مصير
الكَذَبة
وعابدي الوحش
مناسبته
جاء في
عنوان
المزمور:
"لإِمَامِ
الْمُغَنِّينَ.
مَزْمُورٌ
لِدَاوُدَ.
عندما
جاء دُواغ
الأدومي
وأخبر شاول،
وقال
له: جاء داود
إلى بيت
أخيمالك".
كأن
العنوان يربط
المزمور
بإحدى تجارب
داود النبي
المريرة. فقد
جاء داود إلى
نُوب، إلى أخيمالك
الكاهن هربًا
من شاول
الملك، وأخذ
سيف جليات
وأكل هو ومن معه
من خبز الوجوه، ثم
هرب إلى "جت".
وإذ خشي من
ملك جت ذهب
إلى مغارة
عدلام حيث
اجتمع حوله كل
من كانت نفسه
مرة (1 صم 21-22). سمع
شاول بذلك
وحسب أن خيانة
قد تمت في صفوف
رجاله. عندئذ
قال دُواغ
الأدومي إنه
رأى داود في نوب،
وأن الكاهن
أخيمالك
أعطاه زادًا
وسيف جليات.
فأمر الملك
بقتل أخيمالك
وكل الكهنة الذين
معه، وإذ رفض
عبيد الملك أن
يمدوا أيديهم ليقعوا
بهم، قام
دُواغ
الأدومي بهذا
الدور، فقتل
خمسة وثمانين
كاهنًا، وقد
ورد العدد في الترجمة
السبعينية
على أنه
ثلثمائة
وخمسة رجال،
بينما يرفع
يوسيفوس
العدد إلى 385
رجلاً. ومع أن
الأمر قد صدر
من شاول
الملك، إلا أن
ما قام به
دواغ يدل على
تعطشه لسفك
الدماء.
ضرب
نوب مدينة
الكهنة بحد
السيف، ولم
ينجُ منها إلا
أبياثار بن
أخيمالك الذي
هرب وذهب إلى داود.
قال له داود:
"أنا سببت
لجميع أنفس بيت
أبيك؛ أقم
معي، لأن الذي
يطلب نفسي
يطلب نفسك،
ولكنك عندي
محفوظ" (1 صم 22:22-23).
يحدثنا
المرتل عن
نهاية الشر
وبطلانه،
ومجد أولاد
الله
المضطهدين.
هذا ما دفع
المرتل إلى تسبيح
الله، وتمجيد
اسمه القدوس.
1.
الإنسان
الشرير
1-4.
2. مصير
الكذبة الأشرار
5.
3. خلاص
الله
6-8.
4.
التسبيح
لله
9.
العنوان
"لإِمَامِ
الْمُغَنِّينَ.
قَصِيدَةٌ
لِدَاوُدَ
عِنْدَمَا
جَاءَ
دُوَاغُ
الأَدُومِيُّ،
وَأَخْبَرَ
شَاوُلَ
وَقَالَ لَهُ:
جَاءَ
دَاوُدُ
إِلَى بَيْتِ
أَخِيمَالِكَ".
دُواغ
الأدومي: "دُواغ"
اسم أدومي
معناه "شديد
الخوف أو
القلق".
ربما
ذات الغلام
الذي كان
يرافق شاول بن
قيس حين ذهب
يبحث عن أُتن
أبيه الضالة (1
صم 3:9)، وقد كان
رئيس رعاة
شاول (1 صم 21: 7)،
وحيث أن
المواشي كانت
الجزء
الرئيسي من ثروة
شاول، فلابد
أن رئيس رعاته
كان شخصية ذات
شأن، وتقول
أسطورة
يهودية إنه
كان أعظم
علماء عصره،
وهو رجل دخيل.
يرى القديس
أغسطينوس أن
"دُواغ"
معناها
"تحرك"،
و"أدوم"
معناها
"تراب" أو "أرض".
وكأنه يمثل من
يحمل تحركًا
أرضيًا لا سماويًا،
أي سلوكًا
أرضيًا يفسد
خدمة الرب.
بحسب النص
السرياني هذا
المزمور موجه
ضد الشر بوجه عام،
ويقدم نبوة عن
إبادة الشر.
إنه تحذير ضد التدين
الذي تفسده
دوافع شخصية
أنانية.
