الأصحاح
الرابع
إذ
أكد الحكيم أن
"لكل شيء
زمان" [1]، حتى
دينونة
الصالح
والطالح لها
زمانها
الخاص، فإن
وجود الظلم في
العالم لهو
دليل على
بطلان هذه الحياة،
وإن كان وجود
هذا الظلم لا
يعني أن الحياة
تسير
اعتباطًا بلا
ضابط إلهي أو
بلا عناية
إلهية.
لقد
كشف الكاتب عن
رقة مشاعره
نحو دموع
المظلومين،
مشتهيًا
الموت عن
رؤيته للظلم،
وفي نفس الوقت
حذر من
الأنانية
كباعث جوهري
للظلم، وكشف
عن بركات
الصداقة
الحقة
والمشاركة
مقابل مخاطر
الأنانية.
1.
الظلم والتجرد
من الإنسانية
[1-3].
2. حماقة
السعي وراء
الراحة
[4-6].
3. بين
الأنانية
والصداقة
[7-12].
4. حماقة
السعي وراء
المجد الباطل [13-16].
1.
الظلم
والتجرد من
الإنسانية:
يعلن
الجامعة أن
القهر هو سمة
كل أعمال
الإنسان [1]؛ ويظهر
المقهورون
عاجزين عن
التصرف،
فيمزق صراخهم
قلب الجامعة.
كان سليمان
رقيق المشاعر جدًا
فلم يحتمل
دموع
المظلومين،
حاسبًا الأموات
أكثر غبطة من
الأحياء
الذين يرون
الظلم سائدًا
في العالم،
والسقط الذي
لا يولد بل
يموت كجنين في
أحشاء أمه هو
أكثر غبطة من
الكل، لأنه "لم
يَر العمل
الرديء الذي
عُمل تحت
الشمس" [3].
لم يكن
الجامعة
متشائمًا في
اشتهائه
الموت، وإنما
كان رقيقًا كل
الرقة، لا
يحتمل معاينة المظلومين،
متشبهًا
بسيِّده
القائل: "حوِّلي
عني عيناكِ
فإنهما
غلبتاني" (نش 6:
5)... وربما خشيَ
الجامعة نفسه
لئلاَّ يُشارك
الكل الظلم
ويكون ساقطًا
فريسة له.
يعبِّر
القدِّيس
أمبروسيوس
عن مشاعر
الجامعة الذي
اشتهى الموت
عن معاينة
الظلم،
قائلاً: [يؤكد
الجامعة أن
المولود ميتًا
أفضل من
المتقدم في
العمر، لأنه
لم يَر الشرور
التي حلَّت في
هذا العالم.
إنه لم يأتِ
إلى تلك
الظلمة، ولم
يمشِ في بطلان
العالم، لذا
فإن من لم يأتِ
إلى تلك
الحياة هو في
أكثر راحة من
الذي جاء
إليها. حقًا،
ما هو خير
الإنسان في
هذه الحياة؟
إنه يحيا في
ظلام ولا يشبع
في رغباته،
وإذا ما أُتخم
بالغنى يفتقد
الراحة، إذ يلتزم
بحراسة ما
اقتناه من
ممتلكات بسبب
طمعه الشرير.
لأنه اقتنى
تلك القنية
بشراهته وطمعه،
فإنه يرى أنها
لا تهبه
خيرًا. ما
أقسى أن يحرس
الإنسان
مقتنياته
ويتعذب ولا
يستفيد بوفرتها[105]].
إن كان
الجامعة
يمتدح من مات
في أحشاء أمه
حتى لا يُعاين
الظلم أو
لئلاَّ
يُشارك الناس
ظلمهم وطمعهم
وجشعهم، أليس
بالأولى نطوّب
من يموت
بإرادته
الحرة مع
مسيحه
المصلوب حبًا
لله والناس. وكما
يقول العلامة
أوريجانوس:
[من ذا الذي
يُمتدح بأكثر
استحقاق من
ذلك الذي يموت
بكامل حرية
إرادته من أجل
دينه (إيمانه)[106]؟!].
