انهيـَار
بَـابل
إذ
وصف كورش
كطائر كاسر
ينقض على بابل
(إش 46: 11)، كظل
لعمل السيد
المسيح
الخلاصي ضد
إبليس، الآن
يكشف النبي
عما سيحل
ببابل
المترفة
المتنعمة،
سيدة الممالك
المتشامخة. أنه
يتحدث عن عمل
الخطية
وثمارها في
حياة الإنسان.
1.
انهيار
بابل [1-5].
2.
خطايا
بابل [6-15].
1.
انهيار بابل:
"انزلي
واجلسي على
التراب أيتها
العذراء ابنة
بابل، اجلسي
على الأرض بلا
كرسي يا ابنة
الكلدانيين
لأنك لا
تعودين
تُدعين ناعمة
ومترفهة" [1].
دُعيت
بابل
"العذراء"؛
هذا التشبيه
في الكتاب
المقدس بخصوص
المدن (إش 1: 8؛ 37: 22؛
إر 31: 21؛ 46: 11، مرا 1: 15).
هذه العذراء
إما تُخطب لله
كعروس مقدسة
له مثل أورشليم
أو تخطب لعدو
الخير فتصير
عروسه، متحدة
به، تحمل
مملكة الظلمة
التي له.
إذ
تمثل بابل
النفس
الساقطة خلال
الكبرياء مع الترف
والفرح
الزمني وطلب
الشهوات
الأرضية فان
ما حلَّ بها
يكشف عما
يُصيب
الإنسان بسبب
الخطية.
ماذا
حلَّ ببابل؟
أو ما هي ثمار
الخطية؟
أ. بكونها
عاصمة أكبر
دولة في ذلك
الحين مالت إلى
الاهتمام
بمظاهر
البهرجة مع
ممارسة الفساد،
لها صورة
الفرح
الخارجي،
فحّل بها الحزن
الشديد لتنزل
إلى التراب [1]
كأنها فقدت رجلها
أو أحد
أحبائها (يش 7: 6؛
أى 2: 12؛ 10: 9، مز 22: 15؛
مرا 3: 29).
عمل
الخطية الأول
هو فقدان
الفرح
الداخلي وسلام
العقل
الفائق،
فتمتلئ النفس
مرارة ويأسًا
مع شعور بالعزلة
والحرمان.
v نعم يا
إلهي... في غياب
نورك ظهور
للموت، أو بالحرى
مجيء للعدم....
يا
لشـقائي...
أصابتني
جراحات
كثيرة، ومع
أنك أنت
المعزي واهب
السـلام، غير
أنني ابتعدت عنك.
يا
لشقائي... لقد
انتابتني
حماقات جمة،
ومع أنك أنت
هـو الحق، غير
أنني لـم
أطلب
منك المشورة...
شروري
سببت ليّ
جراحات
عميقة، إذ لم
أسلك في الطريق
الضيق؛ فمع
كونك أنت
الحياة،
إلاَّ أنني لم
أكن معك.
القديس
أغسطينوس[489]
ب.
عوض العرش
"الكرسي"
والسلطان
تجلس بابل على
الأرض في مذلة
بكونها أسيرة
[1]
لقد
خلق الله
الإنسان
سيدًا على
الأرض، وهبه
كرامة
وسلطانًا،
لكن الكبرياء
نزل به إلى
الهاوية. صار
الإنسان في
مذلة العبيد،
ينحني للخطية
وينقاد وراء
شهوات الجسد
كعبد بعدما
كان ملكًا
يعرف كيف يوجه
مشاعره
وأحاسيسه وكل
طاقاته لحساب
ملكوت الله،
لذلك قيل:
"مالك روحه خير
ممن يأخذ
مدينة" (أم 16: 32).
يُحذرنا
الكتاب
المقدس من
الكبرياء؛
"قبل الكسر
الكبرياء،
وقبل السقوط
تشامخ الروح؛
تواضع الروح
مع الودعاء
خير من قسم
الغنيمة مع المتكبرين"
(أم 16: 18-19).
v المجد
الزمني يشبه
صخرة مختفية
في البحر، لا يعرفها
البحَّار قبل
أن تصطدم بها
سفينة ويتمزق
قاعها وتمتلئ
ماء.
