرتل داود "أنا دودة لا إنسان" دعوة للاتضاع، إذ يقول: [هل
احتقرك (إنسان) واستخف بك؟! أذكر أنك قد خُلقت من التراب (تك 3: 19)... إن دعاك
وضيعًا، حقيرًا، كلا شيء، قل في نفسك إنك تراب ورماد. فإنك لست أعظم من أبينا
إبراهيم الذي اعتاد أن يستخدم هذا الأسلوب مع نفسه (تك 18: 27). إن قال لك عدوك
إنك حقير وشحاذ وتافه، قل في نفسك مع داود: "أنا دودة" وُجدت في الحمأة[452]].
هكذا في اتضاع ندرك حقيقة ضعفنا، لكي
بالإيمان نتمتع بكرامة مسيحنا المتضع، ونُحسب بحق أولاد الله المكرمين حتى بين
السمائيين!.
v "عار عند البشر ومحقر
الشعب" [6]. اتضاعي جعلي موضع سخرية البشر، فيستطيعون القول باستخفاف
وبروح الإساءة: "أنت تلميذ ذاك" (يو 9: 28)، وهكذا يقودون الغوغاء إلى
احتقاره.
"كل الذين يرونني يسهزئون بي"
[7]. كنت أضحوكة كل من ينظر إليّ.
"يفغرون الشفاه ويُنغِضون الرأس"
[7]. صمتت قلوبهم، فنطقوا بشفاههم وحدها.
القديس أغسطينوس
"يفغرون الشفاه" إشارة إلى فتح الفم أو
الضحك... "يُنغِضون الرأس" علامة الاستهزاء بحركة الرأس. في
الحركتين استهزاء وسخرية (مت 27: 39؛ مر 15: 29). فقد حسبوه شريرًا، ومجدفًا على
الله، كاسر السبت، شرِّيب خمر، نبيًا كذابًا، عدوًا لقيصر، متحالفًا مع سلطان
الشياطين.
v يقول في المزمور: "لأنك أنت
جذبتني من البطن" [9]، مشيرًا إلى أنه وُلد بغير زرع بشر، بكونه
أُخذ من بطن العذراء وجسدها، لأن أسلوب الولادة (هنا) مختلف عن أسلوب أولئك الذين
يولدون عن طريق الزواج[453].
القديس كيرلس الأورشليمي
3. لقد تخلى عنه أصدقاؤه (لا مُعين)
[11]. إذ داس المعصرة وحده.
4. يظهر مقاوموه - في المزمور - بوضوح أكثر
من أى شيء آخر كعلة لآلامه [6، 7، 8، 12، 13، 16، 17، 18]. استخدم المرتل حديثًا
مَجازيًّا لوصف أعدائه: الثيران، الكلاب، الأسود، قادة اليهود الأشرار اضطهدوا
السيد المسيح كثيرانٍ وأسود متعجرفة بغيضة، وآخرون أقل منهم في المراكز شبههم
بالكلاب، الدنسة، الجشعة، لا يكفون عن الحط منه.
الشيطان نفسه، الأسد، هو العدو الحقيقي:
"خلصني من فم الأسد" [21]. هذا المقاوم الخطير الذي له
سلطان الموت قد تحطم بالموت (1 بط 5: 8؛ 2 تي 4: 17؛ عب 2: 14).
v أنا نفسي كنت فريسة الأسد، عندما أمسك بي
وقادني للموت، وهو يزأر: "أصلبه أصلبه" (يو 19: 6).
القديس أغسطينوس
v "أحاطت بي ثيران كثيرة، أقوياء
باشان اكتنفتني" [12]. هؤلاء هم الشعب وقادته؛ الشعب أو الثيران التي بلا
عدو؛ وقادتهم الثيران القوية.
القديس أغسطينوس
اكتنفته الثيران العنيفة التي من باشان،
حيث المراعي الخصبة شرقي عدن، المعروفة بسلالتها القوية وتربية الأغنام (تث 32:
14، عا 4: 1).
5. "وإلى تراب الموت تضعني"
[15]: الموت الذي اجتازه كان بحسب إرادة الآب، كعمل طاعة من جانبه.
6. يصف هذا المزمور موت السيد المسيح على
الصليب، هذه الوسيلة التي لم تكن متبعة قط عند اليهود، إنما ابتكرتها
الإمبراطورية الرومانية.
هنا يصور لنا هذا الموت الرهيب:
أ. يشير إلى الظلمة [2] التي غطت
الأرض عندما صُلب ربنا.
