المسيح
واهب السَلام
يعتبر
هذا الأصحاح
ختامًا
جميلاً
للحديث عن الصراع
الذي قام بين
أورشليم
وآشور،
فبعدما كرر
التحذير من
الالتجاء إلى
فرعون
والاتكال على
الذراع
البشري،
يُقدم لنا
السيد المسيح
كملك روحي يهب
السلام
والعدل.
1.
بركات مملكة
المسيح
[1-8].
2.
اضطراب خارج
المسيح [9-14].
3. الروح
القدس
والسلام
[15-20].
1.
بركات مملكة
المسيح:
الحديث
هنا خاص
بمملكة
مزدهرة، يرى
بعض الدارسين
أنها مملكة
حزقيا التي
بدأت بالاصلاح
الروحي
والاجتماعي
وإن كان
كثيرون لم يصلحوا
إلاَّ الشكل
الخارجي؛
ويرون آخرون
أن الحديث هنا
عن السيد
المسيح لأن
البركات المذكورة
هنا لم تتحقق
في أيام
حزقيا؛ غير أن
فريقًا ثالث
يرى أنه حديث
عن الملك
حزقيا أو غيره
من الملوك كظل
للسيد المسيح.
ماذا
يُقدم لنا
المسيح
الملك؟
أ.
دستور العدل
والحق: "هوذا
العدل يملك
ملك، ورؤساء
بالحق
يترأسون" [1]. إن
كان الرب قد
ملك على خشبة
أي خلال
الصليب، وقد
دفع ثمن
خطايانا
تحقيقًا
للعدالة،
فأنه يقيم
تلاميذه ومؤمنيه
كرؤساء نمارس
سلطاننا
الروحي لا على
الآخرين
وإنما على
نفوسنا
وأحاسيسنا
ومشاعرنا
وطاقاتنا لا
بكبتها أو
تحطيمها
وإنما "بالحق"،
أي بتقديسها
بالمسيح الحق.
ب. عوض
المتاعب
والضيقات
يصير هذا
الملك "كمخبأ
من الريح"،
يحمي
المؤمنين من
رياح التجارب
والضغطات المُرّة؛
"وستارة من
السيل" أي
كمظلة أو غطاء
تحميهم من
المياه
الجارفة، "وكسواقي
(أنهار) ماء في
مكان يابس"،
أي يروى
النفوس
العطشى في
البرية
القاحلة، "كظل
صخرة عظيمة في
أرض معيبة"
يختفون في
المسيح
الصخرة فلا
يصيبهم ضررًا.
هكذا
يُقدم أربعة
تشبيهات لعمل
السيد المسيح
في حياة
مؤمنيه: مخبأ،
غطاء، أنهار
مياه، صخرة
عظيمة.
خلال
هذه
التشبيهات
يرانا النبي
أشبه بإنسان
مسافر يجد في
السيد المسيح
كل
احتياجاته، متى
هبت عليه
العواصف
العنيفة وجد
فيه الملجأ الأمين،
وإن لحقته
سيول جارفة
يجده غطاءً واقيًا،
وإن عانى من
الظمأ يصير له
الرب أنهار
مياه حية، وإن
هاج العالم
كله يستظل فيه
كصخرة صلدة
قادرة أن
تخفيه وتحميه حتى
من الموت.
بمعنى
الله المخلص
يُقدم ذاته كل
شيء لمؤمنيه
حتى لا يعوزهم
شيئًا. لقد
قدم ذاته خلال
أسماء كثيرة
لكي ندرك أنه
سّر شبعنا
الحقيقي، وكما
يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم:
[لماذا
دُعي الطريق؟
لكي نفهم أننا
بواسطته نلتقي
بالآب
لماذا
دُعي الصخرة؟
لكي نفهم أنه
حافظ الإيمان
ومثبته.
لماذا
دُعي
الينبوع؟ لكي
نفهم أنه مصدر
كل شيء.
لماذا
دُعي الأصل؟
لكي نفهم أن
فيه قوة
النمو.
لماذا
دُعي الراعي؟
لأنه يرعانا.
لماذا
دُعي الحمل؟
لأنه قُدم
فدية عنا وصار
تقدمة.
