في
يديك استودع
روحي
في
مقال للقديس
أغسطينوس عن
المزمور 31 كتب:
[إن كان
المزمور
يُصلي صلوا أنتم؛
وإن كان يحزن
احزنوا؛ وإن
كان سعيدًا افرحوا؛
وإن كان يترجى
فليكن لكم
رجاء؛ إن كان
يخاف خافوا!
لأن كل ما هو
مكتوب هنا
إنما هو مرآة
نرى فيها
نفوسنا[593]].
مناسبته:
المزمور
هو صلاة مرثاة
بسيطة مع شكر
لإنسان يئن من
مرض لسنوات
طويلة [9]،
يضطهده أعداء
متشامخون [21]،
يطلب الحماية
في الله من
مواجهة تهديد
موت عنيف [5، 13] [594].
حدد
البعض مناسبة
هذا المزمور
أنها تمرد أبشالوم؛
وظن آخرون
أنها هروب
داود إلى
قعيلة المسجل
في (1 صم 23: 1-12)؛ أو
أثناء اضطهاد
شاول المرير له
بعد هروبه إلى
قعيلة حيث كان
في برية معون (1
صم 23: 13-26)؛ وقد
عانى داود من
التعب
والأحزان [9]،
ومن الضعف [10]؛ والتوبيخ
[11]، والشعور
بالعزلة [12]،
والخوف المروّع
والخطر [13]. لقد
آمن أنه في كل
ظروف التعب،
الله هو
ملجأه.
في
الواقع يمثل
هذا المزمور
الصراع
الدائم الذي
يُعاني منه
المؤمنون أو
الكنيسة ككل
في ظل هذا
العالم
الحاضر،
والخلاص والنصرة
اللذين
يتبعان هذا
الصراع على
وجه اليقين[595].
إن كان
داود قد صرخ
إلى الرب في
ضيقته بسبب اتفاق
أهل قعيلة مع
شاول على
تسليمه،
قائلاً: "في
يديك استودع
روحي"؛ فإن
هذه هي صرخة
ابن داود الذي
إذ حمل خطايا
العالم كله
على كتفيه،
سلمته لعار
الصليب (لو 23: 46)،
الذي يتبعه مجد
القيامة. إنها
صرخة كل تقي
في كل جيل حين
يحدق به الضيق
من كل جانب،
فيحوّل الله
صرخته المرة
إلى ترنم
وتسبيح!
طبيعة
آلام المرتل
العامة - خاصة
في الأعداد [1-8]،
تجعل من هذا
المزمور
صوتًا لكثير
من المتعبدين عبر
القرون[596].
يزعم
البعض أن
إرميا هو كاتب
المزمور
بالرغم من
العنوان
القديم له
يخبرنا أنه
لداود. أما سبب
ذلك فهو أن
أجزاءً كثيرة
من المزمور
تتفق مع خبرات
إرميا النبي
(قارن آية 4 مع
إر 17: 18؛ 10 مع مراثي
1: 20؛ 11 مع إر 20: 8، 18 مع
إر 17: 18؛ 23 مع مراث 3:
64). هذا وتعبير
أن الخوف حوله
[13] قد تكرر ست
مرات في
كتابات إرميا
النبي. على أي
الأحوال فإن
داود وإرميا
كانا قديسين،
وتألما
آلامًا
مبرحة؛
وكلاهما وثقا
في الله على
ذات المستوى،
فكانت لهما
ذات الخبرة،
مما قادهما
إلى استخدام
تعبيرات
مشابهة.
العنوان:
"حتى
النهاية،
مزمور لداود
في حالة دهش".
سبق أن
تحدثنا عن
تعبير: "حتى
النهاية"
كعلامة عن
السيد المسيح
بكونه نهاية
وكمال الناموس
والأنبياء.
يرى القديس
أغسطينوس أن
كلمة "دهش" هنا
تعني "نشوة
تتحقق خلال
استعلان
إلهي"، إذ
يقول:
[هكذا
كان دهش
القديسين
الذين أعلن
لهم الله عن
أمور خفية
تتعدى أمور
هذا العالم.
هذه هي النشوة
الفعلية أو
الدهش الذي
وصفه بولس في
حديثه عن
نفسه: "لأننا
إن صرنا
مختّلين (في
دهش عقلي)
فالله، وإن
كنا عاقلين
فلكم" (2 كو 5: 13-14)...
فأن (الله)
دائمًا يرى ما
نراه نحن، فقط
عندما تكون
النفس في دهش؛
إنه وحده يكشف
لنا أسراره].
الإطار
العام:
1. الله
ملجأي
[1-8].
2. طلب
الخلاص
[9-18].
3.
الحياة غالبة
الآلام
[19-22].
4. تسبحة
ليتورجية
تعليمية [23-24].
1.
الله ملجأي:
"عليك
يارب توكلت
(وترجيت)
فلا
تحزني إلى
الأبد.
بعد
ذلك (ببرِّك)
نجني
وانقذني" [1]
في
النص العبري:
"فيك يارب
أترجى
وأتكل"، وقد جاء
الفعل
"أترجى" في
زمن
الديمومة، أي
أن الفعل
مستمر حتى
الآن. وعلى
الرغم من أننا
لا نركز
أنظارنا على
حادثة معينة
في حياة داود
تخص هذا
القول، إلا
أنه من الواضح
أن المزمور
يتعلق بخطر
معين أحدق
بداود، وربما
يتعلق بعدة
مخاطر حلت به[597].
في
القسم
الافتتاحي
للمزمور، يضع
المرتل ثقته
في عدل الله
أو بره، بمعنى
أن الرب عادل
في تحقيق
مواعيده
الخاصة
بغفران
الخطايا وحماية
مؤمنيه، لن
يتنكر لها.
إنه عادل، لن
يتخلى عمن وضع
كل اتكاله
عليه وثقته
فيه.
يتكل
المرتل على
برّ الله؛
البر
بالتأكيد هو فوق
الأمانة، لكن
بدون الأمانة
لا يوجد برّ. البّر
هنا هو برّ
الله لا برّ
داود.
