تسبحة
الحمامة
البكماء
مناسبته
هذا
المزمور هو
تسبحة
الحمامة
البكماء، أي خاصة
بالمؤمن الذي
يقف أمام
الضيقات
والتجارب في
عجزٍ تامٍ.
فإذ يُصاب كما
بصدمةٍ في
أعماق نفسه،
ويتوقف لسانه
عن الكلام،
يئن قلبه
ويصرخ،
فيستجيب الله
لأنات القلب،
ويصنع عجائب.
عندئذ ينفتح قلب
المؤمن وفكره
وكل أحاسيسه
مع لسانه
للتسبيح لله
وتقديم ذبائح
شكر مقبولة
لدى الله.
الحمامة
البكماء هي الكنيسة
المتألمة في
كل عصرٍ، وفي
كل جيلٍ، كما
هي المؤمن
الحقيقي،
العضو الحيّ
في كنيسة
المسيح
المصلوب.
تصدر
صرخات داود
النبي من قلوب
الكثيرين، حين
يشعر الإنسان
كأن كل من هم
حوله يودون أن
يبتلعوه، أو
يفترسوه، حتى
وإن أظهروا كلمات
معسولة أو
حنانًا
ظاهريًا.
يرى
القديس
يوحنا الذهبي
الفم أن من
بركات الرب
على الإنسان
أنه لم يهبه
أنيابًا
كالأسود، ولا
قدرة على
السرعة، مثل
كثير من
الحيوانات،
ولا ضخامة جسم
كالفيلة، لأن
هذه
الحيوانات
المفترسة
غالبًا ما لا
تؤذي من هم من
فصيلتها، أما
الإنسان
فكثيرًا ما
يود أن يؤذي
أخاه الإنسان
حتى وإن لم
يكن قد بادره
بأذيته. فلو
كان للإنسان هذه
الإمكانيات
التي
للحيوانات
لبادت البشرية
من على وجه
الأرض.
يرى الأب
أنثيموس
الأورشليمي أن
داود النبي - الحمامة
البكماء - يتحدث عن
الأعداء،
ويقصد بهم
الشياطين
التي تثير البشر،
ليحملوا
عداوة ضد
أبناء الله.
إذ تريد أن
تطأ عليهم كما
بأقدامها. كما
يقصد هنا
بالعدو شاول
الملك
الشرير،
وأيضًا
أنطيوخس
أبيفانس الذي
قاوم شعب
الله، ودنس
الهيكل
مقدمًا خنزيرًا
على المذبح في
أيام
المكابيين،
وأيضًا يرى في
العدو بابل
التي أسرت
الشعب.
من
المحتمل أن
يكون
هذا المزمور تسبحة
شعبية،
قُدمت
بمناسبة
احتفال قومي،
يقدم فيه الشعب
الشكر لله في
مدينة
أورشليم. ربما
يكون أحد احتفالات
الخريف، حيث
يتطلع
المؤمنون إلى سنةٍ
جديدةٍ
تكون مملوءة
بالبركات.
يمارس المؤمنون
في الاحتفال
طقوسًا
معينة،
خلالها
يطلبون حلول
بركة الله
عليهم.
ويرى
البعض أن هذه
التسبحة
أنشدها الشعب
في احتفال
أقيم في
الربيع
بمناسبة
تقديم البكور في
عيد الفصح،
حيث تتسم
البلاد في ذلك
الوقت بالمروج
الخصبة. ويرى
آخرون أنها
أُنشدت بعد عبور
مجاعةٍ ما،
حيث أنعم الله
على شعبه
بأمطار ردت
الخصوبة
للأرض، وقدمت
ثمارًا عوضت
المجاعة.
على
كل الأحوال،
إنه مزمور شكر
لله واهب الخيرات،
ومعطي
البركات،
ومانح البهجة
بروحه القدوس.
يكشف
هذا المزمور
عن حقيقة
هامة، وهي
أننا كلما
اقتربنا من
الله، فاضت
أعماقنا
بالتسبيح وقبول
إرادته التي
تعمل دومًا
لنمونا
وتقدمنا
المستمر.
يربط
التقليد
الكنسي هذا
المزمور (خاصة
أية 4) بليتورجيات
الجنازات،
حيث يرى
المؤمنون أن الذي
عاش يسبح الله
في بيت الرب،
وفي وسط الطبيعة
الجميلة،
يهتف ويغني في
الأودية كما
على التلال،
ينطلق ليسبح
مع طغمات
السمائيين إلى
الأبد.
1. التسبيح
لله في بيت
الرب
1-4.
2.
التسبيح لله
وسط
الكون
5-8.
3.
التسبيح لله
على
عطاياه
9-13.
العنوان
لإِمَامِ
الْمُغَنِّينَ
عَلَى
الْحَمَامَةِ
الْبَكْمَاءِ
بَيْنَ
الْغُرَبَاءِ.
مُذَهَّبَةٌ
لِدَاوُدَ
عِنْدَمَا
أَخَذَهُ
الْفِلِسْطِينِيُّونَ
فِي جَتٍَّ.
جاء
العنوان في
الترجمة
السريانية: "شكر
الإنسان
البار من أجل
خلاصه من
عدوه، من يد
شاول؛ وأيضًا
بخصوص اليهود
والمسيح".
هرب
داود من وجه
شاول، وذهب
إلى جت مرتين.
في المرة
الأولى ذهب
وحده، وإذ أرادوا
أن يمسكوه
كعدوٍ لهم
ويقتلوه،
تظاهر بالجنون،
فتركوه وهرب
منهم. وفي
المرة الثانية
التجأ إلى جت
وبصحبته
ستمائة رجل،
فقبلوه باحتفالٍ،
واثقين به،
وأسكنوه هو
وأتباعه في مدينة
صقلات.
من
هي الحمامة
البكماء إلا
داود العاجز
عن الدفاع عن
نفسه، بكونه
كحمامة لا قوة
لها عن
الدفاع، خاصة
وإن كانت
بكماء. إذ عجز
عن الدفاع عن
نفسه، حتى
بالكلام،
التصق بالرب
القادر وحده
أن يدافع عن
مؤمنيه.