2.
حماقة السعي
وراء الراحة:
ينتقد
الجامعة
الذين يركنون
إلى التكاسل
وطلب الراحة،
إما لأنهم
يشعرون
بالظلم الذي
حولهم
فيُصابون
بحالة من
الإحباط، متسائلين:
بماذا اِنتفع
هؤلاء الذين
اِقتنوا غنى
وفيرًا؟ أو
لأنهم في
ممارستهم
للظلم يطلبون
أن يغتنوا على
حساب اخوتهم،
فيسعون إلى طلب
الراحة في
استرخاء
ليجنوا ثمر
تعب الغير. على أي الأحوال
يطلب الجامعة
من المؤمنين
حياة الاعتدال
دون تطرف نحو
التراخي
والكسل أو المبالغة
في طلب الغنى
والاقتناء.
"ورأيت
كل التعب وكل
فلاح (نجاح)
عمل أنه حسد
الإنسان من
قريبه، وهذا
أيضًا باطل
وقبض الريح" [4].
ما
يظنه الإنسان
نجاحًا في
عمله حين يجمع
ويكنز
مقارنًا نفسه
بغيره،
حاسدًا قريبه
الذي يقتني
أكثر منه هو
باطل وانقباض
الريح... إذ يفسد
طبيعة
الإنسان
الداخلية،
حيث يدفعها إلى
ممارسة الظلم
والقهر عوض
الحب والرحمة.
يقول القدِّيس
غريغوريوس
صانع العجايب:
[قد أصبح
واضحًا ليّ
أيضًا كم هو
خطير الحسد الذي
يُصيب إنسانا
من جهة قريبه
كلدغة روح شرير،
ورأيت أن من
يقع فريسة له،
ويمتلئ به
صدره، لا يسعه
إلاَّ أن يأكل
قلبه ويمزقه! وتتهاوى
نفسه، ويبلى
جسده، إذ لا
يجد تعزية في
خيرات
الآخرين[107]].
يقول
القدِّيس
باسيليوس
الكبير: [ما من
شهوة أشد
سوءًا وضررًا
من الحسد. فهو
لا يؤذي
القريب بقدر
ما يؤذي
الإنسان
الحاسد نفسه.
فالحسد سوسة
تنخر في أعماق
قلب الإنسان،
وتعمل فيه كما
يعمل الصدأ
بالحديد. هو
كآبة نفس وحزن
يصيب الإنسان
لدى مشاهدة
السعادة التي
يتمتع بها
الغير... وأشدّ
ما في الحسد
أنه داء يُطوى
في الكتمان. ترى
الحاسد خافض
البصر، كالح
الوجه، يشتكي
باستمرار من
عذاب داخلي مما
يذبل وجهه
ويضني جسده،
فيهزل ويضعف. فهو
يستحي أن
يقول: "إنيّ
حاسد" أشعر
بالمرارة
والحزن للخير
الذي حصل عليه
إنسان غيري،
وإنيّ أتعذب
لسعادة
أصدقائي، ولا
أطيق نجاح أترابي. إنيّ
أرى أن سعادة
الآخرين هي
سيف يمزق
أحشائي
ويطعنني في
الصميم...
الحاسد،
علاوة على ما
ذكرنا، يُفقد
الإحساس
والشعور
الصحيح بالقيَم...
عنده تصبح
الفضيلة
رذيلة،
والخير شرًا. وهكذا
الرجل الشجاع
يعتبره
الحاسد
متهورًا،
والعاقل
بليدًا،
والبار
مجرمًا،
والحكيم مرائيًا،
والكريم
مسرفًا
ومبذِّرًا،
والحريض
بخيلاً. إن كل
الفضائل تصبح
عند الحاسد رذائل[108]].
"الكسلان
يأكل لحمه وهو
طاوٍ يديه" [5].