لماذا
دُعي الحياة؟
لأنه أقامنا
ونحن أموات.
لماذا
دُعي النور؟
لأنه أنقذنا
من الظلمة.
لماذا
دُعي الذراع؟
لأنه مع الآب
جوهر واحد.
لماذا
دُعي الكلمة؟
لأنه مولود من
الآب، فكما أن
كلمتي هي
مولودة مني،
هكذا أيضًا
الابن مولود من
الآب.
لماذا
دُعي ثوبنا؟
لأنني التحفت
به عندما اعتمدت.
لماذا
دُعي
المائدة؟
لأنني اغتذي
عليه عندما
اشترك في
الأسرار.
لماذا
دُعي المنزل؟
لأنني أقطن
فيه.
لماذا
دُعي العريس؟
لأنه قبلني
كعروس له.
لماذا
دُعي بلا دنس؟
لأنه أخذني
كعذراء.
لماذا
دُعي السيد؟ لأنني
عبد له.
إن
سمعت هذه
الأمور أرجو
إلاَّ تفهمها
بمعنى مادي،
بل حلق بفكرك
عاليًا،
لأنها
لا تؤخذ بمعنى
جسدي[335]].
v طوبى
للذي نسى حديث
العالم
بحديثه معك،
لأن منك تكتمل
كل حاجاته.
أنت هو أكله
وشربه! أنت هو
بيته ومسكن راحته،
إليك يدخل في
كل وقت
ليستتر! أنت
هو شمسه
ونهاره،
بنورك يرى
الخفيات. أنت
هو الآب والده!
أنت أعطيته
روح ابنك في
قلبه!
الشيخ
الروحاني[336]
ج.
يُقدم السيد
المسيح
لمؤمنيه
البصيرة الروحية
لترى الأمور
غير المنظورة
ولا تظلم عيناه
الداخليتين: "لا
تحسر (تعتم)
عيون
الناظرين" [3]. كما
يهبنا القدرة
على الاستماع
لوصيته والإنصات
إلى كلماته
بفرح: "وآذان
السامعين
تصغي" [3].
يُقدم حكمة مع
فهم وعلم: "وقلوب
المتسرعين
تفهم علمًا" [4].
يهب اللسان
الكلام
اللائق
الفعّال: "وألسنة
العييّن
(المتلعثمين)
تُبادر إلى
التكلم
فصيحًا".
وأخيرًا
يعطينا نعمة
التمييز فلا
نحسب اللئيم
كريمًا ولا
الماكر
نبيلاً [5].
في
اختصار يهب:
البصيرة
الداخلية،
الاستماع مع
الطاعة،
الحكمة مع فهم
وعلم، القدرة
على الكلام
البنّاء،
نعمة التمييز.
هذا كله يتحقق
بالمخلص الذي
ينتزع الخطية
المسببة
للعمى
والعصيان
والغباوة
والعجز عن
النطق بالحق
وعدم التمييز.
v إلهي...
أنت نوري!
افتح عينيّ
فتُعاينا
بهاءك
الإلهي،
لأستطيع أن
أسير في طريقي
بغير تعثر في
فخاخ العدو...
أنت هو
النور لأولاد
النور! نهارك
لا يعرف الغروب!
نهارك يُضيئ
لأولادك حتى
لا يتعثروا!
أما
الذين هم خارج
عنك، فإنهم
يسلكون في
الظلام
ويعيشون فيه!...
نعم
خارج ضيائك
تهرب الحقيقة
منيّ، ويقترب
الخطأ إليّ،
يملأني
الزهو، وتهرب
الحقيقة مني!
أصير في ارتباك
بدلاً من
التمييز،
يصير ليّ
الجهل عوض المعرفة،
العمى عوض
التبصر، لا
يعود ليّ طريق
موصل إلى
الحياة...
القديس
أغسطينوس[337]
د. يميز
الله بين
اللئيم
والكريم، إذ
هو فاحص القلوب،
ومدرك
للخفيات [6-8].
2.
