الأصحاح الثاني والثلاثون

شراء أرض أثناء السبي

يبدأ الجزء الثاني من "سفر التعزية" بهذا الأصحاح الذي له أهميته الخاصة، حيث يؤكد إرميا النبي إيمانه ورجاءه في الوعد الإلهي بالعودة من السبي. وقد وقعت هذه الحادثة في الوقت الذي كانت فيه جيوش بابل قد انسحبت مؤقتًا من حصار أورشليم عند اقتراب الجيش المصري في صيف 588 ق.م.، ثم عادت لتحاصرها. أي كان هذا قبل حوالي عام من السبي الأخير لليهود إلى بابل (2 مل 25: 1-2).

بينما كان البابليون يدقون أبواب أورشليم لنهبها بعد عدة شهور، اشترى إرميا قطعة أرض، وهو يعلم أنه لن يستطيع أن يستقر فيها. لكنه أراد تأكيد أنه في المستقبل تعود الحياة الطبيعية في يهوذا.

1. شراء الأرض [1-15].

2. رد الفعل للشراء [16-25].

3. إجابة الله عليه [26-35].

4. أمجاد الإصلاح المسياني [36-44].

1. شراء الأرض:

يقدم لنا تاريخ نبوة إرميا النبي هنا، قائلاً:

"الكلمة التي صارت إلى إرميا من قبل الرب في السنة العاشرة لصدقيا ملك يهوذا، هي السنة الثامنة عشرة لنبوخذراصر.

وكان حينئذ جيش ملك بابل يحاصر أورشليم وكان إرميا النبي محبوسًا في دار السجن الذي في بيت ملك يهوذا" [1-2].

حدث هذا في السنة العاشرة لصدقيا ملك يهوذا، أي سنة 7-588 ق.م، وهي تقابل السنة الثامنة عشرة لنبوخذراصر. إذا حُسبت سنة اعتلاء العرش كعادة يهوذا، أما إذا حُسبت من السنة التالية (أي الكاملة) لملكه كعادة بابل فتكون السنة السابعة عشرة[554].

"لأن صدقيا ملك يهوذا حبسه قائلاً:

لماذا تنبأت قائلاً هكذا قال الرب.

هأنذا أدفع هذه المدينة ليد ملك بابل فيأخذها.

وصدقيا ملك يهوذا لا يفلت من يد الكلدانيين،

بل إنما يُدفع ليد ملك بابل ويكلمه فمًا لفمٍ وعيناه تريان عينيه.

ويسير بصدقيا إلى بابل،

فيكون هناك حتى أفتقده يقول الرب.

إن حاربتم الكلدانيين لا تنجحون" [3-5].

الأعداد [3-5] عبارات اعتراضية وُضعت لتفسير السبب في احتجاز إرميا، ومنعه من الهروب، إذ كان الهدف الرئيسي هو محاولة القضاء على رسالته النبوية. لا نعرف المدة التي قضاها إرميا في السجن.

تقدم لنا العبارات السابقة سبع نبوات نطق بها النبي في أورشليم، أعلن النبي هذه النبوات في مواضع كثيرة (21: 3-7؛ 24: 8-10؛ 25: 8-29)، وقد تحققت حرفيًا كما جاء في (2 مل 25؛ 2 أي 36)

أ. يدفع الله مدينة أورشليم ليد ملك بابل فيأخذها.

ب. لا يفلت صدقيا ملك يهوذا من يد الكلدانيين.

ج. بالتأكيد يُدفع صدقيا ملك يهوذا ليد ملك بابل.

د. سيتكلم صدقيا ملك يهوذا مع ملك بابل فمًا لفمٍ، وعيناه تريان عينيه.

هـ. يسير بصدقيا إلى بابل.

تنبأ حزقيال النبي عن صدقيا أنه لا يرى بابل (حز 12: 13). حُمل الملك إلى بابل ليلاً، لكنه لم يرها كما يقول إرميا النبي، إذ فقأوا عينيه في ربلة (2 مل 25: 4-7). وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:

[يعلن أحد الأنبياء: "لا يرى بابل" (حز 12: 13) وآخر يقول: "يسير به إلى بابل" [5] وتبدو النبوة كأنها متناقضة. ولكن الأمر غير ذلك، إذ كلاهما حق، فإنه لا يرى بابل وإن كان يُحمل إليها... لأنه في اليهودية تُفقأ عيناه، لأنه حيث حنث بالقسم هناك يثبت ذلك عليه وينال العقوبة.

 كيف يُحمل إلى بابل؟ مسبيًا!

فإن العقوبة مضاعفة: حرمان من البصر والسبي[555]].

[إنه لم يرَ بابل مع أنه حُمل إليها... لأنه فُقئت عيناه في اليهودية، في الموضع الذي فيه حنث بالقسم هناك نال العقوبة.

لقد خان العهد وحنث بالقسم ولو مع رجلٍ وثنيٍ، لهذا نال عقوبة مضاعفة: السبي والعمى.

