وحيّ
من جهة بابل
إذ
تحدث النبي عن
السيد المسيح
وأمجاد عصره خشى
أن يفهم البعض
أن هذا الأمر
يتم في عهده
أو في
المستقبل القريب
لذلك تنبأ عن
بابل وما سيحل
بالشعب خلال
السبي
البابلي ثم
العودة من
السبي.
قبل
مجيء السيد
المسيح تظهر
مملكة بابل
بكل عنفوانها
لتتحطم،
ويأتي المسيا
ليملك ولا يكون
لملكه نهاية.
يتكرر الأمر
بالنسبة
لمجيئه الأخير
حيث تظهر
مملكة الدجال
كمملكة بابل تُقاوم
الكنيسة
وتسود العالم
لكنها تنهار
ليأتي رب المجد
على السحاب.
بابل
وغيرها من
الأمم
العنيفة إنما
تُمثل المقاومة
لله
ولكنيسته...
وقد جاء الوحي
هنا يعلن أن
كل القوى
المُعادية
لله ومسيحه
وشعبه لن تدوم
بل تنهار.
1. وحي
من جهة بابل
[1].
2. دعوة
الأمم
لمقاتلة بابل
[2-5].
3. يوم
خراب بابل
[6].
1.
وحي من جهة
بابل:
"وحي
من جهة بابل
رآه إشعياء بن
آموص" [1].
أراد
النبي تأكيد
أنه هو كاتب
النبوة، تمتع
بها من جهة
بابل. أما
تأكيده أنه هو
الذي رآها فذلك
لسببين:
أ. إن
كان إشعياء قد
تنبأ بخصوص
يهوذا
وأورشليم
لكنه يتحدث
هنا عن مصير
الأمم
المجاورة
مؤكدًا أن
الله إله
القديسين هو
بعينه إله
جميع الأمم.
ب. لم
يكن لبابل
حسبان في ذلك
الوقت، فكان
يصعب على
السامع أو
القارىء أن
يُصدق ما يقال
عنها من هذه
النبوات.
جاءت
كلمة "وحي"
بالعبرية massâh
وقد تُرجمت في
الترجوم
والفولجاتا
والنسخة السريانية
بمعنى "حمل"
أو "ثقل burden"، ربما لأن
النبي نفسه
بسبب رقته كان
يشعر بثقل
شديد مرارة من
جهة ما سيحل
بهذه الأمم من
متاعب
وتأديبات
إلهيه. فإن
كانت هذه
التأديبات عن
استحقاق
وستؤول في
النهاية
للخير لكن النبي
كرجل الله لا
يقف شامتًا بل
متألمًا. بهذا
الروح عاشت
الكنيسة
الأولى تؤدب
لكن في حب وترفق
لا تغلق باب
التوبة أمام
الخطاة حتى
بالنسبة
لمنكري
الإيمان. وقد
حسبت أمثال
نوفاتيوس هراطقة
من أجل قسوتهم
على الخطاة.
وكما يقول القديس
أمبروسيوس في
رده عليه:
[بهذا حكموا
على فساد
تعليمهم، إذ
بإنكارهم
سلطان الحل أنكروا
سلطانهم
للربط أيضًا...
ماذا أقول
أيضًا عن
عجرفتهم
المتزايدة؟
فإن إرادتهم
تُناقض إرادة
روح الرب الذي
يميل إلى
الرحمة لا إلى
القسوة... إنهم
يفعلون ما لا
يريده. لأنه
هو الديان ومن
حقه أن يعاقب،
نجده برحمته
يعفو!... يجب أن
نعرف أن الله
إله رحمة،
يميل إلى العفو
لا إلى
القسوة. لذلك
قيل: "أُريد
رحمة لا ذبيحة"
(هو 6: 6)، فكيف
يقبل الله
تقدماتكم يا
من تنكرون
الرحمة، وقد
قيل عن الله
إنه لا يشاء
موت الخاطىء
مثل أن يرجع
(حز 18: 32)؟[191]].
