الأصحاح
السادس
في
الأصحاح
السابق قدم
لنا الجامعة
تطبيقات
عملية على
بطلان العالم
تقوم على أساس
الحب لله
والناس في
عبادتنا كما في
سلوكنا
العملي؛ نحتمي
في بيت الله
بالعبادة
الروحية التي
تسر الله،
ونواجه ظلم
البشر باتساع
قلبنا للمقهورين
وسخائنا على
المحتاجين...
وأخيرًا سألنا
أن نستخدم
عطايا الله
الزمنية
بفرح، فإن
الله يطلب
بهجة قلبنا
وفرحنا. في هذا
الأصحاح
يعالج مشكلة
البخل وحب
الاكتناز
مؤكدًا أن
الجشع هو الذي
يفسد عطايا
الله.
الإنسان
الروحي يتلمس
محبة الله في
كل شيء، ويشعر
أنه مدين له
حتى بأكله
وشربه وتعبه
أو قدرته على
الجهاد أما
الإنسان
الطبيعي فيُفسد
عطايا الله
الصالحة. إنه يهتم
أن يكنز دون
مراعاة ما هو
لبنيانه أو
لبنيان
أولاده أو نفع
الكنيسة أو
العالم، لا
يشعر هو
بالشبع ولا
ينفع الآخرين.
يقدم الجامعة
الأمثلة
التالية:
1.
ثروة يتمتع
بها
غريب
[1-2].
2. ثروة
يفسدها
الشعور
بالعوز [3-6].
3.
الاكتفاء
بعطايا الله
[7-12].
1.
ثروة يتمتع
بها غريب:
يُظهر
الحكيم هنا
مقدار ما يلحق
الإنسان من شر
إن أساء
استخدام
عطايا الله من
مالٍ وغنى. يبدأ
حديثه بالقول:
"يوجد شر قد
رأيته تحت
الشمس وهو
كثير بين الناس"
[1]. لعل سليمان
كملك مشهور
جاء إليه
الكثيرون
يسمعون حكمته
قد رأى شرًا ينتشر
بين شعبه وبين
الغرباء
القادمين من
أقاصي
المسكونة،
رآه كمرض أو
وباء حلَّ في
قلوب
الكثيرين وهو
داء البخل،
يدعوه "مصيبة
رديئة" [2].
شاهد
إنسانا "أعطاه
الله غنى
ومالاً
وكرامة وليس
لنفسه عوز من
كل ما يشتهيه،
ولم يعطه الله
استطاعة على
أن يأكل منه
بل يأكله
إنسان غريب" [1-2].
أولاً: يؤكد
الكاتب أن ما
بين يديّ هذا
الغني من مال وكرامة
هو عطية الله،
سواء ناله
الإنسان عن ميراث
والديه أو
ربحه عن جهاده
وتعبه... وكان
يليق به أن
يشكر الله
ويسبحه،
طالبًا منه
الحكمة
والمشورة
الإلهية لكي
يحسن تدبير
حياته.
ثانيًا:
ليس
لدى هذا الغني
عذر فقد أغدقت
عليه العناية
الإلهية
بالبركات ولم
يعد معوزًا
شيئًا مما
يشتهيه قلبه،
وكما يقول
المرتل:
"بذخائرك تملأ
بطونهم... أما
أنا فبالبر
أنظر وجهك؛ أشبع
إذا استيقظت
بشبهك" (مز 17: 14-15). الله
في محبته،
كثيرًا ما
يعطي الشرير
سؤل قلبه:
خيرات زمنية،
ويسحب قلب
المؤمن إليه
ليحمل شبهه وصورته!
ثالثًا:
لم
يتمتع هذا
الغني بما
ناله، تاركًا
ما لديه لغريب؛ ربما
يقصد أن
غريبًا ما
يغتصب
ممتلكاته
التي يحرم
نفسه وأولاده
من التمتع بها
أو أنه يموت دون
أن يتمتع بغناه
ولا يكون له
ابن (أو ابنة)
يرثه بل
يستولى غريب
على ما جمعه...