هذا هو ثمر خيانة العهد مع الناس فكم بالأحرى مع الله؛ إنها تُفقد النفس حريتها والبصيرة الداخلية نورها، فيخضع الإنسان لعبودية داخلية وعمى داخلي].

و. يكون صدقيا  في بابل فيكون هناك حتى يفتقده الرب، أي إلى يوم موته.

ز. إن حاربوا الكلدانيين لا ينجحون.

طبقًا لما جاء في (39: 1) بدأ حصار أورشليم في السنة التاسعة لملك صدقيا، وقد رُفع الحصار لمدة بسيطة عندما اقتربت القوات المصرية من أورشليم (37: 5) ، لكنه فُرض مرة أخرى عندما قرر المصريون الامتناع عن القتال. وعندما كان إرميا ذاهبًا إلى عناثوث من أورشليم ليتولى عملية شراء ملكية العائلة ظنوه يتعامل مع العدو، لذا تم القبض عليه (37: 11-14)، وُوضع في حبسٍ محكمٍ، ولكن أُعطي بعد ذلك قليلاً من الحرية (37: 21). كانت دار السجن عبارة عن سياج داخل القصر الملكي (نحميا 3: 25).

نقرأ تفاصيل هذا الوصف المختصر هنا في الأصحاحين 37، 38، حيث أُغلق عليه في سجن القصر بواسطة رجال القصر (37: 17) كما أُلقى فيما بعد في جب آخر حيث لم يُوجد فيه ماء بل وحل (38: 6). هنا نرى عدم ترتيب فصول السفر ترتيبًا تاريخيًا.

ربما لم يرد الملك سجن إرميا، بل بالعكس نجَّاه من يد أعدائه فاعتقله في مكانٍ في قصره الخاص حتى لا يمكِّن أعداءه من إيذائه. وكان لإرميا شيء من الحرية أثناء الاعتقال كما كان لبولس الرسول في رومية (أع 28: 30)، فأمكن لأصحابه وأقرباؤه أن يزوروه، واستطاع هو أن يقوم بأعمال البيع والشراء.

"فقال إرميا: كلمة الرب صارت إليّ قائلة:

هوذا حنمئيل بن شلوم عمك يأتي إليك قائلاً:

اشترِ لنفسك حقلي الذي في عناثوث لأن لك حق الفكاك للشراء.

فجاء إليّ حنمئيل ابن عمي حسب كلمة الرب إلى دار السجن،

وقال لي: اشترِ حقلي الذي في عناثوث الذي في أرض بنيامين، لأن لك حق الإرث ولك الفكاك، اشتره لنفسك، فعرفت أنها كلمة الرب.

فاشتريت من حنمئيل ابن عمي الحقل الذي في عناثوث،

ووزنت له الفضة سبعة عشر شاقلاً من الفضة.

وكتبته في صكٍ، وختمت وأشهدت شهودًا ووزنت الفضة بموازين.

وأخذت صك الشراء المختوم حسب الوصية والفريضة والمفتوح.

وسلمت صك الشراء لباروخ بن نيريَّا بن محسيا أمام حنمئيل ابن عمى وأمام الشهود الذين أمضوا صك الشراء أمام كل اليهود الجالسـين في دار السجن.

وأوصيت باروخ أمامهم قائلاً:

هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل:

خذ هذين الصكين، صك الشراء هذا المختوم والصك المفتوح هذا، واجعلهما في إناءٍ من خزفٍ لكي يبقيا أيامًا كثيرة.

لأنه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل:

سيشترون بعد بيوتًا وحقولاً وكرومًا في هذه الأرض" [6-15].

الحديث الذي يذكر حق القريب في التملك بالشفعة هنا يبين أن العادات القديمة التي تتحكم في ملكية الأرض كانت لا تزال سارية المفعول. ففي لاويين (25: 25) يمكن للقريب أن يفك البيع لكي لا تخرج الملكية من العائلة.

 كانت الإجراءات القانونية الصحيحة تُراعى كما لو كانت الأرض في حالة السلم، وكانت الحجة تتكون من نسخة محرزة (مغلقة) تشمل العقد وشروط البيع ونسخة أخرى مفتوحة، وسواء كانت الوثيقتان طبق الأصل أو كانت إحداهما تحوي ملخصًا للثانية هذا ما لا يمكن تأكيده.

كانت الأواني الفخارية شائعة الاستعمال لحفظ الأوراق والنفائس الأخرى، تختم بالقار لضمان حفظ محتوياتها.

ويظهر من الحفريات أنه وُجدت نفس هذه العادة في بلاد ما بين النهرين حيث كانت تُكتب نسختان من العقد على خزف، واحدة تُغلف بغلاف خزفي والأخرى تبقى بغير غلاف. ووُجدت أيضًا نفس هذه العادة في فلسطين في أواخر القرن الرابع ق.م. [556]

كما وُجد حديثًا في مغارة بالقرب من بحر لوط آنية خزف فيها صكوك ومخطوطات وهي نسخ من أسفار العهد القديم وغيرها، وقد ظلَّت مختزنة في بطن الأرض أكثر من ألفي سنة.

