العظة
الثانية
إلى بقرات
باشان
يوجِّه
الرب حديثه
إلى بني
إسرائيل
داعيًا إيَّاهم
بقرات باشان
السمينة التي
ترعى على جبل
السامرة، لا
على حساب
غيرها فحسب،
وإنما أيضًا
تحطَِّمهم،
لذا استحقَّت
التأديب مهما
قدَّمت من
ذبائح
وتقدمات. أنه
تأديب مستمر
وبطرق متنوِّعة
حتى تطلب
الخلاص.
1.
بقرات باشان
الظالمة
[1 ـ
3].
2. رفض
العبادة مع
الظلم
[4 ـ 5].
3.
تأديبات
متنوِّعة
[6 ـ 11].
4.
إشراقة
الخلاص
[12 ـ 13].
"اسمعي
هذا القول يا
بقرات باشان
التي في جبل السامرة،
الظالمة
المساكين،
الساحقة البائسين،
القائلة
لسادتها: هات
لنشرب" [1].
"باشان"
اسم عبري يعني
"أرض مستوية
أو ممهَّدة"،
كان يشير إلى
نصف سبط
منسَّى (تث 3: 13)،
تقع في أرض
كنعان شرقي
الأردن بين
جبل حرمود
وجلعاد (عد 21: 33)،
تربتها خصبة
للغاية
وماؤها غزير.
ذُكرت في
الكتاب
المقدَّس حوالي
60 مرَّة. عُرفت
بقطيعها (مز 22: 12،
حز 39: 18)، الذي اتَّسم
بالشحم
الكثير (تث 32: 14)،
واشتهرت
بغابات البلُّوط
الدائمة
الخُضرة (إش 2: 13،
حز 27: 6، زك 11: 2) حتى
يومنا هذا[36].
هنا
يشبِّه الرب
شعب بني
إسرائيل
ببقرات باشان
السمينة
والقويَّة،
التي ترعى في
مراع دسمة،
وقد اتَّسمت
بظلمها
للمساكين
وسحْقها للبائسين.
لقد رعى
أغنياء الشعب
وأشرافه وسط غنى
فاحش،
مغتصبين كل
شيء لحسابهم.
وعِوض أن
يغيثوا
البائسين
والمظلومين
يستغلُّون
فقرهم وبؤسهم
وعجزهم
ليسحقوهم
بالأكثر
بالظلم
والاستبداد،
فيزداد الغني
في غناه،
والفقير في
فقره وبؤسه.
هؤلاء
الأغنياء
يذهبون إلى
السادة
الظالمين
مثلهم
ويقولون: "هات
لنشرب"، أي
لنسكر معكم في
ولائكم وننعم
بالملذَّات
والشهوات وسط
سحق البائسين
ودموع المظلومين،
وكأنهم لا
يجدون لذَّة
في السكر
إلاَّ بمزجها
بالدموع
وخلطها
بالظلم. وكما
يقول الحكيم:
"ثم رجعت
ورأيت كل
المظالم التي
تجري تحت
الشمس، فهوذا
دموع
المظلومين
ولا مُعزّ لهم،
ومن يد
ظالميهم قهر"
(جا 1: 4).
ويرى
البعض[37] أن بقرات
باشان هنا
ليست إلاَّ
النساء الإسرائيليَّات
اللواتي صِرن
سمينات من
كثرة الولائم،
وحياة الترف
الزائد
وعنيفات،
هؤلاء اللواتي
يسكُنَّ في
السامرة
يطلبن من
رجالهن، أي من
سادتهن أو
"بعولهن" أن
يحقَّقوا
لهُنَّ ما يطلبه
البعل الأعظم.
فإن كانت
عبادة البعل
تقوم أساسًا
على السكر
بصورة صارخة،
لهذا فهؤلاء
"البعول"
يقدِّمن
الشرب
لنسائهن. وكأن
بقرات باشان
هن مسئولات
بصورة
رئيسيَّة عن
الظلم الذي
يقع على
الفقراء
والبائسين
بسبب تحريضهن
بعولهن على
ذلك لتحقيق
ملذَّاتهن
الزائلة، خاصة
السكر الدائم
بغير انقطاع!
