الثلاث
رؤى الأولى
ومقاومة
الكاهن له
في
هذا الأصحاح
يعرض لنا النبي
الثلاث رؤى
التي أظهرها
الله له، لأجل
انذار
إسرائيل على
ذنوبهم،
ويختم
الأصحاح بوشاية
أمصيا كاهن
بيت أيل لدى
الملك ضد
النبي وموقف
النبي منه.
1.
رؤيا الجراد
[1-3].
2. رؤيا
النار
المدمِّرة
[4-6].
3. رؤيا
الزيج
[7-9].
4. وشاية
أمصيا
[10-11].
5. طرد
عاموس
[12-13].
6. موقف
عاموس
[14-17].
لقد
سبق الله
فهدَّد
بعاموس النبي
إسرائيل أنه
سيرسل جرادًا
ليأكل
جنَّاتهم
وكرومهم وتينهم
وزيتونهم (4: 9)،
وقد أراه الآن
خطَّته التي
امتزجت
بالعدل
والرحمة
معًا، ففيما
هو يؤدِّب كان
يترفَّق،
وبينما هو
يُخطِّط
ينتظر كلمة
شفاعة من
النبي لكي
يتوقَّف عن
التأديب [3].
لقد
أرسل جرادًا
أعدَّه بنفسه
[1]، فهو لا يأتمن
أحدًا على
تأديب أولاده
إنما حتى إن
استخدم
الجراد أو
الأعداء، لكن
تبقى يد الله
هي المدبِّرة
وعيناه
تتطلَّعان
إليهم، كالخزَّاف
الذي يهتم
بالأواني
التي وضعها في
الأتون إلى
حين، لقد أعدّ
الجراد لكن في
مرحلته كدود
(في أول طلوع) [1]،
وقد ظهر بعد
جزَّاز الملك
(أي بعد
الحصاد الأول
الذي كان يقدَّم
كجزية للملك).
لم يسمح
للجراد أن
يأكل الزرع
قبل الحصاد
الأول حتى
يعيشوا بما
سبق أن حصدوه
كجزية للملك
فلا يهلكوا
جوعًا. وكأنه
فيما هو
يؤدِّب لا
يسمح
بالهلاك،
فتركهم
يحصدون الحصاد
الأول،
وعندئذ أباد
الحصاد
بالجراد. وكما
يقول
المرتِّل: "لا
تتركني إلى
الغاية" (مز 119: 8)
أو "لا تتركني
كثيرًا"، ففي
التأديب يبدو
الله كأنه قد
تركنا، لكن
إلى حين نرجع
إليه فيرجع
إلينا.
لقد
تشفَّع النبي
عن إسرائيل في
اتِّضاع قائلاً:
"أيها
السيِّد الرب
اِصفح، كيف
يقوم يعقوب فإنه
صغير" [2]. هذا
هو يعقوب الذي
قال عنه الله
"إنّي أكره
عظمة يعقوب
وأُبغض
قصوره" (6: 8). ما أن
شفع فيه النبي
قائلاً أنه
صغير لا يحتمل
التأديب حتى
ندم الرب
وتوقّف، لا
بمعنى تغيير
فكره عنه
وإنما بمعنى
تغيير الموقف
ذاته.
الله
حتى في أمرّ
لحظات
تأديبنا
يشتاق أن يسمع
صوت عاموس
فينا يشفع
لديه بروح
الاتِّضاع،
معلنًا أننا
صغار
ومحتاجون
إليه، فيرفع تأديبه
ويحتضنَّا.
يرى
بعض الدارسين
أن حملة
الجراد إنما
هي أحد الهجمات
ضد إسرائيل،
سواء أثارها
آرام أو أشور
أو غيرهما.
في
المرَّة
الأولى كان
الله يؤدِّب
وهو يترفَّق
للغاية، وإذ
لم يرجع إسرائيل
عن ذنبه إلى
الله عاد
ليؤدِّب
بأكثر قسوة،
ففي هذه
المرَّة لا
يؤدِّبهم
بطريقة خفيَّة،
وإنما
علانيَّة "دعا
للمحاكمة
بالنار" [4].
وكما قيل
بإشعياء
النبي: "لأنه
هوذا الرب بالنار
يأتي
ومركباته
كزوبعة ليرد
بحمو غضبه وزجره
بلهيب نار،
الآن الرب
يُعاقب
وبسيفه على كل
بشر ويكثر
قتلى الرب" (إش
66: 15-16)، كما قال:
"قد انتصب
الرب
للمخاصمة وهو
قائم لدينونة
الشعوب" (إش 3: 13)،
وأيضًا: "لذلك
أُخاصمكم بعد
يقول الرب
وبني بنيكم
أُخاصم" (إر 2: 9)،
"إن للرب
محاكمة مع
سكان الأرض"
(هو 4: 1).
