هيَّأ
لله الحديث عن
تأديب
إسرائيل
بإعلانه دينونة
الأمم
المجاورة،
ليبرز مدى
كراهيَّته
للشرّ، وعدم
تحيُّزه
لأمَّة على
حساب أمَّة،
أو لشخص
على حساب آخر:
1.
مقدِّمة
[1-2].
2.
تأديب
دمشق
[3-5].
3.
تأديب
غزَّة
[6-8].
4.
تأديب
صور
[9-10].
5.
تأديب
أدوم
[11-12].
6.
تأديب بني
عمون
[13-15].
"أقوال
عاموس الذي
كان بين
الرعاة من
تقوع التي
رآها عن
إسرائيل، في
أيام عُزِّيا
ملك يهوذا،
وفي أيام
يربعام بن يوآش
ملك إسرائيل،
قبل الزلزلة
بسنتين" [1].
لم
يخجل عاموس
النبي من
إبراز عمله
كراعي غنم في
تقوع، أي أنه
من الطبقات
الفقيرة،
خاصة وأنه كان
جاني جمِّيز،
الأمر الذي لا يقوم
به إلاَّ من
كان في عوزٍ
شديد. أمًا
عدم ذكر اسم والده
فلأنه من
عائلة فقيرة
ومجهول.
والعجيب
أنه يقول:
"أقوال
عاموس... التي
رآها"، وليس
التي سمعها أو
ألقاها،
مؤكدًا أن ما
يعلنه هنا من
أقوال ليست من
عنديَّاته
لكنها ثمرة
رؤى إلهيَّة
وإعلانات
بالروح القدس.
وقد
حدَّد موقع
نشأته وتاريخ
قيامه بالعمل
النبوي، الأمرين
اللذين سبق
لنا الحديث
عنهما في المقدِّمة.
فقال:
"إن الرب
يزمجر من
صهيون، ويعطي
صوته من أورشليم،
فتنوح مراعي
الرعاة وييبس
رأس الكرمل" [2].
هذه
هي
افتتاحيِّة
نبوَّته،
ولعلَّ سُكنى
عاموس في تقوع
على حافة
البريَّة
قدَّمت له
خبرة زمجرة
الأسد في
البريَّة التي
ترعب الرعاة
وتبعث الهلع
في حياة
الفلاَّحين.
وقد شبَّه
عاموس النبي
الله في غضبه
على الخطيَّة
بالأسد الذي يزمجر،
قائلاً:
"الأسد قد
زمجر فمن لا
يخاف؟! السيِّد
الرب قد
تكلَّم فمن لا
يتنبَّأ؟!" (3: 8).
زمجرة الأسد لا
تنبعث عن
فراغ، ولا
تصدر بلا سبب
"هل يزمجر الأسد
في الوعر وليس
له فريسة؟!" (3: 4).
لقد
تحدَّث هوشع
ويوئيل
النبيَّان عن
الله تبارك
اسمه كأسد
يعطي صوته
فترتجف
السماء والأرض،
فيدرك الكل
أنه ملجأ شعبه
وحصنًا لهم، يسكن
في وسطهم في
جبل قدسه في
أورشليم
مقدسه فلا
يقترب إليهم
غريب (يؤ 3: 16-17).
يزمجر فيجمع
شعبه من مصر
وأشور
ويسكنهم في
بيوتهم (هو 11: 10-11).
أمًا هنا فعاموس
النبي يرى
الله
القدُّوس
كأسد رابض في صهيون
يعطي صوته
مزمجرًا بسبب
خطايا إسرائيل
ويهوذا وكل
الأمم
المحيطة. أنه
لا يطيق الخطيَّة
تقترب إلى
مقدسه وتحيط
به، لذا
يُزمجر فيهز
أساسات
الخطيَّة ويحطِّم
أعمال
الإنسان
القديم، تخرج
نار من فمه
فيحرق قصورها
ويبدِّد
كيانها!.
إذ
يعطي الأسد
صوته تنوح
مراعي
الرعاة، وييبس
رأس الكرمل
أخصب منطقة،
إذ يدرك الكل
أن صوت الرب
يُجفف ما قام
على الشرّ،
ويحطِّم كل
ثمر للفساد!.