جاء
هذا المزمور
يُعلن عن
افتخار دُواغ
الأدومي بشره
وعنفه، وهو في
هذا يرمز لضد
المسيح الذي
يفتخر
بمقاومته
للحق،
واضطهاده
للسيد المسيح
في شخص
كنيسته، كما
يكشف عن سلاح
عدو الخير القاتل،
وهو "لسانه"،
أي التجديف
على الله.
يرى
البعض أن
دُواغ يشير
إلى يهوذا
الذي خان سيده
متسترًا
بالقبلة، كما
سلَّم دُواغ
الكهنة للقتل
متسترًا
بالظهور
كإنسانٍ
أمينٍ لسيده
ومهتم بسلام
الشعب.
1.
الإنسان
الشرير
لِمَاذَا
تَفْتَخِرُ
بِالشَّرِّ
أَيُّهَا الْجَبَّارُ؟
رَحْمَةُ
اللهِ هِيَ
كُلَّ يَوْمٍ
[1].
يرى
البعض أن
المزامير 52-55
تُقدم لنا
صورة قوية عن "ضد
المسيح". هنا
يتحدث المرتل
عن الإنسان
الشرير الذي يضطهد
البار. هذا
الاضطهاد
يلازم
البشرية منذ قَتَل
قايين هابيل. ففي
كل عصرٍ يوجد
قايين، لكن
الأمر يبلغ
القمة
باضطهاد ضد
المسيح الكنيسة.
يدعو الكتاب
المقدس هذا
العصر "الضيقة
العظيمة" (مت
13:24). يتسم الشرير
بالإثم
ممتزجًا
بالكبرياء
وحب الخداع
والكذب مع
محبة الشر.
v جيد
ألاّ تغضب،
ولكن إذا حدث
ذلك، فالرسول
لا يسمح لانفعالك
هذا أن يستغرق
أكثر من نهارٍ
واحدٍ... ومع
ذلك فأنت
تتأخر حتى
تغرب شمس
حياتك!
أَلا
تعرف أن تقول:
"يكفي اليوم
شرّه" (مت 6: 34)؟
لماذا
تحقد على الذي
أغاظك؟ الذي
أخطأ في حقك
ليس هو بل
الشيطان.
فاكره المرض
لا المريض.
"لماذا
تفتخر بالشر
أيها الجبار"
(مز 52: 1)؟ لقد
أعلن المزمور
ذلك عنك عندما
قال: "لأنّ
لسانك يخترع
مفاسد اليوم
كله" (مز 52: 2
السبعينية).
أي أنك طوال
أيام حياتك
تعصى واضع
الناموس
القائل: "لا
تغرب الشمس
على غيظكم".
كما أن بقوله
إنّ لسانك
يخترع مفاسد
يعني أنك لا
تكفّ عن
التكلُّم
بالشر على أخيك.
ولذلك، فإنّ
الانتقام
(الإلهي) الذي
نطق به المرتل
بالروح إنما
هو على حق، إذ
يقول: "يهدمك
الله إلى
الأبد،
يخطفك،
ويقلعك من
مسكنك،
ويستأصلك من
أرض الأحياء"
(مز 52: 5). هذه
العقوبات هي
جزاء الذي
يذكر
الأخطاء، فهي
جزاء تلك الرذيلة!
القديسة
الأم
سنكليتيكي
من
سمات الشرير
كما يعرضها
المرتل هنا:
1. الافتخار
بالإثم:
دُواغ الذي
كان راعيًا أو
رئيس رعاة عند
شاول ظهر
كجزار يذبح
ويقتل بلا
رحمة. قتل
الكهنة،
وكانوا
لابسين
الأفود،
وأهلك مدينة
غير مسلحة،
ورجالاً لا
قوة لهم مع
نساء وأطفال.
ومع هذا فقد
أظهر نفسه
كرجلٍ قويٍ،
وكبطلٍ
جبارٍ،
متهمًا
الأبرار بعدم
الإخلاص
للملك
وللدولة (1 صم
8:22)، وكانت نيته
كسب وِدّ شاول
أو المكسب
المادي،
ولعله هدف إلى
قتل الكهنة
أصدقاء داود[67].
v لاحظوا
يا إخوتي
افتخار
الإنسان
الخبيث، افتخار
الشرير...
يحتاج
الإنسان أن
يكون قديرًا،
لكن في الصلاح
لا في الخبث...
"من
يفتخر،
فليفتخر في
الرب" (1 كو 31:1)؛
من يفتخر فليفتخر
في الصلاح.
أنت
تفتخر، لأنك
قدير في الشر.