اضطراب خارج
المسيح:
بعدما
تحدث عن بركات
مملكة المسيح
والتي من بينها
التمييز بين
اللئيم
والكريم،
يعرف الله كيف
يُدين الأول
ويكرم
الثاني، صار
يحدثنا عن
دينونة
اللئيم في
صورة حديث مع
النساء المدللات
المُترفات
اللواتي
يخرجن بعد
الحصاد ليقضين
فترات من
اللهو معًا في
فرح زمني وبطريقة
جسدانية غير
لائقة. لا
يعود بعد يوجد
عيد للحصاد،
لأن العدو
يستولي على كل
المحصولات.
هؤلاء
النسوة يمثلن
الرافضين
الإيمان بالسيد
المسيح،
السالكين
خارج ملكوته
الروحي، يُصبن
بالآتي:
أ. عوض
الطمأنينة
والسلام
يرتعدن [11]...
v لتكن
أنت كل
سعادتي،
ياكُـلَّي الصلاح...
بك أقوم
وبدونك أهلك!....
بك امتلئ
فرحًا،
وبدونك أهلك
حزنًا...
آه!
أسرع واجعل من
نفسي مسكنًا
لك، ومن قلبي
مستقرًا...
رائحتك تُعيد
ليّ قوتي،
وذكراك يُخفف
آلامي، ظهورك
شبع ليّ (مز 17: 10)!
يا
حياة نفسي...
قلبي يجري
وراءك، ويذوب
عند تذكر
خيراتك، متى يحين
وقت رحيلي إلى
ملكوتك؟! متى
أحظى بمعاينة
جمالك، أيها
الحياة سعادة
قلبي!
لماذا
تحجب وجهك
عني، يا سعادة
نفسي الوحيد؟!
أين
تختفي يارب
الجمال، يا
نهاية كل
طموحي...
اجذب
قلبي، فأنت هو
فرحي!
القديس
أغسطينوس[338]
ب. عوض ارتداء
الثياب
الثمينة
يتجردن
ويتعرين ويتنطق
على الأحقاء
[11]، علامة تخلي
النعمة وفقدان
الستر الروحي.
ما هي
هذه الثياب
الثمينة التي
ترتديها النفس
البشرية
إلاَّ شخص
السيد المسيح
الذي يخفينا
فيه ويستر
علينا بدمه
ويهبنا جماله.
وكما القديس
بولس: "لأنكم
كلكم الذين
اعتمدتم
بالمسيح قد
لبستم
المسيح" (غلا 3: 27). في
مياه
المعمودية
نلبس السيد
المسيح، فنحمل
بره ومجده
وبهاءه فينا.
وكما يقول ماريعقوب
السروجي:
[المعمودية هي
حلة المجد
المعطاة
لآدم، تلك التي
سرقتها منه
الحية بين
الشجر...
تعاليّ (أيتها
النفس) والبسي
الجلالة،
واقتني النور
بالمياه
الطاهرة.
تعاليّ، انزلي،
والبسي
الثياب التي
نسجها
اللاهوت، واصعدي
وأرينا جمالك
الخالد،
لنفرح معكِ...
لبسْتي
الملون كعظيم
الأحبار في
بيت التطهير.
النار والروح
ينسجان لكِ
ثوب الذي كله
نور. يا أبنة
الشعوب
المخطوبة
للنور في داخل
المياه[339]].
ج. عوض
الفرح يلطمن
على الثدي
نائحات كمن
لهن ميت [12]؛
فإنهن
بانفصالهن عن
الله مصدر
الحياة فقدت
نفوسهن
الحياة.
v كم أنا بائس؟
إلهي... متى
تُفارقني هذه
الطبيعة
الفاسدة، وتعمل
فيّ قوتك
الكاملة؟!...
إني
جِبْلَتك، وها
أنا أموت!
إنيّ من صُنع
يديك، وها أنا
أنحدر نحو
العدم!... أأمر
الميت حتى
يخرج من
القبر!... آه! يا
إلهي! أنني
ساستغيث
قبلما أهلك أو
على الأقل
استغيث لئلا
أهلك، حتى
استحق السكنى
فيك... عضدني
أيها المجد
الأبدي، يا
فرحي، اكشف
ليّ ذاتك يا
إلهي حتى
أحبها!
