جئت
لأتمم مشيئتك
في
المزامير 37-38
يتحدث المرتل
عن انتظار
الرب، فقد
عانى داود
النبي الكثير
من شاول
وأبشالوم
وخيانة أخيتوفل
الخ... والآن إذ
تمتع بالخلاص
بعد معاناة
قاسية، خاصة
على يدّيْ
ابنه المتمرد
أبشالوم،
تحولت مراثيه
إلى تسابيح
شكر يُقدمها بوحي
الروح القدس.
تعتبر
تسبحة الشكر هذه
مزمورًا
مسيَّانيًا
حيث تركز على
شخص السيد
المسيح وعمله.
وتشهد الرسالة
إلى
العبرانيين (10:
5-10) أن السيد
المسيح هو
المتحدث هنا
حيث يقدم خبراته؛
يقدم نفسه
بكونه ذاك
الذي جاء
ليتمم إرادة
الآب، والذي
نزل إلى
الجحيم، إلى
عمق طين الحمأة،
يحمل خطايا
شعبه. كما
يقدم الشكر
بقيامته،
مقدمًا
التسبحة
الجديدة التي
يترنم بها
شعبه الذي
خلصه ونجاه.
يعتبر
هذا المزمور
من أروع
المزامير،
يجب ربطه
بمزمور الآلام
المجيدة (مز 22)
الذي يرتبط
بتسبحة القيامة.
كتب
داود النبي
هذا المزمور
بعد عصيان
ابنه أبشالوم
الذي أخفى
بشاعة تمرده
بمظاهر التدين
وتقديم
الذبائح (2 صم 7:
12)؛
ثم اُستخدم
بعد ذلك
تدريجيًا في
الخدمة الليتورجية
(العبادة
العامة).
الإطار
العام:
1. تسبحة
نصرة
المسيح
[1-5].
2. العبد
المطيع
وذبيحته
[6-13].
3.
أعداؤه
وقديسوه
[14-17].
1.
تسبحة نصرة
المسيح:
يقدم
لنا هذا
المزمور خبرة
داود النبي في
تقديم تسبيحًا
جديدًا لله
الذي خلصه من جب
الشقاء أو من
الهاوية.
والجدة هنا لا
في الكلمات،
وإنما في
القلب الذي
أدرك أن الموت
كاد أن يأسره
لولا تدخل
الله مخلصه.
وإننا لا نعرف
ماذا يعني
داود النبي
بجب الشقاء
وطين الحمأة،
هل كان يُعاني
من مرض خطير
كاد أن يفتك بحياته
أم من خطية
معينة حطمت
أعماقه أم يُعني
ذلك تمرد ابنه
وخيانة بعض
رجاله؟ بنفس الطريقة
لا نعرف شيئًا
عن "شوكة
الجسد" التي أصبت
الرسول بولس. إنما
ما نعرفه أن
آلامًا مُرّة
تسبق بهجة الخلاص
والترنم
بالتسبحة
الجديدة.
"انتظارًا
انتظرت الرب،
فأصغي
إليّ، وسمع
تضرعي" [1-2].
تكرار
الكلمة "انتظارًا
انتظرت"
يكشف عن
الجدية
والمثابرة،
وقد استخدم
الرب ذات
الأسلوب
حينما أعلن
"شهوةً
اشتهيتُ أن آكل
الفصح" (لو 22: 15).
لعل
المرتل أراد
أن يقول إنه
سقط تحت عبء
آلام وضيقات
لا قدرة
لإنسان أن
يخلصه منها،
ولا رغبة له
في تدخل ذراع
بشري لخلاصه،
لبث ينتظر مترقبًا
بإيمان يدّ
الله التي
تجرح وتعصب
(أي 5: 18)، تسحق
وتشفي. إنه
ينتظر مهما
طال الأمد،
فهو يثق في
حكمة الله
المخلص
وقدرته، يعرف
كيف ومتى
يستجيب للصلاة.
الله يُخلصه،
وفي خلاصه
يتمتع
المتألم بما
هو أعظم من
الخلاص من
الألم ألا وهو
اصغاء الله
إليه، فإن
اهتمام الله
به، وحلوله في
حياته، لهو
أعظم هبة
ينالها
المؤمن، إذ
يتمتع لا
بالخلاص فحسب
بل وبالمخلص،
ولا بالعطايا
فحسب بل بواهب
العطايا.
يقدم
لنا السيد
المسيح نفسه
مثلاً في
انتظاره
للآب،
مسلّمًا
إرادته بين
يدي الآب،
سواء في بستان
جثسيماني أو
أثناء
المحاكمة وهو
الإله
المعبود يُصلي
كما نصلي نحن،
ويصرخ كما
نصرخ، ويطلب أن
تتم إرادة
الآب فيه، مع
أنها واحدة مع
إرادته...
ينتظر كمن
يحتاج إلى
عون، وهو حامل
الكل بقدرته،
وذلك كنائب
عنا يعمل
لحسابنا
وباسمنا وكمثال
لنا، إذ يقول
الرسول: "الذي
في أيام جسده،
إذ قدم بصراخ
شديد ودموع
طلبات وتضرعات
للقادر أن
يخلصه من
الموت وسُمع
له من أجل
تقواه" (عب 5: 7).
إنه يعلمنا
كيف نغلب وسط
آلامنا وفي
صراعنا
الروحي لننال
الانتصارات
المجيدة.
انتظر
الآب
انتظارًا،
ففي محاكمته
لم يحمل نظرة
غضب، ولا نطق
بكلمة تهديد
أو تذمر،
وإنما كحمل
صامت احتمل
منتظرًا
اعلان مجد
قيامته!
v انتظرت
بصبر الوعد
الذي لا يقدمه
مائت يمكن أن
يخدع ويُخدع.
انتظرت
التعزية لا من
مائت يمكن أن
تحطمه أحزانه
قبلما يهبني
عزاءً. لننح
معًا ولنبكِ
معًا،
ولننتظر معًا
بصبر،
ولنصلِّ معًا
أيضًا.
هوذا،
ليتنا نفكر
هكذا: إنه
وعدنا بكل
شيء، لكنه لم
يهبنا بعد أن
نمتلك شيئًا
ما. إنه مقدم
الوعود المسئول،
الواهب
الأمين، إنما
يلزمكم أن
تُظهروا
الجدية فيما
وُعدتم به،
وإن كنتم
ضعفاء، أو
كنتم أحد
الصغار
أطلبوا وعد
رحمته.