ربما كانت الحجة مماثلة لعقود أخرى وُجدت في مصر في أواخر القرن الخامس ق.م. في جزيرة فيلة حيث كانت الحجج من نسختين تُكتب على ورق البردي، إحداهما مقفلة ومختومة والأخرى مفتوحة ليسهل الرجوع إليها. تُحفظ المفتوحة في الدوائر الرسمية، أما المختومة فتُحفظ في مكان أمين إلى انقضاء سني السبي السبعين حيث يكون مستندًا رسميًا لتحديد ميراث إرميا الذي اشتراه من ابن عمه.

يرى البعض أن مجيء حنمئيل إلى ابن عمه إرميا ليبيع حقله ويترك قريته فيه إشارة إلى حالة اليأس التي حلت بالشعب من جهة المستقبل. ربما كان لحنمئيل من هم أقرب من إرميا لكنهم رفضوا الشراء لظروف البلد القاسية، لذا تقدم إلى إرميا.

لم تكن زيارة حنمئيل لإرميا مفاجئة له، فقد سبق فأعلن الله له عنها، وقد أرشده الرب إلى ما يصنعه. هكذا عندما انسحب الكل من إرميا تدخل الله ليرشده في كل أمور حياته حتى التي تبدو زمنية

دفع إرميا في الحقل 17 شاقلاً من الفضة، فإن كان الشاقل يساوي حوالي خُمسين من الوقية (5، 11 جم)، فقد دفع حوالي سبع أوقيات فضة (تك 23: 16)[557]. ويمكننا أن نستنتج من هذا بأن إرميا لم يكن فقيرًا.

مع أن موضوع شراء الحقل من حنمئيل أمر شخصي يعطي قراره فيه بكامل حريته، لكن الكتاب المقدس يوضح أن الله ضابط الكل يحول كل الأمور حتى التي تبدو تافهة لبنيان شعبه وأولاده. كأن ما حدث لم يكن كما يظن البعض محض صدفة - إن صح التعبير - لكن تمّ بعناية إلهية يحمل الآتي:

أ. تأكيد طاعة إرميا النبي لله الذي أعلن له عن الأمر مسبقًا.

ب. تزكية إيمان إرميا الذي يعلن بهذا الحدث أن السبي قادم حتمًا، لذا حفظ نسختي العقد في إناء خزفي. لأنه حفظ النسختين وليس نسخة واحدة في إناء خزفي لإدراك النبي أن تنفيذ شراء الحقل يتطلب عشرات السنين حتى ينتهي السبي. بهذا أعلن تأكيده أن السبي قادم حتمًا، وأن العودة أيضًا قادمة حتمًا!

ج. تزكية إيمانه بأنه سيعود المسبيين يومًا ما وتعود الحياة اليومية من بيع وشراء وفلاحة حقل إلخ.

د. حمل الشراء رمزًا لعمل السيد المسيح الخلاصي.

التفسير الرمزي لشراء الحقل

ما هو هذا الحقل الذي اشتراه إرميا وهو في السجن أثناء السبي ليسجل عقد الشراء من نسختين، إحداهما مختومة والأخرى مفتوحة، حتى يملك الحقل بعد الانتهاء من السبي؟

أ. الحقل موضوع الشراء هي الكنيسة التي اقتناها السيد المسيح لنفسه ميراثًا أبديًا، هي له يمتلكها في كمال بهائها ومجدها بعد انقضاء الدهر، كما بعد السبي، كما هو ميراثنا الذي نقتنيه بكوننا أولاد الله، ورثة الله، ووارثون مع المسيح (رؤ 8).

مع أنه اشترى الحقل ودفع ثمنه إلاّ أن لم يضع اليد عليه، فما زال الميراث تحت عبودية الفساد. لقد حصل فداء هذا الميراث بالدم وهو الثمن المدفوع، أما الفداء بمعنى تحقيق الملكية ووضع اليد بالقوة فما زال مؤجلاً ونحن ننتظر ونتوقع فداء المقتنى المدفوع ثمنه.

الدرج المكتوب هو سند ملكية هذا العالم ولا جدال في هذا، ويبقى مختومًا إلى أن يقوم الوارث الشرعي ليطالب بالملكية، ومن الواجب قبل امتلاك العالم فعلاً أن ينقي ميراثه أولاً خلال وفتح الختوم.

ب. قدم إرميا الثمن وهو بعد في السجن داخل القصر وجيوش الأعداء تحيط بأورشليم. لم يرجيء إرميا الثمن بل بثقة ويقين قدم الثمن واستلم العقد. هكذا دفع مسيحنا ثمن خلاصنا، دمه الثمين، بعد أن نزل إلى عالمنا كواحدٍ منا، وهو الملك صار تحت الحكم. أُحصي مع الأثمة، وانهالت الاتهامات ضده، أما هو فما كان يشغله إلا اقتناء كنيسته التي هي حقله المحبوب لديه.

