إنهيار
بابل أمام
فارس ومادي
إن
كان الله من
أجل محبته
لشعبه سمح
بسبي المصريين
بواسطة آشور
حتى يرتجف بنو
يهوذا المتكلين
على فرعون
وجيشه؛ فأنه
من أجل محبته
أيضًا يسمح
بتأديب بابل
التي تسبي
شعبه، بواسطة
فارس (ركاب
حمير) ومادي
(ركاب جمال)
حتى تنهار بابل
دون أن تتحرك
أوثانها
لإنقاذها.
وهكذا يعمل
الله وسط
الأمم كما في
البيدر لفرز
الحنطة
(المؤمنين) عن
التبن، حارسًا
أولاده من
الأشرار.
1.
انهيار بابل
[1-10].
2. نبوة
عن
آدوم
[11-12].
3. نبوة
عن
العرب
[13-16].
1.
انهيار بابل:
يشير
إشعياء النبي
إلى بابل باسم
رمزي غريب: "وحي
من جهة برية
البحر" [1]. لقد
دعى بابل
المدينة
الذهبية فخر
الأمم برية من
أجل شرها الذي
حولها إلى
حالة من
القفر؛ كما
دُعيت "برية
البحر" من أجل
موقعها على نهر
الفرات، أو
لكونها عاصمة
أعظم من أمة
بين الأمم،
فالمياه
تُشير إلى
الشعوب
الكثيرة،
فصارت هي برية
جافة وسط
الشعوب.
يعتقد
اليهود أن
الشياطين
تسكن ثلاثة
مناطق من
العالم:
البراري
القاحلة،
المياه،
الهواء؛ لذا
حارب السيد
المسيح إبليس
خلال تجربته على
الجبل في
البرية وغلب،
وحاربه في
مياه الأردن
كما في عرينه
وغلب، وأيضًا
حاربه في
الهواء حين
ارتفع على
الصليب وانتصر.
أما بابل
فُدعيت "برية
البحر"
لتاكيد أنها
صارت موضع
الشيطان
الساكن في
البرية وأيضًا
في البحر.
رآها القديس
يوحنا
اللاهوتي امرأة
زانية جالسة
على مياه
كثيرة (رؤ 17: 1).
رأى
إشعياء النبي
جيش كورش
القادم
لتحقيق خطة
الله من جهة
بابل أشبه
بزوابع في
الجنوب، كعاصفة
قادمة من
البرية من أرض
مخوفة [1].
الزوابع
أو الرياح
العنيفة التي
في الجنوب تعني
أنها ساخنة،
بعكس القادمة
من
الشمال
فهي باردة؛
وكأن جيش كورش
يشبه رياح ساخنة
عنيفة
تصاحبها
عاصفة من
البرية
مشحونة بالرمال
تردم الحقول
وتفسد
المحاصيل
وتضر البيوت
والطرق وتسبب
امراضًا خاصة
للعيون. بمعنى
آخر تُحطم
امكانيات
الإنسان
ومسكنه
وبصيرته. هذا
على عكس
الرياح
الجنوبية
الساخنة
والهادئة فأنها
تسبب نضوجًا
للمحاصيل،
لهذا تقول
العروس: "استيقظي
يا ريح
الشمال،
وتعالي يا ريح
الجنوب، هبّي
على جنتي
فتقطر
اطيابها؛
ليأتِ حبيبي إلى
جنته ويأكل
ثمره النفيس"
(نش 4: 16).
لم
يحتمل النبي
في رقته
العجيبة حتى
بالنسبة للأعداء
أن يرى ما يحل
بابل من خراب
ونهب [2]، فيقول:
"لذلك
امتلأت حقواي
وجعًا واخذني
مخاض كمخاض الوالدة،
تلويت حتى لا
أسمع، اندهشت
حتى لا أنظر،
تاه قلبي،
بغتني رعب،
ليلة لذتي جعلها
لي رعدة" [3-4].