يظن
بعض الدارسين
أن ما ورد عن
بابل في
الأصحاحين (13، 14)
ليس من وضع
إشعياء
النبي،
وحجتهم في ذلك:
أ. أن
بابل كانت
مرتبطة
بصداقة مع
يهوذا (إش 39)، فكيف
يعلن عن نبوة
قاسية ضدها؟!
ب. كانت
بابل خاضعة
لآشور في ضعف.
ج. يبدو
من الحديث أن
إسرائيل كان
مسبيًا لبابل
أثناء إعلان
النبوة.
يُرد
على ذلك بأن
النبي كان
يتحدث عن
المستقبل
بروح النبوة،
فيُشير إلى
تأديب
إسرائيل بواسطة
آشور ثم موقف
بابل فيما بعد
عندما تحطم آشور
وتصير مملكة
عظمى، وسبي
الشعب ثم
عودته، وأخيرًا
مجيء المخلص
عمانوئيل في
ملء الزمان.
يتكلم النبي عن
المستقبل
كحاضر يعيشه،
وهذا أمر
طبيعي اعتاده
الأنبياء
لتأكيد أن ما
يعلنون عنه
يتم تحقيقه
بدقة. هذا ولا
نتجاهل أن
النبي الذي
قدم تفاصيل
دقيقة عن شخص
السيد المسيح
وحياته وعمله
الخلاصي
وسِمات عصره
يستطيع أن
يتنبأ عن قيام
دولة بابل
وسبي الشعب
بواسطتها
الأمر الذي تم
بعد حوالى 100
عام من إعلان
النبوة. وقد ردد
إرميا النبي
فيما بعد -
أثناء العصر
البابلي - ذات
صرخات إشعياء
.
أخيرًا
فإن حديث
النبي عن
الرجوع من
السبي (إش 11)
وتهديده
بالسبي
البابلي (إش 39)
يدل على أن
موضوع السبي
البابلي لم
يكن بعيدًا عن
ذهن إشعياء النبي.
2.
دعوة الأمم
لمقاتلة بابل:
لم تكن
بابل قد ظهرت
عظمتها بعد،
لكن النبي يراها
قادمة،
عاصمتها
مدينة عتاة،
لهذا يبدأ نبوته
عنها بتحريض
الرب للأمم كي
تتجمهر ضد بابل
وتقتحم
أبوابها وتذل
كبرياءها،
قائلاً:
"أقيموا
راية على جبل
أقرع" [2]. هكذا
يصدر الله
أمرًا
بمحاربة بابل
فيدعو الأمم
أن تقيم راية
الحرب على جبل
خالٍ من كل شجر
أو نباتات حتى
يمكن لكل
الجيش أن
يراها. كانت
العادة في
القديم أن
يجمع بعض
الجنود حطبًا ويوقدونه
ليلاً على
الجبل علامة
بدء الحرب؛ لذا
فإن وجودهم
على جبل خالٍ
من الأشجار
يُساعد سرعة
انتباه الجيش
لبدء الحرب.
"ارفعوا
صوتًا إليهم"
[2]، أي اضربوا
بالأبواق
لأجل تحميس
الجيوش.
"أشيروا
باليد
ليدخلوا
أبواب العتاة
(الأشراف)" [2]،
أي يلوحون
بالأيدي
لتشجيع الهمم
من أجل اقتحام
مدينة
الأحرار
الأشراف في
شجاعة وإقدام.
ما هي
بابل إلاَّ النفس
المتعجرفة
التي يلزمنا
أن نقتحمها لا
برايات الحرب
ولا بأصوات
الأبواق ولا
بالتلويح
بأيادٍ بشرية
وإنما برفع
راية الحب
التي لمسيحنا
المصلوب
لتقول: "علمه
فوقي محبة" (نش
2: 4). لنضرب ببوق
الإنجيل
المفرح
للنفوس،
ولنمد يد الحب
العملي لنسند
النفس
الضعيفة التي
أذلها
الكبرياء...