إننا
نجد ملجأنا في
الله، لأنه
(المكان) الخفي
الذي إليه
نهرب من
الخطية
بكونها عدو
لنا، فننال
برّه، هو صخرة
صلدة، بيت
للدفاع، قلعة
حصينة ومأوى
أكيد. بهذا لن
تهزنا
التجارب ولا
نفقد سلامنا
الداخلي.
v الإنسان
الذي يكرّس
نفسه لله مرة
وعلى الدوام،
يعبر الحياة
بعقل مستريح[598].
القديس
مار إسحق السرياني
1.
المسيح برنا
وقداستنا (1 كو 1:
30).
نصرخ
مع المرتل:
"على الرب
توكلت" ليس
فقط وسط متاعب
هذه الحياة،
وإنما وسط
معركتنا ضد
الخطية، فهو
وحده ملجأ لنا
من الخطية،
ليس فقط يغفر
لنا خطايانا،
أو يحمينا
منها، وإنما
يهبنا حياته عاملة
فينا، فنحمل
برَّه
وقداسته بفضل
عمل روحه
القدوس فينا.
"إن كان أحد في
المسيح فهو خليقة
جديدة؛
الأشياء
العتيقة قد
مضت؛ هوذا الكل
قد صار
جديدًا" (2 كو 5: 17).
v أول كل
شيء - كما نعرف -
هو الله، بدء
كل عمل صالح وفي
وسطه ونهايته[599].
القديس
مرقس الناسك
2.
المسيح هو
صديقنا
المقرَّب.
يقول القديس
أغسطينوس:
[إنه هو أُذن
الآب الذي
يميل إليّ أنا
شخصيًا ليصغي
إليّ بتجسده
وصلبه. أية
رحمة أعظم من
أن يعطينا
ابنه الوحيد
الجنس، لا
ليعيش بيننا فحسب،
وإنما ليموت
لأجلنا؟!
"أمِل إليّ أذنك"[2]].
إمالة
الأذن تعني
الاستعداد
لسماع حتى
الهمسة. يسمع
الآب تنهدات
القلب الخفية
ويستجيب بكلمته
المتجسد
المبذول على
الصليب.
لقد ظن
الفلاسفة أن
الله خلق
الكون وحركه،
تركه يتحرك
طبيعيًا خلال
قوانين
الطبيعة، ليبقى
في سمواته
معزولاً عن خليقته.
أما المرتل
فيرى الله
يميل بأذنه
إلى قلب كل
إنسان ينصت
إليه ويستجيب
بالحب العملي.
إنه لن يتأخر
لحظة عن
الإنصات إلى
أنَّات كل
مسكين.
3.
المسيح،
إلهي، هو
حمايتي وبيت
ملجأي [2]، لذا يسأل
المرتل إلهه
أن يخلصه
سريعًا،
قائلاً:
"أمل
إليّ سمعك،
واسرع إلى خلاصي
كن لي
إلهًا
وعاضدًا
وبيِت ملجأ
لتخلصني" [2].
قبل أن
يطلب المرتل
الخلاص من
الضيق يعلن
اعتزازه
بالله بكونه
إلهه، وكأنه
خاص به.
انتساب الله
إليه وهو إلى
الله هو كل
شيء بالنسبة
له، وهو سرّ
خلاصه.
شعر
المرتل كأن
فخًا قد نصبه
له الصياد
مخفيًا وسط
الأحراش، وها
هو ينتظر
مصيره، لكنه
يجد الله إلهه
هو ملجأ له،
يفتح له مقدسه
ليحميه من
مضطهديه[600].
يرى مار
اسحق
السرياني أن
المؤمن لا
ينتظر وقت
التجربة
ليلجأ إلى الله،
بل يطلب الله
أولاً، فيكون
ملجأه متى حلت
ضيقة.
v قبل أن
تبدأ الحرب
ابحث عن حليف؛
قبل
السقوط في مرض
ليكن لك
طبيبك؛
قبل
أن تحل عليك
الأمور
المحزنة
صِلّ، ففي وقت
أحزانك تجده
وهو يسمع لك[601].
مار
اسحق
السرياني
v كن يا
الله حمايتي
"وبيت ملجأ
لتخلصني"،
كمقدس أكيد
أطير إليه
لأجد سلامه.
v أنت هو
بيت ملجأي،
إليك أركض.
فإنني أين
أهرب منك؟
هل
الله غاضب
عليك؟ أين
تختفي منه؟...
لكي تهرب من
الله، أسرع
إلى ربك! في
الحقيقة لا
توجد بقعة
تهرب إليها من
الله. ففي
عيني القدير،
كل شيء مكشوف
وعريان، لذا
يقول المرتل:
"كن بيت ملجأ
لي".
اجعلني
معافًا فأطير
حولك؛ فإنك ما
لم تجعلني
معافًا لا
أقوى حتى على
المشي، فكيف
أقدر على
الطيران؟!
القديس
أغسطينوس
4.
المسيح قوتي:
"لأنك
أنت هو قوتي
وملجأي.
فمن
أجل اسمك
تهديني
وتعولني" [3].
يعلن
المرتل
المتألم
للمرة
الثانية عن ثقته
الكاملة في
الله بالنسبة
له شخصيًا، إذ
يكرر المرتل
ياء الملكية:
"قوتي،
ملجأي".
v أنت
قوتي في
احتمال
مضطهديّ،
وملجأي الذي
إليه أهرب
منهم.
القديس
أغسطينوس
v الإيمان
الثابت برج
حصين،
فبالنسبة
للمؤمن المسيح
هوكل شيء[602].
مار
اسحق
السرياني
إنه
ملجأي، فيه
أجد راحتي
وأماني، لكن
هذا لا يعني
أنه ليس لي
دور إيجابي في
حياتي، إذ
يقدم نفسه لي
"قوتي" لكي
أجاهد وأعمل
معه وبه.
5.
