في هذا
الأصحاح أكمل
حديثه عن
دينونة الأمم
المحيطة
بيهوذا
وإسرائيل
ليتحدَّث عن
دينونة يهوذا
وينتقل إلى
جوهر الموضوع
وهو "دينونة
إسرائيل"
فيتكلَّم
عنها بأكثر
تفصيل.
1. تأديب
موآب
[1-3].
2.
تأديب
يهوذا
[4-5].
3.
تأديب
إسرائيل [6-16].
في
دراستنا لسفر
حزقيال رأينا
أن موآب هو من
نسل لوط من
ابنته
الكبرى، وقد
دعي "موآب"،
لأن أمه
أنجبته من
أبيها، إذ
الكلمة "موآب"
تعني "من
الآب"[15]. ويرى
القدِّيس
جيروم أن
الابنة
الكبرى
استغلَّت
سكْر أبيها
فأنجبت منه
موآب، ليشير
إلى الشيطان
وكل الخارجين
عن الله
أبيهم،
والذين لا
يفكِّرون فيه[16]. ويرى القدِّيس
أغسطينوس أن
بني موآب
يشيرون إلى من
يستخدم
الناموس
بطريقة غير
ناموسيَّة
خاطئة،
فيتعثَّرون
فيه كما
استخدمت ابنة لوط
أبيها بطريقة
خاطئة[17].
إن
جريمة بني
موآب هي أنهم
سرقوا عظام
ملك أدوم
وأحرقوها
ليحوِّلوها
إلى كلس، ومع
أنها تبدو
جريمة بسيطة،
لكن الله يكره
الخطيَّة مهما
كأن معيارها
بالنسبة لنا.
والعجب أن العظام
هي لملك
مُعادٍ لشعب
الله، لكن
الله لا يحب
القسوة أو
العنف، ولو
كانت موجَّهة
ضد أموات
أعداء.
أما
ثمرة هذه
القسوة فهي
أنه يرد نار
قسوتهم على
أكثر مدنهم
حصانة
"قريوت"،
والتي ربَّما كانت
عاصمة موآب
(هي خربة
الربة تبعد 14
ميلاً جنوب
نهر أرنون)، ويحوِّل
موآب إلى
منطقة حرب
تموت من أصوات
البوق،
ويفقدها
القاضي من
وسطها، فلا يكون
فيها عدل ولا
حكمة ويقتل
رؤساءها.
ما
فعلته
بالعظام
الميِّتة
بنفس شرِّيرة
وقلبٍ قاسيٍ
يرتد على
مدنها
ورؤسائها
وشعبها!
إن
كانت كلمة
"يهوذا" تعني
"الاعتراف"،
فإن من كان
يلزمهم أن
يُعلنوا
إيمانهم
ويعترفون به
خلال طاعتهم
للوصيِّة
الإلهيِّة،
هم أنفسهم "رفضوا
ناموس الله،
ولم يحفظوا
فرائضه، وأضلَّتهم
أكاذيبهم
التي سار
آباؤهم
وراءها" [4].
عِوض
الاعتراف
بالحق قبلوا
الباطل وساروا
وراء
الأضاليل
والأكاذيب!
ممَّا
يؤلم النفس أن
النار ترتد
لتحرق قصور أورشليم،
فإن كانت
أورشليم تعني
"رؤية الله"،
فإن الانحراف
عن وصيَّة
الله والجري
وراء الأضاليل
يفسد البصيرة
الداخليَّة
فلا تعاين
الله. لهذا
يقول الرب:
"طوبى
لأنقياء
القلب لأنهم
يعاينون
الله" (مت 5: 8).
وكما يقول القدِّيس
أغسطينوس:
[لنُنقِّ
قلوبنا
بالإيمان لكي
نتهيَّأ لذاك الذي
لا يوصف، أي
للرؤيا غير
المنظورة[18]]. كما يقول:
[إن كل ما
تقدِّمه
الكتب
المقدَّسة الإلهيَّة
لا يهدف إلاَّ
إلى تنقية
النظر
الباطني،
ممَّا يمنعه
عن رؤية الله.
