صرخة
استغاثة وشكر
لله
يقدم
المرتل صرخة
تصدر من قلب
إنسانٍ يشعر
أنه مُستبعَد
من بلده ومن
شريعة إلهه [1-2].
يُعبِّر عن
حزن مَنْ حُرم
من الوجود في
بيت الرب
والعبادة
الجماعية،
لكنه مملوء
بالرجاء. في
نفس الوقت
يذكر مراحم
الله في حياته
الماضية،
كخبرة لن
ينساها [3]،
لهذا يضع في
قلبه أن
يُكرِّس حياته
بالكامل
لخدمته [4-5]. هذا
هو النذر
الروحي الذي
يعد بأن يوفيه
كل أيام
حياته.
يرى
القديس
أثناسيوس
الرسولي أن
هذا المزمور
هو مزمور شكر
لله من أجل
إعادة
المسبيين إلى
بلادهم،
وأيضًا يقدمه
الشعب الذي
تمتع بالخلاص
بالإيمان.
يضم
المزمور
عبارات
ليتورجية
جعلت منه ليس
فقط مرثاة
شخصية، وإنما
جزءًا من
العبادة
الليتورجية
الجماعية.
هذا
ويذكرنا
المزمور
بضرورة
الصلاة من أجل
القيادت
الكنسية
والزمنية. وأن
الحياة الروحية
الصادقة
تدفعنا إلى
الوحدة
والتكامل بين حياتنا
الشخصية
والوطنية بل
والعالمية.
في
هذا المزمور
كما في المزامير
السبعة
التالية يظهر
السيد المسيح
كرأس لشعبه
والممثل لهم.
1.
صرخة إلى الله
مخلصه
1-2.
2.
شكر على مراحم
الله
3.
3.
نذر تكريس
حياته
4-5.
4.
صلاة من أجل
الملك
6-7.
5.
الوعد بإيفاء
النذر
8.
العنوان
لإِمَامِ
الْمُغَنِّينَ
عَلَى
ذَوَاتِ الأَوْتَار
upon Neginath.
لِدَاوُدَ.
"على
ذوات الأوتار Neginath أو Niginoth.
الفعل naagan
معناه يلعب
على أداة
موسيقية،
خاصة أداة ذات
أوتار. وقد
وردت في
المزامير
حوالي 30 مرة،
لتعني الآلة
ذاتها أو
اللاعب على
الآلة ذات
الأوتار.
1.
صرخة إلى الله
مخلصه
"اِسْمَعْ
يَا اللهُ
صُرَاخِي،
وَاصْغَ
إِلَى
صَلاَتِي" [1].
إن
كان الذي يصرخ
هنا هو شخص
واحد، فمن هو
هذا الشخص؟
يقول
القديس
أغسطينوس:
[لكي تعرفوا
أنه هذا:
صوتنا نحن
الذين في كل
العالم من
الشرق حتى إلى
الغرب، يتحدث
هنا كما لو
كان إنسانًا
واحدًا، لكنه
ليس هو بإنسانٍ
واحدٍ، إنما
كما لو كان
إنسانًا
واحدًا، فالوحدة
هنا تتحدث.
ففي المسيح
نحن جميعًا إنسان
واحد، لأنه عن
هذا الإنسان
الرأس في السماء،
والأعضاء لا
تزال تكدح على
الأرض. وإذ هم يكدحون
انظروا ماذا
يقول.]
يمثل
هذا المزمور
صرخة تصدر عن
قلب إنسانٍ
يشعر بأن منبوذ
ومُضطهَد،
لكنه يلجأ إلى
الله بكونه
الصخرة
والملجأ
والبرج
الحصين؛ يطلب
السكنى الدائمة
مع الله.
في
وسط الضيق
غالبًا ما
يعاني
الإنسان
المتألم من
الشعور
بالعزلة
والاستبعاد،
كأنه غريب،
ليس من يشاركه
مشاعره، أو
يترفق به،
لهذا لا يجد
من يصرخ إليه
سوى الله نفسه،
الذي وحده
يسمع صرخات
القلب،
ويشارك المتألم
مشاعره.
مِنْ
أَقْصَى
الأَرْضِ
أَدْعُوك،َ
إِذَا
غُشِيَ عَلَى
قَلْبِي.
إِلَى
صَخْرَةٍ
أَرْفَعَ
مِنِّي
تَهْدِينِي [2].
