ليسَ
غيري مُخلِّص
قدم
الأصحاح
السابق صورة
قاتمة لما بلغ
إليه الشعب في
فترة السبي
البابلي
فصاروا كعمي
وصمّ، لهم
أعين وآذان
لكنهم لم
يلاحظوا عمل
الله ولم
يسمعوا صوته.
هذه صورة خفيفة
لعمل الخطية
في حياة
البشرية لذا
صارت الحاجة
إلى تدخل
إلهي؛ هو وحده
يقدر أن يفدي
ويخلص، يُحطم
كل عقبة تقف
في حياة
أولاده دون
انتظار
لمكافأة أو
لمقابل من
جانبهم.
1. لا
تخف فإني معك
[1-17].
2. أنتم
شهودي
[8-13].
3. سقوط بابل
[14-15].
4. خروج
جديد
[16-21].
5.
الخلاص عطية
مجانية
[22- 28].
1. لا
تخف فإني معك:
يبدأ
حديثه هكذا: "والآن
هكذا" [1]؛
كأن الله يريد
أن يغير الصورة
السابقة،
صورة سبي
الخطية
المرّ، الذي
أفقدنا
البصيرة
الداخلية
وآذان النفس،
وذلك بتقديمه
غنى مواعيده
الخلاصية
وفيض نعمته
الفائقة.
الله
يُريدنا أن
نحوّل
أنظارنا عن
حالنا البائس
أو عن التفكير
فيما فعلته
فينا الخطية
متطلعين إلى
الفادي
والمخلص، حتى
لا يُحطمنا
اليأس بل
نمتلئ رجاء.
الآن
ما هو دور
الفادي
المحرر من سبي
الخطية؟
أ. الله
الخالق وحده
يقدر أن يُجدد
الخليقة: "والآن
هكذا يقول
الرب خالقك يا
يعقوب وجابلك يا
إسرائيل، لا
تخف لأني
فديتك" [1].
حين
أنكر آريوس
لاهوت السيد
المسيح ركز القديس
أثناسيوس
الرسولي في
رده عليه بأن
لاهوت السيد
ليس عقيدة
نظرية فلسفية
إنما أمر يمس
خلاصنا ذاته.
لقد فسدت طبيعتنا
البشرية
تمامًا
واحتاجت إلى
الخالق ليخلص
طبيعتنا
الساقطة
ويردها إلى
أصلها، واهبًا
إياها صورته،
ومصلحًا
إياها من
الفساد إلى
عدم الفساد؛
فيه تغلب
البشرية
الموت وتُعاد
خلقتها[444].
كانت الحاجة
ماسة إلى ابن
الله الواحد
مع الآب
والمساوي له
في الجوهر أن
يُقدم نفسه
ذبيحة قادرة
على الإيفاء
بدين خطايانا
وتحقيق العدالة
والرحمة
الإلهية في
ذات الوقت.
أنه الله
الغالب
للشيطان لا
لأجل نفسه
وإنما باسم
البشرية
ولحسابها.
أخيرًا بكونه
الله الحق
أعاد لنا
كرامتنا،
واهبًا إيانا
النبوة للآب
فيه بالروح
القدس. يقول البابا
أثناسيوس:
[صار إنسانًا
لنصير نحن
آلهة[445]]،
[وإن كان يوجد
ابن واحد
بالطبيعة،
ابن حقيقي
وحيد الجنس،
صرنا نحن
أبناء ليس
بالطبيعة
والحق بل
بنعمته التي
تدعونا، وأن
كنا بشرًا على
الأرض لكننا
دُعينا آلهة[446]].
يقول القديس
يوحنا الذهبي
الفم: [بسبب
الحب أخذ
جسدنا وتراءف
علينا، ليس
هناك سبب آخر
لتجسده[447]]،
الله لم
يُجازنا عن
تعدياتنا
الكثيرة التي اقترفناها
ضده رغم
احساناته
علينا، بل
أعطانا ابنه.
جعله من أجلنا
خطية... تركه
يُدان ويموت
كملعون. الذي
لم يعرف خطية
جعله كخاطئ
وخطية... إنه
يشبه ملكًا
يرى لصًا على
وشك الاعدام،
فيرسل ابنه
الحبيب الوحيد،
ينقل عليه
الموت ذاته بل
وخطا المجرم!