يبدو
أنه رأى هذه
الرؤيا في
الليل [4]، إذ
تحولت ليلة
لذته بالصلاة
إلى رعدة...
وربما يتحدث
هنا باسم
البابليين
الذين تحولت
ليلة الوليمة والفرح
إلى رعدة بسبب
اقتحام كورش
العاصمة؛ فقد
رأى المائدة
الملوكية
معدة والحراس
يلهون في
الأكل والشرب
مع أنه كان
يليق
بالرؤساء أن
يمسحوا المجن بالدهن
لكي يقاتلوا
كورش.
لم
يحتمل النبي
أن يرى بابل
برجالها
العظماء تلهو
في غير اكتراث
ليقتحم العدو
الأبواب التي
صارت بلا
حراسة فتاه
قلب النبي
وامتلأ رعبًا
ووجعًا. أقول كيف
لا نئن نحن
أيضًا من أجل
الخدام الذين
ينشغلون عن
الجهاد
الروحي
بالشكليات
والرسميات
والولائم
ليتركوا
كنيسة الله
ورعيته كما بغير
حراسة يقظة.
تبقى
كلمات القديس
يوحنا الذهبي
الفم بخصوص
الرعاية
خالدة.
[إني أب
مملوء حنوًا.
اسمعوا ما
يطلبه بولس: "يا
أولادي
الصغار الذين
أتمخض بهم"
(غلا 4: 19). كل أم
تصرخ وهي
تتمخض في ساعة
الولادة،
هكذا أفعل أنا
أيضًا[245]].
[ليتكم
تستطيعون
معاينة
النيران
الملتهبة في
قلبي لتعرفوا
إني احترق
أكثر من سيدة
شابة تئن بسبب
ترملها
المبكر، فإني
لست أظنها
تحزن على
زوجها ولا
يحزن أب على
ابنه، كحزني
أنا على هذا
الجمهور
الحاضر هنا[246]]...
جاءت
الدعوة
الإلهية
للنبي: "اذهب
أقم الحارس،
ليخبر بما رأى"
[6]، فقد دعى
النبي في
القديم
"حارسًا" أو
"رقيبًا" كما
دعى "رائيًا".
عمل النبي أن
يُراقب من
البرج
المرتفع ويحرس
النفوس بكلمة
الله كما أن
يرى بالبصيرة
الروحية
ليعلن إرادة
الله وخطته
الخلاصية.
وقف
حبقوق النبي
رقيبًا، إذ
يقول: "على
مرصدي أقف،
وعلى الحصن
أنتصب،
وأُراقب لأرى
ماذا يقول لي"
(حب 2: 1)؛ كما دعى
حزقيال النبي رقيبًا
في أكثر من
موضع (حز 3: 17؛ 33: 2، 6،
7).
رأى
إشعياء فارس
(ركاب حمير)
ومادي (ركاب
جمال) قادمين
ليغتصبوا
بابل؛ رأى
وسمع بإصغاء
شديد [7] فإن
الأمر جاد
وخطير يمس
حياة شعبه. لم
يقف عند
الرؤية
والاستماع
وإنما صار
يزأر كالأسد [8]
ليعلن خطة
الله نحو سقوط
بابل وخلاص
شعب الله.
"سقطت
سقطت بابل،
وجميع تماثيل
آلهتها المنحوتة
كسرها إلى
الأرض. يا
دياستي وبني
بيدري. ما
سمعته من رب
الجنود إله
إسرائيل
أخبرتكم به"
[9-10].
تكرار
التعبير
مرتين مثل"
سقطت سقطت
بابل" هو
إحدى سمات هذا
السفر (أش 21: 9؛ 24: 4،
16؛ 28: 13، 29: 1؛ 40: 1، 9؛ 43: 11
الخ... )، ربما
لأن الحديث في
هذا السفر الخلاصي
موجه إلى
الأمم كما إلى
اليهود، دعوة الخلاص
جماعية لقبول
إله الكل
والتغلب على الشر.