ماذا
يفعل الله
بهؤلاء
البقرات
الظالمات؟
قد
أقسم السيِّد
الرب بقدسه:
"هوذا أيام
تأتي عليكن
يأخذونكن
بخزائم
(صنَّارة أو
كلاّب) وذُرِّيتكن
بشصوص السمك،
ومن الشقوق
تخرجن كل واحدة
على وجهها
وتندفعن إلى
الحصن (القصر،
هرمون) يقول الرب"
[2-3].
ماذا
يفعل الرب
بهن؟
أولاً: يقسم
الرب بقدسه
أنه يتدَّخل
من أجل ما
فعلته بقرات
باشان
بأولاده
البائسين
المحتاجين، لتحقيق
شربهن
وملذَّاتهن،
فإنه يأخذهن
بخزائم، وكما
يقول الرب
لسنحاريب ملك
أشور على لسان
إشعياء: "لأن
هيجانك عليّ
وعجرفتك قد
صعدا إلى
أذنيّ، أضع
خزامتي في
أنفك وشكيمتي
في شفتيك وأرُدَّك
في الطريق
الذي جئت فيه"
(إش 37: 29، 2 مل 19: 28).
يبدو
أن الخُزامة
كانت توضع في
أنف الحيوان العنيف
لسحبه في
مذلَّة،
وخاصة
الحيوانات المفترسة
كالأسود،
لذلك استخدمت
في سحب المسبيِّين
خاصة الملوك
لإذلالهم،
كما فعل ملك
أشور بمنسى (2
أي 33: 11)[38].
فإن كانت
بقرات باشان
قد هاجت على
المساكين لأجل
ملذَّاتهن،
فإن الله
يسحبهن
كأسيرات، يمسك
بهن ويضع
خزائم في
أنوفهن ليصرن
مسبيَّات بلا
كرامة ولا
سلطان أو
قوَّة!.
العالم
في ملذَّاته
يلهو
بالإنسان
فيجعله
كحيوان
مفترس، ظانًا
أنه ليس من
يهرب من بين
يديه
وأنيابه، لكنه
سرعان ما يجد
نفسه مقتادًا
في مذلَّة إلى
حيث يذوق ثمرة
ظلمه.
ثانيًا:
لا
يقف التأديب
عند البقرات،
وإنما يصطاد أولادهن
كالسمك
بالصنَّارة!
فالإنسان في
لهوه يهيِّئ
الخسارة بل
والهلاك حتى
لأولاده.
إن كان
بنو إسرائيل
يمثِّلون
النفس
البشريَّة،
فإن نساءهم أي
بقرات باشان
يُشرن إلى
الجسد الذي
يسقط في
مذلَّة مع
النفس
ويتحطَّم،
أمَّا الأولاد
فيُشيرون إلى
مواهب
الإنسان التي تهوى
مع الخطيَّة
ليفقد
الإنسان روحه
وجسده وكل
مواهبه
وطاقاته بسبب
الخطيَّة. على
العكس فإن
الصدِّيق
تفرح نفسه
ويتقدَّس
جسده وتنمو
مواهبه، وكما
يقول
المرتِّل:
"اِمرأتك مثل
كرمة مثمرة في
جوانب بيتك،
بنوك مثل غروس
الزيتون حول
مائدتك، هكذا
يبارَك الرجل
المتَّقي
الرب" (مز 128: 3-4)،
يتبارك هو
وامرأته
وأولاده، أي نفسه
وجسده وكل
مواهبه!
ثالثًا:
تخرج
كل بقرة من
الشقوق على
وجهها لتندفع
إلى الحصن، أو
إلى القصر أو
إلى هرمون
(حسب النص
اليوناني).
لعلَّ الشقوق
قد حدثت في
الأسوار، إذ
رفضت بقرات
باشان بظلمها
ونجاساتها أن
تبقى داخل
أسوار
الوصيَّة
الإلهيَّة،
فهربت من
الشقوق لكي لا
تلتقي
بالوصيَّة،
وانطلقت إلى
القصر الذي
صنعته لنفسها
أو الحصن الذي
هو من عمل
يديها،
لعلَّه يقدر
أن يحميها،
كما فعل
الإنسان
قديمًا حين
حاول بناء برج
بابل ليختفي
فيه من وجه
الله عند
الطوفان!