هذا كله من
أجل خلاص
المذنب،
ليرفعه إلى كرامة
عظيمة[448]]،
[دفع السيد
المسيح أكثر
مما نستحق
بمقدار ما
يتعدى المحيط
قطرة ماء[449]].
بهذا
نفهم الكلمات
النبوية: "هكذا
يقول الرب
خالقك... لا تخف
لأني فديتك" [1].
ب.
اهتمام شخصي
من جانب
المخلص نحو
الإنسان؛ الله
لم يخلق
الإنسان
كطائن وسط
بلايين الكائنات
التي أوجدها،
إنما أعطاه اهتمامًا
خاصًا كخليقة
محبوبة لديه،
يعرف الإنسان
باسمه فيدعوه
ويفديه ليكون
له، أي لينعم
الإنسان
بالاتحاد معه.
ما
أجمل صوت
الفادي حين
يُناجي كل
إنسان، قائلاً:
"لا
تخف لأني
فديتك.
دعوتك
باسمك
أنت
ليّ"
[1].
سّر
الفداء يكمن
في حب الله
الفائق،
يُريدني له،
وهو ليّ...
يعرفني باسمي
ويدعوني
للدخول معه في
علاقة حب
فريدة. لا
يطلب مني
شيئًا بل يطلب
كياني وقلبي
وحبي، وأنا لا
أطلب عطاياه
بل شخصه وروحه
القدوس وحبه!
كأن الله هنا
يتقدم كخالق
ومخلص وعريس
شخصي ليّ.
v إلهي...
إنني إذ أتأمل
في ضميري،
أراك ناظرًا نحوي
دائمًا،
ومتنبها إليّ
نهارًا
وليلاً بجهد
عظيم، حتى
كأنه لا يوجد
في السماء ولا
على الأرض
خليقة سواي.
v عيناك
منجذبتان نحو
خطوات البشر...
إذ أنت
مهتم بكل
خليقتك، لا
تحرم أحدًا من
جبلة يديك عن
فيض حبك!
أنت
بنفسك تهتم
بخطواتي
وطرقي ليلاً
ونهارًا،
تسهر على
رعايتي، تلاحظ
كل سبلي، لا
تكف عن
الاهتمام
بيّ، حتى ليمكنني
أن أقول: انك
تنسى السماء
والأرض وما فيهما،
مركزًا
اهتمامك بيّ،
فتبدو كمن لا
يهتم بخليقة
سواي!
v تسهر عليّ، وكأنك
قد نسيت
الخليقة كلها!
تهبني عطاياك،
وكأني وحدي
موضوع حبك!
v أنه لا
يوجد قط شيء
لا تعرفه...
أفكاري
ومقاصدي
وأفراحي
وأعمالي... ليس
شيء من هذا
غير مطروح
أمام اهتمامك
الأبدي!
القديس
أغسطينوس[450]
ج. الله
المخلص هو سرّ
نصرتنا،
مادام معنا لا
تغمرنا مياه
هذا العالم
ولا تحرقنا
نيران الشهوات:
"إذا اجتزت
في المياه فأنا
معك، في
الأنهار فلا
تغمرك. إذا
مشيت في النار
فلا تلدغك،
واللهيب لا
يحرقك" [2].
صورة
رائعة لعمل
المخلص،
يهبنا ذاته
فلا يقدر
الموت بكل
وسائله وطرقه
أن يبتلعنا...
نحمل مسيحنا
"القيامة" (يو 11: 25)
فينا فنمارس
الحياة
المقامة
الغالبة
للموت.
إن كنا
نواجه مياه
محبة العالم
التي تغرق النفس
وتقتلها،
ولهيب نار
الشهوة الذي
يُحطمها فقد
وهبنا المخلص
روحه القدوس
خلال مياه المعمودية
حيث فيها نجحد
الشيطان وكل
جنوده وكل أعماله
ونخدش رأسه
تحت أقدامنا،
وهبنا روحه القدوس
الناري كما في
يوم العنصرة
الذي يحرق الخطية
ويبدد لهيبها
القاتل.
لعل
إشعياء النبي
يُذكّر شعبه
هنا بعمل الله
مع آبائهم عند
خروجهم من
مصر. لقد
وهبهم بالصليب
الغلبة على
مياه بحر سوف
(بواسطة
العصا)، وأيضًا
الغلبة على
الحيّات
المحرقة
(بالحية النحاسية).