يرى
البعض أن داود
النبي وقد
تمرد عليه
ابنه أبشالوم،
واضطر إلى
الهروب صار
كمن قد أُقصي
إلى أقاصي
الأرض. هذه هي
مشاعر كل
إنسان يعاني
من ضيقة مُرّة،
فإنه يشعر
كأنه قد صار
في أقاصي
الأرض، إذا به
يجد الله نفسه
الصخرة التي
ليس فقط تحميه،
وإنما ترفعه
إلى فوق. نعمة
الله تحملنا كما
إلى الأعالي،
فلا يقدر عدو
أن يتسلل
إلينا.
يسمع
الله صرخات
الإنسان حتى
وإن استبعده
الناس إلى
أقاصي الأرض،
فقد سمع
لدانيال
وزملائه وهم
في بابل، وسمع
ليونان وهو في
بطن الحوت،
ويسمع للخاطئ
الذي يصرخ
إليه بالتوبة
مهما بلغت
خطاياه. إنه
السامع
للصلوات!
v كأن
هذا القول
مقدَّم من
الشعب المسبي
إلى بابل،
فإنه يقول: "من
أقاصي الأرض"،
أي من بابل
البعيدة جدًا
من أورشليم،
صرخت إليك
وأنا في شدة
حزني، وقد ثبت
قلبي على صخرة
الرجاء.
وأيضًا
الذي يصير تحت
استيلاء
الأبالسة، ويضجر
قلبه يعرف أنه
بعيد عن الله،
فيقول في صلاته:
"صرخت إليك
من أقاصي
الأرض"،
أعني من مسافة
بعيدة عنك.
أيضًا
الذين
ينهمكون في
الدنيويات
والمتمرغون
في حمأة
الشهوات
الجسدية هم
ساكنون في وسط
الأرض
وغائرون في
جوفها، أما
السواح في الجبال
والبراري
فيكونون
ساكنين في
أقصى الأرض،
هؤلاء يسمع
الله طلبتهم، ويصغي
إلى صلواتهم،
وعند ضجرهم
يشدد قلوبهم. وقولنا
ضجرهم (يغشى
قلبهم) لا يدل
إلا على إقامتهم
في هذا العمر
الفاني وعلى
هلاك غير التائبين...
أما
الصخرة فهي
ربنا يسوع
المسيح، فمن
يحصل على هذه
الصخرة يرتفع
بعقله إلى
السماويات ويرتقي
إلى الله.
الأب
أنثيموس الأورشليمي
يرى
بعض الآباء
مثل القديس
أغسطينوس أن
هذه الصرخة،
هي صرخة
الكنيسة كلها
الممتدَّة
إلى أقاصي
الأرض، فإنها
تئن معًا بروح
الوحدة،
بكونها جسد
المسيح
المتألم!
إنها
صرخة كل مؤمن،
يُصلَب مع
السيد
المسيح، فيصرخ
لحساب كل
المتألمين
والمُضطهَدين
والمظلومين!
v ترك
المسيح الشعب
اليهودي،
واتحد مع
الكنيسة
القادمة من
أماكن بعيدة،
وهو يدعوها في
المزامير: "من
أقاصي الأرض
أدعوك"[1].
الأب
قيصريوس أسقف
آرل
v جسد
المسيح كله
انصهر في
العالم أجمع،
أي الكنيسة
كلها، يمارس
الندامة التي
تحقق شركة
الوحدة، كما
جاء في
المزمور:
"صرخت إليك من
أقاصي الأرض"،
عندما تسمعني
وأنا في ألمٍ
مبرحٍ[2].
v أي
إنسان يصرخ من
أقصى الأرض؟
لا يوجد صراخ
من أقصى الأرض
سوى من
الميراث الذي
قيل عنه للابن
نفسه: "اسألني
فأعطيك الأمم
ميراثًا لك،
وأقاصي الأرض
ملكًا لك" (مز 2: 8).
إنه مِلك
المسيح هذا هو
ميراثه، هذا
هو جسد المسيح،
هذه هي كنيسة
المسيح
الواحدة، هذه
هي الوحدة
التي هي نحن.
إنها تصرخ من
أقاصي الأرض.
القديس
أغسطينوس
"إذا
غشي عليَّ
قلبي" [2]، فإنه
وإن كان قلب
الكنيسة، كما
قلب كل عضوٍ
فيها، يرتفع
مع الرأس إلى
السماء، فإنه
إذ هو متسع
بالحب يئن مع
أنات كل
إنسان،
ويلتهب مع
عثرة كل أحدٍ.