يرى
القديس
أغسطينوس أن
العنوان يبدأ
بكلمة "عند
النهاية".
وكما يليق بنا
أن نتعرف على
العنوان الذي
نذهب إليه،
هكذا نعرف أن
العنوان إلى النهاية
يشير إلى
السيد المسيح
بكونه نهاية الناموس
للبرّ لكل من
يؤمن (رو 10: 4).
[لهذا عندما نسمع
"عند النهاية"
يلزمنا أن
نركز
انتباهنا نحو
المسيح، حتى لا
نتلكأ في
الطريق فلا
نبلغ
النهاية.]
هذا
وقد اعتادت
الترجمة
السبعينية
وترجمة الفولجاتا
أن تترجم كلمة
"الفلسطينيون"
Allophyli، وفي
نظر القديس
أغسطينوس
تعني
"الغرباء"،
ويُقصد بهم من
هم غرباء أو البعيدين
عن القديسين.
فإن كان الله
يدعو شعبه المقدس
كرمته، فإنه
يدعو غير
المؤمنين
"جفنة غريبة"
(إر 2: 21).
أما
"جت" ففي نظر القديس
أغسطينوس
معناها
"معصرة"، وهي
بهذا تشير إلى
الكنيسة.
v نقول
عن "جت" إنها
مدينة. أما
تفسير هذا
الاسم إذا
سؤلنا، فهو
"معصرة"... كيف
أُخذ في جت؟
أخذ في معصرة
عنب في جسده
(المسيح)، أي
في كنيسته.
ماذا في معصرة
العنب؟ الضغط.
بالضغط تكون
معصرة العنب
مثمرة. فالعنب
الذي على
الكرمة لا
يُمارس عليه
ضغط، يبدو
كأنه سليم
تمامًا، لكنه
لا يفيض
شيئًا. إذ
يُطرح في المعصرة،
ويُداس عليه،
يصير تحت
الضغط ويبدو كأن
العنب قد
أصابه ضرر،
لكن هذا الضرر
ليس عقيمًا.
بل إن لم يحدث
له ضرر يبقى
عقيمًا.
القديس
أغسطينوس
1.
التسبيح لله
في بيت الرب
إذ
يدخل المؤمن
إلى الرب،
يلقي بخطاياه
عند قدمي الله
مخلصه، الذي
وحده يكفر
عنها، فيتمتع
بالمصالحة مع
السماوي. يشعر
المؤمن أنه في
بيت أبيه،
القادر أن
يشبع كل
احتياجاته
بدسم محبته
الفائقة.
يقترب إليه،
ويطلب
الاتحاد معه،
ويود ألاَّ
يفارق الموضع
المقدس.
اِرْحَمْنِي
يَا اللهُ،
لأَنَّ
الإِنْسَانَ
يَتَهَمَّمُنِي،
وَالْيَوْمَ
كُلَّهُ
مُحَارِبًا
يُضَايِقُنِي
[ع1].
كلمة "يَتَهَمَّمُنِي" تعني:
يلاحقني
ظمآن إلي دمي.
جاءت الكلمة
مترجمة في
مواضع أخرى
"يدوسني" أو
"يسحقني" (مز 57: 3).
كان
الملك شاول
بكل
إمكانياته
يقاوم داود
ويطلب قتله،
لكن داود لم
يخشَ الملك،
إذ يعلم أنه
إنسان فانٍ،
ملح فاسد
سيُداس من
الناس. لهذا
لم يقل: "لأن الملك
يبتلعني"،
بل "الإنسان يبتلعني".
فمهما ظن
الأشرار أنهم
أصحاب سلطان،
قادرون على أن
يطأونا
بأقدامهم أو
يبتلعونا،
فإن الله
يرحمنا
ويرفعنا، أما
هم فبشرهم
يسقطون تحت
الأقدام.
بينما
يُشبه داود
بحمامة بكماء
عاجزة عن أن تفتح
فمها للدفاع
عن نفسها، إذ
بفم العدو
ينفتح لا
لينطق بالكذب
والافتراءات
فحسب، وإنما ليبتلع
داود نفسه.
هوجم
داود من أبناء
وطنه حتى من
أهل بيته وأصدقائه،
والآن صار بين
أعدائه
الفلسطينيين،
متوقعًا أن
يبتلعوه وهو
حيّ. فالحرب
ضده مستمرة من
خاصته كما من
أعدائه. لا
خلاص له إلاَّ
بالله القدير
ينبوع كل
رحمة! ليس من
إنسان يثق فيه؛
لم يعد له
ملجأ آمن سوى
إلهه.
يصرخ
المرتل إلى
الله لكي
يُحسن إليه
ويرحمه، فإن
الإنسان
بوجهٍ عام،
دون تحديدٍ
لأسماءٍ أو جماعاتٍ
معينةٍ، قد
وضع في قلبه
أن يتهممه، أي
يلاحقه
ظمآن إلي دمه،
أو يبتلعه،
مثل وحشٍ
يفترسه
تمامًا.
لا
يجد المرتل
راحة قط،
فالمقاومة
مستمرة ضده "اليوم
كله"!
الإنسان
المسيحي في
محبته
الفائقة
لإخوته في
البشرية،
يشعر أن العدو
الحقيقي الذي
يقاومه بلا
توقف هو إبليس
ومعه كل قوات
الظلمة
الروحيين.
v ليت
القديسين
الذين يعانون
من ضغط من هم
غرباء عن
القديسين أن
ينتبهوا إلى
هذا المزمور...
لننتبه إلى
عدوين، ذاك
الذي نراه،
والذي لا نراه.
نحن نرى
البشر، ولا
نرى الشيطان.
لنحب الإنسان،
ونحذر من
الشيطان. نصلي
لأجل الإنسان،
وضد الشيطان.
