هجوم
آشور على
يهوذا
ومعاقبة آشور
يحوي
هذا الأصحاح
ويْليْن، الويل
الأول ضد
رؤساء الشعب
بسبب شرهم،
والثاني ضد
آشور لأن الله
سمح له بغزو
يهوذا للتأديب
فإذا به ينتفخ
على الله
ويجدف عليه،
حاسبًا أن
آلهته غلبت
إله إسرائيل.
يرى
البعض أن هذا
الأصحاح كُتب
في السنوات
الأولى من حكم
حزقيا ملك
يهوذا، بعد سقوط
السامرة في
سرجون ملك
آشور (10: 11).
1.
الويل الأول
ضد القيادات
[1-4].
2. الويل
الثاني ضد
آشور
[5-19].
3.
الناجون من
إسرائيل
[20-23].
4. لا تخف
يا شعبي
[24-27].
5. الغزو
الآشوري
ليهوذا
[28-32].
6. سقوط
آشور
[33-34].
1.
الويل الأول
ضد القيادات:
يرى
البعض أن
الويل الموجه
ضد القيادات
هنا هو تكملة
لما ورد في
الأصحاح
السابق عن
كبرياء إسرائيل،
ويدللون على
ذلك أنه انتهي
أيضًا بالعبارة
التي تكررت
قبلاً: "مع كل
هذا لم يرتد
غضبه بل يده
ممدودة بعد"
(إش 9: 12، 17، 21؛ 10: 4).
بهذا يكون
الحديث
موجهًا ضد
قيادات
الأسباط
العشرة
(إسرائيل). غير
أن تكملة الحديث
موجه إلى
أورشليم
عاصمة يهوذا
لهذا يرى بعض
الدارسين أن
ما ورد هنا
ينطبق على
قيادات
المملكتين
لأنهما
تشابهتا في
الشر.
يكشف
الله تصرفات
القادة
الجائرة،
التي تتركز في
القضاء
بالباطل
والحكم
بالظلم [1]،
يصدون
الضعفاء عن
التمتع
بحقوقهم
المسلوبة،
ويسلبون حق
البائسين
خاصة الأيتام
والأرامل [2]. وكما
يقول الحكيم:
"ثم رجعت
ورأيت كل
المظالم التي
تُجرى تحت
الشمس فهوذا
دموع
المظلومين
ولا معزٍ لهم
ومن يد
ظالميهم قهر"
(جا 4: 1).
الآن
إذ يُدرك
إشعياء عدل
الله خاصة في
دفاعه عن
الضعفاء يسأل
هؤلاء القادة:
"وماذا
تفعلون في يوم
العقاب حين
تأتي التهلكة
من بعيد؟ إلى
من تهربون
للمعونة؟
وأين تتركون
مجدكم؟ إما يجثون
بين الأسرى
وإما يسقطون
تحت القتلى" [3-4].
العقاب قادم
لا محالة خاصة
تجاه
القيادات الدينية
والمدنية،
هذا أمر مفروغ
منه وحقيقة لا
يمكن تجاهلها.
وكما سبق
فقال: "ويل
للشرير شر،
لأن مجازاة
يديه تُعمل
به" (إش 3: 11). لا
يجدون معونة،
لأن الذي
يعيننا في
الحكم هو
رحمتنا
وترفقنا
بالغير. تزول
أمجادهم لأنها
ارتبطت
بالزمن لا
بالله، لهذا
منهم من يسقط
أسيرًا ليجثو
في مذلة بين
الأسرى،
ومنهم من
يُقتل عندما
يهاجمهم
آشور، فيسقط
تحت جثث الآخرين.
لقد داسوا حق
الضعفاء
فيطأهم الغير
تحت أقدامهم.
مع هذا
كله لا زال
الله يمد يد
محبته
ليُخلصهم من
شرهم: "مع كل
هذا لم يرتد
غضبه بل يده
ممدودة بعد" [4].
2.
الويل الثاني
ضد آشور:
سبق أن
تحدث النبي عن
قوة آشور
العسكرية
وجبروته
ونصرته حتى
على شعب الله،
كما أكد أن ما
حل بالشعب هو
بسماح إلهي
للتأديب، لكن
آشور تعظم على
الله وحسب
بغلبته هذه
أنه غلب إله
هذا الشعب
وأذله... لهذا
يعود الرب
فيؤدب آشور
نفسه
المتعالي
والمتعجرف.
