الخلاص
الأكيد
مرثاة
أم تسبحة؟
في
المزمور
السابق إذ يظن
الجاهل أنه
ليس إله،
ينقض على
الأبرار
ليفترسهم، أو
يلتهمهم كخبزٍ
يوميٍ. وكأنه
لا يستغني عن
مقاومتهم
واضطهادهم،
وإن أمكن
قتلهم. لكن
الله يبدد
عظام الشرير
الذي لا يبالي
بالله، بل يفتخر
بشرَّه،
ويطلب رضاء
الناس. أما
الأبرار فيهبهم
الحرية
الداخلية،
ويقيم منهم
إسرائيل
الجديد، أي
الناظر لله
بعقله،
ويعقوب الحقيقي
الذي يصارع
ويغلب. يهبهم
الله الفرح
الحقيقي،
والتهليل
الروحي
الداخلي.
يأتي
بعده المزمور
54 ليقدم مثلاً
حيًا وخبرة
للخلاص
الأكيد الذي
تمتع به داود
النبي، قدمه
في شكل مرثاة،
لا بل في شكل
تسبحة،
خلالها يعلن
قوة اسم الله للخلاص.
فقد هرب داود
من وجه الملك
شاول ورجاله؛
هرب الراعي
الحقيقي
الخفي من وجه
الأجير الذي
يهتم بنفعه
الخاص، ولو
على حساب غنم
رعيته، أو قل
هرب الحمل
الوديع من
أمام وجه الذئب.
التجأ
داود إلى زيف،
مدينة في
المنطقة
الجبلية
ليهوذا (يش 15: 55)،
ليتمتع بحصون
طبيعية. خاف
أهل زيف من
شاول، وكان
يمكنهم أن
يطلبوا من
داود أن
يفارقهم،
لكنهم غدروا
به، إذ جاءوا
إلى شاول،
وقالوا له:
"أليس داود
مختبئًا
عندنا؟!"
وأرادوا
تسليمه له، أو
تهيئة الجو
لشاول
ليقتله،
والرب خلصه!
تسبحة
الصليب
يرتل
المؤمن كما
الكنيسة معًا
في بدء صلاة
الساعة
السادسة بهذا
المزمور،
بكونه تسبحة
الصليب! يشارك
المؤمن مسيحه المصلوب،
فإن كان السيد
قد حمل
بإرادته خطايا
العالم كله
ليكفِّر عنها
بدمه، فإن
المؤمن كعضوٍ
في جسد المسيح
لا يطيق
الخطية. يصرخ
إلى الله
ملتجأ إلى دم
المسيح
الثمين،
ليحطم الشر
ويطأ إبليس
وقواته تحت
قدميه،
مقدمًا ذبيحة
الحمد لاسم
الرب مخلص
العالم.
تستخدم
بعض الكنائس
هذا المزمور
في طقس الجمعة
العظيمة.
الإطار
العام
1.
الخلاص في اسم
الله 1-3.
2. الله
معين
لي 4-5.
3.
ذبيحة
الشكر
6-7.
العنوان
لإِمَامِ
المُغَنِّينَ
عَلَى
ذَوَاتِ الأَوْتَارِ.
قَصِيدَةٌ
لِدَاوُدَ
عِنْدَمَا
أَتَى الزِيفِيُّونَ،
وَقَالُوا
لِشَاوُلَ:
أَلَيْسَ
دَاوُدُ
مُخْتَبِئًا
عِنْدَنَا؟
كتب
داود النبي
هذا المزمور،
أو وضعه عندما
خانه
الزيفيون،
ووضعوا على
عاتقهم أن
يأسروه، لكن
الله خلصه من
مؤامرتهم.
سجل
لنا سفر
صموئيل الأول
حادثين تعرض
فيهما داود
للوقوع في
يديّ شاول (1 صم 23:
14-29؛ 26: 1-25). لا نعرف
في أي
الحادثين سجل
لنا داود هذا المزمور،
غير أن غالبية
الدارسين
يرون أنه في
المرة
الأولى،
فيكون النبي
قد سجل
المزمور في
عين جدي بعد
خلاصه الأول،
وليس في جت
بعد خلاصه في
المرة
الثانية[89].
"فصعد
الزيفيون إلى
شاول إلى جبعة
قائلين:
أليس
داود مختبئًا
عندنا في حصون
في الغاب في تل
حخيلة التي
إلى يمين
القفر.