فانه يليق هنا
بكل إنسان -
سواء من أصل
أممي أو
يهودي. أن
يطمئن أن بابل
التي أسرت
قلبه بالشهوات
وأكسبته عنفًا،
تنهار أمام
خلاص الله
لتقوم
أورشليم السماوية
في قلبه.
لتنهار كل
أوثان بابل
ليقوم الرب في
القلب ويعلن
ملكوته. هذا
والتكرار أيضًا
يعني نوعًا من
التأكيد.
وبجانب ذلك
فإن التكرار
مرتين يحمل
رمزًا للحب
الذي يجعل من
الاثنين
واحدًا كما
يقول القديس
أغسطينوس. بالحب
تسقط بابل
الداخلية
وتنهار مملكة
إبليس الذي لا
يحتمل الحب،
وبه نتمتع
بالحياة الإنجيلية
كوصية الرب:
"بهذا يعرف
الجميع انكم تلاميذي
إن كان لكم حب
بعض لبعض" (يو 13:
35).
يرى
النبي العالم
أشبه بالبيدر
فيه تُداس المحصولات
ثم تُذرَّى
لفصل الحنطة
المخفية وسط
التبن... إنها
حنطة الرب
نفسه التي لا
تهلك بل تُفرز
عن التبن.
يتحدث القديس
أغسطينوس عن
السبي
البابلي
والخلاص منه،
قائلاً:
[يقول
الرسول: "فهذه
الأمور
جميعها
أصابتهم مثالاً،
وكُتبت
لإنذارنا نحن
الذين انتهت
إلينا أواخر
الدهور" (1 كو 10: 1).
يلزمنا أن
نعرف سبينا
وعندئذ
خلاصنا؛ يليق
بنا أن نعرف
بابل التي
أُسرنا فيها،
وأورشليم
التي تئن
للرجوع إليها.
فإن هاتين
المدينتين -
من جهة الحرف -
هما مدينتان
واقعيتان.
"بابل"
معناها
"ارتباك"
(بلية)؛
وأورشليم "رؤية
سلام"!...
هاتان
المدينتان قد
بنيتا في وقت
معين لتكونا
رمزًا
لمدينتين
تبقيان إلى
نهاية
العالم...
عندما يجلس
البعض على
اليمين
والآخر على
اليسار، أورشليم
تكون على
اليمين وبابل
على اليسار...
نوعان
من الحب
يُوجدان
هاتين
المدينتين: حب
الله يُوجد
أورشليم، وحب
العالم يُوجد
بابل. لهذا
يسأل كل واحد
نفسه: ما الذي
يحبه؟ وعندئذ
يعرف أية
مدينة هي
وطنه. إن وجد
بابل وطنه فليقتلع
عنه الطمع
وليزرع
المحبة، أما
إن وجد أورشليم
وطنه ليحتمل
السبي
مترجيًا
الحرية...
الآن،
ليتنا أيها
الأخوة نسمع
عن هذه المدينة
التي نحن
مواطنون
فيها؛ لنسمع
عنها ونتغني بها
ونشتاق إليها[247]].
هكذا
يتطلع القديس
أغسطينوس إلى
أولاد الله
الذين
ارتبطوا
بالحب الإلهي كمواطنين
لأورشليم
العليا،
مدينة الحب
الأبدي؛
يعيشون هنا في
جهاد ضد بابل
التي لا تتوقف
عن بذل كل
طاقاتها لسبي
أولاد الله
وحرمانهم من
وطنهم
السماوي، إذ
سلموا انفسهم
بانفسهم
للسبي حين
قبلوا
الخطية؛ وقد
جاء المخلص
يفتح باب
الرجاء لهم
ليهبهم حرية
مجد أولاد
الله.