لنقل لله: "ارحمني
يا الله، لأن
الإنسان يطأ
عليّ" [1]... لا
تخف لأن
الإنسان يطأ
عليك، سيكون
لك خمر، إذ
صرت عنبًا لكي
يطأ الإنسان
عليك. العنقود
الأول في
المعصرة الذي
ضغط عليه هو
المسيح (إش 53: 3)...
ليقل أيضًا
جسده،
متطلعًا إلى
الرأس: "ارحمني
يا الله، لأن
الإنسان وطأ
عليّ".
القديس
أغسطينوس
تَهَمَّمَنِي
أَعْدَائِي
الْيَوْمَ
كُلَّهُ،
لأَنَّ
كَثِيرِينَ
يُقَاوِمُونَنِي
بِكِبْرِيَاءٍ
[ع2].
في
كل الأزمنة
يحمل الأشرار
نوعًا من العداوة
ضد الأبرار.
أما سرّ
العداوة فهو
ليس بسبب شرٍ
يفعله
الأبرار بهم،
وإنما بسبب
كبريائهم. فقد
تشامخ إبليس
وملائكته حتى
على الله. وها
هم في
كبريائهم
يودون أن
يسحقوا كل مؤمنٍ.
لكن سرعان ما
تتحطم
أياديهم
العالية، وترجع
شرورهم عليهم
فيهلكون (مز 54: 5)
v أظهر
النبي بقوله
هذا ما كتبه
الرسول (بولس)
في الأصحاح
السادس من
الرسالة إلى
أفسس: "فإن مصارعتنا
ليست مع دمٍ
ولحمٍ، بل مع
الرؤساء، مع
السلاطين، مع
ولاة العالم
على ظلمة هذا
الدهر، مع
أجناد الشر
الروحية في
السماويات"
(أف 6: 12). إنهم
الأبالسة
الذين يهيجون
أناسًا مثل
شاول
وأنطيخوس
وأهل بابل،
ويثيرونهم
على أذية
البشر
الأبرياء
وممارسة
الظلم. فالأبالسة
أيضًا تدوس
جماعة الأمم،
وتثقل عليهم
بعبادة
الأصنام
وبلذة
الشهوات، ولا
تزال تحاربنا
لكي تطأ علينا
شهوة
الأرضيات. لكن
من يرتقي إلى
علو الفضائل
ولا ينزلق في
الولع بالأرضيات
يكون أكثر
علوًا منها،
ولا تقدر أن
تطأ عليه.
v "اليوم
كله"، أي كل
الزمان. لا
يقل أحد في
نفسه: "كانت
هناك أتعاب في
أيام آبائنا،
أما في زماننا
فلا توجد
متاعب. إن
ظننت في نفسك
أنه لا توجد
متاعب تضايقك،
فإنك لم تبدأ
بعد تكون مسيحيًا.
أين يوجد صوت
الرسول:
"وجميع الذين
يريدون أن
يعيشوا
بالتقوى في
المسيح يسوع
يُضطهدون" (2
تي 3: 12). فإن كنت
لا تُضطهد قط
من أجل المسيح،
احذر لئلا
تكون لم تبدأ
بعد تعيش
بالتقوى في
المسيح. ولكن
عندما تبدأ
تعيش بالتقوى
في المسيح،
فإنك تدخل
المعصرة، وتتهيأ
للعصر. لا تكن
جافًا لئلا لا
تفيض شيئًا عند
العصر.
القديس
أغسطينوس
فِي
يَوْمِ
خَوْفِي،
أَنَا
عَلَيْكَ
أَتَّكِلُ [ع3].
بقوله:
"في يوم خوفي"
لا ينكر داود
أنه كان يعاني
أحيانًا من
الخوف، لكنه
لم يكن يستسلم
لليأس، وإنما
يقول: "انتظرتك
يا رب، انتظرت
نفسي،
وبكلامه رجوت.
نفسي تنتظر
الرب أكثر من
المراقبين
الصبح" (مز 130: 5-6).
اتسم
داود النبي
بالشجاعة،
لكنه عانى
أحيانًا من
الخوف. يوم
خوفه هو
اليوم الذي
فيه هرب من
وسط شعبه،
والتجأ إلى
الأعداء. وإذ
خشي أن
يكتشفوا أنه
هو الذي قتل
جليات، وأنه
كان سببًا في
هزيمة جيشهم،
تظاهر بالجنون
أمام ملك جت
ليفلت من يده
ويهرب (1 صم 21).
عندما
كان داود يشعر
بالخوف بسبب
ضيقة حلت عليه،
كان يتكئ على
الله،
فتستريح
نفسه، ويُنزع
الخوف منه.
في
أظلم اللحظات
حين يحل به
الخوف لم يكن
يفقد المرتل
رجاءه في
الرب. حقًا إن
الصديقين لا
يتحرروا
تمامًا من
الخوف في
لحظات معينة،
إنما حتى هذا
الخوف يدفعهم
إلى الصراخ
إلى الله
والثقة فيه،
فيُحسب ليس سقوطًا
بل تزكية لهم.
من
لا يتكئ على
صدر الله
عندما يُهاجم
بالمخاوف
يُحسب كمن
ينكر وجود
الله، ويجحد
العناية الإلهية.
يرى
البعض أن كلمة
"يوم" هنا
يُقصد بها "نهار"،
فحيث تستنير
نفس المؤمن
بنور الله، لن
يقدر أن يحل
الخوف بها، إذ
تضع كل
اتكالها
ورجائها في
الله الذي
ينيرها بفرحه
الأبدي.
جاءت
الترجمة في
تفسير الأب
أنثيموس
الأورشليمي:
"علو النهار
لا أخاف، لأني
عليك توكلت"
[ع3].
v إن قوله:
"من علو
النهار"
معناه أن
أعدائي
يحاربونني من
قديم الأيام لكي
يهزموني، أي
منذ اغتصاب
فرعون
وأتباعه لي في
عبودية مصر.
لكني لا أخاف
لاتكالي
عليك...
آخرون
وصفوا ذلك: "لأن
الذين
يقاتلونني
كثيرون من
العلو" بهذا
يدل على
محاربة
الشياطين
الساقطين من العلو.
يضيف:
"في النهار
لا أخاف"...