لا
تقول كلمة
الرب على
المجاملة أو
المداهنة أو
التعريج بين
الخير
والشرّ، إنما
على تحطيم
الشرّ لإقامة
الخير، أو صلب
الإنسان
القديم
لإعلان قيام
الإنسان
الجديد. فقد
زمجر الأسد الخارج
من سبط يهوذا
مؤكدًا هذا:
"ليس أحد يجعل
رقعة من
قطعة جديدة
على ثوب عتيق،
لأن المِلء
يأخذ من الثوب
فيصير
الخَرْق أردأ،
ولا يجعلون
خمرًا جديدة
في زقاق
عتيقة، لئلاَّ
تنشق الزقاق،
فالخمر تنصب
والزقاق تتلف،
بل يجعلون
خمرًا جديدة
في زقاق جديدة
فتُحفظ
جميعًا" (مت 9: 16-17).
وكما يقول القدِّيس
أمبرسيوس: [لهذا
يمنعنا الرب
من الخلط بين
الجديد
والقديم،
ويحرِّم
الرسول
ارتداء الثوب
الجديد فوق
العتيق، إنما
نخلع العتيق
ونلبس الجديد
فلا نوجد عراة
(2 كو 5: 2-4) [3]].
لقد
أدرك ذلك
يعقوب عندما
بارك ابنه
يهوذا، الذي
من صلبه يخرج
الأسد الذي
يزمجر ضد
الخطيَّة ويرعب
الموت، إذ
يقول: "يهوذا
جرو أسد، من
فريسة صعدت يا
ابني، جثا
وربض كأسد
وكلبوة من ينهضه؟!"
(تك 49: 9). فقد رآه
رابضًا كأسد
على الصليب، يزمجر
على الخطيَّة
التي أفسدت
الحياة البشريَّة
لكي يقتل
فريسته –
إبليس
وأعماله –
واهبًا
للبشريَّة
تقديسًا،
جاعلاً منها
صهيون
وأورشليم
المقدَّسة!
الحق
أن نبوَّة
عاموس في
مجملها إنما
هي زمجرة
للأسد من
صهيون، فقد
بدأت
بالتأديبات
المرعبة،
النار
المحرقة
للقصور،
والمحطِّمة
للحصون
والمبددة
للسكان، سواء
من الأمم أو
اليهود، لا
لتبقى خرابًا
بلا ساكن
وإنما لكي يفتح
أبواب الرجاء
على مصراعيه
في نهاية
النبوَّة؛
فعِوض القصور
يقيم خيمة
داود
الساقطة،
وعِوض الحصون
يُرمِّم
شقوقها بنفسه
ويقيم ردمها،
ويبنيها كأيام
الدهر ويسكن
هو في وسطها
فيدعى اسمه
على جميع
الأمم (9: 11-12). أنه
يهدم ويبني،
يقتلع ويغرس،
يحطِّم
الإنسان
القديم ليقيم
فينا الجديد!
هذه هي زمجرة
الأسد من
صهيون،
المعطي صوته
من أورشليم
مقدسه!
في
تأديباته
للأمم ويهوذا
أخذ منهجًا
واحدًا في
الإعلان عن
مقدِّم
التأديب أي
"الله نفسه"،
وعن ذنوبهم
الثلاثة
والأربعة،
وعن عدم الرجوع
في التأديب،
وعن إرسال نار
محرقة... هذه كلها
اشتركت معًا
في الحديث عن
تأديب جميع
الأمم ويهوذا،
لكن كل أمة
اتَّسمت
بخطيَّة أو
خطايا معيَّنة
خاصة بها.
في
بدء كل تأديب
يقول: "هكذا
قال الرب..." (3،
6، 9، 11، 13، 2: 1، 4، 6)،
فإن كانت ليست
كل الأمم
تتعبَّد له،
لكنه هو
ديَّان
الجميع، إله
الأرض كلها،
يدين الكل ويهتم
أيضًا بالكل!.
أما
عن حديثه عن
ذنوبهم
الثلاثة
والأربعة، فإن
هذين الرقمين
يُشيران هنا
إلى مفاهيم
كثير، نذكر
منها:
أولاً:
أن رقم 3 يُشير
إلى النفس
البشريَّة
بكونها على
صورة الثالوث
القدُّوس
ومثاله، ورقم
4 يُشير إلى
الجسد بكونه
مأخوذًا عن
الأرض بجهاتها
الأربع
(الشرق،
الغرب،
الشمال،
الجنوب)، فكأن
لله يؤدِّبنا
على خطايانا
النفسيَّة
(مثل الكبرياء
والحقد)
والخطايا
الجسديَّة
(مثل حب الترف
والتخمة
والشهوات
الجسديَّة).