القديس
أغسطينوس
"وأصعدني
من جب الشقاء،
ومن
الطين
الحمأة" [2].
في وسط
الآلام شعر
المرتل أنه كما
في جب الشقاء
ملطخ بالوحل،
كلما حاول رفع
قدميه يغوص
بالأكثر،
وليس من منقذ
أو معين. إنه
يذكرنا
بإرميا النبي
(إر 38) الذي طُرح
في الجب بسبب
شهادته للحق.
الجب
عميق للغاية
لا تطوله يد
مخلوق لتبلغ
قراره
فتجتذبنا،
إنما الحاجة
إلى ذراع
الله، كلمة
الرب
المتجسد، الذي
وحده يقدر أن
ينزل إلينا
ويخلصنا من
هوة الخطية
وسلطان الموت
ومتاريس
الجحيم بقوة صليبه.
كلما ازداد
عمق الجب،
تتجلى بالحري
قوة عمل
الخلاص،
وكثرة فرحنا
وتسبيحنا
بالنصرة.
v ما هذا
الجب الرهيب؟!
إنه عمق
الإثم، من
شهوات الجسد،
لأن هذا هو ما
تعنيه عبارة: "طين
الحمأة". فمن
أين إذن
أخرجك؟ من عمق
معين، الذي
منه صرخت في
مزمور آخر،
قائلاً: "من
الأعماق صرخت
إليك يارب".
والذين
يصرخون
بالفعل "من
الأعماق" لا
يكونوا بعد في
أدنى عمق، لأن
عمل الصراخ
ذاته يرفعهم
إلى العلو.
حينما
يبلغ الخاطئ
عمق الشر
يُحتقر،
فيغوص إلى أعماق
جديدة، لأنه
لا يكتفي
بكونه خاطئًا
إنما عوض
الاعتراف
بخطاياه يقدم
تبريرًا عنها.
القديس
أغسطينوس
إن
كانت الخطية
تنحدر بنا إلى
أعماق
مُرَّة، فإن
يدّ الله
مخلصنا
تنشلنا بقوة
لكي يحملنا فيه
"صخرة
الدهور".
"وأقام
على الصخرة
رجليَّ،
وسهَل
خطوتي" [2].
الصخرة
هي ربنا يسوع (1
كو 10: 4) الذي نزل
إلى الجحيم،
لا عن خطية
ارتكبها
وإنما لأنه
"وُضع عليه
إثم جميعنا"،
وحملنا فيه من
الجحيم بكونه
الصخرة والطريق،
نتكئ عليه
ونختفي فيه
فلا نغوص في
طين الحمأة،
بل تتشدد
أرجلنا، ولا
تزلّ خطواتنا.
في نور
الإيمان
الحيّ نسلُك
ونجاهد في
خطوات ثابتة.
v "وأقام
على الصخرة
رجليّ، وسهّل
خطواتي". والآن
هذه الصخرة
كانت المسيح،
ونحن "على الصخرة"،
و "خطواتنا"
بتدبير
ونظام؛ لكي
يبقى من
الضروري
الاستمرار في
السير لكي
ننمو أكثر
فأكثر.
v صار له
الإيمان
(الصخرة) الذي
لم يكن له من
قبل، وله
الرجاء الذي
لم يكن
متوفرًا
قبلاً. الآن
يسلك في المسيح،
هذا الذي كان
قبلاً قد
اعتاد أن يضل
في الشيطان.
على هذا
الأساس يقول: "وأقام
على الصخرة
رجليّ وسهّل
خطواتي"...
القديس
أغسطينوس
v الأمور
الزمنية تشبه
الماء،
كالسيل الذي
ينجرف
سريعًا؛ يقول:
"المياه قد
دخلت حتى إلى
نفسي" (مز 69: 1)؛
وأما الأمور
الروحية
فكالصخرة، إذ
يقول: "وأقام
على الصخرة
رجليَّ". فيُبعد
طين الحمأة
عنا[774]...
القديس
يوحنا الذهبي
الفم
v إننا
نفهم هذه
الصخرة
بكونها الرب،
الذي هو النور
والحق وعدم
الفساد والبر
الذي يمهد
الطريق
الروحي.
فالإنسان
الذي لا يحيد
من جانبي
الطريق يحفظ
خطواته
دائمًا بلا دنس
من حمأة
الملذات[775].
القديس
غريغوريوس
أسقف نيصص
"وجعل
في فمي
تسبيحًا
وسبحًا
لإلهنا.
فيرى
كثيرون
ويخافون
ويتوكلون على
الرب" [3].
إذ
يتمتع المؤمن
بالسيد
المسيح
الصخرة كأساس
إيمانه
وحياته
الجديدة
يختبر الحياة
المقامة
الغالبة
للخطية
والموت،
ينفتح لسانه
ليترنم
بالتسبحة
الجديدة،
تسبحة
النصرة، اللائقة
بإنساننا
الجديد؛
يختبر مراحم
الله جديدة في
كل يوم.
v ليتشكل
الإنسان
الجديد،
وليترنم بالتسبحة
الجديدة، إذ
صار هو نفسه
جديدًا. ليحب الأمور
الجديدة التي
بها يُضَحي هو
ذاته جديدًا.
v من
هو "قديم" مثل
الله
(الأزلي)،
الكائن قبل كل
الأشياء،
الذي بلا
نهاية ولا
بداية؟ مع هذا
يصير لكم
"جديدًا"
عندما ترجعون
إليه، لأنكم إذ
تغربتم عنه
صرتم قدامي،
إذ قيل: "عتقت
في سائر
أعدائي" (مز 6: 7).
القديس
أغسطينوس
إذ
يُرفع
الإنسان من
وطأة الحمأة
إلى الصخرة،
يمتلئ لسانه
تهليلاً
فيجتذب
الكثيرين إلى الحياة
الإيمانية،
حياة مخافة
الرب والاتكال
عليه.
"فيرى
كثيرون
ويخافون
ويتوكلون على
الرب" [3].
ينطبق
هذا على السيد
المسيح الذي
نزل إلى
الجحيم وقام
من الأموات
معلنًا تسبحة
النصرة
والغلبة على
الموت،
فيجتذب الكثيرين
في خوف ورعدة.
يدركون سرّ
الصليب بمهابة،
متكلين على
نعمة الله
الواهبة
الخلاص.
v أي
شخص هو الذي
يتكلم في
المزمور؟
بإيجاز هو المسيح...
إنه يتحدث
باسم أعضائه: "وجعل
في فمي
تسبيحًا
جديدًا... فيرى
كثيرون
ويخافون"...