الكسلان
إما هربًا من
ظلم الآخرين
أو يقصد الانتفاع
بتعب الغير
دون مشاركتهم
العمل لا ينتفع
شيئًا. إنه
يطوي يديه عن
العمل، فيخسر
كل شيء ولا
يجد حتى ما
يأكله... فيأكل
لحمه. وهو
تعبير مجازي
يعني الموت
جوعًا أو يعني
أن الكسلان
يدخل في حالة
فراغ داخلي،
عوض التفكير في
العمل
الإيجابي
يرتبك بأفكار
كثيرة مُبالغ
فيها، تحطم
نفسيته
وتفقده صحته
حتى الجسدية.
v ليس
من حاجة أن
أصف لكم جسامة
شرّ البطالة،
في حين أن
الرسول أوصى
صراحة "إن كان
أحد لا يُريد
أن يشتغل فلا
يأكل أيضًا" (2
تس 3: 10). فكما
أن القوت
اليومي ضروري
لكل إنسان
كذلك الكدّ
بحسب طاقته
ضروري له. لم
يكتب سليمان
عبثًا في مديح
المرأة
النشيطة: "لا
تأكل خبز الكسل"
(أم 31: 27)، كما قال
الرسول أيضًا
عن نفسه: "ولا
أكلنا خبزًا
مجانًا من أحد
بل كنا نشتغل
بتعب وكدٍّ
ليلاً ونهارًا"
(2 تس 3: 8)، مع أنه
كان له
السلطان
ككارز
بالإنجيل أن
يعيش من
الإنجيل (1 كو 9:
14)، بل أن الرب
(في حديثه) قد
جمع بين الكسل
والشر، إذ
قال: "أيها
العبد الشرير
والكسلان" (مت
25: 26).
على
أن سليمان
الحكيم لم
يثنِ فقط على
العامل كما
ذكرنا (أم 31: 27) بل
وبّخ الكسلان إذ
شبهه بأدنى
الحيوانات
(الحشرات)
قائلاً: "اذهب
إلى النملة
أيها
الكسلان" (أم 6: 6). لذا
يجب علينا أن
نخشى من أن
نوبَّخ نحن
كذلك في يوم
الدينونة،
لأن الذي
أعطانا
القدرة على
العمل يطلب
منا أعمالاً
تناسب قدرتنا
هذه، فإنه
قال: "من
يُودعونه
كثيرًا يطالبونه
بالأكثر" (لو 12:
48).
وبما
أن البعض
يستنكف من
العمل بحجة
الصلوات والتسبيح
بالمزامير،
فعلى مثل
هؤلاء أن يعلموا
أن لكل شيء
وقتًا خاصًا
به كما قال
الجامعة: "لكل
أمر أوان" (3: 1)[109].
القدِّيس
باسيليوس
الكبير
"حفنة
راحة خير من
حفنتيّ تعب
وقبض الريح" [6].
خير
للإنسان أن
يعمل لينعم
بحفنة مع راحة
قلبه وسلام
نفسه عن أن
يُغامر بعنف
في حسد وغيره بقصد
الاكتناز
ووفرة الغنى،
فينال بالفعل
ضِعفين من
الإنتاج لكن
مع قلق واضطراب،
فأنه إنما في
الواقع يجتني
القلق الذي
يُحطمه، أي يجتني
قبض الريح.
يقول القدِّيس
بولس كلمته
الأخيرة في
هذا: "قد تعلمت
أن أكون مكتفيًا
بما أنا فيه...
قد تدربت أن
أشبع وإن أجوع
وإن اَستفضل
وإن أنقص؛ أستطيع
كل شيء في
المسيح الذي
يقويني" (في 4: 11-13).
في
مناظرات القدِّيس
يوحنا كاسيان
يرى الأب
إبراهيم أن
كلمات سليمان
الحكيم هنا
تفسر أفضلية
العمل الهادئ
في البرية، مع
شيء من الراحة
الداخلية
والأمان عن
الاهتمام
بخدمة
الآخرين مع الانهماك
معهم في
أمورهم
المادية، إذ
يقول: [من
الأفضل لنا أن
نُثابر على
الدوام في
هدفنا مقتنين
ربحًا
معتدلاً في
البرية حيث لا
يوجد فيها
اهتمامات
عالمية
وارتباطات
تُشتت الفكر
ولا كبرياء
ولا مجد باطل
وتكون
الاهتمامات
بالضروريات
اليومية أقل...