وكما يقول القدِّيس
أغسطينوس: [لأن
الخطايا
إمَّا أن ترتكب
بالذهن كما
بالإرادة
وحدها، أو
بأعمال الجسد
أيضًا فتكون
منظورة... فإن
ثلاثة هي
طبيعة النفس،
وأربعة بسبب
الجسد، إذ
يتكوَّن
الإنسان من
كليهما[4]].
ثانيًا:
يرى
القدِّيس
جيروم أن
الذنوب
الثلاثة
والأربعة،
إنما تعني الخطيَّة،
وقد تطوَّرت
إلى جيلها
الثالث وجيلها
الرابع،
فتحوَّلت من
مجرَّد فكرة في
الذهن، إلى
إعلانها خلال
القول،
فالعمل، وأخيرًا
تصير عادة.
فالله في طول
أناته لا يعاقب
الإنسان
عندما تثور
الخطيَّة في
ذهن الإنسان،
وإنما كما
قيل: "يجعل
ذنوب الآباء
على الأبناء
إلى الجيل
الثالث
والجيل
الرابع" (عد 14: 18). هذا
يعني أن لله
لا يعاقبنا
على أفكارنا
في الحال، بل
على الأفعال
الشرِّيرة
وعادات
الخطيَّة التي
تنبع عنها،
كما قيل على
فم عاموس: "من
أجل ذنوب
المدينة كذا
وكذا الثلاثة
والأربعة لا
أرجع عنها"[5].
مرة
أخرى يعلق القدِّيس
جيروم على هذه
الذنوب
الثلاثة
والأربعة
أنها:
أ.
التفكير في
الشرّ (الذنب
الأول).
ب.
عمل الشرّ
(الذنب
الثاني).
ج.
عدم التوبة
عنه أو
الاستمرار
فيه (الذنب الثالث).
د.
التعليم به
(الذنب
الرابع).
فمن
كلماته: [الآن
فإن ما يقوله
(النبي) هو هذا:
لقد قبلت
الشرّ وأنا
صفحت عنك، لقد
فعلت
الخطيَّة
وغفرت لك، ولم
تتب عنها وأعطيتك
عذرًا؛ فهل
تُعلَّم
بالخطيَّة
أيضًا؟!. هذا
هو ما قصده
الكتاب بخصوص
الذنوب الثلاثة
والأربعة[6]].
هذه
هي الذنوب الثلاثة
والأربعة
التي لا يرجع
عنها، بل يرسل
نارًا تحرق
قصور شرّهم،
هي نار غضبه
ضد الخطيَّة.
إنه لا يطيق
الخطيَّة
لكنه محب
للخطاة! لعلَّ
هذه النار هي
أيضًا الثمر
الطبيعي للخطيَّة،
النار
الآكلة،
فيترك الله
الإنسان يجنى
ثمر عمله،
يحتضن نار
خطيَّته
فتحرق قصوره
الباطلة التي
تحمل مناظر
برَّاقة
مؤقَّتة.
هذا
بالنسبة
للأمم بوجه
عام، والآن
نتحدَّث عن كل
أمَّة على
حدة.
دمشق
هي عاصمة
سوريا (آرام)،
وقد عاشت
إسرائيل قرابة
قرن من الزمان
في حالة رعب
من آرام،
وشاهد بعض
معاصري عاموس
الحرب التي
أثارها
حزائيل ملك
آرام وابنه بنهدد
ضد إسرائيل (2
مل 8: 7-15، 28-29، 10: 32-33، 13: 3-7،
22-25)، وكانت
جلعاد شرقي
الأردن وشمال
سوريا مسرحًا
لهذه الحرب المريرة،
والتي
اتَّسمت
بقسوة
ووحشيَّة، حتى
نرى إليشع
يبكي، وإذ
يسأله حزائيل
- قبل اغتصابه
المُلك - عن
سرّ بكائه،
يجيب: "لأني
علمت ما ستفعله
ببني إسرائيل
من الشرّ،
فإنك تطلق
النار في
حصونهم،
وتقتل
شُبَّانهم
بالسيف،
وتحطَِِّم
أطفالهم،
وتشق
حواملهم" (2 مل 8:
12).
أما
ثمر هذه
القسوة فهو:
أولاً: تحرق
النار قصر
الملك حزائيل
مثير الحروب
وابنه بنهدد [4].
