نشيد
الكرمة
في
الأصحاح
السابق تلامس
إشعياء النبي
مع محبة الله
الفائقة نحو
شعبه
والمعلنة
خلال التجسد
الإلهي من أجل
تقديس
البشرية بروح
القضاء وروح
الإحراق...
بهذا انفتحت
بصيرة النبي
على حب الله لعروسه
أو لكرمه فصار
يتغنى بنشيد
الكرمة، أو
نشيد الحبيب
للكرمة
المشتهاة.
1.
رعاية الله
لكرمه
[1-2].
2.
محاكمة بين
الله وكرمه
[3-7].
3. عرض
تفصيلي
لخطايا
إسرائيل
[8-23].
4. تأديب
إلهي
[24-25].
5. الغزو
الآشوري
[26-30].
1.
رعاية الله
لكرمه:
"لأنشدنَّ
عن حبيبي نشيد
مُحِبِيَّ
لكرمه. كان
لحبيبي كرم
على أكمة
خصبة، فنقبه
ونقي حجارته
وغرسه كرم
سورق وبنى
برجًا في وسطه
ونقر فيه
أيضًا معصرة،
فانتظر أن
يصنع عنبًا
فصنع عنبًا
رديًا (بريًا)"
[1-2].
يعلن
هذا النشيد
قصة الحب
الإلهي، حيث
أحب الله
الإنسان ولا
يزال يحبه
ويرعاه،
ويبقى الله
مستمرًا في
حبه بينما
يًقابل
الإنسان الحب بالجفاف.
تحققت هذه
القصة مع
أبوينا
الأولين آدم
وحواء،
وتحققت أيضًا
مع شعب الله
في بداية
نشأته، إذ
يقول موسى
النبي: "إن
قِسْمَ الرب
هو شعبه،
يعقوب حبل
نصيبه؛ وجده
في أرض قفر
وفي خلاء
مستوحش
خَرِب؛ أحاط
به ولاحظه
وصانه كحدقة
عينه" (تث
32: 9-10).
أخرج الله
شعبه من
العبودية لا
ليهبه الأرض التي
تفيض عسلاً
ولبنًا فحسب
وإنما ليقيم
كنيسة العهد
الجديد التي
تملأ الأرض
كلها، تنعم
بملكوت الله
الداخلي،
وكما يقول
المرتل:
"كرمةَ من مصر
نقلتَ، طردت
أممًا
وغرستها،
هيأت قدامها
فأصَّلتْ
أصولها،
فملأت الأرض" (مز 80: 8-9).
واضح
أن "الكرمة"
هنا تُشير
إلى الشعب
كله: مملكة
إسرائيل
ويهوذا؛
فماذا قدم
الرب لشعبه
المحبوب
لديه؟
أ.
أقامهم على "أكمة
خصبة" [1]، إذ
دخل بهم إلى
كنعان التي
تفيض لبنًا
وعسلاً، فما
يحل من جفاف
وما يحدث من
مجاعات لا يرجع
إلى طبيعة
الأرض أو ظروف
المنطقة إنما
هو ثمر لخطايا
الشعب.
أقام
الله كنيسة
العهد الجديد
على أكمة خصبة،
فقد رفع قلبها
كما إلى
السماء لكي
يتمتع
أبناؤها بدسم
الحياة
السماوية،
فيشبعون ولا
يعتازون إلى
شيء.
ب. "نقبه
(سيَّجَ حوله)"
[2]، هذا
السياج هو
الناموس الذي
أحاط به الرب
شعبه قديما
حتى لا يختلط
بالأمم
الوثنية
المحيطة به
فينقل عنهم
الرجاسات.
وكما يقول القديس
يوحنا الذهبي الفم:
[الشريعة هي
سياج، صُنعت
من أجل الأمان
(إش 8: 20)[107]]. يرى القديس
أمبروسيوس
أن السور هو
"العناية
الإلهية بحفظ
الكرم من هجوم
الوحش الروحي"[108].
ويرى القديس
جيروم أنه حراسة
الملائكة[109].
ج. "ونقَّى
حجارته" [2]:
تُشير
الحجارة إلى
العبادة
الوثنية حيث
كانت الأصنام
الحجرية، هذه
التي أنتزعها
الرب من وسط
شعبه أو انتزع
شعبه منها
ليعيش الكل في
حياة تقوية
لائقة. كما
تُشير
الحجارة
أيضًا إلى طبيعة
القسوة
والعنف التي
يريد ربنا
يسوع أن ينتزعها
من كل قلب
بعمل روحه
القدوس. جاء
على لسان
حزقيال النبي
"انزع قلب
الحجر من
لحمهم وأعطيهم
قلب لحم" (حز 11: 9). هذا
القلب الجديد
والروح
الجديد (حز 36: 26)
إنما يتحقق
بنوالنا
الميلاد
الروحي
الجديد في مياه
المعمودية
المقدسة. يقول
القديس
كبريانوس: [إنها
المعمودية
التي فيها
يموت الإنسان
القديم ويولد
الإنسان
الجديد كما
يعلن الرسول مؤكدًا
أنه خلصنا
بغسل التجديد
(تى 3: 5)[110]].