إنهم يتبعون
المسيح نفسه...
يرون من جانب
طريقًا
ضيقًا، ومن
جانب آخر
طريقًا
متسعًا رحبًا.
القديس
أغسطينوس
"طوبي
للرجل
الذي اسم الرب
رجاؤه،
ولم
ينظر إلى
الأباطيل ولا
إلى الوساوس
الكاذبة" [4].
إذ
نقبل السيد
لمسيح طريقًا
لنا نسلك طريق
الصليب
الضيق، نتمتع بالحياة
المطوّبة
لأننا لا نضع
رجاءنا في الأباطيل
الزمنية
وخداعات
العالم
الكاذبة بل في
اسم الرب
المصلوب.
v ها
هوذا الطريق
الذي تُسرون
به ! ها هي
الجموع تملأ
السبيل
الرحب... إنه
مؤدي إلى
الموت... فإن كثيرين
يترجون أن
ينالوا خيرات
من يديْ الله،
ويحصلون على كرامات
زائلة مؤقتة،
وثروات
فانية، وفي
اختصار
يترجون نوال
كل شيء من
يديْ الله عدا
(التمتع
بنوال) الله
نفسه!
انسوا
كل هذه
الأشياء،
وتذكروا الله
نفسه!
اطرحوا
كل الأمور
الأخرى خلف
ظهوركم،
وتقدموا إلى
ما هو قدام (في 3:
14)...
ليكن
الله هو
رجاءكم الذي
يقودكم حتى
النهاية...
ليكن
الله رجاءنا،
فإن ذاك الذي
خلق كل شيء هو
أفضل من الكل!
الذي خلق كل
ما هو جميل
أبرع جمالاً
من كل جمال!
الذي خلق كل
ما هو قوي
أقوى من الكل!
الذي أوجد كل
ما هو عظيم،
هو نفسه
الأعظم!
إنه
سيكون لكم كل شيء
تحبون!
تعلموا
كيف تحبون
الخالق من
خلال خليقته
التي هي عمله.
لا
تسمحوا
للمخلوقات أن
تحجز
مشاعركم،
فتفقدون ذاك
الذي خلقكم
أيضًا!
طوبي
للذي يجعل اسم
الرب متكله،
ولا يثق في الأباطيل
والجنون
الكاذب.
القديس
أغسطينوس
v إذ اختبر
داود الومضات
البراقة
الخطيرة على
الإنسان قال
إن الإنسان
الذي يضع كل
رجائه في اسم
الله هو
مُطوّب. فإن
مثل هذا
الإنسان لا
يبالي
بالأباطيل
والغباوات
مادام يُجاهد
على الدوام
لأجل المسيح،
متطلعًا
باستمرار نحو
المسيح
بعينيه
الداخليتين.
لهذا السبب
رجع داود إلى
الله وقال: "لا
أنظر إلى
الأباطيل".
السيرك
باطل، لأنه
بلا نفع!
سباق
الخيل باطل
لأنه يضاد
الاهتمام
بالخلاص!
المسرح
باطل...
وكما
يقول الجامعة:
كل شيء باطل!
كل ما في العالم!
لهذا
يليق
بالإنسان
الذي يرغب في
الخلاص أن يرتفع
فوق العالم،
ليطلب العالم
الذي مع الله؛
ليهرب من هذا
العالم،
ويرحل من
الأرض. فإنه
لا يقدر إنسان
أن يفهم ما هو
موجود دائمًا ما
لم يهرب من
هنا أولاً.
لهذا السبب
أيضًا إذ أراد
الرب
الاقتراب من
الآب قال
لتلاميذه: "قوموا
ننطلق من ها
هنا"[776].
القديس
أمبروسيوس
لقد
وضع المرتل
رجاءه في اسم
الرب؛ هذا
ويُلاحظ أن
الكتاب لا
يفصل بين الرب
واسمه. فعندما
سأل منوح الرب
عن اسمه،
أجابه: "لماذا
تسأل عن اسمي
وهو عجيب؟!"
(قض 13: 18)، كما قيل
في إشعياء: "ويدعى
اسمه عجيبًا،
إلهًا
قديرًا..." (إش 9: 6).
فالله نفسه
عجيب صانع
العجائب (مز 72: 18،
77: 11)، هكذا هو
اسمه!
يحدثنا
الكتاب
المقدس عن
فاعلية اسمه[777]:
1. إذ
نجتمع باسمه
يحل في وسطنا
(مت 18: 20).
2. باسمه
ننال العماد
(أع 2: 38)، فنتمتع
بالبنوة لله.
3. "اسم
الرب برج
حصين، يركض
إليه الصديق
ويتمنع" (أم 18: 10).
وقد أدرك
المرتل قوة
هذا الاسم في
مقاومته
لجليات
الجبار، إذ
يقول له: "أنت
تأتي إليّ
بسيف وبرمح
وبترس، وأنا
آتي إليك باسم
رب الجنود" (1
صم 17: 40)، كما
يقول: "عوننا
باسم الرب الذي
صنع السماء
والأرض" (مز 124: 8).
4. باسم
ربنا يسوع
المسيح تُصنع
العجائب
والمعجزات (أع
4: 29، 30؛ أع 3: 12-16؛ 3: 6).
5. باسم
الرب تخرج
الشياطين (مر 16:
17).
أخيرًا
فإن اسم الرب
هو "الحق"،
لهذا من يترجاه
لا "ينظر إلى
الأباطيل ولا
إلى الوساوس
الكاذبة" [4]، أي
لا يترجى
أغنياء هذا
العالم ولا
عظماءه ولا
أصحاب
السلاطين، فإنهم
لا يحملون إلا
الأباطيل
والوساوس الكاذبة.
إذ يثق
المؤمن في اسم
الرب في أسماء
البشر الرنانة
يتمتع بعمل
الله العجيب
في حياته،
فيقول:
"وأنت
أيها الرب
إلهي جعلت
عجائبك
كثيرة؛
وفي
أفكارك ليس من
يشبهك" [5].
حتى إن
قدم لنا بنو
البشر عونًا
عن صدق واخلاص
إنما يقدمون
ما لديهم من
أمور زمنية
باطلة، أما الرب
فيقدم عجائب
كثيرة خلال
حكمته
الفائقة المعلنة
في الصليب:
يقدم خلاصًا
من الخطية،
وتحررًا من
إبليس،
وتبريرًا،
وتقديسًا،
وبنوة لله،
ومجدًا
أبديًا! يقدم
سلسلة طويلة
من عجائب
محبته
الفائقة التي
تكشف لنا عن
أفكارة الإلهية
من نحونا.