الله
يدعو
للمحاكمة
العلنيَّة لا
لينتقم بمفهومنا
البشري،
وإنما لكي يرد
الشرِّير عن شرِّه
بنار
التأديب،
يحرق ذنوبه،
فيرجع إليه ويتمتَّع
بمحبَّته
الإلهيَّة.
في
التأديب
الأول اكتفى
بجزء من
المحصول، لكن
هذه المرَّة
إذ يؤدِّب
بأكثر حزم
يحرمهم من الماء
والطعام،
تأكل النار
الغمر العظيم
والحقل، فيشعر
الإنسان
بالحاجة إلى
من يرويه
ويشبعه... فيجد
في الله شرابه
وطعامه.
وفي
هذه المرة
أيضًا ينتظر
الله شفاعة
نبيِّه ليصفح
عن شعبه.
لقد
وقف الرب أمام
الحائط
بالزيج (مقياس
يُعرف به
استقامة
الحائط)، قاس
الله مملكة إسرائيل
بزيجه الإلهي
فقال: "لا
أعود أصفح له
بعد" [8].
كان
يليق
بالكنيسة
اليهوديَّة
أن تكون سورًا
للإيمان
بالمسيّا، لكنها
رفضت هذا
العمل وجحدت
مخلِّصها...
هذا ما كشفه
مطمار الله،
فاستحقَّت
الهدم. وهكذا
النفوس التي تتسلَّم
عملاً
قياديًا
روحيًا إن لم
تكن أمينة،
وتسلك كسور
للآخرين
تسندهم في
جهادهم الروحي،
تستحق الهدم.
يقول
الرب بإشعياء:
"وأجعل الحق
خيطًا والعدل
مطمارًًا" (إش
28: 17)، وقاس داود
النبي
الموآبيِّين
بالحبل للقتل
وبحبل
للاستحياء (1
صم 8: 2)، وعندما
صنع منسَّى
ملك يهوذا
الشرّ قال
الرب: "وأمد
على أورشليم
خيط السامرة
ومطمار بيت
آخاب وأمسح
أورشليم، كما
يمسح واحد
الصحن ويقلبه
على وجهه" (2 مل 21:
13).
لعلَّ
استخدامه
للزيج يعني أن
تأديباته الإلهيَّة
إنما
يقدِّمها
بمقياس،
بدقَّة شديدة
قدر
احتمالنا،
وقدر
احتياجانا للبنيان،
وإن كان يسبقه
هدم ما هو
منحرف فينا.
يكمِّل
النبي حديثه: "فتقفر
مرتفعات
اسحق، وتخرب
مقادس
إسرائيل،
وأقوم على بيت
يربعام
بالسيف" [9].
ماذا يقصد
بهذا الدمار؟
إن كانوا
يحتَمون بالمرتفعات
ويحسبون
المقدَّسات
تحصِّنهم وملكهم
الحالي قوي،
فإن
مرتفعاتهم
تصير قفرًا،
ومقادسهم
خرابًا،
وملكهم
يربعام بكل
بيته
يُقدَّمون
للذبح.
في عصر
الآباء
البطاركة
كانت
المرتفعات
تعتبر أفضل
موضع لإقامة
مذابح وتقديم
ذبائح للرب،
ربَّما لأنها
مرتفعة... وكأن
الإنسان في علاقته
مع الله يرتفع
فوق
الأرضيَّات
والزمنيَّات.
لكن اختلاط
اليهود
بالأمم جعلهم
يقيمون
المذابح
الوثنيَّة على
المرتفعات،
لذا قام
الأنبياء
يهاجمون المرتفعات
بكونها رمزًا
للوثنيَّة،
خاصة وقد صار
للرب هيكله في
أورشليم، ولا
يجوز تقديم ذبائح
خارجه.
ربَّما
اِختار
"مرتفعات
اسحق" لأن
"اسحق" تعني
(ضحك)، وكأنهم
يصيرون
أضحوكة وهزأة
بين الأمم
بسبب ما
يصيبهم من
دمار.
أما
السيف الذي
يقوم على بيت
يربعام
الثاني فهو
سيف أشور.