كل ما جمعه
تمتع به غريب!
اختلط
أفرايم
بالشعوب
الوثنية
وفسدت حياته فقيل:
"أكل الغرباء
ثروته" (هو 7: 9)،
ويتحدث الحكيم
مع الإنسان
الذي يسقط مع
امرأة أجنبية
(وثنية) تقطر
شفتاها عسلاً:
"تكون أتعابك
في بيت غريب"
(أم 5: 10). هكذا
الخطية بكل
صورها، خاصة
الجشع
والزنا، أو
محبة المال
والملذات
الجسدية،
تدفع بالإنسان
إلى السبي،
فيسلبه عدو
الخير كل ما
يحمله من
عطايا إلهية؛ يفقده
ثروته حتى
إنسانيته،
ويجرده من كل
تعقل وحكمة!
الخطية
خاطئة جدًا،
فمها يقطر
عسلاً
وكلماتها
أنعم من الزيت
لكنها كالسيف
ذي الحدِّين
تقطع الأعماق
لتسلب
الإنسان حتى
نفسه! ويستولى
عدو الخير على
كل ثروته!
2.
ثروة يفسدها
الشعور
بالعوز:
يقدم
مثلاً آخر
مضاد للأول:
إنسان ينجب
مائة أو كما
يقول المرتل
عن بعض
الأشرار
"يشبعون أولادًا"
(مز 17: 14)،
ويعيش زمانًا
طويلاً،
وبسبب جشعه
يشعر بالعوز
وعدم
الاكتفاء، إذ
تبقى نفسه في
حالة فراغ، فإنه
حتى وإن ظن
أنه "ليس له
دفن" [3]، أي لن
يموت، فالسقط
خير منه، لأنه
لن ينعم بعذوبة
الحياة، بل
يعيش كما في
الظلمة بسبب
شعوره الشديد
بالحاجة إلى
الاكتناز. إنه
يشبه شجرة تحمل
ثمارًا كثيرة
جدًا، لكنها
لا تُقدم ثمرها
للأكل بل
تبقيه عليها
حتى يفسد
ويسقط على الأرض
فيُجمّع
الحشرات.
ربما
قصد بقوله "ليس
له أيضًا دفن"،
أي عند
موته "يُدفن
دفن الحمار"
(إر 22: 19)؛ فمع أن
له مئة من
البنين وعاش لسنوات
طويلة يجمع
الأموال لكن
أولاده بسبب حرمانه
إيَّاهم من
التمتع
بالخيرات كل
هذا الزمان لا
يبالون
بكرامته، ولا
يهتمون بدفنه إنما
بالبحث عن
ثروته التي
خلفها لهم
وتقسيمها...
أذكر أسرة
اختلف
أفرادها على
الميراث فيما
بينهم
والجثمان لا
يزال في حجرة
مغلقة لم يدفن
بعد! كانوا
يتشاجرون عوض
بكائهم على
أبيهم!
يقول
الحكيم عنه: "إن
السقط خيرٌ
منه" [3]. إنه
يسلم بأن حالة
السقط محزنة
للغاية، "لأنه
في الباطل
يجيء" [4]،
لأنه باطلاً
فرح الزوجان
بالحمل
واحتملت الأم
الكثير تنتظر
مولودها
الجديد، كما
تهيأ الوالد
فكريًا
وماديًا لحدث
سعيد... فخابت
آمالهما
وتحطمت
نفسيتهما وضاعت
مجهوداتهما
باطلاً. "وفي
الظلام يذهب"
إذ يكاد لا
يشعر به أحد،
قبل أن يُحتفل
بميلاده
يُدفن دون
تكريم! "واسمه
يُغطى
بالظلام"
فإن كان
الوالدان قد
أعدا له اسمًا
لا يتحقق بل
يتوارى معه في
الظلام قبل أن
يناديه أحد به:
"وأيضًا لم
يَر الشمس ولم
يعلم" [5]، أي لم
ينظر الشمس
ويتمتع
بالنور إنما
خرج من ظلام
الرحم إلى
ظلام القبر
ولم يعلم به
أحد ولا تعرّف
هو حتى على
والديه.