ج. كتابة العقد من نسختين إحداهما مختومة والأخرى مفتوحة إنما تشير إلى أن الخلاص قد تحقق فعلاً إذ سجل مسيحنا بدمه عهده الجديد على الصليب، مكتوبًا بحبه العملي الباذل. صار صليب مسيحنا عقدًا أو عهدًا جديدًا مفتوحًا للمؤمنين الذين يدركون أنه قوة الله للخلاص (1 كو 3: 18)، أما لغير المؤمنين فهو مختوم، إذ يراه اليهود عثرة واليونانيون جهالة (1 كو 3: 23).

بالنسبة لنا أيضًا نرى في الصليب عهدًا واحدًا من نسختين: النسخة المختومة هو ما نناله الآن من عربون للسماويات، فننعم بخبرة الميراث الأبدي ونحن بعد في هذا العالم، أما النسخة المفتوحة فهو تمتعنا بالسماويات عينها حين نرى الرب وجهًا لوجه ونحيا في الأحضان الأبوية أبديًا.

د. وضع النسختين في إناءٍ خزفيٍ يشير إلى أن العهد الجديد الذي به ينال المؤمنون الميراث الأبدي يودع في أناس (لهم الجسد كإناءٍ خزفيٍ) يشهدون للعمل الخلاصي الإلهي خلال حياتهم الزمنية، هذا ما دفع الرسول بولس أن يحث تلميذه تيموثاوس أن يحفظ الوديعة (1 تي 6: 20؛ 2 تي 1: 14) وأن يودعها في أناسٍ أمناءٍ.

هـ. تم العقد أمام باروخ وكل اليهود الذين كانوا في قاعة السجن تأكيدًا أن عمل الخلاص أو العهد الجديد بالصليب يتحقق علانية حيث يرتفع السيد المسيح على جبل الجلجثة أمام اليهود وبعض رجال الدولة والأمن.

لأول مرة يُذكر باروخ [12]، الكاتب الذي يملي النبي كلامه عليه ثم يكتبه، وكان رجلاً تقيًا، صديقًا لإرميا ومعاونًا له وأمين سرّه، كان مسئولاً عن إعداد وثائقه، ولعلّه كان كاتبًا رسميًا وخطاّطًا (36: 26).

2. رد الفعل للشراء:

"ثم صليت إلى الرب بعد تسليم صك الشراء لباروخ بن نيريَّا قائلاً:

آه أيها السيد الرب،

ها إنك قد صنعت السموات والأرض بقوتك العظيمة، وبذراعك الممدودة.

لا يعسر عليك شيء.

صانع الإحسان لألوف ومجازى ذنب الآباء في حضن بنيهم بعدهم،

الإله العظيم الجبار رب الجنود اسمه.

عظيم في المشورة وقادر في العمل،

الذي عيناك مفتوحتان على كل طرق بني آدم لتعطي كل واحدٍ حسب طرقه وحسب ثمر أعماله.

الذي جعلت آيات وعجائب في أرض مصر إلى هذا اليوم وفي إسرائيل وفي الناس، وجعلت لنفسك اسمًا كهذا اليوم.

وأخرجت شعبك إسرائيل من أرض مصر بآيات وعجائب وبيدٍ شديدةٍ وذراعٍ ممدودةٍ ومخافةٍ عظيمةٍ.

وأعطيتهم هذه الأرض التي حلفت لآبائهم أن تعطيهم إياها أرضًا تفيض لبنًا وعسلاً.

فأتوا وامتلكوها ولم يسمعوا لصوتك ولا ساروا في شريعتك،

كل ما أوصيتهم أن يعملوه لم يعملوه فأوقعت بهم كل هذا الشر.

ها المتارس،

قد أتوا إلى المدينة لياخذوها،

وقد دفعت المدينة ليد الكلدانيين الذين يحاربونها بسبب السيف والجوع والوبأ،

وما تكلمت به فقد حدث وها أنت ناظر.

وقد قلت أنت لي أيها السيد الرب اشترِ لنفسك الحقل بفضة وأشهد شهودًا وقد دفعت المدينة ليد الكلدانيين" [16-25].

يلاحظ في صلاة إرميا أو تسبحته الآتي:

أولاً: لم ينشغل إرميا بشراء الحقل، فقد أدرك أنه لن يعيش على الأرض حتى يتسلم الحقل... لكن ما كان يشغله هو الله نفسه خالق السماء والأرض، الذي يبسط يديه بالحب لمؤمنيه وهو قدير على خلاصهم. حاول إرميا أن يسّكِن من مخاوفه وقلقه بالتفكير بأنه لا شيء يستحيل على الله الذي خلق الكون فهو يفعل ما يشاء. ومع ذلك فهناك مشكلة خطيرة تتعلق بيهوذا، لأن الأمة رفضت سلطان الله عليها (لو 19: 14)، ولأن كل شيء مكشوف بالنسبة لله فلا يمكن لأى شر أن يختفي عن نظر الله.