المسيح قائدي
وراعيَّ
(يقوتني):
"فمن
أجل اسمك
تهديني
وتعولني" [3]
v قائدكم
نفسه الذي
ارتضى أن يُجرب
لأجلكم، قد
وضع نفسه
أمامكم
مثالاً
بسلوكه الشخصي.
v هو
يعولني
لأتقوى
فأتناول طعام
الملائكة، هنا
على الأرض؛
ذاك الذي
وعدنا
بالطعام
السماوي
يقوتنا
باللبن
متشبهًا
بالأم
الرؤوم، لأنه
هكذا تُرضع
الأم طفلها
وتنقل من
جسمها الطعام
الذي يُناسب
الرضيع.
القديس
أغسطينوس
إذ
أحاط به العدو
وسقط المرتل
في ضيقات
كثيرة، لم يجد
في إلهه
المخلص له من
الضيقات
فحسب، وإنما
القائد
الغالب
لحسابه
والراعي
المتحنن على
رعيته. أنه
يعولنا كخالق
مهتم باحتياجات
أجسادنا
ونفوسنا
وأرواحنا
وعقولنا الخ...
إن جعت
تجده طعامك
السماوي؛
وإن
تعريت يغطيك
بدمه فيسترك
أبديًا؛
وإن
أحاط بك
الأعداء قاد
المعركة
الروحية بنفسه،
وإن
تُهتَ قدم
نفسه الطريق
والحق،
وإن
مُت فهو
قيامتك.
لن
يشعرك بحرمان
قط؛ هو الطبيب
والعريس والصديق
والباب
والحياة
والفرح
والغنى الخ...
6.
المسيح
يخلصنا من
الفخاخ
السرية التي
ينصبها الأعداء
لنا.
"تخرجني
من هذا الفخ
الذي أخفوه
لي،
لأنك
أنت ناصري" [4].
كان
أعداء داود
النبي
أقوياء،
وعنفاء، وماكرين؛
إذ عجزوا عن
تحطيمه
بالعنف
استخدموا الخداع
والمكر
لاصطياده كما
في فخ. لقد شبه
نفسه مرات
كثيرة كعصفور
في فح، لكن
الله يكسر
الفخ ليُنجيه.
ما دام
الله يهبنا
روحه القدوس
عاملاً فينا فلنطِر
كما إلى
السماء
عينها، فلا
يقدر عدو الخير
أن يصطادنا
بفخاخه
المخفية على
الأرض. لنرتفع
بروحه إلى
الحياة
العلوية فلا
يحطمنا العالم
بأشراكه!
v رأسنا
فوق، وهو حرّ.
لنلتصق به
بالحب، حتى
نتحد معه
بالأكثر فيما
بعد بالخلود.
لنعلن جميعًا:
"تخرجني من
هذا الفخ الذي
أخفوه لي،
لأنك أنت
حمايتي".
القديس
أغسطينوس
7.
المسيح حافظ
روحي:
"في
يديك استودع
روحي.
لقد
فديتني يارب
إله الحق" [5].
هذه
الكلمات
الأخيرة التي
نطق بها
المخلص عند
موته بالجسد
(لو 23: 46)، تخص كل
مؤمن. إنها معين
قوي وسند له
في ساعة موته.
ثقة
المرتل
البسيطة
وبرهانه هذا
عليها، التي
بها يستودع
حياته كلها
بين يديْ
إلهه، تشبه ما
ينطق به إنسان
يتنفس
الصعداء
عندما يبلغ حماية
حصون قلعة بعد
معركة حامية
ويشعر بأنه قد
زال عنه الخطر[603]. لقد نطق
بها القديس
اسطفانوس (أع 7:
58)، وهو يُرجم،
فقد شعر
بالأمان
عندما رأى
السموات
مفتوحة وابن
الإنسان قائم
عن يمين
العظمة، كمن
يُرحب به
ويدخل به إلى
الفردوس. لم
يرتبك أمام الحجارة
التي تنهال
عليه، ولا خشى
الراجمين، بل
تحنن عليهم
وطلب لأجل
غفران خطاياهم،
لعلهم
يتمتعون بما
يناله هو.
كما
استودع
المرتل روحه
وحياته بين
يدي الله،
هكذا يرى
المؤمن وسط
آلامه، أن
إنسانه الخارجي
يُفني بينما
الداخلي -
الذي يحتضنه
الرب بنفسه -
يتجدد يومًا
فيومًا (2 كو 4: 16).
أخيرًا،
فأن المرتل لا
يكتفي
بالجانب
السلبي أن
يخرجه من
الفخاخ
الخفية
المنصوبة له،
لكنه في عوز
إلى الدخول في
الأحضان
الإلهية، ليعيش
مطمئنًا
ومتهللاً!
هناك في
الأحضان
الأبوية ندرك
مفهوم الفداء
لا كخلاص من
الخطة (العدو)
فحسب وإنما
متعة بالله
نفسه، الأمر
الذي لن يتحقق
بمجهود ذاي أو
بشرى إنما هو
عمل الله في
المؤمنين
المجاهدين
قانونيًا،
بالروح والحق.
لذا يقول
المرتل:
"لقد
فديتني يارب
إله الحق.
أبغضت
الذين يحفظون
الباطن
مجانًا.
وأنا
عليك يارب
توكلت" [6].
8.
المسيح مصدر
فرحي وبهجتي:
"أتهلل
وأفرح برحمتك.
لأنك
نظرت إلى
تواضعي،
وخلَّصتَ
من الشدائد
نفسي" [7].
ثمر
الخلاص من
الأعداء
(الخطايا)
والدخول إلى الحضرة
الإلهية هو
الفرح
الداخلي
والسلام الحقيقي،
حيث تلهج
النفس بحب
الله الذي
رفعها من
المذلة
وأنقذها من
الشدائد. لقد
أدرك المرتل
وسط آلامه
معاملات الله
السابقة معه،
فتأكد من صدق
مواعيده،
وشعر أنه وإن
سمح له الله بالشدائد
لكنه دائم
النظر إليه.