هكذا نقتحم
النفس بروح
الرب العامل
فينا
فنجتذبها
لحساب ملكوته
السماوي خلال
الحرب
الروحية
الفعّالة
بالنعمة الإلهيه
وليس بالعمل
البشري.
الحديث
هنا أعظم من
أن يكون خاصًا
بدعوة فارس ومادي
لاقتحام
الإمبراطورية
العظيمة بابل،
إنما هو دعوة
تمس خلاص
النفس الأبدي.
لهذا يكمل
قائلاً: "أنا
أوصيت مقدسي
ودعوت أبطالي
لأجل غضبي مفتخري
عظمتي، صوت
جمهور على
الجبال شبه
قوم كثيرين،
صوت ضجيج
ممالك أمم
مجتمعة. رب
الجنود يعرضُ
جيش الحرب.
يأتون من أرض
بعيدة من أقصي
السموات الرب
وأدوات سخطه
ليُخرب الأرض"
[3-5].
يلاحظ
في هذا النص:
أولاً: من
هم هؤلاء
المقدسين
والأبطال
المنتسبون لله
الذين
يُستخدمون في
هذه المعركة؟
يرى البعض
أنهم
القيادات
العسكرية
لفارس ومادي،
فقد دعيت
لمعركة
مقدسة، ليسوا
لأنهم في
حياتهم أو
إيمانهم
قديسون وإنما
لأن الله
دعاهم دون أن
يدروا لتحقيق
أهدافه
المقدسة،
ووهبهم قوة
للعمل
واستخدمهم
لتحقيق أمور
ليست في
أفكارهم. لقد
حُسبوا أبطال
الله بالرغم
من عدم
إيمانهم به،
كما دُعى كورش
الوثني مسيح
الرب الذي
أمسك الله
بيمينه ليدوس
أمامه أممًا
الخ... (إش 45: 1).
هكذا
هو صلاح الله
العجيب، إذ
يحّول طاقات
وأعمال حتى
الأشرار
لحساب نمو
ملكوته
وبنيان
النفوس.
إن كان
الله قد دعا
مقتحمي بابل
الوثنيين مقدسيه
وأبطاله،
فماذا يكون
حال أولاده
"الجنود
الروحيين"
الذين بحق هي
قديسوا الرب
إذ هم مفرزون
للعمل الروحي
القدسي،
الذين
يُحاربون ضد
إبليس وكل
أعماله
الشريرة من
أجل تقديس أعماقهم
وتقديس الغير
بكسبهم بالحب
الإلهي؛ كما
يدعوهم
"أبطاله"
لأنهم يحملون
قوته ويعملون
بروحه
القدوس؛
وأيضًا
يحسبهم
"مفتخري عظمته"
إذ يحققون مجد
اسم الله
العظيم.
يرى
الآباء
القديسون أن
المعمودية هي
دخول إلى
الجندية
الروحية حيث
يُختم طالب
العماد بختم
الروح ويُحسب
جنديًا
روحيًا لحساب
مملكة الرب.
v يأتي
كل واحد منكم
ويقدم نفسه
أمام الله في
حضرة جيوش
الملائكة غير
المحصية،
فيضع الروح القدس
علامة على
نفوسكم. بهذا
تُسجل أنفسكم
في جيش الملك
العظيم.
القديس
كيرلس
الأورشليمي[192]
v كما
يُطبع الختم
على الجند،
هكذا يُطبع
الروح القدس
على المؤمنين.
القديس
يوحنا الذهبي
الفم[193]
v من
يتقبل حميم
التجديد يشبه
جنديًا
صغيرًا أُعطى
له مكان بين
المصارعين
لكنه لم يبرهن
بعد على
استحقاقه
للجندية.