يقول: "في
أفكارك ليس من
يشبهك"،
لأنه قدم فكر
الصليب
العجيب الذي
عند اليهود
عثرة وعند
اليونانيين
جهالة!
v هذه هي
أعمال الله
العجيبة، هذه
هي أفكار الله
التي ليس ما
يشبهها بين
أفكار البشر.
ليتوقف
الفضوليون عن
فضولهم
وليبحثوا
معنا عما هو أسمى
وأرفع،
يبحثوا عن
الأمور
الأكثر
نفعًا، التي
إذا ما
أدركوها
يتهللون
فرحًا!
القديس
أغسطينوس
إذ
يتحدث المرتل
عن عجائب الله
في حياة البشرية
يضيف: "أخبرت
وتكلمت
وكثروا أكثر
من العدد" [5].
عجائب الله لا
يمكن أن
تُستقصى من
جهة الفكر ومن
جهة النطق
والعمل، فهي
أعظم من أن
ندرك كل
أسرارها
بفكرنا أو
نشهد لها بلساننا
أو نَحصيها في
الواقع
العملي.
يعلق القديس
أغسطينوس
على تعبير "أكثر
من العددد"،
موضحًا أن عمل
الصليب
العجيب قد ضم
الكثيرين إلى
أورشليم
العليا
ليتمتعوا
بالأمجاد الإلهية...
هؤلاء
معروفون لدى
الله
ومحصيون، غير
أن الكنيسة في
العالم تضم
معهم كثيرين
يحملون
شكليات
الإيمان، أو
الإيمان غير
العملي هؤلاء
"أكثر من
العدد".
v لاحظوا
أعمال الله
العجيبة. "أخبرت
وتكلمت
وكثروا أكثر
من العدد" [5].
يوجد "عدد" ويوجد ما
هو "أكثر من
العدد". هناك
عدد ثابت يخص
أورشليم
السماوية؛
لأن الرب
"يعرف خاصته" (2
تي 2: 19)؛ يعرف
المسيحيين الذين
يخافونه،
الذين يؤمنون
به، الذين يحفظون
الوصايا،
السائرين في
طريق الله،
الحافظين
أنفسهم من
الآثام، إذا
ما سقطوا
يعترفون بخطاياهم؛
هؤلاء
ينتسبون إلى
"العدد"..
ما
أعظم عدد
المؤمنين
المجتمعين
معًا؟! وما
أكثر الجموع
التي تتلاحم
سويًا! كثيرون
قد آمنوا؛
وكثيرون لهم
مظهر الإيمان
فقط. الذين
تغيّروا
بالإيمان
حقًا هم قلة،
أما الذين لهم
مظهر التقوى
فهم
الأغلبية،
لأنهم "كثيرون
أكثر من العدد".
القديس
أغسطينوس
v "العدد" يخص
القديسين
المعينين أن
يملكوا مع
المسيح. الآن
يمكن لأناس أن
يدخلوا
الكنيسة زيادة
عن العدد،
إنهم لا
يقدرون أن
يدخلوا ملكوت
السموات[778].
v لا
تتعجب لكثرة
عدد
المسيحيين
الأردياء الذين
يملأون
الكنيسة،
والذين
يشتركون في
المذبح،
والذين في
ضجيج يمتدحون
الأسقف أو
الكاهن عندما
يعظ عن السلوك
الصالح. قد
سبق التنبوء
عن أمثال
هؤلاء... وتحقق
ما جاء في
المزمور: "أخبرت
وتكلمت
وكثروا أكثر
من العدد" [5].
يمكنهم أن
يعيشوا معنا
في الكنيسة
الحاضرة، لكنهم
لا يقدرون أن
يبقوا معنا في
مجمع القديسين
الذي بعد
القيامة[779].
القديس
أغسطينوس
2.
العبد المطيع
وذبيحته:
إذ
تحدث المرتل
عن عجائب الله
الكثيرة
والمتجلية في
عمل الفداء،
انطلق إلى
الصليب يتكشف أسراره،
رآه الذبيحة
الفريدة التي
تفوق كل ذبائح
العهد القديم
كله.
"ذبيحة
وقربانًا لم
تشأ،
بل
جسدًا هيأت لي.
والمحرقات
التي من أجل
الخطيئة لم
تُسر بها.
فحينئذ
قلت: ها أنا
قادم.
في أرض
الكتاب مكتوب:
من
أجلي هويت أن
أعمل مشيئتك
يا الله.
وناموسك
في وسط بطني" [6-8].
ماذا
رأى المرتل في
ذبيحة السيد
المسيح المصلوب؟
1. الله
لا يحتاج إلى
ذبائح وقربان
ومحرقات، فقيمتها
تكمن في أمر
واحد، وهو
التهيئة
للصليب، بكونها
رمزًا له،
خارج هذا
الرمز لا يُسر
الله بها،
لذلك يقول "جسدًا
هيأت لي"،
فبالتجسد دخل
طريق الصليب.
v عُرفت
الذبيحة
الحقيقية
بواسطة
المؤمنين من
رجال العهد
القديم، إذ
سبق فأُظهرت
في رموز،
هؤلاء كانوا
يمارسون
طقوسًا تحمل
رمزًا
للحقيقة التي
تأتي فيما
بعد. كثيرون
فهموا معناها
لكن عددًا
أكبر كانوا
يجهلونه...
كانوا
يذبحون
الحمل،
ويأكلون
الفطير. "فصحنا
أيضًا المسيح
قد ذُبح
لأجلنا" (1 كو 5: 8).
هانذا أتعرف
في ذبيحة
المسيح على
الحمل
المذبوح!
القديس
أغسطينوس
v إذ يعرف (الله)
أنهم يُهملون
البر
ويمتنعون عن
حب الله، أعلن
الله أنه لا
يُسر بمحرقات
وذبائح بالكلية،
كما باستماع
صوت الرب.
فالطاعة أفضل
من الذبيحة،
والإصغاء
أفضل من شحم
الكباش (1 صم 15: 22). ويقول
داود أيضًا:
"ذبيحة
وقربانًا لم
تشأ، جعلت
أذنيّ
كاملتين،
والمحرقات التي
من أجل الخطية
لم تطلب" [6].
