مجاعة
مهلكة
خلق
الله العالم
بكل إمكانياته
المدركة وغير
المدركة من
أجل سلام
الإنسان
وسعادته، حتى
يفرح كل بشر
بالله محبوبه،
متكأ عليه،
مشتاقًا أن
ينعم بشركة حب
أعمق. أما وقد
انشغل
الإنسان
بالعطية لا
العاطي استند
على "كل سند
خبز وكل سند
ماء" [1]. صار
الإنسان
يفتخر بغناه
وقدراته
وكثرة خبراته
وجماله عوض
افتخاره
بالرب
واتكاله عليه.
لهذا ينتزع
الله العطايا
ويحرم
الإنسان من
البركات
الزمنية، لا
للإنتقام منه
ولا لإذلاله أو
حرمانه وإنما
لكي يرجع
بقلبه إلى
الله مصدر حياته
وشبعه وسلامه
وفرحه ومجده
فينال في هذا
العالم
أضعافًا وفي
العالم الآتي
حياة أبدية؛
ينال الله
نفسه نصيبًا
له وميراثًا!
هنا
يُهدد النبي
بحدوث مجاعة
وحرمان
وتحطيم للإثنى
عشر عمودًا
التي تتكئ
عليها
الجماعة [للخبز
والماء،
الجبابرة
(القادرين)
ورجال الحرب،
القضاة،
الأنبياء،
العرافين،
الشيوخ،
رؤساء
الخمسين،
المعتبرين،
المُشيرين الماهرين
بين الصناع،
الحاذقين
بالرقي]. لقد
أنتزع الرب الموارد
الطبيعية
خلال المجاعة
والطاقات البشرية
خلال السبي
حتى يرجعوا
إليه.
1.
انتزاع سند
الخبز وسند
الماء
[1].
2.
انتزاع
القيادات
الناضجة
[2-15].
3.
انتزاع
إمكانيات
الترف
والتشامخ [16-26].
1.
انتزاع سند
الخبز وسند
الماء:
"فانه
هوذا السيد رب
الجنود ينزع
من أورشليم ومن
يهوذا السند
والركن وكل
سند خبز وكل
سند ماء" [1].
حين
يسمح الله
لأورشليم
ولبني يهوذا،
شعبه العروس،
أن تصير في
عوز إلى الخبز
والماء إنما يُحطم
السند والركن
لعلها تعود
فتفكر في
الاتكاء على
حبيبها (نش 8: 5)
لتجد فيه شبعها
وارتواءها.
لقد
انتزع الله من
شعبه رائحة
اللحم
والكُرَّات
والبصل
بإخراجهم من
مصر لكنه
وهبهم
المن السماوي
في البرية
وسار بهم إلى
أرض تفيض
عسلاً
ولبنًا؛
حرمهم من مياه
الترع ليُقدم
لهم الصخرة
التي تتبعهم
تفيض ماءً،
وكانت الصخرة
هي المسيح (1 كو 10:
4). الله يحرمنا
من السند
الزمني ليصير
هو سندنا وخبزنا
السماوي
والينبوع
الحيّ الذي
يروي نفوسنا
بكل طاقاتها.
هنا
يُهدد النبي
بحدوث مجاعة
كثمرة
للعصيان (لا 26،
تث 28)، وقد تحقق
ذلك في
التاريخ عند
خراب السامرة
وأورشليم.
ما هو
أخطر، حدوث
جوع لكلمة
الله كما جاء
في عاموس
النبي: "هوذا
أيام تأتي
بقول السيد
الرب أرسل
جوعًا في
الأرض لا
جوعًا للخبز
ولا عطشًا
للماء بل
لاستماع
كلمات الرب"
(عا 8: 11).
v (كلمة
الله) طعام
للنفس،
وحليها،
وآمانها، ففي
عدم الاستماع
لها مجاعة وحرمان!
القديس
يوحنا الذهبي
الفم[94]
2.