الله الذي عمل
قديمًا يعمل
في الخروج
الثاني من
السبي
البابلي،
وهذان
الخروجان هما
رمز للخروج
الأعظم الذي
يحققه المخلص
بصليبه في حياة
مؤمنيه.
v هل
تقدرون أن
تُقاوموا
الشيطان يا
أيها غير الأمناء
ما لم يكن لكم
درع الإيمان؟
إذ به تستطيعون
أن تطفئوا
سهامه!...
ألعلك
تبرر ذاتك إذ
تملكت الخطية
على جسدك؟ ومن
أين لك أن
تمجد والله
بجسدك وهو
الذي فداك بدمه
الزكي؟!
القديس
أنبا شنودة
رئيس
المتوحدين[451]
د.
المخلص يدفع
الثمن، فقد
تطلعت
الكنيسة الأولى
إلى الصليب
كإيفاء للدين
الذي علينا
نحو الآب،
وكاقتناء لنا
من يد إبليس
الذي اشترانا
عبيدًا له
فدفع الرب دمه
ثمنًا لذلك من
أجل تحريرنا.
هذا هو عمل
المخلص
القدوس الذي
يُريد
تقديسنا بدمه
وتحريرنا من
عبودية
إبليس، لذلك
يقول: "لأني
أنا الرب إلهك
قدوس إسرائيل
مخلصك؛ جعلت
مصر فديتك،
كوش وسبا عوضك"
[3].
مصر
بفرعونها
التي كانت
تمثل إحدى القوتين
العظيمتين في
ذلك الحين
(مصر وأشور؛ ثم
مصر وبابل...) لا
تسند شعب الله
ولا تحميه إنما
تحتل مركز
الضعف... أما
كوش وسبا
فعرفتا بغناهما.
كأن الله هو
الذي يفدي
ويخلص بكونه
القدوس، وليس
فرعون بسطوته
ولا كوش وسبا
بإمكانياتهما
ومواردهما
الغنية.
لقد
اشترانا الرب
لا بذهب أو
فضة إنما بدمه
الثمين
ليقيمنا
ملوكًا وكهنة:
"لأنك
ذبحت
واشتريتنا
لله بدمك من
كل قبيلة ولسان
وشعب وأمه،
وجعلتنا
لإلهنا
ملوكًا وكهنة"
(رؤ
5: 9-10).
"لأنكم
قد اشتريتم
بثمن، فمجدوا
الله في أجسادكم
وفي أرواحكم
التي هي لله" (1 كو 6: 20).
"لقد اشتريتم
بثمن فلا
تصيروا
عبيدًا
للناس" (1 كو 7: 23).
"عالمين
أنكم افتديتم
لا بأشياء
تفنى بفضة أو
ذهب من سيرتكم
الباطلة التي
تقلدتموها من
الآباء، بل
بدم كريم كما
من حمل بلا
عيب ولا دنس
دم المسيح" (1 بط 1: 18-19).
v لقد
اشتريتم
بثمن، أي
بالدم. قد
نُزعتم عن
إمبراطورية
الجسد
لتمجدوا الرب
في أجسادكم.
العلامة
ترتليان[452]
v لا يظن
أحد أنه قد
دُفع عنه ثمن
مختلف بسبب غناه؛
فالغنى في
الكنيسة هو
الغنى في
الإيمان؛ إذ
المؤمن له كل
عالم الغنى.
أي عجب من هذا
إن كان المؤمن
يملك ميراث
المسيح الذي
هو أثمن من العالم.
القديس
أمبروسيوس[453]
هـ.
المخلص يرد
لنا مجدنا
ووحدتنا:
غالبًا ما يئس
الكثيرون
أثناء السبي
من إمكانية
العودة إلى
بلادهم بسبب
طول مدة
بقائهم فيه،
لكن الله
المخلص يطمئن
أولاده
قائلاً: "لا
تخف فإني معك.
من المشرق آتي
بنسلك ومن المغرب
أجمعك. أقول
للشمال اعطِ
وللجنوب لا
تمنع. إيت
ببنيّ من بعيد
وببناتي من
أقصى الإرض.