القديس
غريغوريوس
النيصي[194]
ثانيًا:
ما
هو صوت
الجمهور
القائم على
الجبال شبه
قوم كثيرين، "صوت
ضجيج ممالك
أمم مجتمعة،
رب الجنود
يعرض جيش
الحرب" (إش 43: 4)،
إلاَّ صوت
الكنيسة
المجتمعة
معًا بروح
الحب والوحدة
على الجبال
المقدسة
تتمتع
بالحياة
العلوية،
تسكن على قمم
الوصايا
المباركة لا
عند السفح،
تجتمع من ممالك
أمم كثيرة
كجيش بألوية
(نش 6: 10)... إنها
كنائس متعددة
لها ثقافات
متباينة
لكنها خلال
الإيمان الواحد
والفكر
الواحد تعيش
كجيش روحي
سماوي... هذه هي
سمة الكنيسة
الحقيقية:
كنيسة سماوية!
لذا يقول
الرسول بولس:
"نحن جميعًا ناظرين
مجد الرب بوجه
مكشوف كما في
مرآة نتغير إلى
تلك الصورة
عينها من مجد
إلى مجد كما
من الرب
الروح" (2 كو 3: 18).
v كم من
كثيرين
هاجموا
الكنيسة فهلك
الذين هاجموها،
أما هي فحلقت
في السماء.
v الكنيسة
هي رجاؤك،
خلاصك،
وملجأك. إنها
أعلى من
السماء وأوسع
من المسكونة.
القديس
يوحنا الذهبي
الفم[195]
"يأتون
من الأرض
بعيدة من أقصي
السموات الرب
وأدوات سخطه
ليُخرب كل
الأرض" [5].
تجتمع
الكنيسة من
أرض بعيدة، إذ
كان أغلب أعضائها
وثنيين مرتبطين
بالعالم،
غرباء عن بيت
الله، لكنهم صاروا
سماء الرب
ومقدسه،
يخربون
الأفكار الزمنية
أو محبة
الأرضيات
ليحملوا
الآخرين إلى خبرة
الحياة
السماوية.
وكأن تخريب
الأرض يعني
تحطيم انغلاق
القلب على
الزمنيات
لينفتح على
السماء. وكما
يقول القديس
إكليمندس
الاسكندري إن
الأرض تصير
بالنسبة
للمؤمن
(الغنوسي)
سماءً.
هذا من
الجانب
الرمزي، أما
من الجانب
الحرفي فقد
دعا الله
الأمم من فارس
ومادي
وغيرهما ليستخدمهم
لتخريب كل أرض
بابل العظيمة.
3.
يوم خراب
بابل:
يصور
لنا النبي يوم
خراب بابل
المرهب على أيدي
فارس ومادي
بكونه يوم
الرب الذي فيه
يعلن غضبه على
بابل
المقاومة له
ولأولاده.
لقد
تحقق ذلك على
يديّ كورش
الذي لم يكن
قاسيًا لكن
جيشه كان
عنيفًا
متوحشًا
همجيًا؛ لذلك خرب
الجند بابل
ليس من أجل
سلبها كنوزها
قدر ما كان
ذلك رغبة في
سفك الدماء.
يرى
البعض أن ما
ورد هنا تحقق
فعلاً في أيام
كورش ولكن
بصورة جزئية،
غير أنه
سيتحقق بصورة
أشمل في الأيام
الأخيرة كما
جاء في سفر
الرؤيا (رؤ 17) عن
دينونة
الزانية
العظيمة
الجالسة على
مياه كثيرة، بابل
العظيمة أم
الزواني.
أقول
إن هذه النبوة
تعلن عما يتم
بالنسبة لمملكة
إبليس ليس فقط
في الأيام
الأخيرة
وإنما في قلب
كل إنسان يقبل
الإيمان
بالسيد
المسيح كملك
يُقيم أورشليمًا
جديدة فيه عوض
بابل
الزانية، أي يُقيم
مدينته
المقدسة عوض
مملكة إبليس.
أ. يقول
النبي: "ولولوا
لأن يوم الرب
قادم كخراب من
القادر على كل
شيء، لذلك
ترتخي كل
الأيادي" [6]،
فلا يقووا على
حمل السلاح.
