إثارة
سنحاريب
للشعب
أرسل
سنحاريب ملك
آشور ربشاقي
ليُثير الشعب ضد
حزقيا ملك
يهوذا،
مطالبًا
إياهم ألا
يتكلوا على
فرعون ولا
ينخدعوا
بكلمات ملكهم
المتكل على
إلهه بل
يعقدوا معه
صلحًا حتى لا
يُخّرِب
بلادهم، وأن يقبلوا
الذهاب إلى
أرض السبي
برِضا.
لكي
نفهم هذه
الحادثة
التاريخية
يلزمنا دراسة
(2 أى 32، 2 مل 18: 13-20؛ 19).
1.
سنحاريب
يستولي على
مدن
يهوذا
[1].
2.
إرساله
ربشاقي إلى
أورشليم
[2-10].
3.
ربشاقي يُثير
الشعب
[11-21].
4.
عودة
المسئولين
إلى
حزقيا
[22].
1.
سنحاريب
يستولي على
مدن يهوذا:
"وكان
في السنة
الرابعة عشرة
للملك حزقيا
أن سنحاريب
ملك آشور صعد
على كل مدن
يهوذا الحصينة
وأخذها" [1].
ورد
غزو سنحاريب
على يهوذا هنا
في (ص 36) وأيضًا
في (2 مل 18: 13-20)،
وبمقارنة
النصين
يُلاحظ الآتي:
أ. جاء
في (2 مل 18) أن
حزقيا أرسل
إلى ملك آشور
يعتذر له
ويقول: "قد
أخطأت، ارجع
عني ومهما
جعلت عليّ
حملته"،
وبالفعل فرض
عليه جزية
ثلاث مئة وزنة
من الفضة
وثلاثين من
الذهب دفعها
حزقيا من بيت
الرب ومن
خزائن بيت
الملك... لكن
سنحاريب خان
العهد وعاد
يرسل جيشًا
ليقتحم
أورشليم. وقد
جاء تاريخ
آشور يؤكد ذلك
فقد حُسب
حزقيا كعصفور
في قفص لم يكن
قادرًا على الخروج
من أورشليم،
وأنه دفع
الجزية كما أن
200.000 شخصًا من
شعبه سقطوا
أسرى.
لم
يذكر إشعياء
النبي أمر
الجزية، لأنه
لم يهدف إلى
تاريخ حياة
حزقيال، إنما
أراد إبراز معاملات
الله معه
لتأكيد
إمكانية الله
للخلاص عندما
يبدو الأمر
مستحيلاً.
ب. يرى
بعض الدارسين
أن سنحاريب
قام بحملتين للغزو
على يهوذا،
الأولى سنة 701
ق.م. والأخرى
سنة 688 ق.م. أيام
ترهاقه ملك
مصر وكوش (إش 37: 9).
ج. جاء
في (2 مل 18: 17) أن
سنحاريب أرسل
مع ربشاقي
قائدين هما
ترتان
وربساربس؛
كانت
الإرسالية
تضم ثلاثة
قواد وكان
ربشاقي هو
المتكلم
الوحيد بينهم.
يرى
البعض أن
ربشاقي ليس
إسمًا لشخص
إنما هو لقب
يعادل "رئيس
سقاة" يتذوق الخمر
قبل أن يشرب
منه الملك حتى
لا يتعرض الملك
للتسمم، كما
كان يقوم
بأدوار أخرى
رئيسية في
القصر الملكي.
لقد
سمح الله بهذا
الضيق في أيام
حزقيا الذي قام
بإصلاحات
كثيرة وسط
الشعب وإن كان
كثيرون - خاصة
من القادة
الدينيين
والمدنيين -
اهتموا بالإصلاح
الخارجي دون
الداخلي،
فاهتموا
بالشكليات
دون الحياة القدسية،
وقد أراد الله
أن يزكي حزقيا
ويحول الضيق
إلى تمجيده.
هذا ومن جانب
آخر أراد أن
يكشف ضعف
حزقيا أمام
نفسه فقد
خانته شجاعته
ولم يكن
اتكاله على
الله كاملاً...
بالتجربة
اعترف بضعفه
وزاد إيمانه
بالله وثقته
فيه.
2. إرساله
ربشاقي إلى
أورشليم:
أرسل
سنحاريب
ربشاقي من
لاخيش (لخيش)،
وهي مدينة
محصنة تقع في
سهول يهوذا
(يش 15: 33، 39)، كانت
تُعرف سابقًا
بتل الحصى
التي تبعد 16
ميلاً شمال شرقي
غزة وأحد عشر
ميلاً جنوب
غربي مدينة
جبرين،
يُرجَّح الآن
أنها تقع في
تل الدوير على
بعد خمسة
أميال جنوب
غربي بيت
جبرين؛
حاصرها سنحاريب
ومن المعسكر
الذي أمامها
أرسل ربشاقي إلى
أورشليم لكي
يسلمها الملك
ورجاله.