بمعنى أن
المستضيء
بنور
الإيمان،
كأنه في يوم
منير، سالك في
النهار بجمال
النور، كما كتب
الرسول إلى
أهل رومية.
هذا هو حال من
يتكل على الله
ولا يخاف.
الأب
أنثيموس
الأورشليمي
v حاليًا
يأتي البرّ من
الإيمان، إنه
البدء الذي
يهبنا إياه
الروح. يبدأ
حينما نتعرف
على أفعالنا الشريرة،
عندما لا نعود
نبرر
خطايانا،
لكنه يبلغ
الكمال فقط
عندما يُبتلع
الموت إلى
غلبة.
في
اللحظة التي
فيها لا نزال
وسط المعركة
نُحارب
ونُجرح، نسأل
أنفسنا: من
الذي يغلب؟
أيها الإخوة،
الغالب هو ذاك
الذي يعتمد
على الله،
الذي يحثه وهو
يحارب، ولا
يعتمد على قوته.
للشيطان
خبرته في
الحرب، لكن إن
كان الله معنا
فسنغلبه.
يحارب
الشيطان
بذاته، فإن
حاولنا أن
نفعل ذات
الأمر،
فسيغلب.
إنه
محارب مختبر،
لهذا
فلتستدعي
القدير ليقف
ضده. ليقطن
فيك ذاك الذي
لا يُغلب،
فستغلب ذاك
الذي عادة ما
ينتصر. من هم
الذين
يغلبهم؟
أولئك الذين قلوبهم
فارغة من
الله.
الحب
هو كمال ناموس
الله وغاية
وصاياه. إننا
لم نأخذ
الناموس الذي
يهددنا من
الخارج، بل ناموس
البرّ في
قلوبنا[134].
اَللهُ
أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ.
عَلَى
اللهِ
تَوَكَّلْت،ُ
فَلاَ
أَخَافُ.
مَاذَا
يَصْنَعُهُ
بِي
الْبَشَرُ [ع4].
الخط
الرئيسي في
هذه التسبحة
هو اتكال
المرتل على
الله، فلا
يخشى أية
مقاومة، خاصة
الصادرة من
البشر.
التمسك
بالوعود
الإلهية، أو
الالتصاق بكلمة
الله، يحول
مخاوفنا من
مراثٍ إلى
تسابيح شكر
لله مخلصنا.
هذا ما دفع
المرتل وسط
مخاوفه أن
يتغنى "أفتخر
بكلامه". فإن
كلام الله حق،
قادر أن
يرفعنا إلى
الحضرة
الإلهية،
ويدخل بنا إلى
النور
الإلهي، فلا تكون
للظلمة سلطان
علينا.
"ماذا
يصنعه بي
البشر؟" جاءت
كلمة "بشر"
هنا بمعنى
الجسد
الترابي،
الذي لن يقدر
أن يقف أمام
الله، إذ لا
حول له ولا
قوة. قيل:
"إنهم بشر؛
ريح تذهب ولا
تعود" (مز 78: 39).
وأيضًا: "فقال
الرب: لا يدين
روحي في
الإنسان إلى
الأبد لزيغانه،
هو بشر!" (تك 6: 3).
وأيضًا: "كل
جسدً (بشرٍ)
عشب، وكل
جماله كزهر
الحقل. يبس
العشب، ذبل
الزهر، لأن
نفخة الرب هبت
عليه. حقًا
الشعب عشب" (إش
40: 6-7).
يرى الأب
أنثيموس
الأورشليمي أن
كلمة "البشر"
هنا تعني
الجسدانيين،
كقول الرسول
بولس: "لأنكم
بعد جسديون،
فإنه إذ فيكم
حسدُ وخصام وانشقاق،
ألستم
جسديين،
وتسلكون بحسب
البشر" (1 كو 3: 3).
وقوله: "لأن
اهتمام الجسد
هو موت، ولكن
اهتمام الروح
هو حياة
وسلام" (رو 8: 6).
فالإنسان الروحاني
يتكل على
الله، فلا
يخاف من
الإنسان الجسداني
المائت. الأول
يحمل فيه
الحياة الأبدية،
وسلام الله،
أما الثاني
فيحمل الموت
الأبدي.
v إن
قوله: "بالله
أمدح أقوالي" يعني:
"إني قلت ولم
أخف، لكني لست
مفتخرًا بقوتي،
بل امتدح
الله". وأيضًا
بمعنى: "في وقت
شدتي أنطق
بتسابيح
مجملة باسم
الله". وأيضًا
بمعنى: "إذا
أعانني الله
كي استغيث به،
يمدح الناس
صدق أقوالي".
وأيضًا: "إن
أقوالي تتضمن معرفة
الله
والاتكال
عليه، لذلك
فهي ممدوحة".
فمن يتكل على
الله يكون إنسانًا
روحانيًا،
فلا يفزع من
إنسان مائت،
لأن المائت
يُسمى في
الكتاب بشرًا
(جسدًا).
يربط
القديس
أغسطينوس
بين عدم خوف
المرتل
واتكاله على
الله، قائلاً
بأن المرتل لا
ينسب عدم خوفه
إلى نفسه، بل
إلى رجائه في
الله الذي
يتكل عليه.
وفي هذا يختلف
المرتل عن
الأشرار
الذين لا
يخافون من الآخرين،
لا لاتكالهم
على الله،
وإنما بسبب عنفهم
وقسوة قلوبهم.
لا
يدهش القديس
أغسطينوس من
المرتل الذي
كان يئن، لأن
الإنسان يطأ
عليه بقدميه،
واليوم كله
يضايقه [1]، وها
هو يقول: "لا
أخاف، ماذا
يصنع بي البشر"
[4]. فقد كان
عنبًا، والآن
إذ وطأ عليه
الإنسان بقدميه
فاض منه خمر.
هكذا
بالاتكال على
الله لا نخشى
بشرًا، لأن
الله يحول
الضيقة في
حياتنا إلى
فيضٍ من الخمر
الروحي أو من
الفرح الداخلي.