اعتاد
إشعياء النبي
أن يتحدث
بجرأة وصراحة
فبينما يدعو
آشور قضيب غضب
الله وعصاهم
هي سخط الرب [5]
لكون آشور
أداة لتحقيق
تأديبات
الرب، نجده
يدعو شعب الله
"أمة منافقة"
و "شعب سخط
الله" [6]، لأن
هذا الشعب قد
حمل صورة
العبادة من
الخارج بينما
دبّ الفساد في
حياتهم الداخلية.
هذا ما دفعه
إلى دعوة
الشعب بأسماء
ممقوته وأن
يعلن أن الله
يُسلمهم
لآشور للنهب
والغنيمة لكي
يطأهم آشور
بالأقدام
فيصيرون مدوسين
كطين الأزقة...
من يستخف
بالحياة المقدسة
في الرب إنما
يسلم حياته
للفساد والضياع
وينهار ليسخر
به عدو الخير
ويطأه تحت
قدميه.
لم
يدرك آشور هذه
الحقيقة أنه
مجرد أداة
للتأديب [7]
إنما في
كبرياء قال: "أليست
رؤسائي
جميعًا
ملوكًا؟!" [8]،
بمعنى أن
الولاة الذين
يقيمهم ملك
آشور تحت قيادته
هم جميعًا ملوك،
فماذا يكون
مركزه هو؟!
إنه ملك ملوك!
قال
أيضًا: "أليست
كلنو مثل
كرمشيش؟!
أليست حماة
مثل أرفاد؟!
أليست
السامرة مثل
دمشق؟!" [9].
يرى الدارسون
أن المتحدث
هنا سنحاريب
الآشوري
المفتخر
بانتصاراته
بجانب
أنتصارات سرجون
السابق له
بكونها
انتصارات
لحساب آشور ككل،
تكشف عن عدم
جدوى مقاومة
الزحف
الآشوري.
ربما
يقصد بكلنو "كلنة"
المذكورة مع
حماة وجت في
(عا 6: 2) والتي يظن
أنها كولاني
أو كولانهو
الحديثة التي
تبعد مسافة 6
أميال من
أرفاد بالقرب
من حلب.
كركميش:
عاصمة
الحثيين
الشرقية،
غربي نهر
الفرات عند
فرضة في النهر
وشمالي مكان
التقائه
بساجور.
موقعها تجاري
ممتاز، غنية
جدًا. استوفي
آشور ناصر بال
(885 - 860 ق.م.) منها
جزية كبيرة
جدًا،
واستولى
عليها سرجون
عام 717 ق.م.،
وبسقوطها
سقطت
الإمبراطورية
الحثية. دعاها
الرومان
كركيسيوم، في
موقعها الآن
جرابلس.
أرفاد:
مدينة في آرام
تبعد حوالي 13
ميلاً شمال
حماة، في
موضعها الآن "تل
أرفاد".
استولى عليها
الآشوريون في
القرن التاسع
قبل الميلاد،
لكنها ثارت
ضدهم ثم عادوا
فاستولوا
عليها عدة
مرات، وهم
يفخرون بغلبتهم
عليها.
هكذا
لم تقف أمام
آشور أعظم مدن
الحثيين أو
الأراميين،
فهل تقف أمامه
مدن يهوذا
وإسرائيل؟!
لقد حسب آشور
نفسه أنه غلب
آلهة الأمم وأوثانها
التي تحميها
فلن يقف إله
إسرائيل أو
يهوذا قدامه
[10-11]، ظانًا أنه
على ذات مستوى
هذه الأصنام.
لقد
سمح الله له
بذلك، لكنه
يعود فيؤدب
آشور على
سخريته به: "فيكون
متى أكمل
السيد كل عمله
بجبل صهيون
وبأورشليم إني
أعاقب ثمر
عظمة قلب ملك
آشور وفخر
رفعة عينيه،
لأنه قال:
بقدرة يدي
صنعت
وبحكمتي،
لأني فهيم،
ونقلت تخوم
شعوب ونهبت
ذخائرهم
وحططت الملوك
كبطل، فأصابت
يدي ثروة
الشعوب كعش
وكما يجمع بيض
مهجور أنا كل
الأرض ولم يكن
مرفرف جناح
ولا فاتح فم
ولا مصفصف" [13-14].
هكذا
ظن آشور أنه
بقدرته
وحكمته صنع
أعمالاً خارقة:
حكم ملوكًا
ونقل الشعوب،
دمر وقتل واغتنى،
في غزواته
يتطلع إلى
الشعوب كعش
طائر لا حول
له ولا قوة،
ينهب ما فيه
من بيض مهجور...