لقد صارت
مملكة بابل
سيدة العالم
كله؛ قد أطال
الله أناته
عليها عشرات
السنوات،
والبابليون
يتمادون في كبرياء
قلوبهم
وعجرفتهم ضد
الرب نفسه،
لذلك إذ
يسقطون تحت
غضبه ترتخي
أياديهم
العنيفة الحاملة
للسلاح،
فيصيرون في
ضعف شديد
وموضع سخرية.
هذه هي
صورة عدو
الخير كما
كشفها القديس
يوحنا الذهبي
الفم في
رسالته إلى
صديقه ثيؤدور
الساقط،
موضحًا له أن
إبليس يظهر
عنيفًا
للغاية وذا
قوة وجبروت
لكننا إذ نحمل
مسيحنا يضعف
وينهار. وفي
مقال عن:
"سلطان
الإنسان على
مقاومة
الشيطان يقول:
[الشيطان
شرير، وأنا
أسلّم بذلك،
لكنه شرير
بالنسبة
لذاته وليس
بالنسبة لنا
مادمنا
حذرين، لأن
هكذا هي طبيعة
الشر، إنها
مهلكة
بالنسبة
للذين يتمسكون
به وحدهم"[196]].
ب. "ويذوب
قلب كل إنسان،
فيرتاعون" [7-8].
هكذا ينتاب
الكل حالة من
الرعدة والخوف،
من رجال ونساء
وشباب وشيوخ
وأطفال؛ يصير
الكل منهارًا
ليس من يسند
أخاه بل كل
واحد يُحطم
نفسه كما
يُحطم من هم
حوله!
سر
رعدتهم
حرمانهم من
مخافة الله،
فمن يخاف الله
لا يخاف
إنسانًا ولا
أحداثًا بل
يمتلىء فرحًا
وسلامًا، لذا
قيل: "رأس
الحكمة مخافة
الله". يقول القديس
مار إفرآم
السرياني: [لتكن
خشية الله في
قلبك أيها
الحبيب مثل
السلاح بيد
الجندي[197]].
ج. "يتلوُّون
من الألم
كالوالدة وهي
في حالة طلق" [8]،
فقد حملوا في
داخلهم ثمر شر
يلدونه مرارة المُرّ.
والعجيب أن
الكتاب
المقدس يشبه
آلام الأشرار
بآلام الطلق
وأيضا آلام
المؤمنين (يو 16:
20)، الأولون
يئنون في يأس
وبرعدة لأنهم
يلدون ريحًا
(إش 26: 18)، أما
الآخرون
فيفرحون وسط
الحزن
الخارجي
لأنهم ينجبون
إنسانًا في
العالم (يو 16: 20).
د. تصير
"وجوهكم وجوه
لهيب" [8]،
محمرة خجلاً
بسبب
انكسارهم
الشديد
وجنبهم، كما
تبهت أحيانًا
وجوههم [8]، إذ
تصفر بسبب الخوف.
هـ. "تصير
أرضهم خرابًا
ليس من يمشي
عليها" [9]،
كرمز لما يحل
بالجسد
(الأرض) من
فقدان لكل حيوية
حقيقية. من
يُقاوم الرب
من أجل شهوات
الجسد يفقد
حتى جسده وتخرب
نفسه
الداخلية، إذ
قيل: "لذلك
أُزلزل
السموات
(النفس)
وتُتزعزع
الأرض (الجسد)
من مكانها في
سخط" [13]. ربما
يُشير هنا
أيضًا إلى
ثورة الطبيعة
ضد من يعصي
خالقها. وكأن
من يعصي الرب
تعصاه الطبيعة
ذاتها!
و. يحل
بهم الظلام "فإن
نجوم السموات
وجبابرتها لا
تبرز نورها،
تظلم الشمس
عند طلوعها،
والقمر لا يلمع
بضوءه" [10].