هذه هي
الصورة التي
قدمها الحكيم
عن السقط، ومع
هذا يقول في
مقارنته
بالبخيل: "فهذا
له راحة أكثر
من ذاك، وإن
عاش ألف سنة
مضاعفة ولم
يَر خيرًا،
أليس إلى موضع
واحد يذهب
الجميع" [5-6]. السقط
المحروم من
نور الحياة
ومن كل ذكرى
ومن كل معرفة...
الذي لا كيان
اجتماعي له هو
أفضل من بخيل
يعيش آلاف
السنوات يكنز
مالاً ولا يرى
في حياته
خيرًا، كما لا
يبعث في حياة
الآخرين سعادة
أو فرحًا...
فإنه بعد
شقاء كل هذه
السنوات
يلتقي مع
السقط في ذات
الموضع
"القبر"! البخيل
بإرادته
الشريرة صار
كالسقط، من
الباطل يجيء
وإلى الظلام
يذهب... إذ
باطلاً يترجى
أحد منه
خيرًا؛ تحرمه
محبة المال من
رؤية شمس البر
وتفقده قدرته
على التعقل
والمعرفة الروحية
الصادقة! ما
أخطر محبة
المال، فإنها
تجعل من حياة
الإنسان
جحيمًا وظلمة
أمرّ من ظلمة
القبر...
وأخيرًا يخرج
من العالم
عريانًا لا ينال
شيئًا من كل
ما جمعه.
v لا
يقدر الجمل أن
يعبر من ثقب
إبرة، ولا
الغني أن يدخل
الملكوت
العالي...
v لا يثبت
الغنى والذهب
عند قانيه،
لماذا يقتني الإنسان
الغنى والذهب
الذي ليس له؟!
v أنظر
الأغنياء
الذين اقتنوا
على الأرض
أسماءً
وعظمة، إنهم
سقطوا وبطلت
تدابيرهم
وأسماؤهم.
v إن
النفس هي أعظم
من المقتنيات
والأماكن.
v يا ربي
أنت غنى
مقتنيك
وخزانته
وكنزه؛ طوبى
لمن لا يقتني
شيئًا غيرك[139]!.
القدِّيس
يعقوب
السروجي
3.
الاكتفاء
بعطايا الله:
بعد أن
كشف الحكيم عن
خطورة الجشع
ومحبة المال
صار كعادته
يؤكد أن ما
وهبنا إيَّاه
الله من مال
إنما لكي
نستخدمه لا
لكي يستخدمنا
ويستعبدنا.
"كل
تعب الإنسان
لفمه ومع ذلك
فالنفس لا
تمتلئ" [7]. ما
وهبنا الله من
مال أو غنى
إنما لكي نأكل
فنُشبع
احتياجات
جسدنا، أما
نفوسنا فلا
يملأها
الطعام ولا حب
القنية بل
الله نفسه!
فالبخيل قد
يحرم فمه من
الأكل ليجمع
مالاً فلا
ينتفع به جسده
ولا أيضًا
نفسه. وربما يقصد
أنه مهما جمع
الإنسان
الغني فإنه لا
يحتاج إلا أن
يسد احتياجات
جسده دون فارق
بين طعام زهيد
الثمن أو
فاخر... إذن
ليملأ فمه
وأفواه اخوته
بما لديه من
غنى!
ليملأ
الغني فمه
بالطعام
وليدرك أن
نفسه لن تشبع
مطلقًا مهما
كنزت، لأن من
يحب الفضة لا
يشبع من الفضة
(5: 10)... فمه محتاج
إلى طعام
ونفسه تحتاج
إلى حب الله والقريب.
ربما
يقصد بقوله: "كل
تعب الإنسان
لفمه" [7] أن ما
يجمعه الغني
إنما بهدف سدّ
فمه الداخلي
القائل: "هات
هات"... لكن
يبقي فمه
فارغًا ونفسه
لا تمتلئ!
