الأصحاح الثالث

حبه العملي لها

إذ عرض الوحي الإلهي لثمار الخيانة أو كسر العهد القائم بين الله والإنسان، عاد ليؤكد محبته للإنسان وشوقه للاتحاد معه بعد تقديسه له:

1. الزواج بزانية            1.

2. شراء الزانية            2.

3. تقديس الزانية            3-4.

4. الرجوع إلى العريس     5.

1. الزواج بزانية

إذ يرفض الدارسون قبول ما ورد هنا على أنه زواج ثانٍ غير الذي ورد في الأصحاح الأول، فلماذا كرر حادثة الزواج بزانية؟

أولاً: يرى بعض الدارسين أن زوجته جومر بنت دبلايم قد هربت من بيت الزوجية وباعت نفسها للفساد فصارت عبدة، لكن النبي عاد فاشتراها لنفسه امرأة [ع2].

ثانيًا: يرى البعض أن ما جاء في هذا الأصحاح هو بعينه ما ورد في الأصحاح الأول لكن الأول جاء الأمر بالزواج أما هنا فيروي ما حدث كواقع عملي، مقدّما لنا الخبرة التي لمسها النبي نفسه.

ثالثًا: يرى قلة من الدارسين أن الحديث الأول كان موجهًا إلى مملكة الشمال (إسرائيل) ، أما هنا فالحديث موجه إلى مملكة الجنوب (يهوذا) رغم قوله: "بني إسرائيل"، فإن المملكة الأولى قد طُلقت وسُيبت وبقيت الثانية قرنًا من الزمان وأيضًا طُلقت وسُبيت بعد ذلك.

رابعًا: يرى البعض أن ما ورد هنا هو مجرد تكرار لما ورد في الأصحاح الأول كتأكيد لمحبة الله لعروسه الساقطة، وإعطائها أكثر من فرصة للتفكير في محبة رجلها الأول لها.

في الأصحاح الأول قال الرب لهوشع: "اِذهب خذ لنفسك امرأة زنى"، أما هنا فيقول له "أحببت امرأة صاحب وزانية"، فصدر إليه الأمر لا ليتجوزها فحسب كأمر الله، وإنما يحبها بالرغم من معرفته أنها كانت حبيبة صاحب وأنها زانية. هكذا أراد الله أن يدخل هوشع شركة الحب التي لله نحو شعبه بالرغم مما صنعه هذا الشعب من التفاتهم إلى آلهة أخرى وثنية واشتراكهم في الولائم المفسدة بشوق شديد، إذ يقول له: "كمحبة الرب لبني إسرائيل وهم ملتفتون إلى آلهة أخرى ومحبون لأقراص الزبيب" [ع1].

 2. شراء الزانية

"فاشتريتها لنفسي بخمسة عشر شاقل فضة وبحومر ولثك شعير" [ع2].

إن كانت هذه الامرأة في شهوات قلبها باعت نفسها لحساب الشر فصارت عبدة ذليلة، إذ صار ثمنها خمسة عشر شاقل فضة، أيّ أقل من ثمن العبدة. جرت وراء محبيها وقدمت حياتها نذرًا لهم فصارت بلا ثمن، إذ فقدت كرامتها ومجدها، فقدت الصورة التي خلقها عليها إلهها الذي في محبته أقامها على صورته ومثاله.

على أي الأحوال إذ كان هوشع رمز ليسوع المسيح المخلص، فإن شراءه للمرأة الزانية يشير إلى خلاصه لنا، فقد اشترانا بدمه الثمين من العبودية التي أسرنا أنفسنا بأنفسنا تحت نيرها.

يقول هوشع النبي: "اشتريتها لنفسي". اقتناه ربنا يسوع المسيح لنفسه عروسًا تكرس كل طاقاتها لحسابه وليس لحساب العالم أو الشيطان.