هذا يُشير إلى
ظلمة الجهل
التي تحل
بالإنسان
المقاوم لله،
فإنه لا يرى
نور الكواكب
جميعها بما
فيها الشمس
والقمر. لا
يرى شمس البر،
أي الإيمان
بالمسيح
القادر أن
يهبه حكمة
ومعرفة، ولا
يرى نور القمر
أي الحياة
الكنسية
المستنيرة
بالرب بكونها
القمر الحامل
انعكاسات نور
الشمس، ولا
يتمتع بنور الكواكب
الأخرى أو
الشركة مع
القديسين
الذين يضيئون
ككواكب منيرة.
ز. يموت
الرجال في
الحرب، وإذ
اعتادت
النساء في
بابل على
الحياة
الخليعة لذا
يطلبن رجلاً لتحقيق
شهواتهن
الرديئة فيصعب
عليهم وجوده: "وأجعل
الرجل أعز من
الذهب
الابريز
والإنسان أعز
من ذهب أوفير (ربما
مقاطعة في
الجنوب
الشرقي من
العربية أو مكان
في الساحل
الغربي
للهند)" [12]. أيضًا
يُشير ذلك إلى
قلة الأيدي
العاملة بسبب
الحرب مع عودة
المسبيين
وتحرر الأمم
من السلطان
البابلي.
ح.
فقدان
القيادة
والرعاية: "ويكونون
كظبى طريد
وكغنم بلا من
يجمعها، يلتفتون
كل واحد إلى
شعبه،
ويهربون كل
واحد إلى أرضه"
[14]. يقصد هنا
أنه يوم
انكسار بابل
يفقد الجيش القيادة
فيهرب الجنود
المأجورون أو
المسخرون من
الأمم كل إلى
بلده.
هذه هي
حال النفس
البعيدة عن
الله فإنها
تفقد قيادتها
الداخلية، ليعيش
الإنسان
كطريد أو كغنم
بلا راع
يجمعها... يحمل
في داخله
صراعات مُرّة
وتشتيت فكر مع
تحطيم
للطاقات
الداخلية.
ط. بطش
بالكل دون
تمييز بين
عسكري أو
مدني، رجل أو
إمرأة أو طفل [15].
هنا يصّور ما
يفعله مادي ضد
بابل، فإن
الماديين لا
يحطمونها
لاقتناء غنى [17]
وإنما لتحطيم
كل طاقات
بابل، فلا
يبالون بفتى
صغير ولا
بجنين في بطن
أمه [18]، إنهم
يخربون كل
مواردها
فتصير كسدوم
وعمورة
اللتين
احترقتا بنار
من السماء.
ى. تصير
بابل قفرًا
أبديًا، لا
يسكنها
إعرابي يرعى
غنمه ولا يربض
فيها رعاة
خوفًا من
الحيوانات
المفترسة
التي تسكنها
(إش 30: 20-21). تصير
خرابًا يسكن
البوم ما تبقى
من المنازل،
ويوجد بها
بنات النعام
ومعز الوحش وبنات
آوي والذئاب.
يقول الأب
سيرينوس: [يجب
ألا نأخذ كل
هذه الأسماء
بطريقة
عشوائية،
إنما تُشير
إلى شراسة
(الشياطين) وجنونهم
تحت رمز
الوحوش
المفترسة،
بكونها ضارة
وخطيرة...
وأكثر منها
شرًا[198]].
إنها
صورة للنفس
التي تستسلم
لعدو الخير
فيستخدمها
لحساب ملكوت
الظلمة،
يملأها شرًا
ويحولها إلى
معمل للفساد:
"تربض
هناك وحوش
القفر" [21]...
يسكنها العنف
والشراسة
ومحبة سفك
الدماء
البريئة بلا
سبب.
"يملأ
البوم بيوتهم"
[21]، حيث
يتشاءم
غالبية
الشرقيين من
أصواتها... وكأنه
لا تُسمع في
داخل الإنسان
الشرير سوى أصوات
اليأس
والتشاؤم
الذي يكشف عن
فراغ داخلي.