انتزاع
القيادات
الناضجة:
أقام
الله لشعبه
قيادات ناضجة
قادرة على العمل
مثل موسى
العظيم في
الأنبياء
وداود الملك البار
ودبورة
النبية
والقاضية
الخ... لكن
الشعب انحرف
مع قياداته
العسكرية
والقضائية
والمدنية
والروحية.
اتكلوا على
الذراع البشري
بقدراته
وفكره وظنوا
أنهم ينجحون
ويتقدمون
بالرغم مما
حلَّ بهم
وبقياداتهم
من فساد. لهذا
انتزع الله
منهم
القيادات
الناضجة الحكيمة
ليتركهم
يقيموا
لأنفسهم
قيادات ضعيفة
وعاجزة،
فيدركوا
حاجتهم إلى
العون الإلهي
حتى في التمتع
بقيادات حيّة
وقوية.
"(ينزع)
الجبار
(القدير) ورجل
الحرب؛
القاضي والنبي
والعرّاف
(المتدبر)
والشيخ، رئيس
الخمسين
والمعتبر
والمُشير
والماهر بين
الصناع والحاذق
بالرقية
(الحاذق في
الخطابة)" [2-3].
ربما
قصد
بانتزاعهم
ليس طردهم ولا
موتهم وإنما
تجريدهم مما
وهبهم من
قدرات
وإمكانيات، فيضعف
الجبابرة
وينهار رجال
الحرب أما
العدو ويفقد
القضاة
الحكمة وتفسد
بصيرة
الأنبياء الكذبة
الخ... بهذا
يجني الشعب
ثمرة اتكاله
على الذراع
البشري، إذ
يجد نفسه
منهارًا في
الداخل
والخارج.
هذا ما
يحل بالإنسان
الرافض لعمل
الله فيه؛ تُنزع
النعمة
الإلهية
(القدير) عنه؛
ويُحرم من الشركة
مع السمائيين
(رجال الحرب
الروحيين) ليجد
نفسه بلا عون
إلهي ولا سند
سماوي؛ ويفقد
مواهب الروح
من حكمة
(القاضي)
وتمييز
(النبي)، ولا
يستطيع أن
يأخذ قرارًا (انتزاع
المتدبر
والشيخ)؛
ويشعر بالفشل
حتى في عمله
الزمني
(انتزاع
الماهر في
الصناعة)؛ ويعجز
حتى عن الكلام
(انتزاع
الحاذق في
الخطابة).
بمعنى آخر
يفقد الإنسان
حياته
وقدراته حتى الطبيعية
ليعيش في فراغ
داخلي وفساد
وفشل بالرغم
مما يحمله من
مظاهر القوة
والحكمة والغنى
والنجاح.
والآن
إذ ينتزع الله
القيادات
الناضجة ويفقد
الإنسان نعمة
الله، ماذا
يحدث؟
أ.
"وأجعل
صبيانًا
رؤساء لهم
وأطفالاً
تتسلط عليهم"
[4].
حين ملك
رحبعام بن
سليمان قَبِل
مشورة الأحداث
المتسرِّعة
العنيفة
والمتطرفة
ورفض مشورة
الشيوخ
الحكيمة
المتزنة والمملوءة
حبًا وترفقًا
(1 مل 12)، فانقسم
الشعب وحلت الحروب
الداخلية بين
الأسباط،
وسادت العداوة
عوض الحب
والوحدة.
الله
محب للشباب،
يسندهم ويطلب
نموهم المستمر،
لكن ماعناه
هنا بالصبيان
والأطفال هو
عدم النضوج
الروحي
والفكري. لقد
كان يوحنا
المعمدان
جنينًا
ناضجًا روحيًا،
شهد للسيد
المسيح وهو
بعد في أحشاء
البتول مريم،
بينما كان
كثير من
الكتبة
والفريسيين
والصدوقيين
والكهنة
ناضجين من جهة
السن دون
الروح،
فكانوا
يسلكون
كصبيان،
يطلبون قتل
السيد المسيح
والتخلص منه.
هكذا نرى في
تاريخ شعب
الله منذ
نشأته حتى
اليوم كثير من
الشباب قادة
ناضجين بينما
نجد رجالاً
وشيوخًا سلكوا
بروح الطفولة
غير الناضجة.