ماذا ستفعل
أيها القدير
حتى تفتخر
هكذا؟!...
هذا هو
ما يفعله
مواطنو
أورشليم
الصالحون، الذين
يفتخرون
بالصلاح لا
بالخبث:
أولاً: يفتخرون
بالرب لا
بأنفسهم.
ثانيًا:
يمارسون
الأعمال التي
للبنيان في غيرة،
يمارسونها
كأقوياء
ثابتين، أما
الأمور التي
تبدو أنها
للتحطيم،
فيمارسونها
للتأديب،
وليس للضغط
على الأبرياء.
صورة
مُرة يكررها
التاريخ عبر
العصور! دُواغ
يحسب في نفسه
"القوي" بحكم
مركزه، لأنه
متوشح
بالسيف، يحمل
كراهية للابسي
الأفود،
الذين لم
يصنعوا ضده
شرًا. الأول
يتوشح بالعنف
كأبيه إبليس،
والآخرون متوشحون
بروح العبادة
ليلتصقوا
بالله أبيهم!
الأول يمارس
الشر، بل
ويفتخر به
كسيده، وهم يمارسون
العبادة
ليحملوا روح
سيدهم
السماوي!
2. الاستمرار
في الشر: لا
يقف الأمر عند
صنع الشر
والافتخار
به، وإنما
يتسم الشرير
بالاستمرار
في الشر.
يمارس الشر إن
لم يكن بالفعل
أو القول،
فبالفكر. إن قصرت
يداه عن
ارتكاب
الظلم، يبقى
قلبه متحركًا
في طريق الشر.
لا يهدأ ولا
يمل من صنع
الإثم! في
عشقه للشر لا
يعرف التعب من
ممارسته.
v "اليوم
كله بالإثم،
لسانك فكَّر
بالظلم" [2]، أي
كل الزمان دون
ملل، أو أخذ
فترات راحة، وبدون
توقف. وحينما
لا تصنع الإثم
تفكر فيه، فإذ
لا يكون في
يدك صنع الإثم
لا يبتعد قلبك
عنه.
القديس
أغسطينوس
v قوله
"اليوم كله" يعني
مدة حياة ذلك
القوي
بالإثم، فإنه
لا يخجل، ولا
يندم من عمله
ونطقه بالظلم.
الأب
أنثيموس
الأورشليمي
3.
العنف
الممتزج
بالغش
لِسَانُكَ
يَخْتَرِعُ
مَفَاسِدَ.
كَمُوسَى
مَسْنُونَةٍ
يَعْمَلُ
بِالْغِشِّ [2].
اتسم
دُواغ
الأدومي
بالغش
والخداع، ففي
حديثه مع شاول
عن أخيمالك
الكاهن بتر
الحقيقة
وشوهها، إذ لم
يعرض الحوار
الذي دار بين
أخيمالك
وداود ليبرر
نية أخيمالك،
وإنما ببتره
للحقيقة
صوَّره
كخائنٍ يساند داود
عدو الملك،
مما أثار نفس
شاول جدًا.
ربما
كان غاشًا،
لأنه وهو
أدومي تظاهر
بقبول الإيمان،
فصار من
الدُخلاء،
يقدم تقدمات
للهيكل،
ويُمارس
العبادة،
ليظهر كرجلٍ
بارٍ، حتى حانت
له الفرصة،
فتمم شهوة
قلبه: قتل
الكهنة وعائلاتهم.
استخدم كل
دهاء ليحقق
غرضه، فظهر كالموسى
المسنونة
التي تقطع.
لكنه ماذا
قطع؟ شعر
الرأس، أو ما
هو زائد في
حياة الإنسان!
هذا هو أقصى
ما يمكن أن
يفعله الشرير
بأولاد الله،
أن يحرمهم من
الزمنيات
الزائلة! أو
حتى من الحياة
الزمنية بقتل
الجسد الذي
يقوم ممجدًا،
يشارك النفس
ذات الإكليل.
عمل
الشرير إزالة
شعر الرأس،
لكن يقول
السيد المسيح:
"وأما أنتم
فحتى شعور
رؤوسكم
جميعها
محصاة؛ فلا
تخافوا" (مت30:10-31).
إذن ليضرب
الشرير القوي
بسيفه كما
يريد، فإن
شعرة واحدة من
رؤوسنا لن تسقط
بدون إذن
أبينا
السماوي.