فإن كان هذا
الملك وابنه
يظنَّان أنهما
قادران على
تحطيم مملكة
الله
واحتلالها،
فإن لله بنار
عدله يرد
عملهما
إليهما،
فترتد نار
شرِّهما إلى
قصرهما، مركز
سلطانهما،
وموضع تخطيطاتهما،
ومكان
اطمئنانهما
وأمانهما...
فيحترق ويتدمَّر.
في
مرارة أقول أن
حزائيلنا
الداخلي إنما
هو "الذات
البشريَّة Ego"، التي
تحتل القلب
كقصر لها،
فتقوم هي وما
تولِّده من
شرور (بنهدد)
على استخدام
الإنسان بكل
طاقاته وإمكانيَّاته
ومواهبه
وقدراته
للعمل لحساب
الشرّ، عِوض
أن يملك الرب
في القلب
ليعمل الإنسان
كآلات برّ
لله. بالحق
فيما تظن
"الأنا" أنها قادرة
على أن تملك
وتُسيطر
وتسكن في
قصرها الداخلي
آمنة، إذا بها
تجلب لنفسها
نارًا تحرق
إمكانيَّاتها
وتفقد كل
سلطان لها.
إذن
لنترك قصرنا
الداخلي
لربنا يسوع
عِوض حزائيل
وبنهدد ليكون
مسكنًا له
ومركز
مملكته،
يُعلن ربنا
فيه ملكوته
بقوَّة، فلا
تقدر نيران
الخطيَّة
خاصة "الأنا" أن
تقترب إليه
لأنه ملتهب
بنار
سماويَّة،
بالروح القدس
ذاته الذي
يشكِّلها من
يوم إلى يوم
لعلَّها تبلغ
قياس ملء
المسيح،
وينطلق بها من
مجد إلى مجد،
ليدخل بها في
المسيح يسوع
إلى حضن الآب
وتستقر هناك
إلى الأبد!
لنسلِّم
قصرنا للملك
السماوي
بروحه الناري،
فلا يقطن فينا
حزائيل بعد مع ابنه
بنهدد.
ثانيًا:
كسّر الحصون
المنيعة التي
تحيط بدمشق،
لا ليحيا
الإنسان بلا
حصون، وإنما
عِوض الحصون
الحجريَّة
يجد الرب نفسه
حصنه وملجأ
حياته. فإنه
إذ توجد
الأذرع
البشريَّة
الحجريَّة
يتَّكئ
الإنسان
عليها، لذا
يُحطِّمها
الرب ليهبنا
الأذرع
الأبديَّة
عِوضًا عنها،
فيقول:
"أُحبَّك يا
رب يا قوَّتي،
الرب صخرتي
وحصني
ومنقذي، إلهي
صخرتي به
أحتمي، ترسي
وقرن خلاصي
وملجأي" (مز 18: 1-2).
لتنهدم
أسوار دمشق
الحجريَّة
الزائلة، لكي يقدِّم
لنا الله نفسه
صخر الدهور
سور صخر لا تقترب
إليه
الحيِّة، ولا
تقدر أن
تخدعنا ونحن فيه،
ندخل إليه
ونستريح
فيكون سور نار إلهي
متَّقد يحيط
بنا ويلهب
أعماقنا
فنكون كالسمائيِّين
"خدَّامه
نارًا
ملتهبة" (مز 104: 4).
ثالثًا:
تحوَّيل بقعة
آون إلى خراب
بلا ساكن،
وتدعى أيضًا
وادي
البطلان، أو
وادي
الأصنام...
فحينما يعمل
الشرّ في
الإنسان يظن
أنه قد أقتنى
الحكمة البشريَّة
القادرة أن
تُغنيه،
فيربح الكثير على
حساب غيره،
وإذا به يُقيم
في قلبه
واديًا للبطلان
أو مركزًا
لعبادة
الأوثان. أنه
يشتري بالشرّ
فراغًا،
ويقتني وراء
الخبث والدهاء
حرمانًا! هذا
هو نصيب
الأشرار
الذين قال عنهم
المرتِّل:
"مثل الحشيش
سريعًا
يُقطعون ومثل العشب
الأخضر
يذبلون" (مز 37: 2).
رابعًا:
يموت كل عظيم
"ماسك قضيب"
في بيت عدن،
أو في بيت
البهجة
والتنعُّم،
فيفقد
الإنسان فيه
كل ما هو عظيم
وما هو قوي
خلال انهماكه
بالملذَّات
والتنعُّمات
الزمنيَّة.
خامسًا:
سبي الأراميِّين
إلى قير مملكة
الماديِّين،
وقد تحقَّق
ذلك تاريخيًا
كما جاء في (2 مل
16: 9)، (إش 22: 5-6).
