رؤيا
إشعياء
ودعوته
يسجل
لنا إشعياء
النبي رؤياه الشهيرة،
إذ رأى الله
القدوس
جالسًا علي
كرسي عالٍ
ومرتفع
وأذياله تملأ
الهيكل، رآه
في مجده
الفائق تسبحه
طغمة
السيرافيم،
وقد عُهد إليه
بخدمة النبوة
المقدسة.
يتساءل
البعض: هل
تمتع النبي
بهذه الرؤيا
قبل تنبؤه بما
ورد في
الأصحاحات
السابقة أم
جاءت بعدها؟
ولماذا لم
يفتتح النبي
السفر بها؟
1.
رؤيا النبي في
الهيكل
[1-4].
2. تقديس
فم إشعياء
[5-7].
3.
ارسالية
إشعياء النبي
[8-13].
1.
رؤيا النبي في
الهيكل:
"في
سنة وفاة عزيا
الملك رأيت
السيد جالسًا
علي كرسي عالٍ
ومرتفع
وأذياله تملأ
الهيكل" [1].
تمتع
النبي بهذه
الرؤيا في سنة
وفاة عزيا الملك،
ربما بعدما
أعلن نبواته
السابقة
والتي حملت
تهديدًا
للشعب،
فقابلها
الشعب بنفور
واستخفاف،
لهذا كشف له
هذه الرؤيا
ليعلنها للشعب
مؤكدًا أنه
يحمل رسالة
إلهية، يقدم
كلمة الله.
ولعل هذه
الرؤيا قد تحققت
قبل النبوات
وإنما أعلنها
النبي بعد ذلك
ليؤكد للشعب
أن ما ينطق به
ليس من
عندياته، وذلك
كما فعل
القديس بولس
حين أراد
تأكيد رسوليته
بالحديث عن
الرؤيا التي
شاهدها في
بداية خدمته (2
كو 12).
ظهرت
الرؤيا في سنة
وفاة عزيا
الملك الذي
ملك علي يهوذا
وهو ابن 16 سنة
لمدة 52 عامًا
وعمل
المستقيم في
عيني الرب، وقد
نجح في كل
أعماله: في
الحروب وبناء
مدن تعميرها
الخ... لكنه إذ
ارتفع اسمه
جدًا سقط في
الكبرياء
وأراد أن يوقد
للرب علي مذبح
البخور فضربه
الرب بالبرص
وهو في
الهيكل،
وطرده الكهنة،
وكان أبرصًا
إلي يوم
وفاته، معزولاً
في بيت بعيد
عن قصر الملك.
لعل
إشعياء كان
يتابع بفرح
نجاح عـزيا مع
استقامة قلبه
ونموه في
الروح لكنه
أغتم
جدًا لسقوطه
في أيامه
الأخيرة،
وموته هكذا
معزولاً عن
شعب الله،
مطرودًا من
هيكله المقدس،
ممثلاً بطلان
المجد الزمني.
تطلع
النبي إلي
الشعب في سنة
موت عزيا
ليراه
منطرحًا كغنم
بلا راعي،
خاصة وأن الملك
كان قد اعتزل
الشعب زمانًا
قبل موته بسبب
برصه. ادرك
إشعياء أن
الشعب في حاجة
إلي رعاية
سماوية، لأن
ذراع البشر
يعجز عن اشباع
احتياجات
الشعب، وكما
يقول المرتل:
"لا تتكلوا علي
الرؤساء ولا
علي بني البشر
الذين ليس عندهم
خلاص، تخرج
روحهم
فيعودون إلي
ترابهم" (مز 146: 3).