بكل من دُعى
باسمي وكمجدي
خلقته وجبلته
وصنعته" [5-7].
يُلاحظ
في هذا
الأصحاح أن
الله يتحدث عن
نفسه "أنا" لا
يقل عن 36 مرة[454] حتى دعي
أصحاح "الذات
الإلهية" أو
"الأنا الإلهية"
وقد تكرر نفس
الأمر في
الأصحاح
الخامس
والأربعين 31
مرة... ماذا
يعني هذا؟ إن
كان عمل الخطية
هي تحوصل
الإنسان في "الأنا"،
فيجد في نفسه
مركزًا
للعالم وللآخرين،
يود أن يتمتع
بالملذات
الجسدية أو
الكرامة
لحسابه الخاص
في كبرياء
وأنانية، فإن
مسيحنا على
العكس يُقدم
ذاته التي هي
"الحب" لكي
نقتنيه. عندما
يُنادينا ألا
نخف، وعندما
يدعونا
بالاسم،
ويؤكد رعايته
لنا أينما
وجدنا ومهما
حلت بنا من
تجارب وعندما
يقدم لنا
مواعيده بأن
يجمعنا من
أقاصي
المسكونة لكي
يضّمنا إليه...
إنما في هذا
كله لا يطلب
ما لنفسه بل
ما هو لنا.
يهبنا معيته
لكي نقتنيه.
لهذا بين
الحين والآخر
يقول "إني
معك"، وأنه
لنا، نصيبنا
الأبدي.
مجد
اسم الله
وكرامته
يُعلنان في
حبه العملي
الباذل، في
عطاء نفسه
لخليقته.
2.
أنتم شهودي:
ماذا
يقدم الله
لنا؟
يقدم
ذاته نورًا
لنا فيفتح
حواسنا لنبصر
أمجاده فينا
وملكوته
السماوي
معلنًا
داخلنا، ويفتح
آذاننا لنسمع
صوته الإلهي
وندرك غاية وصيته،
فتصير لنا
آذان الأبناء
الذين يعرفون صوت
أبيهم بل حتى
حركة رجليه...
هذا ما عناه
بقوله: "اخرج
الشعب الأعمى
وله عيون
والأصم وله
آذان" [8].
هذا هو
دور الله
مخلصنا في
حياتنا
الداخلية حيث
يُجدد
طبيعتنا في
مياه
المعمودية
بروحه القدوس
ليهبنا
الإنسان
الجديد
القادر على التمتع
بالشركة
الإلهية.
خلال
هذه الخبرة
نشهد للغير،
فتدعو
الكنيسة
لاجتماع عام
للأمم [9-13]
للتعرف على
المخلص
وتأكيد تحقيق
ما سبق فوعد
به خلال
أنبيائه عبر
الأجيال قبل
مجيئه.
"اجتمعوا
يا كل الأمم
ولتلتئم
القبائل. من
منهم يخبر
بهذا ويعلمنا
بالأوليات،
ليقدموا شهودهم
ويتبرروا، أو
ليسمعوا
فيقولوا صدق.
أنتم شهودي
يقول الرب
وعبدي الذي
اخترته لكي
تعرفوا
وتؤمنوا بيّ
وتفهموا إنيّ
أنا هو. قبلي
لم يصور إله
وبعدي لا
يكون. أنا أنا
الرب وليس غير
مخلص..." [9-11].
يطالب
الله من تمتع
بالبصيرة
الجديدة
والآذان
الروحية
الجديدة أن
يدعو الأمم
والقبائل للدخول
معهم في حوار
عملي خلال ما
يعيشونه. في
هذا الحوار
يعلنون الآتي:
أ.
ليسألوا
الأمم إن كانت
عندهم نبوّات
سابقة واضحة
وأكيدة فيما
يخص المستقبل
(إش 41: 22)؛ أما نحن
فقد تقبلنا
نبوات لا عن
انتصار كوش
على بابل
لإنقاذ شعب
الله القديم،
وإنما عن
المسيا، العبد
المختار.
تسلمنا نبوات
عن شخصه
وأعماله
ورسالته؛
عرفناه أنه
يولد من
عذراء، كما عرفنا
موعد ميلاده
ومكانه، وعن
أعماله مع
شعبه وعن
تقديم ذاته
ذبيحة حب
فريدة الخ...