تمتزج مشاعره
بين المجد
الفائق الذي
يختبره دومًا
مع شركة
الآلام
والأتعاب مع الكنيسة
المجروحة. يرى
القديس
أغسطينوس أن
هذا الصارخ هو
السيد المسيح
في أشخاص أعضاء
جسده.
v يُظهر
نفسه خلال كل
الأمم، في كل
العالم المحيط،
في مجدٍ
عظيمٍ، ولكن
في ضيقةٍ
عظيمةٍ. فإن
حياتنا في هذه
الرحلة لا
يُمكن أن تكون
بدون تجربة،
فإن تقدُّمنا
يتحقق خلال
التجارب؛ ولا
يعرف إنسان
نفسه ما لم
يُجرَّب؛ ولا
يُكلَل ما لم
ينتصر، ولا
ينتصر ما لم يُحارِب،
ولا يحارب ما
لم يذق وجود
عدو وتجارب.
هذا الإنسان
إذن يغشى
(يرتبك)،
فيصرخ من أقاصي
الأرض، إلا
أنه غير منسي.
فإنه يريدنا
نحن الذين هم
أعضاء جسده أن
نُمثل أيضًا
في جسده هذا،
هذا الذي يموت
ويقوم ويصعد
إلى السماء،
لكي حيث ذهبت
الرأس مقدمًا
تتأكد الأعضاء
أنها ستتبعه.
لهذا فخلال
الرمز ننتقل
فيه عندما
يريد لنا أن
يجربنا
الشيطان.
القديس
أغسطينوس
هكذا
يرى القديس
أغسطينوس
أنه مع صرخة
كل مؤمن أينما
وُجد في
العالم، يصرخ
جسد المسيح
كله، بل يصرخ
الرأس نفسه
لحسابه، فيدرك
المؤمن أن
تجربته هي
فرصة رائعة
للشركة مع المسيح
المتألم،
القائم من
الأموات
والصاعد إلى
السماوات.
v يُقرأ
في الإنجيل
كيف أن الرب
يسوع المسيح
جُرِّب من
الشيطان في
البرية (مت 4: 1).
المسيح بكامله
(الرأس وجسده الكنيسة)
جُرِّب، لأن
المسيح من
أجلكم أخذ لنفسه
جسدًا. لأجلكم
صنع لنفسه
خلاصًا
(نصرة)؛ لأجلكم
قبل الموت،
ولأجلكم
الحياة؛
لأجلكم الشتائم،
ولأجلكم
الكرامات.
لأجلكم قبل
التجربة،
ولأجلكم
النصرة. إن
كنا فيه
نُجرَّب، ففيه
ننتصر على
الشيطان... "على
صخرة رفعتني".
v تصرخ
(الكنيسة) من
أقاصي الأرض،
تلك التي يريد
أن يبنيها على
الصخرة (مت 16: 18)...
اسمعوا بولس
يقول: "لكن
الصخرة كانت
المسيح" (1 كو 10: 4).
إذن عليه نحن نُبنى.
القديس
أغسطينوس
2.
شكر على مراحم
الله
لأَنَّكَ
كُنْتَ
مَلْجًَأ
لِي،
بُرْجَ
قُوَّةٍ مِنْ
وَجْهِ
الْعَدُوِّ [3].
حقًا
إن الحماية
التي يجدها
المؤمن عند
التجائه إلى
الله عجيبة،
حيث يحتضنه
كبرج حصين، لا
يقدر أي عدو
أن يتسلل
إليه. ليس من
قوة ينالها
الإنسان مثل
تمسكه
بالإيمان
بالله، وتمتعه
بالحضرة
الإلهية وهو
في وسط أتون
التجربة.
v (مبارك)
هو ذاك المهندس
الذي صار
برجًا كموضع
سلامنا[3].
القديس
مار أفرام
السرياني
v السيد
المسيح هو برج
خلاصنا، الذي
به نتحصن من
كل سهام
العدو، ومن
التجارب التي
تحل على المؤمنين
من الأشرار
كما من
الهراطقة.
v في
داخل الكنيسة
نفسها تعاني
الحنطة من
العنف الصادر
من الزوان وسط
كل هذه الأمور
عندما يضجر
قلبي أصرخ من
أقصي الأرض.
لكن ذاك الذي
يرفعني على
الصخرة لا
ينساني، إنما
يقودني إليه.