ب. "كالماء انسكبتُ" [14].
عندما طُعن جنب ربنا خرج من الجرح دم وماء.
ج. "انفصلت كل عظامي" [14].
عندما عُلق السيد المسيح على الصليب ارهقت العضلات وانفصلت المفاصل عن مكانها.
v لا توجد كلمات تصف تمدد جسد (المسيح) فوق
الشجرة أفضل من هذه: "أُحصى كل عظامي".
القديس أغسطينوس
يرى العلامة أوريجانوس أن هذه
العظام من الجانب الرمزي تشير إلى تلاميذ السيد المسيح وجماعة المؤمنين فقد
تبعثروا في ضعف في لحظات الصلب لكنه بالقيامة اجتمعوا كجسد واحد لم تنكسر منه عظمة
واحدة.
v "تبعثرت كل عظامي" [14].
بالرغم من أن عظام جسمه لم تتبعثر، ولم يُكسر منها واحدة. لكنه إذ تحققت القيامة،
قيامة جسد المسيح الكامل الحق، فإنه يجتمع معًا أعضاء جسد المسيح الذين يكونون في
ذلك الوقت عظامًا جافة، كل عظم من عظمه، فيلتصق الكل ويرتبط معًا (لأن من كان
عاجزًا عن الترابط معًا لن يبلغ الإنسان الكامل)، وهكذا يبلغون إلى قياس ملء قامة
المسيح. حينئذ يصير الأعضاء الكثيرون جسد واحد، مع كثرتهم يصير الكل أعضاء الجسد
الواحد[454].
العلامة أوريجانوس
يرى كثير من الآباء أن المؤمنين
الحقيقيين - عظام السيد المسيح - حتى إن ضعفوا في لحظات الضيق والاستشهاد لكن نعمة
الله تسندهم، ولا ينكسر واحد منهم.
عظام السيد المسيح هي إيماننا الداخلي به،
فإننا كثيرًا ما نئن عندما تشتد التجربة، صارخين في أعماقنا: "إلى متى يارب
تنساني؟!... إلى متى تحجب وجهك عني؟ إلى متى أردد هذه المشورات في نفسي وهذه
الأوجاع في قلبي؟" (مز 13: 1-2). كأن الله قد فارقنا أو إيماننا قد ضعف...
لكن سرعان ما يعمل الله فينا بنعمته لنكمل صرخات المرتل: "يبتهج قلبي
بخلاصك" (مز 13: 5)، معلنين أن عظامه فينا لا تنكسر وإن تبعثرت إلى حين!
د. "ثقبوا يديّ ورجلي" [16].
v بعدما سمعت النبوات الخاصة بموته، تسأل:
ماذا يُقال عن صليبه؟... "ثقبوا يدي ورجلي. أحصى كل عظامي" [16].
هذا عن موت يتحقق برفع الشخص وتعليقه على شجرة، لا يمكن أن يتحقق إلا بالصليب.
أيضًا ثقب اليدين والرجلين لا يتم بموتٍ آخر غير الصليب[455].
البابا أثناسيوس الرسولي
v "وهو مجروح لأجل معصينا" (إش
53: 5). ويقول المزمور "ثقبوا يديّ ورجلي"، لكي يشفي جراحاتنا بجرحه.
"مسحوق" أي "ضعيف"، "لأجل آثامنا" (إش 53: 5). لكي
يخلصنا من الإهانة باحتماله الإهانة[456].
القديس جيروم
هـ. "صار قلبي كالشمع. قد ذاب في
وسط أمعائي" [14].
v أحشاؤه ترمز إلى الضعفاء في الكنيسة. كيف
صار قلبه كالشمع؟؟ قلبه هو إنجيله، أو بالأكثر حكمته المذخرة في الكتب المقدسة.
الكتاب المقدس مغلق لا يفهمه أحد. عندما صلب ربنا ذاب الكتاب المقدس مثل الشمع،
فصار حتى الضعفاء قادرين على الدخول إلى معانيه. لذلك انشق حجاب الهيكل (مت 27:
15)، لأن ما كان محجوبًا صار ظاهرًا.
القديس أغسطينوس
"صار قلبي كالشمع"، ذاب
لكي تنطبع فيه صورة غضب الله ضد الخطية التي حملها السيد المسيح لننال الرضى. ذاب
قلبي فصرت كشخص ميت، نازعًا قساوة القلب واهبًا إياه لطفًا وليونة.
و. "ويبست مثل شقفة قوتي" [15].