إنه يبصره ويزن
شدائده، ويضع
لها حدودًا،
إذ يعرف
بحكمته السماوية
وأبوته
إمكانية
احتمالنا،
وما هو لنفعنا.
يشبه
الفخَّاري
الذي لا تفارق
عيناه الآنية
التي في
النار، ويعرف
درجة الحرارة
المناسبة لكل
إناء، والمدة
التي يبقى
فيها داخل
الفرن.
أبّوة
الله ورعايته
الدائمة
وتخطيطاته هي
سرّ فرحنا!
v الفرح
في الله أقوى
من الحياة
الحاضرة؛ من
يجده ليس فقط
لا يدقق في
فحص الآلام،
بل ولا حتى يفكر
في حياته، ولا
يرتبك بشيء
قط، ذلك إن
تأهل بحق لهذا
الفرح[604].
مار
اسحق
السرياني
ولقد
أدرك المرتل
أن هذا الفرح
النابع عن الثقة
في الله
والتمتع
بخلاص النفس
من الأعداء الحقيقيين
- أرواح الشر
في السمويات
والخطايا - هو
عطية توهب
خلال
الاتضاع، إذ
يقول: "لأنك
نظرت إلى
تواضعي".
v بأمر
واحد فقط
يمكنك أن
تهزمهم (أي
الشياطين)،
بالاتضاع. ما
أن تقتنيه حتى
تنحل كل قوتهم[605].
v كنز
الاتضاع
داخلك، هذا هو
الرب (نفسه)
[606].
مار
اسحق
السرياني
9.
المسيح مصدر
التحرّر حتى
من الموت.
"لم
تحبسني في
أيدي العدو
أقمت
في السعة
رجليَّ" [8].
إن كان
داود النبي قد
فلت من يديْ
شاول عندما تآمر
أهل قعيلة
عليه، فقد
أدرك في هذا
عربونًا
لنعمة الحرية
التي ينالها
المؤمن من
الله مخلصه،
الذي به نفلت
من يديْ إبليس
ونهرب من جحيمه،
لندخل إلى سعة
الفردوس
ورحبه. إنه
يفك قيود
المقطره
لتجري أقدامنا
في طريق الله
الملوكي
بخطوات
سريعة، فلا
يلحق بنا
العدو مرة
أخرى.
إن كان
طريق الخلاص
ضيق، لكن ما
أن نمد أرجلنا
فيه حتى نجده
متسعًا
ورحبًا، على
خلاف طريق الشر
يبدأ
بالاتساع
لكنه متى دخله
إنسان أغلق عليه
ونُزع عنه
سلامه
الداخلي
وحُطمت حياته!
نير المسيح حلو
وعذب، أما فرح
العالم فمرُّ
وقاتل!
اختبر
المرتل وسط
آلامه
"السعة"، سعة
طريق الرب
وسعة قلب
المؤمن. فإنه
إذ يلمس عمل
الله وحبه وسط
الضيقات يتسع
قلبه
للمتألمين
والمجروحين
والمحتاجين،
بل وحتى
لمضايقيه.
الآلام التي تحطم
غير المؤمن
فتزيده
أحيانًا
كفرًا ومرارة،
تهب المؤمن
الحقيقي خبرة
الحب للغير
واتساع
القلب، إن
أمكن للعالم
كله... فيصير
المؤمن
كمخلصه الذي
بسط ذراعيه
وسط آلام
الصليب ليحتضن
العالم كله
بحبه الإلهي!
هذه هي الحرية
التي
يهبها المخلص
لمشاركيه في
الآلام، حرية الحب
للغير ولله
دون حوف حتى
من الموت!
v "لم
تحبسني في
أيدي العدو" [8]...
إننا نتوق أن
نبلغ ملكوت
الله لكن ليس
بالموت؛ لكنه
بالضرورة
يخبرك: عليك
أن ترحل في
هذا الطريق.
هل تتردد أيها
الإنسان
المائت في أن
تسلك هذا
الطريق الذي
سلكه الله
لأجلك؟
كلنا
مدعوون للموت،
فإن متنا ميتة
صالحة نتحرر
من يديه. لكن من
يموت ميتة
شريرة (أي
يموت في شره)،
في خطاياه،
يُحبس في يديْ
الموت، لينال
في اليوم الأخير
لعنة إلى
الأبد. الله
ربنا يحررنا
من يديْ عدونا
الذي يحبسنا
خلال شهواتنا
(رو 8: 1-13). لكن إذا
ما كانت
شهواتنا قوية
ومنضبطة تصير
لازمة
وضرورية؛
وحينما
تحررنا قوة الله
حتى من
الضروريات
ماذا يمكن
للعدو أن يحبس
فينا؟
v "أقمت
في السعة
رجليَّ" [8].
الطريق دون شك
ضيّق (مت 7: 14)
بالنسبة
للعامل، أما
بالنسبة
للمحب فهو
متسع. الطريق
نفسه الضيق يصير
رحبًا!
v "أقمت
في السعة
رجليَّ". إن
قيامة ربي
التي أنا
متيقّن منها،
ووعده لي (بالقيامة)
يحرر حبي من
قيود الخوف،
لهذا يتقدم
حبي أكثر
فأكثر إلى
السعة في
أبعاد الحرية.
القديس
أغسطينوس
2.
طلب الخلاص:
يستهل
المرتل هذا
القسم
بالتضرع
المعهود أن ينعم
عليه الرب
بالرحمة.
بينما يصف
القسم السابق
مراحم الله في
الماضي،
يتحدث هذا
القسم عن
امتدادها
والحاجة
إليها في
الحاضر.
يُعزي
المؤمنون
المتاعب التي
تحل بأجسادهم ونفوسهم
إلى خطاياهم،
لهذا يضرعون
إلى الله غافر
الخطايا.
"ارحمني
يارب فإني
حزين.
تكدّرت
بالغضب عيناي
ونفسي وبطني"
[9].