وكما أن العين
خُلقت لكي ترى
هذا النور
الزمني حتى إذا
دخلها جسم
غريب عكَّر
صفوها وفصلها
عن رؤية ذلك
النور، كذلك
هي عين قلبك
فإنها إن
تعكَّرت
وجُرحت، مالت
عن نور البرّ،
وما تجاسرت أو
تمكَّنت من
النظر إليه...
وما الذي يعكِّر
صفاء عين
قلبك؟ الشهوة
والبخل
والإثم واللذَّة
العالميَّة،
هذا كله
يُعكِّر عين
القلب و
يغلقها و
يعميها[19]].
قبل
أن يُقدِّم
لإسرائيل
عظات، كشف لهم
عن سرّ
تأديبهم
مُظهرًا
ثلاثة أمور:
أولاً:
الظلم الذي يمارسونه
[6-8].
ثانيًا:
مقابلة
إحسانات الله
لهم بجحود
[9-12].
ثالثًا:
سقوطهم
جميعًا تحت
التأديب
[13-16].
"هكذا
قال الرب: من
أجل ذنوب
إسرائيل
الثلاثة والأربعة،
لا أرجع عنه،
لأنهم باعوا
البار
بالفضَّة
والبائس لأجل
نعليْن" [6].
لعلَّ
هذا هو أول
اتهام كتابي
يوجِّهه نبي
من "الأنبياء
الكتَّاب" ضد
إسرائيل باسم
الرب نفسه:
"إنهم باعوا
البار
بالفضَّة". من
هو هذا البار
الذي بيع
بالفضَّة
إلاَّ
السيِّد المسيح
الذي وحده بار
بلا خطيَّة
باعه يهوذا
الخائن
بثلاثين من
الفضَّة بثمن
عبد (مت 27: 5؛ لو 22: 5)،
هذا الذي
اشترانا لا
بذهب أو
فضَّة، وإنما
بدمه الثمين.
السيِّد
قدَّم حياته
فدية عن العبد،
والعبد باع
سيِّده
بالفضَّة
خائنًا له. في
مرارة يقول
زكريَّا
النبي:
"فوزنوا أجرتي
ثلاثين من
الفضَّة. فقال
ليّ الرب:
ألقها إلى
الفخَّاري
الثمن الكريم
الذي
ثمَّنوني به"
(زك 11: 12-13). هذا هو
الثمن الكريم
الذي ثُمّن به
الرب!
إنها
خطيَّة
الأجيال
كلها، تُبيع
إسرائيل الرب
بثلاثين من
الفضَّة، إذ
تعلو في
عينيها فضَّة
العالم عن
الحياة مع
الرب، وتقيّم
الزمنيَّات
أفضل من
الإلهيَّات!
ماذا
يعني أيضًا
بيع البائس
لأجل النعلين
[6]؟ من هو هذا
البائس الذي
يُباع من أجل
نعلين، إلاَّ
السيِّد
المسيح الذي
يُقدِّم لنا
ذاته خلال
المتألِّمين
والبائسين
والمحتاجين؟!
لقد طلب الله
من نبيِّه
موسى أن يخلع
نعليه لكي
يقدر أن يدخل
المقدَّسات
الإلهيَّة،
ويُعاين
أسرار الله،
ويدخل معه في حديث
وِدِّي، و
يتسلَّم
العمل الرعوي
(خر 3)، ولنفس
السبب طلب
الرب من
تلاميذه
ألاَّ تكون لهم
أحذية (مت 10: 10)
حتى لا يسلكوا
كأرضيِّين
يسيرون
بالأحذية على
الأرض، وإنما
يرتفعون
بقلوبهم إلى
السماء
فيسحبون معهم
كل قلب بالروح
القدس إلى حيث
المسيح جالس.
لكن الإنسان
في غباوته
عِوض أن يخلع
النعلين
ليحيا في السموات
ويرتفع إلى
الإلهيَّات،
يبيع المسكين
"المسيح
نفسه"
بنعلين،
مفضلاً
بالحرى أن يرتبط
بالأرضيَّات
ويسلك في
الزمنيَّات
عِوض أن
يتحرَّر من
النعال ويحيا
في السمويًّات.
