1
العروس
المقامة
إن كان
بالتجسد
الإلهي نزل
كلمة الله
إلينا يخطبنا
عروسًا له،
وبصلبه أقام
حفل العرس،
فإنه بقيامته
قد بررنا،
فصرنا العروس
المقامة التي
بلا عيب، لهذا
يمتدحها
العريس،
ناظرًا فيها
كل جمال،
قائلاً لها:
"هَا
أَنْتِ
جَمِيلَةٌ
يَا
حَبِيبَتِي،
هَا أَنْتِ
جَمِيلَةٌ!" [١].
خلال
القيامة وهب
الكنيسة كل
جمال روحي
وقوة، الذي
يتحدث عنه
القديس بطرس
الرسول
قائلاً: "كَمَا
أَنَّ
قُدْرَتَهُ
الإِلَهِيَّةَ
قَدْ
وَهَبَتْ
لَنَا كُلَّ
مَا هُوَ
لِلْحَيَاةِ
وَالتَّقْوَى،
بِمَعْرِفَةِ
الَّذِي
دَعَانَا
بِالْمَجْدِ
وَالْفَضِيلَةِ،
اللَّذَيْنِ
بِهِمَا قَدْ
وَهَبَ لَنَا
الْمَوَاعِيدَ
الْعُظْمَى
وَالثَّمِينَةَ
لِكَيْ تَصِيرُوا
بِهَا
شُرَكَاءَ
الطَّبِيعَةِ
الإِلَهِيَّةِ،
هَارِبِينَ
مِنَ
الْفَسَادِ الَّذِي
فِي
الْعَالَمِ
بِالشَّهْوَةِ"
(٢بط ١: ٣-٤). أما
علامات هذا
الجمال فهي:
١.
"عَيْنَاكِ
حَمَامَتَانِ
مِنْ تَحْتِ
نَقَابِكِ
(صمتك)" [١].
يقول
القديس
أبدوسيوس[111]:
[العينان
جميلتان
كعيني حمامة
لأنها في شبه حمامة
الروح القدس
التي نزلت من
السماء]. لقد سبق
فرأينا الرب
يشبه كنيسته
بعيني
الحمامة[112]، لأنها
إذ تنظر على
الدوام الروح
القدس تتجلى
صورته على
عينيها فيكون
لها البصيرة
الروحية
البعيدة عن كل
انطباع أرضي
أو جسدي،
وتكون بسيطة
لا تطلب إلاَّ
ما لله، تحب
كالحمام، ولا
تستريح إلاَّ
في أحضان نوح
الحقيقي كما
فعلت الحمامة
التي انطلقت من
الفلك.
أما
كونهما تحت
النقاب، فذلك
لأن أسرار
الروح التي
تعاينها عيني
الكنيسة لا
يستطيع العالم
أن يفهمها أو
يدركها،
فتبقى
بالنسبة له كأنها
تحت نقاب!.
أما
الترجمة
الحرفية فهي
"في صمتك"،
فإن الكنيسة
وقد انفتحت
بصيرتها
لمعاينة
أسـرار محبة
الله الروحية
تقف في صمت
تتأمل أعمال
الله
الفائقة،
وكما يقـول القديس
يوحنا سابا[113]: [من
شاء أن يتكلم
عن محبة الله،
فهو يبرهن على
جهله، لأن
الحديث عن هذه
المحبة
الإلهية غير ممكن
البتة.
عجيبة
هي أيضًا
المحبة!!
هي
لغة
الملائكة،
ويصعب على اللفظ
ترجمتها!...
ليس
لنا ياربي أن
نتكلم من الذي
لنا عن الذي لك.
لكنك أنت
تتكلم فينا
عنك، وعن كل
ما هو لك، كما
يحسن لك].
ولعله
وصف العينين
أنهما تحت
النقاب لأن
المؤمنين
مهما تمتعوا
ببصيرة روحية
في هذا العالم،
لكنها تعتبر
كما لو أنها
تحت النقاب
متى قورنت
بالرؤيا في
الحياة
الأبدية، إذ
يقول الرسول:
"لأننا نعلم
بعض العلم...
فأننا ننظر
الآن في مرآة
في لغز لكن
حينئذ وجهًا
لوجه، الآن
أعرف بعض المعرفة
لكن حينئذ
سأعرف كما
عرفت" (١ كو ١٣: ٩،
١٢).
٢.
"شَعْرُكِ
كَقَطِيعِ
مِعْزٍ
رَابِضٍ عَلَى
جَبَلِ
جِلْعَادَ" [١].
إن
كان السيد
المسيح هو رأس
الكنيسة، فإن
الكنيسة هي
الشعر المحيط
بالرأس[114] الذي
يعيش عليه،
بدون الرأس لا
تساوي شيئًا، ولا
يكون لها
وجود.
هذا
هو شعب
المسيح، إنه
كقطيع ماعز
يرعى على جبل
جلعاد
العالي، جبل
كلمة الله
المرتفعة التي
تنطلق بقلوب
أولاد الله
نحو السماء.
كلما
أرتفع القطيع
على الجبل
يراه الإنسان
من بعيد في
وحدة واحدة،
فلا يقدر أن
يميز واحدة عن
الأخرى...
وهكذا إذ نقوم
مع الرب
ونرتفع خلال
كلمة الخلاص
إلى فوق
ونتمتع
برعايته
الكنسية
لنعيش بروح
سماوي تزول
عنا روح
الفرقة والانشقاق
التي علتها
الفكر الأرضي
وطلب الكرامة
الوقتية
ومحبة العالم.
إذ نقوم مع
الرب نصعد على
جبل جلعاد
كقطيع الماعز
الذي يجتمع
معًا على
القمم فيُرى
من بعيد كشعرٍ
صقيل أسود
براق لا يدخله
الشيب، إذ يجدد
الرب كالنسر
شبابنا.
أما
وصف القطيع
أنه رابض على
الجبل أي جالس
يستريح في
كلمة الله
بغير عجلة،
والمستقر تحت
رعاية الله في
طمأنينة.
أما
اختياره جبل
جلعاد
فلأسباب
كثيرة:
أ.
على جبل جلعاد
تراءى الله
للابان وحذره
قائلاً: "أحذر
أن تكلم يعقوب
بخير أو شر"
(تك ٣١: ٢٤)...
هكذا يشعر
المؤمن
بالطمأنينة،
لا يقدر أحد أن
يمسه...
ب.
امتازت
منحدرات جبل
جلعاد بوفرة
العشب، فصار
مثلاً لحياة
الشبع،
فحينما وعد
الرب شعبه قديمًا
أن يخلصهم من
بابل العنيفة
ويدخل بهم إلى
الشبع قال
لهم: "وَأَرُدُّ
إِسْرَائِيلَ
إِلَى
مَسْكَنِهِ
فَيَرْعَى
كَرْمَلَ
وَبَاشَانَ
وَفِي جَبَلِ
أَفْرَايِمَ
وَجِلْعَادَ
تَشْبَعُ
نَفْسُهُ" (إر ٥٠:
١٩)، وفي سفر
ميخا قيل: "لترع
في باشان
وجلعاد كأيام
القدم" (ميخا ٧:
١٤).
ج.
قديمًا كان
البلسان ينبت
في جلعاد،
يُعرف برائحته
العطرة التي
طالما أطنب
الشعراء والمؤرخون
القدماء في
مدحه،
واستخدمه
الأطباء في
شفاء الجروح
والأمراض،
لهذا جاء في
إرميا النبي: "أَلَيْسَ
بَلَسَانٌ
فِي
جِلْعَادَ
أَمْ لَيْسَ
هُنَاكَ
طَبِيبٌ؟
فَلِمَاذَا
لَمْ تُعْصَبْ
بِنْتُ
شَعْبِي؟!" (إر
٨: ٢٢). وكأنه
على جبل جلعاد
يعصب الطبيب
الحقيقي – يسوع
المسيح –
جراحات شعبه
ويشفي
أمراضهم ببلسان
دمه المبذول
على الصليب.
د.
حين دخل جدعون
في حرب مع جيش
المديانيين
اجتمع اثنان
وثلاثون
ألفًا من
الشعب للحرب،
لكن الرب قال
لجدعون: "من
كان خائفًا
ومرتعدًا
فليرجع
وينصرف من جبل
جلعاد" (قض ٧: ٣).