تُلائم
هذه الكلمات
خبرة القديسين
المتألمين في
كلا العهدين،
إذ يعترف الكل
بضعفاتهم،
وبالتالي
حاجتهم إلى
مراحم الله.
الخط الواضح
في حياة جميع
القديسين هو الصراحة،
خاصة مع الله،
إذ هنا يعلن
الرسول عن
نفسه أنه
حزين، يحتاج
إلى عون إلهي.
يصرخ
المرتل
طالبًا
الرحمة،
مستنجدًا
بالله من
خطاياه، خاصة
الغضب، فإن
العدو بكل
طاقاته لا
يقدر أن
يُحطمه أما
غضبه على
الغير فيُحطم
بصيرته الداخلية
(عينيه) ونفسه
حتى بطنه أي
جسده.
v لأنه
طالما يبقى
ذلك الغضب في
قلوبنا،
ويعمي بظلمته
المضرة عين
النفس، لن
نقدر أن نقتني
حكمًا عادلاً
أو تمييزًا
ولا نحظى
بالبصيرة التي
تنبع عن نظرة
مخلصة، أو عن
نضج المشورة، كما
لا نستطيع أن
نتمتع بشركة
الحياة أو
نستعيد البر،
أو حتى تتوفر
لنا القدرة
على التمتع بالنور
الحقيقي
الروحي، لذا
يقول: "تكدرت
بالغضب
عيناي". هكذا
لا نقدر أن
نشترك في الحكمة
حتى ولو
حُسبنا
بالإجماع
أننا حكماء،
لأن "الغضب
يستقر في حضن
الجهلاء"[607].
القديس
يوحنا كاسيان
يحدثنا
القديس
يوحنا الذهبي
الفم[608] عن
بركة "الغضب"
إن وجه في
طريق الحق،
إذا ما غضبنا
على خطايانا
وألقينا
باللوم على
أنفسنا لا على
الغير. ويشبهه
بالسيف الذي
يجب حفظه لاستخدامه
بطريق لائق[609].
لقد
دخل المرتل في
متاعب كثيرة
من الأعداء الخارجيين
ومن ضعفاته
حتى تمررت كل
حياته، لكن حضرة
الله والثقة
فيه والتمسك
بمواعيده،
هذه جميعها
تحوّل حياته
من المرارة
إلى العذوبة.
لقد
صوّر لنا
المرتل الحزن
الشديد الذي
يلاحقه، هكذا:
أ. لحق
الضرر
ببصيرته
ونفسه وجسده
[9]، أي بكيانه
كله... فالحاجة
ملحة إلى تدخل
الخالق نفسه
كمخلص له.
ب. كادت
حياته أن تفنى
بوجع القلب
وسنيه بالتنهدات
[10]: عُرف داود من
صباه بالشخص
الشجاع الذي
لا يهاب
الموت؛ قاتَل
أسدًا ودبًا،
وحارب جليات
الجبار... وفي
هذا كله لم
يفارقه مزماره،
ولم تنزع عنه
بهجة قلبه.
لكنه في لحظات
يشعر كأن
حياته كلها
آلام قلبية
خفية، لم يقتنِ
من سنيه إلا
التنهدات
العميقة.
غالبًا
ما ينسى
الإنسان - وقت
محنته -
الأيام الهادئة
المفرحة، حتى
ليحسب عمره
سلسلة لا
تنقطع من
الأوجاع... لكن
داود النبي
حوّل حتى هذه
المشاعر
المُرّة إلى
مزامير فيها
تمتزج المراثي
بالتسابيح،
والتضرعات
بالشكر،
والصراخ بالتهليل.
ج.
اهتزت قوته
وأصاب
الانحلال
هيكله
العظمي،
وكأنه لم يعد
بعد فيه رجاء
حسب الفكر
البشري، إذ
يقول: "ضعفت
بالمسكنة
قوتي،
واضطربت
عظامي" كأنه
يقول: صرت
مسكينًا
يستحق حالي
الرثاء إذ زالت
عني كل قوة
للحركة، وصار
حالي لا علاج
له لأنه هزَّ
كل كيان
عظامي.
د. صار
المرتل عارًا
وخزيًا في
أعين جميع أعدائه؛
وفزع
الأقرباء
والأصدقاء من
رؤيته... حسبه
الكل كميت
فهربوا منه،
متطلعين إليه
أن لا موضع له
بينهم، وإنما
يلزم دفنه
خارج المحلة.
صار في أعينهم
كإناء خزفي
مكسور يُلقى
خارجًا بغير
ترفق أو
عناية... بهذا
صار يُعاني من
الشعور
بالعزلة أو
الوحدة.
"صرتُ
عارًا بين
جميع أعدائي،
ولجيراني
جدًا،
الذين
كانوا
يبصرونني
هربوا عني
خارجًا" [11].
هرب
الكل منه، إذ
تطلع إليه
الأعداء في
ضيقته وحسبوه
إنسانًا
رديئًا، حلَّ
عليه غضب الله؛
فصار بؤسه
مادة غناء لهم
وعلّة سرورهم
وسخريتهم! أما
حدث هذا مع
السيد المسيح
نفسه الذي أسلموه
للمحاكمة
ظلمًا،
وكانوا
يستهزئون به
ويسخرون منه،
ويبصقون على
وجهه؟! يقول
عنه النبي: "مُحتقر
ومخذول من
الناس...
مُحتقر فلم
نعتد به" (إش 53: 3).
أما ما
هو أكثر قسوة،
فهو أن
الأصدقاء قد
خشوا
الالتصاق
بداود حتى لا
يُحسبون معه
خونة لشاول
الملك
ولبلده،
ولئلا يكون
مصيرهم كمصير
أخيمالك
الكاهن وأهل
بيته لقبوله
داود ورجاله
وتقديم
المساعدة لهم
دون علمهم
بموقف شاول
منه. الذين
كانوا
يُبجلون داود
وهو في قصر
الملك صاروا
غرباء عنه.