إن كان
النص
اليُّوناني
ذكر "حرمون"
عِوض الحصن،
فلعلَّ
الشقوق هنا
تعني أن بقرات
باشان
اللواتي صنعن
ظلمًا ضد
البائسين
تسقطن تحت
السبي عندما
تتشقَّق
أسوار
السامرة
وتنهدم، فلا
تجدن مهربًا
بل يؤخذن
للسبي كما
للذبح،
وينطلق بهن
العدوّ إلى
هرمون حيث
السبي[39]،
أو إلى القصر
أو الحصن
ليبقين هناك
مسبيَّات
ذليلات.
ربما
يظن بني
إسرائيل أن
هذه
التحذيرات لا
تخصُّهم،
فإنهم يذهبون
إلى بيت إيل
ليقدِّموا ذبائح
كل صباح،
ويوفون
العشور كل
ثلاثة أيام بلا
تأخير،
ويوقدون
تقدمة شكر
لله... أنهم في
نظر أنفسهم
محبُّون لله،
يقدِّمون له
عطايا
وتقدمات بلا
حصر!
ما
أسهل أن يخدع
الإنسان
نفسه، فيعالج
شرُّه لا
بالتوبة
والرجوع إلى
الله وإنما
بالتوقّف عند
بعض مظاهر
العبادة،
فيحرمون
الطقس الكنسي
من روحه بعزله
عن الحياة
الإيمانيَّة
العمليَّة،
ويشوِّهون
التقدمات
والعطايا
بتقديمها دون
القلب!
"هلُمَّ
إلى بيت إيل
واذنبوا إلى
الجلجال وأكثروا
الذنوب" [4].
يقول
الرب هذا بلغة
التهكُّم،
فإنهم يصنعون كل
الشرور
والمظالم
ويذهبون إلى
الأماكن المقدَّسة
يملأونها...
وكأنه شعب متَّسم
بالتديّن
والروحانيَّة!
يذهبون إلى المقدَّسات
وهم غير
مقدَّسين.
يزورون بيت الله
ولا يرجعون
إلى الله
نفسه! لهذا
يقول لهم: "أذنبوا...
وأكثروا
الذنوب"،
وكأنه يقول إن
كانت كثرة
زياراتكم
للمقدَّسات
هي تغطية
لشروركم
الخفيَّة،
فإنكم تزيدون
الذنوب
ذنبًا، وتعالجون
الجراحات
بجراحات أخطر!
"أحضروا
كل صباح
ذبائحكم وكل
ثلاثة أيام
عشوركم" [4].
لقد
التزم
اليهودي أن
يقدِّم ذبيحة
سنويَّة (1 صم 1: 3،
7، 21)، وأن
يقدِّم
حسابات عشوره
كل ثلاث سنوات
(تث 14: 28، 26: 12). فإن
قدَّم الظالم
ذبيحة
يوميَّة عِوض
السنويَّة،
وأعطى عشوره
كل ثلاثة أيام
عِوض كل ثلاثة
سنين فهو ليس
بمقبول لدى
الله... فإن
الله لا يرتشي
بالتقدمات
والأموال،
إنما يطلب روح
العطيَّة، الثمر
الداخلي في
القلب، لا
العطيَّة في
ذاتها. وكما
يقول القدِّيس
بولس لشعب
فيلبِّي
المملوء حبًا:
"أرسلتم إليّ
مرَّة
ومرَّتين لحاجتي،
ليس أني أطلب
العطيَّة بل
أطلب الثمر المتكاثر
لحسابكم" (في 4 :
16-17). لهذا السبب
عينه يحذِّرنا
ذات الرسول من
العطاء بلا
حب، قائلاً: "إن
أطعمت كل
أموالي وإن
سلَّمت جسدي
حتى احترق ولكن
ليس محبَّة
فلا أنتفع
شيئًا" (1 كو 13: 3).