فإني وإن كنت
أتعب حيث
يترقبني
العدو
لمقاومتي في
أماكن كثيرة
وأزمنة
مختلفة
ومناسبات عديدة،
فإن (الرب) هو
برج القوة
الذي أهرب
إليه للحماية...
المسيح نفسه
هو البرج![4]
v المسيح
نفسه هو
البرج؛ من
أجلنا جعل
نفسه برجًا في
وجه العدو،
وهو الصخرة
التي عليها
تُبنَى
الكنيسة.
أتريد ألا
تُضرَب من
الشيطان، اهرب
إلى البرج،
فإن رماح
الشيطان لن
تتعقبك، هناك
تقف محميًا
وثابتًا...
البرج أمامك،
تذكر المسيح
وادخل البرج.
القديس
أغسطينوس
v بهدايتك
وتقدمك
أعدتني إلى
وطني كما رجوت
منك، وصرت لي
برجًا
حصينًا، تمنع
عني وثَبَات عدوي
عليّ. هكذا كل
من يسمع قول
ربنا: "تعالوا
خلفي"،
ويتبعه
سالكًا
بسيرته، يصير
له ربنا برجًا
حصينًا،
يحميه من
مقاومة
الأعداء،
وذلك كما كان
عونًا وملجأ
لرسله الذين
تبعوه.
الأب
أنثيموس
الأورشليمي
3.
نذر تكريس
حياته
إذ
غشي قلب
المرتل وهو في
أقاصي الأرض
ولم يجد من
يعينه، تجلى
له المخلص صخر
الدهور
والملجأ الذي
فيه يدخل
ويتمنع.
بدخوله
البرج ليس فقط
يجد الحماية
من سهام الشرير
القاتلة
وتجاربه
المُرَّة،
وإنما يختبر
عذوبة الشركة
مع المسيح،
فيشتهي أن
يقضي كل حياته
في شركة معه.
هذا هو النذر
الحقيقي، وتكريس
القلب لله!
لأَسْكُنَنَّ
فِي
مَسْكَنِكَ
إِلَى الدُّهُور.
أَحْتَمِي
بِسِتْرِ
جَنَاحَيْكَ.
سِلاَهْ [4].
يرى
البعض أن طلبة
المرتل داود
أن يسكن في
مسكن الرب إلى
الأبد، لا
تعني أن يقيم
جسديًا في بيت
الرب، لأنه لم
يكن بعد قد
بُني الهيكل،
فقد عبرَّ عن
هذه الشهوة
التي في قلبه
في مزامير
كثيرة سجلها
قبل بناء
الهيكل (مز 15: 1؛ 19:
4؛ 27: 5-6). إنما لأنه
يرى سواء في
خيمة
الاجتماع أو
في بناء بيت
للرب (الأمر
الذي حققه
ابنه سليمان)
صورة حية
للسماء
وللعبادة
السماوية. فكان
قلب المرتل
يشتهي الحياة
السماوية.
طلبته
أن يحتمي تحت
ظل جناحي
الله، تشير
إلى ظهور الله
على غطاء
تابوت العهد،
أي على كرسي
الرحمة،
المظلل
بأجنحة
الكاروبين في
قدس الأقداس،
الذي لم يكن
يقدر أن يدخله
إنسان غير
رئيس الكهنة،
حتى وإن كان
الملك نفسه!
لقد
حسب المرتل
سعادته
العظمى تتحقق
بأن ينطرح
أمام المذبح
عن أن يجلس
على عرش الملك[5].
وجد
المرتل
سعادته حين
كان يقف أمام
تابوت العهد،
ويشعر
بالحضرة
الإلهية،
وأنه يختبئ
تحت ظل جناحي
الله، فكم
تكون سعادتنا
حين نلتقي مع الله
نفسه وجهًا
لوجه، ونحيا
معه في
سماواته إلى
الأبد.
ما
يتمتع به
المؤمن خلال
خلاصه من
التجربة هو الدخول
في أعماق
جديدة في علاقته
مع الله.
عندئذٍ يتوق
أن يعبر
سريعًا من العالم،
ليس بسبب
مرارة
التجارب
والضيقات، وإنما
شوقًا إلى
السكنى
الأبدية مع
الله.
v يقول
النبي: "مسكن
الله" عن
مدينة
أورشليم،
بظهوره فيها
ووجود هيكله. وأيضًا
عن أورشليم
السماوية حيث
مسكن الذين أرضوا
الرب. أما جناح
الله فهو
عنايته
وحراسته.