ز. "ولصق لساني بحنكي" [15].
ح. "وهم ينظرون ويتفرسون فيّ"
[17].
ط. "ويقسِمون ثيابي بينهم وعلى
لباسي يقترعون" [18].
v لقد عرفنا أنه يتألم. عظامه قد أُحصيت،
أُستهِزئَ به، ثيابه قد قُسَّمت.
ألقوا قرعة على لباسه، أحاط به الرجال
وهم مملؤون غضبًا وعظامه تبعثرت. إننا نستمع إلى القصة ونقرأ عنها في الأنجيل.
القديس أغسطينوس
لقد عُرَّىَ؛ فإن عار العِرْى هو
ثمرة مباشرة للخطية، لهذا تجرد ربنا يسوع من ثيابه عندما صُلب لكي يكسونا بثوب
بره، ولكي يسترنا من عار عرينا.
"أنقِذْ من السيف نفسي"
[20]. إنه السيف الملتهب الذي للغضب المقدس، الذي يتحرك في كل اتجاه.
2. المسيح الممجد:
يتكون هذا القسم من أغنيتين للشكر
متكاملتين [22-26؛ 27-31]. في الأولى يمجد المرتل الرب ويدعو المساكين للمشاركة في
الوليمة الذبيحية (ذبيحة التسبيح)، بينما في الثانية يتنبأ عن إقامة المملكة
المسيَّانية. إنهما تُظهران حياة المرتل الممتدة، إذ صارت مرثاته صلاة شكر وسط
الجماعة العظيمة من "المساكين". إنهما تُعلنان قوة قيامة المسيح ومجدها
وبهجتها: فقد تحطم سلطان الظلمة [1-21]. وجاء العيد، وانتشر الفرح وتحققت المملكة
اللانهائية.
كما أن الكلمات الأولى للمرثاة [1].
استخدمها السيد المسيح على الصليب. هكذا نُسبت الكلمة الأولى لأغنية النصرة إلى
السيد بوضوح (عب 2: 12).
في هذا القسم يشير المرتل إلى الشبع
والنصرة الذين يهبهما المخلص في آلامه، بإعلانه عن حضرته وسط كنيسته المملؤة فرحًا
وشبعًا:
1. أُُقيمت الكنيسة بإعلان "اسم
الله" [22]. قال مخلصنا في صلاته الوداعية: "وعرَّفتهم اسمك
وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو 17: 26). لقد
تعرفنا عليه خلال حبه الإلهي على الصليب.
عمل الكنيسة في كل عبادتها التمتع
بالمعرفة الإلهية ومنحها للمؤمنين. فالمعمودية مثلاً تُدعى "سرّ
الاستنارة"، وفي الأفخارستيا ننال معرفة عملية جديدة[457].
2. المدعون (للعضوية في كنيسة المسيح)
يدخلون في علاقة قرب شديدة للسيد المسيح، فيُحسبون "إخوته".
"أُخبْر باسمك إخوتي،
في وسط الجماعة أسبحك" [22].
بينما رأيناه على الصليب وحيدًا، لا نراه
هكذا بعد، بل يظهر وسط إخوته. في يوم قيامته قدم الرسالة المفرحة: "اذهبي إلى
إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو 20: 17). نسمعه
يخاطب تلاميذه كإخوته وذلك في يوم قيامته المجيدة بعدما اجتاز آلامه. فإننا إذ
نتقدس بعمله الخلاصي (آلام الصليب)، ليس فقط لا يخجل بل يُسر جدًا أن يدعوهم هكذا
"إخوته" (عب 2: 12).
v إننا أقرباء الرب حسب الجسد، لذا يقول:
"أخبر باسمك إخوتي" (عب 2: 12؛ مز 22: 22). وكما أن الأغصان واحدة مع
الكرمة (الأصل) وهي منها (يو 15: 1) هكذا نحن أيضًا جسد واحد متجانس مع جسد الرب،
ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا (يو 1: 16)، ولنا هذا الجسد كأصل لقيامتنا وخلاصنا[458].
القديس أثناسيوس الرسولي
3. هذه الكنيسة هي جماعة فرح وشكر
وتسبيح. نترنم للآب، بصوت المسيح نفسه الساكن في قلوبنا، هذا الذي يمنحنا حياة
شاكرة مسبَّحة. يقول: "في وسط الجماعة أُسّبِحُك" [22].
السيد المسيح هو موضع سرور الآب، يُسَرُّ الآب بسماع صوته خلال كنيسته.
v بفرح أعلن مجدك في أركان كنيستي.