وسط
هذه المرارة
أعلن الرب هذه
الرؤيا لإشعياء
من أجل
تعزيته: تحققت
الرؤيا في
الهيكل غالبًا
في وقت انفرد
فيه النبي
للعبادة
الخاصة، يصرخ
إلي الله
ليتسلم رعاية
شعبه. ظهر له
السيد جالسًا
علي كرسي
عالٍ، ومرتفع
ليؤكد له أنه
هو راعي شعبه
السماوي، أفكاره
تعلو عن أفكار
البشر، وطرقه
عن طرقهم. يجلس
في الأعالي
لكي يحمل
كنيسته معه
تشاركه أمجاده
العلوية. رأى
أذياله تملأ
الهيكل، إذ
حال في كنيسته
ينتظر كل نفس
تقبل إليه
لتتمتع بالإتحاد
معه. لقد رأى
السيد المسيح
في مجده (يو 12: 41)
يملأ السماء
والأرض
بلاهوته
ورعايته.
يرى القديس
يوحنا الذهبي
الفم إن
إشعياء وغيره
من الأنبياء
لم يروا جوهر
اللاهوت كما
هو إنما يظهر
الله لهم خلال
تنازله قدر ما
يحتملون
الرؤيا وذلك
من أجل محبته
لخليقته؛ حتى
بالنسبة
للسمائيين
وحاملي عرشه فان
كل منهم يراه
قدر احتماله
أما الجوهر في
ذاته أى في
كماله المطلق
فلا يمكن
إدراكه[127].
v يصيح
السيرافيم
قائلين: قدوس
قدوس قدوس رب
الصباؤوت... إن
القوات
العلوية يأخذ
منها الرعب كل
مأخذ بغير
انقطاع، فهي
تدير وجهها وتبسط
أجنحتها
كحائط، يقيها
من الاشعاع
غير المحتمل
الصادر من قبل
الله، ومع ذلك
فما تراه إنما
هو صورة مصغرة
للحقيقة...
بينما
لا يقوى
السيرافيم
حتى علي
مشاهدة الله
الذي لا يتجلي
لهم إلاَّ
كتنازل منه
حسب ضعفهم،
نرى أناسًا
تجاسرون
متصورين في
عقلهم
الطبيعة عينها
التي يعجز
السيرافيم عن
إدراكها. إنهم
يزعمون أنهم
قادرون علي
التطلع إليها
بوضوح وبغير
حدود!
ارتعدي
أيتها
السموات
واندهشي
أيتها الأرض[128].
v حقًا
إن الله حتى
بالنسبة لهذه
الطغمات غير
مُدرَك، ولا
يمكن الدنو
منه. لهذا فهو
يتنازل ليظهر
بالطريقة
التي وردت في
الرؤيا. الله
الذي لا يحده
مكان ولا يجلس
علي عرش... من قبيل
محبته لنا
يظهر جالسًا
علي عرش وتحيط
به القوات
السمائية[129].
v هذه
(رؤى الأنبياء)
إعلانات،
كلها أمثلة عن
تنازله،
وليست رؤى
لجوهره
بالكشف عنه.
لأنهم لو
نظروا جوهره ذاته
لما رأوه تحت
أشكال
مختلفة، إذ هو
بسيط، بغير
شكل ولا أعضاء
ولا أساليب
محددة، طبيعته
لا تجلس ولا
تقف ولا تمشي[130]...
القديس
يوحنا الذهبي
الفم
"السيرافيم
واقفون فوقه،
لكل واحد ستة
أجنحة،
باثنين يغطى
وجهه وبأثنين
يغطى رجليه
وباثنين يطير.
وهذا نادى ذاك
وقال: قدوس،
قدوس، قدوس رب
الجنود، مجده
ملءُ كلِ
الأرض" [2-3].
لعل ما
يُعزى نفس
الخادم هو أن
يرتفع قلبه
ليرى الخدمة
الملائكية،
فيتحقق أن كل
متاعب
الكنيسة
وضعفاتها تنتهي
يومًا ما
لتشترك مع
السمائيين في
التسبيح
أبديًا. وأن
الكنيسة هنا -
كأيقونة
السماء - تتمتع
بعربون
الخدمة
السمائية. ففي
إحدى العظات
القبطية
تُعّرف
الكنيسة أنها:
[موضع تعزية،
هي اجتماع
الملائكة
وموضع
الشاروبيم
والسيرافيم[131]]. قيل إن
القديس
باخوميوس
المصري كان
يرى الكنيسة
مملؤة
بالملائكة.