مار
إسحق
السرياني[490]
ج.
بعد أن كانت
بابل سيدة
الممالك
المتشامخة، صارت
تمارس أعمال
العبيد
الشاقة لحساب
سادتها. هنا
يصورها
إشعياء النبي
بامرأة تطحن
بالرحى، وهو
عمل يحتاج إلى
سيدتين
تعملان معًا؛
والرحى
الكبيرة تديرها
الحيوانات؛
ها هي تُؤمر
بهذا العمل
العنيف دون
معونة من أحد [2].
تصير كشمشون
حين أذلته الخطية
فصار يدير
الطاحونة عوض
الحيوانات،
ليضحك الكل
عليه
ويستهزئون به.
إذ
يتحدث القديس
يوحنا الذهبي
الفم عن
صعودنا إلى
السموات في
المسيح يسوع
الصاعد يكشف
لنا كيف
انحدرت حياتنا
وطبيعتنا
فصرنا أقل من
الحيوانات،
لكن مسيحنا
رفعنا من هذه
المذلة
بصعوده
ووهبنا التمتع
بسمواته، إذ
يقول: [انظروا
إلى طبيعتنا
كيف انحطت ثم
ارتفعت. فإنه
ما كان يمكن
النزول إلى
أكثر مما نزل
إليه
الإنسان، ولا
يمكن الصعود
إلى أكثر مما
ارتفع إليه
المسيح... ويوضح
بولس ذلك إذ
يقول: "الذي
نزل هو الذي
صعد أيضًا".
أين نزل؟ "إلى
أقسام الأرض
السفلي"؛ وصعد
إلى "فوق جميع
السموات" (أف 4: 10-9)...
إننا لم نكن
سوى ترابًا
ورمادًا... لقد
صرنا أكثر
غباء من
الحيوانات
غير العاقلة،
فقد صار
الإنسان
يُقارن بها
وصار مثلها
(مز 48: 21؛ إش 1: 3)...
انظروا كيف
صرنا أكثر
غباءً من
الحمار والثور
(إش 1: 3)، ومن طيور
السماء
واليمامة
والسنونة (إر 8:
7)... صرنا تلاميذ
للنمل (أم 6: 6)...
أكثر جمودًا
من الحجارة
(إش 6: 2)، نشّبه
بالأفاعي (مز 58:
5)... نُدعى أبناء
إبليس (يو 8: 44)...
هكذا صار
انحطاطنا وعدم
استحقاقنا...
لكن اليوم
ارتفعت
طبيعتنا فوق
كل خليقة.
اليوم استعاد
الملائكة من
فقدوهم منذ
زمن طويل!
اليوم رأى
رؤساء
الملائكة
أولئك الذين
يشتاقون إلى
رؤيتهم منذ
زمن بعيد! اليوم
رأوا طبيعتنا
في العرش
الإلهي
تتلألأ في
جمال أبدي
ومجد سرمدي![491]].
هـ.
"اكشفي
نقابك، شمري
الذيل" [2]؛
وهو أمر غير
لائق
بالفتيات
الصغيرات
الشريفات في
ذلك الحين، أن
يكشفن وجوههن
أو يشمرن ذيل
ثيابهن.
بعد
أن كانت تبحر
بسفنها
التجارية أو
الحربية المزينة
الكثيرة
الثمن بكونها
ملكة العالم،
يُقال لها: "اكشفي
الساق، اعبري
الأنهار،
تنكشف عورتك وتُرى
معاريك. آخذ
نقمة ولا
أصالح أحدًا"
[3].
لقد حطمت
كثيرين
وأساءت إلى
الأمم كثيرة
لهذا استحقت
أن يرتد إليها
عملها فتحمل ذات
العار. وكأن
الخطية تدخل
بالإنسان إلى
العار والخزى.