هذا خير من أن
نطلب ربحًا
عظيمًا خلال
التحدث مع
الآخرين حديثًا
قيِّما
للغاية،
لكننا ننهمك
في مطالب الحياة
العلمانية
المملوءة
بالارتباطات
اليومية. لأن
سليمان يقول:
"حفنة راحة
خير من حفنتي
تعب وقبض
الريح" في هذه
الحبائل يسقط
الضعفاء... إذ
بينما هم غير
مبالين
بخلاصهم،
وفيما هم محتاجون
إلى تعليم
الآخرين
وإرشاداتهم،
ينخدعون بحيل
الشيطان تحت
ستار تتويب
الآخرين وإرشادهم[110]].
3.
بين الأنانية
والصداقة:
يكشف
الجامعة عن
حماقة
الظالمين من
جوانب كثيرة،
فالظالم في
حبه للاقتناء
والاكتناز يحسد
قريبه على ما
لديه، فيفقد سلامه
الداخلي...
يبقى في حالة
جوع دائم مهما
نال من غنى [4]. وقد
يدفعه الظلم
إلى الرخاوة
والكسل
ليجتني ثمار
قريبه ظلمًا،
وبينما هو في
تراخٍ وكسل
إذا به يأكل
لحم نفسه، فلا
ينعم براحة صادقة
[5].
وقد
يسلك في تطرف
آخر وهو العمل
بغير حدود
ليقتني
أضعافًا
مضاعفة، فإذا
به يجني تعبًا
وقبض الريح [6].
أخيرًا قد تدفعه
أنانيته إلى
حالة بؤس شديد
حين ينفضّ عن
صحبة
الآخرين، مضحيًا
بكل صداقة وحب
للمشاركة من
أجل اكتناز
الثروة، عبّر
عنها الجامعة
قائلاً:
"ثم
عُدت ورأيت
باطلاً تحت
الشمس،
يوجد
واحد ولا ثاني
له، وليس له
ابن ولا أخ
ولا نهاية لكل
تعبه، ولا
تشبع عينه من
الغنى" [7-8].
يعطي
مثلاً: إنسان
منعزل في
أنانية حتى عن
إخوته وعن
أبنائه،
وكأنه بلا
اخوة وبلا
أبناء. إنه
يجمع الكثير
لكنه يحرم
نفسه كما يحرم
أقرب من له من
الالتقاء في
دائرة الحب،
ولا يدري ما هي
نهاية ما
يجمعه!
كم شعرت
بمرارة وأنا
في الولايات
المتحدة إذ
عرفت أن
إنسانًا
وابنه التجأ
إلى المحاكم،
كل يدَّعي
ملكيته
لمشروع
اشتركا فيه
وجلب عائدًا
وفيرًا... محبة
المال تحطم
حتى الأبوة
والبنوة! هل
يمكن للمال أن
يشبع قلب
إنسان يعزل
نفسه عن الجميع
حتى عن ابنه؟!
v من
يُترك وحيدًا
في عزلة
قاسية، بلا أخ
ولا ابن، لكنه
يمتلك قنية
واسعة الثراء
يعيش في نهم
جشع، ويرفض أن
يبذل نفسه في أي عمل
صالح!
أخطر
نكبات
الإنسان الذي
يملك ثروة
باطلة (في طمع)
هو افتقاده
إلى صديق
يعينه،
ويُدخل السرور
إلى قلبه. أما
الذين يعيشون
معًا فإنهم
يضاعفون ما يقع
في أيديهم من
ثروة طيبة،
وتقلل عشرتهم
من ضغط عواصف
الأحداث
البغيضة.