لذا يوصى الرسول
جميع
المؤمنين:
"كونوا
رجالاً" (1 كو 16:
13)، بمعنى
النضوج
والقوة
الروحية، إذ
يليق بكل المؤمنين:
رجالاً
ونساءً
وأطفالاً
وشيوخًا وشبابًا
أن يكونوا من
جهة الروح
رجالاً ناضجين.
يُعلق العلامة
أوريجانوس
على إحصاء
الشعب الوارد
في عدد 1 إذ شمل
الرجال دون
الأطفال أو
النساء
قائلاً:
[يُعلمني النص
الحالي أنه
إذا اجتذت
سذاجة
الطفولة، أي
توقفتُ عن أن
يكون لي أفكار
الطفولة، إذ
"لما صرت
رجلاً أبطلت
ما للطفل" (1 كو 13:
11)، أقول قد صرت
شابًا قادرًا
على الغلبة
على الشرير (1
يو 2: 13)، فظهرت
كمستحق أن
أكون بين
الذين قيل
عنهم إنهم يسيرون
في قوة...
وأُحسب أهلاً
للتعداد
الإلهي. لكن
إن كان لأحد
منا أفكارًا
جسدانية
متأرجحة... فلا
يستحق أن
يُحصى أمام
الله
في
سفر العدد
الطاهر
والمقدس[95]].
ربما
يُشير إشعياء
النبي إلى
منسي الذي
تولى الحكم
وهو في سن
الثانية عشرة
عندما مات
والده حزقيا.
ب.
"ويظلم الشعب
بعضهم بعضًا
والرجل
صاحبه، يتمرد
الصبي على
الشيخ والدنئ
على الشريف" [5].
علامة فقدان
القيادات
السليمة
الناضجة اختلال
الموازين
فيسود قانون
الظلم ويحل
روح الفوضى في
حياة الجماعة
كما في داخل
الإنسان. إذ
لا توجد قيادة
صادقة ومخلصة
يطلب كل إنسان
ما لِذاته على
حساب الغير،
ويحسب كل واحد
أنه أحكم
وأفضل من
غيره.
أقول
حينما يفقد
الإنسان
قيادة الروح
القدس يحل في
داخله قانون الأنانية
والظلم
والتمرد،
فيدخل في
صراعات بلا
حصر بين النفس
والجسد وبين
العقل والعاطفة
والحواس،
ويتمرد الجسد
على النفس
ليمتطى حياة
الإنسان
بكُلّيته
ويقودها في
شهوات جسدية
مع خنوع
واذلال
للملذات
الزمنية.
ج. الدخول
في حالة يأس
شديد، خلالها
يرفض أي إنسان
استلام
مسئولية،
فيمسك كل
إنسان بأخيه
ويقول له: "لك
ثوب" علامة
قبوله
رئيسًا، لأن
تسليم الثوب
للغير هو رمز
لتسليم
الإنسان جسده
تحت قيادة
الغير. لكن
بسبب ما حلّ
بالبلد من
خراب مع عجز
الجميع عن
التصرف يقول
كل واحد: "لا
تجعلوني رئيس
شعب" [7]،
معللاً ذلك
بقوله: "لا أكون
عاصبًا (اضمد
الجراحات) وفي
بيتي لا خبز ولا
ثوب" [7]. هكذا
صار الكل في
جوع وعري، فمن
يقبل الرئاسة؟
من يقدر أن
يضمد جراحات
شعب كهذا
بينما هو نفسه
لا يجد طعامًا
أو ملبسًا؟
هذا ثمر طبيعي
لمن يطلب
مخلصًا
بشريًا يظن
أنه قادر على
انقاذه
وقيادة حياته
دون الالتجاء
إلى المخلص
الإلهي
الفريد. يقول
المرتل: "لا
تتكلوا على
الرؤساء ولا
على بني آدم
حيث لا خلاص
عنده" (مز 146: 3).
د. فقدان
الحياء
ومخافة الله،
إذ صار لهم
الوجه المكشوف
الذي لا يخجل
من ارتكاب
الشر: "يُخبرون
بخطيتهم
كسدوم، ولا
يخفونها" [9].