فالآن
حسب كل شهوة
نفسك أيها
الملك في
النزول انزل
وعلينا أن
نسلمه ليد
الملك.
فقال
شاول: مباركون
أنتم من الرب
لأنكم قد أشفقتم
عليّ.
وصعد
داود من هناك،
وأقام في حصون
عين جدي" (1
صم 23: 19-21، 29).
تحوي
هذه المرثاة
صرخة تعبِّر
عن الثقة في
خلاص الله
الكامل
للمؤمنين
المتألمين
عبر كل الأجيال،
خاصة في
الضيقة
العظمى. يرى
البعض أن النبي
المتألم هنا
هو رمز للسيد
المسيح ابن داود
المتألم
لأجلنا.
يرى القديس
أغسطينوس أن
كلمة "زيف"
معناها
"مزخرف" أو
"مزيف" أو
"مزدهر" إلى
حين. وكأن
الذين خانوا
داود كانوا
مزيفين كالعشب
الذي يزهو
وينمو إلى
حين، لكن
سرعان ما يذبل.
لقد ظن
الزيفيون
أنهم يزدهرون
بخيانتهم داود،
لكن خطتهم
فشلت وهلكوا،
بينما خرج
داود من الضيقات
غالبًا
ومنتصرًا[90].
v لم
تكن خيانتهم
لصالحهم، ولا
أضرَّت داود.
كان داود في
البداية
مختبئًا،
وأما أعداؤه
فكانوا
مزدهرين.
لاحظ
داود المختبئ
في قول الرسول
عن أعضاء المسيح:
"قد متُّم،
وحياتكم
مستترة مع
المسيح في
الله" (كو 3:3).
كانوا
مختبئين
(مستترين في
المسيح) فمتى
يزدهرون؟
يقول: "متى
أُظهر المسيح
حياتنا،
فحينئذ
تُظهرون أنتم
أيضًا معه في
المجد" (كو 3: 4).
عندما يزدهر
هؤلاء
(المستترون في
المسيح) يذبل
أولئك
الزيفيون.
لاحظ
بأية زهرة
قُورن مجد
الزيفيين: "كل
جسد عشب، وكل
جماله كزهر
(الحقل)" (إش 40: 6).
ما هي
نهايتهم؟
"يبس العشب،
ذبل الزهر".
ما هي
نهاية داود؟
لاحظ ما قيل
بعد ذلك: "وأما
كلمة الرب،
فتثبت إلى
الأبد" (راجع
إش 40: 8)...
أتريدون
أن تكونوا
زيفيين؟ إنهم
يزهرون في
العالم،
ويذبلون في
الدينونة،
وإذ يذبلون
يلقون في نار
أبدية؛
أتختارون
هذا؟!...
لقد
كان ربُك
مُختبئًا
هنا، وكل
الصالحين مختبئين
هنا، لأن
صلاحهم داخلي
ومخفي في القلب
حيث يوجد
الإيمان
والحب
والرجاء، حيث
يكون كنزهم...
كل هذه الأمور
الصالحة
مخفية،
ومكافأتها
مخفية.
القديس
أغسطينوس
ذهب
شاول إلى جانب
الجبل، وداود
على الجانب الآخر،
وبينهما صخور
كثيرة وعرة لا
يمكن عبورها.
كانا ينظران
الواحد
الآخر، لكن لا
يمكن لشاول
الوصول إليه
إلا من خلال
دوران طويل.
أرسل شاول
فريقًا من
جانب،
وفريقًا من جانبٍ
آخر حتى لا
يفلت داود من
أيديهم، بل
يُحاط من كل
ناحية. ولكن
الله أوجد
لداود
منفذًا، إذ
جاء رسول إلى
شاول يقول له:
"أسرع وانزل،
لأن
الفلسطينيين
قد اقتحموا
الأرض" (1 صم 23: 27).
يُقال إنهم
اقتحموا أرضه
الخاصة[91].
أدرك
داود النبي أن
خلاصه قد تحقق
لا بتخطيطٍ
بشريٍ، ولا
بقدرةٍ
إنسانيةٍ،
ولا ثمرة
مصادفات، إنما
باسم رب
الجنود. لذا
ترنم، قائلاً:
اَللهُمَّ
بِاسْمِكَ
خَلِّصْنِي،
وَبِقُوَّتِكَ
احْكُمْ لِي [ع1].