لم يوجد من
يقف أمامه أو
ينطق بكلمة.
لم يدرك
آشور أنه كان
فأسًا أو
منشارًا
يستخدمه الله
للتأديب،
فتشامخت
الأداة على من
يستعملها.
لذلك يقوم
الله بتأديبه
هكذا:
أ. يرسل
على
"سِمانه"، أي
أبطال جيشه
الجبابرة،
هزالاً [16].
ب. يوقد
تحت "مجده"،
أي جيشه، وقيدًا
كوقيد النار
[16]، فتلتهمه
ليصير رمادًا.
يصير الله
"نور
إسرائيل"
نارًا آكلة
لآشور،
والقدوس
لهيبًا يُحطم
العدو [17]. بمعنى
آخر الله الذي
هو نور
للمؤمنين
وسرّ تقديس
لحياتهم يكون
نارًا آكلة
ولهيبًا
للأشرار
المقاومين.
ج.
يُفني جيشه
فيبقى عدد
قليل (أشجار
وعرة) يستطيع
صبي أن يكتب
اسماءهم [19]،
هذا من جهة
العدد أما من
جهة القوة
فيفقدون
طاقتهم النفسية
والجسدية
ويكونون
كمسلول يذوب [18].
3.
الناجون من
إسرائيل:
كثيرًا
ما تحدث
الأنبياء عن
"البقية"
التي تخلص،
قصدوا بها
القلة
القليلة التي
تبقى أمينة
للرب وسط انهيار
القيادات
الدينية
وفساد القضاة
والرؤساء
والشعب أيضًا.
هذه البقية
التي تنجو من
فساد الجماعة
ورجاساتهم،
يخلصون من
الضيق الشديد
وقت التجربة
المُرّة (رؤ 3: 10).
هذه البقية
التي تنجو من
ظلم آشور لا
تفرح بعودتها
إلى أورشليم
إنما بما هو
أعظم، تفرح
بلقائها مع الله
القدير نفسه [21].
اقتبس
الرسول بولس
قول إشعياء
النبي [22 و 23 Lxx]
قائلاً:
"وإشعياء
يصرخ من جهة
إسرائيل وإن
كان عدد بني
إسرائيل كرمل
البحر
فالبقية
ستخلص، لأنه
متمم أمر وقاض
بالبر، لأن
الرب يصنع أمرًا
مقضيًا به على
الأرض" (رو 9: 27-28).
جاء
هذا القول في
إشعياء [ 22، 23 Lxx]
وكان يحمل
نبوة عن
المسبيين إذ
كانوا كثيرين
جدًا بالنسبة
للقلة
القليلة التي
تنجو من الأسر...
وأن الله سمح
بذلك، بل وقضى
بهذا التأديب
لأجل البر.
طبق الرسول
هذه النبوة
بصورة أشمل
على العصر
المسياني حيث
يؤسر عدد كبير
جدًا من
اليهود تحت الجحود
رافضين
الايمان
بالمسيا،
وقليلون هم
الذين يخلصون
بقبولهم
المسيا
المخلص، وقد سمح
الله بذلك
لأجل البر،
ليفتح الباب
للأمم[178].
يعلق القديس
يوحنا الذهبي
الفم: [إنه
يعني أنني لا
أهتم بالجمع
(بالعدد
الضخم)، ولا
أتأثر بالجنس
(اليهود)،
وإنما أخلص من
يتقدمون
كمستحقين
للخلاص. إنه
لم يذكر "كرمل
البحر" بلا
سبب. إنما
ليذكرهم
بالوعد
القديم (تك 22: 17؛ 32:
12) الذين جعلوا
أنفسهم غير
أهل له. لماذا
ترتبكون إذن
إن كان الوعد
لا يتحقق
(للكل) إذ أظهر
كل الأنبياء
أنه ليس
الجميع
يخلصون؟
عندئذ يظهر
الرسول أيضًا
طريق الخلاص...
"لأنه متمم
أمر وقاض
(بسرعة)
بالبر، لأن
الرب يصنع أمرًا
مقضيًا به
(سريعًا) على
الأرض" (رو 9: 28)...
هذا الأمر هو
الإيمان الذي
يحمل خلاصًا
في كلمات قليلة:
"لأنك إن
اعترفت بفمك
بالرب يسوع
وآمنت بقلبك
أن الله أقامة
من الأموات
خلصت" (رو 10: 9). ها
أنتم ترون أن
الرب متمم كلمة
قليلة على
الأرض،
والعجيب أن
هذه الكلمة القليلة
لا تحمل
خلاصًا فحسب
بل وبرًا[179]].