فما نطق به
الأنبياء
إنما هو بالرب
الفريد
السرمدي الذي
لم يصور قبله
إله وبعده لا
يكون... وكما
يقول: "أنا هو
الأول
والآخر" (إش 44: 6).
يرى القديس
يوحنا الذهبي
الفم أن
الشيطان
يستطيع أن
يُقلد
المعجزات [أما
النبوة فهي من
عمل الله
الخاص التي لا
تستطيع الشياطين
أن تُقلدها
وإن كانت
تُصارع بقوة
من أجلها[455]].
الله
في محبته
للبشرية وهب
الأنبياء هذه
النبوات،
وتكلم على
لسان رجاله
القديسين
وأوحى بالكلمة
الإلهية، ولا
يزال يعمل
فينا إذ يهبنا
معرفة هذه
الأسرار
الإلهية. وكما
يقول إيريناؤس:
[يستحيل علينا
أن نأتي - بدون
الله - إلى
معرفة الله
الذي يعلم
البشر خلال
كلمته[456]].
ب.
بجانب النبوة
التي تركزت في
مجيء المخلص...
يؤكد الكتاب
المقدس أن
الله وحده هو
المخلص: "أنا
أنا الرب وليس
غيري مخلص" [11].
الله الخالق
في غيرته على
محبوبه
الإنسان، لا
يأتمن خلاصه
على أحد بل
يرعى شعبه بنفسه
ويبذل حياته
عنه "الراعي
الصالح يبذل نفسه
عن الخراف" (يو 10: 11). هو
خلق وهو الذي
يُجدد الخلقة
ويخلصها!
في
تكراره "أنا
أنا الرب"
تأكيد أن الذي
يُقدم الخلاص
هو الرب نفسه،
الأول
والآخر، يعلن
عن حبه الإلهي
خلال علمه الخلاصي!
v بكونه
"الحياة" مات
لكي يحينا؛
بكونه "كلمة"
صار جسدًا لكي
يعلم الجسد في
الكلمة[457].
v إنه
كلمة الله
وقوته وحكمته
كما يشهد
سليمان بخصوص
الحكمة أنها
"الواحد،
تقدر أن تصنع
كل الأشياء
وتبقى في
ذاتها، تجدد
كل الأشياء، وتعبر
على النفوس
القديسة، وتكوّن
أصدقاء الله
والأنبياء" (حك 7: 27)[458].
القديس
أثناسيوس
الرسولي
3.
سقوط بابل:
الله
الذي سمح
بتأديب شعبه
بالسبي
البابلي الآن
من أجل محبته
لشعبه يسمح
بسقوط بابل.
يتحدث بصيغة
الماضي ليؤكد لسامعيه
أن ما سيحدث
هو حقيقة
واقعة لابد أن
تتم.
جاء
النص مختلفًا
من ترجمة إلى
أخرى مع بقاء
المعنى
ثابتًا:
"هكذا
يقول الرب
فاديكم قدوس
إسرائيل:
لأجلكم أرسلت
إلى بابل
وألقيت
المغاليق
عليها (أحدرت
نبلاءها)
والكلدانيون
في سفن ترنمهم
(صراخهم في
سفنهم)" [14].
هنا
يظهر الله
كقائد للجيوش
المعادية
يُرسل مادي
وفارس إلى
بابل، وهناك
يلقي بالرعب
في قلوب
سكانها
فيهربون
سريعًا.
تُرجمت
الكلمة
العبريةbarichim "نبلاء
nobles"،
وفي العربية
"مغاليق"،
وقد استخدمت
الإنجليزية
"نبلاء nobles" لأنهم
يحمون
المدينة
كمغاليق لها.
هرب
كثير من
الأغنياء إلى
سفنهم التي
كانت راسية في
الفرات
والتيجر. لم
يكن لبابل سفن
بحرية إنما
خرج الأغنياء
إلى سفنهم
التي للنزهة،
لذلك قيل "سفن
ترنمهم"
لأنهم
اعتادوا أن
يستخدموها
أثناء
رحلاتهم
المملوءة
طربًا. وإذ لم يجدوا
فيها إمكانية
للخلاص تحولت
أغانيهم إلى
صراخ ومرارة.