ثانيًا: صلى بحزن إلى الله الذي هدأ من روعه ليطمئن على المستقبل. كان الحصار ضد أورشليم يشهد بأن إنذارات الله السابقة قد أضحت حقيقة ماثلة الآن، لذلك كان يصعب على إرميا أن يعتقد أن الله الغير متغير وكلى القدرة يمكن أن يأمره بشراء الأرض بينما كانت نهاية الحياة الطبيعية في يهوذا قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى. ومع ذلك فقد أُمر النبي أن يتصرف كما لو كان للأرض مستقبل مجيد ورائع، وكان إيمانه وطاعته في ظل هذه الظروف نموذجًا للسلوك يحتذي به كل من المؤمنين الحقيقيين (عب 11: 6).

ثالثًا: يقول: "الإله العظيم الجبار رب الجنود اسمه".

اهتم موسى النبي أن يسأل الله عن اسمه (خر 3)، فأعلن الله له أن اسمه "يهوه"، هنا أيضًا يعلن الرب عن اسمه أنه "رب الجنود"، فالله فوق الأسماء كما يقول القديس إكليمنضس السكندري، لكنه يعلن اسمه حسب احتياجنا.

احتاج موسى إلى الله ككائنٍ يحل وسط شعبه، فقدم الله اسمه "يهوه" أي "أنا كائن"، وإرميا يدخل في آلام كثيرة ومرارة، لذلك يعلن الله له عن اسمه "رب الجنود"... وأخيرًا جاء السيد المسيح الابن الوحيد ليعلن اسم أبيه للبشر كآب...

يقول القديس جيروم: [لم يكن هذا الاسم معروفًا في الماضي، إذ يقول الرب: "أنا أظهرت اسمك للناس" (يو 17: 6). فإن كل ابنٍ في الحق يحمل اسم أبيه[558]].

رابعًا: يحدثنا في [23] عن ثلاثة أسباب لدمارهم:

أ. لم يطيعوا الصوت الإلهي.

ب. لم يسلكوا في ناموسه الإلهي.

ج. لم يتمموا شيئًا من وصاياه الإلهية!

لقد حرموا أنفسهم من الصوت الإلهي، والناموس الإلهي، والوصية الإلهية؛ وإن كان من الصعب وضع حدٍ فاصٍل للتمييز بين هذه الثلاثة إلا إنه يمكننا القول:

حرموا أنفسهم من اللقاء الشخصي مع الكلمة الإلهية أو الصوت الإلهي، لقاء الحب والود!

حرموا أنفسهم من الناموس أو الشريعة الإلهية كقائد لهم في الطريق الملوكي حتى لا ينحرفوا يمينًا أو يسارًا عن الطريق الملوكي أو طريق الحياة.

وأخيرًا حرموا أنفسهم من الوصية الإلهية التي قدمها الله للإنسان ليعلن بطاعته لها عن تجاوبه مع الحب الإلهي، فيدخل في حب مشترك بين الله والإنسان!

خامسًا: يصف الله المحرر من السبي بعدة سمات تتحدث عن عظمة قدرته:

أ. خالق السماء والأرض بقوته العظيمة [17].

ب. إله المستحيلات، لا يعسر عليه شيء [17].

ج. محب ومترفق بالآلاف [18].

د. يجازي الآباء في أبنائهم المصرين على السلوك بروح آبائهم لكي يؤدب الكل.

هـ. الله العظيم الجبار [17].

ح. عظيم في المشورة [19].

ز. الإله القدير [19].

ط. العارف كل شيء، عيناه مفتوحتان على طرق بنى آدم ليعطي كل واحٍد حسب طرقه وحسب ثمر أعماله [19].

ى. إله العجائب والمعجزات [20].

ك. واهب الخروج لشعبه بقوة [21].

ل. إله المواعيد الصادقة: واهب أرض الموعد [22].

م. يؤدب على الشرور [23].

سادسًا: لم يتحدث عن التأديب الإلهي إلا بعد أن كشف عن حب الله الفائق واهتمامه بالإنسان، إذ خلق الكل لأجله، وقدم له المستحيلات، مع المشورة الإلهية العظيمة. إنه يشتهي حريته فيخرجه كما من عبودية فرعون، ويدخل به إلى أرض الموعد فلا يعتاز شيئًا، وأخيرًا إذ يصمم الإنسان على العصيان لا يوجد طريق آخر غير التأديب الإلهي مهما بدى قاسيًا.

سابعًا: تحدث في تسبحته للرب عن الخروج من مصر، وهو موضوع لم يشغل موسى النبي وحده بل ورد في الأسفار التاريخية والمزامير وكتب الأنبياء، ويردد كثيرًا في ليتورجيات الأعياد اليهودية والتسابيح التي كانت تُقدم في الهيكل.