قال
بيلاطس للسيد
المسيح: "ألست
تعلم أن لي سلطانُا
أن أصلبك،
وسلطانًا أن
أطلقك؟"
فأجابه: "لم يكن
لك عليّ سلطان
البتة، لو لم
تكن قد أُعطيت
من فوق" (يو 10:19-11).
v (دُواغ
الأدومي يقتل
الكهنة
بوشايته كما
بسيفه).
قطعهم
كالموسى
الحالقة
للشعر بسرورٍ
وهناءٍ.
وفي
يوم حصار
أورشليم تكلم
ربشاقي مع
اليهود بالكفر
قائلاً: لا
يقدر إلهكم أن
ينقذكم من يدي،
فإني آخذكم
إلى بلاد أخصب
من بلادكم
(راجع 2 مل 19:18-35)، صار
لسانه مثل
الموسى
المسنونة
متكلمًا بالغش،
لأنه كان
يخدعهم
بلغتهم،
ويستميل
قلوبهم إليه،
وهو يريد
إزالتهم كما
تزيل الموسى
المسنونة
الشعر.
أيضًا
يليق هذا
القول
بالأكثر
بيهوذا (الإسخريوطي)،
لأنه قال لرؤساء
الكهنة: ماذا
تُعطوني وأنا
أسلمه إليكم؟
ولما عرضوا
عليه ثلاثين
من الفضة، صار
اليوم كله
يطلب فرصة
ليسلم يسوع
إليهم، حتى
جاء الليل،
وفعل ما نطق
به النهار
كله، وأراد
مثل الموسى
الحادة بلا
إحساس أن يزيل
ربنا.
v انظروا
ماذا يفعل
الأشرار
بالقديسين،
إنهم يكشطون (يحلقون)
شعورهم...
ماذا
يفعل موسى
دُواغ لرجل
على هذه الأرض
يتأمل في
ملكوت
السماوات،
وقد اقترب من
الدخول في
ملكوت
السماوات،
معه الله،
ويسكن مع
الله؟
ماذا
يفعل هذا
الموسى؟
إنه
يكشط الشعر،
فيجعل
الإنسان أصلع.
يهذا ينتمي
للمسيح الذي
صُلب في موضع
الجمجمة (مت 33:27)... فإن هذا
الشعر يعني
الزمنيات غير
الضرورية...
الذين
يلتصقون
بالرب بكل
قلوبهم تكون
لهم الأمور
الأرضية كما
الشعر
(الزائد)...
لذلك
مثل موسى
ليحرك دُواغ
لسانه، ليثير
غشه حسبما
يريد، فإنه
ينتزع الأمور
الزمنية الزائدة،
بينما تبقى
الأمور
الضرورية إلى
الأبد.
4. محب
للشر أكثر من
الخير
أَحْبَبْتَ
الشَّرَّ
أَكْثَرَ
مِنَ الْخَيْرِ،
الْكَذِبَ
أَكْثَرَ
مِنَ
التَّكَلُّمِ
بِالصِّدْقِ.
سِلاَهْ [3].
v اختار
يهوذا الشر،
أعني به
الشيطان،
أفضل من الخير
الذي هو
المسيح، وأحب
الظلم، أي
الوشاية ضد
المسيح، أفضل
من التكلم
ببشارة
الإنجيل. لقد
فضَّل أن يكون
مع قاتلي
الإله
(المتجسد) عن
أن يكون في زمرة
الرسل
القديسين.
5. محب
للمخادعين
هنا
يبلغ الشرير
إلى الذروة في
شره، فإنه ليس
فقط يمارس
الشر، ويفتخر
به ويحبه أكثر
من الخير،
وإنما يحب
أيضًا
الأشرار
ليشاركهم
شرورهم أو
يحثهم بالأكثر
على ممارستها
بكل عنف. تصير
لذته في صحبة
الأشرار
والتشاور
معهم، لا
لهدفٍ إلا
لأنه يُسر
بهلاك الناس،
ويفرح بالغش
والكذب.
أَحْبَبْتَ
كُلَّ
كَلاَمٍ
مُهْلِكٍ،
وَلِسَانِ
غِشٍّ [4].
يُدعى
الشيطان
بالقتَّال
والكذَّاب
وأب الكذابين،
هكذا يتسم ضد
المسيح بحبه
للهلاك والكذب،
ويحمل أتباعه
ذات السمتين.
وقد سبق فتحدث
المرتل عن
هاتين
السمتين[68].
أَيْضًا
يَهْدِمُكَ
اللهُ إِلَى
الأَبَدِ.
