دعوة
عامة للخلاص
كشف
الرب عن عمله
في الكنيسة
التي أقامها
من حالة
الترمل إلى
العرس
الأبدي، ومن
الخراب إلى
مدينة الله
الثمينة
فائقة الجمال،
والآن يفتح
الرب أبوابها
للجميع كي يأتوا
إلى ينبوع
المياه الحية
ويشربوا ويرتووا
ويجدوا
طعامًا
لائقًا يُناسب
احتياجات
الكل،
ويدخلوا في
عهد جديد أبدي.
أمام هذه
الدعوة يليق بالعطاش
أن يُعلنوا عن
تجاوبهم
عمليًا بطلب الرب
ورفض الشر مع
التسليم
الكامل بين يدي
المخلص بفرح
وتهليل قلب.
1. دعوة
للخلاص
[1-5].
2.
تجاوب
الإنسان
[6-13].
1. دعوة
للخلاص:
جاءت
الدعوة
الإلهية
للتمتع بخلاص
الرب المجاني
تحمل البنود
التالية:
أ.
دعوة عامة
للعطاش: "أيها
العطاش
جميعًا هلموا
إلى المياه،
والذي ليس له
فضة تعالوا
اشتروا وكلوا
هلموا اشتروا
بلا فضة وبلا
ثمن خمرًا
ولبنًا" [1].
إنها دعوة
عامة للجميع،
أبواب
الكنيسة مفتوحة
أمام الكل،
ينصت إليها من
يشعر بالاحتياج
أي "العطاش".
وكما قال الرب
"طوبى للجياع
والعطاش إلى
البر فانهم
يشبعون" (مت 5: 6).
كما
سبق فكررنا أن
المياه في
الكتاب
المقدس تُشير
أحيانًا إلى
الروح القدس
الذي يعمل في
مياه
المعمودية؛
وكأن الدعوة
هنا موجهة إلى
الجميع
للتمتع
بالعماد
مجانًا.
يتحدث
القديس
غريغوريوس
النزينزى عن
عطية العماد
قائلاً: [لا
تتردد مهما
كانت الرحلة
طويلة، إن
كانت بالبحر
أو بالبر
مادامت العطية
مُقدمة لك،
مهما كانت
العوائق
كثيرة أو
قليلة فإن
إشعياء يدعوك:
"أيها العطاش
جميعًا
هلموا..." يا
لسرعة مراحم
الله، يا
لسهولة العهد!
إنك تنال هذه
البركة بمجرد
أن تُريدها. انه
يقبل رغبتك
ذاتها كثمن
عظيم. انه يتعطّش
إلى عطشك،
ويروي كل
الراغبين في
السرّ. يقدم
لطفًا لكل
السائلين
لطفًا. إنه
مستعد للعطاء
بسخاء، يفرح
بالعطاء أكثر
من فرح نائليه[591]].
ب.
عطاء مشبع
للكل، هذه
العطية
المجانية
التي لا
تُشترى بفضة
ولا بثمن تقدم
لكل إنسان احتياجاته؛
فيجد الكبار
خمرًا يفرحهم
والصغار
لبنًا يسندهم.
الخمر
الروحي الذي
يتمتع به
الكبار يُشير
إلى حالة
الفرح التي
يتمتع بها
البالغون في
القامة
الروحية،
فتتلذذ
نفوسهم بدسم
الرب [2]. وكما
يقول الشيخ
الروحاني:
[طوبى للحامل
في قلبه ذكرك
في كل وقت،
لأن نفسه تسكر
دائمًا
بحلاوتك].
اللبن
الروحي
المقدم
للصغار يُشير
إلى ترفق الله
بالمبتدئين،
فيُقدم لهم ما
يناسب معدتهم
الروحية حتى
ينموا
وينضجوا؛ يعرف
كيف يُقدم لكل
واحد ما هو
لبنيانه
وسلامه وشبعه
واروائه.
هكذا لا
يشعر أحد
بالحرمان بل
كما قيل: "كلوا
الطيب
ولتتلذذ بالدسم
أنفسكم" [2].
v أما
تريدون
الشبع؟ وكيف
يكون ذلك؟
يشتاق
الجسد إلى
الشبع، لكن
يعود إليه
الجوع مرة
أخرى بعد
الهضم، لذلك
يقول السيد
المسيح: "كل من
يشرب من هذا
الماء يعطش
أيضًا" (لو 4: 13)...
إذن
ليتنا نجوع
ونعطش إلى
البر، لكي ما
نشبع منه...
ليت
إنساننا
الداخلي يجوع
ويعطش حتى
يكون له
الطعام والشراب
المناسبين له.
لقد
قال (الرب):
"أنا هو الخبز
الذي نزل من
السماء" (يو 6: 41).
هذا هو خبز
الجياع.