في
نظرة مملوءة
رجاء يعلق القديس
أغسطينوس على
قول النبي:
"إذا ما ردّ
الرب سبي
صهيون صرنا
مثل
المتعزين"
(مز 126: 1)، قائلاً:
[كان الإنسان
مواطنًا في
أورشليم،
لكنه بيع تحت
الخطية فصار
سائحًا (بلا
مدينة)...
"
بابل" معناها
"ارتباك"... فان
أمور هذه
الحياة
الحاضرة
البشرية كلها
ارتباك
بكونها لا تنتمي
لله. في وسط
هذا
الارتباك، في
هذه الأرض البابلية
أُسرت صهيون،
ولكن "ردّ
الرب سبي صهيون"
فصرنا "مثل
المتعزين"،
أي فرحنا لأننا
تقبلنا
تعزية...
أننا
نحزن على ما
نحن عليه
الآن، لكننا
متعزون في
رجاء. سيعبر
الحاضر الذي
لحزننا ويأتي
الفرح
الأبدي، فلا
تكون هناك
حاجة إلى
تعزية حيث لا
نُصاب بضيقة
ما[248]].
2.
نبوة عن أدوم:
"وحيّ
من جهة دومة،
صرخ إليّ صارخ
من سعير: يا حارس
ما من ليل، يا
حارس ما من
ليل. قال
الحارس: أتى
صباح وأيضًا
ليل. إن كنتم
تطلبون
فأطلبوا، ارجعوا
تعالوا" [11-12].
يدعو
النبي آدم
باسم نبوي سري
"دومة" Dumah
وهو اختصار لـ
Idumea. إن كان إسم
"أدوم" معناه
"دموي" أو
"ترابي"،
بكون ادوم
يمثل الأشرار
محبي سفك
الدماء،
المرتبطين
بمحبة
الزمنيات
الأرضيات
والجسديات،
فإن اسم
"دومة" معناه
"صمت" أو
"سكوت الموت"...
وقف
النبي على
المحرس كل
الليالي [8]، إذ
ساد العالم
نوعًا من
الظلمة
الداخلية،
يترقب مجيء شمس
البر لينتزع
ظلمة الليل
ويحل الصباح.
الآن يسمع
صوتًا ربما من
السماء أو من
بقية
الأنبياء
ورجال الله: "يا
حارس ما من
ليل "... لقد جاء
ملء الزمان
وأشرق نور
الصباح؛ لتصمت
الأمم ولتمت
عن إنسانها
القديم
لتتمتع بنور
الحياة؛
لتطلب الآن
فتجد نورها
خلال إيمانها
بالسيد
المسيح،
لترجع إلى الله
مخلصها وتأتي
إليه فتجده
باسطًا يديه
بالحب العملي
ليحتضنها.
يُكرر
"يا حارس ما
من ليل"
مرتين لأن
الحديث مع
النبي خاص
باليهود كما بالأمم،
وأيضًا خاص
بمؤمني
العهدين
القديم والجديد
كي يتمتع الكل
بالخلاص وهم
في سكون يتأملون
عمل الله
معهم.
3.
نبوة عن بلاد
العرب:
جاء
الأصل Ereb وليس Arabia، وهو يعني
"مساءً"، إذ
يتحدث عن كل
قاطني الظلمة.
هنا
يُحدِّث
قبائل ديدان
وقيدان،
القاطنة جنوب
شرقي أدوم،
هؤلاء
استقبلوا
الهاربين من السيف،
والذين سلموا
أنفسهم مقابل
التمتع بماء
للشرب أو خبز
للأكل...
إذ
عاشت هذه
القبائل في ظلمة
الوثنية صارت
عاجزة عن أن
تقدم عونًا
حقيقيًا
للهاربين
إليها، لأن
أعمى يقود
أعمى يسقطان
كلاهما في
حفرة (مت 15: 14؛ لو 6:
39).
[245] In Hebr. Hom 23:9.
[246] Ibid.
[247] On Ps. 65.
[248] On Ps. 126.