د. "غرسه
كرم سورق
(كرمًا
مختارًا)" [2]، أي
غرسه كرمًا من
أفضل أنواع
الكروم، كشعب
مختار نال
عهدًا مع
الله، لكي
يحمل "الحق"
فيه، كقول
الرب: "وأنا قد
غرستك كرمة
سورق زرع حق
كلها، فكيف
تحولت لي سروغ
جفنة غريبة؟!"
(إر 2: 21).
أما
بالنسبة
لكنيسة العهد
الجديد فقد
جاء "الحق"
نفسه، كلمة
الله المتجسد
ليُقدم نفسه كرم
يحملنا فيه
أغصانًا حية
تأتي بثمر
كثير (يو 15: 5).
هـ. "وبنى
برجًا في وسطه"
[2]،
يسكن فيه صاحب
الكرم أو
الرقيب
لحراسة الكرم
من هجمات
اللصوص
والحيوانات
المفترسة. يرى
بعض الدارسين
أن البرج هو
جماعة
الأنبياء والكهنة
وكل القيادات
الروحية
والمدنية
التي كان يجب
أن تسهر على
الرعية
وتحفظها من
الثعالب
الصغيرة
المفسدة
للكروم.
في
العهد الجديد
البرج هو مذبح
الرب الذي يُقام
داخل النفس،
عليه يقدم
المؤمن
صلواته وأصوامه
وعطاياه وكل
حياته ذبيحة
محرقة للرب، خلال
اتحاده
بالمسيح
الذبيح. خلال
هذا البرج الروحي
تُحفظ كنيسة
المسيح في كل
قلب قوية
وفعّالة، حيث
يتمتع
المؤمنون بشركة
واتحاد مع
الرب نفسه.
و. "ونقر
فيه معصرة" [2]،
لعصر العنب
وعمل خمر الحب
الذي يقدم
للفرح الروحي.
ما هذه
المعصرة
إلاَّ صليب
ربنا يسوع المسيح
الذي اجتاز
المعصرة وحده
ولم يكن معه أحد
من الأمم (إش 63: 3).
قدم دمه
المبذول خمر
حب يفرح كل
قلب مؤمن.
يقول القديس
أمبروسيوس: [حفر
معصرة، لأن
أسرار آلام
المسيح تبدو
كالخمر
الجديد... وقد
ظن الجمع أن
التلاميذ
سكارى حين
نالوا الروح
القدس (أع 2: 13).
حفر حوض معصرة
لكي يُسكب فيه
الثمر
الداخلي[111]].
يقول القديس
ايريناؤس: [غرس
الله كرم
الجنس البشري
عندما خلق آدم
أولاً واختار
الآباء، ثم
أودعه في أيدي
الكرامين
عندما أقام
التدبير
الموسوي،
وسيَّج حوله بتقديم
تعاليم خاصة
بعبادتهم له،
وبنى برجًا
باختياره
أورشليم،
وحفر معصرة إذ
أعدَ وعاء
للروح النبوي.
وهكذا أرسل
أنبياء قبل سبي
بابل ثم
أنبياء أكثر
(أثناء السبي
وبعده) يطلب
الثمار[112]...].
ماذا
قدم الكرم
لصاحبه؟
"فانتظر
أن يصنع عنبًا
فصنع عنبًا
رديًا (بريًا)"
[2].
أنتظر الرب أن
يجتني حُبًا
مقابل الحب،
وتربة وندامة
مقابل غفران
خطاياه، لكنه
وجد قلوبًا
متحجرة لا
تصنع ثمارًا
تليق بالتوبة.
الكل زاغوا
وفسدوا
وأعوزهم مجد
الله، لذا كان
يليق بكلمة
الله أن ينزل
إلينا ككرم
جديد، هو وحده
يغرسنا فيه
فنأتي بثمر
كثير (يو 15: 5).
v عندما
يقول: "أنا هو
الكرمة الحقيقية"
(يو
15: 1)
يميز نفسه دون
شك عن تلك
التي وجه
إليها الكلمات:
"كيف تحولت لي
سروغ جفنة
غريبة؟" (إر 2: 21)، إذ
كيف يمكن
لكرمة حقيقية
يُنتظر أن
تصنع عنبًا
فصنعت شوكًا؟![113].
v انتظرت
أن تصنع ثمرًا
فوجدت خطية[114].