يرى
العلامة
أوريجينوس[20] في
النعلين
إشارة إلى
الحياة
الميِّتة
الزمنيَّة
وإلى حب
الظهور.
فالنعال
تُصنع من جلد
الحيوان
الميِّتة،
والتي
تُستخدم في
الطبول التي
تعطي أصواتًا
بلا عمل. هكذا
يُباع السيِّد
المسيح بمجده
الأبدي من أجل
الحياة
الميِّتة
الزمنيَّة،
أو لأجل اقتناء
كرامة
زمنيَّة
باطلة لها
المظهر
البرَّاق دون
العمل الجاد
الداخلي!
عاد
الرب ليكشف
عن أمثلة
غريبة من
الرجاسات
التي كان الإسرائيليُّون
يرتكبونها
فيها امتزجت
النجاسة في
أبشع صورها مع
الظلم، ألاّ
وهي:
أ. "الذين
يتَّهممون
تراب الأرض
على رؤوس
المساكين" [7]،
وفي بعض
الترجمات
"يطأون رأس
المسكين حتى تراب
الأرض! ليس
فقط لا
يترفَّقون
بأخوتهم المساكين،
لكن في غلاظة
قلبهم
يظلمونهم،
ساحبين
رؤوسهم حتى
التراب
ليدوسوا
عليها
بأقدامهم.
من
هو هذا رأس
المساكين
الذي يطأون
عليه بأقدامهم
إلاَّ
السيِّد
المسيح نفسه،
رأس الكنيسة
كلها،
فيحتقرونه
ويستخفُّون
بخلاصة الثمين،
وكما يقول
الرسول بولس:
"فكم عقابًا
أشر تظنون أنه
يُحسب
مستحقًا من
داس ابن الله
وحسب دم العهد
الذي قُدِّس
به دنسًا،
وازدرى بروح
النعمة؟!" (عب 10:
29).
إذ
نحتقر
المسكين ونستهين
به، إنما
نحتقر رأسه
المسيح يسوع
نفسه، لهذا
يقول القدِّيس
يوحنا الذهبي
الفم: [يا لعظم
مرتبة
الفقراء
لكونهم نظير
خدر الإله
والبارّ
يختفي فيه.
فالفقير يمد
يده متسوّلاً،
لكن الإله هو
الذي يقبل
صدقتك]، كما
يقول على لسان
السيِّد: [لقد
بلغك عنّي أني
متسربل النور
كالرداء،
لكنك متى كسوت
عريانًا أشعر أنا
بدفء وأنني
تستََّرْت!
[21]].
ب. "ويصدّون
سبيل
البائسين" [7]،
أو يُغلقون
الطريق أمام
المتألِّمين...
لا يقفون عند
السلبيَّة،
أي تجاهل
الإنسان البائس
والحزين،
وإنما إن
وجدوا
قدَّامه
طريقًا
مفتوحًا
لخلاصه
يغلقونه. إنهم
متطوِّعون للعمل
لحساب مملكة
الظلم.
ج. "ويذهب
رجل وأبوه إلى
صبيَّة واحدة
حتى يدنّسوا
اسم قدسي" [7].
إنها صورة
بشعة
للرجاسات أن
يشترك
الإنسان وأبوه
في خطيَّة
الزنا مع
صبيَّة صغيرة
واحدة! وكما
يقول القدِّيس
باسيليوس
الكبير في
رسالته إلى
ديؤدور Diodorius: [إن
الشريعة لم
يسبق وذكرت
شيئًا عن
ارتكاب الإنسان
وأبيه الزنا
مع صبيَّة
لأنه أمر بشع
لا يحتاج إلى
التحذير منه،
وذلك كما قال
الرسول بولس:
"وأما الزنا
وكل نجاسة أو
طمع فلا
يُسَمَّ
بينكم كما يليق
بقدِّيسين"
(أف 5: 3)[22]].
د. "ويتمدّدون
على ثياب
مرهونة بجانب
كل مذبح، ويشربون
خمر
المغرّمين في
بيت آلهتهم" [8].
