3
وصفه
للعروس
"شولميث"
إذ
دخل العروسان
الحديقة
وتبادل
الطرفان الحب
الزوجي خلال
الوحدة
الروحية
الأبدية، يصف
العريس عروسه
– الكنيسة –
مقدمًا
تشبيهات مختلفة
عن السابقة،
إذ يُناجيها
هكذا:
يلقبها
"بنت الأمير"[171] إذ هي
منتسبة لله،
وُلدت من
الماء والروح
كابنة للملك
السماوي. لهذا
دُعيت في
المزمور (٤٥: ١٣)
"ابنة الملك".
فإن كانت في
أصلها (بعد
السقوط) حقيرة
ومزدرى بها،
لكن
بانتسابها
لله حملت أصلاً
ملوكيًا.
لقد
سبق أن مدحت
العروس
عريسها (نش ٥: ١١–١٥)
فوصفته
مبتدئه من
الرأس حتى
القدمين،
لأنها بهرت
بجلاله ومجده
فتحدثت عن
الرأس الذي
يمثل شخصه ثم
تدرجت لتمدح
حتى قدميه.
أما العريس ففي
مدحه للعروس
يبدأ
بالقدمين أو
خطواتها حتى
يصف الرأس،
وذلك لسببين:
أولهما أنه
يُريد أن يؤكد
أن سرّ جمالها
هو خطواتها أو
سيرها في
الطريق الملوكي،
أي عودتها
بالتوبة إلى
العريس سرّ حياتها.
أما السبب
الثاني فإنه
أراد أن يعطي
للأعضاء التي
تبدو بلا
كرامة كرامة
أفضل (١ كو ١٢: ٢٣-٣٤).
أما
حديثه عن
"النعلين"
إنما يُشير
إلى الكنيسة –
كجماعة أو
كأعضاء – وقد
احتذت بإنجيل
السلام (أف ٦: ١٥)،
وكأن العريس
قد ركز في بدء
وصفها
بخطواتها الإنجيلية...
تسلك طريق
العريس ذاته،
تمارس حياتها
الإنجيلية
المملوءة
سلامًا. هذا
هو سرّ جمالها
الروحي، أنها
عرفت الطريق
ودخلته! بهذا
تحمل أيضًا
الشهادة
لعريسها كقول
الرسول بولس:
"ما أجمل
أقدام
المبشرين
بالسلام،
المبشرين بالخيرات"
(رو ١٠: ١٥). وقول
النبي إشعياء:
"ما أجمل على
الجبال قدمي
المبشر
المخبر
بالسلام
المبشر
بالخير المخبر
بالخلاص
القائل
لصهيون قد ملك
إلهك" (إش ٥٢: ٧)،
وقول ناحوم
النبي: "هوذا
على الجبال
قدما مبشر
مناد
بالسلام، عيدي
يا يهوذا
أعيادك، أوفي
نذورك، فإنه
لا يعود يعبر
فيك أيضًا
الملك" (نا ١: ١٥).
إذ
تحتذي النفس
بكلمة الرب
تصير حاملة
لسرّ سلامها
الداخلي، وسر
سلام الآخرين
فتكرز بكلمة
الخلاص،
وتعلن ملكوت
الله المعلن
على الصليب،
وتسكب فرحًا
في قلوب
المؤمنين،
بهذا يحصلون
على روح
الغلبة
والنصرة على
المهلك.
الفخذان
يحملان الجسد
ويعينانه على
الحركة، لهذا
فإن مفاصل
الفخذين إنما
تُشير إلى وحدة
الكنيسة
المقدسة في المسيح
يسوع خلال
المحبة. في
هذا يقول
الرسول: "نكون
صادقين في
المحبة، ننمو
في كل شيء،
إلى ذاك الذي
هو الرأس
المسيح، الذي
منه كل الجسد
مركبًا معًا
ومقترنًا
بمؤازرة كل
مفصل حسب عمل على
قياس كل جزء
يحصل نمو
الجسد
لبنيانه في المحبة"
(أف ٤: ١٦). خلال
هذه الوحدة ينمو
الجسد ويتشدد
(كو ٢: ١٩)
فتتحقق رسالة
الكنيسة.
هذه
الوحدة
كالسلاسل
تربط البشرية
معًا مع اختلافها
في اللغة
والجنس
والثقافات،
كما تربط
الأجيال
معًا، فتحمل
الكنيسة
الروح الجامعية
على المستوى
المكاني (في
كل العالم)
والمستوى
الزماني (عبر
الأجيال)... وهي
من صنع يدي
صانع ماهر،
ألا وهو الروح
القدس واهب الشركة.