هذه هي
خبرة داود
النبي منذ
صباه، تحدث
بها وهو غلام
مع شاول الملك
الذي قال له:
"لا تستطيع أن
تذهب إلى هذا
الفلسطيني
(جليات)
لتحاربه،
لأنك غلام وهو
رجل حرب منذ
صباه"،
فأجابه: "الرب
الذي أنقذني
من يد الأسد
ومن يد الدب،
هو ينقذني من
يد هذا
الفلسطيني" (1
صم 17: 37).
وفي
مقاومته
لجليات قال:
"أنت تأتي
إليّ بسيف
ورمح وترس؛
وأنا آتي إليك
باسم رب
الجنود..." (1 صم 17:
45). يُدرك
المرتل ما لاسم
الله من قوة،
فيقول:
"على اسمه
القدوس
اِتكلنا" (مز 33:
21).
"أيها
الرب ربنا،
مثل عجبٍ صار اسمك
على الأرض
كلها" (مز 18: 1).
"باسمك
ندوس
القائمين
علينا" (مز 44: 5).
"باسمك
أرفع يدي،
فتشبع نفسي كأنها
من شحمٍ
ودسمٍ" (مز 66: 4).
"أعنا
يا الله
مخلصنا من أجل
مجد اسمك، يا
رب تنجينا
وتغفر لنا
خطايانا من
أجل اسمك" (مز
79: 9).
"باسمك
طول النهار
يبتهجون" (مز 89:
16).
هكذا
يرى المرتل في
اسم الله سرّ
الخلاص،
فعليه يتكل،
وفيه يجد
عجبًا يملأ
الأرض كلها،
وبه يحطم
العدو إبليس،
ويرفع يديه
لتشبع نفسه، ومن
أجله يتمتع
بغفران
الخطية،
وتتحول حياته إلى
بهجة مستمرة
بلا انقطاع.
واضح
هنا أن "الاسم"
الإلهي يعني "الحضرة
الإلهية"،
والتمتع
بالعمل
الإلهي، وليس
مجرد ترديد الاسم
بالشفاه. إذ
يقول الأشرار
للسيد المسيح:
"أليس باسمك
تنبأنا،
وباسمك
أخرجنا
شياطين،
وباسمك صنعنا
قوات كثيرة؟!"
(مت 7: 22)،
فيجيبهم: "إني
لم أعرفكم قط؛
اذهبوا عني يا
فاعلي الإثم"
(مت 7: 23).
ليتنا
لا نستغل اسم
الله المخلص
لغير خلاص نفوسنا،
فإنه قد وُهب
لنا لنجد فيه
عذوبة الخلاص.
نناديه
باسمه،
فينادينا
بأسمائنا.
نطلب باسمه أن
نخلص،
فيحملنا إلى
أحضانه، ونترنم
قائلين: "اللهم
باسمك خلصني،
وبقوتك أحكم
لي" [ع1].
لقد
اهتم أهل زيف
بإرضاء شاول،
أما داود
فالتجأ إلى
اسم الله،
وسلم له كل
أموره بكونه
الحاكم
الأعظم وديان
الجميع. ليس
غريبًا أن
يتعرض
المؤمنون في
كل الأجيال للخيانة
حتى من ذويهم،
حتى يصيروا
مقاومين لهم
أكثر من
الأعداء،
الأمر الذي
يسبب لهم حزنًا
شديدًا، لكن
الحزن لا يقدر
أن يبتلعهم،
إذ يدركون
أنهم في يد
الله الديان
العادل، الذي
يسمح لهم
بالضيق، لكن
إلى حين.
يرى القديس
أغسطينوس أن
الكنيسة مثل
داود، تختفي
بين أهل زيف.
بينما يمارس
أهل زيف
الخداع،
ويدبرون مؤامرات.
تجد الكنيسة
المُضطهدة في
اسم عريسها المصلوب
المُهان
خلاصها، وفي
قوة صليبه ما
يقيمها في يوم
الدينونة أو
الحكم العظيم.
v كما
يقول معلم
الأمم إنه لا
يعرف شيئًا
بيننا "إلا
يسوع المسيح
وإيّاه
مصلوبًا" (1 كو 2:2)،
لكي ما نفضل
الاسم الذي له
عن زهو
الزيفيين.