"وأوقدوا
من الخمير
تقدمة شكر
ونادوا
بنوافل
وسمعوا،
لأنكم هكذا
أحببتم يا بني
إسرائيل يقول
السيِّد
الرب" [5]. كأنه
يقول: إن كنتم
تأتون إلى
بيتي
ومقدَّساتي
وتقدِّمون
الذبائح
وتدفعون
العشور، فقد أحببتم
أن تغيظوني،
لأنكم
تقدِّمون
الخمير تقدمة
شكر والنوافل
لبيتي. فقد
منعت الشريعة
تقديم الخمير:
"كل التقدمات
التي
تقربونها
للرب لا تصطنع
خميرًا، لأن
كل خمير وكل
عسل لا توقدوا
منهما وقودًا
للرب" (لا 2: 11).
كان الخمير
يُشير إلى
الشرّ الذي
ينتشر
كالخمير وسط
العجين، هكذا
فيما هم
يقدِّمون
التقدمات
يحملون في
وسطها شرّهم
وكأنها تقدمة
شكر... وإن كانت
في الواقع هي
تقدمة إغاظة
للرب.
وفي
الترجمة
السبعينيّة: "يقرءون
الشريعة
خارجًا
ويدعون إلى
محافل عامة". ولعلَّه
يقصد بذلك
أنهم
يتظاهرون
بالتديّن بالحديث
عن الشريعة
الإلهيَّة مع
غير المؤمنين، ويجادلون
معهم فيها
بغيرة شديدة، ويؤكِّدون
هذه الغيرة
بالدعوة للمحافل
العامة. يقابل
هذا أنهم لا
يحملون الشريعة
في قلبهم في
الداخل،
وليست لهم
علاقة شخصيَّة
مع الله! هذه
هي أخطر صور
التديّن حين
ينصبّ كله في
الغيرة التي
بلا حياة
داخليَّة، وإلى
اشتراك في
العبادة
الجماعيَّة
والاحتفالات
الدينيّة دون
العلاقة
الخفيّة في
النفس أو في
المخدع مع
الله! هذا هو
ما أحبَّه بنو
إسرائيل كما
يقول الرب.
لقد
عدَّد لهم
التأديبات
التي سمح لهم
أن يسقطوا
تحتها، ومع
ذلك لم
ينتفعوا
منها، إذ في
كل مرَّة
يعاقب قائلاً:
"فلم ترجعوا
إليّ يقول
الرب" [6، 8-11].
وكأن التأديب
في عيني الله
ليس انتقامًا
لنفسه وإنما
هو حب... أنه
يشتهي رجوع
الإنسان إليه.
إن
كانت
التأديبات
الماضية مع
كثرتها وتنوُّعها
لم تحقِّق
هدفها بسبب
قسوة قلب
الإنسان،
فإنه يلتزم
بتقديم تأديب
أقسى حتى يفوق
الإنسان من
سكره
ويتعرَّف على
الله ويستعد
للقاء معه:
"فمن أجل أنيّ أصنع
بك هذا فاستعد
للقاء إلهك يا
إسرائيل" [12]. ولعلَّ
هذه العبارة
هي مفتاح
السفر كله، بل
مفتاح الكتاب
المقدَّس
كله، إن كل ما
يصنعه الله
بشعبه من الطف
أو حزم،
ترفُّق أو
شدَّة، إنما
لكي يستعد
للقاء إلهه
النازل إليه
ليسكن فيّه
ويقدِّسه
شعبًا له!
ما هي
التأديبات
التي سمح الله
بها لشعبه؟
"وأنا
أيضًا
أعطيتكم
نظافة (خمول
أو توقُّف عن
العمل)
الأسنان في
جميع مدنكم،
وعوز الخبز في
جميع
أماكنكم" [6]. فقد
صارت أسنانهم
نظيفة بسبب
حرمانها من
المضغ
والأكل، فلا
يدخل فمهم شيء
قط! وفي
الترجمة
السبعينيّة:
"صارت
أسنانهم
عاطلة بلا
عمل... وكأنها
بالإنسان
العاطل الذي
بلا نفع لنفسه
أو لغيره.
قوله "أنا
أعطيتكم"
يُشير إلى إن
ما يحدث من
كوارث
طبيعيَّة، تسبب
مجاعات حتى
تصير أسنانهم
نظيفة بسبب
عدم الاستعمال،
هذه تتم ليس
محض صدفة،
وإنما بخطة إلهيَّة
محكمة وتدبير
علوي فائق.