فلا يهتم الله
بكثرة العدد
لكنه يطلب
مؤمنين مجاهدين
لا يعرفون
الخوف ولا
الرعب! هذه هي
كنيسة المسيح
الحقيقية
التي حملت
سلطانًا أن
تدوس على الحيات
والعقارب وكل
قوة العدو،
تعيش في ثقة
كاملة بغير
خوف.
٣.
"أَسْنَانُكِ
كَقَطِيعِ
الْجَزَائِزِ
(المجزوزة)
الصَّادِرَةِ
مِنَ
الْغَسْلِ" [٣].
لاق
بالكنيسة أن
يكون لها
أسنان، فقد
نمت ونضجت ولم
يعد يكفيها
لبن التعليم،
إنما تطلب
دسمه، تمضغه
وتهضمه في
حياتها.
يقول
القديس
أغسطينوس أن
أسنان
الكنيسة هم
خدامها الذين
يمضغون الطعام
كالمرضعات
ويقدمونه
لبنًا
للأطفال الصغار
في الإيمان.
هذه الأسنان
مختلفة
الأصناف من
أنياب وضروس...
لكنها تعمل
لغاية واحدة
وبروح واحد
للبنيان.
بهذه
الأسنان طلب
الرب من بطرس
الرسول أن
يأكل الحيوانات
بعد ذبحها،
ولا يقول عن
شيء ما أنه
نجس أو دنس.
فالكنيسة
تعمل على
الدوام – خلال
خدامها –
لتقدم كلمة
الخلاص
للجميع، تذبح
نجاسات الشـر
وتمضغ الأمم
الوثنيين
وتمزق شـرهم وأخطاءهم
حتى يصيروا
أعضاء في
جسدها[115].
الخادم
كالغنمة
المجزوزة،
يقص صوفها... أي
يقطع عن نفسه
أفكار الجسد
وأعماله
بواسطة الروح القدس
الذي وهب له
في جرن
المعمودية
(الغسل). فإن
الصوف في
الكتاب
المقدس يُشير
إلى الحياة الجسدية،
لهذا كان
محظورًا على
الكهنة في
العهد القديم
أن يدخلوا
القدس بثياب
مصنوعة من
الصوف، إنما
تكون ثيابهم
من الكتان
علامة برّ
المسيح. كما
أكدت الشريعة
الموسوية "لا
تلبس ثوبًا
مختلطًا
صوفًا
وكتانًا
معًا" (تث ٢٣: ١١)،
"لأنه أية
خلطة للبر
والأثم، وأية
شركة للنور مع
الظلمة، وأي
اتفاق للمسيح
مع بليعال،
وأي نصيب للمؤمن
مع غير
المؤمن؟!" (٢
كو ٦: ١٤-١٥).
الطفل
الطبيعي
غالبًا ما
تنبت في لثته
الأسنان مثنى
مثنى، وهكذا
كان الله يرسل
تلاميذه –
أسنان
الكنيسة –
أثنين أثنين
للكرازة،
لعله كي ينطق
الواحد بكلمة
الكرازة
بينما يصلي له
الآخر حتى
تخرج الكلمة
ممسوحة
بالنعمة الإلهية.
ولما
سُئل القديس
باخوميوس
لماذا سمح أن
يعيش الرهبان
في قلاياتهم،
كل أثنين
معًا، أجاب
لأنه إن سقط
واحد الآخر
يقيمه.
ويرى القديس
أغسطينوس[116] في
عبارة "وَاحِدَةٍ
مُتْئِمٌ"
إشارة إلى
الوصيتين
المتكاملتين
معًا "محبة
الله" و "محبة
القريب" إذ
بهما يكمل
الناموس
والأنبياء (مت
٢٢: ٤٠). بينما
يرى القديس
كيرلس
الأورشليمي[117] أنها
تُشير إلى
النعمة
المزدوجة أي
أن يتكمل الإنسان
بواسطة الماء
والروح أو
خلال النعم التي
أشار إليها
العهدان:
القديم
والجديد.
ويعلق
القديس
چيروم على
هذه العبارة
قائلاً[118]: [إن كان
ليس فيهن عقيم
فإنه يلزم أن
يكون للكل أضرعًا
مملوءة
لبنًا،
قادرين أن
يقولوا مع الرسول:
"يا أولادي
الذين أتمخض
بكم أيضًا إلى
أن يتصور
المسيح فيكم"
(غلا ٤: ١٩)،
"سقيتكم
لبنًا لا
طعامًا" (١ كو ٣:
2).
أخيرًا
يمكننا القول
بأن من تمتع
بكلمة الخلاص
عن طريق أسنان
الكنيسة
النقية، أي
خدامها
الحقيقيين،
يلزمه ألاَّ
يبقى عقيمًا
بل يلد أكثر
من واحد، أي
يكون له ثمر
مضاعف. يمتثل
بالسامرية التي
إذ سمعت صوت
الرب وتلاقت
معه داخليًا
نادت مدينة
السامرة لكي
يلتقوا به
مثلها، ولاوي
أيضًا الذي
جمع زملاءه
للتمتع
بالمخلص.
إن
كان أعضاء
الكنيسة
جميعًا
ملتزمين
بالثمر
المضاعف فإن
سرّ هذا
"الشفتين
اللتين كسلكة
من القرمز
والفم
الحلو"، أي أن
المؤمن ملتزم
بالشهادة
للمخلص خلال
شفتيه وفمه...
أما مدلولات
هاتين
الشفتين وهذا
الفم فهي:
أ.
في القديم
ربطت راحاب
الزانية
حبلاً من القرمز
في الكوة دليل
إيمانها
بالرب المخلص
واحتمائها
بدمه غافر
الخطايا
وإقرارها
بملكيته
عليها وعلى
بيتها،
فأُنقذت هي
وكل من في داخل
بيتها من
الهلاك. هذه
صورة حية
للمؤمن الذي يربط
كل ما يخرج
فمه بالدم
الكريم،
شاهدًا للرب
بكلماته كما
بأعماله حتى
يدخل بالجميع
إلى بيت الله
ويخلص الكل من
الهلاك.
ب.
إذ أراد الجند
أن يسخروا من
السيد ألبسوه
ثوبًا
قرمزيًا
علامة الملك.
أما الكنيسة
وقد اتحدت
بالملك صارت
شفتاها كسلكة
من القرمز، لا
يخرج منها غير
لائقة بها
كملكة أو عروس
للملك
السماوي.
ج.
شفتا العروس
كسلكة رفيعة
مما يجعل فمها
حلوًا، لا
تخرج منه كلمة
جارحة، لا يغش
ولا يداهن،
لكنه يترفق
بالكل ويحب
الجميع.
كان
ثوب رئيس
الكهنة
وأفوره تزين
برمان مطرز (خر
٢٨: ٣٣، ٣٤؛ ٣٩: ٢٤–٢٦)،
كما زين
الهيكل في
مواضع مختلفة
بمنحوتات على
شكل الرمان (١
مل ٧: ١٨). هكذا
يُشير الرمان
للزينة،
تتجمل به
الكنيسة
بكونها ثوب
السيد المسيح
رئيس الكهنة
الأعظم،
والهيكل الذي
يقطنه روحه
القدوس.
وقد
خص الخد
بالرمان، لأن
الخد يُشير
إلى ملامح
الإنسان،
عليه تظهر
علامات الفرح
أو الحزن،
السلام أو
الضيق، فملامح
الكنيسة
جميلة، مفرحة
ومملوءة
سلامًا.
لم
يقل "خدك
كرمانة" بل
كفلقة
رمانة"، لكي
يظهر ما
بباطنها، إذ
هي غنية
بالبذور
المكتنزة بالعصير
الحلو
الأحمر،
دائمة
النضرة، لا تعرف
الضمور!.
خدها
كفلقة رمانة،
مملوءة
احمرارًا،
سرّ جمالها هو
دم السيد
المسيح الذي
يُقدسها فلا
يكون للدنس
أثرًا في
داخلها. هذا
كما يُشير هذا
الاحمرار إلى
احتشام النفس
وحيائها، فهي
لا تُشاكل أهل
هذا العالم في
العجرفة وصفاقة
الوجه.
أما
كون خدها "تحت
نقابها"،
فسرّه ليس
الخجل من
الناس، بل
أعلان حقيقة
مجدها أنه من
الداخل (مز ٤٥).