وقف
ربشاقي ومعه
جيش عظيم عند
قناة البركة
العليا في
طريق حقل
القصار [2]، أي
حقل مبيض
الثياب، خارج
أورشليم
وقريب منها
جدًا حيث كان
الذين على سور
المدينة
يسمعون من
يتكلم في حقل
القصار. يرى
البعض أنه في
وادي قدرون،
وأن القناة المشار
إليها هي
النفق الموصل
ينبوع العذراء
ببركة سلوام،
وإن كان البعض
يرى أنه كان
شمال
المدينة، حيث
كان الشمال هو
الجانب
الطبيعي الذي
يقع الهجوم
منه.
خرج
إليه الياقيم خلف
شبنا المتولى
على بيت الملك
(إش 22: 15-20) أشبه برئيس
الوزارة،
وشبْنا
الكاتب الذي
يُسجل للملك
أهم الأحداث
للتذكرة
ويقوم بدور
المؤرخ لحياة
الملك،
وأيضًا يوآخ
المسجل.
سخر
ربشاقي
بحزقيا الملك
أمام عظمائه
إذ دعى سنحاريب
"الملك
العظيم ملك
آشور" بينما
لم يعطِ لقبًا
لحزقيا [4]. هزأ
به لأنه اتكل
على فرعون مصر
قائلاً: "أنك
قد اتكلت على
عكاز هذه
القصبة
المرضوضة، على
مصر، التي إذا
أتكأ أحد
عليها دخلت في
كفه وثقبته" [6].
وقد صدق في
هذا أن من
يتكل على ذراع
بشر إنما يتكئ
على قصبة
مرضوضة لا
تقدر أن تسنده
بل وتثقب يده.
كما سخر به
لأنه اتكل على
الله إلهه،
قائلاً: "أفليس
هو الذي أزال
حزقيا
مرتفعاته
ومذابحه،
وقال ليهوذا
وأورشليم:
أمام هذا
المذبح تسجدون؟!...
لا يجعلكم
حزقيا تتكلون
على الرب
قائلاً: انقاذًا
ينقذنا الرب،
لا تُدفع هذه
المدينة إلى يد
ملك آشور... هل
أنقذ آلهة الأمم
كل واحد أرضه
من يد ملك
آشور؟!... مَنْ
مِن كل آلهة
هذه الأراضي
أنقذ أرضهم من
يدي حتى ينقذ
الرب أورشليم
من يدي؟!" [7، 15،
20].
في ذات
الموقع الذي
فيه سخر آحاز
بالرب رافضًا
التعامل مع
الله متكلاً
على الذراع
البشري (إش 7)،
صار ربشاقي
يسخر بالله،
وكأن بني يهوذا
صاروا يشربون
من الكأس التي
قدمها لهم آحاز
ملكهم من قبل!
في ذات الموقع
الذي جاء فيه
إشعياء إلى
آحاز يسأله أن
يطلب آية من
الرب لتأكيد
إمكانية الله
للخلاص
فيرفض، جاء
ربشاقي يسخر
بيهوذا
وملكهم
وإلههم!
لقد
اتكل حزقيا
أيضًا على
معاهدات
بشرية مع فرعون،
وبخه الله
عليها على
لسان رجل
وثني، إذ
دعاها كلام
شفتين، مشورة
كلامية [5] لا
قوة لها ولا
فاعلية. الآن
يراهنه أنه
يُقدم له
ألفين فرس إن
جاء بألفين
فارس من شعبه
قادرين على
استخدامها.
وكأنه يقول
له: لماذا
تتكل على فرس
مصر
وفرسانها، ها
نحن نقدم لك
الخيل قدم لنا
رجالك؟!.
3.
ربشاقي يُثير
الشعب:
إذ
استخدم
ربشاقي حرب
الأعصاب
لإثارة الشعب ضد
الملك
ورجاله،
ودَفْعِهم
إلى اليأس
وتحطيم
إيمانهم
بالله
المخلص، طلب
رجال حزقيا من
ربشاقي أن
يتحدث
بالآرامية –
السريانية -
التي كان ينطق
بها سكان شمال
وشرق فلسطين،
ويفهمها
الآشوريون إذ
تنتمي إلى ذات
عائلة
لغاتهم، وهي
لغة لا يفهمها
عامة الشعب
اليهودي، لكن
ربشاقي أصّر
على الحديث
بالعبرية،
لإثارة الشعب
وإحداث نوع من
الانشقاق،
لعله يستطيع
أن يشعل حربًا
أهلية وسط
الشعب
والقيادات.