السيرافيم
هم خدام العرش
الإلهي،
يحملون الرب
بفرح وتهليل،
يسبحونه بلا
انقطاع. وكأن
عمل كل خادم
أو نبي في
الكنيسة هو
جذب كل نفس
إلي الرب كعرش
له يسكنه،
ويقيم ملكوته
داخله، فيصير
أشبه بالساروف
الناري
السماوي. لكل
ساروف 6
أجنحة، باثنين
يُغطي وجهه
علامة اتسامه
بالمخافة الإلهية،
لا يقدر أن
يدرك كل
البهاء
الإلهي، وباثنين
يُغطي رجليه
علامة الحياء
- إن صح هذا التعبير-
وباثنين يطير
مُحلقًا في
السمويات. هكذا
يليق بنا أن
نتشبه
بالساروف
ننعم بالمخافة
الإلهية في
احتشام مع نمو
دائم وارتفاع
مستمر نحو
السمويات.
أما
بالنسبة
للتسبحة
الساروفيمية
"الثلاث تقديسات"
فقد وردت في
كتابات
العلامة
أوريجانوس؛
وربما يرجع
تاريخ
استخدامها
بالإسكندرية
إلي تاريخ
سابق[132].
جاء في
التقليد
الكنسي إن
يوسف الرامي
ونيقوديموس
اللذين اهتما
بجسد الرب بعد
انزاله من علي
الصليب سمعًا
هذه التسبحة
وهما يضعان الحنوط
علي جسد الرب
قبل دفنه.
يقول
الساروفيم: "مجده
ملء كل الأرض"
[3]، لا يملأ
السموات فحسب
وإنما الأرض
كلها. أنه حال
علي الأرض
ليُقيم من
الأرض سماء.
وكما يقول
القديس
إكليمندس
السكندري إن
الأرض تصير
سماءً
بالنسبة
للمؤمن
الحقيقي. إن
كان جسدنا في
أصله ترابًا،
فقد قبل كلمة الله
طبيعتنا
البشرية
ليُقدسها،
فصار جسدنا
ممجدًا فيه،
لا نعود نستخف
به لأنه يشارك
النفس تعبدها
لله وجهادها
واكليلها.
يلاحظ
في هذه
التسبحة
الآتي:
أ. أن
كلمة "السيد"
جاءت بالجمع Adonai
وليس المفرد Adon.
ربما لهذا
السبب مع
تكرار كلمة
"قدوس" ثلاث مرات
رأى القديس
غريغوريوس
أسقف نيصص[133] تُعلن
عن مجد
الثالوث،
بينما ينسبها
الرسول بولس
للروح القدس
(أع 28: 25-26)،
والقديس
يوحنا للإبن
(يو 12: 41) بينما
التقليد
اليهودي
قديمًا
ينسبها للآب.
v بواسطة
(السيرافيم)
أُعلن سرّ
الثالوث
بوضوح، عندما
نطقوا بتلك
الصيحة
العجيبة
"قدوس" بكونها
تحمل جمالاً مع
مهابة لكل
أقنوم من
الثالوث.
القديس
غريغوريوس
النيصي[134]
ب. دُعى
الله "رب
الجنود"، وهو
لقب الله في
معركته ضد
الشر أو ضد
قوات الظلمة،
له معنى تعليمي[135]، لم يظهر
في أسفار موسى
ويشوع
والقضاة
وأيوب
والأمثال
والجامعة،
إنما ظهر
بصورة نادرة
في صموئيل
وملوك وأخبار
الأيام
والمزامير؛
استخدم بكثرة
في أسفار
الأنبياء،
ففي إرميا
استخدم حوالي
80 مرة وحجي 14
مرة، وزكريا 50
مرة، وملاخي
أكثر من 24 مرة.