ألم
يتحقق هذا كله
بصورة أكثر
ألمًا مع
السيد المسيح،
حيث أنكره
بطرس الرسول
ثلاث مرات، وخانه
يهوذا، وتركه
التلاميذ
وهربوا... وبقى
على الصليب
يجتاز
المعصرة وحده.
لقد
شارك الرسول
بولس سيده
قائلاً:
"لنخرج خارج
المحلة ونحمل
عاره"... حين
تركه
الأصدقاء والأحباء
لم يتحطم، بل
حسب ذلك مجدًا
أن يُشارك مسيحه
وحدته وعاره!
في وسط
الشعور
بالعزلة
واليأس كان
الله وحده هو
صديقه،
وانصبَّ
رجاؤه في رحمة
الله وحدها،
إذ هو وحده
قادر أن يخلصه
من العزلة
المؤلمة.
تقتل
الآلام نفس
غير المؤمن،
بشعوره
بالعزلة، أما
المؤمن
فيجدها
طريقًا
للتمتع
باستجابة
الله له في
حنوٍ،
والتمتع
بالحضرة
الإلهية، في
الوقت الذي
فيه يتركه
أصدقاؤه
الأرضيون
ويغلقون
قلوبهم أمامه.
بمعنى آخر
بينما يُعاني
من العزلة
فيصير كميت،
يعلن الله عن
ذاته في داخل
نفسه ليختبر
الحياة
المقامة: "نُسيت
مثل الميت من
قلبهم... لينر
وجهك على عبدك"
[12، 16].
هـ. لم
يقف الأمر عند
سخرية
الأعداء منه
وخوف الأصدقاء
من الالتقاء
معه، بل
اجتمعت قوى
الشر
لمقاومته
ليحبكوا
التآمر ضده،
إذ لم يقبلوا
بأقل من
رقبته.
"اجتمعوا
عليّ جميعًا،
تآمروا
في أخذ نفسي" [13].
إنه من
المحزن حقًا
أن يجتمع الشر
معًا بروح الوحدة
لاتفاقهم على
أمر واحد، هو
مقاومة أولاد
الله، كما سبق
فاجتمعت القيادات
اليهودية
الدينية مع
قوى الدولة لصلب
رب المجد
يسوع. يقفون
صفًا واحدًا
ليعملوا
معًا، بجدية
وحكمة بشرية،
بينما كثيرًا
ما يدبُّ
الشقاق بين
المؤمنين
ويسلكون بروح
التراخي
والتهاون.
وكما سبق فقال
السيد المسيح إن
أبناء هذا
الدهر أحكم من
أبناء النور
في جيلهم.
في كل
هذه المتاعب
تعلّم المرتل
الاستمرار في
صراعه في
الصلاة دون
ملل، متمسكًا
بثقته في إمكانية
خالقه وحبه
له. لقد سلبه
الأعداء سمعته
الطيبة،
وحرموه
الشعور بأمان
الجماعة، لكنهم
لم يقدروا أن
ينزعوا عنه
تعزيته ولا أن
يحرموه
التصاقه
بالله. لهذا
إذ يقول: "وأنا
يارب عليك
توكلت" [14]،
يكمل: "قلت
أنك أنت هو
إلهي وفي يديك
حظي". أنت
إلهي الشخصي
الذي يعرف
أسرار حُبي
الداخلي،
والذي في يديه
كل حياتي
وعمري!
مرة
أخرى لا يقف
المرتل عند
طلب الخلاص من
الأعداء
المطاردين
إياه [15]، وإنما
يقول: "لينر
وجهك على
عبدك، وخلصني
برحمتك يارب"
[16].
أنا
عبدك ولستُ
عبدًا للناس،
لا أطلب
مديحهم ولا
رفقتهم ولا
مكافأتهم،
إنما أطلب
وجهك ينير في
قلبي فأستنير.
ويرى القديس
أمبروسيوس أن
هذا "العبد"
هو كلمة الله
الذي تجسد
وصار لأجلنا
عبدًا، فقد
حمل آلامنا
دون أن ينفصل
عن أبيه،
بكونه كلمته.
v كلمة
"عبد" تعني الإنسان
الذي تقدس
فيه، الإنسان
الذي مُسح
فيه. أنها تعني
ذاك الذي صار
تحت الناموس،
ووُلد من العذراء...
يقول: "طُرحت
وانحنيت إلى
الانقضاء" (مز
38). من هو هذا
الذي انسحق
(انحنى) إلى
الانقضاء سوى
المسيح، الذي
جاء لكي يُحرر
الجميع
بطاعته؟![610]
القديس
أمبروسيوس
بالآلام
نختبر الاتضاع
والصلاة
الدائمة،
وهما طريقا
التمتع
بإشراقات وجه
الله علينا.
v كن
مرذولاً في
عيني نفسك،
فترى مجد الله
في داخلك، فإنه
حيث يوجد
الاتضاع،
هناك يسكن
الله.
إن كان
لك اتضاع في
قلبك، يُظهر
الله مجده فيه[611].
مار
اسحق
السرياني
v الصلاة
تجعل الراهب
مساويًا
للملائكة، إذ
تكون رغبته هي
أن يرى وجه
الآب الذي في
السموات[612].
الأب
أوغريس
يرى
بعض اليهود أن
صرخة المرتل
هنا: "لينر
وجهك" هي
صرخة طلب مجيء
المسيا الذي
يُخلص
الإنسان من
الشر.
بينما
يدخل المرتل
خلال الآلام
إلى الاستنارة
بمجد الله
بروح الاتضاع
والصلاة، إذا
بالأشرار
ينحدرون إلى
أعماق الجحيم
بالنفاق والخداع
والكذب. يتكلم
قلب التقي
المتألم فيرتفع
إلى مجد
السماويات
بينما يتكلم
لسان الشرير
الغاش فينحدر
بالكبرياء
إلى الهلاك.
"يخزى
المنافقون
ويساقون إلى
الجحيم
ولتصر
خرساء الشفاه
الغاشة
المتكلمة على
الصديق
بالإثم
والكبرياء
والمحتقرة" [17-18].