فإنهم في
النهار يتميزون
بثقتهم
القوية في
بعضهم البعض،
وفي الليل
يتَّسمون
بالبشاشة
والصبر. أما
من يسلك حياة
العزلة
فيمتلئ
فزعًا...
القدِّيس
غريغوريوس
صانع العجائب
إن كان
الظلم يدفع
الإنسان إلى
العزلة فلا يطيق
الشركة
الحقَّة لسبب
أو آخر، لهذا
يحثنا الجامعة
على ممارسة
حياة الشركة
والعمل الجماعة
team work
والصداقة
العملية
الفعّالة،
فيقول:
"اثنان
خير من واحد،
لأن لهما أجرة
لتعبهما صالحة.
لأنه
إن وقع أحدهما
يقيمه رفيقه.
وويل
لمن هو وحده
إن وقع إذ ليس
ثانٍ ليقيمه"
[9-10].
اعتمادًا
على هذه
العبارات كان القدِّيس
باخوميوس
يُحتم ألاَّ
يسكن راهب
بمفرده في
قلاية.
الصداقة
العاملة لها
فاعليتها،
لازمة في الحياة
الإيمانية،
وكما يقول
المثل
اليهودي في
التلمود: "إما
الصحبة أو
الموت"[111].
v أتوق
دائمًا إلى
إقامة علاقات
حميمة مع الصالحين،
وكثيرًا ما
أندفع إلى
حبهم. فنحن
نقرأ: "اثنان
خير من واحد...
إن وقع أحدهما
يقيمه رفيقه"
[9][112].
القدِّيس
جيروم
v محب
القدِّيسين
هو رفيق
الملائكة[113].
v ليكن
حديثك مع محبي
الله لتأخذ
نفسك شبه طهارتهم[114].
القدِّيس
يوحنا سابا
يروي
لنا تاريخ
الكنيسة عن
أمثلة رائعة من
الصداقات وما
قدمته من
بركات روحية
في حياة
القدِّيسين. نذكر
على سبيل
المثال
الصداقة التي
قامت بين القدِّيس
باسيليوس
الكبير
والقدِّيس
غريغوريوس
النزنيزي، يقول
الأخير: [إنيّ
أتنشَّقك
أكثر مما
أتنشَّق
الهواء، وأنا
سواء كنت
حاضرًا أم
غائبًا، لا
أعيش إلاَّ
الوقت الذي
أنت فيه معي]. كما
يقول: [لما حصل
التعارف
بيننا واتضحت
رغبتنا
المشتركة في
درس الفلسفة
الحقيقية،
أصبح كل واحدٍ
منا للآخر كل
شيء. كان
لنا سقف بيت
واحد وطاولة
واحدة ندرس
عليها،
وعواطف
مشتركة. إن
أعيننا كانت
تحلق نحو هدف
واحد،
وعاطفتنا لم
تكن إلاَّ
لتزيد وتترسخ
يومًا بعد
يوم. إن
الشهوات الجسدية
تزول ولكن
المحبة التي
تمتُّ إلى الله
بصلةٍ هي
ثابتة لأن
موضعها ثابت،
وبقدر ما تتضح
جمالاتها
وتُكشف بقدر
ما تربط من
جمعتهم برباط
المحبة نفسها[115]].
ويقدم
لنا القدِّيس
باسيليوس
خبرته في هذه
الصداقة،
قائلاً:
[إن
الإنسان في
العيشة
الاجتماعية
لا يتمتع بموهبته
الخصوصية
فقط، بل
يضاعفها
بإشراك الآخرين
فيها ويجتني
ثمرًا من
مواهبهم كما
يجتني من
موهبته[116]].
[ولكن
الإنسان الذي
يخفي في ذاته
ما منحه الله
من النعم
والمواهب ولا
يشرك سواه في
فوائدها
يُدان كمن دفن
وزنته[117]].