بهذا يعلمهم
أن الله يتوق
إلى الطاعة
التي تجعلهم
في أمان أفضل من
الذبائح
والمحرقات
التي لا
تنفعهم شيئًا من
جهة البر.
بهذا يتنبأ عن
العهد الجديد
في نفس الوقت.
بوضوح
أكثر يتحدث عن
هذه الأمور في
المزمور الخمسين
(51) "لأنك لو
آثرت الذبيحة
لكنت أُعطي،
ولكنك ما تُسر
بالمحرقات؛
فالذبيحة لله
روح منسحق.
القلب
المتخشع
والمتواضع ما
يرذله الله"
(مز 51: 17).
إذ لا
يحتاج الله
شيئًا يقول:
"لست أقبل من
بيتك عجولاً
ولا من قطعانك
جداءً، لأن لي
كل وحوش البر،
البهائم التي
في الجبال والبقر؛
قد غرفت سائر
طيور السماء؛
وبهائم الحقل
معي. إن جعت
فلا أقول لك
لأن لي
المسكونة وكل ما
فيها. هل آكل
لحم الثيران
أو أشرب دم
التيوس؟" (مز 50: 9)
الخ. ولئلا
يظن أن الله
يرفض مثل هذه
الأشياء في
غضبٍ يضيف
واهبًا
الإنسان
عزاءً: "اذبح
لله ذبيحة
تسبيح؛ أوفِ
للعلي نذورك؛
وادعُني في
يوم الضيق
أنقذك فتمجدني"
(مز 50: 14-15)[780].
v الخدمة
التي تألفت من
ظلال ورموز لم
تكن مقبولة،
أنها كانت
تُقدم بدون
ثمر إذ ما
قورنت برائحة
الروحيات
الزكية[781].
القديس
إيريناؤس
v لم
تكن تقدمات
الدم مرضية،
أما رائحة
العبادة
الروحية
الزكية فهي
مقبولة
للغاية لدى
الله. هذه لا
يقوى إنسان ما
على تقديمها
ما لم يكن له
أولاً
الإيمان
بالمسيح، كما
يشهد المغبوط
بولس إذ كُتب:
"بدون إيمان
لا يمكن
إرضاءه" (عب 11: 6) [782].
القديس
كيرلس
الكبير
v قدم
ذاته للموت:
موت اللعنة
ليمحو لعنة
الناموس.
v قدم
ذاته لله الآب
طواعية، لكي –
بذبيحة نفسه التي
قدمها
بإرادته –
تزول اللعنة
التي كانت بسبب
عدم
استمرارية
الذبيحة
المطلوبة (عجز
الذبيحة
الحيوانية عن
الاستمرار إذ
تُستهلك
بموتها).
أُشير
إلى هذه
الذبيحة في
المزمور (6)...
أعني تقديمها
لله الآب الذي
رفض ذبائح
الناموس،
مقدمًا ذبيحة
الجسد
المقبولة
لديه. ويذكر
الرسول الطوباوي
هذه الذبيحة:
"لأنه فعل هذا
مرة واحدة إذ
قدم نفسه" (عب 7:
27)، ومن ثم
افتدى كل الجنس
البشري
بخلاصه،
بذبيحة هذا
الجسد
المبذول المقدس
والكامل[783].
القديس
هيلاري أسقف
بوتييه
2.
جاء في النص
العبري: "أذنيّ
فتحت" [6]. جاء
في (خر 21: 1-6) عن
العبد الذي
يرغب بإرادته
أن يخدم سيده
كل أيام حياته
ويخدم
عائلته، تُثقب
أذنه، إشارة
إلى قبوله
الطاعة
الكاملة لهم
بروح الحب لا
العبودية،
وشوقه إلى
خدمتهم المستمرة.
كان ذلك رمزًا
للسيد المسيح
الذي جاء
ليَخدِم لا
ليُخدم، وقد
صار لأجلنا
عبدًا، أطاع
الآب طاعة
كاملة وبذل
ذاته لأجل
الكنيسة التي
يحبها. ونحن
أيضًا إذ نتحد
فيه كأعضاء
جسده، نحمل
روح البذل
والطاعة،
فتكون لنا الآذان
المختونة
المثقوبة عوض
العصيان (إر 6: 10).
يُبرز
السيد المسيح
كمال طاعته
بقوله: "ها
أنا قادم" [7]،
معلنًا خضوعه
الاختياري،
فقد جاء
قادمًا إلى العالم
ليحقق ما سبق
أن رُمز إليه
بالذبائح الحيوانية،
قادم ليتمم
خلاص الإنسان.
بقوله: "في
أرض (درج)
الكتاب مكتوب
من أجلي هويت
أن أعمل
مشيئتك يا
الله،
وناموسك في
وسط بطني" [7-8]
يعلن أن ما
يتممه هو
تحقيقًا
للخطة
الأزلية الإلهية،
والتي أُعلنت
في كتاب العهد
القديم. جاء
في طاعة للآب
ببهجة ومسرة.
v أنظروا
ها هو يتمم
مشيئة الآب
بنفسه... مكتوب
في بداية سفر
المزامير: "في
ناموس الرب
إرادته" (مز 1: 2).
القديس
أغسطينوس
3.
ما تممه إنما
بمسرة، إذ
يقول: "هويت
أن أعمل
مشيئتك يا
الله" [8]. وكما
قال لتلاميذه:
"طعامي أن أعمل
مشيئة الذي
أرسلني" (يو 4: 34)،
وفي البستان
أعلن "لتكن
إرادتك لا
إرادتي"،
ويقول الرسول
بولس: "من أجل
السرور
الموضوع
أمامه احتمل
الصليب
مستهينًا
بالخزي".
سرّ
سروره أنه
كلمة الله
الذي يعلن
إرادة الآب،
فإرادته
وإرادة الآب
واحدة. ولعل
قوله: "ناموسك
في وسط بطني"
يعني أنه كلمة
الله
المتجسد، حيث
لا ينفصل الكلمة
عن الناسوت
فقط!
نحن
أيضًا إذ نقبل
الكلمة
المتجسدة في
حياتنا تصير
الوصية (ناموس
الله) فينا،
نعيشها ونسر
بها، متممين
إرادة الله
باختيارنا
بمسرة حقيقية.
4.
بشارة
المصلوب
الذبيح:
"بشرت
بعدلك (ببرك)" [9].