ومع
ذلك فماذا
يقول عنه؟ "إن
كان قد مات عن
ضعفٍ، لكنه
يحيا في قوة
الله". إذن جاء
لكي يموت في
ضعفٍ، وسيأتي
ليدين في قوة
الله. لكن
خلال ضعف
الصليب صار
اسمه مشهورًا.
من لا يؤمن بالاسم
الذي صار
مشهورًا خلال
الضعف يصير في
رعب أمام
الديان عندما
يأتي بقوة.
القديس
أغسطينوس
إذن
اسم "يسوع"
الذي يعني "الله
خلاص"، هو
سرّ خلاصنا
وتبريرنا في
يوم الدين،
وهو عينه
مُرعب
للأشرار
الرافضين
خلاصه.
v اسم
الله عظيم
الجلال وكلي
القدرة؛
بالنسبة للمؤمنين
يكون نصرة
ومعونة، أما
بالنسبة للمقاومين
فانكسارًا
وإبادة... لا
يزال إلى الآن
اسم ربنا إذا
دُعي بإيمان
يصنع خلاصًا.
داود
أيضًا يطلب
الخلاص باسم
الله،
وبقدرته يقيم
الحكم بينه
وبين أعدائه
والانتقام
منهم، دون أن
يفتخر ببرّه
(الشخصي).
لنسأل نحن أيضًا
غفران
خطايانا،
ونجاتنا من
الشدائد في
هذا العالم
وفي الآخرة،
لكن ليس
بأعمالنا،
وإنما باسم
ربنا المدعو
علينا.
الأب
أنثيموس أسقف
أورشليم
"اُحكم
لي": لا يعتمد
المؤمن على
برِّه
الذاتي، إنما
على نعمة الله
ومحبته،
واثقًا في
إمكانية
مخلصه. يواجه
عدو الخير،
فيقول مع
داود: "يكون
الرب الديان،
ويقضي بيني
وبينك، ويرى
ويحاكم
محاكمتي،
وينقذني من
يدك" (1 صم 24: 15). كما
يقول: "لأنك
أقمت حقي
ودعواي؛ جلست
على الكرسي
قاضيًا
عادلاً" (مز 9: 4).
"اَقضِ لي يا
الله، وخاصم
مخاصمتي مع
أمة غير
راحمة، ومن
إنسانٍ غش
وظلم نجني" (مز
43: 1).
إدراك
المرتل لقوة
اسم الله
للخلاص دفعه
إلى حياة
الصلاة
الداخلية،
والصراخ
أيضًا بشفتيه،
واثقًا في
إمكانية
الاستجابة:
اسْمَعْ
يَا اللهُ
صَلاَتِي.
أصْغَ
إِلَى
كَلاَمِ
فَمِي [ع2].
v ما
الفارق بين
الاستماع إلى
الصلاة
والإنصات إلى
كلام الفم؟
تشير
الصلاة إلى
حديث القلب
السري مع الله
أو الاتصال
به، ولو بلغة
الصمت،
فكثيرًا ما
يسمع الله ما
نصرخ به في
قلوبنا، ولا
نستطيع أن تعبر
عنه بكلماتنا.
ليس
سلاح آخر أقوى
من الصلاة.
إذا كانت بنية
صالحة يستمع
إليها الله،
وإذا ما قربها
المصلي
بأعمال صالحة
يستجيب لها،
وينصت إليها.
الأب
أنثيموس
الأورشليمي
v أرسلها
إلى أذنيك،
فاسند (صلاتي)
حتى تبلغ الطريق،
ولا تسقط
سريعًا وسط
الطريق،
وتخور كأنها
ساقطة.
القديس
أغسطينوس
v الصلاة
هي أن تتكلم
بعظم دالة،
محاورًا الله.
إن كنا
بالهمس دون
فتح الشفتين
نتحدث في صمتٍ،
فإننا نصرخ من
الداخل. الله
يسمع على
الدوام كل
حديث داخلي[92].
القديس
إكليمنضس
السكندري
يرى القديس
أغسطينوس أن
سرّ استجابة
الله لصلوات
داود، وإعطاء
أذنيه لكلام
فمه، هو تسليم
الأمر بين يدي
الله، تاركًا
القرار بين
يديه، إذ
يقول: [أنت
مريض، فلا
تُملي على
الطبيب الأدوية
التي يختارها
لك. إن كان
معلم الأمم،
بولس الرسول،
يقول: "لأننا
لسنا نَعلم ما
نصلي لأجله
كما ينبغي" (رو
8: 26)، فكم
بالأكثر يكون
حالنا نحن؟!]