يَخْطُفُك،َ
وَيَقْلَعُكَ
مِنْ
مَسْكَنِكَ،
وَيَسْتَأْصِلُكَ
مِنْ أَرْضِ
الأَحْيَاءِ.
سِلاَهْ [5].
توجد
ثلاث طرق
لتفسير هذه
التهديدات:
ا.
يُعلن داود
النبي بوحي
الروح القدس
عن الويلات
التي تحل
بدُواغ
الأدومي ما لم
يتب. وقد قدم
الله غايته من
التهديد: "تارة
أتكلم على
أُمة وعلى
مملكة بالقلع
والهدم
والإهلاك،
فترجع تلك
الأُمة التي
تكلمت عليها
عن شرها،
فأندم عن الشر
الذي قصدت أن
أصنعه بها.
وتارة أتكلم
على أُمة وعلى
مملكة بالبناء
والغرس،
فتفعل الشر في
عيني، فلا
تسمع لصوتي،
فأندم عن
الخير، لأني
قُلت إني
أُحسن إليها
به" (إر 7:18-10). هذا
ما تم في أمر
نينوى الذي
هددها الله
بيونان
النبي، لكنها
إذ تابت تمتعت
بمراحمه
الإلهية،
وقيل إن الرب
ندم على الشر
الذي تكلم أن
يصنعه بهم فلم
يصنعه (يونان 9:3)[69].
ب. إذ
رأى داود
النبي من خلال
الواقع الذي
اختبره أن
الأشرار
المصرِّين
على شرهم،
خاصة العنف مع
الخداع يحل
بهم الموت
فجأة (مز 11:37؛ 23:55)،
لذا فإن دُواغ
لن يكون حالة
استثنائية[70].
ج. كان
هذا التهديد
نبوة تحل بابن
الهلاك يهوذا،
الذي مضى وشنق
نفسه؛ أو بضد
المسيح الذي
لا يدوم ملكه
أكثر من ثلاث
سنوات ونصف.
ويلاحظ
في هذا
التهديد
ثلاثة أمور:
ا. إن
كان الهدم
ثمرًا
طبيعيًا للغش
والخداع أو
للباطل، لأن
ما هو باطل
ينتهي
بالبطلان ولا يدوم،
لكن المرتل ينسب
عملية الهدم
إلى الله؛
لأن كل شر في
الحقيقة موجه
ضد الله
شخصيًا. أما
نحن فليس
عملنا أن نطلب
النقمة بل
التوبة
للآخرين، فإن
أصروا على
الشر يسقطون
بحكم تصرفهم
في البطلان
حسب العدل
الإلهي.
هذا
الهدم أبدي "إلى
الانقضاء"،
لا يتحقق
سريعًا، لأن
الله في طول
أناته ينتظر
توبة الكل،
لكن إمهاله لا
يعني تجاهله
للأمر.
ب. اقتلاع
الأشرار
ونقلهم من
مسكنهم،
يعني أن ما
يتمتعون به من
إمكانيات
وقدرات: من
قوة أو قدرة
أو سلطان أو
ممتلكات أو
ذكاء أو سرعة
بديهة الخ.
هذه هبات
إلهية، إن
أساءوا استخدامها،
يأتي وقت
ينتزعها الله
منهم.
ج. يستأصلهم
من أرض
الأحياء: إن كان
عالمنا هذا هو
أرض الأموات،
لأنه لن يخلد
فيه أحد،
فيمكن
للأشرار أن
يعيشوا فيه
كالزوان مع
الحنطة، لكن
في يوم الرب
العظيم لا
يدخل الأشرار
أرض الأحياء
حيث يعيش
المؤمنون المجاهدون
مع الله،
يشاركون
السمائيين
تسابيحهم،
ويتمتعون
بشركة
الميراث
الأبدي.
v كل شيء
يُبنى بالغش
أو الكذب
يهدمه الله،
وكل غرسٍ لا
يغرسه الآب
السماوي
يُقلع. وذلك
كما صار لدُواغ
الذي كان
سابقًا
أدوميًا
وثنيًا، ثم دخل
في دين
اليهودية،
وإذ وشى بداود
اقتلعه الله
ونقله من
مسكنه، أي من
جماعة
المؤمنين. كذلك
يهوذا الذي
أسلم (المسيح)
نقله من مسكن
الرسل ومن أرض
الأحياء،
أعني من بين
الصديقين ومن
حياة هذا
العمر أيضًا،
لأنه مضى وشنق
نفسه. وهكذا
أيضًا الذين
صلبوا
المسيح، هدم
مدينتهم
وهيكلهم
ورئاستهم
ونفاهم...