إن كنا
في بيت الرب
نشعر بالعودة
إلى بيتنا،
لنستقر في حضن
الله أبينا،
فإننا في
الكون بكل
جماله وإمكانياته
نشهد لقدرة
الله أبينا،
الذي خلق
العالم
لسعادة
الإنسان
وبهجته.
الْيَوْمَ
كُلَّهُ
يُحَرِّفُونَ
كَلاَمِي.
عَلَيَّ
كُلُّ
أَفْكَارِهِمْ
بِالشَرِّ [ع5].
يتعجب
داود النبي
مما يفعله
الأشرار
المحيطون
بشاول،
فيحرِّفون
تصرفاته
وكلماته بافتراءات:
"وقال داود
لشاول: لماذا
تسمع كلام الناس
القائلين
هوذا داود
يطلب أذيتك" (1
صم 24: 9). لقد اتفق
الأشرار معًا
في التفكير
بالشر ضد داود
لأجل أذيته.
"كل مبغضي
يتناجون معًا
عليّ؛ عليَّ
تفكروا
بأذيتي" (مز 41: 7).
إن
كان داود
النبي يفتخر
بكلام الله
ووعوده الصادقة
الأمينة،
فإنه يشتكي من
كلام الأشرار
وأفكارهم
الخفية فإنها
متغيرة
وملتوية، تنصب
الشباك
لاصطياد
الصديقين
وافتراسهم.
إذ
ينطق المؤمن
بكلمات الحق،
ماذا يتوقع من
الأشرار مبغضي
الحق؟ "اليوم
كله يحرفون
كلامي". إنهم
يقاومون الحق
الذي ينطق به
المؤمن الحقيقي
وتتحول كل
أفكارهم
للتخطيط ضده.
v هكذا
هم (يحرفون
كلامنا)،
لتعلموا هذا.
تكلموا
بالحق،
اكرزوا
بالحق، اعلنوا
عن المسيح
للوثنيين،
أعلنوا عن
الكنيسة
للهراطقة،
أعلنوا عن
الخلاص لكل
البشر. إنهم
يقاومون
ويحرفون
كلماتي. وحينما
يحرفون
كلماتي، من
يقاومون سوى
ذاك الذي أفتخر
بكلامه؟ "اليوم
كله يحرفون
كلامي" [5]...
عندما يرفضون
الكلمات،
عندما
يبغضونها، فإن
هذه الكلمات
يفيض منها
الحق، فماذا
يفعلون بذاك
الذي ينطق
بها؟ ماذا
يفعلون سوى ما
جاء بعد ذلك: "عليَّ
كل أفكارهم
بالشر" [5]. إن
كانوا يبغضون
الخبز نفسه،
فماذا يفعلون
بالسلة التي
بها يُخدم
الخبز؟... إن
كانوا قد صاروا
ضد الرب نفسه؛
ليت الجسد لا
يستنكف مما قد
حدث مع الرأس،
حيث يلتصق
الجسد بالرأس.
لقد استخفوا
بربك، فهل
تنتظر أن
تُكرم بواسطة
أولئك الذين
صاروا غرباء
عن القديسين؟
لا ترغب لنفسك
إن تطالب بما
لم يطالب به
ذاك (المسيح) قبلك.
"ليس التلميذ
أفضل من
المعلم، ولا
العبد أفضل من
سيده. يكفي
التلميذ أن
يكون كمعلمه،
والعب كسيده.
إن كانوا قد
لقبوا رب
البيت بعلزبول،
فكم بالحري
أهل بيته" (مت 10:
24-25).
القديس
أغسطينوس
يرى الأب
أنثيموس
الأورشليمي أن
المرتل هنا
يشير إلى
اليهود الذين
يشوّهون
كلمات ربنا
يسوع
ليصطادوه
بكلمة،
ويسلموه للحاكم.
وبعد صعوده
استخدموا نفس
الأسلوب مع الرسل
والتلاميذ.
هذا ما نلاحظه
في خطاب الرسول
بولس في أيامه
الأخيرة، إذ
قال لوجوه
اليهود عند
وصوله إلى
روما: "أيها
الرجال الإخوة
مع أني لم
أفعل شيئًا ضد
الشعب أو
عوائد الآباء،
أُسلمت
مقيدًا من
أورشليم إلى
أيدي الرومانيين"
(أع 28: 17).
v إن
الله كثير
الرحمة لكل
الداعين
إليه، ومراحمه
على كل أعماله
(مز 145: 9). تأملوا
في العالم ترون
ذلك من تلك
التأثيرات
الظاهرة في كل
مكان. فتشوا
الكتاب
المقدس،
تجدوا آدم
وحواء عريانين
خائفين،
ورحمة الله
متجلية
بشعائر
المحبة،
وتدعوهما كأم
حنون
لتكسوهما
وتطمئنهما.
يَجْتَمِعُونَ
يَخْتَفُونَ،
يُلاَحِظُونَ
خَطَواتِي،
عِنْدَمَا
تَرَصَّدُوا
نَفْسِي [ع6].
لم
يقف الأمر عند
اتفاق
الأشرار في
التفكير بالشر
ضده، وإنما
تحول الفكر
إلى عمل،
للاجتماع
معًا في
سريةٍ،
للتخطيط
العملي
لأذيته. لقد
ترصدوا نفسه،
أي طلبوا
قتله، فصاروا
يراقبون
خطواته، لوضع
خطة محكمة
للخلاص منه.
"لأنهم يكمنون
لنفسي" (مز 59: 3).
"فاذهبوا
أكدوا أيضًا،
واعملوا جميع
المختبآت
التي يختبئ
فيها، ثم
ارجعوا إليّ"
(1 صم 23: 22-23).
ليس
ما يرضي
الأشرار سوى
موت الصديقين
وهلاكهم.
v جاء
في ترجمة
سيماخوس أنهم
كانوا
مجتمعين خفية،
مترصدين
آثاره،
مترقبين هلاك
نفسه. كانوا يعقدون
مجامع
ويفحصون
سيرته،
ابتغاء هلاك
نفسه.