"تسكن
هناك بنات
النعام" [21]،
أي مملوءة
نجاسة (لا 11: 16؛
تث 14: 15)، صوتها
كالنحيب (مى 1: 8)
لا يدخل إليها
الفرح
السماوي،
طبعها جاف لا
تحب بيضها
(مرا 4: 3)؛ تدفن
رأسها في
الرمال متى
رأت صيادًا
يقترب إليها،
وكان يُظن
أنها تفعل ذلك
لأنها تحسب
أنه بذلك لا
يراها الصياد
لكن ظهر
حديثًا أنها
تفعل ذلك
لأنها أجبن من
أن ترى نفسها
تقع ضحية
للصيادين.
"ترقص
هناك معز
الوحش" [21].
ربما يعني
الوعل، لا
يوجد إلاَّ في
الأماكن المقفرة.
هكذا ترقص
وتلهو
الشياطين في
النفس الشريرة
إذ تجد فيها
موضعًا لها.
"وتصيح
بنات آوي
(حيوان أكبر
من الثعلب
وأصغر من
الذئب) في
قصورهم
والذئاب في هياكل
التنعم" [22]...
أي تتحول
القصور
والهياكل من
أماكن للتنعم إلى
مأوي
للحيوانات
الشرسة.
هذا
كله حل ببابل "بهاء
الممالك
وزينة فخر
الكلدانيين"
[19]، المدينة
الذهبية (إش 14: 4)،
الغنية في
كنوزها (إر 51: 13)،
فخر كل الأرض
(إر 51: 41)، شُبهت
بالرأس
الذهبي في
التمثال
المذكور في
سفر دانيال.
تحققت فيها
النبوات كما
وردت بطريقة
حرفية، إذ
يذكر التاريخ
أن كورش هدم
جزءًا كبيرًا
من أسوار بابل
وأبنيتها،
وبعد 20 عامًا
قام داريوس
بهدم بقية
الأسوار ونزع
أبوابها
النحاسية مع
صلب ثلاثة
ألاف من
عظمائها.
يُقال إن طول
سور بابل كان 60
ميلاً، 15
ميلاً من كل
جانب،
ارتفاعه 300 قدم وسمكه
80 قدمًا، يمكن
لست مركبات أن
تسير بجوار
بعضها على
السور[199].عمقه
في الأرض 35
قدمًا حتى لا
يحفر العدو
طريقًا لنفسه
تحته، ومُقام
على السور 250
برجًا
للمراقبة
والحراسة،
وبه 100 بوابة
نحاسية ضخمة
لامعة.
بالفعل
تحولت بابل
إلى خراب، وقد
حاول اسكندر
الأكبر أن
يعيد مجدها
لكنه مات قبل
تنفيذ مشروعاته.
استخدمت
حجارتها في
بناء بغداد
وإصلاح الترع
وإقامة
الكثير من
المرافق
العامة.
أخيرًا
فقد أكد النبي
أن ما يقوله
يتحقق سريعًا:
"ووقتها
قريب المجيء
وأيامها لا
تطول" [22]. فقد
بدأ نجم بابل
يتألق عام 606
ق.م.، وسقطت في
يد فارس ومادي
عام 536 ق.م.،
بينما جاءت
النبوة في القرن
الثامن ق.م.
لقد
بقيت بابل
رمزًا لكل نفس
متكبرة عاصية
كما جاء في
سفر الرؤيا،
وقد قيل: "إنه
في ساعة واحدة
جاءت
دينونتك" (رؤ 18:
10).
[191] On Repentance 1.
[192] PG. 33:333A, 428 A..
[193] PG. 61:418.
[194] PG. 46. 429C.
[195] On Eutropius, hom 2.
[196] Ep. To the fallen Theodore, 2.
[197] القمص سمعان السرياني: سيرة وأقوال مار آفرام السرياني، 1988، ص 123.
[198] Cassian: Conf. 7:32.
[199] Bultema, p. 158.