أول من استخدمه
حنه أم صموئيل
في تسبحة
النصرة التي
نطقت بها إذ
شعرت بأن الله
هو سرّ نصرتها
في معركتها
الداخلية.
ج.
تُستخدم هذه
التسبحة في
القداس
الإلهي علامة
شركة
المؤمنين مع
السمائيين في
العبادة علي
مستوى سماوي،
بروح الوحدة
والانسجام
معًا:
v ليتنا
نجتمع معًا
بضمائرنا في
اتفاق ونصرخ إليه
بغيرة كما بفم
واحد، فنشترك
في مواعيده
العظمية
المجيدة.
القديس
اكليمندس
الرومإني[136]
v لتدركوا
بأية مهابة
ومخافة
ينطقون ذاك
الأسم وهم
يمجدونه
ويسبحونه؛
أما أنتم
فتدعونه في
صلواتكم
وطلباتكم
برخاوة
شديدة، مع أنه
كان يجب أن
تمتلئوا
مهابة وأن
تكونوا في سهر
مع وقار.
القديس
يوحنا الذهبي
الفم[137]
v الأمور
الجديدة تسير
في تناسق مع
القديمة، والقديمة
مع الجديدة.
هوذا
الساروفان
يقولان الواحد
للآخر: قدوس
قدوس قدوس رب
الجنود. العهدان
يسيران في نغم
واحد، ولهما
صوت واحد...
القديس
أغسطينوس[138]
"فاهتزت
أساسات العتب
من صوت الصارخ
وامتلأ البيت
دخانًا" [4].
اهتزت
أساسات بيت
الرب أمام
صرخات
الساروفيم
التي تمجد
الله القدوس
وامتلأ البيت
سحابًا
كثيفًا علامة
حلول مجد الله
فيه. وعندما
دخل السيد
المسيح
أورشليم
اهتزت أيضًا
المدينة (مت 21: 10).
ونحن في حاجة
أن يعلن الرب
حلوله فينا،
ليُقيم
ملكوته
داخلنا،
نشترك مع
السيرافيم
تسبحتهم
الأبدية
فتهتز أعماق نفوسنا
مع إشعياء
النبي،
ويُعلن مجد
الرب فينا،
وتتقدس
أعماقنا
فنحسب شهود حق
لإنجيله.
2.
تقديس فم
إشعياء:
إذ نقف
في حضرة الله
القدوس يُعلن
لنا مجده ونكتشف
نحن نجاستنا،
كما حدث مع
إشعياء النبي.
"فقلت: ويل
ليّ أني هلكت
لأني إنسان
نجس الشفتين،
وأنا ساكن بين
شعب نجس
الشفتين، لأن
عينيَّ رأتا
الملك رب
الجنود" [5].
يعترف
الرسول بولس
أنه أول
الخطاة (1 تى 1: 15)
ليس لأنه يفكر
في خطاياه
ويحاول
احصاءها،
وإنما جاء ذلك
ثمرة
استنارته
بروح الله
القدوس الذي يفضح
أعماقنا
فنكتشف أننا
كلا شيء أمام
مجد الله،
وأننا خطاة
تمامًا أمام
قداسته. لذلك
عندما بدأ
إبراهيم أب
الآباء يتحدث
مع الله قال:
"إني قد شرعت
أكلم المولي
وأنا تراب
ورماد" (تك 17: 27).
لعل
إشعياء أراد
أن يشترك مع
السيرافيم في
تسابيحهم لله
فأدرك أنه نجس
الشفتين، وإذ
تطلع إلي
جماعة
السيرافيم في
تهليلاتهم
أدرك أنه ساكن
بين شعب نجس
الشفتين.
v بتنهدات
يومية يحزن
القديسون علي
ضعف طبيعتهم،
وبينما هم
يبحثون في
تغيير أفكارهم
وإرادتهم
وأعماق
ضمائرهم
الداخلية يصرخون
متضرعين
قائلين: "لا
تدخل مع عبدك
في المحاكمة
فإنه لن يتبرر
أمامك حيَّ"...