هذا وإن ما
يحدث إنما هو
عطيَّة الله
"أنا
أعطيتكم"،
يهب الخيرات
كما يمنح
الضيق
والتجارب
والمجاعات.
بحبّه
يترفَّق بنا
ويشبعنا،
وبحكمته يحرمنا
ويؤدِّبنا
لنرجع إليه.
ما
يسمح به من
تجارب
وتأديبات،
إنما يكشف بها
عن عمل
الخطيَّة
فينا وثمرها
الخفي في
داخلنا، إذ
تُسبب:
أولاً:
مجاعات
"عوز الخبز في
جميع
أماكنكم" [6]، ولعلَّه
قصد بها
المجاعة التي
حدثت في أيام
إليشع النبي
وظلّت سبع
سنوات (2 مل 8: 1).
هكذا تدفع الخطيَّة
إلى مجاعة
روحيِّة
فيصير
الإنسان في
عوز الخبز
الروحي في كل
حياته
الداخليَّة. يعيش
بلا شبع، في
فراغ شديد لا
يقدر أحد أن
يملأه سوى
الرب نفسه
الخبز النازل
من السماء (يو 6).
ثانيًا:
جفاف
روحي "وأنا
أيضًا منعت
عنكم المطر إذ
بقي ثلاثة أشهر
للحصاد،
وأمطرتُ على
مدينة واحدة
وعلى مدينة
أخرى لم أمطر...
فجالت
مدينتان أو
ثلاث إلى مدينة
واحدة لتشرب
ولم تشبع" [7-8].
إذ ترفض النفس
ينبوع المياه
الحيِّة (إر 2: 13)
أي المسيح
المخلِّص،
تُحرم من مطر
الروح القدس
فتبقى في حالة
جفاف! مدينتان
متجاورتان
ترتوي
إحداهما بمطر
الروح وتجف
الأخرى،
ضيعتان أو
حقلان في مدينة
واحدة، يرتوي
حقل بنعمة
الروح ويبقى
الآخر جافًا!
هكذا يضم
العالم
قلوبًا متنوِّعة،
منها قلوب
انفتحت على
عطيَّة الروح
الناري
لتلتهب به
وتحمل
الطبيعة
السماويَّة،
وأخرى تنغلق
على ذاتها
لتحيا في
جفافها ميِّتة
بالروح لا
تنعم بشيء
إلاَّ العقم
والهلاك! وكما
يقول الرب:
"هوذا عبيدي
يأكلون وأنتم
تجوعون، هوذا
عبيدي يشربون
وأنتم
تعطشون، هوذا عبيدي
يفرحون وأنتم
تخزون، هوذا
عبيدي يترنَّمون
من طيبة القلب
وأنتم تصرخون
من كآبة القلب
ومن انكسار
الروح
تولولون" (إش 65:
13-14).
ما هي
المدينتان أو
الثلاث
اللواتي جلن
إلى مدينة
واحدة لتشرب
ماء ولم تشبع
إلاَّ العذارى
الجاهلات
اللواتي
يسألن
الحكيمات
زيتًا لئلاَّ
تنطفئ
مصابيحهن،
فتجيب
الحكيمات:
"لعلَّه لا
يكفي لنا
ولكُنّ" (مت 25: 9)،
فيخرجن خارج
العرس ويغلق
الباب دونهن!
ثالثًا:
الضرب
بالحشرات
المفسدة
كاللفح
واليرقان والجراد، فتأكل
ثمار النفس،
تفسد جنَّتها
الداخليَّة
وتحكم كرومها
وتينها... وقد
سبق لنا
الحديث بأكثر
توسُّع عن
حملات الجراد
والكروم
والتين في
دراستنا لسفر
يوئيل.
إن
كانت النفس هي
الفردوس
الداخلي أو
الجنَّة التي
يفرح الله
بكرومها
الروحيِّة
وتينها، فإن
الخطيَّة
كالحشرة
تحوِّل
الفردوس برَِّيَّة
وأشجار
الفاكهة
وعرًا!
رابعًا:
الوبأ
الذي يصيب
النفس والجسد معًا،
يصيِّر
الإنسان في
حالة مرض،
مستلقي على
الفراش بلا
قوَّة وعاجز
عن العمل! أنه
يحتاج إلى
المخلِّص،
طبيب النفس
الحقيقي!