الأب
أنثيموس
الأورشليمي
v نحن
نعيش هنا
أيامًا قليلة
ونَعْبُر.
فإننا رُحَّل
هنا، لكننا
سنكون سكان
السماء.
إنكم
نزلاء في هذا
الموضع، حيث
تسمعون صوت الرب
إلهكم:
"ارحلوا". أما
في البيت
الأبدي في السماوات
فلا يأمركم أحد
أن ترحلوا...
يوجد
حَرٌ في
العالم، لكن
يوجد ظل عظيم
تحت جناحي
الله.
القديس
أغسطينوس
لأَنَّكَ
أَنْتَ يَا
اللهُ
اسْتَمَعْتَ
نُذُورِي.
أَعْطَيْتَ
مِيرَاثَ
خَائِفِي
اسْمِكَ [5].
بحسب
الترجوم Targum،
التفسير
اليهودي
القديم
للكتاب
المقدس، الملك
الذي يسمع له
الله نذوره،
هو "الملك المسيا
King Messiah". يقول عنه
الرسول بولس:
"الذي في أيام
جسده، إذ
قدَّم بصراخٍ
شديدٍ
ودموعٍ،
طلبات وتضرعات
للقادر أن
يخلِّصه من
الموت، وسُمع
له من أجل
تقواه" (عب 5: 7).
ما
هي النذور
التي قدمها
كلمة الله،
إلا أن يقدس
ذاته أو يكرس
حياته لأجل
خلاص العالم
ومجد المؤمنين
به، إذ يقول
في صلاته
الوداعية:
"لأجلهم أُقَدِّس
أنا ذاتي،
ليكونوا هم
أيضًا مُقدَّسين
في الحق" (يو 17: 19).
ونحن
كأعضاء في
جسده نحمل
شركة سماته،
ونقدم نذرًا
أن نعيش بروحه
القدوس
مقدسين، نعمل
لأجل تقديس كل
إنسان، ونمو
ملكوت الله في
كل قلبٍ،
مستعذبين كل
ألم كشركة مع
المسيح
المصلوب.
لقد
سمع الآب
لصلاة الابن
الوداعية؛
هذه الاستجابة
هي رصيدنا
السماوي، حيث
تطمئن نفوسنا
أن ما نطلبه
باسم المسيح
المخلص لحساب
ملكوته يحقق
لنا الآب.
ونحسب هذه
الاستجابة
ميراثًا
خاصًا بنا إن
كنا بالحقيقة
خائفي الرب
ومتقيه.
v الذين
يبلغون قمة
الكمال لهم
ميناؤهم، ليس
في الحياة،
ولا في
القيامة، ولا
في أي أمر
نعجب به،
وإنما في ذاك
المُشتهى
وحده، الذي من
أجله يحسبون
الكارثة
بهجة، والتعب
راحة عذبة، السكنى
في الصحراء
أفضل من حياة
المدن، وأكثر
غنى من
الثروة... هذه
هي المكافأة
التي ينتظرها الذين
يمارسون
الفضيلة. إنها
ميراث لمن
يخدمون الله،
كما يعلن
النبي (إش 65: 9)[6].
ثيؤدورت
أسقف قورش
ما
هو الميراث
الذي يتمتع به
المؤمن كملك،
إلا أن يتمتع
بحقوقه كابن
لله، نال التبني
في مياه
المعمودية،
ويفرح أيضًا
أن يتمتع
البشر بهذه
النبوة،
ويصير لهم حق
الميراث الأبدي
في الأمجاد
السماوية.
v لنستمر
إذن في مخافة
اسم الله، فإن
الآب السماوي
لا يخدعنا.
الأبناء
يتعبون لكي
ينالوا الميراث
من والديهم،
هؤلاء الذين
يخلفونهم بعد
مماتهم. فهل
نحن نتعب
لنقبل
الميراث من
ذاك الآب، الذي
لا نخلفه بعد
موته، بل نحن
معه في ذات
الميراث، إذ
نحيا إلى
الأبد؟
القديس
أغسطينوس
v إن
الميراث الذي
أُعطي لبني
إسرائيل هو
أرض الموعد
التي تفيض
لبنًا وعسلاً.
وهي أرض فلسطين
التي فقدوها.
دُعيت
ميراثًا
لأنها أُعطيت
لآبائهم من
الله بالموعد.