غالبًا
ما يربط الرب
جمال الكنيسة
بجهادها حتى
يفهم
المؤمنون أن
جمالهم في
المسيح يسوع سرّه
أيضًا جهادهم
الروحي
القانوني فلا
يبقى خد الكنيسة
جميلاً كفلقة
رمانة بدون
العنق المنتصب
كبرج داود
المبني
للأسلحة، أي
بدون الإيمان
الحيّ
المستقيم غير
المنحرف
المرتبط بالجهاد.
خلال
هذا العنق،
الذي هو
الإيمان،
يرتفع وجه الكنيسة
إلى السماء
فيشرق الرب
عليه بنوره، يجعلها
تعيش
مستقيمة،
ليست كالمرأة
المنحنية نحو
الأرض (لو ١٣: ١١–
١٦)، بل
منتصبة ترى في
الله سرّ
قوتها
وجهادها. تسمعه
يقول لها: "أنا
ترس لك" (تك ١٥: ١)،
خلاله تحتمي
من كل سهام
العدو
الملتهبة
نارًا (أف ٦: ١٦).
لقد
شبه عنقها
ببرج داود، إذ
يمثل داود
الإيمان الذي
حارب جليات
الجبار وغلبه
قائلاً له: "أنت
تأتي إلي بسيف
وبرمح وبترس،
وأنا آتي إليك
باسم رب
الجنود" (١صم ١٧:
٤٥). داود
النبي أعلن في
مزاميره أن
الله هو ملجأه
وحصن حياته،
وفي نفس الوقت
لا يكف عن
الجهاد.
لقد
أعتاد القادة
الجبابرة أن
يعلقوا أتراسهم
على البرج ذكرى
انتصاراتهم
الباهرة
ولإبراز
بطولتهم،
هكذا يستخدم
المؤمنون هذا
البرج الروحي
الذي هو
الإيمان
كمركز
لنصرتهم في
المسيح يسوع وغلبتهم
على العدو
الشرير.
أما
ذكر عدد الدرع
"ألف" فتُشير
إلى طبيعة هذه
الأسلحة، إذ
رقم ١٠٠٠
يُشير إلى
الحياة
السماوية،
وكأنه يقول أن
أسلحة
الكنيسة
سماوية
روحية، كقول
الرسول بولس: "أن
أسلحة
محاربتنا
ليست جسدية بل
قادرة بالله
على هدم حصون"
(٢ كو ١٠: ٤).
إن
كان السيد
المسيح يظهر
للكنيسة
متمنطقًا عند
ثدييه بمنطقة
من ذهب (رؤ ١: ١٢)
إذ يُقدم
العهدين
القديم
والجديد
كثديين ترضعهما
الكنيسة
وتتقوت بهما،
فإن الكنيسة
أيضًا وهي
كنيسة المسيح
صار لها هذان
العهدان
كثديين يتقوت
بهما أولادها.
تظهر
كلمة الله
الواردة في
العهدين
كتوأم من الغزلان
الصغيرة
وُلدا من أم
واحدة، إشارة
إلى تكامل
العهدين معًا
دون تمييز
بينهما، فإن
العهد القديم
تنبأ عن العهد
الجديد،
والآخر كشف
الأول وأوضحه.
وقد
رأينا أن السوسن
يُشير إلى
جماعة
المؤمنين
الذين تشبهوا
بالسيد
المسيح نفسه
"سوسنة
الأودية" (نش ٢:
١)، ويُشير
إلى طاقات
الإنسان
الداخلية
وعواطفه
ودوافعه التي
تصير غذاء
لكلمة الله
الحيّ!
أمام
هذا المديح
الذي صار
للعروس من جهة
بصيرتها
الداخلية
واحتشامها
وجهادها في
وحدة الروح
وعملها
الكرازي
وخصوبتها
ورقتها وإيمانها
وتمسكها
بكلمة الله...
تعلن العروس
لعريسها أن
سرّ هذا كله
هو صليب
العريس
وقيامته، لهذا
تتعهد أمامه
أن تذهب معه
إلى جبل المرّ
تدخل معه حياة
الألم،
وتُدفن معه في
القبر كما تذهب
معه إلى تل
اللبان فتحيا
كل أيام غربتها
في صلاة دائمة
حتى يفيح نهار
الأبدية
ونتهزم ظلال
الزمن.
وتكون
إجابة العريس
المتوقعة:
كأنه
يختم حديثة
بالقول: انه
يطول الحديث عن
وصف جمال من
خرجت معه إلى
شركة آلامه
ودخلت معي في
حياة الصلاة
والشركة. إنيّ
ألمس فيكِ كل
جمال، لأن حبي
لك يخفي كل
ضعفاتك، ودمي
يستر كل
خطاياكِ،
مبرزًا كل
جمال أزينك
به، فلا أرى
فيكِ عيبًا
قط.
ويعلق
القديس
چيروم على
حديث العريس
هذا هكذا[119]: [أي شيء
أجمل من النفس
التي تدعى
ابنة الله (مز ٤٥:
١٠)، التي لا
تطلب لنفسها
الزينة
الخارجية (١
بط ٣: 2). إنها
تؤمن
بالمسيح، وإذ
يوهب لها روحه
فإنها تأخذ
طريقها نحو
المسيح الذي
هو عريسها وربها
في نفس الوقت،
برجاء عظيم].
دعوة
للعمل والجهاد:
"هَلُمِّي
مَعِي[120] مِنْ
لُبْنَانَ[121] يَا
عَرُوسي،
مِنْ
لُبْنَانَ،
هَلُمِّي،
انْظُرِي
مِنْ رَأْسِ
الإيمان[122]، مِنْ
رَأْسِ
شَنِيرَ
وَحَرْمُونَ[123]،
مِنْ
خُدُورِ
الأُسُودِ،
مِنْ جِبَالِ
النُّمُورِ" [٨].
إن
كان في بدء
اللقاء مع
العريس تشعر
النفس بتعزيات
كثيرة وراحة،
لكنها لتعلم
أنها مدعوة أن
تنطلق مع
عريسها في
صحبته لحياة
الجهاد
الروحي
القانوني.
ويلاحظ في هذه
الدعوة التي
يكررها الرب
الآتي:
إنها
دعوة للخروج
مع العريس،
فإن الحرب
الروحية هي
للرب، لحسابه
وباسمه، فإن
خرجت النفس محتمية
فيه غلبت
وانتصرت،
بدونه لا تعرف
إلاَّ
الهزيمة.
إن
كانت الدعوة
هنا موجهة
للنفس أن تخرج
مع عريسها
الروحي من Libanus –
كما جاءت في
الترجمة
السبعينية –
تكون بهذا قد
دعيت أن تنطلق
خلال حياة
الصلاة (لأن Libanus مشتقة من
اللبان) لتدخل
في مواجهة
الأسود والنمور،
فالحياة
المسيحية
ليست مجرد
تعزيات في
المخدع فحسب
ولكنها أيضًا
حرب طاحنة ضد
قوات الروح
الشريرة، ضد
إبليس
والخطية. حقًا
لقد أشتاق
بطرس أن يبقى
مع الرب على
جبل التجلي
قائلاً له:
"جيد يارب أن
نكون ههنا"
لكن الرب
ألزمه أن ينزل
مع زميليه
لمواجهة
أحداث الصليب.
وإن
كانت الدعوة
موجهة للخروج
معه من لبنان،
وهي بلد
سياحي، عرف
بحياة الترف،
فإن العريس السماوي
يدعو النفس
البشرية أن
تصحبه، تخرج
من الحياة
السهلة، حياة
الراحة
الجسدية،
وتواجه الصراع
مع قوات
الظلمة، وهي
في صحبة
عريسها قاهر الأسود
والنمور.
أما
علامات
الخروج فهي أن
تنطلق من رأس
الإيمان
(أمانة)،
وخلال
الإيمان تقدر
أن تدخل إلى رأس
حرمون إلى
حياة الحرمان
والترك
الاختياري،
تمارس الصليب
في داخلها،
بأن تخلي
ذاتها
بالإيمان من
شهوات الجسد
ورغباته
لتحيا في حالة
شبع بالمسيح
يسوع وحده. تقول
بالإيمان مع
الرسول بولس:
"إن كان لنا
قوت وكسوة
فلنكتف بهما" (١
تي ٦: ٨)، "قد
تدربت أن أشبع
وأن أجوع وأن
أستفضل وأن أنقص،
أستطيع كل شيء
في المسيح
الذي يقويني"
(في ٤: ١٢-١٣). ومن
خلال هذه
الحياة
الداخلية
الحية في المسيح
يسوع تدخل
النفس إلى
الحرب لتغلب
بالمسيح يسوع
الأسود
والنمور.