تُرشم
السرة بدهن
الميرون في
سرّ التثبيت،
لأن الروح
القدس يقدس
الأعضاء
الظاهرة كما
يقدس الأحشاء
الداخلية،
ليكون
الإنسان
بكليته للرب.
حين
تحدث الرب مع
حزقيال عن
بشاعة ما وصل
إليه الإنسان
والموت الذي
حلّ به قال
عنه: "أما ميلادك
يوم ولدت فلم
تقطع سرتك" (حز
١٦: ١٤).
فالجنين إذ
يخرج من أحشاء
أمه يلزم أن
تقطع سرته
فيخرج إلى نور
الحياة
الجديدة
ككائن حيّ مستقل
عن أمه، لا
يحتاج إلى
الإغتذاء بدمها
خلال الحبل
السري بل يبدأ
ممارسة
إنسانيته
ليخرج إلى
النضوج
الكامل. وبنفس
الطريقة حين
يدخل
العروسان إلى
الحياة
الزوجية
يلتزمان أن
تقطع فيها
حبلا سرتيهما
من بيتي
أبيهما، ليعيشا
الحياة
الزوجية
الجديدة
ويُمارس حبهما
الناضج في
وحدانية
الروح. أقول،
هكذا يرى السيد
المسيح في
كنيسته قد
دخلت معه في
الحياة الزوجية
على مستوى
سماوي، وقد
قطعت سرتها
فصارت كأسًا
مدورة أي حملت
الطبيعة
السماوية (الدائرة
التي بلا
بداية أو
نهاية)، لا
يعوزها شراب
ممزوج، إذ لم
تعد في أحشاء
العالم تطلب
أفراحه
الخارجية...
لقد انطلقت
كما من بيت أبيها
الأرضي لتعيش
مع بيت العرس
الداخلي في شبع
حقيقي وكفاية.
تحوي
الكنيسة في
داخلها مخازن
غذاء روحي
(حنطة) مشبع
للنفس يسكن في
داخلها السيد
المسيح، الخبز
الحيّ النازل
من السماء،
الذي من يأكل
منه يحيا إلى
الأبد (يو ٦: ٥١).
هكذا قد تبدو
الكنيسة في
خارجها فقيرة
وجائعة لكن
أحشاؤها
مخازن خيرات
تشبع النفوس
الجائعة،
وكما يقول
الرسول بولس:
"كفقراء ونحن
نغني كثيرين،
كأن لا شيء
لنا ونحن نملك
كل شيء" (٢ كو ٦: ١٠).
هذه
الخيرات
محاطة بسياج
من السوسن
الذكي
الرائحة،
وكأن ثمار
الكنيسة
مشبعة وجميلة
تجتذب النفوس.
سبق
أن وصفها بذلك
في نش ٤: ٥ (يمكن
الرجوع إليه).
سبق
فوصفها هكذا:
"عُنُقُكِ كَبُرْجِ
دَاوُدَ
الْمَبْنِيِّ
لِلأَسْلِحَةِ"
(نش ٤: ٤)،
بكونها راسخة
وقوية تواجه
كل حرب، أما
الآن فيصف
عنقها "كَبُرْجٍ
مِنْ عَاجٍ"
وقد سبق
فرأينا أن
العاج يُشير
إلى قبول الألم
حتى الموت...
حيث يستخرج من
الفيل خلال
آلامه حتى
الموت. فإن
كان إيمان
الكنيسة عاليًا
كالبرج،
مرتفعًا نحو
السماء، فقد
قبلت كل صفوف
الألم حتى
الموت... لتبقى
أمينة في إيمانها،
لا تنحرف وراء
كل ريح تعلم
غريب ولا تتلوث
بالبدع
والهرطقات
لقد كلفها
إيمانها الرسولي
الأصيل الثمن
الكثير!
إنه
إيمان من
العاج، ناصع
البياض، لا
يشوبه شيء،
ونفيس!
يُشير
هذا العنق
أيضًا إلى
طهارة
الكنيسة
ونقاوتها،
فهي مرفوعة
الرأس على
الدوام، لا
تقدر الخطية
أن تنكسه في
التراب أو
تذله.