بلغت الخطورة
أن أورشليم
انحدرت في
عثرات متكررة
لا عن ضعف أو جهل
وإنما عن عمد
لإغاظة الرب [9].
ترتكب الشرور بالقول
والفعل بلا
خجل أو حياء.
هذه هي صورة العالم
في العصر
الحديث إذ
يشعر كثير من
الشباب أن ما
يمارسه من
انحرافات في
كل صورها هو
حق طبيعي
للإنسان.
يقول: "نظر
وجوههم يشهد
عليهم" [9]، فإن
مجرد التطلع
إلى وجوههم
يكشف عن بصمات
الخطية
وحرمانهم من
عمل النعمة
عنهم، وكما يقول
الكتاب:
"أولاد الله
ظاهرون
وأولاد إبليس"
(1 يو 3: 10).
إن كان
الأشرار
ظاهرين وقد
صاروا أغلبية
لكنه توجد قلة
مقدسة للرب،
لن يتجاهلها
الله، لا تضيع
ولا يصيبها
ضررًا، لذا
يقول النبي: "قولوا
للصديق خير،
لأنهم يأكلون
ثمر أفعالهم"
[10]. في وسط
الضيق الشديد
يحفظ الرب
صديقيه، ويحوّل
كل الأمور
التي تحل بهم
إلى خيرهم
ومجدهم. لقد
عانى يوسف
الصديق
الكثير،
وكانت أتعابه هي
بعينها طريق
مجده؛ فنراه
يقول لاخوته:
"أنتم قصدتم
لي شرًا، أما
الله فقصد بي
خيرًا" (تك 50: 20).
الله
لا يُهلك
البار مع
الأثيم (تك 16: 25)،
إنما يحفظ
أبراره وقت
التجربة،
يخفيهم في
مظلته في يوم
الشر ويسترهم
بستر خيمته
(مز 27: 5)، يعرفهم
إذ نقشهم على
كفه (إش 49: 16).
يُعلق القديس
يوستين على
قول النبي: "ويل
لنفوسهم
لأنهم يصنعون
لأنفسهم
شرًا، قولوا
للصديق خير،
لأنهم يأكلون
ثمر أفعالهم"
[9-10]: [حقًا إن
يدكم مرتفعة
لارتكاب الشر
لأنكم قتلتم
المسيح ولا
تتوبون، إنما
لا تزالوا
تكرهون
وتقتلون من
يؤمنون به في
الله أب الكل قدر
ما تستطيعون،
وتلعنوننا
دون سبب،
وتفعلون هكذا
مع الذين
يقفون في
صفنا. أما نحن
فجميعنا
نُصلي لأجلكم
ولأجل كل
البشر كما
علمنا مسيحنا
رب الكل عندما
أمرنا أن
نُصلي حتى من
أجل أعدائنا
وأن نحب
مبغضينا
ونبارك
لأعنينا[96]]. ويقول القديس
كيرلس
الأورشليمى: [قيدوا
يسوع وجاءوا
به إلى قاعة
رئيس الكهنة. أتُريد
أن تعرف أن
هذا أيضًا قد
كُتب عنه ونُطق
به؟ يقول
إشعياء: "ويل
لنفوسهم
لأنهم يصنعون
لأنفسهم شرًا
قائلين:
لنُقيد البار
فإنه مسبب
متاعب لنا"[97]].
لقد
ظنوا أنهم
يصنعون
بالبار شرًا
لكنهم كانوا
يصنعون ذلك
لأنفسهم
فيجنون ثمر
عملهم لا كعقوبة
إلهية
للانتقام
وإنما كثمر
طبيعي لتصرفاتهم
وحياتهم. "ويل
للشرير شر،
لأن مجازاة
يديه تعمل به"
[11]. "ما يزرعه
الإنسان إياه
يحصد" (2 كو 9: 6).