ليتنا
نشتاق أيضًا
إلى الشرب
كالظمأى،
"لأن عندك
ينبوع الحياة" (مز 36: 9)[592].
v طوبى
لمن نسى حديث
العالم
بحديثه معك،
لأن منك تكتمل
كل احتياجاته.
أنت
هو أكله
وشربه!...
أنت
أعطيت روح
ابنك في قلبه،
والروح أعطاه
دالة أن يطلب
منك كل ما لك،
مثلما يطلب
الابن من أبيه!
معك حديثه في
كل حين، لأنه
لا يعلم له أبًا
غيرك! [593].
الشيخ
الروحاني
v آه!
إنني لن أشبع
إلاَّ عندما
يتجلى مجدك
قدامي!...
من
يمتلكك تشبع
كل رغباته!
لكن
يا لبشاعة
بؤسي! ويحي يا
إلهي، فإن
قلبي يميل إلى
الهروب منك؛
الهروب منك
أنت أيها الغني
الحقيقي
والفرح
الحقيقي، لكي
يتبع العالم
الذي ليس فيه
إلاَّ الحزن
والألم.
القديس
أغسطينوس[594]
v ليكونوا
بالأكثر
محتاجين كي
يستحقوا أن
يشبعوا، لئلا
بينما هم
يظهرون
التخمة
المتعجرفة
يُحرمون من
الخبز الذي
يهب حياة صحية.
"اطلبوا
الرب" أيها
المحتاجون
والجياع والعطاش،
فانه هو الخبز
الحيّ النازل
من السماء (يو 6:
33، 51).
"اطلبوا
الرب فتحيون".
أنتم تطلبون
الخبز لكي
يعيش جسدكم،
والرب يطلبكم
لكي تحيا
نفوسكم.
القديس
أغسطينوس[595]
v ["مسود
العينين من
الخمر ومبيض
الأسنان من
اللبن" (تك 49: 12)].
عيناه
حمراوان
بالخمر،
هاتان هما
شعبه الروحي
الذي يسكر
بكأسه؛
وأسنانه
بيضاء أكثر من
البن الذي هو
الكلمات التي
يرضعها
الأطفال الذين
لم يتأهلوا
للطعام القوي
كقول الرسول (1
كو 3: 2؛ 1 بط 2: 2).
القديس
أغسطينوس[596]
v لتسكر،
ولكن كن حذرًا
من المصدر. إن
كانت تشرب
بكثرة من كأس
الرب الرائعة
فسيُرى سُكرك
في أعمالك،
ويظهر في حبك
القدسي للبر،
وأخيرًا في
تغرُّب ذهنك
عن الأرضيات
إلى السمويات.
القديس
أغسطينوس[597]
لنتقدم
إذن إلى
مسيحنا
ونشترِ خمره
ولبنه مجانًا
حسب وعده
ودعوته.
ج.
دخـول في عهد
أبدي لإقامة
مملكة داود
السـاقطة حسـب
الوعد الإلهي
الصادق؛ "وأقطع
لكم عهدًا
أبديًا،
مراحم داود
الصادقة" [3].
خلال هذا
العهد نصير
ملوكًا (رؤ 5: 10)
منتسبين لملك
الملوك الذي
قيل عنه "هوذا
قد جعلته
شارعًا
للشعوب،
رئيسًا وموصيًا
للشعوب" [4]. هو
الملك واضع
شريعة العهد
الجديد
والوصية الجديدة
لا لشعب معين
بل لكل
الشعوب.
د.
قبول الأمم
الوثنية
الراجعة إلى
الله بالإيمان:
"ها أمة لا
تعرفها
تدعوها وأمة
لم تعرفك تركض
إليك من أجل
الرب إلهك وقدوس
إسرائيل لأنه
قد مجدك" [5].
لم
يكن هذا الأمر
مقبولاً لدى
الشعب
القديم، بل
وحتى بعد
انفتاح الباب
أمام الأمم
بقيت الكنيسة
في العالم كله
إلى قرون في
دهشة أمام حب
الله للبشرية
كلها،
يجتذبهم من
الوثنية ورجاستها
ليعلنوا مجد
الله. في عجب
يقول القديس
أغسطينوس:
[كيف دخلت الأمم
إلى الإيمان
هكذا
سريعًا؟!...
نسألهم: ماذا
تريدون؟
يجيبون:
"معرفة مجد
الله"[598]].
2. تجاوب
الإنسان:
أمام
هذه الدعوة
العامة
المجانية
المقدسة
للعطاش يليق
بالإنسان أن
يعلن تجاوبه
معها وقبوله لها
عمليًا
بالوسائط
التالية:
أ.
الصلاة أو طلب
الله
للالتقاء معه:
"أطلبوا
الرب مادام
يوجد ادعوه
وهو قريب" [6].