إن
كان قبلاً قد
وصف عينيها
بعيني
الحمامة، حيث
تتجلى فيهما
صورة الروح
القدس الذي
يُقدس سيرتها
الداخلية
بتطلعها
المستمر إليه
بغير انحراف،
فإنه الآن يصفهما
ببرك السمك fishponds في حشبون.
هذا المنظر
يكشف عن أتساع
بصيرتها، فهي
كالبرك
المنفتحة على
السماء لا
يحجبها عنها
شيء. هذا
الانفتاح نحو
السماء يولد
فيها انفتاحًا
نحو البشر
أيضًا، لذا
دعاها "برك
السمك"، كل من
ينظر إليها
يجدها تحوي
الأسماك
داخلها... لا
تهتم بما لنفسها
بل بما هو
للآخرين
(الأسماك
تُشير إلى جماعة
المؤمنين)...
إنه
لا يصفها
بالينابيع
لئلا تحمل
فقاعات هواء
(تُشير إلى
الحياة
الجوفاء)، ولا
بالبحر إذ ليس
فيها
اضطرابات أو
قلق، بل في
بساطة
الإيمان تعيش
بنظرة روحية
هادئة.
أما
اختيار مدينة
حشبون
فلأسباب
كثيرة منها:
أ.
"حشبون" تعني
"حساب"...
فالنظرة
المتسعة والبسيطة
لا تعني أن
يحيا الإنسان
بغير حساب أو
بدون تدقيق...
إنما بحكمة
يضع في
اعتباره حساب
النفقة.
ب.
مدينة حشبون،
تدعى حاليًا
"حسبان"، وهي
آثار مدينة
قائمة على تل
منعزل تبعد
حوالي ١٦ ميلا
شرق الأردن،
وحوالي تسعة
أميال شمال مادابا،
وهي قائمة ما
بين آرنون
وجابوك. هذه
المدينة
أتخذها سيمون
ملك
الأموريين
عاصمة لملكه
وأعطاها موسى
النبي
للرأوبيين،
وهي تقع على
الحدود
الفاصلة بين
أملاك رأوبين
وجاد (عد ٣٢: ٣٧،
يش ١٣: ٢٦). هي
إحدى مدن
الملجأ الستة
من الـ ٤٨
مدينة التي
أعطيت
للاويين (يش 21: ٣٧؛
١ أي ٦: ٦٦). كأن
عيني الكنيسة
أو بصيرة
المؤمن
الروحية،
كالبرك
الهادئة في
إحدى مدن
الملجأ، يلجأ
إليها الناس
فينعمون
بالمسيح يسوع
الملجأ الحقيقي[173].
ج.
كانت مدينة
حشبون عند
مفارق الطرق
الرئيسية تمر
عليها جموع
كثيرة، وهنا
إشارة إلى
انفتاح قلب
المؤمن على
الكثيرين
ليتمتعوا
بالسيد
المسيح
"الملجأ
الأبدي". لهذا
يكمل العريس حديثه
قائلاً: "عِنْدَ
بَابِ بَثِّ
رَبِّيمَ".
البث هو وحدة
قياس عند
اليهود
تستخدم للسوائل،
أما "ربيم"
فتعني "ابنة
الجموع"...
وكأن المؤمن
يصير ابنًا
لجموع كثيرة.
أو كأن
الإنسان وقد
تمتع ببصيرة
روحية يدعو
الجموع
لتشاركه هذه
البصيرة.
هذا
التعبير
يُشير إلى
شهامة
الكنيسة
وشجاعتها
المقدسة في
الحق، وعدم
خوفها من
الباطل، فإن
كانت وديعة
متواضعة
لكنها في نفس
الوقت قوية
وجبارة.
والأنف
أيضًا يُشير
إلى حاسة الشم
للتمييز بين
رائحة المسيح
الذكية
وأطاييب
العالم الزائلة.
فالمؤمن
الحقيقي له
أنف كالبرج يدرك
خلاله من هو
عدو ومن هو
صديق، يميز ما
هو للبنيان
وما هو للهدم.
أما اتجاهه
نحو دمشق البلد
التجاري
المهتم
بالزمنيات
فيُشير إلى جسارة
الكنيسة
واقتدارها
على مواجهة كل
تيار.