في [15]
دُعى الله
بثلاث ألقاب:
يهوه،
مخلصكم، قدوس
إسرائيل،
خلالها يكشف
عن دور الله
كقائد لشعبه
أو لكنيسته
فهو الله غير
المتغير في
حبه وقدرته
يقدر أن يهب
الغلبة على
عدو الخير،
وهو المخلص
الذي بحبه
يُقدم ذبيحة
الخلاص
الفريدة، وهو
القدوس الذي
يُجدد خلقة
مؤمنيه
ويقدسهم ليملكوا
معه أبديًا.
لعله
قصد بهذه
الألقاب
الثلاثة أن
الخلاص والتقديس
من صميم عمل
الله كمحب
لخليقته
الضعيفة
والمشتاق إلى
تجديدها فيه.
4.
خروج جديد:
الله
الذي يخلص
شعبه سبق أن
وهبهم خلاصًا
على يديْ موسى
ليحررهم من
عبودية
فرعون؛ وها هو
يخرجهم من
السبي
البابلي كما
في خروج جديد،
ويبقى على
الدوام يخرج
بهم من أسر
الخطية إلى
حرية مجد
أولاد الله،
ينطلق بهم كما
من أعمال
الإنسان
العتيق إلى
التمتع المستمر
بأعمال
الإنسان
الداخلي
الجديد.
"هكذا
يقول الرب
الجاعل في
البحر طريقًا
وفي المياه
القوية
مسلكًا،
المخرج
المركبة والفرس
الجيش والعز.
يضطجعون معًا
لا يقومون. قد خمدوا
كفتيلة
انطفأوا" [16-17].
لقد
خلصهم من
سلطان فرعون
بعبورهم بحر
سوف، قاطعًا
كل إمكانية
لقيام فرعون
ضدهم من جديد.
فقد شبه هلاك
فرعون
المفاجئ
والسريع
بفتيلة انطفأت
لا تعود تلتهب
من جديد؛ بذات
القوة يخلصهم
الله من يد
بابل أيضًا.
هذا
الخلاص الذي
تحقق ضد فرعون
وأيضًا ضد بابل
يجب أن يتم ضد
أعمال
الإنسان
العتيق (كو 3: 9)،
لذا يكمل
النبي حديثه،
قائلاً: "لا
تذكروا
الأوليات،
والقديمات لا
تتأملوا فيها؛
هأنذا صانع
أمرًا
جديدًا، الآن
ينبت، ألا
تعرفونه؟!
اجعل في
البرية طريقًا،
في القفر
أنهارًا" [18-19]. يريدنا
ليس فقط أن
نخلع الإنسان
القديم بأعماله
وإنما أن
ننساه تمامًا
ولا نعود
نذكره أو نتأمل
فيه حتى لا
نيأس ونتحطم،
إنما بالحرى ننشغل
بالحياة
الجديدة التي
تنبت فينا.
إنه يجعل في
البرية
طريقًا وفي
القفر
أنهارًا. ما
هذا الطريق إلاَّ
السيد المسيح
نفسه القائل:
"أنا هو الطريق"
(يو 14: 6)،
قام في وسطنا
نحن البرية
الجدباء،
يحلّ في قلوبنا
لكي يدخل بنا
إلى ملكوته؟!
وما هذه الأنهار
إلاَّ ينابيع
الروح القدس
المتفجرة
داخلنا نحن
القفر الذي
بلا ساكن،
فيتحول قلبنا
الخرب إلى
مسكن الله
القدوس؟! وكأن
سر تجديدنا هو
سُكنى السيد
المسيح فينا
وحلول روحه القدوس
في أعماقنا
الداخلية[459].
يؤكد
الله انفتاح باب
الإيمان أمام
الأمم
لاقتناء شعب
جديد، يعرف
الفرح
الداخلي
والتسبيح،
قائلاً: "يُمجدني
حيوان
الصحراء
الذئاب وبنات
النعام لأنيّ
جعلت في
البرية ماءً
أنهارًا في
القفر لأسقي
شعبي
مختاريَّ،
هذا الشعب
جبلته لنفسي،
يحدث بتسبيحي"
[20-21].
يُشّبِه
الأمم
بالحيوانات المفترسة
التي تعيش في
البرية، ذلك
بسبب ما اتسموا
به من عنف
شديد، ولأنهم
عاشوا كما في
البرية ليس
بينهم مواعيد
ولا عهود ولا
شريعة إلهية
الخ... في حالة
قفر شديد.