كما يقول: [ليت
المريض لا
ينسحب من بين
يدي الطبيب،
ليته لا يقدم
مشورة للطبيب.
ليكن الأمر
هكذا في كل
الأمور الزمنية.]
إذ
يفتح المرتل
قلبه وفمه
للحديث
الصريح مع الله،
يشتكي أعداءه
الروحيين،
ليس رغبة في
الانتقام،
وإنما لطلب
خلاص نفسه حتى
لا يهلك أبديًا.
لقد قدم ثلاث
سمات للأعداء:
أ.
غرباء.
ب.
أقوياء.
ج. لم
يجعلوا الله
أمامهم.
لأَنَّ
غُرَبَاءَ
قَدْ قَامُوا
عَلَيَّ،
وَعُتَاةً
طَلَبُوا
نَفْسِي.
لَمْ
يَجْعَلُوا
اللهَ
أَمَامَهُمْ.
سِلاَهْ [ع3].
غرباء: كان
الزيفيون من
ذات سبط داود،
أي من سبط يهوذا،
لكن كان لهم
روح الغرباء.
قد يكون
الإنسان
قريبًا لك، من
عائلتك، لكنه
عوض أن يعينك
يقف ضدك. فقد
جاء السيد
المسيح إلى
خاصته،
وخاصته لم
تقبله. كما
قال السيد:
"أعداء
الإنسان أهل بيته"
(مت 10: 36). حينما
يستغل عدو
الخير أقرب من
لك لتحطيم
حياتك
الروحية
وإفساد نفسك،
إنما يحمل روح
التغرُّب
والعداوة.
"عتاة":
في عتاب أيوب
لأصدقائه
يصرخ: "هل قلت
أعطوني
شيئًا؟ أو ومن
مالكم ارشوا
من أجلي؟ أو
نجوني من يد
الخصم أو من
يد العتاة
افدوني؟" (أي 6:
22-23). وجاء الوعد
الإلهي:
"أنقذك من يد
الأشرار، وأفديك
من كف العتاة"
(إر 15: 21).
"لم
يجعلوا الله
أمامهم":
لا يخشون
الله، ولا
يعطون أي
اعتبار
لوصاياه
وكلمته
وإرادته. وكما
قيل عن معصية
الشرير: "نأمة
(أنين داخلي)
معصية الشرير
في داخل قلبي
أن ليس خوف
الله أمام
عينيه" (مز 36: 1).
فالشرير، لا
يخشى الله،
ولا يبالي
بوصيته
الإلهية أو
الكلمة
الإلهية، حاسبًا
كلمة الله
(السيد
المسيح) عدوًا
ضده وخصمًا،
فيعطيه ظهره،
ولا يجعله أمامه.
الشر يفسد
القلب، فلا
يطيق النور
الإلهي، ولا
يحتمل رؤية
المسيح
المصلوب.
يقول
القديس
أغسطينوس:
[عندما يحب
البشر
خطاياهم
يبغضون وصايا
الله؛ ويصير
حكمة الله
(المتجسد)
خصمًا لكم إن
صرتم أصدقاء
لشروركم. لكن
إن صرتم خصمًا
لشروركم،
يكون كلمة
الله صديقًا
لكم، وخصمًا
لشروركم[93]].
v الإنسان
المتغرب عن
كنيسة الله
يضطهدها، حاسبًا
أنه قوي، ليس
من قوة تروعه.
مثل هذا لا يجعل
الله أمامه،
بل يتكل على
قوته أو
سلطانه أو
ممتلكاته أو
أصدقائه.
الزيفيون
غرباء، وشاول
وجنوده هم
الأقوياء.
أيضًا
يدُعى الذين
تغرَّبوا عن
الله غرباء... ولو
أنهم بنو
جنسنا
وأقرباؤنا،
لأنهم يطلبون
هلاك نفوسنا،
إذ لم يعبأوا
بعناية الله،
وتهاونوا
بقدرته.
الأب
أنثيموس
الأورشليمي
v عندما
لا يضع
الإنسان الله
أمام وجهه،
ماذا يكون
أمام عينيه
إلا العالم؟
بمعنى آخر يجمع
مالاً على
مالٍ، ويهتم
أن يزيد
القطيع، وتمتلئ
مخازنه،
فيقول لنفسه:
"يا نفسي لكِ
خيرات كثيرة
موضوعة لسنين
كثيرة،
استريحي وكُلي
واشربي
وافرحي" (لو 12: 19).