إن كان
المؤمن يلتزم
أن يكون له
مثل هذا الأنف،
فبالأكثر
الراعي يليق
به ألاَّ يكون
"أفطسًا" (لا ٢١:
٧–٢١). وكما
يقول البابا
غريغوريوس
(الكبير) [174]:
[الأفطس هو
الذي يعجز عن
التمييز،
فنحن نميز بحاسة
الشم الروائح
الذكية من
العفنة. إن
هذه الحاسة
تُشير حقًا
لحاسة
التمييز التي
نختار بها
الفضيلة
ونرفض
الرذيلة. لذلك
قيل في مدح
الكنيسة
العروس:
"أَنْفُكِ كَبُرْجِ
لُبْنَانَ".
فالكنيسة
المقدسة تدرك
تمامًا
بالتمييز
التجارب التي
تثار عليها بأسباب
متنوعة،
وتعرف مقدمًا
– من فوق برجها – معارك
الشر المزمعة
أن تحدث].
وَشَعْرُ
رَأْسِكِ
كالقرمز،
الملك
قَدْ حجز في
الشرفات"[175] [٥].
رأس الكنيسة
مرتفع
كالكرمل،
الجبل الذي
يرتفع إلى أقل
من ٢٠٠٠ قدم،
ليس في تشامخ
بشري واعتداد
مملوء عجرفة،
بل في قوة
النصرة على
محبة العالم
وكل عواصفه.
والكرمل
يعني "أرض
الحديقة"
أمتاز
بالخضرة
الكثيفة
والثمار
الكثيرة
والغابات[176]،
هكذا لا يظهر
رأس الكنيسة
فارغًا بل
مثمرًا، لا
تلهو فيها أية
أفكار باطلة،
إنما تحمل أعمالاً
مجيدة وتقدم
ثمارًا تشبع
الكثيرين.
جبل
الكرمل – كان
في الحدود الجنوبية
لأشير (يش ١٩: ٢٦)
– يحمل إلينا
ذكريات مجيدة
وفعالة. فهناك
وقف إيليا
النبي أمام
كهنة البعل
وكل الشعب
يطلب ألاَّ
يعرجوا بين
الفريقين:
فليعبدوا
الله أو
البعل!... وهناك
قُتل كهنة
البعل (١ مل ١٨: ١٧–٤٠)،
هكذا إذ ترتفع
الكنيسة نحو
السمويات لا
تعرف التعريج
بين محبة الله
ومحبة
العالم، إنما
تقتل في داخلها
كل انحراف نحو
الحق، وتقود
الكل بالحق.
على
رأس الكرمل
سجد إليليا
النبي وخر على
الأرض طالبًا
من الله أن
يعطي مطرًا
للأرض (١ مل ١٨: ٤٢–٤٦)،
وفي الكنيسة
يتعبد
المؤمنون
بانسحاق أمام الله
لكي يمطر على
القلوب الجافة
بمياه نعمته
حتى تلين
بالتوبة
وتأتي بالثمر
المطلوب...
وزار
تلميذه أليشع
النبي جبل
الكرمل (٢ مل ٢: ٢٥)،
حيث التقت به
الأرملة لكي
يُقيم لها
وحيدها من
الموت (٢ مل ٤: ٢٥)...
هذه
بعض ذكرياتنا
على جبل
الكرمل الذي
شُبهت به رأس
الكنيسة
المرتفع على
أعدائه (مز ٢٧: ٦).
أما الشعر فقد
رأيناه قبلاً
يُشير إلى
جماعة
المؤمنين. أنه
كالقرمز، وهو
لباس الملوك
كما يحمل رمز
دم السيد
المسيح
باتحادنا مع
العريس
الملك، صارت
كل الأعضاء
تحمل سمة
الملوكية
خلال تقديسها
بالدم الكريم.
أمام
هذا المنظر
الجميل
التقوى يقول
العريس: "الملك
قَدْ حجز في
الشرفات"
وكأنه لا يريد
أن يتركها.
هذا ما أكده
المرتل بقوله:
"الرب قد
أختار صهيون،
اشتهاها
مسكنًا له:
هذه هي راحتي
إلى الأبد.
ههنا أسكن" (مز
١٣٢: ١٣-١٤).
هذه هي
عظمتك في
لَّذَّاتِك:
قَامَتُكِ
هَذِهِ شَبِيهَةٌ
بِالنَّخْلَةِ
وَثَدْيَاكِ
بِالْعَنَاقِيدِ.
قُلْتُ
إِنِّي
أَصْعَدُ
إِلَى
النَّخْلَةِ
وَأُمْسِكُ
بسعفها العال.
وَتَكُونُ
ثَدْيَاكِ
كَعَنَاقِيدِ
الْكَرْمِ،
وَرَائِحَةُ
أَنْفِكِ
كَالتُّفَّاحِ.