شُبهوا أيضًا
ببنات النعام
رمز الغباوة
وعدم الفهم
بسبب عبادتهم
للأصنام
وممارستهم
الرجاسات
كعمل ديني
تقوي. هؤلاء
الذين عُرفوا
بالقسوة
والغباوة،
الذين عاشوا
في برية
قاحلة، صاروا
يتمتعون بماء
أنهار الروح
القدس
ليشربوا
ويرتوا، ويقبلوا
العضوية في
شعب الله
المختار. بهذا
تتغير
طبيعتهم خلال
عمل الثالوث
القدوس فيهم وينفتح
قلبهم للفرح
ولسانهم
للتسبيح.
ما
أجمل العبارة
الإلهية: "هذا
الشعب
جَبَلْته
لنفس!" [21]
صرنا له، نصيب
الرب، كما هو
لنا نصيبنا!
5.
الخلاص عطية
مجانية:
الله
يقدم أعماله
الخلاصية
مجانًا
للبشرية، لكن
هناك بعض
العوائق التي
عطلت مقاصد
الله مع الشعب
القديم الذي
رفض الإيمان
بالمخلص، هذه
العوائق هي:
أ. عدم
الصلاة: "وأنت
لم تدعُني يا
يعقوب حتى
تتعب من أجلي
يا إسرائيل" [22]. فإن
الصلاة هي سر
تمتعنا بعمل
الله وكما يقول
الأب
مرتيروس:
[تفعل الصلاة
ما
تحب
كما يستطيع
الله! إنها
تُصدر
الأوامر على الأرض
ليكن لها
فاعليتها في
السماء[460]].
ب.
تجاهل الله
حتى في الأمور
الصغيرة: "لم
تحضر ليّ شاة
محرقتك
وبذبائحك لم
تكرمني. لم
استخدمك
بتقدمة ولا
اتعبتك
بلُبان. لم
تشترِ لي بفضة
قصبًا وبشحم
ذبائحك لم
تروني" [23-24].
حينما
أخرج الله
شعبه من مصر
لم يكن في عوز
إلى تقدماتهم
وذبائحهم
الحيوانية،
إنما كان يطلب
قلوبهم،
يشتاق أن
يقربهم إليه
بكونهم شعبه
الخاص، أما
الذبائح فكانت
رموزًا
لذبيحة
المسيح،
وعلامة حب له...
كان ينتظر أن
يُقدموا
قلوبهم مع
محرقاتهم
وذبائحهم
وبخورهم الخ...
v عندما يُشير
إلى أنه لم
يقدهم من مصر
لكي يُقدموا
له ذبيحة إنما
لكي ينسوا
عبادة
الأوثان التي
للمصريين حتى
يسمعوا صوت
الرب الذي كان
بالنسبة لهم
خلاصًا
ومجدًا (إر 7: 21).
القديس
إيريناؤس[461]
ج.
الانشغال
بالملذات
الجسدية
والشهوات
العالمية: "لكن
استخدمتني
بخطاياك
وأتعبتني
بآثامك" [24]. عوض
تكريم الرب
بتقديم القلب
ذبيحة محرقة
مع ممارسة
العبادة
أنحرف الشعب
إلى الأنانية
والارتباك
بالأمور
الزمنية،
فاستغل محبة
الله ورعايته
وعطاياه
لحساب
"الأنا".
كثيرًا
ما نُسئ
استخدام
عطايا الله
مثل العواطف
والدوافع
والمواهب،
نستخدمها لا
لحساب ملكوت
الله وبنيان
الجماعة
وإنما لممارسة
الشر.