القديس
أغسطينوس
v اشتقت
أن تعطى
(الكرمة)
خمرًا فأخرجت
شوكًا. ها
أنتم ترون
الإكليل الذي
أتزين به.
القديس
كيرلس
الأورشليمي[115]
2.
محاكمة بين
الله وشعبه:
ليس
أصعب من أن
يدخل كائن ما
في محاكمة مع
ابن محبوب
لديه، لكن
أمام قساوة
قلب الإنسان
وجحوده طلب أن
يقف أمام شعبه
للحوار،
متسائلاً: "ماذا
يُصنع أيضًا
لكرمي وأنا لم
أصنعه؟!" [4].
والعجيب أنه
ترك الحكم
للطرف الآخر،
لمقاوميه،
حتى يحكموا
بأنفسهم على
أنفسهم. هذا
هو أسلوب الله
في تعامله
معنا، يفضح
أمامنا
نفوسنا،
ويكشف أمام
أعيننا
ضعفاتنا،
ويترك لنا أن
نحكم على أنفسنا
بأنفسنا، ليس
لأنه يُريد أن
يغلب أو يعاقب
وإنما لأنه
يطلب رجوعنا
إليه ودخولنا
في علاقات حب
وود معه.
ماذا
كان يمكن أن
يصنع الله
معنا أكثر مما
فعل؟! لقد
خلقنا من
العدم، وأقامنا
على صورته
ومثاله،
وسلمنا الأرض
بما عليها وما
تحتها وما
فوقها، وقدم
الكواكب لحسابنا،
وعندما فسدت
طبيعتنا أرسل
لنا ناموسه
وأنبياءه
وأخيرًا جاء
بنفسه يكتب
نشيد حبه
بالدم في جسده
على الصليب!
إذ لم
يجد الكرم ما
يُجيب به على
الكرام العجيب
في حبه، بدأ
الكرام يعلن
تأديباته حتى
يتحرك الكرم،
ألا وهي:
أ. "أنزع
سياجه فيصير
للرعى" [5]. أن
كان ملاك الرب
حال حول
خائفيه (مز 34: 7)،
بل والرب نفسه
يكون سور نار
حول شعبه (زك 2: 5)،
فإن الله في
محبته يتخلى
عن المقاومين
وينزع عنهم
الحراسة
السماوية
ليدركوا
ضعفهم،
ويشعروا أنهم
بلا سياج ولا
سور، تدخل
إليهم
الحيوانات
المفترسة
لترعى كما في
قفر أو في
برية جرداء،
لعلهم يرجعوا
إلى الله
ويطلبونه
ملجأ لهم.
إن
نُزعت نعمة
الله عن
الإنسان يصير
بلا سياج،
وتنفتح نفسه
على محبة
العالم،
لتدخل قطعان خنازيره
الدنسة وتخرج
بلا عائق،
ويصير قلبه
مدوسًا
بالشهوات
النجسة
وأفكاره
هائمة في
الرجاسات،
وتنحدر حواسه
إلى الشهوة
الرديئة.
وكما
يقول القديس
إكليمنضس
السكندري: [إن
هذه الأمور
(نزع السياج
والسماح
للأعداء بالدخول)
يتحقق بسماح
إلهي ليحولها
للخير والبنيان.
فإن [العناية
الإلهية هي فن
تأديبي[116]].
ب. "اجعله
خرابًا لا
يُقضب ولا
ينقب" [6]. إذ
يفارق الرب
كرمه أي النفس
البشرية تصير
في فراغ
وتُحسب
خرابًا.
يبكيها الرب
كما بكى على
أورشليم،
قائلاً: "هوذا
بيتكم يترك
لكم خرابًا" ( مت 23: 38).
حين
يثمر الكرم
يقوم الكرام بالقضْب
والنقب لكي
يأتي بثمر
أعظم، أما إذا
أثمر عنبًا
رديًا فلا يمد
يده إليه. فان
كان القضب
والنقب
يشيران إلى
تأديبات الرب
الحانية نحو
أولاده،
فإننا إذ نسلك
معه في الطريق
يمد يده إلينا
كأولاد له
يهتم بنا
ويرعانا وأيضًا
يؤدبنا حتى
نزداد في ثمر
الروح. فعدم القضب
والنقب
يشيران إلى
عدم التأديب،
وهذا هو أقسى
أنواع
العقوبة...