هـ. حب
السلطة لا
رعاية الحب:
الرؤساء
الحقيقيون
أشبه بآباء
يحتضنون الكل
أبناء لهم،
يقدمون
حياتهم
مبذولة من أجل
الشعب، لكن
متى أُنتزعت
نعمة الله
يتحول الرؤساء
- حتى
الدينيون -
إلى متسلطين،
لا همّ لهم
سوى الدفاع عن
مراكزهم
وسلطانهم
بتبريرات
متنوعة تحت
ستار الدفاع
عن الحق وهيبة
المراكز
القيادية
والقدرة على
بتر الشر.
هؤلاء يتحولون
من آباء
باذلين إلى
أطفال صغار
تسيطر عليهم
"الأنا"، أو
إلى ما هو
أشبه بنساء
(رمز للضعف
الجسماني)
يطلبون
السيطرة، إذ
يقول: "شعبي
ظالموه
أولاد، ونساء
يتسلطن عليه.
يا شعبي
مرشدوك مضلون
ويبلعون طريق
مسالكك" [12].
يرى
بعض الدارسين
أن هذا تحقق
حرفيًا إذ
تسلم بعض
الصبيان
الملك في
يهوذا وقامت
بعض النساء
بأدوار خطيرة
في تدبير
الأمور. أما
من الجانب
الرمزي
فالمرشدون
هنا خاصة
الكهنة
والأنبياء
تسلط عليهم
روح التهور
وحب السيطرة،
فانحرفوا عن
الحب الحقيقي
والرعاية
الأمينة.
هؤلاء في
نفاقهم
يقولون
للشرير أنت
صِدّيق (أم 24: 24).
وكما يقول
الحكيم: "صار
موضع الحق
هناك الظلم،
وموضع العدل
هناك الجور"
(جا 3: 16).
وسط
هذا الفساد
خاصة من جانب
القيادات
يتدخل الله من
أجل البسطاء
في شعبه،
فينتصب
لمحاكمتهم
بكونهم
الكرامين
الذين أكلوا
الكرم عوض
الاهتمام به،
موبخًا إياهم
هكذا: "ويل
لرعاة
إسرائيل
الذين كانوا
يرعون
أنفسهم؛ ألا
يرعى الرعاة
الغنم؟!
تأكلون الشحم
وتلبسون
الصوف
وتذبحون
السمين ولا
ترعون الغنم"
(حز 34: 2-3). يسلبون
حقوق
البائسين كما
سلبت ايزابل حقل
نابوت
اليرزعيلي (1
مل 21)؛ يسحقون
الشعب
ويطحنون وجوه
البائسين [15].
3.
انتزاع
إمكانيات
الترف مع
التشامخ:
بعد
الحديث عن
محاكمة
القيادات
الفاسدة بدأ الحديث
عن بنات صهيون
المتشامخات،
لعلهن كن وراء
فساد هذه
القيادات. فقد
نسيت بنات
صهيون انتسابهن
لصهيون وللرب
وسلكن
كالوثنيات في عجرفة
مع ترف ولهو.
يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم: [لم توجه
هذه الكلمات
إليهن وحدهن
وإنما هي موجهة
إلى كل امرأة
تتشبه بهن.
يقف بولس
أيضًا كمتهم
فيقول
لتيموثاوس
ألا تكون زينة
النساء "بضفائر
أو ذهب أو
لآلئ أو ملابس
كثيرة الثمن"
(1 تى 2: 9). فإن لبس
الذهب ضار في
كل موضع خاصة
عندما تدخل
(المرأة)
الكنيسة
وتجتاز أمام الفقير.
أتريد أن
تكوني موضع
اتهام؟ احملي
مظهر القسوة
وعدم
الإنسانية[98]].
يرى القديس
يوحنا الذهبي
الفم أن
حياتنا هي وقت
للجهاد
الروحي لا
للترف في الملبس
والتشامخ في
المشي[99]. يليق بنا
الآن أن نجاهد
كما فمعركة
روحية فلا
نهتم
بالمظاهر
الخارجية
إنما بنوال
النصرة
والغلبة
فسيأتي حتمًا
وقت المجد
العلني.