هذا هو
عمل عدو
الخير،
يستخدم اللغة
التي تثير
ضعفنا، والتي
تسبب
انشقاقًا
وانقسامات.
أراد
ربشاقي أن
يُثير الشعب
فذكّرِهم بما
سيحل بهم من
دمار عوض
تمتعهم
بالخيرات في
آشور لإظهار
أن حزقيا
يخدعهم وأن
إلههم لن
ينقذهم. أنه
يستخدم ذات
الأسلوب الذي
يستخدمه عدو
الخير عبر كل
الأجيال، إذ
نرى حاليًا
اتباع "كنيسة
الشيطان" في
أمريكا
ينادون بأنهم
يعبدونه لأنه
يستجيب لهم ويهبهم
طلباتهم التي
لا يُقدمها
لهم الله.
عمل
عدو الخير
الرئيسي هو
إثارة الرعب
في حياة
الإنسان
وتشكيكه في
قوة الإيمان.
فمن جانب يُحطم
نفسيتهم
بالإرهاب
والرعب، ومن
الجانب الآخر
يُريد أن
يعزلهم عن
الله ملكهم
ومخلصهم ليستفرد
بهم. لذلك
يصرخ داود
النبي قائلاً:
"كثيرون
يقولون لنفسي
ليس له خلاص
بإلهه" (مز 3: 2)، "كل
الذين يرونني
يستهزئون
بيّ، يغفرون
الشفاه
وينغضون
الرأس قائلين:
اتكل على الرب
فليُنجه،
لينقذه لأنه
سُرّ به!" (مز 22:
7-8)؛ "لأن
أعدائي
تقاولوا
عليّ، والذين
يرصدون نفسي
تآمروا معًا،
قائلين أن
الله قد تركه،
ألحقوه
وامسكوه لأنه
لا منقذ له"
(مز 71: 10-11). هذه هي صورة
حرب عدو الخير
الذي يسخر
بالمؤمنين
ويهينهم
محطمًا
نفوسهم حتى
يفقدوا
رجاءهم في الرب
إلههم فيلحق
بهم وينحدر
بهم معه حتى
الهاوية. وقد
أراد العدو أن
يمارس ذات
الحرب مع ممثل
البشرية
ومخلصهم، إذ
قيل له: "خلص
آخرين وأما
نفسه فما يقدر
أن يخلصها، إن
كان هو ملك
إسرائيل
فلينزل الآن
عن الصليب فنؤمن
به" (مت 27: 42).
"فسكتوا
ولم يجيبوا
بكلمة لأن أمر
الملك كان قائلاً
لا تجيبوه" [21]
(2 مل 18: 36). كان من
المتوقع أن
يعلنوا عن
ثورتهم
وعصيانهم على
الملك، لكنهم
صمتوا علامة
الطاعة
والثقة
منتظرين أمر
الملك وتعليماته.
أطاعوا الملك
الذي سألهم
ألا يجيبوه،
أي لا يدخلوا
في حوار معه
لئلا يسقطوا
في الضعف كما
سقطت حواء
بحوارها مع
الحية القديمة.
وكما يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم: [كان يجب
عليها أن
تصمت؛ كان
يلزمها ألا
تُبادلها الحديث،
ولكن في غباء
كشفت قول
السيد، وبذلك قدمت
للشيطان فرصة
عظيمة...
انظروا أي شر
هذا أن نسلم
أنفسنا في
أيدي أعدائنا
والمتآمرين علينا[369]]. كما يقول:
[إذ لم يكن
الشيطان
قادرًا على
تقديم شيء
عمليًا قدم
بالأكثر
وعودًا في
كلمات. هكذا
هي شخصية
المخادعين[370]]. ويقول القديس
أغسطينوس:
[الله هو
قائدنا
والشيطان هو
مهلكنا،
القائد يُقدم
وصيته وأما
المهلك
فيقترح خدعة،
فهل نصغي إلى
الوصية أم إلى
الخداع؟![371]].
4.
عودة
المسئولين
إلى حزقيا:
جاء
الرجال إلى
حزقيا
وثيابهم
ممزقة فأخبروه
بكلام ربشاقي
[22]... جاءوا في
حزن ومرارة
إلى الملك.
ليتنا
نحن أيضًا إذ
نشعر
بالمرارة لا
نشق ثيابنا بل
نمزق قلوبنا
بالتوبة
ملتجئين إلى المسيح
الملك القادر
وحده أن يهبنا
المشورة الصالحة
والعامل فينا
بروحه القدوس.
[369] للمؤلف: هل للشيطان سلطان عليك؟ للقديس يوحنا الذهبي الفم، مقال 3.
[370] In 2 Tim. Hom. 8.
[371] On Ps. 71.