هذا
هو منطلق حياة
النصرة التي
هي عبور مع
الرب الغالب
من بداية
الإيمان
للدخول إلى
حرب طاحنة بل
إلى نصرة
روحية وعبور
للأبدية.
لقد
علق القديس
أغسطينوس
على هذه
الدعوة
معلنًا أن
الدعوة هنا
ليست عبورًا
مع المسيح، بل
هي عبور إليه،
أي دخول إلى
الاتحاد معه
لتمارس
الحياة
الزوجية
الروحية،
قائلاً[124]: [اعبري
إليّ من رأس
الإيمان... فإن
الإيمان بدء
الزواج].
ويرى
القديس
أغسطينوس
أيضًا أنه
عبور للعروس
إلى الآب
السماوي خلال
اتحادها
بالعريس
المسيح إذ
يقول: [إنها
تأتي كمركبة
الله، تضم
ألوف من
الرجال
الفرحين، تسير
بنجاح، وتعبر
هذا العالم
إلى الآب، إذ
يجتاز بها
عريسها نفسه
الذي عبر هذا
العالم إلى
الآب: "أريد أن
هؤلاء يكونون
معي حيث أكون"،
بهذا يجتازون
بدء الإيمان].
ويرى
القديس
غريغوريوس
النيصي في
هذه العبارات
إعلان عن
العطش
المتزايد بغير
حدود لتبعية
العروس
لعريسها، إذ
يقول[125]: [من
يقوم متجهًا
نحو الله يختبر
على الدوام
ميلاً
مستمرًا
لتقدم
متزايد]. ويفسر
عبارة العريس
"هَلُمِّي
مَعِي مِنْ
لُبْنَانَ Libanus يَا
عَرُوسُ"
هكذا:
[قصد
بهذا: لقد
فعلتي حسنًا
إذ قمتي معي
حتى الآن،
وجئتي معي إلى
جبل البخور.
لقد دفنتي معي
في المعمودية
حتى الموت،
لكنك قمتي
وصعدتي في شركة
لاهوتي...
والآن ارتفعي
من هنا وتعالي
إلى قمتين
آخريتين،
فتنمين
وتصعدين على
الدوام خلال
المعرفة... ما
دمتي قد بلغتي
هذا الارتفاع فلا
تتوقفين عن
الاستمرار في
التسلق... هذا
اللبان هو بدء
إيمانك الذي
به اشتركتي في
القيامة. إنه
بدء تقدمك
لنوال نعم
أعظم. اعبري
وتعالي من هذه
البداية – أي
الإيمان –
وانك تصلين
لكنك لا
تتوقفين عن
العبور
الدائم والاستمرار
في القيام].
ويرى القديس
في دعوتها أن
تعبر معه "مِنْ
خُدُورِ
الأُسُودِ
مِنْ جِبَالِ
النُّمُورِ"،
إن الإنسان
وقد جعلت منه
الخطية وحشًا
مفترسًا
كالأسد
والنمر، فإنه
قد تحول عن
هذه الطبيعة...
لكن العريس
يخشى على
عروسه أن تنكص
إلى الخطية
مرة أخرى،
لهذا يدعوها
أن تخرج دومًا
عن أعمال
إنسانها
القديم، إنها
دعوة الجهاد
المستمر
المرتبط
بحياة
الإيمان...
على
أي الأحوال،
إذ يدعوها
عريسها
للعبور معه
خلال حياة
الإيمان مع
الجهاد
المستمر
والصراع ضد الوحوش
الروحية،
تشعر أحيانًا
بمرارة هذا
الصراع فترفع
عينيها
الداخليتين
إليه تستنجد به،
فتسمعه
يُجيبها هكذا:
قَدْ
سَبَيْتِ
قَلْبِي،
بِإِحْدَى
عَيْنَيْكِ،
بِقَلاَدَةٍ
وَاحِدَةٍ
مِنْ
عُنُقِكِ" [٩].
في
بدء علاقتها
مع الله دخل
بها إلى لبنان
كما يفعل
العريس مع
عروسه إذ
غالبًا ما
يبدأ معها
الحياة
الزوجية في
منطقة سياحية
بعيدًا عن هموم
الحياة، هناك
يتعرفان على
بعضهما البعض.
لكن لن تبقى
الحياة
الزوجية هكذا
على الدوام،
إنما يلزمهما
أن يتركا
لبنان ليعيشا في
بيت الزوجية
يُجاهدان
ويتعبان...
وهكذا دعاها
الرب أن تخرج
معه من لبنان
لتواجه
الأسود والنمور
في خدورها. أو
تخرج معه من
جبل لبنان إلى
حياة الصراع
ضد أعمال
الإنسان
العتيق التي
كالوحوش
الضارية.
في
وسط جهادها
المرّ تئن في
داخلها ويبكي
قلبها، أما هو
فلا يقدر أن
يحتمل أنينها
ودموعها...
فينجذب قلبه
إليها،
ويأسره
تنهدها
الداخلي.
لاحظ
القديس
غريغوريوس
النيصي أن
العريس هنا
يقول "بِإِحْدَى
عَيْنَيْكِ"،
لأن الإنسان
له بصيرتان،
البصيرة
الخارجية
التي يرى بها
الأمور
المنظورة، والبصيرة
الداخلية
التي يعاين
بها الله... التي
هي القلب. هنا
ما يأسر قلب
الله هي دموع
البصيرة
الداخلية
السرية.
إنه
كعريس سماوي
يفهم قلب
عروسه، يهتم
بها وقت
جهادها
وآلامها، ولا
يتطلب منها
كلامًا، بل
يفهم لغة
عينيها الداخليتين...
حين سقط بطرس
الرسول في
إنكار سيده لم
تكن هناك
كلمات يعتذر
بها لكن الرب
عرف ما في
قلبه خلال
دموعه. وحينما
دخلت المرأة
الزانية بيت
سمعان
الفريسي لم
يوجد مجال
للحديث، لكن
الرب فاحص
القلوب قال:
"لقد غفرت
خطاياها
الكثيرة
لأنها أحبت
كثيرًا" (لو ٧: ٤٧).
وقد
علمتنا
الكنيسة أن
نتحدث مع الرب
بهذا اللغة –
لغة الدموع –
في غروب كل
يوم، قائلين:
فها
هما مثل عيون
العبيد إلى
أيدي
مواليهم،
ومثل
عيني الأمة
إلى يدي
سيدتها.
كذلك
أعيننا نحو
الرب إلهنا
حتى يترأف
علينا.
ارحمنا
يا رب ارحمنا،
فإننا
كثيراً ما
امتلأنا
هواناً،
وكثيراً
ما امتلأت
نفوسنا عاراً
أردده على المخصبين،
والهوان
على
المتعظمين.
هللويا" (مز ١٢٢).
وتكون
إجابة الرب:
إننيّ لا
أحتمل
انكساركم وهوانكم.
لقد سبيتم
قلبي وكل حبي،
فلا أدعوكم عبيدًا
بل أحباء.
أنتم أخوتي.
أنتم عروسي!
في
رسالة بعث بها
القديس
چيروم إلى
كاهن ضرير في Baetica بأسبانيا
تحدث عن العين
التي تسبي قلب
الله قائلاً
له[126]: [يليق
بك ألا تحزن
بسبب حرمانك
من العينين الجسديتين
اللتين يشترك
فيهما النمل
والذباب والزحافات
كسائر البشر،
بل بالحري
تفرح بأن لك
العين التي
قيل عنها في
نشيد
الأناشيد: "قَدْ
سَبَيْتِ
قَلْبِي
بِإِحْدَى
عَيْنَيْكِ".
هذه العين
تُعاين الله،
وقد أشار
إليها موسى
عندما قال: "أميل
الآن لأنظر
هذا المنظر
العظيم" (خر ٣: ٣).