خامسًا:
قتل
فتيانهم
بالسيف، أي
تحطيم مواهب
الإنسان
(أولاده)
وطاقاته.
سادسًا:
سبي
خيّلهم، فإن
كان الخيل
يُشير إلى القوَّة
والجبروت،
فإن الإنسان
إذ يرتكب الخطيَّة
يفقد سيادته
لنفسه، ويصير
مسبيًا بلا
قوَّة ولا
حرِّيَّة عمل!
سابعًا:
صعود
نتن محالِّهم
إلى أنوفهم...
عِوض أن يحمل الإنسان
رائحة المسيح
الذكيَّة
التي تُفرِّح
قلب الآب
وتبهج
السمائيِّين،
يفوح من الإنسان
نتانة رائحة
ذاته
الداخليَّة،
وكأنه ميِّت
قد أنتن! أنه
يحتاج أن يسمع
صوت ربنا
يسوع: "لعازر
هلمَّ خارجًا"
فيخرج
الميِّت الذي
أنتن من قبره
يحمل رائحة
حياة عِوض
الموت!
ثامنًا:
التحطيم
بالزلازل
والبراكين:
"قلَبْتُ
بعضكم كما قلب
الله سدوم
وعمورة،
فصرتم كشعلة
منتشلة من
الحريق" [11]. قد
هدَّد الكل
بإلقاء البعض
في النيران
خلال الصواعق
والبراكين
وانتشل البعض
ليتوبوا، فلم
يرجعوا إليه...
لقد صرنا في
حاجة عِوض أن
تحطِّمنا
البراكين
والصواعق
بنيرانها
المهلكة أن
يدخل الرب
إلينا، كما
على سحابة
خفيفة سريعة
ليُحطِّم
أوثاننا
الداخليَّة،
ويحرق شرورنا
ويقيم في وسط
قلبنا مذبحًا
له، كما قال
إشعياء النبي
في حديثه عن
الرب المسرع
على السحابة
إلى أرض مصر
(إش 19).
هذه هي
التأديبات
الإلهيَّة
التي فضحت عمل
الخطيَّة في
القلب، بل في
الإنسان
بكلِّيته من
جوع روحي،
وجفاف،
وإصابة
بالحشرات
المفسدة للثمار،
والإصابة
بأمراض
روحيِّة،
وتحطيم للمواهب
(الفتيان)،
وحرمان من
الحرِّيَّة
(سبى الخيل)، وصعود
رائحة فساد
ونتانة،
وتحطيم
بنيران الصواعق
القاتلة! أما
غاية هذه
التأديبات
فهو: "استعد
للقاء إلهك يا
إسرائيل" [12].
فضحت
تأديبات الله
حالنا الفاسد،
وكأنها بمشرط
الطبيب الذي
فتح الجرح ليكشف
عن النتانة
التي اختفت في
الجسم، والآن
كيف يضمَّد
الجرح، ويصلح
من حالنا؟ أو
كما قال: كيف
يتحقَّق
"استعد للقاء
إلهك يا
إسرائيل"؟
يُجيب: "فإنه
هوذا الذي صنع
الجبال وخلق
الريح (الروح)
وأخبر
الإنسان ما هو
فكره (مسيحه)،
الذي يجعل
الفجر
ظلامًا،
ويمشي على مشارف
الأرض، يهوه
إله الجنود
اسمه" [13].
يقول
رب المجد: "وأي
ملك إن ذهب
لمقاتلة ملك
آخر في حرب لا
يجلس أولاً
ويتشاور، هل
يستطيع أن
يلاقي بعشرة
آلاف الذي
يأتي عليه
بعشرين ألفًا؟!
(لو 14: 31)، فإن كان
إسرائيل قد
دخل في خصومة
ضد الله
فليعلم من هو
الله، وما هي
إمكانيَّاته
وإلاَّ
فيصطلح معه!
هنا يُعلن النبي
إن الله، هو
صانع الجبال
فإن كان
الملوك يحتمون
أثناء الحرب
في الجبال
الراسخة،
فالله لا
يحتمي فيها بل
هو خالقها.