أخيرًا
لماذا يتعب
الغنى باطلاً
فيجمع الأموال
دون إشباع
لنفسه؟! فإنه
يستويّ
الحكيم مع
الجاهل في
تركهما كل ما
يملكانه هنا،
وأيضًا الغني
مع الفقير...
إنما يبقى شيء
واحد هو حكمة
الإنسان
الصادقة في
السلوك مع الأحياء
(بني البشر)
بروح الحب
الخالص.
"لأنه
ماذا يبقى
للحكيم أكثر
من الجاهل؟
ماذا
للفقير
العارف
السلوك أمام
الأحياء؟".
الفقير
الحكيم يعيش
سعيدًا
مكتفيا بما
لديه من قوت
وكسوة (1 تي 6: 8)،
ويحمل معه
الحب إلى
أبديته بينما
يفقد من يظن
نفسه حكيمًا
وغنيًا سعادته
هنا ومجده
الأبدي.
نصيحة
الجامعة للكل
أن يسلكوا
بروح الشكر حاسبين
أن ما لديهم -
قليلاً كان أو
كثيرًا - أفضل
من انتظارهم
بروح الجشع ما
يشتهونه ويحملون
به من غنى
وجاه:
"رؤية
العيون خير من
شهوة النفس" [9]. الإنسان
الذي يشعر
بالشبع،
مكتفيًا بما
لديه أو بما
هو حاضر
أمامه، يراه
بعينيه، خير
من ذاك الذي
تجول نفسه في
طمع، يشتهي
الأمور التي
قد لا يستطيع
نوالها.
v تأكد
أن الأحمق من
بين الجميع هو
ذاك الذي لا يجد
شبعًا في
أيَّة شهوة
(طالبًا
المزيد)؛ أما
الحكيم فلا
يُوجد أسيرًا
لتلك الشهوات[140].
القدِّيس
غريغوريوس
صانع العجائب
إطلاق
الإنسان
العنان
لشهواته، بما
فيها شهوة
الاقتناء، هو
"أيضًا باطل
وقبض
(مضايقة) الريح" [9]،
لأنه كلما نال
شيئًا يزداد
بالأكثر لهيب
الشهوة ليطلب
المزيد فيدخل
في مضايقة
الروح! لهذا
يليق بالمؤمن
أن يدرك أن ما
بين يديه قد
سبق فدبره له
الله بكونه
أباه السماوي الذي
يحبه، وأنه
كلّي القدرة
والحكمة...
يعرف أن يعطيه
ما يناسبه. وإن
أراد مخاصمته
فهل يقدر على
ذلك وهو أقوى
منه وأكثر منه
حكمة وحبًا؟
هل يقدر أن
يُغيِّر خطة
الله أبيه من
جهته ويعدِّل
أحكامه؟!
يقول
الجامعة: "الذي
كان فَقَدْ
دُعي باسم منذ
زمان" [10]، أي أن الأزلي
الذي كان سبق
فدعاه باسمه
كإنسان. يعجز
الإنسان عن
مقاومة خالقه
القوي... "ولا
يستطيع أن
يخاصم من هو
أقوى منه" [10]،
أي لا
يقدر الإنسان
أن يقاوم
إنسانًا
أقوى، فهل يقاوم
خالق
البشرية؟!
يختم
الجامعة
حديثه
بالنتيجة
النهائية أن ما
يجمعه
الإنسان لن
يزيده سعادة،
لأنه لا يعرف
ما هو لخيره [12]،
خاصة وإن حياته
التي يقضيها
على الأرض
مهما طالت فهي
كالظل [12]، كما
لا يعرف ما
سيحدث بعد
موته من جهة
عائلته ونسله
[12].
[139] Fr. Augustinius El-Baramousy: St. Yacob El-Serougi, p. 117-8 (in Arabic).
[140] A Metaphrase of the Book of Ecclesiastes.