وأما الميراث الحقيقي
الثابت
امتلاكه الذي
أعطاه الله للمؤمنين
فهو ملكوته
السماوي
الموعود به
لهم، كقول
ربنا له
المجد: رثوا
المُلك
المُعد لكم والحياة
الأبدية.
الأب
أنثيموس
الأورشليمي
4.
صلاة من أجل
الملك
إِلَى
أَيَّامِ
الْمَلِكِ
تُضِيفُ
أَيَّامًا.
سِنِينُهُ
كَدَوْرٍ
فَدَوْرٍ [6].
لا
يمكن تفسير ما
ورد هنا إلا
بتحقيقه في
شخص المسيا.
فإن المرتل
داود كان
يشتهي مع أبيه
إبراهيم أن
يرى يوم
المسيا
المفرح (يو 8: 56)،
وإن تمتد
أيامه من جيل
إلى جيل خلال
عمله الخلاصي
في كنيسته
المقدسة.
يقدم
البعض
تفسيرًا
حرفيًا
للعبارة،
فيرون أن داود
كان على حافة
القبر، حيث
كان ابنه أبشالوم
يطلب رأسه،
لكن الله
أعطاه عمرًا
امتد إلى 69
سنة، حيث رأى
الجيل الثالث
له.
لعل
داود النبي
وهو في لحظات
مُحرِجة حيث يطلب
ابنه رأسه،
كان يتطلع إلى
المسيا الموعود
به، الذي لن
يقدر الموت أن
يحطمه، ولا
الفساد أن
يلحق بجسده.
يرى
الأب
أنثيموس
الأورشليمي
أن داود الملك
لا يطلب أن
يزيد الله
أيامًا على
أيامه
وسنينًا إلى
جيل وجيل
بمعنى أنه يطلب
طول العمر
الفاني، إنما
يطلب أن تبقى مزاميره
من جيل إلى
جيل، أي تعبر
من اليهود أيضًا
إلى الأمم،
حيث يصير الكل
مملكة روحية
واحدة، ورعية
واحدة لراعٍ
واحدٍ.
v الملك
المسيح،
رأسنا، هو
ملكنا. نعطيه
أيامًا فوق
أيامٍ، ليس
فقط تلك
الأيام التي
في هذا الزمن
الذي ينتهي،
بل نعطيه
أيامًا فوق
الأيام التي
لا تنتهي... أي
شيء له نهاية
فهو قصير، أما
أيام هذا
الملك فهي
أيام فوق
أيامٍ، فلا
يملك المسيح
في كنيسته فقط
في تلك الأيام
التي تعبر،
وإنما يملك
القديسون معه
في تلك الأيام
التي لا
تنتهي... "وأنت
هو وسنوك لن
تنتهي" (مز 102: 27).
القديس
أغسطينوس
ولعله
بقوله: "تضيف
إلى أيام
الملك أيامًا"
تشير إلى أن
السيد المسيح
ملك الملوك
الأبدي يفرح
بقبول
البشرية
الإيمان به
والاتحاد ليصيروا
ملوكًا،
يشاركونه
المجد
الأبدي، فيُحسب
ملكوتهم
الأبدي كأنه
إضافة إلى
أيامه. مع كل
مؤمن يصير
ملكًا، يتهلل
ملك الملوك،
ويبتهج به كمن
نال هو ما
قدمه لهذا
المؤمن.
يَجْلِسُ
قُدَّامَ
اللهِ إِلَى
الدَّهْر.
اجْعَلْ
رَحْمَةً
وَحَقًّا
يَحْفَظَانِهِ
[7].
ملك
داود على
يهوذا حوالي 40
عامًا، فمن هو
هذا الملك
الذي يجلس
ملكًا قدام
الآب إلى
الأبد، سوى
ابن الإنسان،
الذي أشار
إليه دانيال
النبي: "كنت
أرى في رؤى
الليل، وإذا
مع سحب السماء
مثل ابن إنسان
أتى وجاء إلى
القديم
الأيام، فقربوه
قدامه. فأُعطي
سلطانًا
ومجدًا
وملكوتًا، لتتعبد
له كل الشعوب
والأمم
والألسنة،
سلطانه سلطان
أبدي، ما لن
يزول،
وملكوته ما لا
ينقرض" (دا 7: 13-14).
أساس
مملكته
الأبدي فهو التناغم
بين الرحمة
والحق معًا
اللذان تحققا
بعمله
الخلاصي على
الصليب.
v يقول
أيضًا في موضع
آخر: "كل سُبُل
الرب رحمة وحق
لحافظي عهده
وشهاداته" (مز
25: 10). يتكلم عن
الرحمة، لأن
الله لا يهتم
باستحقاقاتنا
بل بصلاحه،
حتى يغفر لنا
كل خطايانا،
ويعدنا
بالحياة الأبدية.