بالصليب
كرز السيد
المسيح،
مبشرًا كل بني
البشر بحب
الله الفائق،
لا بألفاظ
بشرية مجردة،
وإنما بدمه
المبذول. لقد
سبق فبشر
الأنبياء
بمجيء المسيا
المخلص،
والآن جاء
ليحدثنا
بكلمة البشارة
بنفسه. وكما
يقول الرسول:
"بعدما كلم الله
الآباء
بالأنبياء
قديمًا كلمنا
بأنواع وطرق
كثيرة في هذه
الأيام
الأخيرة
بابنه" (عب 1: 1-2).
بشرنا
بصليبه
معلنًا تحقيق
العدل
الإلهي، أو
وفاء العدل
لحسابنا،
وتقديمه بره
برًا لنا.
بالصليب
صار السيد
المسيح
الذبيح
المبشر الوحيد،
يتكلم خلال
كنيسته
وخدامه
ليجتذب بروحه
القدوس كل نفس
إلى بشارة
الإنجيل المفرحة.
جاءت
الكلمة
العبرية
"باسار basar"
لتعني
"أخبارًا
مفرحة"، تحمل
ذات الأساس لكلمة
"إنجيل".
5.
بكرازاته
العملية
اجتذب أعضاء
كنيسته من الأمم
كجماعة عظيمة
تتمتع بكلمات
حبه التي لا يمنعها
عن أحد، إذ
يقول:
"في
جماعة عظيمة
هوذا لا أمنع
شفتّي" [9].
ما
هما شفتا
السيد المسيح
اللتان لا
يمنعهما عن
النطق إلا
عدله ورحمته،
فبكلمة
الصليب التي
نطق بها
عمليًا التقي
العدل الإلهي
مع الرحمة في
تناغم عجيب!
لم
يمنع شفتيه،
إذ تكلم
علانية بصلبه
جهارًا خارج
المحلة، وشهد
ذلك القادمون
من كل بقاع العالم
يحتفلون بعيد
الفصح، كما
شاهده الجند
الرومان... لا
يستطيع أحد أن
يعتذر بجهله
للصليب!
v لقد
بشّر وسط
الجماعة
العظيمة...
الآن يُخاطب أعضاءه.
إنه يحثهم أن
يعملوا ما قد
عمله هو فعلاً.
لقد بشَّر،
فعلينا نحن
أيضًا أن
نبشر. تألم،
فلنتألم نحن
أيضًا معه.
لقد تمجد
فسنتمجد نحن
أيضًا معه (رو 8:
17)...
لقد
بشَّر وسط
الأمم كلها،
لماذا؟ لأنه
هو نسل
إبراهيم الذي
فيه تتبارك
جميع الأمم
(تك 22: 8). ولماذا
وسط الأمم
كلها؟ لأن
"منطقهم خرج
إلى أقاصي
المسكونة" (مز
19: 4).
"هوذا
لا أمنع شفتي.
أنت يارب علمت
(برّي)" [9].
شفتاي
تنطقان، وأنا
لا أمنعهما عن
الكلام. حقًا
إن شفتي
مسموعتان في
آذان البشر،
لكنك أنت الذي
تعلم قلبي...
فالبشارة لا
تقصر على
الشفتين
وحدهما، حتى
لا يُقال عنا:
"مهما قالوا
لكم فافعلوه،
لكن بحسب
أعمالهم لا
تفعلوا" (مت 23: 3).
ولئلا يُقال
عن الشعب:
"يسبحون الله
بشفاههم لا
بقلبهم". "هذا
الشعب يكرمني
بشفتيه لكن
قلبه عني
ببعيد" (إش 29: 31).
أتقدمون
اعترافًا
مسموعًا
بشفاهكم؟
اقتربوا إليه
بقلوبكم
أيضًا.
"لم
أكتم برّك
(عدلك) في
قلبي" [10].
ماذا
يعني
"برِّي"؟
إيماني، لأن
"البار بالإيمان
يحيا" (عب 2: 4؛ رو
1: 17). (ففي أثناء
الاضطهاد) لا يقول
المسيحي في
قلبه: "إنني
بالحق أؤمن
بالمسيح، لكنني
لا أعلن ما
أؤمن به
لمضطهدي
الثائر ضدي الذي
يُهددني. الله
يعلم أنني
أؤمن بالحق في
داخلي، في
أعماق قلبي؛
وهو يعرف إنني
لا أنكره".
"بخلاصك
وحقك نطقت" [10].
لقد أعلنت
أمام الكل عن
مسيحك!
كيف
يكون المسيح
هو "حقك"؟
إنه يقول: "أنا
هو الحق" (يو 14:
9).
كيف
يكون المسيح "خلاصك؟
عندما تعرَّف
سمعان على
الطفل بين
يديْ أمه في
الهيكل قال:
"لأن عيني قد
أبصرتا
خلاصك" (لو 2: 30).
"ورحمتك
وحقك لم
أخفهما عن
محفل عظيم" [10].
ليتنا
لا نحجز رحمة
الرب وحقه.
أتريدون
أن تسمعوا ما
هي رحمة الرب؟
اتركوا خطاياكم،
فيغفرها لكم.
أتريدون
أن تسمعوا ما
هو حق الرب؟
تمسكوا بالبر؛
فينال بِرَّك
إكليلاً. الآن
تعلن الرحمة لكم،
وأما الحق
فسيُعلن لكم
فيما بعد؛ فإن
الله ليس
رحيمًا دون أن
يكون عادلاً،
ولا هو بعادل
دون أن يكون
رحيمًا...
"وأنت
أيها الرب
إلهي لا تُعبد
رأفاتك عني" [11].
إنه يلتفت إلى
الأعضاء
المجروحة...
أنظر خلال وحدة
الكنيسة
الجامعة إلى
أعضائك
المتألمة،
تطلع إلى
أولئك
المثقلين
بخطايا
الإهمال، ولا
تُبعد رأفاتك
عنهم.
القديس
أغسطينوس
هكذا
إذ يتحدث عن
كلمة الله
المتجسد الذي
جاء يعلن
الخلاص
بصليبه،
جاذبًا الأمم
إلى التمتع
ببركات
الفداء
العجيبة،
أراد أن يحمل
المؤمنون
سماته، خاصة
الحب العملي.
هكذا يليق بنا
كأعضاء جسده
أن نبشر به
ومعه بالفم كما
بالقلب. نشهد
بلساننا كما
بسلوكنا
ونياتنا
الداخلية. لا
نخاف من
الشهادة
للسيد المسيح
المخلص
علانية
بشفاهنا، ولا
تقف الشهادة
عند الفم بل
يلزم أن يروه
متجليًا في
حياتنا.