كما يقول:
[لئلا تظن أن
الله يهتم
بالعدد الضخم
فقط يقول: "وإن
كان عدد بني
إسرائيل كرمل
البحر
فالبقية
ستخلص"[180]].
ويقول القديس
أغسطينوس: [هذه
هي البقية من
تلك الأمة
التي تؤمن
بالمسيح[181]].
4. لا
تخف يا شعبي:
يرى
بعض الدارسين
أن النبوة هنا
تُشير إلى الحدث
التالي: عندما
رفض حزقيا بن
آحاز وخليفته
دفع الجزية هاجم
سنحاريب
الآشوري
يهوذا بجيش
قوي وحاصر أورشليم
وكان على وشك
استلام
المدينة، لكن
الله أمر
بخلاصها. قُتل
الجيش وهرب
سنحاريب حيث
قتله أبناؤه.
أشارت
النبوة هنا
إلى أمر هام
وهو أن الله
هو العامل في
كل الأجيال.
الله لا يكف
عن أن يوصي
شعبه بعدم
الخوف، فهو
الأب الملتزم
بحياتنا
وخلاصنا
ونموّنا
وسلامنا،
يعمل في كل
العصور بذراع
رفيعة لخلاص
مؤمنيه. إن
كان خروج بني
إسرائيل أو
خلاصهم من
العبودية
يُحسب أمرًا
فائقًا يكشف
عن رعاية الله
لمؤمنيه،
فانه في أيام
حزقيا يكرر
خروجهم أو
خلاصهم على
مستوى أقوى
وسط المرارة
التي يُعاني
منها الكل.
يُطالب
الله شعبه ألا
يخاف من آشور
فإنه سيبُاد،
إذ يُقيم الله
عليه سوطًا [26]،
يضربه بملاكه
ضربة قاتلة (2
أى 32: 21)، كما سبق
فضرب غراب
أمير مديان
(قض 7: 25؛ مز 83: 11)،
وكما ضرب
فرعون وجنوده
في بحر سوف
خلال عصا موسى
[26]. هكذا يُبيد
الله آشور لينزع
هذا النير عن
كتف شعبه [27] وعن
عنقه بسبب
السمانة
(الدهن)، لأجل
المسحة
المقدسة التي
نالها داود
الملك وبنوة
من بعده.
الأمر
الثاني هو أن
الممسوح أو
المسيا القدير
يهب راحة
للأرض كلها
وسلامًا خلال
ملكه الطوباوي...
هذا هو الخط
الرئيسي في
السفر كله، بل
في الكتاب
المقدس
بعهديه.
5.
الغزو
الآشوري
ليهوذا:
قبل
الحديث عن
سقوط آشور
تحدث النبي عن
الغزو الآشوري
ليهوذا ليوضح
قدارته
الحربية الجبارة
وسرعة تقدمه
نحو أورشليم العاصمة
مع ضعف مقاومة
يهوذا بل
وانعدامها، وكيف
ارتعب يهوذا
وارتعد [28-32]. قدم
النبي وصفًا شاعريًا
يكشف عن مرارة
مدن يهوذا،
لكن آشور يتوقف
عند نوب
(مدينة للكهنة
تقع في شمال
أورشليم)،
ربما ليستريح
الجيش ويستعد
لمواجهة أورشليم.
لقد وقف
سنحاريب هناك
ليرفع يده
ويمدها
مهددًا
أورشليم [32]،
فظهر كشجرة
شامخة متعجرفة.
هدد بسحق
أورشليم ولم
يدرك أن الله
قد سمح بسحقه
هو ولينزع عنه
أغصانه التي
يتشامخ بها.
في هذه
النبوة لا
يقصد الله
سنحاريب وحده
إنما عنى كل
تحرك شرير
مقاوم لكنيسة
الله أو لأحد
أولاده.
6.
سقوط آشور:
يعلن
الله تحطيم
آشور تمامًا،
فإنه يقضب
أغصانه بل
وينتزع أصوله
لينهار
تشامخه وينزل
مجده إلى
التراب [33-34]، هذه
هي ثمرة
الكبرياء!.
[178] راجع للمؤلف: رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، 1985، 205
[179] In Rom. Hom.
17.
[180] In 2 Cor,2.
[181] City of God 18:33.