أما عن الحق
فيتكلم عنه،
لأنه لن يخفق
في تحقيق ما
يعد به.
ليتنا
نعرف هذا هنا،
ليتنا
نمارسه، حتى
يُظهِر الله
لنا رحمته
وحقه. يظهر
رحمته بغفران
خطايانا،
وحقه بإظهار
مواعيده. أقول
أيضًا ليتنا
نحن ننفذ
الرحمة والحق.
الرحمة على
الضعفاء
والمحتاجين،
بل حتى على
أعدائنا.
والحق بأننا
لا نخطئ، ولا
نضيف خطية فوق
خطية.
القديس
أغسطينوس
يختم
المرتل
مزموره
بالإعلان عن
إيفاء نذوره،
ألا وهو
التسبيح لاسم
الله إلى
الأبد.
5.
الوعد بإيفاء
النذر
هَكَذَا
أُرَنِّمُ
لاِسْمِكَ
إِلَى الأَبَدِ.
لِوَفَاءِ
نُذُورِي
يَوْمًا فَيَوْمًا
[8].
انتقل
المرتل من
صرخات القلب
بسبب الضيق
إلى الشركة مع
المسيح
المتألم
القائم من
الأموات
والصاعد إلى
السماوات.
تنطلق
نفس المرتل
إلى أحضان
الرب، فتستقر
هناك، وتتأمل
رحمته وحقه،
وتنعم بشركة
الطبيعة
الإلهية حيث
تتمتع
بممارسة
الرحمة والحق
على صورة مخلصها.
تغفر لمن يسيء
إليها، وترحم
بالحب كل من
هو في ضعف أو
عوز، وتمارس
الحق حيث
تتمسك بالوعود
الإلهية،
وتثق فيها.
v "هكذا
أرنم (ألعب
بالموسيقى)
لاسمك، لوفاء
نذوري يومًا
فيومًا" [8]. إن
كنتم تضربون
موسيقى لاسم
الله، لا تضربوا
إلى حين.
هل
تلعبون
موسيقى دومًا؟
هل
تلعبون
موسيقى إلى
الأبد؟
أوفوا
له نذوركم
يومًا
فيومًا... من
هذا اليوم إلى
ذاك اليوم.
استمروا
في إيفاء
نذوركم في هذا
اليوم، حتى تأتوا
إلى ذاك
اليوم، فإن من
يستمر إلى
المنتهى هذا
يخلص (راجع مت 24:
13).
القديس
أغسطينوس
v الأحباء
الأعزاء، إن
منافع
الصداقة
تقتني أمورًا
لا تُحَد،
عندما يفي
المدين
للدائن الدين
قبل موعده. من
يقوم
بالتسديد
عفويًا المال
المُقترض،
يخزن هذا لنفسه.
فإنه ما أن
يمتثل أمام
الدائن، فإنه
ينال ما يسأله
وقت احتياجه.
أما الإنسان
الذي يثبت أنه
غير أمين فيجد
باب الدائن
دائمًا مغلقًا
أمامه. ليقرع
ويتوسل كيفما
يشاء، فإنه سيُطرد
حزينًا فارغ
اليدين مع
توبيخات موجهة
ضده. إن كان
أحدٌ يثير
كراهية ضد
نفسه لدى إنسان،
فكم بالأكثر
إن تصرَّف
بخداعٍ مع
الله، وحاول
الاستخفاف
برب العظمة
السماوية
بوعده الناعم
(دون
التنفيذ)؟...
هل
قال: "من عامٍ إلى
عامٍ"؟ لا، بل
قال: من يومٍ
إلى يومٍ.
لهذا يلزمنا
العمل كل يوم،
أيها الأحباء
الأعزاء. يليق
بنا ألا نخطئ
بخصوص الدين
الذي علينا من
الله والوعد
بالوفاء. من
يفي نذوره
يوميًا لا يكون
مدينًا أمام
الديان في
المستقبل.
بنفس الطريقة
من يغتني
بالعمل البار
ويقدم ثمر
أعماله
الصالحة
يومًا فيومًا
ليس لديه علة
أن لا يكف عن
تقدير حسابه[7].