من
هم هؤلاء
الأراميُّون
سكان أورشليم
الذين يملك
عليهم حزائيل
وابنه بنهدد
إلاَّ طاقات
الإنسان
وقدراته ومواهبه
النفسيَّة
والعقليَّة
(الفكريَّة) والجسديَّة؟!
فإنه إذ يملك
عليها
حزائيل، أي
"الأنا" تتحوَّل
إلى
العبوديَّة،
فتعمل لحساب
مملكة الماديِّين.
يفقد الإنسان
طاقاته، لا
ليعيش بدونها
وإنما يعيش
بطاقات قد
توجهت للشر،
وأنحرفت عن
رسالتها
السامية.
يتحوِّل
الإنسان بكل إمكانيَّاته
للعمل لحساب
عدوّ الخير
تحت عبوديَّة
إبليس عِوض
السمو بها
بالروح القدس
لحساب مملكة
الله!
في
اختصار إن
ثمرة ما صنعه
حزائيل وابنه
بنهدد، أي
ثمرة
الكبرياء
والاعتداد
بالذات، يفقد
الإنسان قصره
الداخلي،
وتنهدم حصونه
التي التجأ
إليها، ويفقد
كل عظمة
وقوَّة كما في
بيت آون،
ويقتني
الحرمان في
بيت البهجة،
وتُسبى كل
طاقاته لحساب
عدوّ الخير!
بمعنى آخر
يفقد سلطانه
(قصره)،
وسلامه
(حصونه) وبهجته
(في بيت عدن)
وطاقاته
جميعها!
هذا
ما عناه الرب
بتأديب دمشق...
لكي يدرك الإنسان
ما بلغ إليه
من حرمان كامل
ودمار شامل
فيلجأ إلى
الله وحده يرد
إليه ما فقده
مضاعفًا، على مستوى
سماوي فائق!
كانت
غزَّة عاصمة
فلسطين في ذلك
الحين وكانت خطيَّة
فلسطين - في
ذلك الوقت - هو
استغلالهم بني
يهوذا
الهاربين
إليهم من وجه
سنحاريب ملك آشور،
فيقبضون
عليهم
ويبيعونهم
عبيدًا لبني
آدوم ألدّ
أعدائهم. لقد
أرادوا إبادة
اسم إسرائيل في
ذلك الحين
كقول
المرتِّل:
"قالوا هلمَّ
نُبيدهم من
بين الشعوب
ولا يُذكر اسم
إسرائيل بعد"
(مز 83: 4). لهذا فإن
النار التي
ارتدت إليهم
إنما لتلتهم
قصور المدن
الرئيسيَّة:
غزَّة وأشدود
وأشقلون
وعقرون.
يرى
القدِّيس
أغسطينوس أن
كلمة
فلسطينيِّين
تعني
"الساقطين من
السكر"[7]،
فتُشير إلى
النفوس التي
تسكر بمحبَّة
العالم وترفه.
ويفسر القدِّيس
جيروم هذا
الاسم بمعنى
"الموت بسبب
جرعة سامة"،
وفي رأيه أنهم
يمثّلون من
يشربون كأس
غواية الشيطان
كسمّ للنفس
يهلكها
فيسقطون
سريعًا[8].
كانت
فينيقيَّة
وعاصمتها
صور، تعتز
بأسطولها
البحري
وتجارتها
الضخمة على
مستوى دولي قوي.
لقد
نسيت صور
معاهدة
الأخوة بين
ملكهم حيرام
والملك
سليمان (1 مل 5: 1-12، 9:
10-14)، فباعوا
الإسرائيليِّين
الهاربين إليهم
عبيدًا
لعدوِّهم
آدوم. لذا سمح
الله بالنيران
تحرق قصورهم
من أجل خيانة
العهد الأخوي،
وقد تحقَّق
ذلك حرفيًا
حين حاصرها
نبوخذنصر
واستولى
عليها في
القرن السادس
ق.م.
ويرى
القدِّيسان
جيروم[9]
وأغسطينوس[10] إن
كلمة "صور"
تعني ضيق أو
محنة. لذا ما
جاء عن صور
خاصة في سفر
حزقيال (أصحاح
28) إنما يُشير
إلى الشيطان
الذي يدفع
الناس إلى
المحن والتجارب
الشيطانيَّة.