مع ما
بلغناه من
الشر يبقى
الله منتظرًا
توبتنا
واعترافنا
بخطايانا لكي
يغفرها لنا من
أجل اسمه
القدوس
ومحبته
الفائقة،
مؤكدًا لنا: "أنا
هو الماحي
ذنوبك لأجل
نفسي وخطاياك لا
أذكرها؛
ذكّرِني
فنتحاكم
معًا، حّدِث
لكي تتبرر" [25-26].
v أول
طريق التوبة
هو إدانتنا
الخطايا[462].
v يطلب
منا هذا
(الاعتراف
بخطايانا) لكي
نُكّثِف حبنا
نحوه[463].
v من
يمارس التوبة
بعدما يخطئ
يستحق لا
الحزن عليه بل
تهنئته إذ
يَعْبر إلى
خورس الأبرار[464].
v لا
تترك شيئًا
يربكك بل
ارتفع إلى
أعلى السموات
عينها. تنهد
بمرارة وقدم
ذبيحة
اعتراف، فقد
قيل "اعلن
أولاً معاصيك
فتتبرر" [26]
(الترجمة السبعينية)،
قدم ذبيحة
القلب
المنسحق. فإن
هذه الذبائح
لا تتحول إلى
رماد ولا تصير
دخانًا ولا تتبدد
في الهواء.
إنها لا تحتاج
إلى خشب ونار
وإنما إلى قلب
نادم من
الداخل. هذا
هو الخشب والنار
التي تحرق دون
أن تهلك، فإن
من يُصلي بحرارة
يحترق ولا
يُستهلك،
إنما يصير كالذهب
الممتحن
بالنار
ليزداد
بهاءًا[465].
القديس
يوحنا الذهبي
الفم
هكذا
يليق بنا أن
نذكر خطايانا
ونعترف بها فتُغفر...
عندئذ يجب
علينا أن نذكر
عمل الله معنا
ونمجده عوض
التفكير في
الخطايا...
v كيف ننسى
الشر القادم
علينا؟
بتذكار
الصالحات، وبتذكر
الله. فإننا
إن كنا نذكر
الله على الدوام
لا نقدر أن
نذكر هذه
الأمور أيضًا.
القديس
يوحنا الذهبي
الفم[466]
يجب
ألا نخجل من
الاعتراف
بالخطايا،
فإن آباءنا
الأولين
سبقوا أن أخطأوا،
في مقدمتهم
آدم الأول: "أبوك
الأول أخطأ
ووسطاؤك عصوا
عليّ" [27]. يرى
غالبية آباء
الكنيسة
فأيضًا
الحاخامات أنه
يعني البشرية
كلها متمثلة
في آدم أبينا
الأول،
ويفسره البعض
على ضوء ما
جاء في (حز 16: 3)
"أبوك عمورى".
ورأى البعض
أنه الأب
الرئيس أوريا
بكونه رئيس
الكهنة الذي
قاد الشعب إلى
عبادة
الأوثان في
أيام آحاز (2 مل 16:
10-16)، ورأى البعض
أنه يعني
الملوك
ورؤساء
الكهنة، أي
القيادات
المدنية والدينية
مجتمعة معًا
تقود الشعب
إلى العصيان.
أما
ثمرة الخطايا
والعصيان فهي
"اللعنة" وفقدان
الكرامة، إذ
قيل: "دفعتُ
يعقوب إلى
اللعن
وإسرائيل إلى
الشتائم" [28].
[444] De Incarn. 8,9.
[445] Ibid 54.
[446] Orat. Against Arians, Disc, 3:19.
(See our book: The Coptic Orthodox Church as a church as a church of Erudition and Theology, 1986, p. 82-83.)
[447] In joan; in Rom,; PG. 59:79; 60:466.
[448] In 2 Cor; 1 Tim.; PG. 61:477-480; 62:536-7.
[449] In Rom.; PG. 60:477.
[450] الحب الإلهي، ص15-18.
[451] الحب
الإلهي، ص467.
[452] On Modesty 16.
[453] Ep. 63.
[454] Bultemore, ch. 43.
[455] In John hom 19:2.
[456] Adv. Haer. 4:5:1.
[457] Fr. M.F. Wahba: The Doctrine of Sanctification in St. Athanasius' Paschal letters, 1988, 77;
Fl Syr 14:4; p. 543; cf De Inc. 1:4 ;p. 36: 20:1, p. 47 ; Con. Gen. 1:5, p. 4.
[458] Fl Syr 10:4, p. 528; cf 1:1, p. 506.
[459] الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر، س13.
[460] Book of Perfection, 40.
[461] Adv. Haer 4:17:3.
[462] Resisting the Temptation of the Devil, hom 2,6.
[463] Letters to the Fallen Theodore. 1:15.
[464] In 1 Cor. Hom. 11.
[465] In 2 Cor. Hom 5.
[466] In Heb. Hom 14:7.