3. إجابة الله عليه:

"ثم صارت كلمة الرب إلى إرميا قائلة:

هأنذا الرب إله كل ذي جسد، هل يعسر عليَّ أمر ما؟!

لذلك هكذا قال الرب:

هأنذا أدفع هذه المدينة ليد الكلدانيين وليد نبوخذراصر ملك بابل فيأخذها.

فيأتي الكلدانيون الذين يحاربون هذه المدينة، فيشعلون هذه المدينة بالنار، ويحرقونها، والبيوت التي بخروا على سطوحها للبعل وسكبوا سكائب لآلهة أخرى ليغيظوني.

لأن بني إسرائيل وبني يهوذا إنما صنعوا الشر في عينيًّ منذ صباهم.

لأن بني إسرائيل إنما أغاظوني بعمل أيديهم يقول الرب.

لأن هذه المدينة قد صارت لي لغضبي ولغيظي من اليوم الذي فيه بنوها إلى هذا اليوم لأنزعها من أمام وجهي.

من أجل كل شر بني إسرائيل وبني يهوذا الذي عملوه ليغيظوني به هم وملوكهم ورؤساؤهم وكهنتهم وأنبياؤهم ورجال يهوذا وسكان أورشليم.

وقد حوَّلوا لي القفا لا الوجه،

وقد علمتهم مبكرًا ومعلمًا ولكنهم لم يسمعوا ليقبلوا أدبًا.

بل وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه.

وبنوا المرتفعات للبعل التي في وادي ابن هنوم ليجيزوا بنيهم وبناتهم في النار لمولك، الأمر الذي لم أوصهم به، ولا صعد على قلبي، ليعملوا هذا الرجس ليجعلوا يهوذا يخطئ" [26-35].

أولاً: يحدثنا عن خطايا إسرائيل السبع:

أ. يمارسون الشر منذ صباهم [30]، أي نشأوا فيها أبًا عن جدٍ، متأصلون فيها.

ب. يثيرون غضب الله بعمل أيديهم (الأصنام)، أي مصممون على الشر بإقامتهم آلهة وثنية.

ج. يعطون الله القفا لا الوجه [33]، أي لا يحملون حبًا لله بل كراهية.

د. لا يصغون لتعاليم الله، متجاهلين الوصية الإلهية.

هـ. يقيمون رجاساتهم في بيت الله ويدنسونه [34]، فيخلطون عبادة الله بالأوثان والحياة التعبدية بالرجاسات. إذ قدمت أورشليم محرقات للأوثان سمح لها أن تحترق على أيدي الكلدانيين.

و. يبنون مرتفعات للبعل [35].

ز. يجيزون أبناءهم وبناتهم في النار للإله مولك في وادي ابن هنوم. يضحون من أجلها حتى بأبنائهم فيلقون بهم في النار كذبائحٍ بشريةٍ، متجاهلين أبسط المشاعر الإنسانية أو حتى الحيوانية!

نجد هنا تركيزًا على شرورهم المستمرة طوال تاريخهم.

تمثل أورشليم الأمة كلها التي كانت في أيام ما قبل داود النبي مسرحًا لوثنية اليبوسيين، وكان الفساد الذي أُدخل تحت حكم سليمان بداية لدخول العبادات الغريبة إلى جانب عبادة الله، والارتداد بصورة شبه مستمرة. وفي عصر إرميا كان ذلك هو الطابع السائد للحياة حتى أن إصلاحات يوشيا لم يكن لها تأثير دائم، وقد أضاف المواطنون لتلك العبادات إساءة وإغاظة برفضهم عهد النعمة، والارتباط بالعبادة الوثنية (7: 31) وتقديم ذبائح بشرية (19: 5؛ لا 18: 21). وكانت عبادة الأوثان على السطوح (انظر 19: 13) من أكثر الأخطاء الذميمة للشعب المختار.

بمعنى آخر احتلت الخطية كل كيانهم: تأصلت فيهم منذ الصبا، فأفسدت سلوكهم (ممارسة الشر) وقلوبهم (إعطاء الله القفا)، وإرادتهم (لا يصغون للتعاليم الإلهية)، وعبادتهم (تدنيس بيت الله)، وطاقاتهم (يصنعون التماثيل ويبنون المرتفعات للبعل)، حتى عواطفهم وعلاقاتهم الأسرية (يجيزون أولادهم في النار).

هذا وقد تسللت الخطية إلى الجميع، لم تقتصر على أسباط معينة ولا على فئات معينة بل انخرط فيها أبناء إسرائيل كما أبناء يهوذا [30]؛ سقطت فيها كل الأمة: الملوك ورجال الدولة والكهنة والأنبياء والشعب، فقد صنعوا شرورًا جماعية كثيرة [31-32] لذا استحقوا تأديبًا جماعيًا! لقد كسروا العهد مع الله [33-35]، وأقاموا عهودهم مع البعل والإله مولك.