التجاهل
التام وعدم الاستحقاق
حتى للتأديب.
وكما يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم: [إنه
حينما يتوقف
الطبيب عن
تقديم الدواء
المُرّ أو
استخدام
المشرط هذا
يعني أن حالة
المريض ميؤس
منها تمامًا.
ج. "فيطلع
شوك وحسك" [6]. هذا
ثمر اعتزال
الإنسان الله
وانفصاله
عنه، إذ ينبت
من عندياته
شوكًا وحسكًا.
يقول الرسول:
"وكما لم
يستحسنوا أن
يبقوا الله في
معرفتهم
أسلمهم الله
إلى ذهن مرفوض
ليفعلوا ما لا
يليق" ( رو 2: 28).
ما هو
هذا الشوك
إلاَّ فقدان
الإنسان
سلامه ليحمل
في داخله
متاعب وهموم
لا يقدر أن
يُجابهها
بنفسه وحده؟!
د. "وأوصى
الغيم أن لا
يمطر عليه
مطرًا" [6].
يُشير المطر
في العهد
القديم إلى
عطية الروح
القدس[117]، فإن
الإنسان
الجاحد للرب
الذي يطلب
الانفصال عنه
يخسر سكنى
الروح فيه،
فيتحول قلبه
إلى قفر، لا
يحمل ثمر
الروح. لهذا
عوض أن يثمر
"الحق" إذا به
يثمر "سفك دم"،
وعوض
"العدل"
يثمر
"صراخًا" [7].
يطلب
الرب أن يجد
فينا جنته
المثمرة
بالروح، حيث
تُناجيه
النفس قائلة:
"ليأت حبيبي
إلى جنته
ويأكل ثمره
النفيس" [16]. لكن
حرمان النفس من
المطر الروحي
يحول الجنة
المبهجة إلى
موضع مرعب ليس
فيه سوى سفك
دم وصراخ
مستمر!
يرى القديس
يوحنا الذهبي
الفم أن
المطر في
الكتاب
المقدس يُشير
إلى التعليم[118].
هكذا إذ يجحد
الإنسان الله يحرم
نفسه من
التمتع
بتعليم الرب
في أعماقه؛ يقرأ
كلمة الله
وربما يدرسها
لكنه لا ينعم
بفاعليتها
وعذوبتها في
أعماقه. هذا
ما أعلنه القديس
أغسطينوس[119] في
أول وعظة له
على الإنجيل
بحسب معلمنا
متى البشير
قائلاً: [إنه
كان كعصفور
صغير في عش،
في كبرياء
قلبه أراد
الطيران بنفسه،
دارسًا
الكتاب
المقدس بروح
النقد، فسقط
على الأرض
وكان المارة
أن يسحقوه تحت
أقدامهم لولا
نعمة الله
التي انتشلته
وردته إلى عش الإيمان
حتى صار له
جناحان يقدر
بهما على الطيران.
يرى القديس
أغسطينوس أن
المطر هنا يُشير
إلى الكرازة
التي أنتقلت
من الكرم
(الشعب
اليهودي) إلى
الأمم[120].
يقول: "إن
كرم رب الجنود
هو بيت
إسرائيل وغرس
لذته رجال
يهوذا. فانتظر
حقًا فإذا سفك
دم وعدلاً فإذا
صرخ" [7].
لقد
قدم الله كل
الإمكانيات
لكل الجماعة:
للكهنة
واللاويين
كما للشعب،
للغني كما
الفقير،
للمتعلم كما
للأمي لكي
يثمر هذا
الكرم "حقًا"
و"عدلاً"،
وقد جاء
"الحق" متجسدًا من
سبط يهوذا
لكنهم سفكوا
دمه وعوض
العدل كان
الصراخ:
"أصلبه،
أصلبه".
3.
عرض تفصيلي
لخطايا
إسرائيل:
بعدما
كشف الرب عن
حبه لكرمه
ورعايته
الفائقة له،
وكيف حرم
الكرم نفسه من
الثمر الحلو
الروحي أو من
الخمر المفرح
فصنع أشواكًا
ضفرت إكليلاً
على رأس السيد
المسيح، بدأ
يستعرض أهم
خطايا الشعب
وثمرهم الردئ
الذي جلب ويلات
مُرّة عوض
التمتع
ببركات الرب
وشركة أمجاده.
أ. "ويل
للذين
يَصِلون
بيتًا ببيت،
ويقرنون
حقلاً بحقل،
حتى لم يبق
موضع، فصرتم
تسكنون وحدكم
في وسط الأرض"
[8].