يصمت
الأشرار في
رعب وخوف حين
تتبدد كل
مؤامراتهم؛
فيرتفع الأتقياء
المتألمون،
بينما
ينحدروا هم في
الجحيم...
اللسان
الكاذب يعجز
عن أن يتكلم!
v إن صنت
لسانك يا أخي
يهبك ندامة في
القلب، فترى
نفسك، وهكذا
تدخل إلى
الفرح الروحي.
أما إذا غلبك
لسانك -
فصدقني فيما
أقوله لك -
فإنك لن تقدر
أن تهرب من
الظلمة[613].
مار
اسحق
السرياني
3.
الحياة
الغالبة
للآلام:
يا
لعظم صلاح
الله وعذوبته
اللانهائية!
فإن تذكّر
المراحم في
الماضي
والتأكد من
استمرارية
عون الله،
يبعث فينا روح
التسبيح
والشكر.
الله
حاضر دائمًا
حتى في
اللحظات التي يبدو
فيها كأنه
غائب تمامًا.
الثقة في الله
لا تقودنا إلى
عدم الألم،
وإنما تقودنا
إلى التمتع
بالحضرة
الإلهية وسط
الآلام،
فنرتفع فوق
الألم، وهكذا
نتحول من
التضرع إلى
الرجاء، ومن
الثقة إلى
اليقين، ومن
الإيمان إلى
المعاينة،
ومن الرثاء
إلى الشكر
والحمد لله.
فإننا إذ ننعم
بالاستجابة
الإلهية
ينفجر القلب شكرًا
وتسبيحًا.
هذه
الثقة لا تنزع
الألم عن
حياتنا بل
ترفعنا فوق
الألم، فنصير
كمن يسير مع
السيد المسيح
على المياه،
لا ننشغل بها
بل بعريسنا
السماوي المرافق
لنا. خلال
سيرنا معه فوق
تيارات الألم
ندخل إلى
عذوبة الحوار
مع عريسنا،
والتمتع
بحلاوة
صلاحه، إذ
يقول المرتل:
"ما
أعظم كثرة
صلاحك
(حلاوتك) يارب
الذي
ذخرته للذين
يخافونك.
وصنعته
للمتكلين
عليك
تجاه
بني البشر" [19].
v "ما
أعظم صلاحك
(عذوبتك) غير
المتناهٍ
يارب" [19]. عند
هذا الحد،
تنطلق من
النبي صرخة
تعجب ودهشة من
أجل غنى
عذوبتك يا
الله خلال
استعلانات
متنوعة؛ تلك
العذوبة التي
ذخرتها للذين
يخافونك.
إنك
بعمق تحب حتى
الذين
توبخهم، وذلك
خشية أن يعيشوا
حياة الإهمال
في غير
مبالاة، لذلك
تحجب عذوبة
حبك عن الذين
يكون خوفك
لصالحهم.
"وصنعته
للمتكلين
عليه تجاه بني
البشر" [19]؛ لكنك
جلبت هذه
العذوبة في
كمال للذين
يتكلون عليك،
فإنك لن
تحرمهم مما
تاقوا إليه
طويلاً حتى
المنتهى.
"تجاه
بني البشر"؛ إنك
لا تمنعها عن
بني البشر
الذين لا
يعيشون بعد
حسب آدم بل
حسب ابن
الإنسان.
القديس
أغسطينوس
v "تخفيهم
بستر وجهك" [20] أي
مقام هو هذا؟
إنه لم يقل
"تخفيهم في
السماء"، أو
"تخفيهم في الفردوس"،
أو حتى
"تخفيهم في
حضن
إبراهيم"...
فإن كل شيء
يُحسب بلا
قيمة إن كان
خارجًا عن
الله.
ليت
ذاك الذي
يحمينا في
رحلة هذه
الحياة هو نفسه
يكون مسكننا
عندما تنتهي
هذه الحياة.
"من
مقاومة
الناس" [20]،
فإنه ما من
مقاومة
يخفونها هناك
- أي في ستر
وجهك -
ينزعجون.
"تظللهم
في مظلتك" [20]. ما
الذي تشير
إليه المظلة؟
إنها كنيسة
هذا الدهر.
إنها على شكل
خيمة، لأنها
راحلة عن هذه الأرض.
فإن المظلة هي
الخيمة التي
يستخدمها الجنود
حينما يقيمون
لهم معسكرًا.
الخيمة ليست
بيتًا
(مستقرًا)!
حاربوا اذن في
المعركة
(الروحية)
كغرباء، حتى
أنكم بعد أن
تستظلوا في
مظلته يرحّب
بكم بالمجد في
بيتكم
الحقيقي. ففي
السماء يدوم
بيتكم أبديًا،
إن عشتم حياة
صالحة في
خيمتكم هنا على
الأرض.
القديس
أغسطينوس
لمن
هذه العطايا
الفائقة؟
اجتياز الألم
بروح النصرة
والغلبة،
والتمتع
بعذوبة صلاح
الله، الدخول
في مظلة الله
لللاختفاء في
ستر وجهه حتى
يعبر بمؤمنيه
إلى البيت
الأبدي
المصنوع بغير
يد، دون مبالاة
بمقاومة
الناس. هذه
العطايا، كما
يقول المرتل،
قد ذخرها الله
لخائفيه
المتكلين عليه
[19]. إنه يعطي
خائفيه عربون
هذه العطايا ويذخر
لهم كماله -
التمتع بكمال
عذوبة الله
ورؤية وجهه
الإلهي
والتمتع
بالبيت
الأبدي - لنوالها
في يوم الرب
العظيم.
فمن
جهة الرجاء أو
الاتكال على
الله يقول مار
اسحق
السرياني:
[الرجاء
الإلهي يرفع
القلب[614]].
ومن جهة خوف
الله فيقول:
v خوف
الله بدء كل
فضيلة، وقد
قيل إنه ابن
الإيمان.