القديس
أغسطينوس
v نعم
إن الذين
يتكلمون
بكلام الله
أمام الله يفهمون
أنهم قد قبلوا
كلمات
التعليم من
الله، وبهذا
يجب أن يسعوا
لمسرة الله،
وليس لمسرة
ذواتهم. كذلك
ينبغي أن
ينصتوا إلى
قول الكتاب: "مكرهة
للرب كل
متشامخ القلب"
(أم 16: 5).
من
الواضح أن
هؤلاء عندما
يسعون وراء
مجدهم الباطل
باستغلال
كلمة الله،
يغتصبون حق
الله الواهب
المعطي،
لأنهم لا
يخشون سلب
المديح من
الذين قبلوا
التعليم
بأمورٍ مقدسة.
ليسمعوا
كذلك ما يقوله
سليمان
للمعلمين: "اشرب
مياهًا من
جُبِّكْ،
ومياهًا
جارية من بئرك،
لا تفض
ينابيعك إلى
الخارج،
سواقي مياه في
الشوارع،
لتكن لك وحدك،
وليس لأجانب
معك" (أم 5: 15-17)[94]. فعندما
يفحص المعلم
أعماق قلبه،
وينصت إلى ما
يقوله، يشرب
من جُبِّه.
وهو يشرب من
المياه الجارية
من بئره، إذا
تأثر
بارتوائه من
ينبوع الكلمة.
وعندما
أضاف: "لا تفض
من ينابيعك
إلى الخارج، سواقي
مياه في
الشوارع"
يقصد أنه
ينبغي أن يشرب
الراعي أولاً
ثم بعد ذلك
يروي الآخرين
بالتعليم. إن
فيض الينابيع
إلى الخارج ما
هو إلا تقطير
التعليم كالماء
بقوة في
الآخرين.
وتعني "سواقي
المياه في الشوارع"
توزيع الكلمة
الإلهية بين
جموع غفيرة من
السامعين،
كلٌ حسب
شخصيته. ولأنه
مع امتداد
كلمة الله إلى
معرفة
الكثيرين
يحشر المجد
الباطل نفسه،
هكذا جاء
القول
المناسب: "لتكن
لك وحدك، وليس
لأجانب معك".
في هذا
المجال تدعو
الحكمة
الأرواح
الشريرة "بالغرباء".
لقد كتب النبي
عن
المجرَّبين
قائلاً: "لأن
غرباء قد
قاموا عليّ،
وعتاة طلبوا
نفسي" (مز 54 :3).
لذلك يقول
لتبقَ سواقي
المياه في الشوارع
لك وحدك،
ويعني هذا أنه
من الضروري أن
يخرج الراعي
للتعليم
كالسواقي في
الشوارع، ولكن
عليه ألاَّ
يتحالف مع
الأرواح
النجسة وذلك
من خلال
الغرور.
ينبغي
ألاَّ نتخذ من
الأعداء
شركاء في خدمة
الكلمة
الإلهية.
علينا بذلك أن
نبث تعليمنا
بعيدًا ليتسع
دون أن تغرينا
أية رغبة في
المديح
الباطل[95].
2.
الله معين لي
صار
أقربائي حسب
الجسد غرباء
ومقاومين لي،
أما أنت أيها
السماوي،
فصرت قريبًا
لي، تعينني
وتنصرني.
هُوَذَا
اللهُ
مُعِينٌ لِي.
الرَبُّ
بَيْنَ
عَاضِدِي
نَفْسِي [ع4].
يمكننا
القول بأن
العبارات
السابقة تمثل
مرثاة للصليب!
لكن ليس مرثاة
الحزن
المملوءة يأسًا،
إنما مرثاة
البشرية التي
لا تدرك حب
الله وعمله
الخلاصي. الآن
خلال الصليب
تتحول المرثاة
إلى تسبحة
بهجة
بالخلاص،
وترنم بالقيامة
واهبة الحياة
الجديدة
الفائقة.
"هوذا الله
معين لي؛ الرب
بين عاضدي
نفسي"، وكما
سبق فقيل: "أنا
اضطجعت ونمت
ثم استيقظت،
لأن الرب
يعضدني" (مز 3: 5).