وَحَنَكُكِ
كَأَجْوَدِ
الْخَمْرِ،
تسوغ
بلذة
لِحَبِيبِي
وتسيل عَلَى
شفتي
وأسناني" [٦–٩].
في
ختام وصفه لها
يُناجيها: ما
أجملك؟! ما
أحلاك؟!، حسب
النص الأصلي:
"كم صرتِ
جميلة؟!" فقد انسكب
جمال العريس
عليها،
بسكناه في
داخلها صارت
لها عذوبة
خاصة! امتزج
بثمرها الذي
يطلبه الرب
ويجده فيها.
لقد تطلع إلى
قامتها
فوجدها شبيهة
بالنخلة
وثدييها
بالعناقيد.
هوذا
قد ظهرت قامة
الكنيسة،
إنها كالنخلة
تمتاز بطولها
واستقامتها...
لقد ارتفعت
لتبلغ ملء
قامة المسيح
(أف ٤: ١٣). وكما
يقول المرتل:
"الصديق
كالنخلة
يزهو، كالأرز
في لبنان
ينمو" (مز ٩٢: ١٢).
لهذا رمز
للسبعين
رسولاً
بسبعين نخلة
(خر ١٥: ٢٧، عد ٣٣:
٩)، كما زين
بيت الله
بالنخيل (١ مل ٦:
٢٩، أي ٣: ٥، خر ٤٠:
٢٢، ٤١: ١٨)،
وفي الأبدية
يحمل
المؤمنون سعف
النخيل علامة
النصرة (رؤ ٧).
النخلة
بجذورها
الخفية
العميقة
تلتقي بينابيع
المياه
الحية، وهي
تقدم ثمرها
ظاهرًا ونافعًا
لكثيرين خاصة
في المناطق المقفرة...
ويستخدم
سعفها في
استقبال
الملوك يلوحون
بها علامة
الغلبة
والنصرة. وكأن
العريس السماوي
يرى في كنيسته
– خلال
تشبيهها
بالنخلة-
الاتحاد
الخفي العميق
معه، والثمار
المقدمة
للعالم
الجائع،
والحياة
الملوكية
المنتصرة
الغالبة!
يفرح
العريس
بعروسه
المثمرة، فيصعد
إلى النخلة
ليجني ثمارها.
إنه لم يرسل
أحد الخدم
ليجني له
الثمر، بل
يصعد بنفسه
ويقطف الثمار
بيديه، هنا
يعلن للنفس
البشرية
كرامتها
وعظمتها، فإن
كان من أجلها
قد نزل إلى
العالم ليتحد
بها، فالآن هو
يصعد عليها...
لقد ارتفعت
بعد أن كانت
ساقطة،
وبارتفاعها
مع عريسها إلى
سمواته
تشاركه
أمجاده، يرى
نفسه صاعدًا
على نخلته
يقطف ثمارها
التي هي في
الحقيقة من
صنع روحه
القدوس!
إنه
يمسك بسعفها
العالي...
وكأنه يرى في
نصرتها نصرة
له، وفي علوها
تمجيد لعمله
الخلاصي. نحن
نمسك بالسعف
لأننا بالرب
نغلب وننتصر.
وهو يمسك
بنصرتنا
لأنها لحسابه
ولمجد أسمه
القدوس. أنه
يفرح ويبتهج بكل
نصرة
نبلُغها!.
أما
أنواع الثمر
فهي:
أ.
يرى ثدييها
كعناقيد
الكرم... وقد
رأينا أن ثدييّ
الكنيسة هما
العهدان
القديم
والجديد، فإنهما
يبعثان روح
الفرح في حياة
المؤمنين.
ب.
يرى أنفها
كالتفاح... وقد
رأينا أن التفاح
رمزًا للتجسد
الإلهي،
وكأنها تشتم على
الدوام رائحة
الإله
المتجسد.
ج.
حلقها كالخمر
الجيد، يُشير
بكلمات الفرح
المستمر،
المستساغة
اللذيذة
الطعم التي
تجعل العريس
نفسه أيضًا
يفرح لفرحها،
فتظهر علامات
الفرح على
شفتيه
وأسنانه.
إذ
سمعت العروس
وصف العريس
ومديحه لها
أجابته: إن كل
ما قد وصفتني
به إنما هو منك
ولك يا حبيبي.
"أَنَا
لِحَبِيبِي
(لقريبي)،
وَإِلَيَّ
اشْتِيَاقُهُ"
[١٠].