لا يقف الأمر
عند إقامتهم
لدى المذابح
الوثنيَّة
والاشتراك في
ولائم بيت
الآلهة
الغريبة،
إنما امتزج
هذا العمل
الرجس
بالقسوة،
ففيما
يتظاهرون
بالورع حيث
يتمدَّدون
بجانب كل
مذبح، إذا بهم
يتمدَّدون
على ثياب
المساكين
الذين
ارتهنوها لديهم،
ولم يقدروا
سداد المبلغ
واستلام
الثياب،
ويشربون خمر
الذين عليهم
غرامات
ماليَّة،
وغير قادرين
على سداد ما
عليهم!! أنهم
يتعبدون مستخدمين
ثياب وخمر
المساكين
العاجزين عن
اقتناء
ضروريّات
الحياة
الأساسيَّة!.
إن
كان قد عدَّد
صورًا لأمثلة
مرَّة من
رجاسات
الإسرائيليِّين
الممتزجة
بالظلم
والقسوة، فقد
أراد تأكيد
أنهم بلا عذر،
إذ قدَّم الله
لهم إحسانات
كثيرة، وعِوض
ردِّها
بالحياة
المقدَّسة
اللطيفة، إذا
بهم يسلكون في
جحود.
"وأنا
قد أبَدْت من
أمامهم
الأموري الذي
قامته مثل
قامة الأرز،
وهو قوي
كالبلوط،
أبَدْت ثمره
من فوقه
وأصوله من
تحت. وأنا
أَصعدتكم من أرض
مصر، وسرتُ
بكم في
البرِّيَّة
أربعين سنة،
لترثوا أرض
الأموري،
وأقمت من
بينكم أنبياء
ومن فتيانكم
نذيرين، أليس
هكذا يا بني
إسرائيل يقول
الرب؟! لكنكم
سقيْتم
النذيرين
خمرًا
وأوصيتم
الأنبياء
قائلين: "لا
تتنبَّأوا"
[9-12].
إنها
قصّة الإنسان
الدائمة،
فالله في كل
جيل يُقدِّم
خلاصًا
معلنًا
محبَّته
الإلهيَّة
الفائقة
للإنسان،
والإنسان في
غباوة قلبه يقابل
الحب بالجحود!
فمن
الجانب
التاريخي
أعدَّ الله
الطريق لإسرائيل
قديمًا، وإذ
كان
الأموريُّون
عمالقة كالأرز
وأقوياء
كالبلّوط
حطَّم الله
ثمرهم واقتلع
أصولهم من
الأعماق،
وانطلق بشعبه
من أرض مصر
محمولاً كما
بجناحيّ محبَّته
الفائقة،
معتنيًا بهم
طوال بقائهم
في البريَّة
أربعين
عامًا، حتى
سلَّمهم أرض
الأموريِّين،
وعلامة حبُّه
لهم أنه جعل
من بينهم
أنبياء له،
ومن فتيانهم
نذيرين مكرَّسين
باسمه! أمًا
هم فقابلوا
الحب
بالكراهيَّة،
وعطايا الله
بالجحود
والعصيان.
علامة ذلك
أنهم طلبوا من
النذيرين أن
يشربوا
خمرًا،
وأوصوا الأنبياء
ألاَّ ينطقوا
بكلمة الرب.
وكما يقول القدِّيس
يوحنا الذهبي
الفم: [اتَّهم
الله
الإسرائيليِّين
مُظهرًا أنهم يستحقُّون
تأديبًا أعظم
لأنهم أخطأوا
بعدما وهبهم
كرامات عظيمة
هكذا[23]].
والعجيب
أنه وضع سقْيْ
النذيرين
خمرًا قبل توصيتهم
الأنبياء
بألاَّ
ينطقوا بكلمة
الرب ونبوَّاته،
لأن شرب الخمر
إنما يُشير
إلى فقدان
الإنسان
اتِّزانه
وحكمته،
فيخدم بيت الرب
وهو في حالة
سكر، ممَّا
يفسد بيت الله
ويحطِّم
سلامه. وكما
يقول القدِّيس
جيروم: [كان
هرون وغيره من
الكهنة
يمتنعون عن
شرب كل مسكر
عند دخولهم
الهيكل
لئلاَّ
يموتوا. وهذا يعلِّمنا
أن الذين
يخدمون في
الكنيسة بلا
وقار يموتون[24]]، فإن
كان إلزام
الأنبياء أن
يتوقَّفوا عن
الشهادة لله
بإعلان كلمة
النبوَّة
خطيَّة جسيمة،
فبالأكثر من
يدخل بيت الله
لا يقف صامتًا
عن الحق فحسب،
وإنما في عدم
وقار يشوِّش
الحق ويفسد
مقدِس الله
ويعطِّل
العمل الروحي.