وأيضًا: "رد لي
بهجة خلاصك،
وبروح منتدبة
أعضدني" (مز 51: 12).
يَرْجِعُ
الشَرُّ
عَلَى
أَعْدَائِي.
بِحَقِّكَ
أَفْنِهِمْ [ع5].
"أعدائي":
يقصد بهم عدو
الخير وقواته
الذين يجولون
للافتراس.
وكما جاء في
هوشع: "فأكون
لهم كأسدٍ؛ أرصد
على الطريق
كنمرٍ" (هو 13: 7).
إنه يطلب من
مخلصه أن يحطم
إبليس، فلا
يقوى بعد على
مقاومة أولاد
الله.
v ليعلنوا
تغربهم عن
الله وعني،
وليستخدموا كل
العنف ضدي،
متجاهلين وجه
الله. فإنني
لا أخاف مادام
الله في
جانبي. بترك
الأشرار
يجتنون ثمرة
أفعالهم، يرد
عليهم
أعمالهم
الشريرة. هم يطلبون
أن
يستأصلونني،
فيستأصلوا
أنفسهم.
كيف
يعينك (الله)؟
"الرب
رافع نفسي"...
ينتعش
هؤلاء الرجال
(الأشرار) في
إخلاصهم للعالم،
لكنهم يهلكون
بقوة الله.
ليس كما
ينتعشون هكذا
يُستأصلون.
فإنهم
ينتعشون إلى
زمانٍ، ويهلكون
إلى الأبد.
ينتعشون في
خيرات باطلة،
ويهلكون في
عذابات
حقيقية.
القديس
أغسطينوس
3.
ذبيحة الشكر
مقاومة
شاول ورجاله
لداود قدمت
للمرتل خبرة جديدة
في معاملات
الله الحانية
المجانية،
لذا يرد هذا
الحب بالحب، مقدمًا
قلبه وحياته
كلها ذبيحة
محرقة. يقدمها
طوعًا بسرورٍ
وبهجةٍ دون
انتظار
لجزاءٍ زمنيٍ.
أَذْبَحُ
لَكَ
مُنْتَدِبًا
(طوعًا).
أَحْمَدُ
اسْمَكَ يَا
رَبُّ،
لأَنَّهُ
صَالِحٌ [ع6].
v ماذا
أقدم إلاَّ ما
تطلبه: "ذبيحة
التسبيح
تمجدني" (مز 50: 23).
لماذا
"طوعًا"؟
لأنني بالحق
أحب ما أسبحه.
إنني أسبح
الله، وفي هذا
التسبيح
أفرح، في
تسبيحي إياه
أفرح، ولا
استحي.
ماذا
يعني "طوعًا"؟
لأجل الله
نفسه، وليس
لأجل مكافأة.
لأنك إن كنت
تسبح الله لكي
يهبك شيئًا
آخر، فأنت لا
تحب الله مجانًا.
"فأذبح
لك طوعًا"؛
لا تفعل ذلك
عن ضرورة.
لأنك إن كنتَ
تُسبح الله
لنوال شيءٍ
آخر، فإنك
تسبحه عن
ضرورة...
"واعترف
لاسمك يا رب،
فإنه صالح...
لا
أجد شيئًا
أفضل من اسمك.
القديس
أغسطينوس
v أنصت
إلى صوت
النبي: "أذبح
لك طوعًا يا
رب". تعلم كيف
تقدم
احتمالاً
للمشقةٍ
بإرادتك الحرة.
الإنسان الذي
يكتشف
إهماله،
متهمًا نفسه،
ومحتملاً
طوعًا
المشقة، لن
يعبر به يوم
دون أن يتأسف...
ليتأمل
كل واحدٍ منكم
في عطية
الحرية
العجيبة التي
يهبها المسيح
لشعبه المخلص
خلال الميلاد
الجديد واهب
الحياة...، وخلال
سكب الروح
القدس. إنه
يدرك أن الله
لن يُخدم
بفتورٍ. فإننا
وإن قدمنا لله
كل يوم أية كرامة
أو عطية في
مقدورنا، لن
نفيه حقه...
إذن،
ليتنا فوق كل
شيء نحرر
قلوبنا من
الالتصاق
بالشر، حتى
يمكننا
بطريقة أفضل
أن نقتات بثمار
العدل...