مرة
أخرى يُطلبنا
ذات القديس أن
نركز أنظارنا
على مسيحنا
فنهتم
بالزينة
الداخلية
اللائقة به
ولا نطلب
الأمور
الظاهرة. [لك
المسيح عريسك
أيتها
العذراء،
فلماذا
تطلبين أن
تجتذبي
محبوبين
بشريين؟![100]].
يُقدم
لنا النبي بعض
ملامح
الخلاعة التي
اتسمت بها
بنات صهيون:
أ.
التشامخ: "وقال
الرب من أجل
أن بنات صهيون
يتشامخن ويمشين
ممدودات
الأعناق..." [16].
لقد سيطر
الكبرياء
عليهن فصرن
متشامخات، يمشين
ممدودات
الأعناق بعد
أن نسين
آباءهن وأمهاتهن
الذين انحنت
أعناقهن تحت
نير العبودية
في مصر.
"قبل
الكسر
الكبرياء،
وقبل السقوط
تشامخ الروح،
تواضع الروح
مع الودعاء خير
من قسم
الغنيمة مع
المتكبرين"
(أم 16: 18-19).
ب.
الغمز
بالعيون [6]:
انشغلن
بأصطياد قلوب
الرجال
وأسرها كثمرة
طبيعية لفراغ
القلب الداخلي،
فنصبن
بعيونهن
شباكًا
للموت، إذ
يقول الحكيم:
"فوجدت أمرّ
من الموت
المرأة التي
هي شباك
وقلبها أشراك
ويداها قيود،
الصالح قدام
الله ينجو
منها" (جا 7: 26).
وجاءت
كلمة
"غامزات" في
الأصل بمعنى
يُجمّلن
عيونهن
بمسحوق أسود،
إذ كان
الشرقيون
مغرمين
بالعيون
الواسعة
المحاطة
بدائرة سوداء[101].
ج.
الخلاعة في
المشي: "خاطرات
في مشيهن،
يخشخشن
بأرجلهن" [16]،
دلالة على
فساد القلب
الداخلي.
يمشين في عجب
وخيلاء ويضعن
"خلاخيل" في
أرجلهن أو
أجراسًا في
أحذيتهن للفت
النظر إليهن.
ماذا
يفعل الرب
بهؤلاء
البنات
المتعجرفات السالكات
في لهو وترف؟
أ. "يُصلّع
الرب هامة
بنات صهيون
ويعري الرب
عورتهن" [17].
الصلع أو
القرعة
بالنسبة
للفتاة علامة
القبح
الشديد، فقد
وهب الله
المرأة الشعر
تاج مجد لها
لتعيش مكرمة
ومحبوبة في
الرب، يُعجب
بها رجلها
ويحبها
ويكرمها
فتشاركه
الحياة الأسرية
على قدم
المساواة،
بكونها الجسد
الذي لا يستغنى
عنه الرأس.
لكنها إذ تخرج
عن الناموس
الطبيعي بروح
الكبرياء
واللهو تفقد
حتى جمالها الطبيعي
وكرامتها
فتصير كمن
أُصيبت بقرع.
تعرية
عورتها كناية
عن كشف فساد
طبيعتها، أو إشارة
إلى عُريها،
ليس من يبسط
ذيله عليها ويستر
حياتها
ويهبها اسمه
لتحتمي فيه
وترتبط به.
هذه هي
حالة النفس
البشرية
الساقطة
بالكبرياء،
إذ تفقد عطايا
الله لها،
وينفضح فساد
طبيعتها
فتصير بلا
جمال ولا قوة
ولا كرامة،
تسخر بها أتفه
الخطايا
ويلهو بها
مجرد الخيال
وأحلام
اليقظة.
ب.
انتزاع كل
مظاهر الغنى
والزينة من
خلاخيل وضفائر
وأهله وحلقان
وأسوار
وبراقع
وعصائب
وسلاسل
ومناطق
وحناجر الشمامات
(خمارات -
طُرَّح)
واحراز
ومرائي (ملابس
شفافة
للإثارة
الجسدية)
وقمصان (ملابس
داخلية غالية)
وعمائم وأزُر.