ونحن نسمع عن
فلاسفة من هذا
العالم فقؤا
أعينهم حتى
تتحول
أفكارهم
بالكامل إلى
أعماق ذهنهم
النقي...].
يسبى
قلب الله بلغة
العينين
المنكسرتين
أمامه، كما
يسبى أيضًا
بلغة البذل
والطاعة؛ إذ يقول:
"قَدْ
سَبَيْتِ
قَلْبِي...
بِقَلاَدَةٍ
وَاحِدَةٍ
مِنْ
عُنُقِكِ".
ما هذه
القلادة التي
تزين العنق
الداخلية للنفس
إلاَّ حمل
النير وطاعة
الوصية
الإلهية فقد جاء
في سفر
الأمثال:
"اسمع يا ابني
تأديب أبيك
ولا ترفض
شريعة أمك،
لأنها إكليل
نعمة لرأسك
وقلائد
لعنقك" (أم ١: ٨-٩).
فالعروس
تتزين
بقبولها
تأديبات
أبيها (الله) بفرح
وسرور وحفظها
شريعة أمها
(الكنيسة)!
بمعنى آخر
تحمل على
عنقها نير
الطاعة، الذي
هو نير المسيح
الهين.
الآن
ماذا فعلت
آلام الجهاد
بنا؟
إن
كنا وسط
الآلام نشعر
بضعفنا فنرفع
أعيننا الداخلية
بتذلل نحو
إلهنا الذي في
أعماقنا فنجتذب
قلبه ونسبي
حبه
بانسحاقنا،
إذا به يعلن
حقيقة
مركزنا، أننا
في موقف القوة
لا الضعف،
والمجد لا
الهوان. إن
كنا نئن خلال
شعورنا
بالضعف لكنه
يؤكد لنا
الحقيقة
المخفية عن
أعيننا: أن جهادنا
– رغم كل ما
يبدو فيه من
ضعف – يعلن
حلاوة حبنا
وتفوح منه
رائحة أدهان
فريدة في
أطيابها، إذ
يقول:
كَمْ
مَحَبَّتُكِ
أَطْيَبُ
مِنَ
الْخَمْر؟ِ!
َكَمْ
رَائِحَةُ
أَدْهَانِكِ
أَطْيَبُ مِنْ
كُلِّ
الأَطْايَيبِ!"
[١٠].
لقد
جاءت كلمات
العريس
مطابقة
لكلمات العروس
في مدحها له،
لكن في صورة
أروع وأقوى...
فما أبعد هذه
الكلمات من
قول العروس:
"لأَنَّ
(حُبَّكَ)
ثدييك
أَطْيَبُ
مِنَ الْخَمْرِ،
لِرَائِحَةِ
أَدْهَانِكَ
الطَّيِّبَةِ..."
(نش ١: ٢-٣).
بينما
نقول له: "لأن
ثدييك أطيب من
الخمر"، إذا
به يقول لنا: "مَا
أَطْيبَ
حُبَّكِ
(ثدياكِ) يَا
أُخْتِي الْعَرُوسُ؟!
كَمْ
مَحَبَّتُكِ
أَطْيَبُ مِنَ
الْخَمْرِ!".
نحن نُناجيه
"ِرَائِحَةِ
أَدْهَانِكَ
الطَّيِّبَةِ"،
أما هو فبقوة
يقول: "َكَمْ
رَائِحَةُ
أَدْهَانِكِ
أَطْيَبُ مِنْ
كُلِّ
الأَطْايَيب؟ِ!".
عجيب
هو الرب في
نظرته إلينا
وفي مدحه
إيانا، مع أن
ما نحمله من
حب إنما هو
انعكاس لحبه
فينا، وما
نحمله من رائحة
أطياب إنما هي
ثمر أطيابه
العاملة فينا!
يا للعجب،
يعطينا ما له
ثم يعود
فينسبه لنا
ويمتدحنا من
أجله
ويكافئنا
عليه!!.
يرى
القديس
غريغوريوس
أسقف نيصص
سمو كنيسة
العهد الجديد
خلال الرائحة
التي تفوح
منها إذ هي "أَطْيَبُ
مِنْ كُلِّ
الأَطْايَيبِ"،
فاقت رائحة كل
عبادة قُدمت
سابقًا، إذ
يقول:
[سرّ
الحق الذي
تحقق خلال
رسالة
الإنجيل هو وحده
حلو بالنسبة
لله، ويُحسب
أسمى من كل
أطايّب
الشريعة،
فإنه لم يعد
مخفيًا وراء
رمز أو ظل، بل
تفوح رائحته
بإعلان للحق
واضح ومكشوف.
إن كانت إحدى
الأطايب
السابقة قد
أرضت الرب كرائحة
ذكية، فسرّ
قبولها ليس
سمو مادتها أو
مظهرها التي استخدمت
في أفعال
العبادة
وإنما المعنى
الذي أعلنته
خلال هذه
الأفعال. هذا
واضح من القول
العظيم للنبي:
"لا آخذ من
بيتك ثورًا،
ولا من حظائرك
أَعْتِدَةً...
فإنيّ لا آكل
لحم الثيران
ولا أشرب دم التيوس"
(مز ٤٩: ٩، ١٣)[128]].
أما
الآن فلم تعد
الذبائح
الحيوانية،
بل الذبيحة
الفريدة التي
يشتمها الآب
رائحة رضا... خلال
هذه الذبيحة
يشتم الله كل
عبادتنا وكل
جهادنا
الروحي
كرائحة طيبة
"أفضل من كل
الأطاييب".
لهذا
ففي وسط
مرارتنا بسبب
شعورنا
بالضعف،
يمتدحنا الرب
بغير مداهنة
ولا رياء، بل
يعود ويتكلم
عن بركة شركة
الآلام معه أو
الجهاد من
أجله وباسمه
في أكثر
تفصيل،
قائلاً:
تَحْتَ
لِسَانِكِ
عَسَلٌ
وَلَبَنٌ،
وَرَائِحَةُ
ثِيَابِكِ
كَرَائِحَةِ
لبانَ[129]" [١1].
ماذا
يرى الرب في
عروسه
المجاهدة
المتألمة؟ إنه
يراها
كالنحلة إذ
قيل عنها "النحلة
ضئيلة بين
الطير وشهدها
أعذب ما يستساغ
من الطعام"
(ابن سيراخ 3: 11).
يعلق القديس
غريغوريوس
النيصي على
ذلك قائلاً:
[النحلة
محبوبة من كل
أحد، ويقدرها
الجميع،
فبالرغم من
ضعف قوتها
لكنها تحمل
حكمة علوية
وتسعى دومًا
لبلوغ حياة
الكمال]. هذا
هو سرّ الشهد
الذي يقطر من
شفتي العروس
والعسل الذي
تحت لسانها،
لهذا يقول
القديس: [يليق
بنا أن نطير
على مروج
التعاليم الموحى
بها، ونجمع من
كل منها في
مخازننا التي
للحكمة. هكذا
يتكون العسل
في داخلنا
وكأنه ذلك المحصول
الحلو الذي
يخزن في
قلوبنا كما في
خلية نحل،
وبواسطة
التعاليم
المتنوعة
تتشكل في ذاكرتنا
مخازن على
مثال الخلايا
الشمعية التي
لا تهلك.
يلزمنا أن
نكون كالنحلة
فإن عسلها حلو
ولدغتها لا
تؤذي، ننشغل
في عمل الفضيلة
الهام. إنها
تنهمك بالحق
في تحويل
أتعاب هذه
الحياة إلى
بركات أبدية،
وتقديم
جهادها لصحة
ملوك وعشب.
هكذا أيضًا
النفس تجتذب
العريس، ويعجب
بها
الملائكة،
الذين يكملون
قوتها في الضعف
خلال الحكمة
المكرمة[130]].
ماذا
يرى الرب
أيضًا في
عروسه
المجاهدة
المتألمة؟
إنه يراها
الأرض
المقدسة التي
تفيض عسلاً
ولبنًا (خر ٣: ٨،
١٧).
لقد
قدم الرب
عروسه
المجاهدة
المتألمة في
أروع صورة،
فإن كان الرب
قد وعد شعبه
قديمًا بأرض
تفيض لبنًا
وعسلاً لتكون
بالنسبة لهم
موضع راحة
جسدية ومكان
شبع جسدي
ومركزًا
للعبادة
عليه، فإن
عروسه بدورها
تصير هي نفسها
موضع راحة
الرب، يستريح
في داخلها
الثالوث
القدوس، تفيض
من ثمر الروح
لبنًا وعسلاً
يشتهيه الله
وملائكته
ويفرح به
القديسون، بل ويفيض
حتى على غير
المؤمنين.