"أذبح
لك طوعًا". لم
يستخدم النبي
هذه العبارة
بلا سبب حين
يودع نفسه لدى
الله. كان
يدرك أن
كثيرين قدموا
خدمتهم عن
إلزام، فكانت
قلوبهم
معارضة
للخدمة. كانوا
يعدون بشيءٍ
بأفواههم،
ويدبرون في قلوبهم
شيئًا آخر.
"أذبح
لك طوعًا"،
فإنه وإن كانت
العطايا
قليلة في
ذاتها، فإنها
تصير عظيمة
بسبب الرغبة
في تقديمها
بمسرة. أما
تلك التي عن
إلزام،
فغالبًا ما
تُفسد مقدم
العطية. هكذا
من يُعد مائدة
عن تغصبٍ،
يشتكي دومًا
من تكلفتها.
"أذبح
لك طوعًا"،
بمعنى أقدم
العطية طوعًا.
لتقدم
تقدمة لخالقك
كل يومٍ
بفرحٍ، تقدم
القليل
بلسانك،
وتُعد عطية
التسبيح بكلمات
تنطق
بالعذوبة.
أسرع أيضًا
بروح التقوى لتتمم
الخدمة
المعهود بها
إليك. لتهتم
بكلمات النبي
"تقدمات فمي
طوعًا مقبولة
يا رب"[96].
الأب
فاليريان
لأَنَّهُ
مِنْ كُلِّ
ضِيقٍ
نَجَّانِي،
وَبِأَعْدَائِي
رَأَتْ
عَيْنِي [ع7].
يتحدث
هنا المرتل في
يقين خلال
خبرته
الماضية، فقد
اختبر الله
كمخلصٍ له من
كل ضيقٍ، ورأى
بعينيه فشل
عدو الخير
بالرغم مما
بذله من تدبير
خطط وتكريس
طاقاته
لتحطيم أولاد
الله.
إنها
ليست بهجة
بتدمير
إنسانٍ ما،
إنما بتدمير
قوات الظلمة
الروحية!
من
وحي مز 54
عجيب
هو اسمك يا رب!
v عجيب
هو اسمك يا رب!
فهو
قوتي للخلاص،
عليه
أتكل (مز 33: 21)،
وفيه
أرى المسكونة
كلها قد
امتلأت عجبًا
(مز 8: 1، 9)،
وبه
أطأ عدو الخير
تحت قدمي (مز 44:
5)،
وأرفع
يديَّ، فتشبع
نفسي من دسم
محبتك (مز 63: 4)،
ومن
أجله أنال
غفران
الخطايا (مز 79: 9)،
وتتحول
حياتي إلي
نهارٍ مبهجٍ،
لا
يدخل إليه روح
الغم (مز 89: 16).
v علمني
كيف أنادي
اسمك بروح
الحب،
أجد
فيه كل لذتي،
فتناديني
باسمي،
كما
ناديت زكا،
وتدخل
إلى بيتي،
وتعلن
حلول الخلاص
فيه!
v اسمك
حلو في أفواه
قديسيك،
فيه
عذوبة
الخلاص،
وفيه
علامة الشركة
معك.
أناديك،
وأَتحد بك،
وأحتمي فيك!
v صرتَ
أيها السماوي
قريبًا لي،
قبلتني
عضوًا في
جسدك، أيها
السماوي.
أقربائي
حسب الجسد،
صاروا غرباء،
قاوموني
بلا سبب.
إلا
أنهم لم يضعوك
أمام وجوههم.
v ليبذل
الأشرار كل
جهدهم
لاستئصالي،
فيرتد
عملهم عليهم
ويُستأصلون.
ما
أرادوه لي
سقطوا فيه.
v أنت
معيني ومخلصي!
أسبحك،
وأعترف لاسمك
طوعًا.
أود أن
أقتنيك،
ومعك
لا أطلب
شيئًا.
[89] W. Plumer: The Psalms, p. 574.
[90] للمؤلف: صموئيل الأول، 1988م، ص 164.
[91]
للمؤلف:
صموئيل
الأول، 1988م، ص 166.
[92] Stromata
7:7.
[93] On Ps. 36 (35).
[94] يستخدم الآب غريغوريوس هذه الصورة الاستعارية للجب والينابيع لتشير للعلاقة ما بين الزوج وزوجته، وهو هنا يطبق هذه الفقرة على تعليم المرشدين.
[95] Pastoral Care,
3:24.
[96] Fr. Valerian: Homilies 3.