لقد
جاء مسيحنا
ليعلن الرحمة
الإلهية
والحق الإلهي.
بالصليب
تمتعنا بكمال
حب الله ومراحمه،
كما تحقق عدله
في كماله. هنا
بالتوبة ننعم
بالرأفات في
استحقاقات
الدم الذي
وفَّيّ الحق
أو العدل، وفي
يوم مجيئه
يتحقق العدل
الإلهي حيث
ينال كل جزاءه
حسب عمله،
فننعم بشركة
أمجاده إذ
نستتر فيه،
ونختفي في
صليبه واهب
الحياة.
ليت
رحمته وحقه لا
يفارقان
عيوننا
الداخلية،
فيشعلا فينا
نيران حبه
داخلنا،
ويسمرا مخافته
فينا. نحبه
كأولاد لهم
ملء الدالة دون
استخفاف
بأبوَّته،
ونخشاه
كديّان فاحص
القلوب
والكلى دون
تجاهل لعمل
نعمته فينا.
كما
شهد مسيحنا
للآب عن رحمته
وحقه،
لنشاركه ذات
السمتين،
فنحمل روح
الحب الحقيقي
بلا تهاون،
وروح الحق بلا
عنف. حبنا
يحمل جدية،
وحزمنا يحمل
ترفقًا!
إن
كان مسيحنا
قدّم نفسه
ذبيحة طاعة
للآب وحب لبني
البشر،
حاملاً
شرورنا وآثامنا
في جسده ليحقق
الرحمة
والعدل، فإنه
من جانبنا
ينبغي أن
نعترف
بخطايانا
التي بلا عدد،
وقد أحاطت بنا
من كل جانب،
وأفقدتنا
بصيرتنا
الداخلية،
حتى قلبنا قد
تركنا، أي
صرنا كالأموات.
بمعنى آخر
كلما أدركنا
بشاعة الخطية ومرارتها
نختبر
بالإيمان
عذوبة الصليب
وإمكانيته.
"لأن
الشرور التي
لا عدد لها قد
أحاطت بي.
أدركتني
آثام، ولم
أستطيع أن
أبصر.
كثرت
أكثر من شعر
رأسي.
وقلبي
تركني" [12].
أدرك
المرتل أن
الشرور تكتنف
حياته، أينما
اتجه تُحيط
به، وبسبها
فقد قلبه، أي
بصيرته
الداخلية،
فلم يعد
قادرًا على
التمتع برؤية
الله وشركة
السمائين
وخبرة الحياة
السماوية.
v "لأن
الشرور التي
لا عدد لها قد
أحاطت بي". من
يقدر أن يُحصي
خطاياه،
وخطايا
الآخرين؟ إنه
حمل ثقيل يئن
منه القائل:
"طهرني يارب
من خفياتي،
ومن الغرباء
(خطايا
الآخرين) اشفق
على عبدك" (مز 19:
12)... فإن خطايا
الآخرين قد أُضيفت
إلى الحمل
الذي ينوء منه
كاهله.
"أدركتني
آثام، ولم
أستطع أن
أُبصر".
ما الذي
يحرمني
الرؤية، أليس
الإثم؟ بسبب
الدخان
والتراب أو أي
شيء آخر يُلقى
تُحرم عيناك من
معاينة ذاك
النور، فلا
تقوى على رفع
قلبك الجريح
إلى الله.
يلزم أن يبرأ
قلبك أولاً
حتى تقدر أن
ترى!... السبب هو
أن العين
انطمست بآثام كثيرة
فلم تعد تبصر!
القديس
أغسطينوس
3.
أعداؤه
وقديسوه:
يحوي
هذا القسم
مقابلة بين
مقاومي أولاد
الله وبين
المشتاقين
إلى الخلاص،
أي بين أعداء
الله وقديسيه.
لقد
رأى المرتل أن
خطاياه
وخطايا
الآخرين (الغرباء)
قد اكتنفته،
حتى فقد
بصيرته
الداخلية،
وفارقه قلبه،
لذا صار يصرخ
إلى الله
مخلصه، قائلاً:
"يارب
ارضَ بخلاصي.
يارب
التفت إلى
معونتي" [13].
هنا
أول إشارة إلى
أن الضيقة
كانت لا تزال
قائمة، لذا
يصرخ المرتل
في إيمان
ورجاء. ويعلّق
القديس
أغسطينوس
على هذه
الصرخة
قائلاً: [كأنه
يقول: "إن
أردتَ (ارتضيت)
تقدر أن
تطهرني" (مت 8: 2).
يارب ارتضِ
بخلاصي. يارب
التفت إلى
معونتي". تطلع
إلى الأعضاء التائبة
المتألمة،
هذه التي تخضع
لمشرط الجراح،
وهي لا تزال
في رجاء].
إنه
يسأل من أجل
الذين يريدون
تدمير خلاصه،
كي يبدد الله
مشورتهم
الشريرة
ومقاصدهم
الآثمة. "ليخزَ
ويُعير
طالبوا نفسي
جميعًا
ليبيدوها" [12].
إنه لا يئن من
أجل الذين
يريدون
اغتصاب مملكته
أو حتى كرسي
ملكه، ولا
الذين
يشوّهون سمعته،
أو يريدون قتله،
إنما يئن من
أجل الذين
يريدون ابادة
نفسه، أي
تحطيم خلاصه.
يمكن
أيضًا القول
بإن هذه هي
كلمات السيد
المسيح
المتألم حيث
طلب في
البستان إن
أمكن أن تعبر
عنه الكأس لا
يمنع الألم
وإنما بعبوره.
أما بالنسبة
لصالبيه،
الذين
استخدمهم عدو
الخير كأداته
الخاصة،
حاسبًا أنه
قادر أن يُحطم
السيد
المسيح، فقد
قيل عنهم: "يرتد
إلى خلف
ويفتضح الذين
يريدون لي
السوء" [14]. هذا
ما قد حدث
بالفعل حين
جاءوا
ليقبضوا على السيد
المسيح في
البستان، إذ
رجعوا إلى
الوراء،
وسقطوا على
الأرض.
كان
صالبوه
يسخرون به
ويستهزئون،
ولم يدركوا
أنه بالصليب
قد جرَّد
الريايات
والسلاطين
وأشهرهم جهارًا
ظافرًا بهم
(كو 2: 15). بهذا
تتحقق النبوة:
"ليُقبل
خزيهم بغتة
القائلون لي:
نعمًا نعمًا"
[15].