يعني بهذا
أنهم انهمكوا
في شراء
البيوت والحقول
بكل الطرق، في
أنانية حتى لم
يترك الواحد موضعًا
لأخيه، خاصة
الفقير
والمحتاج. لقد
ملكت قلة
قليلة الأرض
الزراعية
والبيوت
لتستغل عامة
الشعب، وذلك
على خلاف
الناموس الذي
طالب أن تبقى
الأراضي
موزعة
بالتساوي (عد 33:
54) وأنه في سنة
اليوبيل يعود
للكل ملكيته
(لا 25).
الأرض
في كنعان هي
عطية مجانية
قُدمت للشعب كله
ليعيش الجميع
في رخاء يتمتع
بما تفيضه من
لبن وعسل،
كأنها ملك
للرب الذي
يقدمها لهم.
لكنهم
بتصرفاتهم
هذه ارتكبوا
خطية الجشع وأيضًا
الكبرياء مع
العصيان وكسر
الناموس. لذا انتزعت
البركة وحلت
اللعنة،
فتصير البيوت
خرابًا بسبب
الموت أو
السبي، ففي
لحظة مات 185 ألفًا
في الحرب. هذا
ولا تثمر
الحقول
كالعادة، فعشرة
فدادين كرم
تنتج بثاَ
(حوالي 27.5 كيلو
جرام) عوض
حوالي 500 بثًا؛
وحومر ( 283.5
كيلو جرام)
البذار يصنع
ايفه (عشر
حومر حز 45: 11)، أي
يبلغ المحصول
عُشر البذار
التي أُلقيت
في الأرض.
ب. "ويل
للمبكرين
صباحًا
يتبعون
المسكر،
للمتأخرين في
العتمة
تلهبهم الخمر"
[11].
إن كان الويل
الأول منصبًا
عليهم بسبب
الطمع والظلم
فالثاني بسبب
اللهو الزائد.
صاروا يسكرون
في الصباح
المبكر عوض
قيامهم للعمل
وأيضًا يبقون
حتى ساعة
متأخرة بالليل،
أي يسكرون
نهارًا
وليلاً. هكذا
يكسرون الوصايا
الإلهية:
"الإنسان
يخرج إلى عمله
وإلى شغله إلى
المساء" (مز 104: 23).
تحولت حياتهم
عن الفرح
الروحي
الممتزج بجدية
الحياة
والعبادة إلى
اللهو
الممتزج
برخاوة
يستخدمون كل
آلات الطرب [12]
مع الانشغال
بإقامة ولائم
لإثارة
مشاعرهم
وأحاسيسهم
للشر، متجاهلين
الحياة
التقوية في
الرب. وكما
يقول عاموس
النبي:
"الهاذرون مع
صوت الرباب
المخترعون
لأنفسهم آلات
الغناء
كداود،
الشاربون من
كؤوس الخمر
والذين
يدَّهنون
بأفضل الأدهان
ولا يغتمون
على انسحاق
يوسف؛ لذلك
الآن يسبون في
أول المسبيين
ويزول صياح
المتمددين" (عا 6: 6-7).
v أنظر
كيف يلوم الله
الترف أيضًا؛
فإنه لا يدينهم
هنا على طمع
اقترفوه وإنما
لمجرد
التبذير. ها
أنت تأكل
بتخمة
والمسيح ليس
له ما هو
ضروري. أنت
تأكل كعكًا
متنوعًا والمسيح
ليس له الخبز
الجاف. أنت
تشرب خمرًا من
Thasian ولا تمنح
المسيح كأس
ماء بارد خلال
من هو ظمآن.
أنت ترقد على
فراش ناعم
مطرز وهو يهلك
بردًا.
القديس
يوحنا الذهبي
الفم[121]
أما
عمل اللهو فهو
سبي الإنسان
الداخلي عن معرفة
الحق، ليعيش
أسيرًا
للجهالة،
يجوع ويعطش
داخليًا، ولا
يوجد ما يشبعه
أو يرويه.
يقول النبي: "لذلك
سبُى شعبي
لعدم المعرفة
وتصير شرفاؤه
رجال جوع
وعامته
يابسين من
العطش" [13].
يقول الحكيم:
"لأن السكير
والمسرف
يفتقران والنوم
يكسو الخرق" (أم 13: 21).
خلال
اللهو يفقد
الإنسان وعيه
الداخلي لينحدر
الهاوية،
التي تفتح
أبوابها على
مصراعيها
لتبتلع بغير
حدود. بهذا
يفقد الإنسان
بهاءه وبهجته
[14]، ويسقط في
مذلة [15].