ثانيا: نفذ إرميا النبي الأمر الإلهي الخاص بشراء الحقل في ظروف غير طبيعية، بالرغم من تأكده من تسليم أورشليم في أيدي الكلدانيين.

إذ سبَّح إرميا الله القدير مؤكدًا أنه ليس شيء غير مستطاع لديه، أجاب الله أنه إله كل جسد [27]. إله كل البشرية، يعمل في الكل بخطته الفائقة. يستخدم الله نفس كلمات إرميا [17] ليؤكد له أنه لا شيء يعسر على الخالق.

4. الوعد برد السبي:

إذ قدم الله لشعبه الحجة تلو الأخرى، معللاً سر سقوطهم تحت التأديب الجماعي، لم يتركهم في يأس بل قدم لهم عهدًا جديدًا على مستوى أعظم من العهد القديم، حيث ينقشه في قلوبهم. يقدمه عهدًا أبديًا، يُسر به فهو محب لمؤمنيه.

بعد أن كشف الله عن خطاياهم التي بسببها سقطوا تحت التأديب، أراد أن يوضح لهم أن التأديب ليس إلاّ مرحلة مؤقتة، خلالها يدخل بشعبه إلى التوبة كما إلى مدرسة إلهية، يكشف لهم عن خطاياهم ويحاججهم لأجل رجوعهم إليه ونموهم. من الجانب الايجابي يكشف لهم عن حبه العجيب لهم واهتمامه بهم وتقديم عهدٍ جديدٍ فائقٍ: أولاً: يتحدث بروح الصراحة والأبوة أنه هو الذي دفع بهم إلى السبي كما إلى السيف والجوع والوبأ، إذ صاروا موضع غضبه بسبب خطاياهم وعصيانهم. ها هو الآن يردهم بالحب ويدخل بهم إلى الموضع الذي طردهم منه ليعيشوا في أمان سالمين [36-37].

"والآن لذلك هكذا قال الرب إله إسرائيل عن هذه المدينة التي تقولون إنها قد دفعت ليد ملك بابل بالسيف والجوع والوبأ.

هأنذا أجمعهم من كل الأراضي التي طردتهم إليها بغضبي وغيظي وبسخطٍ عظيمٍ،

وأردهم إلى هذا الموضع وأسكنهم آمنين" [36-37].

جاء الحديث في العبرية في صيغة الماضي وليس كمن يتنبأ عن المستقبل ليؤكد لهم أن السبى يتحقق حتمًا والرد منه أيضًا سيتم لا محالة!

ثانيًا: جوهر العهد هو اتحاد الله بشعبه: "ويكـونون لي شـعبًا، وأنا أكون لهـم إلهًا" [38]. هذا الاتحاد هو قمة مجدنا الأبدى، حيث نجد لنا موضعًا في حضن الآب، وُينسب الله إلينا ونحن ننتسب إليه، الذي يعتز بهذا النسب قائلاً: "أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب".

ثالثًا: "وأعطيهم قلبًا واحدًا وطريقًا واحدًا ليخافوني كل الأيام لخيرهم وخير أولادهم بعدهم" [39].

يعطينا "قلبًا واحدًا وطريقًا واحدًا" ما هو هذا القلب الواحد إلا روح الوحدة، وما هو الطريق الواحد الذي يدخل بنا إلى مخافة الرب لخيرنا وخير أولادنا إلا السيد المسيح القائل: "أنا هو الطريق". ففي هذا العهد نتمتع بعمل الروح القدس والسيد المسيح، فنعيش كشعبٍ واحدٍ، الجسد الواحد، ونثبت في الطريق الإلهي الملوكي لننعم بشركة الطبيعة الإلهية، حاملين الشركة في سمات المسيح فينا.

رابعًا: "وأقطع لهم عهدًا أبديًا أني لا أرجع عنهم لأحسن إليهم وأجعل مخافتي في قلوبهم فلا يحيدون عني" [40].

يبقى العهد أبديًا حتى في السماء (رؤ 21؛ إش 50: 3، حز 16: 60)... نرتبط بالله، فلا يقدر الموت أن يحطم علاقتنا به، بل يدخل بنا إلى لقاءٍ أعظمٍ لا يتحطم!

يقول الأب بفنوتيوس: [يتحدث إرميا النبي على لسان الله مقررًا بوضوح أن مخافة الله التي بها نثبت فيه تنسكب علينا منه[559]]. كاسيان 3: 18.

خامسًا: "وأفرح بهم" [41].

هذه هي قمة علاقة الحب، فإنه ليس فقط يحبنا بل يفرح بنا، كأب يشتهي أن يرى أبناءه ويلتقي بهم ويسكب مجده فيهم مقدمًا لهم ميراثًا إلهيًا. هكذا يكشف العهد الجديد عن قلب الله - إن صح التعبير- الذي كأبٍ يطلب خير أولاده ونموهم فيه.