لقد
أفقدتنا
الخطية ثياب
النعمة
الإلهية فصرنا
عراة، لكن
مسيحنا
الحامل
خطايانا
تعرَّى من
أجلنا ليُقدم
نفسه لباسًا
يستر خزينا.
v عرّاه
الصالبون من
لباسه
كالجزارين،
أما هو فصمت
يشبه النعجة
قدام الجزار!
ترك
لباسه حين فرح
(في عرس
الصليب)، حتى
يلبس الذين
خرجوا من
الفردوس
عرايا!
يلبسهم
ثيابه ويبقى
هو في هزء،
لأنه عرف أنها
تصلح لآدم
المفضوح!
عروا
ثيابه
وألبسوه
ثوبًا
قرمزيًا لون
الدم، حتى
يتزين به
العريس
المقتول
(الذبيح)!
مار
يعقوب
السروجي[492]
و.
تدخل في حالة
ذهول وكآبة
بسبب ما يحل
بها من كارثة،
فتصير عاجزة
عن الكلام،
تعيش في ظلام: "اجلسي
صامتة وادخلي
في الظلام يا
ابنة الكلدانيين،
لأنك لا
تعودين
تُدعين سيدة
الممالك" [5].
2. خطايا
بابل:
صدر
الأمر
بانهيار بابل
لكن ليس بدون
حيثيات لهذا
الحكم، فإن
الله في محبته
دائمًا يعلن
لمن يسقط تحت
دينونة أسباب
الحكم لكي يتعظ
الآخرون ولا
يسقطون في ذات
الخطايا. أما
خطايا بابل
فهي:
أ.
العنف وعدم
الرحمة، فقد
سمح الله
بتسليم شعبه
لبابل لأجل
التأديب، لكن
بابل استغلت
الموقف
ومارست العنف
حتى على الشيوخ،
دون تقدير
لعجزهم بسبب
كبر سنهم [6]. كان الله
ينتظر منها
ترفقًا
بشعبه، الذين
يحبهم حتى في
لحظات
تسليمهم
للتأديب.
ب.
ظنت أنها فوق
القانون؛ ففي
استخدامها
للعنف لم تدرك
أن ما تصنعه
بالغير يحل
بها، وبالكيل
الذي تكيل به
يُكال لها به.
ظنت أنها سيدة
الكل لم تذكر
آخرتها [7].
ج.
تمسكها
بالطمأنينة
المخادعة أو
السلام الكاذب
[8] الذي لا يقوم
على لقاء
النفس مع الله
مصدر السلام
وإنما على
اعتقاد
الإنسان أنه
لن يحل به شيء
من أجل عظمته
الباطلة أو
مركزه أو غناه.
حَسبت أنها لن
تصير أرملة
ولا ثكْلى،
معتمدة على
السحر والرُقى
فانخدعت
وبغتها
الترمل
والثكل في يوم
واحد [9]. صارت
أرملة لأنها
فقدت الملك،
وصارت ثكلى
بقتل سكانها
كأولاد وبنات
لها.
د.
تجاهلها رؤية
الله لها
ومعرفته
لأسرارها: "وأنتِ
اطمأننتِ في
شّرِك. قلتِ
ليس من يراني"
[10].
هـ.
اتكالها على
الحكمة
البشرية
المجردة [10]، مع
الالتجاء إلى
السحر
والرقى، إذ
حسبت أن راصدي
النجوم
يقدرون أن
يخلصوها وقت
الشدة بمشورتهم
ومعرفتهم
للغيب، فإذا
بهم هم أنفسهم
يحترقون
كالقش ولا
ينجون من
اللهيب [11-15]. لم
تكن هناك دولة
في العالم
تعرف بالسحرة
والمنجمين
مثلها (راجع
سفر دانيال)،
وها هو النبي
يسخر بهم.
[489] الحب
الإلهي، ص167، 170.
[490] A.J. Wensinck: Mystical Treatises, St.Isaac
Syrian, p. 219.
[491] الحب الإلهي، ص730 الخ.
[492] الحب
الإلهي، ص432.