في
الأصحاح
الثاني إذ
تطلعت العروس
إلى المصلوب
أدركت حبه
الذي خلاله
قدم الرب نفسه
لها كعريس
فقدمت هي
حياتها ملكًا
له... قائلة:
"حَبِيبِي
(قريبي) لِيّ
وَأَنَا
لَهُ،
الرَّاعِي
بَيْنَ
السَّوْسَنِ"
(٢: ١٦).
وفي
الأصحاح
الخامس تطلب
إليه أن يدخل
جنته أي قلبها
ليقبل حبها
له، ويتسلم
حياتها بكل طاقاتها
الداخلية
كاستجابة حب
لعمله معها،
قائلة: "أَنَا
لِحَبِيبِي
وَحَبِيبِي
لِيّ الرَّاعِي
بَيْنَ السَّوْسَنِ"
(٦: ٣). أما هنا
فقد ارتفعت
إلى الأبدية
لا لتقدم حياتها
له استجابة
لحبه وإنما
لتكشف على
مستوى العلانية
واللانهائية
مدى شوقه
إليها: "أَنَا
لِحَبِيبِي
وَإِلَيَّ
اشْتِيَاقُهُ".
كأنها تقول
له... لقد عرفت
سرّ مديحك
ليّ، إنك تطلبني
أكون معك ولك،
أكون موضع
شوقك إلى
الأبد!
في
هذه المرة لا
تقول: "حبيبي
ليّ" فقد
دُهشت أمام
بهجته بها
واشتياقه
نحوها... أنه
"يشتهي صهيون
مسكنًا له" (مز
١٣٢: ١٣)...
أمام
هذا الحب الذي
اكتشفته في
عريسها نحوها صارت
تُناديه:
وَلْنَبِتْ
فِي الْقُرَى.
لِنُبَكِّرَنَّ
إِلَى
الْكُرُومِ،
لِنَنْظُرَ
هَلْ
أَزْهَرَ
الْكَرْمُ؟!
هَلْ
تَفَتَّحَ
الْقُعَالُ؟!
هَلْ
نَوَّرَ
الرُّمَّانُ؟!
هُنَاكَ
أُعْطِيكَ
حُبِّي
(ثدييّ)" [١١-١٢].
إذ
أدركت العروس
محبته لها
أخذت تطلبه
ليخرجا معًا
وحدهما إلى الحقل
ويبيتا في
القرى بعيدًا
عن ضوضاء
المدينة،
ويقطفا من
الثمار...
الحقل:
أي
حقل هو هذا
الذي دعت إليه
حبيبها ليخرج
معها إليه؟
لعله حقل
العمل الإلهي
المتسع على مستوى
البشرية
كلها، هذا
الذي قال عنه
الرب نفسه:
"ارفعوا
أعينكم
وانظروا
الحقول أنها
قد ابيضت
للحصاد" (يو ٤: ٣٥)...
إن كان ربنا
نفسه يدعونا
للعمل، لكننا
لن نخرج
بدونه، بل معه
وبه لأنه هو
صاحب الكرم
وهو الذي يهبه
النمو. في هذا
يقول الرسول
بولس: "أنا
غرست وأبلوس
سقى لكن الله
كان ينمي.
إذًا ليس
الغارس شيئًا
ولا الساقي،
بل الله هو
الذي ينمي...
فإننا نحن
عاملان مع
الله وأنتم
فلاحة الله،
بناء الله" (١
كو 3: ٦-٩).
لقد
خرج قايين إلى
الحقل لكن في
غير معية الرب،
خرج وحده،
وهناك لم
يحتمل البار
هابيل بل قتله،
وحين عاتبه
الرب في جسارة
الشر أجاب:
"أحارس أنا
لأخي؟!" (تك ٤: ٩)،
ولعن الأرض
معه وبسببه:
"الآن ملعون
أنت من الأرض
التي فتحت
فاها لتقبل دم
أخيك من يدك.
متى عملت
الأرض لا تعود
تعطيك قوتها.
تائهًا وهاربًا
تكون على
الأرض". أما
العروس فترفض
أن تخرج إلى
الحقل إلاَّ
مع عريسها
وبه، فيتسع
قلبها بالحب
لأخيها،
وتشعر
بالمسئولية
نحوه، فتتبارك
الأرض بسببها.