نعود
مرَّة أخرى
إلى عمل الله
مع إسرائيل
لنرى عمله مع
كل أحد منَّا،
فالأموري
الذي حطَّمه أمامنا
ما هو إلاَّ
عدوّ الخير
إبليس الذي
سيطر على
الأرض
زمانًا، يبدو
كعملاق
كالأرز وقويًا
كالبلُّوط،
فكنَّا نخافه
ونرهبه، لكن الرب
بصليبه حطَّم
سلطانه،
وبالكرازة به
رآه ساقطًا من
السماء
كالبرق (لو 10: 18).
أصعدنا الرب
كما من أرض
العبوديَّة،
حاملاً
إيَّانا بَروحه
القدُّوس
لنرث الأرض
التي ملكها
الأموري
زمانًا،
فصرنا ملوكًا
وكهنة للرب.
ليتنا لا نصنع
ما فعله
الإسرائيليُّون
فنشرب من خمر
العالم
ونتوقَّف عن
روح النبوَّة
أو الشهادة
للرب.
يؤكِّد
الرب أنهم إذ
أخطأوا فلا
إمكانيّة للهروب
من التأديب،
وقد بدأ حديثه
بالقول: "هأنذا
أضغط ما تحتكم
كما تضغط
العجلة
الملآنة
حزمًا" [13].
وفي كثير من
الترجمات:
"هأنذا أضغط
من تحتكم كما
تضغط العجلة
الملآنة".
وكأن الله
يشكو من ثقل
خطايانا التي
تضغط عليه،
وكأننا عجلة
مملوءة حزمًا.
الله
الذي يحمل
العالم كله
بكلمة قدرته
يئن من
خطايانا
وآثامنا!
يقول: "لستُ
أطيق الإثم والاعتكاف،
رؤوس شهوركم
وأعيادكم
بغضَتْها نفسي،
صارت عليَّ
ثقلاً، مللت
حملها" (إش 1: 13-14).
مرة أخرى إذ
يرى يرّتد
شعبه عنه يقول
في مرارة: "قد
انقلب عليَّ
قلبي" (هو 11: 8).
ليتنا
لا نكون
كالعجلة
المملوءة حزم
شرّ، تثقل على
نفس قلب أبينا
السماوي،
وتضغط على فادينا
القائل: "نفسي
حزينة جدًا
حتى الموت... يا
أبتاه إن أمكن
فلتعبر عنيَّ
هذه الكأس" (مت
26: 38-39)، وإنما
لنكن مركبة
الله
الناريَّة
نحمل طبيعته
السماويَّة
عاملة فينا،
فلا نُمثِّل
ثقلاً وضغطًا
عليه بل نطير
بروح الله
القدُّوس
محلِّقين في
السمويًّات،
مُرتفعين من مجد
إلى مجد بلا
عائق!
ليتنا
عِوض أن نكون
عجلة مثقَّلة
بحزم الشرّ المعطِّلة
لعمل الله
الخلاصي،
نكون كسحابة خفيفة
سريعة حاملة
للرب الراكب
عليها،
متَّجهًا نحو
مصر ليُقيم له
مذبحًا في
وسطها (إش 19).
يُكمل
الرب حديثه: ويبيد
المناص عن
السريع،
والقوي لا
يشدِّد قوَّته،
والبَطل لا
ينجيَّ نفسه
وماسك القوس لا
يثبت، وسريع
الرجلين لا
ينجو، وراكب
الخيل لا
يُنجيَّ
نفسه، والقوي
القلب بين
الأبطال يهرب
عريانًا في
ذلك اليوم
يقول الرب" [14-19].