يُزرع في
القلب عندما
ينسحب ذهن
الإنسان من
ارتباكات
العالم لكي
يُحدّ من
تجوّل الأفكار
إلى التأمل في
إصلاح الأمور
المقبلة.
v خوف
الله هو بدء
حياة الإنسان
الحقيقية. لكن
خوف الله لا
يقبل أن يقيم
في نفس مشتتة
في أمور
خارجية.
مار
اسحق
السرياني[615]
بالرجاء
في الرب بثقة
مع التمتع
بخوفه ننعم بعذوبة
حبه ونختبر
حلاوة صلاحه
في هذا العالم،
لنتمتع
بالكمال في
الدهر الآتي:
يختم
المرتل هذا
القسم
بالتسبيح لله
من أجل معاملاته
معه، قائلاً:
"مبارك
الرب لأنه
عجَّب مراحمه
في مدينة حصينة.
وأنا
قلت في
تحيّري:
أترى
طُرحت من قدام
عينيك؟!
لذلك
سمعت يارب صوت
تضرعي
إذ
صرخت إليك" [21-22].
إذ
تمتع
بالبركات
الإلهية
السابق
الحديث عنها
يسبح الرب
الذي جعل من
مدينة حصينة
تشهد لعجائب
مراحم الله
الفائقة،
معترفًا أنه
في وقت ضيقته
شعر في لحظات
ضعفه أنه قد
طُرح من قدام
عينيه. حسب أن
الله قد
تجاهله أو
طرده من قدامه...
لكنه سرعان ما
اختبر صوت
الرب السامع لصرخات
القلب
والصانع
عجائب مع
خائفيه.
إن عبر
بنا فكر شك أو
ضعف إيمان لا
نتوقف عن الصلاة
بلجاجة حتى
نحمل ذات خبرة
المرتل، أن الله
يبقى أمينًا
في مواعيده
بالرغم من عدم
أمانتنا!
4.
تسبحِة
ليتورجية
تعليمية:
إذ
اختبر المرتل
عذوبة صلاح
الله وسط
آلامه، فتحوّلت
مرثاته إلى
تسبيح وشكر،
يدعو الجماعة
المقدسة أن
تتمتع بذات
الخبرة،
يدعوها لمحبة
الله، والثقة
في عدله وبره
وأن يمتلئوا
بالشجاعة
وليقوَ قلبهم
خلال اتكالهم
عليه.
"حبوا
الرب يا جميع
قديسيه،
لأن
الرب ابتغى
الحقائق
ويجازي
الذين يعملون
الكبرياء
بإفراط.
تشجعوا
وليقوَ قلبكم
يا جميع
المتكلين
عليه" [23-24].
خلال
هذه التسبحة
الجماعية
يتعلم
المؤمنون الالتزام
بحب الله في
شجاعة، فإن
كان المرتل قد
تحدث عن بركات
مخافة الرب،
فإن المخافة
الحقة لا
تنفصل عن حب
الله. ومن
يخاف الله
يلزمه أن
يُقوي قلبه
ولا يخاف
الناس.
في
يديك استودع
روحي
v في وسط
آلامي تعلن ذاتك
لي يا إلهي.
أراك
أنت بري
وقداستي،
تبدأ
معي طريق
القداسة
وتجتازه معي
حتى أبلغ كماله!
v أجدك
صديقي
العجيب،
حين
يهرب الكل
عني،
تميل
بأذنك لتسمع
تنهدات قلبي
الخفيّة!
v تفتح
لي أبواب حبك،
فأنت بيت
ملجأي.
أنت
إلهي وعضدي ضد
كل تجربة!
v أنت قوتي...
بك ومعك أعمل
لحساب ملكوتك
فيّ!
أنت
قائدي،
تهديني إلى
الطريق
الملوكي.
أنت
راعيّ،
تقوتني بجسدك
ودمك
المبذولين.
تهب لي
روحك أنهار
مياه تروي
وتفيض!
v أنت
مخلصي...
ترفعي
كما إلى
سمواتك،
فلا
أسقط في فخاح
العدو الخفية!
v أنت
حافظ نفسي،
تجدد
إنساني الداخلي
مع فناء
الخارجي،
تهبني
بروحك القدوس
صورتك داخلي!
v أنت هو
فرحي وبهجة
قلبي،
ترفعني
فوق الآلام،
وتهبني
عذوبة صلاحك.
v أنت
محرري حتى من
الموت،
أعبر
خلال ظل خيمتك
إلى البيت
السماوي.
تحول
القبر الضيق
إلى سعة
فردوسك!
v في وسط
آلامي حسبت
أنك طردتني من
أمام عينيك،
فإذا
بي أراك
الصديق
الملازم لي.
عيّرني
الأعداء
وتركني
الأصدقاء،
أما
أنت فتلتصق بي
في محنتي.
v تآمر
الكل ضدي،
أما
أنت فجعلتني
مدينة حصينة.
v أسبحك
وأبارك اسمك؛
ليت كل
نفس تشترك معي
في حمدك!
[593] Claude Peifer: The Bible Today, April 1974.
[594] Weiser: The Psalms, p. 275.
[595] Plumer: The Psalms, p. 385.
[596] Wycliffe Bible Commentary, Ps. 31.
[597] Plumer, p. 385.
[598] The Ascetic Homilies, 5.
[599] Two centuries on Spiritual Law, 2.
[600] Weiser, p. 276.
[601] The Ascetic Homilies, 5.
[602] Two centuries on Spiritual Law, 4.
[603] Weiser, p. 276.
[604] The Ascetic Homilies, 62.
[605] The Ascetic Homilies, 57.
[606] The Ascetic Homilies, 15.
[607] Institutes, 8: 1.
[608] St. John Chrysostom: Acts of the Apostles, hom 50.
[609] Ibid, 15.
[610] Of the Christian Faith, 5: 108, 109.
[611] The Ascetic Homilies, 5.
[612] 153- texts on Prayer (attributed to St. Nilus of Sinai), 113.
[613] The ascetic Homilies, 48.
[614] The Ascetic Homilies, 51.
[615] The Ascetic Homilies, 1:1, 10.