ولعل
الحقل يذكرنا
باللقاء
المملوء حبًا
بين إسحق
وعروسه رفقة،
فقد خرج
ليتأمل في
الحقل عند
إقبال المساء
ورأى امرأته
مقبلة على
جمل... أما هي إذ
رأته نزلت عن
الجمل والتقت
به... هنا
العروس تشتاق
أن تخرج معه
إلى حقل
التأملات،
هناك يكشف لها
عريسها السماوي
أسراره
الإلهية،
وتدرك أمجاده
التي لا يُنطق
بها، يقبلها
عروسه إلى
الأبد وتعيش
هي في أحضانه
الأبدية.
ولعل
العروس تقصد
بالحقل "حياة
الجهاد المستمر"،
إذ يقول سفر
الأمثال: "من
يشتغل بحقله يشبع
خبزًا" (أم ١٢: ١١)...
فلا قدرة
للنفس على
الجهاد لتشبع
ما لم يعمل الرب
معها وفيها.
الخروج:
تقول
العروس "لنخرج..."
في
حديث السيد
لعروسه ومدحه
إياها اكتشفت
حقيقة لم تكن
قبلاً تدركها
في كمالها...
وهي أن الله
ليس بالفكرة
الصلدة
المنعزلة في
السماء، كما
قال عنه أرسطو
حرك العالم
وتوقف ليسيطر
عليه، لا بل
الله دائم
الحركة في
تعامله مع الإنسان.
الله حب غير
منعزل، خرج
إلينا تاركًا
أمجاده إلى
حين حتى لا نهابه
ونرهبه بل
نحبه ونقبله...
خرج إلينا
وحلّ بيننا.
من أجلنا صار
عبدًا! خرج
أيضًا خارج المحلة
يحمل عارنا
على كتفيه!
وهنا نراه
يخرج إلينا
فلا يكشف ذاته
لنا لنحبه
وإنما يعلن
فينا جمالاً
هو في حقيقته
انعكاس جماله
علينا وثمرة
محبته التي
تُحاصرنا.
والآن تستنجد
النفس به
قائلة
"لنخرج..."،
وكأنها قد
أدركت أنها
بدونه تبقى
حبيسة
"ذاتها"،
تعيش أسيرة قوقعتها
لا تطلب إلاَّ
ما لذاتها.
إنه توسُل بل
صرخة حب فيه
تترجى النفس
عريسها أن
يطلقها من
ذاتها لتعيش
معه في حقل
الحب، تطلب ما
لغيرها.
هذه
صورة حية
للحياة
الزوجية
الحقة، فلا
يطلب كل طرف
أن يأسر الآخر
في داخله،
يستهلكه لحساب
نفسه... إنما
وهو يفتح
القلب ليدخل
بالآخر إليه
ينطلق كلاهما
معًا في حب
وحدوي فيه
يقدر الآخر
ككائن حيّ
مستقل. بمعنى
آخر، كثيرًا
ما نرى أحد
الزوجين في
حبه للآخر
يطلب ما
لذاته، ويرى
في الطرف
الآخر ليس
شخصًا يعيش
معه على مستوى
المشاركة بل
"شيئًا" يفرح
به ويكتم
أنفاسه
ويستغله
لاشباع احتياجاته
النفسية
والاجتماعية
والبيولوچية.
في حبه للطرف
الآخر يخنق
إرادة الآخر
وحريته وإنسانيته...
ظانًا أنه
بهذا إنما
يحبه!.
هكذا
حين تفتح
العروس قلبها
للعريس ليدخل
إليها لا
تطلبه
"لتستهلكه"
إن صح هذا
التعبير، أو
كما يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم
"لتستغله"،
تُريد في
عريسها أن
تشكله حسبما تُريد،
يستجيب لكل
طلباتها
ويشبع كل
احتياجاتها
ويحل كل
مشاكلها
ويبارك كل
تصرفاتها
فحسب... لكن يليق
أن تخرج عن
ذاتها، تخرج
معه وبه فتطلب
منه ذاته
أولاً وتخضع
لارادته، وإن
سألته شيئًا وطلبت
حلاً
لمشاكلها أو
بركة لعملها
إنما كثمرة
للقائهما
معًا، لا
كغاية هذا
اللقاء. بمعنى
آخر: الله
أولاً في
حياتها... تحبه
لأجل ذاته لا
على مستوى
المنفعة!
لنبت في
القرى:
ما
هي هذه القرى
التي تود أن
تبت فيها مع
عريسها؟!
1.