يرى
بعض الآباء في
قول الجامعة: "اثنان
خير من واحد"
تأكيد لضرورة
وجود أب روحي
يسند المؤمن
لئلا ينحرف
حسب هواه
الذاتي.
v كثيرون
يبغون البتولية
وهم لا يزالوا
صغارًا
وقليلي
الفهم، هؤلاء
يلزمهم أن
ينشغلوا قبل
كل شيء بالبحث
عن مرشد مناسب
ومعلم لهذا
الطريق، لئلا
في جهلهم
الراهن
ينحرفون عن
الطريق
الصحيح
فيسقطون في
طريق أخرى
وعْرة
المسالك من
عندياتهم. "اثنان
خير من واحد"،
هكذا يقول
الحكيم، فإنه
من السهل أن
يُهزم واحد
على يديْ
الخصم الذي
ينصب فخاخه في
الطريق
المؤدي إلى
الله؛ وحقًا
"ويل لمن هو
وحده إن وقع
إذ ليس ثانٍ
ليقيمه"[118].
القدِّيس
غريغوريوس
أسقف نيصص
من
جانب آخر يليق
بكل إنسان منا
أن يهتم بأن يقيم
أخاه بروح
الوداعة
والحب كقول
الجامعة: "إن
وقع أحدهما
يقيمه رفيقه"
[9].
v بممارستك
عمل الجامعة
ضع أمام عينيك
أن توجّه
حياتك حسنًا،
وإن تصلي من
أجل الحمقى
لينالوا
فهمًا،
ويعرفوا أن
يتوقفوا عن
الأعمال الشريرة[119].
القدِّيس
غريغوريوس
صانع العجائب
يقدم
لنا الجامعة
أمثلة لتأكيد
أهمية الصداقة
والمشاركة
الروحية
للبنيان:
المثل
الأول: "إن
اضطجع اثنان
يكون لهما
دفء؛ أما
الواحد فكيف
يدفأ؟!"
يقصد
بالمضطجعين
معًا ليدفئا
المسافرين في
مناطق
صحراوية
قارصة البرد
ليلاً وليس لهما
أغطية كافية،
وربما يقصد
الحياة
الزوجية الصالحة
التي تهب
دفئًا
أُسريًا
وشبعًا داخل
النفس في
الرب.
المثل
الثاني: "وإن
غلب أحد على
الواحد يقف
مقابله
الاثنان، والخيط
المثلوث لا
ينقطع سريعًا"
[12]. بمعنى
إن كانت الصداقة
والمشاركة مع
آخر تُعطي
الإنسان قوة،
إن هاجمه واحد
يقف الاثنان
ضده، فماذا إن
كانت الصحبة
بين ثلاثة،
فالخيوط
المجدولة من
ثلاثة يحتمل
أكثر من
المجدول من
اثنين.
ما هو
هذا الخيط
المثلوث
إلاَّ وحدة
الجماعة الكنسية
حيث يحل
السيِّد
المسيح في
وسطهم كوعده:
"إن اجتمع
اثنان أو
ثلاثة باسمي
أكون في
وسطهم؟!" ويرى
القدِّيس
جيروم أنه
يمثل
الارتباط بين
الإيمان
والرجاء والمحبة،
قائلاً:
[كلمات الرسول
عن الإيمان
والرجاء
والمحبة تشبه
الخيط
المثلوث الذي
لا يسهل قطعه. نحن
نؤمن
ونترجَّى،
وخلال
إيماننا
ورجائنا نرتبط
ببعضنا بعضًا
برباط الحب[120]].
4.
حماقة السعي
وراء المجد
الباطل:
إذ قدم
الجامعة
شهادة
الجامعة عن
بطلان العالم
حيث يسود
الظلم
البشرية
ويحتل موضع
العدل،
وبسببه في
حماقة يسعى
البعض إلى
الراحة على حساب
الآخرين، وقد
التهبت
قلوبهم حسدًا
وغيرة، كما
تقوقع البعض
حول الأنا في
أنانية عوض
العمل
المشترك team
work بروح
المشاركة
والحب، فإن
كثيرين أيضًا
يفسدون تعبهم
بالبحث عن
المجد الباطل
والكرامة الزمنية
مهما يكن
الثمن، غير أن
هذه الكرامة تعتمد
على تقلبات
الناس ومن ثم
تكون بلا
أمان... قد يخرج
سجينًا إلى
العرش وينحدر
ملكًا إلى
السجن.