ترتد
السخرية على
الأشرار
الذين يسخرون
بخلاص الرب،
أما الذين
يطلبون الرب
وخلاصه فيمتلئون
فرحًا وبهجة،
يمجدون الرب
المهتم
بالمساكين
والضعفاء...
"ليتهلل
ويُسر بك جميع
الذين
يلتمسونك
يارب.
وليقل
في كل حين
الذين يحبون
خلاصك.
فليعظم
الرب في كل
حين.
أما
أنا فمسكين
وضعيف والرب
يهتم بي.
معيني
وناصري أنت
هو.
يا
إلهي لا تبطئ"
[16-17].
يعتبر
المرتل أنه قد
بلغ حالة
يُرثى لها. إنه
في ضيقه أدرك
أنه مسكين
وضعيف، لكنه
وجد في الله
معين
المساكين
والضعفاء. وقد
اختبر المرتل
في ضيقته هنا
البركات
التالية:
1.
التمتع
بالتهليل
الداخلي أو
السرور
الحقيقي، لا
يتمتع بهذا
وحده بل
ويشترك معه
الذين يلتمسون
الرب، أي
الذين
اشتركوا معه
بالصلاة لكي
ينقذه الرب.
فإن كان
الأشرار قد
سخروا به
قائلين:
"نعمًا
نعمًا"، إذ
ينطقون بروح
الشماته، قائلين:
"حسنًا
حسنًا" إنه
يستحق ما حلَّ
به، إذ بالأتقياء
يُصلّون معه
وعنه هؤلاء
يرون الله قد
تمجد فيه
فيفرحون.
الأولون
يطلبون نفس المرتل
ليبيدوها [14]،
أما هؤلاء
فيطلبون الله
لخلاص نفس
المرتل [16].
2.
قدمت الضيقة
فرصة ذهبية
ليتعلم
المرتل وأصدقاؤه
الأتقياء
الالتجاء إلى
الله وحده،
يلتمسونه
بروح
الانسحاق.
3.
التهاب القلب
بحب الخلاص.
4.
انفتاح لسانه
وألسنة محبيه
بالتسبيح
يعظمون الرب
بلا انقطاع.
v "وليقل
في كل حين
الذين يحبون خلاصك:
فليعظم الرب
في كل حين"... إذ
يرونني
"ممجدًا
فيك"؛ فإن من
يفتخر فليفتخر
بالرب (1 كو 1: 31).
v حتى
إن صار الخاطئ
بارًا، أعطوا
المجد لذاك الذي
يبرر الفاجر
(رو 4: 5). إن كان
ثمة إنسان
خاطئ فليعطِ
مجدًا لذاك
الذي يدعو إلى
المغفرة. وإن كان
ثمة إنسان يسلك
في طريق البر
فليسبح ويمجد
ذاك الذي دعاه
لنوال
الإكليل.
ليتعظم الرب
في كل حين من
الذين يحبون
خلاصه.
القديس
أغسطينوس
5.
الشعور
بالمسكنة
والاحتياج
إلى المخلص. "أما
أنا فمسكين
وضعيف والرب
يهتم بي" [17].
v كل
ما عندك هو
ملك للمسيح،
وأيضًا كل ما
ستملكه مستقبلاً
هو ملك له،
فماذا أنت في
ذاتك؟ أنا
مسكين وضعيف.
أنا لست
غنيًا، لأنني
لست مغرورًا.
القديس
أغسطينوس
v من
يصير في شدة
الاحتياج، في
عوز من هذا
النوع، يتحقق
فيه قول
النبي:
"المسكين
والبائس يمجد
اسم الرب".
حقًا
أية مسكنة
أعظم وأقدس من
أن يعرف
الإنسان نفسه
أنه بلا قوة
ولا قدرة
للدفاع عن
نفسه، طالبًا
العون اليومي
من صلاح غيره،
وإذ يعلم أن
كل لحظة من
لحظات حياته
إنما تقوم على
العناية الإلهية،
يعترف دومًا
باحتياجه إلى
الرب، ويصرخ إليه
كل يوم: "أما
أنا فمسكين
وضعيف والرب
يهتم بي" [17][784].
الأب
اسحق
هكذا
شتان ما بين
أشرار يطلبون
هلاك النفوس فيسقطون
في الخزي،
وقديسين
يسندون كل نفس
لتخلص
فيمتلئون
بالبركات
الإلهية،
ويتلمسون تجلي
الله في وسط
شعبه، فيصرخ
كل واحد منهم
بروح الرجاء: "يا
إلهي لا تبطئ".
لتكن
إرادتك لا
إرادتي
v ما
أعذبك أيها
المخلص، وما
أعذب أعمالك
معي.
انتشلتني
من هاوية
الخطية،
وحملتني
فيك يا صخر
الدهور،
حولت
حزني فرحًا،
ومراثيّ
تسبيحًا
جديدًا!
v أنت
الأزلي قديم
الأيام، أتيت
إليّ في ملء
الزمان،
وهبتني
الإنسان
الجديد على
صورتك،
وأعطيتني
الحياة
الجديدة فيك،
وفتحت
فمي لأترنم
بالتسبحة
الجديدة.
وتبقى
مراحمك جديدة
كل صباح حتى
أعبر إليك!
v عجيبة
هي أعمالك،
وبلا حصر!
بالصليب
قدمت لي كل
شبع وغنى
وجمال روحي.
حوّلت
قلبي إلى
سمواتك.
واستخدمتني
شهادة
لأعمالك
محبتك.
v ما
أعجب أعمالك
أيها الكلمة
الإلهي!
في
طاعةٍ سلمت
إرادتك بين
يديْ الآب!
احملني
فيك لأُحسب
مطيعًا.
قدمت
جسدك ذبيحة
طاعة وحب،
أقبل
جسدي ذبيحة
حية مقبولة!
v صليبك
اجتذب
الكثيرين
بلغة الحب
والطاعة!
علمني
كيف أشاركك
صليبك لأنعم
بقوة قيامتك!
[774] In 2 Tim., hom. 9.
[775] Comm.. on Canticle, sermon 11.
[776] Flight from the world 1: 4.
[777] قداسة البابا شنودة: تأملات في الصلاة الربانية (الكرازة 22) فبراير 1991، ص 14، 15.
[778] Sermon 251: 2.
[779] Sermon 253.
[780] Adv. Haer. 4: 17: 1.
[781] Comm.. on Luke, hom. 96.
[782] Ibid 64.
[783] On Ps 53 (54)± 12.
[784] St. Cassian: Conf. 10: 11.