في وسط
آلام المؤمن
يرى الرب
شفتيه تقطران
شهدًا ولسانه
يخفي عسلاً
وصدره مملوء لبنًا
روحيًا.
أما
عن الشهد الذي
يقطر من شفتيه
فيُشير إلى كلمات
النعمة التي
تصدر من فم
المؤمن،
قليلة تتساقط
كقطرات (تقطر)
لكنها حلوة
وشهية! تعطي للمستمع
بركة وعذوبة
داخلية وراحة
في النفس!
أما
عن العسل فهو
كالكنز
المخفي "تحت
اللسان" يقدمه
المؤمن
للآخرين في
غير مظهرية أو
حب للاستعراض...
كنز وغذاء
يصلح
للناضجين!.
ترى
ماذا يكون هذا
العسل المخفي
إلاَّ "كلمة
الله" الحيّ
الذي دُعي
بالمن السماوي
والذي كان
رمزه المن
النازل على
الشعب القديم
"طعمه كرقاق
بعسل" (خر ١٦: ٣١).
إذ أكل حزقيال
النبي كلمة
الله قال: "صار
في فمي كالعسل
حلاوة" (حز 3: ٣)،
كما
وصفه المرتل
هكذا: "ما
أحلى قولك
لحنكي أحلى من
العسل لفمي"
(مز ١١٩: ١٠٣)،
"أحكام الرب
حق عادلة
كلها. أشهى من
الذهب والإبريز
الكثير وأحلى
من العسل وقطر
الشهادة" (مز ١٩:
٩-١٠). كما
طالبنا
سليمان
الحكيم أن
ننعم بأكل
كلمة الله
الحسنة إذ
قال: "يا ابني
كل عسلاً لأنه
طيب" (أم ٢٤: ١٣)،
"الكلام
الحسن شهد عسل
حلو للنفس
وشفاء للعظام"
(أم ١٦: ٢٤).
على
أي الأحوال،
حينما يتحدث
الرب عن
رعايته لشعبه
يؤكد لهم أنه
قدم لهم عسلاً
إشارة إلى
عذوبة عطيته،
أو حلاوة
كلمته في
فمهم، إذ يقول:
"أكلت
السميذ
والعسل
والزيت وجملت
جدًا جدًا
فصلحت
للمملكة" (حز ١٦:
١٣)، "من
الصخرة كنت
أشبعك عسلاً"
(مز ٨١: ١٦)، "أرضعه
عسلاً من حجر"
(تث ٣٢: ١٣). عسل
كلمة الله هو
سرّ جمال شعبه
حتى يصلح أن يصير
ملكة، وسرّ
شبعها
وارتوائها:
هذا الذي يقوت
شعبه بالعسل
يعود فيجد
عسله هذا
مخفيًا تحت
لسان عروسه
فيفرح بها!.
إن
كان الرب
يُقدم عسله
خلال لسان
عروسه ليشبع
الناضجين،
فإنه يملأ
صدرها باللبن
غير الفاشي
حتى يجد
الأطفال لهم
موضعًا في
كنيسته وراحة
لدى عروسه.
وكما يقول القديس
غريغوريوس
النيصي[131]:
[الإنسان الذي
يعرف كيف
يتحدث مع كل
نوع من البشر
وله تحت لسانه
قوى مختلفة
للكلمة
الإلهية
(عسلاً
ولبنًا)، هو
ذاك الذي يقدر
أن يقدم لكل
واحد ما
يناسبه حسب
قدراته في
الوقت المناسب].
كلنا يعلم أن
الإنسان وسط
آلامه
وضيقاته يزهد
في ملبسه، لكن
العريس هنا
يشتم رائحة
العروس وسط
آلامها
كرائحة صلاة
(لبان) نقية!
إنه يسمع
لتنهداتها
وطلباتها لأنها
في حالة تألم!
يصغي إليها
ويستجيب طلباتها
لأنها منكسرة
القلب! بهذا
يخلع المؤمن -
في جهاده
الروحي -
ثيابه
الأرضية لكي
يلبس الروح
القدس ثياب
السماء التي
لا تبلى: "محبة،
فرح، سلام..."
(غلا ٥: ٢٢). هذا
هو عمل الروح
في حياة
العروس
المتألمة!
أخيرًا
فإن الإنسان
غالبًا ما
يتطلع إلى نفسه
في وقت الضيق
فيظن كأنه في
قفر بلا ساكن،
عقيمًا بلا
ثمر، أما الرب
فيرى عكس هذا
إذ يقول:
عَيْنٌ
مُقْفَلَةٌ،
يَنْبُوعٌ
مَخْتُومٌ" [١٢].
كأنه
يقول لها:
اذكري
الإمكانيات
الكاملة في داخلك،
أنتِ جنة وعين
وينبوع،
إمكانيات الروح
القدس الساكن
فيكِ، هذه
التي لا تعلن
فيكِ إلاَّ
إذا قبلتي
الآلام
وانحنى ظهرك
للصليب.
لماذا
دعيت العروس
جنة مغلقة
وينبوعًا
مختومًا؟
1.
يرى القديس
غريغوريوس
النيصي[132] أن
الجنة تحوي
أنواعًا
مختلفة من
الأشجار. ثمرها
يكون في
البداية
مرًا، لكن في
الوقت المناسب
إذ ينضج يكون
حلوًا
ومفيدًا مبهج
لكل الحواس...
هكذا النفس في
حياتها
الروحية، إذ
يغرسها الرب نفسه
ويرويها،
لكنها تحمل
آلامًا
وأتعابًا ومرارة...
وفي الوقت
المناسب تأتي
بالثمر المبهج
للنفوس.
2.
يتحدث القديس
عن سرّ
إغلاقها
قائلاً:
[جنتنا مغلقة
من كل جانب
بسور الوصايا
حتى لا يتسلل
إليها مدخلها
لص أو وحش
مفترس. إنها
مغلقة بسياج
الوصايا فلا
يستطيع خنزير بري
أن يقترب
إليها].
3.
إن كانت
الحديقة
تحتاج إلى عين
أو ينبوع، فيلزم
أن تكون العين
مقفلة
والينبوع
مختوم، وكما
يقول الحكيم:
"أشرب مياهًا
من جبك ومياها
جارية من
بئرك. لا تفضي
ينابيعك إلى
الخارج، سواقي
مياه في الشوارع.
لتكن لك وحدك
وليس لأجانب
معك. ليكن
ينبوعك
مباركًا" (أم ٥:
١٥–١٨). هكذا
يوصينا الوحي
الإلهي ألا
نبدد مياه ينابيعنا
في الخارج، في
الشوارع، مع
الغرباء... وكما
يقول القديس
غريغوريوس
أنه حينما
تنحرف
أفكارنا
الداخلية نحو
الخطية
(الغريبة)
نكون قد أضعنا
مياه ينابيعنا
وقدمناها
للغرباء.
[إنها النقاوة
هي التي تختم
هذا الينبوع
ليكون لسيده].
يرى
القديس
أمبروسيوس[133] أن
الينبوع
المختوم هو
المعمودية
التي تبقى مختومة
ومغلقة إن لم
تغتصب
بالأعمال
وتعلن بالكلمات.
لقد صرنا
بالمعمودية فردوسًا
به إمكانية
الحياة
والإثمار
لكنه فردوس
مغلق، وعينًا
تستطيع أن
تفجر مياه
نقية وعذبة
تروي
الكثيرين
لكنها مقفلة،
وينبوع مختوم
إن فتح فجر
ينابيع مياه
حية!.
قد
نظن في أنفسنا
أننا فارغون،
لكن الله يرى
في داخلنا
فردوسًا
وعينًا
وينبوعًا لا
يحق أن تفتح
إلاَّ له هو،
فهو عريس
النفس
الوحيد، الذي
من حقه أن
يدخل جنة
القلب ويشرب
ينابيع حبه!