أما الثمن الذي دفعه هوشع فبخس للغاية: خمسة عشر شاقل فضة، أيّ أقل من ثمن العبد (خر 21: 22)، وحومر ولثك[28] شعير وليس حنطة (مز 81: 16)؛ فقد قيّمها العالم بالشعير أكل الفقراء أو الحيوانات ولا تستحق في عينيه أكثر من هذا، أما ربنا يسوع فاقتنانا لا بذهب أو فضة، ولا بقمح أو شعير، وإنما بدمه الثمين كقول الرسول: "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو بذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" (1 بط 1: 18-19).

3. تقديس الزانية

إن كان الله في حبه يجري وراء البشريّة الزانية مفتديًا إياها بدمه إنما لكي يقدسها، فيهيئها للعرس السماوي. إذ يقول: "وقلت لها: "تقعدين أيامًا لا تزني ولا تكوني لرجل وأنا كذلك لك" [ع4]. ابن الله القدوس كرس عمله لحساب هذا العرس قائلاً: "أنا كذلك لك"، وفي أكثر إيضاح يقول: "لأجلهم أقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق" (يو 17: 19). قدس القدوس حياته أيّ كرسها لخلاصنا، حتى نتقدس به مقدمين حياتنا له خلال التقديس بدمه بواسطة روحه القدوس. والعجيب أن زواج النفس بالله روحيًا ليس فقط ينزع عنها نجاستها أو زناها الروحي إنما يهبها "بتوليّة". وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [دعيت الكنيسة عذراء، هذه التي كانت قبلاً زانية. هذه هي المعجزة التي صنعها العريس: أخذها زانية، وجعل منها عذراء! يا له من أمر عجيب وجديد! فنحن بالزواج نفقد بتوليتنا، أما الله فبالزواج يعيد للكنيسة عذراويتها... عندما تسمع هذه الأمور لا تفهمها بصورة مادية بل حلّق بفكرك عاليًا. لا تفهمها بصورة جسدية... فإن الكنيسة التي تعيشها روحيّة لا مادية[29].]

يكمل النبي حديثه: "لأن بني إسرائيل سيقعدون أيامًا كثيرة بلا ملك وبلا رئيس وبلا ذبيحة وبلا تمثال (مذبح حسب الترجمة السبعينية) وبلا أفود وترافيم" [ع4]، هذه إشارة إلى فترة السبي التي حُرم فيها الشعب من حرية العبادة لله وكل امتيازاتها ومن كل مظهر لهم كأمة أو كنيسة. ولعل الله قد سمح بها كفترة تهيئة لهم لقبول العبادة الحقة بعد حرمانهم منها بسبب شرهم. الله في محبته يحرم الإنسان حتى من البركات إلى حين لكي نتقبلها بصورة أعظم وأبقى!

4. الرجوع إلى العريس

يختم الحديث عن قبول الزانية بالحب الزوجي بعودة الشعب اليهودي إلى معرفة الله. يرى العلامة أوريجينوس أن فترة الحرمان السابق الحديث عنها لا تشير إلى فترة السبي فحسب، وإنما أيضًا تشير إلى رفض اليهود للمسيَّا، لكنهم في أواخر الأيام يقبلون الإيمان وينضمون كأعضاء في جسد المسيح لينعموا بالخلاص، إذ يقول: "وبعد ذلك يعود بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب، وإلى جوده في أواخر الأيام" [ع5]. إنهم في أواخر الدهور سيفزعون إلى الرب أو يهربون إليه.

لماذا يقول "يفزعون إلى الرب"؟ لعلهم إذ يدركون ما فعلته الخطية بداود ملكهم، أيّ السيد المسيح الذي هور "أصل وذرية داود" (رؤ 22: 16) ، ويفزعون إليه ليتمموا خلاصهم بخوف ورعدة (في 2: 12).

[28] "الحومر" ميكال عبري يعني "حمل حمار" أو مئة عمر أو لتكان أو عشر إيفات ويسمى أيضًا كرًا، وكان يساوي 113.229 لترًا، أما اللثك فحوالي نصف الحومر.

[29] الكنيسة تحبك، ص 46، 50.