القديس
أغسطينوس[340]
د. عوض
الفرح
بالحصاد،
تُنبت لهن
الأرض شوكًا وحسكًا
(إش 3: 13)، علامة
حلول اللعنة
مع الجفاف الروحي.
هـ.
تهدم قصورهن
وتهجر المدن
وتتحول بيوت
الفرح
والمدينة
المبتهجة إلى
قفر به أشواك
وحسك [13-14].
و.
تتحول الأكمة
والبرج إلى
مغاير دائمة
ترعى فيها
حمير الوحش
(رمز للشياطين
الشرسة) والقطعان
(الأفكار
الحيوانية).
هذه هي
سمات النفس
خارج المسيح:
رعدة وحزن وجفاف
وخراب ودمار
يحل بها،
فتصير مسكنًا
للأرواح
الشريرة
الوحشية
والأفكار
والشهوات الحيوانية.
3.
الروح القدس
والسلام:
الله -
في محبته -
يطلب أولاده
لـه لكي ينزع
عنهم الرعدة
والمرارة
والجفاف
والدمار،
فيسكب روحه
القدوس علينا
كي لا يجد عدو
الخير وأفكار
الجسد
وشهواته
موضعًا فينا،
إذ قيل: "إلى
أن يسكب علينا
روح من العلاء
فتصير البرية
بستانًا
ويُحسب البستان
وعرًا" [15].
يرى
كثير من
الشراح أن ما
ورد هنا يُشير
إلى حلول
الروح القدس
في عيد
البنطقستي
حيث تتحول برية
النفس
القاحلة إلى
بستان يحمل
ثمار الروح
القدس
المفرحة لله
والناس،
بينما يفقد الجاحدون
حتى الثمر
الطبيعي
فيصير
بستانهم الضعيف
وعرًا.
يصور
لنا النبي هذا
العمل
البنطقستي في
حياة الكنيسة،
قائلاً:
"فيسكن
في البرية
الحق والعدل
في البستان
يقيم" [16]،
بمعنى أن
الروح القدس
يحول بريتنا
بستانًا أو
فردوسًا
يُقيم فيه
السيد المسيح
الذي هو الحق
والعدل. إن
كان مسيحنا قد
وعد بعطية
الروح فإن عمل
الروح في
المؤمن هو
تهيئته لسكنى
المسيح فيه،
واقامة
ملكوته داخلنا.
"ويسكن
شعبي في مسكن
السلام" [18]،
بسكنى رب
المجد في وسط
شعبه يحل
السلام في وسط
الشعب؛ يتجلى
مسيحنا فينا
ونسكن نحن
فيه، إذ هو
سلامنا
الأبدي. يملك
سلامه في
قلوبنا (كو 3: 15)
فنعيش في
مصالحة مع
الله والناس أيضًا،
ونحسب كمن هم
في السماء
عينها.
أخيرًا
يطوّب النبي
الذين ينعمون
بعطية الروح
خلال مياه
المعمودية: "طوباكم
أيها
الزارعون على
كل المياه
المسرحون
أرجل الثور
والحمار" [20].
وكأن من يزرع
على مجاري
مياه الروح
القدس يحمل
حصادًا
كثيرًا فلا
تنقطع
الثيران
والحمير عن
حملها دورًا
بعد دور، فتمر
أرجل هذه الحيوانات
بحرية
وتكرار...
v مبارك
هو من يزرع
بجانب
المياه، فأن
هذه النفس
تُحرث وتُسقى
ويَطأها
الثور
والحمار بعدما كانت
جافة بلا مطر [20]
وذليلة بلا
سبب. مبارك هو
ذاك الذي كان
"وادي (السنط)" (يو 3: 18)
يُسقى من بيت
الرب فيصير
بكرًا وينتج
طعامًا
للإنسان عوض الجفاف
وعدم
الإثمار...
لهذا يليق بنا
أن نحرص ألا
نفقد النعمة.
القديس
غريغوريوس
النزينزي[341]
[335] To Eutropius, hom.2.
[336] الحب الإلهي، ص50.
[337]الحب
الإلهي، ص70-75.
[338] الحب
الإلهي، ص38-40.
[339] ميمر
عن المعمودية
المقدسة.
[340] الحب
الإلهي، ص80-83.
[341] On the Holy Baptism 27.