بمعنى آخر تلتزم
النفس كعروس
أن تبقى في
عذروايتها
مشتاقة إلى
العريس
السماوي
وحده، تفتح له
قلبها وأحاسيسها
وعواطفها وكل
طاقتها،
بكونها العذراء
العفيفة
المنتظرة
عريسها (مت ٢٥)،
كعضو في كنيسة
الأبكار.
وللقديس
أمبروسيوس
تعليق جميل،
إذ يقول[134]: [ينطق
السيد بهذا
القول
للكنيسة التي
يُريدها
بتولاً بلا
دنس ولا عيب.
الجنة
المخصبة هي البتولية
التي يمكن أن
تحمل ثمارًا
كثيرة لها رائحة
صالحة... أنها
جنة مغلقة
لأنها محاطة
بسور الطهارة
من كل جهة. وهي
ينبوع مختوم
لأن البتولية
هي ينبوع
العفة وأصلها،
تحفظ ختم
النقاوة
مصونًا بغير
اضحملال، فيه
تنعكس صورة
الله، حيث
تتفق نقاوة
البساطة مع
طهارة الجسد
أيضًا].
ربط
القديس
أمبروسيوس
بين هذا الختم
وسرّ
الأفخارستيا،
إذ رأى في
حديث المسيح
هنا عن
الكنيسة وصية
من العريس تجاه
عروسه التي
تقتات بجسده
الأقدس ودمه
الكريم،
تحتفظ بهذه
الأسرار في
حياتها
مختومة لا
تحلها بأعمال
الشر وفقد
الطهارة[135].
ويرى
القديس
أغسطينوس أن
هذه الجنة
المغلقة هي
الكنيسة إذ
يقول[136]:
[الفردوس
هو الكنيسة
كما دعيت في
نشيد الأناشيد،
وأنهار
الفردوس
الأربعة هي
الأناجيل
الأربعة،
والأشجار
المثمرة هم
القديسون،
والثمار
هي أعمالهم،
وشجرة
الحياة هي قدس
الأقداس أي
المسيح،
وشجرة
معرفة الخير
والشر هي حرية
الإرادة، فإن
أحتقر إنسان
إرادة الله
إنما يحطم
نفسه، وعندئذ
يتعلم الفارق
بين تقديس
نفسه للخير العام
وبين ما يسلكه
حسب إرادته
الذاتية].
وأخيرًا
فإن كثيرين من
الآباء رأوا
في القديسة
مريم البتول
"الجنة
المغلقة" وهي
في هذا تُمثل الكنيسة
البتول التي
تقدست للرب
وحده. فيقول القديس
أغسطينوس[137]:
[المسيح
نفسه بتول،
وأمه أيضًا
بتول. نعم مع أنها
أمه لكنها لا
تزال بتولاً،
إذ دخل يسوع
فيها "خلال
الأبواب
المغلقة" (يو ٢٠:
١٩)، دخل قبره
الجديد
المنحوت في صخر
صلد حيث لم
يرقد فيه أحد
من قبله أو
بعده (يو ١٩: ٤١).
فمريم هي "جنة
مغلقة... ينبوع
مختوم". من هذا
الينبوع يفيض
كما يقول
يوئيل (٢: ١٨).
النهر الذي
يروي السيل من
الحسك
والشوك، حسك
الخطايا التي
ارتكبناها
وارتبطنا بها
(أم ٥: ٢٢)،
والشوك الذي
يخنق البذار
التي زرعها
صاحب الأرض
(مت ١٣: ٧)...].
إذن
الجنة
المغلقة أو
العين
المقفول أو
الينبوع
المختوم
تُشير إلى
الحياة التي
لا يدخلها
إلاَّ الرب
وحده الذي له
مفتاح داود
"يفتح ولا أحد
يغلق، ويغلق
ولا أحد يفتح"
(رؤ ٣: ٧). هذه
الحياة تحمل
ثمار الروح
القدس
الثمينة السمائية،
إذ يقول:
نَارِدِينٍ
وَكُرْكُمٍ،
قَصَبِ
الذَّرِيرَةِ
وَقِرْفَةٍ
مَعَ كُلِّ
عُودِ
اللُّبَانِ.
مُرٌّ
وَعُودٌ مَعَ
كُلِّ
أَنْفَسِ
الأَطْيَابِ.
يَنْبُوعُ
جَنَّاتٍ
بِئْرُ
مِيَاهٍ
حَيَّةٍ
وَسُيُولٌ
مِنْ
لُبْنَانَ
(اللبان)" [١٣-١٥].
ماذا
يجد الرب
فينا؟ أنه يجد
أصنافًا
متنوعة من
ثمار للأكل
كالرمان
وروائح طيبة
وأطياب وبخور
(لبان) ومواد
تستخدم
كأدهان طيبة
ومياه حية
للشرب...
هكذا
تظهر عروس
المسيح غنية
في كل شيء:
لديها طعامًا
يشبع،
وشرابًا
يروي، وأطيابًا
ثمينة
للتجميل،
وأدوية
للعلاج... يفرح بها
عريسها
وأصدقاؤه.
ويلاحظ في
العبارات المذكورة
تكرار كلمة
"كل"، فهي
ليست في نقص
إلى شيء، بل
مكتفية في كل
شيء. هذا هو
التعبير الذي
استخدمه
الرسول بولس
في وصفه
للمؤمنين، إذ
يقول: "الله
قادر أن
يزيدكم كل
نعمة لكي
تكونوا ولكم
كل اكتفاء كل
حين في كل شيء
تزدادون في كل
عمل صالح" (٢
كو ٩: ٨). "نحن
أيضًا منذ يوم
سمعنا لم نزل
مصلين وطالبين
لأجلكم أن
تمتلئوا
معرفة مشيئته
في كل حكمة
وفهم روحي،
لتسلكوا كما
يحق للرب في
كل رضى مثمرين
في كل عمل
صالح ونامين
في معرفة
الله، متقوين
بكل قوة بحسب
قدرة مجده لكل
صبر وطول أناة
بفرح" (كو ١: ٩-١١).
وفيما
يلي أمثلة مما
حملته النفس
في داخلها من
أغراس عديدة،
وإن كنت قد
سبق فتحدثت عن
بعضها في شيء
من التفصيل.
1.
فردوس رمان[138]:
رأينا خد
العروس كفلقة
رمان مملوء
احمرارًا علامة
الجمال
الروحي خلال
دم السيد
المسيح، كما
علامة الحياء
في وداعة
وهدوء... إنها
تحمل جمال حب
الله
ووداعته...
يتحدث
القديس
غريغوريوس
النيصي عن
شجرة الرمان،
قائلاً[139]: [شجرة
الرمان تجعل
اللص ييأس
منها، فإن
فروعها
محفوفة
بالأشواك،
وثمرها مغطى
بقشرة مُرّة
للغاية وخشنة
تقوم
بحمايتها. لكن
حين تنضج الثمرة
في الوقت
المناسب، إذ
تنزع عنها
القشرة
وتتطلع إلى
داخلها تجد
ثمرًا حلوًا،
منظره جذاب،
طعمه لذيذ
كالشهد، له
نكهة الخمر...
هكذا يليق بنا
نحن أيضًا ألا
نكون مدللين في
الجهاد ولا
محبين للترف
في هذه
الحياة، إنما
نختار طريق
الحياة
العفيفة (ضبط
النفس) القاسية.
بهذا لا تقدر
اللصوص أن
تقترب إلى ثمر
الفضيلة،
لأنها محصنة
بغطاء ضبط
النفس الخشن، ومحاطة
بطريقة حياة
قاسية
وصارمة، وكأنها
أشواك توخز من
يقترب إليها
بهدف شرير.
لكن في الوقت
المناسب
نتمتع بما
يقدمه الرمان
من خليط من
البهجة
لأنواع ثمر
متنوعة...].
2. فاغة
الحناء[140]: سبق
الحديث عنها،
تستخدمها
العروس
للزينة في
الليلة
السابقة
لعرسها لكي تتهيأ
للعريس
برائحة طيبة،
وهي تصبغ بها
يديها ورجليها
لتكون حمراء.
3.
ناردين:
يستخلص من
نبات صغير
الحجم، ينبت
بكثرة على جبال
الهملايا،
على ارتفاع
حوالي ١١٠٠–١٧٠٠
قدم فوق مستوى
البحر. هو طيب
كثير الثمن،
استخدم في
التجارة. به
دهنت مريم أخت
لعازر قدمي الرب
(يو 12: ١٣)، كما
سكبته هي أو
غيرها على
رأسه قبل
الفصح بستة
أيام (مر ١٤: ٣)
علامة حبها
وشكرها له.