وكما يقول
المرتِّل: "يا
رب إله
الجنود، من
مثلك قوي رب
وحقك من حولك،
أنت متسلِّط
على كبرياء
البحر، عند
ارتفاع لججه
أنت تُسكتها...
لك السموات،
لك أيضًا
الأرض،
المسكونة
وملؤها أنت
أسَّسته" (مز 89:
8-11). إن كانت
الجيوش تجد
خلاصها في
الجبال، فالله
هو مؤسِّس كل
المسكونة.
يقول:
"خلق الريح"
وفي الترجمة
السبعينيّة "خلق
الروح"،
فخالق الريح
الذي يهتم
بأمره قائد الجيش
قبل بدء
المعركة هو
الله نفسه.
أنه
يجعل الفجر
(الصباح)
ظلامًا، لأنه
يُرسل سحابه
الكثيف
فيغطِّي
الأرض ويحجب
النور، وهو
الذي يتمشَّى
على مشارف
الأرض أو
قممها العالية...
أنه يهوه الذي
لا يدرَك ولا
يعبَّر عنه! هذا
هو إلهك الذي
يُلزم أن
تستعد للقائه
يا إسرائيل،
لا للخصومة
وإنما
للمصالحة!
جاء
النص في
الترجمة
السبعينيّة
هكذا: "الذي يؤسِّس
الرعد ويخلق
الروح يُعلن
للإنسان مسيحه".
ويرى كثير من
الآباء مثل القدِّيس
أغسطينوس[40]
إن هذا النص
يحمل نبوَّة
واضحة عن
العصر
المسياني، فإنه
يستعد
إسرائيل
الجديد للقاء
مع إلهه خلال
إعلان الآب عن
مسيحه
للإنسان،
فيقبله كسرّ
مصالحة بين
الآب
والإنسان.
وقد
حاول بعض
الهراطقة
استخدام هذا
النص للادِّعاء
بأن الروح
القدس مخلوق،
إذ قيل "يخلق الروح".
وقد ردَّ كثير
من الآباء
عليهم، منهم القدِّيس
غريغوريوس
أسقف نيصص، إذ
يقول: [يليق
بنا أن ندرك
أن النبي
يتحدَّث عن
خلقة روح آخر
في تأسيسه
للرعد، وليس
خلقة الروح
القدس. فإن
اسم "الرعد قد
أُعطيَ في
اللغة السرِّيَّة
للإنجيل.
فالذين
يتأسَّس فيهم
الإيمان بالإنجيل
دون اهتزاز
يعبرون من
الجسد إلى
الروح كقول
الرب: "المولود
من الجسد جسد
هو، والمولود
من الروح هو روح"
(يو 3: 6). إنه الله
هو الذي
يؤسِّس صوت
الإنجيل،
ويجعل
الإنسان
روحًا
(روحيًا)، فمن
يولد من الروح
ويصير روحًا،
بهذا يُعلن
المسيح له كقول
الرسول: "ليس
أحد يقدر أن
يقول يسوع رب
إلاَّ بالروح
القدس" (1 كو 12: 3)[41].
هذا هو
سرّ لقاء
إسرائيل
الجديد، إن
الله يؤسِّس
الرعد، أي
يبعث إلينا
كلمة الكرازة
التي تُرعد في
النفس، ويخلق
فينا الطبيعة
الروحيِّة
عِوض الحياة
الجسدانيَّة،
فيُعلَن
المسيح رب
المجد فينا
بروحه
القدُّوس!
بهذا
حوَّل النبي
ذهن إسرائيل
من التأديبات القاسية
التي لم تستطع
أن تردُّهم
إلى الله إنما
فضحت ضعفهم
وعمل
الخطيَّة
فيهم، إلى المسيّا
المخلِّص
الذي يُعلنه
الآب للإنسان
فيقبله
بالروح القدس
فاديًا
ومخلصًا!
[36] New Westminster Diet. of the Bible , P. 94, 95. حزقيال ص 182
[37] Jerome Biblical Comm. , P. 248.
[38] New Westminister Diet., P. 403.
[39] Ibid , P. 365.
[40] City of God 18:28.
[41] On the Faith (to Simplicius).