وهكذا يدركون
ضعف برّ
الإنسان وعدم
كماله مع
الاحتياج الدائم
إلي مراحم
الله. لذلك
يقول ذاك الذي
أزال الله
شرورة
وخطاياه بجمر
"كلمته الحيَّ"
التي علي
المذبح بعد
رؤيته
العجيبه لله
وللسيرافيم
العلويين
وتمتعه
بإعلان
الأسرار الإلهية:
"ويل لي إني
هلكت لإني
إنسان نجس الشفتين
وأنا ساكن بين
شعب نجس
الشفتين".
الأب
ثيوناس[139]
v ها
أنتم ترون كيف
أن كل
القديسين
بالحق يعترفون
لا عن الشعب
وإنما
بالأكثر عن
أنفسهم إنهم خطاة،
لكنهم لا
ييأسوا قط من
خلاصهم، إنما
يتطلعون إلي
التبرير
الكامل بنعمة
الرب ورحمته.
الأب
ثيوناس[140]
شعوره
بنجاسة شفتيه ونجاسة
شفاه شعبه لم
يُحطم
نفسيته، إنما
ملأه رجاء في
الله الذي
تمتع برؤيا
بكونه "رب الجنود"،
قادر أن يُقيم
من البشرية
جنودًا روحيين
له. هذا تحقق
له، إذ قال: "فطار
إليّ واحد من
السيرافيم
وبيده جمرة
أخذها بملقط
من على
المذبح، ومسّ
بها فمي وقال:
إن هذه مست
شفتيك
فانتُزع إثمك
وكُفِّر عن
خطيتك" [6-7].
جاء في
قسمة القداس
الكيرلسي:
[وكما طهرّت
شفتي عبدك
إشعياء النبي
إذ أخذ أحد
السيرافيم جمرة
بالملقط من
علي المذبح
وطرحها في
فيّه، وقال
له: إن هذه
لمست شفتيك
ترفع آثامك
وتطهر من جميع
خطاياك، هكذا
نحن أيضًا
الضعفاء الخطاة
عبيدك
الطالبين
رحمتك تفضل
طهر أنفسنا وأجسادنا
وقلوبنا
واعطنا هذه
الجمرة
الحقيقية
المعطية
الحياة للنفس
والجسد
والروح، التي
هي الجسد
المقدس والدم
الكريم
اللذان لمسيحك].
وفي
صلاة أخرى
للقسمة يقول
الكاهن:
[لإنيّ تقدمت
للمس جسدك
ودمك لشوقي في
محبتك، فلا تحرقني
بهما يا جابلي
بل أحرق كافة
الأشواك الخانقة
لنفسي].
لقد
حملت القديسة
مريم كلمة
الله متجسدًا
فيها، الجمر
الملتهب،
الذي يُقدس
البشرية بدمه
الثمين.
3.
ارسالية
إشعياء النبي:
إذ رأى
إشعياء النبي
السيد جالسًا
علي كرسي عالٍ
ومرتفع
وأذياله تملأ
الهيكل، والسيرافيم
يسبحونه، وقد
تطهرت شفتيه
الجمر الإلهي،
اشتاق إلى
الحياة
السماوية
والتسبيح الملائكي،
لكنه في نفس
الوقت اشتاق
أن يرى شعبه
متمتعًا بهذه
الحياة
العلوية،
كأنه يقول مع
الرسول بولس:
"لي اشتهاء أن
أنطلق وأكون
مع المسيح ذاك
أفضل جدًا،
ولكن أن أبقى
في الجسد ألزم
من أجلكم" (في 1:
24). هذا ما يعلنه
النبي أيضًا بقوله:
"ثم سمعت صوت
السيد قائلاً:
من أُرسل ومن
يذهب لأجلنا؟
فقلت: هأنذا
أرسلني" [8].