عظمة
الإنسان
الحقيقية
ليست في كثرة
الأيام ولا في
مركزه أو
إمكانياته،
وإنما في
الحكمة الساكنة
فيه: "ولدٌ
فقير وحكيم
خير من ملك
شيخ جاهل،
الذي لا يعرف
أن يُحذَّر
بعد" [13]... إنه
ملك كثير
الأيام وله كل
الإمكانيات
لكن بافتقاره
إلى الحكمة
يفتقر إلى
حياة الحذر.
يؤكد
عدم دوام
الحال، فقد
يخرج إنسان من
السجن إلى
العرش - مثل
يوسف - وقد
يُطرد الملك
من عرشه [14]. يقتني
الأول حب
البشر بينما
يبُغض الثاني.
ربما قصد
بالخارج من
السجن نفسه،
فقد وُلد من
أحشاء أمه
عريانًا كمن
في سجن ليجد
نفسه يحتل
العرش بغير
جهاد أو مهارة
أو إمكانيات
خاصة به أو أي امتياز
شخصي خاص به.
يُشير
الخارج من
السجن إلى
المُلك إلى
رجال العهد
الجديد الذي
يتحررون من
سجن حرفية
الناموس،
والملك
المخلوع هم
اليهود الذين
بين أيديهم
الشريعة
والنبوات
والمواعيد
الإلهية لكنهم
جحدوا
الإيمان
بالمخلص. بالحرفية
فقد قادة
اليهود
المُلك، وبالإيمان
صار المؤمنون
ملوكًا وكهنة (رؤ
1: 6) في حياة
المعمودية.
إذ
يفقد القائد
اليهودي
الحرفي في
العبادة مُلكه
الروحي يتركه
الشعب
الملتفّ حوله
ليتمتع بعمل
الإيمان
بالمسيح واهب
المُلك، وأيضًا
لا يفرح به
المؤمنون
الحقيقيون [16].
يرى العلامة
أوريجانوس
أن الخارج من
السجن إلى
المُلك هو
الشهيد الذي
ينطلق إلى ملك
الملوك لينعم
بعرش دائم لا
يُنزع منه، إذ
يقول: ["من
السجن خرج إلى
المُلك". هكذا
اقتنعت أن
أموت من أجل
الحق،
محتقرًا في الحال
ما يُدعى
موتًا. احضروا
الوحوش
الضارية،
احضروا
الصلبان،
قدموا النيران،
تعالوا
بالمُعَذِّيين. إنني
أعرف أنني إذ
أموت أخرج من
جسدي وأستريح مع
المسيح[121]].
هكذا
إذ استخدم
الجامعة
شهادة
المجتمع في العالم
وما يحمله من
ظلم بسبب
أنانية بعض
الأغنياء
وأصحاب
السلطة يدعو
الكل إلى روح
الحب والمشاركة
بعيدًا عن طلب
المجد الباطل.
[105] Death as a Good, 2:4. (Fathers of the Church)
[106] Exhortation to Martyrdom. 22.
[107] A Metphrase of the Book of Ecclesiastes.
[108] Hom. 11; Fr. Elias Kweter: St. Basil The Great, Pauline Bookstore, Beirut 1989, p. 307-8 (in Arabic).
[109] The detailed Canons, Question 37.
[110] Cassian, Comf. 24:13
[111] Telmud: Tannith 23a.
[112] Letter 76:1.
[113] Epistle 7.
[114] Epistle 40.
[115] Fr. Elias Kweter: St. Basil The Great, Pauline Bookstore, Beirut 1989, p. 17 (in Arabic).
[116] PG 31:928 C.
[117] Ibid.
[118] On Virginity, 23.
[119] A Metaphrase of the Book of Ecclesiastes.
[120] Letter 82:11.
[121] Dialogue with Heraclides, 166.