آدوم
هو عيسو أخو
يعقوب، وقد
أخذ بنو أدوم
موقفًا معاديًا
لبني إسرائيل
(يعقوب) عند
عبورهم في
البريَّة، إذ
لم يسمحوا لهم
بالعبور (عد 20:
13-21)، وكانوا
دائمًا يقفون
موقف الشماتة
من بني
إسرائيل بل
وأحيانًا
يقومون بأعمال
هجوميَّة
تخريبيَّة[11].
كلمة
"أدوم"
مأخوذة عن
"آدم"، وتعني
"إنسان دموي"،
أو "أرضي"[12]،
تُشير إلى حب
سفك الدماء من
أجل
الأرضيَّات.
إن
كان أدوم
ملتهبًا بنار
الشرّ وحب سفك
الدم، فإن
النار ترتد
إليه، لتحرق
قصور أهم
أقاليمه
تيمان (تيمان
قبيلة
تسمََّت باسم
بكر أليفاز بن
عيسو)،
والأقاليم
الذي تسكنه
(تك 36: 11، 15، 42) ويقع
الإقليم في
شمال أدوم (حز 35:
13)، وقد عرف سكانه
بحكمتكم (إر 49: 7)[13].
أما
بصرة التي
تحترق
قصورها، فهى
مدينة في بلاد
أدوم (إش 34: 6، 63: 1).
كلمة "بصرة"
تعني
بالعبريَّة "قلعة"
أو "حظيرة"،
وقد خُرِّبت
تمامًا كما
تنبَّأ عنها
إرميا النبي
(إر 49: 13)... فإن كانت
بصرة
بإمكانيَّاتها
تمثل قلعة
تيمان بأدوم
فإن الشرّ
يحرق خيراتها ويهدم
إمكانيَّاتها
ويجعلها
خرابًا.
في
دراستنا لسفر
حزقيال رأينا
أن بني عمون
نسل بني عمى
بن لوط (تك 19: 38)،
كانوا قساة
القلب
يقدِّمون
أولادهم ذبائح
للإله ملكوم (1
مل 11: 5 -33). وكانوا
في حرب دائمة
مع بني
إسرائيل[14].
يمثِّل
بني عمون
القسوة
القائمة على
الطمع: "لأنهم
شقُُّّوا
حوامل جلعاد
لكي يوسِّعوا
تخومهم" [13].
هكذا يفسد
الطمع
إنسانيَّة
الإنسان
وحنوُّه الطبيعي،
فمن أجل مكسب
أرضي يُشق بطن
الحوامل، فيقتلهن
ويعذِّبهن
ويفقدهن
الأجنَّاء!
صورة بشعة
للقلب الذي
تحوِّله
الأرض إلى
حيوان مفترس
لا يترفَّق
بالنساء
الضعيفات ولا
بالأجنَّاء
الذين ليس لهم
ذنب وبلا
قوَّة!
أما
ثمرها الطبيعي
فإن النيران
تلتهم أسوار
عاصمتها
ربَّة (عمان)
وتحرق
قصورها،
وتتحوِّل إلى
منطقة قتال
وزوابع،
ويسبي ملكها
ورجاله
العظماء. إن
كانت "ربة"
تعني "كبيرة"
فإن الإنسان
الذي يقسو على
الآخرين
ويحطِّمهم
لأجل نفعه
الخاص الأرضي
ليكون كبيرًا
على الجميع
وأغنى من الكل،
يفقد أسواره
وتحترق قصوره
وتتحوََّل
حياته الداخليَّة
إلى ميدان
قتال مرّ،
ويخسر سلامه
الحقيقي،
ويُسبى فكره
وقلبه وكل
طاقاته إلى ما
هو للعدوّ.
يصير في حالة
فقدان تام لكل
شيء! ففيما
يظن أنه يقتني
بقوَّته
وسطوته إذا به
يدخل في فراغ
شديد، وخسارة
حتى لحياته
وسلامه
وإمكانيَّاته!
[3] القدِّيس أمبروسيوس: تفسير لو 5: 27 الخ (ترجمة مدام عايدة حنا بسطا).
[4] Ser. on N.T. Lessons, Ser.
1:34.
[5] Ep. 130:8.
[6] On Ps. hom 1 ; Comm. on Amos 1:5.
[7] On Ps. 83:5.
[8] حزقيال، 1981م، ص174-175.
[9] Pl 25:240.
[10] On Ps. 83:5.
[11] حزقيال ص173-174.
[12]
On Ps. 83:5.
[13] New Westminster Dict., of Bible , P. 929.
[14] حزقيال ص169-171.