هذا هو
الثمر المُرّ
الذي يجتنيه
السالكون في
الباب
الواسع، باب
اللهو الدائم
لاشباع
الشهوات
الزمنية. أما ما
هو أخطر فهو
هلاكهم
الأبدي إذ
يقول: "لذلك
وسعت الهاوية
نفسها وفغرت
فاهها بلا حد فينزل
بهاؤها
وجمهورها
وضجيجها
والمبتهج فيها"
[14].
يصور الهاوية Sheol
أشبه بانفتاح
الأرض لابتلاع
الأشرار كما
حدث مع قورح
جماعته... تنفتح
لتطلب
المزيد،
تبتلعهم إلى
الأعماق ليبقوا
في الظلمة إلى
الأبد.
هذا ما
يحدث بالنسبة
للمنشغلين
بحياة الترف واللهو،
أما بالنسبة
لله رب الجنود
فإنه يتمجد
ويتقدس
بإدانته
للخطية
بالعدل والبر
[16].
ربما
يتساءل البعض:
ما هو حال
البقية
القليلة
الأمينة
للرب؟ يُجيب
النبي: "ويرعى
الخراف حيثما
تُساق وخرب
السمان تأكلها
الغرباء" [17].
ترعى الخراف
- القطيع
الصغير -
حيثما يقودها
الراعي
الصالح، يسوع
المسيح، إذ
يحفظها من الظلم
والاضطهاد.
هؤلاء يأكلون
في هدوء وأمان
دون أن يزعجهم
أحد (خر 34: 14).
عندما تخرب
كنيسة العهد
القديم برفض
اليهود
الإيمان
بالسيد
المسيح ترث
الأمم
(الغرباء)
المواعيد
والعهود
والشريعة والنبوات
الخ...
ج. "ويل
للجاذبين
الإثم بحبال
البطل،
والخطية كأنه
بربط العجلة"
[18].
هذا الويل
الثالث يحل
بطالبي
الخطية برغبة شديدة
واجتهاد،
يسعون إليها
بمحض
اختيارهم ويدفعون
أنفسهم إليها
دفعًا أو
يسحبونها بقوة
نحوهم. هؤلاء
يحل بهم الخطر
إذ يسقطون
في
حبال الباطل
ويرتبطون
بعجلة الخطية
ليصيروا
ملاصقين لها.
إنهم
يجتذبون
الخطية كما
بحبل، وإذ هي
ثقيلة للغاية
تنهار على
رؤوسهم
فتُحطمهم.
يرى
بعض الآباء أن
الأشرار
ينحدرون من
خطية إلى خطية
وكأنهم
يصنعون حبلاً
طويلاً
يسحبهم نحو
الشر في
عبودية... كل
سقوط يؤدي إلى
سقوط آخر وكل
انحدار يُسبب
انحدارًا
أكثر، فعوض أن
يفكر الشرير
في الصعود
ينهار أكثر
فأكثر.
v حقًا،
كل إنسان يضفر
لنفسه حبلاً بخطاياه:
"ويل
للجاذبين
الإثم بحبل
طويل" [18 LXX].
من
الذي يصنع
حبلاً
طويلاً؟ ذاك
الذي يُضيف خطية
إلى خطية.
كيف
تُضاف خطية
على أخرى؟
حينما نُغطي
على خطية
ارتكبت بخطية
أخرى[122].
v عندما
يُهدد
(الأشرار)
بقتل
الأبرار،
إنما يربطون أنفسهم
بقيود، بحبل
قوى خشن هو من
عندياتهم[123].
v طوبى
للذين بالعمل
والأخلاق
يرنمون
تسابيح المصاعد
(الدرجات)،
وويل للذين
يسحبون الخطية
كحبل طويل
(فينحدرون
معها)[124].
القديس
أغسطينوس
بجانب
ما للخطية من
خطورة أنها
تسحب الإنسان إلى
سلسلة من
الخطايا،
فتجعله أشبه
بكُرَة تلهو
بها الخطايا
فإن الخطر
الثاني هو
أنها تبعث روح
الاستخفاف
والسخرية عوض
رغبة الإنسان
في التحرر
منها، فيردد
الأشرار: "ليسرع
ليعجل عمله
لكي نرى،
وليقرب ويأتي
مقصد قدوس إسرائيل
لنعلم" [19].
إنهم يشكون في
إمكانية قضاء
الله،
فيحسبون أنهم
قادرون على
مواجهته
ببراهين وحجج.
في استخفاف
يرددون "قدوس
إسرائيل"
اللقب الذي
استخدمه
الأنبياء
بالنسبة
لرجائهم في
مجيء المسيا
المخلص...