عَلَى
إِثْمِهِمْ
جَازِهِمْ.
بِغَضَبٍ
أَخْضِعِ
الّشعُوبَ
يَا اللهُ [ع7].
جاء
في الأصل
العبري: "هل
ينجون
بإثمهم؟"
يظن
الأشرار أن
الشر يحمل
قوة، فلا
يخشون الموت،
ولا يضطربون
من الهاوية. "لأنكم
قلتم: قد
عقدنا عهدًا
مع الموت،
وصنعنا ميثاقًا
مع الهاوية"
(إش 28: 15). لكن
المرتل يدرك
عجزهم عن
الوقوف أمام
غضب الله:
"وأنت يا الله
تحدرهم إلى جب
الهلاك. رجال
الدماء والغش
لا ينصفون
أيامهم" (مز 55: 23).
قد
يزدهر
الأشرار
وينجحون،
ولكن لن يستقر
نجاحهم، ولن
تستريح
أعماقهم، ولن
يذوقوا سلام
الله الداخلي
في القلب.
تَيَهَانِي
رَاقَبْتَ.
اجْعَلْ
أَنْتَ
دُمُوعِي فِي
زِقِّكَ.
أَمَا
هِيَ فِي
سِفْرِكَ؟ [ع8]
بينما
يراقب
الأشرار
خطوات الصديق
للتخطيط لأذيته،
إذا بالله
يراقب الصديق
وهو في هروبه،
ليجمع دموعه
كرصيد مجدٍ
يُعد له. يهتم
الأشرار
بالبار
للخلاص منه، ويهتم
الله به
لخلاصه. "أليس
هو ينظر طرقي،
ويحصي جميع
خطواتي: (أي 31: 4).
"وأما أنتم
فحتى شعور رؤوسكم
جميعًا
محصاه" (مت 10: 30).
يسجل
الله متاعب
مؤمنيه
ودموعهم في
كتابه، كأحداث
تشغل قلبه،
تعلن دموعهم
عن إخلاصهم وحبهم،
فيعتز بها
ويكافئهم
عليها. إنه
يحفظ دموعهم
كما في زقٍ.
تشبه
الرسول بولس
بسيده فكتب
لتلميذه
المحبوب لديه
جدًا:
"مشتاقًا أن
أراك، ذاكرًا
دموعك لكي
امتلئ فرحًا"
(2 تي 1: 4).
قيل
إنه كانت هناك
عادة قديمة أن
يضع الإنسان
زقًا أو وعاء
تحت عينيه،
يجمع فيه دموعه
في أوقات
الحزن
والضيق،
ويقوم
بختمها، وحفظها
في بيته. وعند
موته تدفن معه
هذه الأوعية
بكونها تحتوي
أقدس
ممتلكاته.
كانت هذه الأوعية
من زجاج رقيق،
مختلفة
الأحجام من 3
إلى 6 بوصات في
الطول. عندما
كان داود
يقول: "خطيتي
أمامي في كل
حين" (مز 51: 3) ربما
كان يضع أوعية
دموعه أمام
ذهنه هذه التي
تحتوي على
دموع توبته
التي كان يعوم
بها سريره كل
ليلة[135].
v اجتهد
للسير في
الطريق الضيق
لتدخل مدينة
السلام،
أورشليم
المهيَّأة
كعروسٍ
لعريسها! ولكن
الطريق إليها
تعوزه دموع
تُذرف ليلاً ونهارًا.
- أعوًم
كل ليلة سريري
بدموعي أبل
فراشي! (مز 6: 6)
- صارت
لي دموعي
خبزًا نهارًا
وليلاً! (مز 42: 3)
- قد
أكلت الرماد
مثل الخبز،
ومزجت شرابي
بدموعٍ! (مز 102: 9)
- يا رب
لا تسكت عن
دموعي، لأني
أنا غريب
عندك! (مز 39: 12)
- يا رب
اجعل دموعي في
زق عندك, أما
هي في سِفْرِك؟
(مز 56: 8)
v أنت
ترى دموعي
كأنها تجاه
عينيك، يا من
تعلم الخفيات،
وحققت ما قد
وعدت به
قائلاً: "طوبى
للحزانى
لأنهم
يتعزون".
v الدموع
التي تسكب
حقًا من حزنٍ
شديدٍ، وكآبة
قلب، وبمعرفة
للحق،
واحتراق في
الداخل، إنما
هي طعام
للنفس،
يأتيها من
الخبز
السماوي الذي
سبقت مريم
وأخذت منه،
عندما جلست
عند قدميّ
الرب، وسكبت
بحسب ما شهد
لها المخلص
نفسه. إذ قال:
"لقد اختارت
مريم النصيب
الصالح الذي
لن يُنزع
منها" (لو 10: 42).
فما أثمن
الدرر التي
تتساقط مع انسكاب
وفيض الدموع
المغبوطة![136]
3.
التسبيح لله
على عطاياه
ما
يشغل ذهن
المؤمن فيض
مياه الروح
القدس خلال
عتبة بيت الرب
(حز 47). عوض جفاف
العالم. يسكب الله
روحه، ليقيم
من النفس
القفر الجافة
فردوسًا
سماويًا.
كان
سكب الماء في
احتفالات عيد
الفصح بواسطة رئيس
الكهنة خلال
إبريق ذهبي
جزءً حيويًا
في الطقس.
إن كان
المؤمن يتهلل
بحب الله الذي
يسكب عطية روحه
القدوس في
أعماق النفس،
لكي يقيم من
الإنسان
الداخلي أيقونة
حية للعريس
السماوي، فإن
المرتل يتطلع
إلى الطبيعة،
فيرى الوديان
بثوب الخضرة، وقد
تمنطقت
الآكام
بمنطقة
البهجة. كل
الطبيعة ترقص
وتغني للخالق
العجيب في
عطاياه ورعايته
الإلهية.
حِينَئِذٍ
تَرْتَدُّ
أَعْدَائِي
إِلَى
الْوَرَاءِ،
فِي
يَوْمٍ
أَدْعُوكَ
فِيهِ.
