الأصحَاح
الحادي عشر
الله
ملجأ لنا
إن
كان إسرائيل
قد افقدته
العبادة
الوثنية كل
حكمة سماوية
فصار كحمامة
رعناء (7: 11)، تارة
يلجأ إلى
فرعون مصر ليحميه
من ملك آشور،
وأخرى يلجأ
إلى ملك آشور يسنده
ضد فرعون مصر،
فإن الله وحده
هو ملجأه الحقيقي،
الذي تبناه
واهتم به وهو
بعد في البطن،
ويسنده حتى
يدخل به إلى
كمال الحرية
الحقيقيّة. إن
كان فرعون مصر
أو ملك آشور
يبسط يديه إنما
لينصب الفخاخ
ويقتنص، أما
الرب فهو وحده
سند النفس
ومعينها
الحقيقي.
1.
رعاية الله
لغلامه
1-4.
2.
موقف إسرائيل
منه 5-8.
3
الله الملجأ
الوحيد
9-12.
1.
رعاية الله
لغلامه
في
المقدمة هذا
الأصحاح
يتحدث الله عن
إسرائيل، أيّ
عن شعبه، أو
عن النفس
البشريّة،
بكونه يمثل
غلامًا محبوبًا
لدى الله.
يشتاق أن
يطلقه من
عبودية فرعون
مصر ويحرره
كإبن له.
يدعوه إليه
لكي يتقبله أبًا
له، ويمسك
بيديه كمربية
مملوءة
حنانًا ليعلمه
المشي في طريق
الحق، يضمد كل
جرح في أعماقه
أصابه أثناء
عبوديته،
يجتذبه بحبال
العطف ويربطه
برباط الحب،
ويرفعه كطفل
ليلاطفه
بخديه
اللطيفين،
يمد له يده
ليطعمه
بنفسه... يا له
من حنو فائق،
فإنه كمن يقوم
بدور مربية مملوءة
حنوًا نحو
النفس
البشريّة، لا
يتركها في عوز
إلى شيء حتى
يتدرج بها من
الطفولة الضعيفة
إلى النضوج.
في
أكثر تفصيل
نتابع كلمات
الرب نفسه
القائل:
"لما
كان إسرائيل
غلامًا
أحببته، ومن
مصر دعوت
ابني" [ع1].
بينما كان
إسرائيل
غلامًا أو
صبيًا لا يدرك
الأمور، يعجز
عن تقديم شيء
من جانبه،
أحبه الله
ودعاه من أرض
العبودية
مقدّمًا له
البنوة. هكذا
أيضًا أحب
الله يعقوب
وهو بعد في
البطن لم يفعل
خيرًا ولا
شرًا (رو 9: 11).
وكما يقول الرب
لإرميا النبي:
"قبلما صورتك
في البطن عرفتك،
وقبلما خرجت
من الرحم
قدستك" (إر 1: 5)،
ويؤكد الرسول
بولس أن الله
"أحبنا
أولاً".
لقد
بادرالله
فأحب غلامه
إسرائيل
وأطلقه من عبودية
فرعون، لكن
إسرائيل بقى
بقلبه مرتبطًا
بالعبودية،
كالمريض الذي
يحب المرض، أو
السجين الذي
لا يفارق
بقلبه ظلمة
السجن. هكذا
أطلقنا ربنا
يسوع المسيح
من عبودية
إبليس - فرعون الحقيقي
- واهبًا
أيانا
بالمعمودية
البنوة للآب
فيه، لكن
كثيرًا ما
يرجع قلبنا
إلى أرض العبودية
فنشتهي كُرات
مصر وبَصَلها
كما سبق فصنع
بنو إسرائيل،
إذ بكوا
قائلين: "قد
تذكرنا السمك
الذي كنا
نأكله في مصر
مجانًا والقثاء
والبطيخ
والكُرات
والبصل
والثوم، والآن
قد يبست
أنفسنا. ليس
شيء غير أن
أعيننا إلى هذا
المن" (عد 11: 5-6).
لقد يبست
أنفسهم من
المن النازل
من فوق
واشتهوا
السمك الصغير
المجاني والقثاء
والبطيخ
والكُرات
والبصل
والثوم! لا
عجب فإن
الإنسان إذ
يرتبط بالأرض
يصير أرضًا،
فتمل نفسه من
الأمور
السماوية
لتشتهي الأرضيات؛
ترى في
السموايات
يبوسة وفي
الأرضيات لذة
وبهجة للقلب.
وقد
رأى الإنجيلي
متى في القول
الإلهي: "من مصر
دعوت ابني"
نبوة واضحة
وصريحة عن
هروب السيد
المسيح ابن
الله الحيّ
إلى مصرنا
التي كانت في
ذلك الزمن من
أعظم مراكز
الأمم، ليعلن
قبوله لكل
الشعوب الأممية،
مقدسًا
أرضنا، فما
كان قبلاً
مركزًا للوثنية
صار موضع راحة
لمخلص العالم.
ولا يزال الرب
يدخل مصرنا
الداخلية
ليحولها من
وثنيَّتها
إلى مَقدس له
فيها يقيم
مذبحه الإلهي
(إش 19: 19)، فتتعرف
عليه وتقدم له
ذبيحة وتقدمة
حب (إش 19: 21) لتسمع
صوته الإلهي:
"مبارك شعبي
مصر" (إش 19: 25).