سادسًا: "لأحسن إليهم وأغرسهم في هذه الأرض بالأمانة بكل قلبي وبكل نفسي" [41].

علامة العهد أن تمتد يد الله نفسه لتغرسنا في الأرض الجديدة، اليد الأمينة التي تعمل بغير حدود، بل بكل قلب الله التي لا يأتمن آخر غيره على غرسنا! إن كان بولس الرسول يغرس وآخر يسقي، لكن يبقى الله العامل في قلب الرسل والخدام، هو الذي يغرس ويروى وينمي ويقدم ثمر الروح.

سابعًا: أخيرًا يؤكد لهم استقرار حياتهم بعد السبي في ظل العناية الإلهية كعربون للحياة الكنسية الغنية في ثمارها، والمملؤة سلامًا روحيًا.

"لأنه هكذا قال الرب: كما جلبت على هذا الشعب كل هذا الشر العظيم هكذا أجلب أنا عليهم كل الخير الذي تكلمت به إليهم.

فتُشترى الحقول في هذه الأرض التي تقولون إنها خربة بلا إنسانٍ وبلا حيوانٍ وقد دُفعت ليد الكلدانيين.

يشترون الحقول بفضة ويكتبون ذلك في صكوك ويختمون ويشهدون شهودا في أرض بنيامين وحوالي أورشليم وفي مدن يهوذا ومدن الجبل ومدن السهل ومدن الجنوب لأني أرد سبيهم يقول الرب" [41-44].


من وحي إرميا 32

وعودك تتحدى الزمن!

v     آمن إرميا بوعودك الصادقة:

بعد 70 عامًا لابد أن ينتهي السبي!

كان في دار السجن وسط الآلام،

وكان البابليون يستعدون لنهب أورشليم،

فرأى بعينيْ الإيمان اليقين الملك ورجاله يُسبون،

المدينة وهيكلها، والقرى وحقولها... تخرب،

مع ذلك اشترى قطعة أرض في عناثوث قريته!

v     افتدى الأرض بسبعة عشر شاقلاً من الفضة!

قدم صك الشراء لباروخ كاتبه!

حُفظت منه نسختان في إناءٍ خزفي،

نسخة مختومة وأخرى مفتوحة!

أكد تقديره لميراث آبائه واعتزازه بأرض الموعد!

أكد إيمانه أنه وإن طال الزمن سيعود شعبه من السبي،

وترجع الحياة اليومية الطبيعية إلى ما هو أفضل!

وعودك بالعودة المجيدة تتحدى الزمن بكل مرارته وعاره!

v     من أجلي دخلت أنت يا مخلصي، وليس إرميا، إلى السجن!

لحسابي حُوكمت كمذنبٍ وحملت ثمرة عصياني!

رأيتني أنهار في السبي وتخرب كل أعماقي!

فقدت مجدي وحاط بي الخزي!

اشتريتَ قلبي حقلاً خاصًا بك!

أقمت منه جنتك وفردوسك!

نعم! ليثمر روحك القدوس فيَّ!

لأتحرر الآن، هوذا صك الشراء محفوظ!

صك الشراء بل صك الفداء مختوم هنا لا نراه إلا بعينيْ الإيمان،

ومفتوح في السماء يتهلل به السمائيون معنا!

v     من أجلي سقطت تحت المحاكمة يا إله إرميا!

لم تنشغل بالاتهامات ولا بالجلدات ولا بالجراحات،

بل كل ما كان يشغلك أن توقع عهدًا جديدًا،

كتبته لي بدمك الثمين!

اشتريتني وسط آلامك حقلاً مقدسًا لك،

قبلتني ميراثك، وأنت ميراثي.

حبيبي لي وأنا لحبيبي الراعي بين السوسن!

v     بدمك سجلت العهد الجديد،

أودعته في قلبي الصغير، الإناء الخزفي،

أودعت كنزك الإلهي في حقارتي!

v     هب لي أن أقرأ النسخة المفتوحة،

فأرى مع يوحنا حبيبك بابًا مفتوحًا في السماء،

ويرتفع قلبي إلى أمجادك!

إني أنتظر أيضًا أن تفتح النسخة المختومة،

حين تأتي يا ديان البشرية،

فأرى ما لم تره عين،

وأسمع ما لم تسمع به أذن،

وأتمتع بما لم يخطر على قلب إنسان!

لك الحمد والتسبيح يا من اقتنيتني لا بذهب وفضة،

بل بدمك الثمين المبذول على الصليب!

[554] E.W. Nicholas: Jeremiah 26-52, p.79.

[555] St. Chrysostom: Concerning Statues, 19: 11.

[556] Thompson: Jeremiah, 589.

[557] Thompson: Jeremiah, p.588.

[558] On Ps. hom 8

[559] Cassian: Conference 3: 18.