وكأنهم يضربون
بهذا الرجاء
عرض الحائط.
في كل
عصر يوجد
أشرار
يستهينون
بطول أناة الله
ويسخرون
بمواعيده
ومحبته كما
بتأديباته ظانين
أنها مجرد
كلمات أو
أوهام لن
تتحقق:
"ها هم
يقولون لي:
أين هي كلمة
الرب؛ لتأتِ" (إر 17: 15).
" قد
طالت الأيام
وخابت كل
رؤيا" (حز 12: 22).
"سيأتي
في آخر الأيام
قوم مستهزئون
سالكين بحسب
شهوات أنفسهم
وقائلين: أين
هو موعد مجيئه
لأنه من حين
رقد الآباء كل
شيء باقٍ هكذا
من بدء
الخليقة" (2 بط 3: 4).
د. "ويل
للقائلين
للشر خيرًا وللخير
شرًا،
الجاعلين
الظلام نورًا
والنور
ظلامًا،
الجاعلين
المُرّ حلوًا
والحلو مرًا"
[20].
يسقط الويل
الرابع على
الذين يخلطون
بين الحق
والباطل،
الخير والشر،
النور
والظلمة، الحلاوة
والمرارة،
المعرفة
والجهل. هؤلاء
يعطون الخطية
مسحة الفضيلة
كأن يبرروا
الغضب بالدفاع
عن الحق أو
إدانة
الآخرين تحت
ستار الرغبة
في الإصلاح
الخ...
يرى القديس
إكليمنضس
السكندري أن
هذا الويل هو
تهديد ضد
الكذابين
والمتكبرين[125].
الله هو الحق
وابليس هو
الكذاب وأبو
الكذابين، من
يعرف إرادة
الله يعرف
الحق ويسلك في
الخير، أما من
يتجاهل
الإرادة الإلهية
فأنه يخرج من
دائرة الحق
ليعيش في
الكذب، وبهذا
يفقد قدرته
على التمييز
وإدراك الخير أو
النور أو
المعرفة
الصادقة
للسماويات
والإلهيات.
هـ.
ادعاء الحكمة
والفهم مع
الاستخفاف
بآراء ومشورة
الغير: "ويل
للحكماء في
أعين أنفسهم و
الفهماء عند
ذواتهم" [21].
v من
ينشغل
بذاتيته ولا
يطلب مشورة
الغير، إنما
يحمل علامة
الغباوة. قيل:
"أرأيت رجلاً
حكيمًا في
عيني نفسه؟
الرجاء
بالجاهل أكثر
من الرجاء به" (أم 26: 12).
القديس
يوحنا الذهبي
الفم[126]
و.
الأبطال
المفسدون
لطاقاتهم: "ويل
للأبطال على
شرب الخمر
ولذوي القدرة
على مزج
المسكر" [22]. حينما
تنشغل
القيادات
بالولائم
والترف والسكر
تفقد دورها
الحقيقي؛
هكذا كثيرًا
ما نفسد
طاقاتنا
بأنفسنا
بانحرافنا عن
هدفنا الجاد
وانغماسنا في
ملذات هذا
العالم.
ز. أخذ
الرشوة: "الذين
يبررون
الشرير من أجل
الرشوة، وأما
حق الصديقين
فينزعونه
منهم" [23].
4.
تأديب إلهي:
بسبب
الخطايا التي
ارتكبها
الشعب حمى غضب
الرب كلهيب
نار يحرق القش
ليجعلهم أشبه
بالغبار [24]. لقد
سمح بتأديبهم
بحزم شديد حتى
ارتعدت
الجبال وصارت
جثثهم ملقاة
في الأزقة.
هنا يعني ما
حل بشعب الله
خلال الغزو
الآشوري
العنيف.
وسط
هذا اللهيب
يقول: "مع كل
هذا لم يرتد
غضبه بل يده
ممدودة بعد" [25]؛ لا
يزال مملوء
حبًا ينتظر
عودة الإنسان
إليه!
5.
الغزو
الآشوري:
يقدم
لنا النبي
وصفًا رهيبًا
لجيش أشور في
غزوه شعب
الله. هذا
الوصف يكشف عن
غزو عدو الخير
للنفس
البشرية،
بعنف وشراسة
ومثابرة، وفي
نفس الوقت
يوبخ المؤمنين
المتراخين؛
فالأشرار من
أجل غنيمة
زمنية لا
يكلّون حتى
يحققوا هدفهم
بينما أولاد
الله يتراخون
في نوال شركة
المجد الأبدي.
أ. "ليس
فيهم رازح
(متعب)" [27].