هَذَا
قَدْ
عَلِمْتُهُ
لأَنَّ اللهَ
لِي [ع9].
إذ
يدعو البار
الله ليختفي
فيه، كما في
ملجأ وحصن،
يرجع الأشرار
إلى الوراء في
رعبٍ شديدٍ. "عند
رجوع أعدائي
إلى خلف
يسقطون
ويهلكون من قدام
وجهك" (مز 9: 3).
هذا
هو ما عرفه
(علمه) المرتل
أن الله هو
مخلصه من كل
أعدائه،
فإليه يلجأ،
وبه يحتمي
عندما يهرب
إليه.
v عند قبولك
دعائي للوقت
يهرب أعدائي،
ويتحقق علمي
بك أنك ناصري.
يقدم
لنا القديس
أغسطينوس
السيد
مثالاً،
حينما انتهره
بطرس الرسول
عندما تحدث عن
صلبه، قال
الرب لبطرس:
"اذهب عني يا
شيطان، لأنك
تهتم بما لله،
لكن بما
للناس" (مت 16: 3).
بهذا تحقق
القول: "حينئذ
ترتد أعدائي
إلى الوراء" [9].
وهو بهذا لا
يريد لبطرس أن
يبقى إلى
الوراء، إنما
لكي ينسحب من
تصرفه الخاطئ
ويرجع عما هو عليه.
[لهذا الهدف
تثور التجارب،
لكي يفرغ
الإناء من
الشر، ويعود
فيمتلئ بالنعمة.]
v يا
لها من معرفة
عظيمة! لا
يقول: "لقد
علمت أنك أنت
هو الله"،
وإنما "أنت
هو إلهي" [9].
إنه لك، عندما
يساعدك. إنه
لك حينما لا
تكون غريبًا
عنه عندما
يُقال: "طوبى
للشعب الذي
الرب إلهه" (مز
144: 15). لذلك لمن
هو؟ ولمن ليس
هو؟ فوق كل
شيء، الله هو
للناس الذين
هو لهم على
وجه الخصوص،
الذين يحبونه،
ويتمسكون
به...، الذين
يتعبدون له،
كمن ينتمون
لبيته: هم
أسرته
العظيمة،
الذين يخلصون
بدم ابنه
الوحيد
العظيم. يا له
من أمرٍ عظيم
يوهب لنا أن
نصير خاصته،
وهو خاصتنا!
القديس
أغسطينوس
اَللهُ
اَفْتَخِرُ
بِكَلاَمِهِ.
الرَبُّ
أَفْتَخِرُ
بِكَلاَمِهِ [ع10].
ما
يشغل قلب
المرتل وسط
مخاوفه ليس
الضيقات التي
يود الخلاص
منها، لكن
كلمات الله
ووعوده التي
تدخل بالنفس
إلى الحضرة
الإلهية
فتملأها
فرحًا
وتهليلاً.
يزدري
الشرير بكلمة
الله، أما
البار فيفتخر
بها. "من
ازدرى
بالكلمة
يخرِّب نفسه،
ومن خشي الوصية
يُكافأ" (أم 13: 13).
يقول
الأب أنثيموس
الأورشليمي إن
الكلام هنا هو
العلم اليقين
بتمام معرفة الله،
من يعرفه يتكل
عليه، فلا
يخشى إنسانًا
سريع الزوال.
يلاحظ
هنا أن المرتل
يستخدم
اللفظين: الله
(ألوهيم) والرب
(يهوه)، الأول
يُستخدم
للقدرة
الإلهية،
والثاني
لسكنى الله
وسط شعبه،
وكأن المرتل
يسبح الله على
قدرته وحنوه
على شعبه.
عَلَى
اللهِ
تَوَكَّلْتُ
فَلاَ
أَخَافُ.
مَاذَا
يَصْنَعُهُ
بِي
الإِنْسَانُ؟
[ع11].
v إني
متذكر ما قد
نذرته لك يا
الله ولا أنساه،
وإني مهتم
بوفائه، لأنه
مثل دين عليّ،
وهو أن أقدم
ذبائح
التسبحة.
v لماذا
يقول لنا: "افرحوا"
ألا لأنه قد
غلب لأجلنا،
وحارب
لأجلنا؟
أين
حارب؟ لقد
حارب بأن أخذ
طبيعتنا له...
لقد
غلب من أجلنا
نحن الذين
أظهر لنا
قيامته...
التصق
يا إنسان
بالله، هذا
الذي خلقك
إنسانًا.
التصق
به جدًا، ضع
ثقتك فيه.
أدعه،
ليكن هو قوتك.
قل له: "فيك يا
رب قوتي".
عندئذ
تتغنى عندما
يهددك الناس،
وأما ما تتغنى
به فيخبرك
الرب نفسه:
"إني أترجى
الله، لا أخشى
ماذا يفعل بي
الإنسان" (مز ٥٦:
١١)[137].
v إذا
اقترب منك بعض
الناس، ودخل
الشيطان بينهم،
وتكلموا معك
بالشر
وشتموك،
فاُنظر إلى ما
قاله النبي:
"لو أنّ
عدوًّا
عيّرني
لاحتملتُ،
ولو تكلم
مبغضي عليَّ
بتبجُّحٍ (أو
بتعظُّمٍ أو
بمباهاةٍ)
لاختبأتُ
منه" (مز 55: 12
السبعينية)،
ولا تبرح
قلايتك، بل
أمكث فيها واصمت.
إذا أضمروا
شهادة زور
ضدّك،
فتلقّاها وقُل:
"هكذا الأمر
تمامًا (كما
تقولون)"، فقط
لا تسبَّهم بل
اصمت، لأن
الرب أيضًا
صمت عندما شهدوا
ضده بشهادات
زورٍ، إنما
قُل أنت: "دعوني
أتوب". وسيرى
الله تواضعك
وسينجِّيك من
التجربة
بمعجزاتٍ
عظيمة. إذا
أخطأتَ وضلّلك
الشيطان
بنوعٍ من
الضلال، فلا
تقُل في قلبك:
"لا توجد بعد
توبة"، بل
بالحري تأوّه
وأبكِ حتى
يتجدَّد بناء
حياتك كما
كانت من قبل[138].
v عندما
يُمتدح عقلك
وكل كيانك في
الله، لا توجد
علة للخوف من
فقدان
المديح، لأن
الله لا يفشل.