وشتتهم من مسكنهم،
أي من أورشليم
الأرضية
والسماوية،
وأقصاهم من
ميراث
الصديقين.
v يلزم
أن يكون لنا
جذور في أرض
الأحياء. لتكن
جذورنا هناك.
الجذر مخفي عن
النظر، بينما
الثمار يمكن
أن تكون
منظورة...
جذرنا هو
حبنا، وثمارنا
هي أعمالنا.
يلزم
أن تصدر
الأعمال عن
الحب، عندئذ
تكون جذورك في
أرض الأحياء.
إن
كانت "المحبة
لا تسقط
أبدًا" (1 كو 8:13)،
فلنمارس كل
أعمالنا بدافع
الحب الصادق،
فيبقى لنا
رصيد في
السماويات لا
يزول، أما إن
مارسنا كل
أعمالنا، حتى
قدمنا كل
أموالنا،
وسلمنا
أجسادنا حتى
احترقت، وليس
لنا محبة، فلا
ننتفع شيئًا (1
كو 3:13).
ليكن
لنا الحب،
فيكون لنا
الله، نبقى
معه في
سماواته
أبديًا.
فَيَرَى
الصِّدِّيقُونَ
وَيَخَافُونَ،
وَعَلَيْهِ
يَضْحَكُونَ:
[6]
هُوَذَا
الإِنْسَانُ
الَّذِي لَمْ
يَجْعَلِ
اللهَ
حِصْنَهُ،
بَلِ
اتَّكَلَ
عَلَى
كَثْرَةِ
غِنَاهُ،
وَاعْتَزَّ
بِفَسَادِهِ
[7].
بينما
يستهين
الشرير بطول أناة
الله وإمهاله
إذا
بالصديقين
يرون ما يحل
بالشرير،
فيخافون الرب
ويهابونه،
ويضحكون على
ضعف الشر
وبطلانه، كما
ينتفعون
لحياتهم،
مدركين أن من
يتكل على غناه
أو سلطانه
الزمني، لا
على الله،
يهلك. وكما
يقول الرسول:
"فهذه الأمور
جميعها
أصابتهم
مثالاً،
وكُتبت لإنذارنا"
(1 كو 11:10).
إذ
يمارس
الصديقون
عبادتهم
وسلوكهم مع
الغير بدافع
الحب الذي
ينعمون به
كهبةٍ
إلهيةٍ، يكون
لهم ملء
الدالة لدى
الله، دون
تجاهل كرامة
الله ومهابته:
"تمموا
خلاصكم بخوفٍ
ورعدةٍ" (في 12:2).
"اعبدوا الرب
بخشيةٍ،
وهللوا له
برعدةٍ" (مز 11:2).
يرى القديس
أغسطينوس
أننا في هذا
العالم أشبه
بمن يسير في
ليلٍ مظلمٍ،
يحملون مصباح
الكلمة
النبوية،
فإنهم يسيرون
بخوفٍ ورعدةٍ
حتى يشرق نهار
الأبدية، فلا
يكون هناك
خوف. وكما
يقول الرسول
بطرس: "وعندنا
الكلمة
النبوية وهي
أثبت، التي
تفعلون حسنًا
إن انتبهتم
إليها كما إلى
سراجٍ منيرٍ
في موضعٍ
مظلمٍ، إلى أن
ينفجر
النهار،
ويطلع كوكب
الصبح في
قلوبكم" (2 بط 19:1).
هذا من
الجانب
السلبي حيث
يخشى
الصديقون السقوط
فيما يسقط فيه
الأشرار
باتكالهم على
كثرة غناهم
وأباطيلهم.
أما من الجانب
الإيجابي،
فإنهم إذ
يُغرسون
كأشجار
الزيتون في
بيت الرب،
تضرب جذورهم
في الأرض
المقدسة،
لتقتات بحب
الله ومراحمه
وقداسته
وكلمته.
يعلن
المرتل عن
القوت الذي
تمتصه جذورهم
كشجرة زيتون،
قائلاً:
أَمَّا
أَنَا
فَمِثْلُ
زَيْتُونَةٍ
خَضْرَاءَ
فِي بَيْتِ
اللهِ.