القديس أغسطينوس
4. الكنيسة هي جماعة حب، لأن أعضاءها هم
إخوة السيد المسيح. وهي في ذات الوقت جماعة "خائفي الرب" [23]، فإن كان
السيد المسيح يدعونا أحباءه إلا أننا نحن نحسب أنفسنا عبيدًا له.
الحب ومخافة الرب هنا متكاملان في حياة المؤمنين.
بهما يُعد المؤمنين زرع يعقوب وإسرائيل، وعليه تحل بركة إبراهيم [23].
5. هؤلاء الإخوة الذين ينالون الحب مع
مخافة الرب المقدسين يلزمهم أن ينضموا في الجماعة العظيمة [25]، الكنيسة الجامعة.
فالكنيسة كمملكة الله يليق بها أن تمتد إلى كل أركان الأرض [27-28].
تنبأ عن خلاص الأمم قائلاً: "تَذكُر
وترجِعُ إلى الرب كل أقاصي الأرض" [27]، يأتى العالم ليعبد الرب.
"الجماعية" كموضوع هذا المزمور
موحاه من (مز 18: 44) في اختصار، ومن مزمور 87 بأكثر توسع[459].
v ستتعبد له كل أجناس المسكونة داخل
قلوبهم، "لأن للرب المُلْك، وهو المتسلط على الأمم" [28].
المملكة هي للرب لا للإنسان المتكبر، وهو يتسلط على الأمم.
القديس أغسطينوس
الخلاص الشخصي: الخلاص مقدم للعالم كله،
يتمتع به كل عضو في الكنيسة بكونه خلاصه الشخصي. لذا يقول المرتل "ليت
نفسي تحيا به" [29].
v إن نفسي التي تستهين بهذا العالم يبدو
كميت في نظر الإنسان، تنسى ذاتها لتعيش في (المسيح).
القديس أغسطينوس
6. كنيسة مملؤة شعبًا وفرحًا: افتقر
السيد المسيح - رأس الكنيسة - وصار مسكينا لأجلنا، لكي يمنحنا غناه وسلامه. "يأكل
الودعاءُ ويَشبعون" [26].
يصير المساكين بالروح أغنياء بالبركات
الروحية، ويشبع الجياع بالخيرات، لأن السيد المسيح نفسه هو شبعهم!
يرى القديس أكليمندس الإسكندري في
العبارة: "تحيا قلوبكم إلى الأبد" [26] أن سرّ الشبع
والحياة هي المعرفة الروحية التي وُهبت لنا بالسيد المسيح.
v الذين يطلبونه بالحق مسبحين الرب يمتلئون
معرفة، وتحيا نفوسهم، فإن يُقال عن النفس "قلبًا" من قبيل الرمز، هذا
الذي يدبر الحياة[460].
القديس أكليمندس الإسكندرى
7. كنيسة مقدسة، تعلن صلاح المسيح في
حياته [31].
8. يليق بالكنيسة أن تستمر حتى النهاية،
عبر الأجيال. "تحيا قلوبُكُم إلى الأبد" [26]. لأننا في
المسيح يسوع المُقام لن نعرف الموت قط إنما نعيش فيه أبديًا، نشاركه أمجاده.
عندما نترنّم بهذا المزمور نتأمل في آلام
السيد المسيح وقيامته، نشاركه صلبه ونبلغ قوة قيامته ومجدها، كمصدر نصرتنا على
الموت وتمتعنا بالمجد السماوي.
[442] Collegeville Bible Commentary, p. 759.
[443] A New Catholic Commentary, 1969, p. 449.
[444] Weiser: The Psalms. 1962, p. 219.
[445] Leopold Sabourin: The Psalms, 1971, v. 2, p. 19.
[446] Stuhlmueller, p. 146.
[447] Gaebelein, p. 103.
[448] The Fourth Theological Oration, 5.
[449] Of the Christian Faith, 2: 7: 56.
[450] In Matt. Hom. 88.
[451] On the Flesh of Christ. 15.
[452] Against Anger.
[453] Catech, Lect. 12: 25.
[454] Comm.. on John, book 10: 20.
[455] De Incarnatione Verbi Dei, 35.
[456] Comm.. on Ysa., hom. 14: 53: 5.
[457] See our book "Christ in the Eucharist", Alex., 1986, p. 8-14.
[458] De Sententia Dionysii, 10.
[459] A New Catholic Comm. P. 450.
[460] Stromata 5:1.