هكذا
ينزع عنها
الزينة
الخارجية
والملابس الداخلية
لتصير في عرى
وقبح... لعلها
ترجع إلى الله
وتطلب أن يستر
عليها بنفسه
فيصير الرب
نفسه ملبسها
الساتر عليها
(غل 3: 27؛ كو 3: 10).
يسمح
الله بهذا
التأديب
لبنات صهيون
لكي تجد في
المخلص سرّ
زينتها
ومجدها.
هنا
يُشير إلى ما
يحل ببنات
صهيون خلال
السبي، إذ
يقول:
"فيكون
عوض الطيب
عفونة" [24]؛ بعد
أن كن منشغلات
بالطيب والروائح
الذكية،
ينفقن الكثير
على ذلك، سُبين
بواسطة العدو
وحُملن إلى
أرض غريبة
ينهمكن في
العمل دون
راحة فتصير
رائحة العرق
كريهة. هذا ما
حدث فعلاً،
أما من الجانب
الروحي فإن النفس
المتكبرة
تفقد زينتها
الخارجية
المخادعة
فتنكشف عفونة
طبيعتها
وفقرها
وعريها، لعلها
تشعر بالحاجة
إلى من يخلصها
ويشبعها. وكما
قيل لملاك
(أسقف) كنيسة
اللاودكيين:"
لأنك تقول إني
أنا غنى وقد
استغنيت ولا
حاجة لي إلى
شيء ولست تعلم
أنك أنت الشقي
والبائس
وفقير وأعمى
وعريان،
أُشير عليك أن
تشتري مني
ذهبًا مُصفى
بالنار لكي
تستغنى،
وثيابًا
بيضًا لكي
تلبس فلا يظهر
خزي عريتك،
وكحل عينيك
بكحل لكي تبصر
(رؤ 3: 17-18).
يتحدث القديس
غريغوريوس
النزينزى عن
تقديس حاسة
الشم فينا حتى
لا يتحول طيب
الروح القدس
فينا عنا
فتصير لنا
عفونة
طبيعتنا الذاتية،
قائلاً:
[لنُشفى أيضًا
من جهة الشم...، وبدلاً
من أن يسكب
علينا التراب
عوض الروائح
الذكية
فلنشتم رائحة
المسحة التي
سُكبت علينا
التي
تقبلناها
روحيًا
فشَّكلتنا (من
جديد)
وغيرّتنا،
فتخرج منا رائحة
زكية[102]].
يقول
النبي "عوض
المنطقة حبل"
[24]، بعد أن
كانت بنات
صهيون
يتمنطقن
بمناطق ذهبية
مزخرفة
ومُرصّعة
بحجارة كريمة
رُبطن بالحبال
لسحبهن إلى
السبي
كمذلولات.
صورة مؤلمة
تكشف عن ثمر
الخطية!
"وعوض
الجدائل قرعة"،
كعلامة
للإذلال يُقص
شعر الشريفات
ليظهرهن
قبيحات.
"عوض
الديباج زنار
المسح، وعوض
الجمال كيّ" [24]...
هكذا صارت
ملابسهن
المسوح عوض الثياب
الفاخرة وظهر
الكيّ على
جبائهن أو أيديهن
علامة
العبودية... إذ
كان العبيد من
الجنسين
يُختمون بختم
معين بالكيّ
ليعرف السيد من
هم له.
في
أختصار عبّر
عن تحطيم
حياتهن
تمامًا لاتكالهن
على المظاهر
الخارجية
وعلى الذراع
البشري، لذا
يقول: "رجالك
يسقطون
بالسيف،
وأبطالك في
الحرب، فتئن
وتنوح
أبوابها وهي فارغة
تجلس على
الأرض" [25-26]. مات
الرجال
وسُبيت
النساء وصارت
المدينة العظيمة
كما في فراغ!
[94] In Matt. Hom 2:10.
[95] In Num. Hom 1.
[96] Dial. With Trypho 133.
[97] Cat. Lect, 13:12.
[98] In 1 Tim. Hom. 8:3.
[99] In 1 Tim. Hom 8.
[100] Ibid.
[101] Bultema, p. 70.
[102] Oration on the Holy Baptism 38.