تَوَكَّلْتُ
عَلَى
رَحْمَةِ
اللهِ إِلَى
الدَّهْرِ
وَالأَبَدِ [8].
ملكوت
السماوات
يشبه عذارى
(مت 1:25)، كأشجار
زيتون، تحمل
بعضهن ثمار
المحبة
العملية،
فيوجد في
آنيتهن زيت،
والأخريات
بلا ثمر ليس
لهن زيت في
آنيتهن، فلا
يقدرن على
استقبال
العريس أو
الدخول معه في
العرس الأبدي.
v أحسب
جبل الزيتون
رمزيًا يشير
إلى كنائس
الأمم، إذ
بينهم غُرست
أشجار
الزيتون. يمكن
لكل كنيسة أن
تقول: "أنا مثل
شجرة زيتون
مثمرة في بيت الله"
(مز 52: 8).
ربما
أيضًا في جبل
الزيتون، حيث
جذور أشجار الزيتون
الصالحة
تعيش، وتُطعم
أغصان شجر الزيتون
البرية في
الشجرة
الصالحة عوض
تلك الأغصان
التي تُقطع
بسبب عدم
إيمانها (رو 11: 20).
الفلاح
الذي يقيم على
جبل الزيتون
هو كلمة الله
العامل في
الكنيسة، وهو
المسيح الذي
على الدوام
يُطعم أغصان
الزيتون
البرية في
الشجرة
الصالحة التي
لأبينا موسى
والأنبياء
الآخرين، حتى
إذ يتقوون
بالأنبياء
القديسين
الذين أدركوا
أن نبواتهم
تشير إلى
المسيح. هذه
الأغصان الجديدة
تأتي بثمرٍ
أوفر، ثمار
أغنى من تلك
التي كانت
لفروع
الزيتون
الأولى التي
قُطعت، ولم
تعد ذات نفع،
بسبب لعنة
الناموس[71].
العلامة
أوريجينوس
v فلنكن
هكذا، كشجر
زيتون،
مُحمَّلين
بالوصايا من
كل جانب. فإنه
لا يكفي أن
نصير مثل شجر
زيتون، وإنما
يلزم أن نكون
مثمرين أيضًا[72].
v العذارى،
كما نعلم، كان
معهن زيت،
ولكن لم يكن
كافيًا أن
يستمر (مت 25: 3، 8).
لذلك يلزم أن
يكون معنا زيت
كثير، وأن
نكون كشجرة
زيتون خضراء
في بيت الرب.
لنتأمل في ثقل
الخطايا التي
يرتكبها كل
واحدٍ منا ضد
الآخر،
ولنمارس
أعمال الرحمة
مقابلها[73].
القديس
يوحنا الذهبي
الفم
v كن
كزيتونةٍ
خضراءٍ في بيت
الله. لا تفقد
الرجاء
أبدًا، بل
تحصن بالإيمان
بزهور
الإخلاص،
فتشبه ذاك
النبات... بل
وتفوقه في
الإثمار، إن
كان كل يوم
يردك، وأنت
تفيض بعطاء
الصدقات[74].
v جاء (يسوع)
إلى جبل
الزيتون (لو 19: 2،
9)، حتى يمكنه
أن يغرس شجر
زيتون جديد
على أعالي
(جبل)
الفضيلة، في
أورشليم
العليا الأم
(غل 4: 26).
البستاني
السماوي على
هذا الجبل،
حيث يُمكن لكل
المغروسين في
بيت الرب أن
يقولوا: "أما
أنا فمثل
زيتونة مثمرة
في بيت الله"
(مز 52: 8 LXX).
ربما هذا
الجبل هو
المسيح نفسه.
لأن من غيره يقدر
أن يُنتج مثل
هذه الثمار،
ليس في ثمر
عليق، بل في
كمال الروح في
الأمم
المثمرة؟
لأننا بواسطته
نصعد، وإليه
نصعد (يو 3: 13)[75].
القديس
أمبروسيوس
إن كان
دُواغ
الأدومي قد
قتل كهنة
الرب، فيكون
كمن يقتلع
أشجار الزيتون
من بيت الرب،
فيحل غضب الله
عليه، وعلى من
هم في رفقته.