4.
كركم:
وردتها
بنفسجية
اللون إلى حد
ما، بها عروق
حمراء اللون،
أما الكركم
نفسه فأصفر
اللون، يطحن
ويخلط بزيت
الزيتون
ليستخدم
طيبًا. ويستخدم
الكركم في
الطعام كنوع
من التوابل،
كما يستخدم في
الأدوية.
5.
قصب الذريرة:
عود له رائحة
ذكية، يستخرج
منه زيت
يستخدم في
الأمور
الخاصة بالذبيحة
(إش ٤٣: 24؛ إر ٦: ٢٠).
6. القرفة: نوع من
الخشب له
رائحة طيبة،
يستخدمه بعض
الشرقيين عوض
الشاي،
أُستخدم كأحد
المُركبات
الخاصة بالزيت
المقدس
لتقديس هرون
وبنيه (خر ٢٠: ٢٢)،
ولا يزال
يُستخدم كأحد
عناصر زيت
الميرون عند
طبخه، كما
استخدم أيضًا
كنوع من
الأدوية.
7.
أخيرًا
يُناجيها
العريس
قائلاً:
"يَنْبُوعُ
جَنَّاتٍ
مِيَاهٍ
حَيَّةٍ وَسُيُولٌ
مِنْ اللبان"
إذ تحمل في
داخلها
عريسها
الينبوع
الحيّ الذي
يروي غروسه
وكرومه داخل
جنته
المغلقة،
يقبض عليها
بسيول تجرف كل
مالها نحو
الأبدية...
"اِسْتَيْقِظِي
يَا رِيحَ
الشَّمَالِ،
وَتَعَالَيْ
يَا رِيحَ
الْجَنُوبِ،
هَبِّي
عَلَى
جَنَّتِي،
فَتَقْطُرَ
أَطْيَابُهَا.
لِينزل
حَبِيبِي
إِلَى
جَنَّتِهِ،
وَيَأْكُلْ
ثَمَرَهُ
النَّفِيسَ" [١٦].
في
حفل العرس مدح
العريس
عروسه،
ودعاها لتخرج
معه خارج
المحلة،
تُشاركه
آلامه وصلبه،
وتتطيب
بالمرّ فتدفن
معه، لكي تقوم
معه حاملة
أغراس كثيرة
ومتنوعة، هي
من عمل قيامته
فيها، والآن
تُخاطبه
العروس وتطلب
أن تهب على
جنتها ريح
الشمال
المملوء
بردًا وريح الجنوب
الحار... حتى
تقطر أطيابها
فينزل إليها
عريسها وينعم
بثماره فيها...
فماذا تعني
العروس بريح
الشمال وريح
الجنوب؟
1.
في اليونانية
كلمة "ريح" هي
بذاتها كلمة
"روح"... لعل
العروس هنا
تطلب من
عريسها أن
يبعث إليها
بروحه القدوس
الذي يلاحقها
من كل جانب،
فيعطيها الثمر
المتكاثر
الذي يفرح به
العريس.
2.
دعوة الريح أن
تهب عليها
إنما هي دعوة
للحبيب نفسه
بكونه الريح
الهادئ
الوديع الذي
يجتاز القلب[141] ويسكن
فيه، فيكون
لنا "عمل
المسيح" فينا.
3.
ربما قصدت
النفس بالريح
أي ظروف
خارجية، فإنه
إذ صارت جنة
مغلقة مكرسة
للرب، لا تخاف
مما يحيط بها
فإن "كل
الأمور تعمل
معًا للخير
للذين يحبون
الله" (رو ٨: ٢٨)،
فإن أعطى الرسول
بولس كرامة
آلت إلى تقدم
الإنجيل، وإن
قيد في الحبس
الداخلي تؤول
قيوده
بالأكثر إلى تقدم
الإنجيل (في ١: ١٢)،
أو كما يقول
عن نفسه
"يتعظم
المسيح في
جسدي سواء كان
بحياة أو موت"
(في ١: ٢٠).
4.
تُشير الريح
أيضًا إلى
التجارب، فإن
هبت على النفس
تجارب شمالية
أي هاجت
الخطية ضدها،
أو تجارب
يمينية كأن
يثور البرّ
ذاتي فيها...
ففي هذا كله
يسندها الرب
لا ليحفظها من
التجارب فحسب
بل يخرج منها
ثمارًا يفرح
بها العريس!
إنه كشمشون
الذي أخرج من
الآكل أكلا،
ووجد في
الجافي
حلاوة!.
ويلاحظ
أن النفس
تُسمي قلبها
"جنتي" أي
خاصة بها،
لكنها سرعان
ما تدعو
عريسها قائلة
"لينزل حبيبي
إلى جنته". فهي
كرمه، من عمل
يديه، وتحت رعايته،
هو في وسطها
فلن تتزعزع.
لا يمكن للنفس
أن تقطر
أطيابها وسط
التجارب ما لم
تسلمه ذاتها
لتكون جنته،
يهتم بها
ويأكل من
ثمرها الذي هو
"ثمره".
إنها
تدعوه أن ينزل
إليها، فالقلب
هو له، والثمر
منسوب إليه...
وقد رأى القديس
أمبروسيوس
أن الدعوة
موجهة للعريس
أن ينزل إلى
النفس في جرن
المعمودية
ليتسلم جنته
ويعمل فيها
بروحه القدوس
وتأتي بثمره،
إذ يقول[142]:
["لِينزل
حَبِيبِي
إِلَى
جَنَّتِهِ،
وَيَأْكُلْ
ثَمَرَ
التفاح الذي
له". حقًا يا
له من شجر
جميل مملوء
ثمارًا، تمتد جذوره
في مياه
(المعمودية)
الينبوع
المقدس!]. لقد
نزل إليها
بتجسده،
وبصلبه
ودخوله
القبر، وينزل
إليها عند
عمادها في
الينبوع
المقدس، ولا
تزال تسأله أن
ينزل إليها
قادمًا على
السحاب
ليأخذها معه،
فقد حملت
ثماره داخلها!
[111] De Myste 7: 37.
[112] راجع تفسير نش ١: ١٥.
[113] الحب
الإلهي، ص ٤.
[114] القديس
امبروسيوس:
الروح القدس ١٤.
[115] St. Augustine: On Ps. 95 (94): 7, 3 (4): 7; On
Christian Doctorine 2: 6.
[116] St. Augustine: On Ps. 95 (94): 7.
[117] Lect. 3: 16.
[118] Epist. 69: 6.
[119] St. Jerome: Epist. To Furia 54.
[120] الترجمة السبعينية Libanus مأخوذة عن اللبان أو البخور.
[121] غير
موجودة في
الترجمة
السبعينية.
[122] الأصل
العبري
"أمانة Amana" وتعني
"إيمان"، وهي
قمة جبل في
لبنان.
[123] حرمون"
تعني
"المحرم". وهو
جبل في لبنان
ارتفاعه ٩٢٣٢
قدمًا، له
ثلاثة قمم
دعاها
الصيدونيون
"سيريون ٍSerion"
بينما دعاها
الأمرويون
"شنير Shenir"، أو
"سنير Senir"، من فوق
هذه القمم
يمكن رؤية
لبنان والسهل
المحيط بدمشق
وصور والكرم
والجليل
الأعلى... ويسمى
هذا الجبل
حاليًا "جبل
الشيخ".
[124] St. Augustine: Sermon on N.T. Lessons 55: 6.
[125] Sermon 8.
[126] Epist. to Abigaus 2.
[127] الترجمة السبعينية.
[128] Sermon 9.
[129] الترجمة اليونانية Libanus مأخوذة عن اللبان وليس لبنان Lebanon
[130] Sermon 9.
[131] Sermon 9.
[132] Sermon 9.
[133] St. Ambrose: De Myster 55.
[134] Epist. 63: 63.
[135] St. Abmrose: De Myster 55.
[136] City of God 13: 21
[137] Epist. 48: 21.
[138] راجع تفسير نش ٤: ٣.
[139] Sermon 9.
[140] راجع تفسير نش ١: ١٤.
[141] The Jerome Biblical Com. London
1970, p 509.
[142] St. Ambrose: De Myst. 56.