لعلها تقصد
بالقرى
حياتها
الداخلية
بجوانبها
المتعددة،
وكأنها تقول
له هيا بنا من
مظاهر
المدينة
الخارجية
ولتدخل إلى
قلبي وفكري وعواطفي
وكل طاقاتي
الداخلية،
ولتبت معي
هناك، لنكشف
سويًا ثمار
روحك القدوس
المتنوعة في
داخلي، نجد
الكرم قد أزهر
والرمان قد نور
وثدييّ
يُقدمان لبن
الحب الخالص.
2.
لعله هنا
أيضًا دعوة
لخدمة القرى،
فإن الكثيرين
يهتمون بخدمة
المدينة
الغنية، لكن
العروس –
الكنيسة –
ملتزمة
بالكرازة
والرعاية داخل
القرى حيث
البسطاء
والفقراء
أيضًا.
3.
هنا الدعوة
للمبيت معه في
قرى
"متعددة"، أي
ترافقه من
قرية إلى
قرية، ولا
يستريح قلبها
في المدينة أو
في قرية ما،
بل تدخل مع
عريسها في حياة
الاتحاد خلال
خدمتها في كل
موضع... هكذا لا
يجد المؤمن
كمال راحته
حتى تطمئن
أعماقه الداخلية
على كل
البشرية. في
الأصحاح
الأول (١: ٦)
كانت النفس
تُعاتب بنات
أورشليم أنهن
أقمن إياها
حارسة
للكروم، أما
الآن فهي التي
تطلب التبكير
إلى الكروم
المتعددة...
لقد خرجت من
كل أنانية وكل
انغلاق لتبكر
إلى كروم
الآخرين تعمل
فيها مع الرب
الكرام
الأصيل.
والعجيب أنه
ليس فقط اتسع
قلبها لخدمة
الآخرين،
لكنها تتعجل
الخدمة:
"لتبكرن...".
لقد أدركت أن
الوقت مقصر
والأيام
شريرة (أف ٥: ١٦).
أخيرًا
تقول العروس "هُنَاكَ
أُعْطِيكَ
حُبِّي
(ثدييّ)"... هناك
في مجال
الخدمة، في
حقل الرب، في
القرى، في
الكروم حين
تُقدم
للبشرية
اتحادها مع
المسيح
عريسها إنما
تُقدم للرب
حبها، أو تقدم
ثدييها
(العهدين)،
تقدم كلمة
الله بكونه الغذاء
المشبع
للنفوس.
أخيرًا
تقول له:
وَعِنْدَ
أَبْوَابِنَا
كُلُّ
النَّفَائِسِ
(الثمار) مِنْ
جَدِيدَةٍ
وَقَدِيمَةٍ،
ذَخَرْتُهَا
لَكَ يَا
حَبِيبِي" [١٣].
اَللُّفَّاح
من أجمل
الزهور التي
تُشير إلى الوحدة
الزوجية بين
الرجل
وامرأته،
لهذا حدثت
بسببه مشاحنة
بين راحيل
وليئة (تك ٣٠: ١٤)...
ولكن العروس
تختم حديثها
بقولها لقد
فاحت رائحة
الحب الوحدوي
أو الزوجي بين
العريس السماوي
وعروسه، وحان
وقت كمال هذه
الوحدة.
هذه
الوحدة التي
ظهرت رائحتها
تحمل ثمارًا نفيسة
جاءت جديدة في
كل يوم وقديمة
أي أصيلة وعميقة...
هي ثمار كلمة
الله العاملة
في نفوس المؤمنين.
هذه الثمار
النفيسة ظهرت
عند أبواب المؤمنين
هم أعضاء في
العروس
المقدسة.
هذا
ما تقدمه
العروس الأم
للمسيح العريس
الأبدي... تقدم
ثمار أعضائها
بالروح القدس!
[171]
الترجمة
السبعينية.
[172]
الترجمة
السبعينية.
[173] راجع
مدن الملجأ ورموزها
لشخص السيد
المسيح في
كتيب "سفر
العدد"،
كنيسة الشهيد
مار جرجس
باسبورتنج، ص ٤٥،
٤٦ (للمؤلف).
[174]
المؤلف: الحب
الرعوي، طبغة ١٩٦٥،
ص ٦٥٧، ٦٥٨.
[175]
الترجمة
السبعينية.
[176] راجع
إش ٣٣: ٩؛ ٣٥: ٢؛
عاموس ١: ٢؛
ناحوم ١: ٤.