يا
لها صورة
قاسية وصعبه،
فإنه لا
يستطيع أحد مهما
بلغت حكمته
وإمكانيَّاته
الهروب من التأديب.
فيبيد المناص
عن السريع، أي
يهرب الملجأ
أو المفر عمن
يظن في نفسه
أنه سريع
البديهة،
قادر على
الفرار. فإنه
في ذلك الوقت
إذ يسقط
الإنسان تحت
ثمر خطاياه لا
تنقذه إمكانيَّاته
الفكريَّة في
ذلك الوقت على
التصرُّف
(السريع)، ولا
قوَّة الجسد
تشدِّده، ولا
بطولته التي
اشتهر بها،
ولا القوس
الذي في يديه
ولا الخيل
الذي يركبه
ولا قوَّة
القلب التي عُرف
بها... أنه لا
يقدر على
النجاة، بل
يقف عاريًا
لأنه يوجد غير
لابس
"المسيح"
برِّنا!
ليتنا
نقتني
"المسيح
يسوع" ربنا في
داخلنا، هو
وحده الذي
نلبسه
فيسترنا،
ندخل فيّه
فنحتمي، نمسك
بصليبه كقوس
قوي لا يخيب،
تتشدَّد أرجلنا
فنسلك طريق
الحق، ويكون
لنا إمكانيَّة
الانطلاق لا
بخيل بل
بمركبة
سماويَّة
ويتشدّد
قلبنا به،
فيتحوَّل يوم
الرب إلى يوم
بهجة ونصرة.
يسوعنا وحده
هو قوَّتنا
ونصرتنا
وسلاحنا
الروحي
وثوبنا
الأبدي
ومجدنا
وفرحنا الذي لا
يُنزع عنَّا.
في
القديم كان
عمل الناموس
أن يُعلن
بطلان كل إمكانيَّاتنا
البشريَّة في
الخلاص لا
لنعيش
محطَّمين
وإنما لنقبل
مسيحنا كمصدر
حق لخلاصنا.
تطلَّع
المرتِّل إلى
من حوله
لعلَّه يجد في
الرؤساء
عونًا لكنه
أدرك ضعفهم،
إذ يقول: "لا تتَّكلوا
على الرؤساء
ولا على ابن
آدم حيث لا خلاص
عنده، تخرج
روحه فيعود
إلى ترابه" (مز
146: 3). وفي مرارة
لم يجد حتى في
والديه
إمكانيَّة
الخلاص: "أبي
وأمي قد
تركاني والرب
يضمّني" (مز 27: 10).
وإذ لم يجد في
كل البشر
معينًا قال:
"أنا قلت في
حيرتي كل
إنسان كاذب"
(مز 116: 10). وإن ظنَّ
الإنسان في
نفسه جبَّارًا
أو صاحب
إمكانيَّات
يوبِّخه الرب "لا
يفتخرن
الحكيم
بحكمته، ولا
يفتخر الجبَّار
بجبروته، ولا
يفتخر الغني
بغناه" (إر 9: 23).
وإن اتَّكل
على خيله
يسمع: "باطل هو
الفرس لأجل
الخلاص" (مز 23: 17)،
"قلتم لا بل على
خيل نهرب،
لذلك تهربون،
وعلى خيل
سريعة نركب
لذلك يسرع
طاردوكم" (إش 30:
16).
إذن
لنقبل الله
نفسه هو
مخلِّصنا،
حكمتنا، غنانا،
قوَّتنا، وكل
شيء بالنسبة لنا!
[15]
حزقيال ص171-173.
[16]
On Ps. hom. 34.
[17] On Ps. hom. 83:5.
[18] . In Ioan 5:8.
[19] خواطر فيلسوف في الحياة الروحيِّة (الخوري يوحنا الحلو) بيروت 1970م، ص291-292.
[20]
للمؤلف:
الخروج، 1981م، ص31-32.
[21]
للمؤلف: الحب
والعطاء، 1970م، ص43.
[22]
Ep. 160:3.
[23] On Priesthood 6:11
[24] Adv. Javinian 2:15