إن
كان الله قد
أحبنا أولاً،
نزل إلينا
ليعلن أنه ليس
ببعيد عنا
إنما على
أبواب قلوبنا
يقرعها لنفتح
له ويدخل فيها
(رؤ 3: 20)، فإنه
يليق بنا أن
نطلبه سائلين
إياه أن يتسلم
مفاتيح
قلوبنا لكي
يفتح فيدخل ويغلق
فلا يشاركه
أحد في
قلوبنا،
بكونه "يفتح ولا
أحد يغلق،
ويغلق ولا أحد
يفتح".
إعلان
قبولنا لحب
الله خلال
الصلاة هو
تجاوب الحب
بالحب،
وإعلان النفس
عن رغبتها في
عريسها
الفريد الذي
يطلب يدها
أبديًا.
ب.
التوبة: "ليترك
الشرير طريقه
ورجل الإثم
أفكاره وليتب
إلى الرب
فيرحمه وإلى
إلهنا لأنه
يكثر الغفران"
[7].
ماذا
تعني التوبة
إلاَّ
الإعلان عن
قبول النور
دون الظلمة،
والمسيح دون
بليعال (2 كو 6: 14)؟!
التوبة
هي الطريق
الذي مهد به
القديس يوحنا
المعمدان
للسيد
المسيح،
والذي كرز به
التلاميذ
لتهيئة
البشرية
لقبول ملكوته
في داخلهم!
ج.
الاتكال على
حكمة الله
والثقة في
خطته وتدابيره
نحونا، إذ
يقول: "لأن
أفكاري ليست
أفكاركم ولا
طرقكم طرقي
يقول الرب،
لأنه كما علت
السموات عن
الأرض هكذا علت
طرقي عن طرقكم
وأفكاري عن
أفكاركم" [8].
إيماننا
بالعريس
السماوي
يستلزم
الاتكال عليه
بثقة في
إمكانياته
كقدير كُلّي
الحكمة والحب،
يعرف كيف يخطط
لعروسه،
لبنيانها
وخلاصها، حتى
إن بدت خطته
قاسية
وتدابيره
مُرّة.
د.
الارتواء
بكلمة الرب
واهبة الثمر: "لأنه
كما ينزل
المطر والثلج
من السماء ولا
يرجعان إلى
هناك بل
يرويان الأرض
ويجعلانها تلد
وتنبت وتعطي
زرعًا للزارع
وخبزًا للآكل
هكذا تكون
كلمتي التي
تخرج من فمي،
لا ترجع فارغة،
بل تعمل ما
سررت به وتنجح
في ما أرسلتها
له" [10-11].
لقد
نزل كلمة الله
متجسدًا
ليروي
الطبيعة البشرية
بدمه كمطر
فريد قادر أن
يُعيد
خلقتها
ويُجددها،
محولاً إياها
من برية قاحلة
تسكنها
الوحوش
العنيفة إلى
فردوس مثمر
يسكنه
الثالوث
القدوس
ويتهلل به
السمائيون وأيضًا
الأرضيون.
هكذا يليق بنا
أيضًا أن نقبل
كلمة الله
المكتوبة لا
للدراسة
العقلانية
البحتة وإنما
كحياة مُعاشة
تُعطي ثمرًا
إلهيًا.
هـ.
التسبيح
الدائم علامة
قبول العريس
قلبيًا
والتجاوب معه
داخليًا؛ "لأنكم
بفرح تخرجون
وبسلام
تُحضرون،
الجبال والآكام
تشيد أمامكم
ترنمًا وكل
شجر الحقل تصفق
بالأيادي" [12].
الخروج بفرح
إنما يعني
خروج النفس من
"الأنا"،
واتساعها
بالحب لحساب
عريسها وكل
أحبائه،
اتساعها
للسمائيين
والأرضيين...
تخرج لكي تعود
بالكل في سلام
ومصالحة مع
الله
والملائكة
والبشر. هذا
الحب المتسع
يخلق جوًا من
الفرح خلاله
تترنم الجبال
والتلال أي
جماعة
المؤمنين
المحيطين بك،
إذ يرون
عُرسًا
أبديًا
قائمًا في داخلك.
أما شجر الحقل
الذي يُصفق
بالأيادي
فيعني أن
الفرح لا يكون
باللسان فحسب
وإنما يُعلن
بالعمل
(بالأيادي)...
و.
ثمر إيجابي
متكاثر، فلا
يكفي انتزاع
الشوك والقريس
وإنما يلزم
ظهور السرو
والآس علامة
ختمنا باسم
الرب واهب
الثمر الروحي.
بمعنى آخر
قبولنا
لدعوته لا
يعني تركنا
للشر فحسب
وإنما صنعنا
برّ المسيح
وممارستنا
حياته
القدسية
المثمرة بعمل
روحه القدوس
فينا.
[591] On Holy Baptism 28.
[592] الحب الإلهي، ص 45-46.
[593] الحب
الإلهي، ص 51.
[594] الحب
الإلهي، ص 46-47.
[595] On Ps. 70.
[596] City of God 16:41.
[597] On Ps. 104.
[598] On Ps. 135.