هذا هو
المنظر
الخامس من ذات
الرؤيا الذي
فيه دُعى
للعمل
النبوي،
لحساب ملكوت
الرب؛ هذه المناظر
هي:
1. منظر
السيد في مجده
[1].
2. منظر
السرافيم
المسبحين له [3].
3.
اهتزاز
أساسات العتب
وامتلاء
البيت دخانًا [4].
4. تقديس
شفتي النبي [5-7].
5. دعوة
إشعياء بصوت
الله نفسه [8
الخ].
جاءت
الدعوة من
الله القدير
نفسه، وإذ آمن
إشعياء بقدرة
الله
الخلاصية
وعمله
التقديسي، تقدم
للعمل مدركًا
أنه حيث هو
ضعيف فهو
بالرب قوي.
عندما ندرك
أننا لا شيء
فلنؤمن بالله
الكل في الكل،
القادر بروحه
القدوس أن
يعمل بنا.
هنا
يلزمنا
التنويه أنه
بينما
المتكلم واحد:
"من أُرسل؟"
نجده يستخدم
صيغة الجمع: "من
يذهب لأجلنا؟"
لتأكيد أنه
الله الواحد
الثالوث، أو
المثلث الأقانيم.
قّبِل
الله القدوس
المثلث
الأقانيم عرض
إشعياء، وقال
له: "اذهب" [9].
لقد أراد الله
ألا يُرسل
إشعياء من أجل
نوال كرامة أو
مجد، إنما
ليدخل في
مرارة مع شعب
رافض الحق...
فالخدمة ليست
مراكز كنسية
ولا كرامات
إنما هي جهاد
روحي من أجل
غسل أقدام
الآخرين وحثهم
علي قبول
الحق، وذلك
خلال المذبح
المقدس الذي
يُقدس
الشفتين
الداخليتين
ويهب كلمة الله
الفعّالة في
حياة الخادم
والمخدومين.
وضع
الرب كلماته
علي فم النبي:
"تسمعون
سمعًا ولا
تفهمون،
وتبصرون
أبصارًا ولا
تعرفون" [9].
لقد وضع الرب
في فم إشعياء
نبوات كثيرة
عن السيد
المسيح وعمله
الخلاصي؛ وقد
تحققت عند مجيء
السيد
المسيح، لقد
سمعوا ورأوا
لكنهم لم يؤمنوا
به، لأن
بصيرتهم
الداخلية قد
أصابها العمى؛
وذلك علي عكس
التلاميذ
الذين قال لهم
الرب: "طوبى
لأعينكم
لأنها تبصر
ولآذانكم لأنها
تسمع" (مت 13: 11-16).
يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم عن هذا
الشعب: [إنهم
يبصرون كيف
يخرج
الشياطين
ويقولون: به
شيطان؛
يبصرون
القائمين من
الأموات ولا
يسجدون له، بل
يفكرون في
قتله].
سبق
لنا دراسة هذه
النبوة أثناء
شرحنا للإنجيل
بحسب متى
البشير
الأصحاح 13،
لذا اكتفي هنا
بتعليق القديس
أغسطينوس علي
التساؤل:
لماذا يُلام
اليهود علي
عدم إيمانهم
مادام الله
أعمى عيونهم؟
[إنهم
لم يقدروا أن
يؤمنوا لأن
إشعياء تنبأ
عن ذلك، وقد
تنبأ لأن الله
سبق أن أخبره
عما سيكون
عليه حالهم.
لكن إن سألت: ما
هي علة عدم
قدرتهم علي
الإيمان
أُجيب في الحال:
إنهم لم
يريدوا. الله
رأى إرادتهم
الفاسدة لذلك
سبق أن أخبر
النبي بذلك
لأن
المستقبل ليس
مخفيًا عنه...