بالرغم من طول
المسافة التي
يقطعونها
والصعوبات
التي تواجههم
لكنهم لا
يشعرون بتعب
من أجل رغبتهم
القوية في
التمتع
بالغنيمة...
بينما كثيرًا
ما نتراخى نحن
المؤمنون في
جهادنا الروحي
تحت دعوى
الإرهاق أو
التعب.
ب. "ولا
عاثر" [27] بالرغم
من وعورة
الطريق؛ ربما
لأن الله
دعاهم لتأديب
شعبه فسّهل
لهم الطريق.
كان أولى بنا
نحن ألا نخاف
وعورة الطريق
فإننا مادمنا
في يد مسيحنا
"الطريق" لا
نتعثر قط.
ج. "لا
ينعسون ولا
ينامون" [27] من
أجل الهدف
الزمني
والشرير
الموضوع
أمامهم. أفما
يليق بنا نحن
المؤمنون ألا
ننعس ولا ننام
بل نبقى في
يقظة الروح حتى
نحقق غاية
رسالتنا؟!
د. "ولا
تنحل حزم
أحقائهم ولا
تنقطع سيور
أحذيتهم" [27]، أي
جادين
ومتشددين
للعمل. لقد
أوصانا الرب: "لتكن
أحقاؤكم
ممنطقة" (لو 12: 35)،
حتى نتمم خدمة
الرب بقوة.
هـ. "سهامهم
مسنونة وجميع
قسيهم ممدودة،
حوافر خيلهم
تُحسب
كالصوان
وبكراتهم
كالزوبعة" [28].
مستعدين
بأسلحتهم
وعدتهم، كي
يحاربوا بقوة ولمدة
طويلة وبسرعة
خاطفة
فيحققوا
الهدف. يليق
بالمؤمنين أن
يستعدوا ضد
معركة إبليس
بأسلحة
الإيمان
الروحية التي
تحدث عنها
الرسول بولس
بأكثر توسع
(أف 6).
و. "لهم
زمجرة
كاللبوة،
ويزمجرون
كالشبل،
ويهرون
ويمسكون
الفريسة
ويستخلصونها
ولا منقذ" [29].
إنهم يحملون
صورة سيدهم
إبليس، الذي
يجول كأسد
زائر يلتمس من
يبتلعه (1 بط 5: 8).
كان يليق بالمؤمنين
أن يصحوا
ويسهروا
مقاومين هذا
العدو راسخين
في الإيمان (1
بط 5: 8-9) القادر
أن يُحطم
العدو.
لقد
تقدم الحمل -
رب المجد يسوع
- كأسد خارج
منم سبط يهوذا
(رؤ 5: 5) حتى لا
يهزمنا إبليس
بل نقاومه
بالرب ونُحطم
طاقاته.
ز. "يهرون
عليهم في ذلك
اليوم كهدير
البحر" [30]، إذ
يسقط عليهم
الجيش بأصوات
الجند كهدير
البحر الذي لا
يُقاوم،
يكتسح ويبتلع
كل ما هو
أمامه... وكأنه
لا أمل لهم في
النجاة من
أشور.
ح.
أخيرًا يفقد
الشعب كل رجاء
فإنه "إن نظر
إلى الأرض
فهوذا ظلام
الضيق والنور
قد أظلم
بسحبها" [30]. وقت
الضيق يرفعون
عيونهم لعلهم
يجدون منفذًا
للخلاص، لكن
الظلام يُخيم
على أفكارهم،
وسحب الدخان
الصاعدة من
الحرائق
تُحطم كل أمل
عندهم. لقد
رفضوا الله
"النور
الحقيقي"
فملكت الظلمة
على أعماقهم.
لهذا يصرخ
المرتل:
"بنورك يارب
نعاين النور" (مز 36: 9).
[107] In Eph. Hom. 5.
[108] In Lue.20:9-19.
[109] Catena Aurea. St. Mark Ch. 12.
[110] Ep. 74:5.
[111] In Luc. 20:9-19.
[112] Adv. Haer. 4:36:2.
[113] On John tr. 80:1.
[114] In Ps. 80.
[115] Cat. Lect. 13:29.
[116] Stromata 4:12.
[117] See St. Iren. Adv Haer. 3:17:3.
[118] In Heb. Hom. 10:2.
[119] Serm. On N.T. Lessons 1.
[120] In Ps. 77.
[121] In Matt. Hom. 48:8.
[122] In John tr. 80:1.
[123] On Ps. 119.
[124] On the Trinity 11:6.
[125] Paed. 3:12.
[126] In Gal. Hom. 1.