الأب
فاليريان
v كما
قال يعقوب: "إن
أعطاني الله
خبزًا للأكل... أعطيه
عُشرًا من كل
ما يعطيني"،
وقد وفَّي بما
نذره، هكذا
أنا أيضًا
عندما أنال من
الله ما قد
طلبت أوفي له
نذري، أي أُرَتِّلٍ
لاسمه شاكرًا
مادمت
موجودًا في
هذه الحياة.
الأب
أنثيموس
الأورشليمي
من وحي مز 61
أنَّاتنا
هي شركة مع
أنَّاتك!
v في وسط
تجاربي،
تتجلى أيها
المصلوب
أمامي!
يغشى قلبي
بسبب ضعفي.
لكني أدرك
أني عضو في
جسدك.
فمع كل
أنين يخرج من
قلبي، يصرخ
جسدك كله،
وتئن عني
يا أيها الرأس
العجيب في
حبه!
تقيمني
معك، وتدخل بي
إلى سمواتك،
حتى حيث
تكون أنت أكون
معك!
v لتسمح لي
بالضيق،
مادمت تغرس
صليبك في
داخلي.
أنسى
الآلام
والتجارب،
وتتعلق نفسي
بحبك!
أرتمي في
أحضانك،
وأدخل في
أحشائك يا
صخرة الدهور!
v لتسمح لي
بالضيق، فإني
مختبئ فيك.
إني مبني
عليك،
فلا تقدر
عواصف العالم
وسيوله أن
تُحَطِّمني.
أنت
ترفعني،
فأقيم معك كما
في السماء
عينها!
v تُرَى
ماذا أدعوك؟
أنت
صخرتي، عليك
تُبنى حياتي!
لا يقدر
العدو - الحية
القديمة - أن
يزحف إليَّ!
لأنه ليس
له موضع فيك.
أنت هو
ملجأي، فيك
أحتمي!
فلا يجسر
إبليس أن
يقترب إليَّ!
أنت هو
البرج
العالي،
تحملني كما
إلى السماء،
فلا
تستطيع سهام
إبليس أن تبلغ
إليَّ!
v العالم
يتوهج بحرارة
التجارب،
لكن ستر
جناحيك يهبني
راحة عظيمة.
وسط
التجارب
ألتجئ إلى
حنانك وحنوك.
أستعذب
السُكنى فيك،
ولا أريد
الخروج عنك!
لأسكن في
أحضانك
الإلهية إلى
الأبد!
v إذ أسكن في
أحضانك،
أصير بك
ملكًا يا ملك
الملوك.
تبتهج بي
كعضوٍ في جسدك
الملوكي.
وتحسب ما قدمته
من ملوكية قد
نلتها أنت، يا
مُشبِع الجميع!
حقًا متى
أرى كل
البشرية قد
صارت ملوكًا!
v إذ أستقُر
في أحضانك،
أكون
دومًا في
حضرتك.
أتأمل
رحمتك وحقك.
ألهج
بحبك، لأن
برحمتك تغفر
خطاياي،
وبحقك
تقدم لي
وعودًا إلهية.
أدهش من
رحمتك وحقك،
فأشتهي أن
أصير أيقونة
لك.
يمتلئ
قلبي
بالرحمة،
حتى مع
الذين
يقاومونني.
وأسلك في
حقك،
فأستنكف
من الخطية
وأبغضها
v مادمت في
أحضانك
محفوظًا،
أوفي لك
نذوري يومًا
فيومًا.
مع كل يوم
جديد، أختبر
مراحمك جديدة
في كل صباحٍ.
يلتهب
بالأكثر حبي
لك،
وألهج
مسبحًا من أجل
وعودك
الفائقة
الصادقة.
تتحول
حياتي إلى
أغنية شكر
وتسبيح.
ماذا أرد
لك يا مخلصي
عن كثرة
إحساناتك؟
أبقى كل
أيام غربتي
أسبح بكل
كياني،
وإذ أنطلق
إلى يومك
العظيم.
هناك على
السحاب أدخل
في جوقة
الكنيسة
المتهللة.
أبقى كل
أبديتي في
فرحٍ مجيد
وتسبيح لا
ينقطع!
[1] Sermon 95: 2.
[2] Sermon 21: 6.
[3] Hymns on the Nativity, 2.
[4] Explanation of Psalms 61: 4.
[5] Plumer, Ps. 61.
[6] On Divine Providence, Disc, 9: 11.
[7] Fr. Valerian: Homilies, 4 (Frs of the Church).