الله أعماهم
وأغلظهم
بمجرد تركه
إياهم وسحب
معونته عنهم[141]].
يُجيب القديس
إيريناؤس
علي ذات
السؤال
قائلاً: [إنهم
يصابون
بالعمى بسبب
عدم إيمانهم
بالله، فإنهم
يتطلعون إليه
فلا يرونه،
لأنه بالنسبة
لهم كأنه غير
موجود؛ ذلك
كما أن الشمس -
خليقته -
تُصيب ضعاف
البصر فلا
ينظرون نورها.
أما الذين
يؤمنون به
ويتبعونه
فيهب أذهانهم
استنارة أكمل
وأعظم[142]].
هذا هو
تفسير كلمات
النبي: "غلظ
قلب هذا
الشعب وثقل
أذنيه وأطمس
عينيه لئلا
يبصر بعينيه
ويسمع بأذنيه
ويفهم بقلبه ويرجع
فيُشفي" [10].
يلاحظ هنا أن
الله لا ينسب
الشعب إليه،
بل يدعوه "هذا
الشعب"،
وهذه عادةً ما
تحدث عندما
يعلن الله
غضبه عليهم
فيحسبهم غير
أهل للانتساب
إليه بسبب
غلاظة قلوبهم
وثقل آذانهم
وعمى أعينهم،
أى بسبب العنف
(القسوة)،
والعصيان،
والجهل
الروحي.
هذه
النبوة تُشير
إلي جحد
اليهود للسيد
المسيح عند
مجيئه، كما
تُشير إلي جحد
كلمات النبوة
في أيام إشعياء
فيسقطون تحت
السبي ويحل
بهم الخراب
علي يديّ
سنحاريب
الآشوري.
حزن
إشعياء النبي
إذ أدرك ثقل
المسئولية
الملقاة عليه
وما تنتظره من
متاعب وآلام،
كما حزن إذ
أدرك ما سيحل
بالشعب من
دمار حتى تصير
المدن خربة
بلا ساكن
والبيوت بلا
إنسان وتخرب الأرض
وتقفر [11]، فصرخ:
"إلى متى
أيها السيد
الرب؟" [11]. هل
كان يسأل: إلي
متى يبقى هذا
الشعب في
القساوة؟! أما
يسأل: إلي متى
أُعلن نبوات
مُرّة هكذا
وقاسية؟!
كشف له
الرب عن حال
الشعب بعد
انكساره أمام
سنحاريب،
فأعلن أنه وإن
بقى في البلاد
العُشر [13] يعود
فيقيم الشعب
خلال هذه البقية
ويجعل منهم
زرعًا مقدسًا.
بهذا يتنبأ عن
السبي وما
يحدث بعد
السبي. وفي
نفس الوقت تُعتبر
نبوة عن سبي
اليهود في
جحودهم
الإيمان بالسيد
المسيح مخلص
العالم، لكن
في آخر الأيام
تبقى بقية
تعود للإيمان
به. يقول
الرسول بولس:
"إن القساوة
قد حصلت
جزئيًا
لإسرائيل إلي
أن يدخل ملوء
الأمم، وهكذا
سيخلص جميع
إسرائيل" (رو 11:
25-26).
[127] In John hom 15:1.
[128] In Isai. Hom. 2:2.
[129] راجع للمؤلف: القديس يوحنا الذهبي الفم، 1988، ص 299.
[130]
المرجع
السابق، ص 32.
[131] The author: Church, House of God, 1982, p. 333.
[132] Gregory Dix: The Shape of the Liturgy, p. 237.
[133] Greg. Nyssa: Adv. Eunomius 2:14.
[134] Ibid 1:23.
[135] Bultema, p. 93.
[136] Ep. 1:34.
[137] Conc. The Statues, hom. 7:9.
[138] On Ps. 50.
[139] St. Cassian: Conf. 23:17.
[140] Ibid.
[141] In John tr. 53:6.
[142] Adv. Haer. 3:19:1.