نعود
مرة أخرى إلى
رعاية الله
لغلامه
إسرائيل الذي
دعاه من أرض
العبودية
كابن له
لنتعرف على
موقف الابن من
هذه الرعاية.
"كل ما دعوهم
ذهبوا من
أمامهم يذبحون
للبعليم
ويبخرون
للتماثيل
المنحوتة"
[ع2]، جاءت
الترجمة
السبعينية في
أكثر وضوح تعلن
أن كلما دعاهم
يذهبون من
أمامه،
وكأنهم بالابن
العنيد الذي
يدعوه أبوه
مقدّمًا له كل
حماية فيرفض
ويهرب من وجه
أبيه إلى عدوه
"البعليم
والتماثيل
المنحوتة".
منذ طفولته
كان إسرائيل
معاندًا لله،
يقابل الحب
بالجفاء،
والرعاية
بالعناد. ومع
هذا لم يتوقف
الله عن محبته
إذ يقول:
"وأنا درجت
(علمته المشي)
إفرايم
ممسكًا إياهم
بأذرعهم فلم
يعرفوا إني
شفيتهم" [ع3].
إنه يعلهم
كمربية تمسك
أيدي الطفل
المقاوم
لتعلمه كيف
يمشي ليصير
ناضجًا. إنه
محب لهم "كنت
أجذبهم بحبال
البشر بربط
المحبة، وكنت كمن
يرفع النير عن
أعناقهم وممد
إليه مطعمًا إياه"
[ع4]. وجاءت
الترجمة
السبعينية
توضح أنه كان
يرفعهم كطفل
إلى خديه
وينحني ليقدم
لهم الطعام في
أفواههم؛ أيّ
حب أعظم من
هذا؟! إنه
قدّم كل رعاية
كأب لكي نلجأ
إليه ويدخل هو
فينا، ونصير
معه واحدًا.
وكما يقول القديس
جيروم: [المسيح
واقف كل يوم
على باب
قلبنا، يشتاق
أن يدخل.
لنفتح له
قلبنا على
مصراعيه،
فيدخل ويكون
ضيفنا، يسكن
فينا ويتعشى
معنا[63].]
2. موقف
إسرائيل منه
"لا
يرجع إلى مصر
بل آشور هو
ملكه" [ع5] إذ
قابل إسرائيل
رعاية الله له
الذي أخرجه من
أرض العبودية
بالجفاف
اشتاق إلى
العودة إلى
أرض العبودية
من جديد
ليحتمي تحت ظل
فرعون من ملك
آشور، لكنه
حتى أن هرب
فسيُسبى تحت
حكم آشور
ويملك عليه.
هذه صورة
لموقف
البشريّة نحو
الله الذي
يدعوهم في
محبته
فيعصونه لقد
ذهبوا من
أمامه [ع2]،
أعطوه القفا
لا الوجه. عوض
تقديم ذبائح
حب له صاروا
"يذبحون
للبعليم"،
أيّ يذبحونه
لبعل ليعودوا
فيذبحوا لبعل
آخر وثالث وهكذا
ولا يفكرون في
العودة إلى
الله. لهذا يعاتبهم
في مرارة
قائلاً: "شعبي
جانحون (متشبث)
إلى الارتداد
عني"، في
داخلهم ميل
شديد وانجذاب
نحو الارتداد.
أرسلت إليهم
من يدعوهم
إليّ لكنهم
أبوا أن
يرجعوا [ع5].
أمام هذه المقاومة
من جانب
إسرائيل يضطر
الله إلى
التأديب،
قائلاً: "كيف
أجعلك يا
إفرايم؟
أصيرك يا
إسرائيل؟ كيف
أجعلك كأدمة؟
أصنعك
كصوبيم؟" [ع8].
إنه يجعل
إفرايم
وإسرائيل
كأدمة وصوبيم
وهما مدينتان
في منطقة سدوم
وعمورة
اِحترقتا بالنار
بسبب شرهما.
3. الله
الملجأ
الوحيد
حتى
في لحظات
التأديب لا
يحتمل الله أن
يرى شعبه
متألمًا، إذ
ينقلب قلبه
الحنون في
داخله وتضطرم
نار مراحمه
فيه ويلتزم
برفع حمو غضبه
عنهم، قائلاً:
"قد انقلب
عليَّ قلبي،
اضطرمت
مراحمي جميعًا،
لا أجري حمو
غضبي لا أعود
أخرب إفرايم
لأني الله لا
إنسان،
القدوس في
وسطك فلا آتي
بسخط" [ع8-9].
إن
كان كأسد
يزمجر ليؤدب
بحزم [ع10]،
فيسرع بنوه إلى
الهرب كما إلى
فرعون مصر أو
ملك آشور، لكنه
في مراحمه
يردهم لا
بقوتهم ولا
بسيفهم،
وإنما يردهم في
ضعفهم وعجزهم
إذ "يسرعون
كعصفور من مصر
وكحمامة من
أرض آشور فأسكنهم
في بيوتهم
يقول الرب"
[ع11]. بحبه يردهم
إلى بيوتهم
فيعودوا
كعصفور لا حول
له ولا قوة له
أو كحمامة
بسيطة يسرع
بها من أرض
الأعداء إلى
بيتها. أنه
ملجأ
الضعفاء...
يحمي العصفور
ويسند
الحمامة!
[63] Pi 25:17.