إذن لتعبر حتى
فوق المديح
المقدم لك[139].
الأب
قيصريوس أسقف
آرل
اَللهُمَّ
عَلَيَّ
نُذُورُكَ.
أُوفِي
ذَبَائِحَ
شُكْرٍ لَكَ [ع12].
ما
هو النذر الذي
كان المرتل
يقدمه؟ وما هي
الذبائح التي
يدخل بها إلى
الحضرة
الإلهية؟ النذر
الذي يقدمه هو
أن يقبل إرادة
الله بفرحٍ ويتهلل
بأعماله،
واثقًا في
رحمته
الإلهية ومحبته
الفائقة نحو.
أما الذبائح
فهي "ذبيحة التسبيح
والشكر
الدائم لله".
"أدخل إلى
بيتك بمحرقات.
أوفيك نذوري"
(مز 13: 66).
v من
مخزن القلب
تقدم بخور
الشكر؛ من
مخزن الضمير
الصالح تقدم
ذبيحة
الإيمان. كل
ما تقدمه فليكن
ملتهبًا
بالحب، لتكن
النذور في
داخلك، تقدمها
تسبيحًا لله.
لماذا تسبيح؟
لأجل ما وهبك! "لأنك
نجيت نفسي من
الموت" [13].
القديس
أغسطينوس
لأَنَّكَ
نَجَّيْتَ
نَفْسِي مِنَ
الْمَوْتِ.
نَعَمْ
وَرِجْلَيَّ
مِنَ
الزَّلَقِ،
لِكَيْ
أَسِيرَ
قُدَّامَ
اللهِ،
فِي
نُورِ
الأَحْيَاءِ [ع13].
إذ
يلجأ المؤمن
إلى الله واهب
الحياة، لن يقدر
الموت أن
يتسلل إلى
نفسه. ولا
يمكن لقدميه
أن تنزلقا
وتنحرفا نحو
طريق الشر،
إنما يسير
بالكمال أمام
الرب. لا تقدر
ظلمة القبر أن
تحبسه، بل
ينطلق إلى
الله، النور
الحقيقي. إنه يسمع
مع أبينا
إبراهيم
الصوت الإلهي:
"أنا الله
القدير. سرْ
أمامي، وكن
كاملاً" (تك 17: 1).
v توضح
الكنيسة كيف
يمكنها أن تسر
الرب في نور الأحياء
(مز 56: 13)، الذي
يعني بهاء
القديسين، إذ
بهم تصير
الكنيسة
جميلة بلا عيب
ولا غضن. كل ما
يحل عليهم
يشرق من
وجهها، وذلك
كالإنسان
الذي في صحة جيدة،
يظهر وجهه
وسيمًا
بالأكثر. وكما
يقول سليمان:
"القلب
الفرحان يجعل
الوجه طلقًا"
(أم 15: 13). هكذا فإن
جمال ملامح
الكنيسة
المقدسة
ينتشر
بالأكثر عندما
يوجد في
استحقاقات
المطوبين[140].
v ماذا
كنت؟ لقد كنت
ميتًا! بنفسي
كنت ميتًا، بك
ماذا أكون؟
أكون حيًا!
القديس
أغسطينوس
من وحي مز 56
ليبكم
فمي، وتتكلم
أنت!
v تقف
أعماقي في
دهشة،
ويُصاب
فمي بالبُكم،
فقد
حاصرني الضيق
من كل جانب،
وتحول
الكل إلى
غرباء!
حتى
الذين كنت
أحسبهم أهل
بيتي!
هوذا
الإنسان يود
أن يبتلعني!
v ألجأ
إلى مراحمك
الإلهية، يا
أيها المُحسن
إليّ!
تتجلى
أمامي،
فيمتلئ قلبي
سلامًا نحو كل
إنسانٍ!
ليس
من عدو
يقاومني سوى
إبليس.
إنه
ينصب لي شباك
الخطية اليوم
كله!
إنه
يثير حتى
إخوتي ضدي!
لكن
بك أنتصر
عليه.
يلتهب
قلبي حبًا،
حتى
نحو مضايقي من
البشر!
لأن
عدوًا واحدًا
يود أن يفترس
الجميع!
أنت
واهب النصرة،
يا مخلصي!
v هوذا
قوات الظلمة
تتبع خطواتي،
لكي
تنصب لي
الشباك،
وتقتلني.
أما
أنت يا إلهي،
فتتبع
خطواتي،
لكي
تحول الشرور
لخيري،
تهتم
حتى بعدد شعر
رأسي.
عجيب
أنت يا إلهي
في حبك لي!
وعجيبة
هي رعايتك
الفائقة!
v أختفي
فيك، فأنت
ملجأي، وحصن
حياتي.
أرتوي
بكلامك،
وأشبع بحبك.
حضورك
يهبني
الحياة،
ويشبع
كل كياني.
حضورك
يرعب العدو،
فيرجع
إلى الوراء في
خزيٍ وعارٍ.
v ماذا
أقدم لك مقابل
حبك الفائق؟
أنذر
أن أكون لك
بكليتي.
أقدم
لك ذبائح
الشكر
والتسبيح!
أدخل
إلى حضرتك في
أمان،
لأنك
أنت النور
الحقيقي،
تبدد
كل ظلمة
العدو!
لك
الشكر يا
مخلصي الصالح!
[134] Com. On 1 John, 4: 3.
[135] Boyld's Bible Handbook, p. 239.
[136] عظة 8: 25.
[137] Sermon on N.T. Lessons, 67:4.
[138] رسالة القديس أنبا ثيؤفيلس إلى الرهبان، 18 (فردوس الآباء).
[139] Sermon
137: 2.
[140] Cassidorus: Exposition of Ps. 5: 13.