أما داود
النبي
الطريد، فهو
وإن حُرم من
بيت الرب
جسديًا، لكنه
بقلبه المثمر
يكون كشجرة
زيتون مثمرة
مغروسة في بيت
الرب. لهذا
اعتادت
الكنيسة
القبطية أن
تترنم بهذه
العبارة
والعبارة
التالية لها
في عشية عيد
القديس يوحنا
المعمدان (2
توت)، حيث
نتطلع إليه
وهو في البرية
لا يمارس عمله
الكهنوتي، ومحروم
من زيارة
الهيكل. إنه
شجرة زيتون
مغروسة في بيت
الله. بينما
كان الكهنة
الأشرار يخدمون
الهيكل
بأجسادهم دون
قلوبهم خارج
بيت الله
الروحي،
مُعتبرين
غرباء عنه وعن
بيته.
ليفعل
الأشرار كل ما
في وسعهم،
فإنهم لن يقدروا
أن يقتلعوا
الصالحين من
بيت الرب، أو
يحرموهم من
ثمارهم
الروحية، بل
على العكس
كلما قاوموهم
وطردوهم
تعمقت جذورهم
الخفية في بيت
الرب!
يختم
المرتل
المزمور بتسبيحه
لله، وتمسكه
باسمه
القدوس،
قائلاً:
أَحْمَدُكَ
إِلَى
الدَّهْرِ
لأَنَّكَ فَعَلْتَ،
وَأَنْتَظِرُ
اسْمَك،َ
فَإِنَّهُ
صَالِحٌ
قُدَّامَ
أَتْقِيَائِكَ
[9].
v إنه
يقول: أنا لم
أصنع نفسي
زيتونة مثمرة
مغروسة في بيت
إلهي، بل
رحمتك
ومعونتك فعلا هذا.
عليّ أن
أشكرك، وأحمد
اسمك على
الدوام، لأجل
سائر
إحساناتك،
فإنك صالح
وصانع كل
صلاح... الأمر
الذي يعرفه
أبرارك.
v دُواغ
يُدان، وداود
يُكلل...
إنه
اعتراف عظيم
"على أفعالك"...
مُرٌّ
هو العالم،
أما اسمك
فمُبهج (صالح).
فإنه وإن وجدت
أمور حلوة في
العالم،
لكنها تنقلب
إلى مرارة.
اسمك مُفضل
ليس فقط لأجل
عظمته، وإنما
لأجل بهجته
أيضًا...
يقول:
"ذوقوا
وانظروا، ما
أحلى الرب!"
(مز 8:34)...
اسمك
مُبهج، لكن
ليس في عيني
الأشرار.
إنني
أعرف كم حُلو
هو، ولكن
للذين
يذوقونه!
هكذا كشف
المرتل عن
سمات الشرير
الذي يُقاوم
الله في أشخاص
قديسيه،
مُستخدمًا
العنف مع
الخبث؛ فيهلك
بسبب شره
ويدخل إلى
الباطل،
ويُطرد من أرض
الأحياء. أما
البار،
فيحتمل
مضايقات الشرير
من أجل الرب،
فيغرسه الرب
في بيته كشجرة
زيتون تحمل
ثمار الروح،
وترتوي بالحب
والرحمة
الإلهية. بهذا
يختبر
الأبرار
عذوبة مراحم الله،
ويُمجدون
اسمه
ويسبحونه إلى
الأبد.
من
وحي المزمور 52
اغرسني
في بيتك،
شجرة
زيتونة مثمرة!
v اغرسني
في بيتك، شجرة
زيتونة
مثمرة،
فأحمل
زيتًا في
مصباحي،
وأدخُل
مع العذارى
الحكيمات إلى
عُرسك،
وأنعم
بالشركة معك
في أمجادك!
v ثبِّت
جذور الحب
فيّ،
فأقتات
بحبك ورحمتك،
وأحمل
ثمر الروح،
يبهج قلب
الآب!
v ليضرب
العدو الشرير
بكل طاقاته،
فإنه
لن يقدر أن
يقتلعني من
بيتك!
ليضرب
بموسه في
رأسي،
فإنه
لن ينزع عنها
إلا الشعر،
وفي
هذا كله أنت
تهتم حتى
بإحصاء عدد
شعر رأسي!
لن
تسقط واحدة
بدون إذنك!
[67] W. Plumer: Psalms, p. 556.
[68] راجع تفسير مزمور 14.
[69] Cf. W. Plumer:
The Psalms. 567.
[70] Cf. W. Plumer: The Psalms. 567.
[71] Commentary on Matt 32.
[72] In Hebr., hom, 32:8.
[73] Homilies on Ephessians, 24.
[74] Hexameron 5:6.
[75] Exposition of Luke 9:2.