عِوض
أن يُقدِّم
إسرائيل
بملِكه
وقادته وكهنته
وشعبه
التوبة، كما
فعل أهل نينوى
عندما سمعوا
يونان النبي
يوبِّخهم،
إذا بكاهن بيت
إيل يُوشي
بعاموس النبي
لدى الملك
يربعام
الثاني،
قائلاً: "قد
فتن عليك
عاموس في وسط
بيت إسرائيل،
لا تقدر الأرض
أن تطيق كل
أقواله، لأنه
هكذا قال عاموس:
يموت يربعام
بالسيف
ويُسبى
إسرائيل عن أرض"
[10-11].
عِوض
أن يقوم أمصيا
بعمله ككاهن
يُعلن الحق، إذا
به يحوِّل
الحق
أفسنتينًا،
فجعل من
نبوَّات
عاموس فتنة ضد
الملك في وسط
الشعب، وحسب
كلمات النبي
ليست رسالة
للتوبة وبنيان
الجماعة،
وإنما حسبها
إثارة للشعب
ضد الملك
ورجاله! لقد
انحرف قلب
الكاهن عن
الخدمة إلى
المراكز
الزمنيَّة
والمجد
الأرضي ومحبَّة
العالم، فليس
عجيبًا أن
يقوم بتحريف
رسالة النبي
وتشويه العمل
الإلهي،
بكونه عملاً
ضد الملك
والشعب...
وكأنه خيانة
وطنيَّة!
يقول
للملك "لا
تقدر الأرض أن
تطيق كل
أقواله"، موحيًا
للملك أن
الشعب كله ضد
عاموس، وأن
كرازته غير
محتملة من
أحد. إنها
كلمات عدوّ
الخير في كل
عصر إذ يُوحي
للبشر أن
كلمات الله
غير مقبولة،
والكرازة
بالإنجيل غير
محتملة ولا واقعيَّة،
حتى يحرِّفهم
عن عمل الله،
ويخرج بهم
خارج دائرة
الصليب.
يقول
"لا تقدر
الأرض أن تطيق
كل أقواله"...
حقًا لقد كان
أمصيا الكاهن
أرضًا لا
سماءً لم يطق أقوال
النبي.
الإنسان
الجسداني
إنسان ترابي يسلك
بفكر أرضي فلا
يقبل ما لله
ولا يحتمل
الحياة
السماويَّة،
لذا "لا تقدر
الأرض أن تطيق
كل أقواله".
حينما
تحدَّث
السيِّد
المسيح عن
جسده ودمه المقدَّسين
المقدَّمين
سرّ حياة
أبديَّة، قال
كثيرون من
تلاميذه: "إن
هذا الكلام
صعب، من يقدر
أن يسمعه؟!...
ومن هذا الوقت
رجع كثيرون من
تلاميذه إلى
الوراء ولم
يعودوا يمشون
معه" (يو 6: 60، 66).
"فقال
أمصيا لعاموس:
أيها الرائي
اِذهب اهرب إلى
أرض يهوذا
وكلْ هناك
خبزًا، وهناك
تتنبَّأ،
وأما بيت إيل
فلا تتنبَّأ
فيها بعد،
لأنها مقدس
الملك وبيت
الملك" [12-13].
لقد ظن
أمصيا في عاموس
أنه نبي لكي
يأكل خبزًا،
لكن عاموس لم
يكن هكذا، فهو
يتنبَّأ لا
كعمل وظيفي
يعيش منه، إنما
لأنه أداة في
يد الله
خالقه. ليس
عجيبًا أن
يطرد الكاهن
النبي، فإن
الأخير مع
بساطته يكشف
بأمانته
وشجاعته سرّ
الأول ويفضح
حياته.
يقول القدِّيس
جيروم: [لقد
طُرد عاموس من
السامرة،
لماذا؟
بالتأكيد
لأنه هنا كما
في حالات أخرى
هو جرَّاح
روحي يَبتر
الأعضاء المصابة
بالخطيَّة،
ويحث الناس
على التوبة.
يقول بولس
الرسول:
"أفَقَد صرتُ
إذًا عدُوًا
لكم لأني
أُصدِق لكم؟!"
(غلا 4: 16)[55]].
لم يكن
عاموس نبًيا
رسميًا من
مدرسة
الأنبياء،
اقتنى النبوَّة
بالعلم أو
الميراث...
لكنه كان
أمينًا في
عينيّ الله
أفضل من صاحب
السلطة
الرسميَّة كاهن
بيت إيل، لذا
يقول القدِّيس
جيروم في
إحدى رسائله:
[ليس كل
الأساقفة هم
أساقفة بحق.
أنت تنظر إلى
بطرس فلتلاحظ
أيضًا يهوذا.
أنت تتطلَّع
إلى
إسطفانوس،
انظر
نيقوديموس الذي
حُكم عليه في
الرؤيا بشفتي
الرب نفسه (2: 6)،
الذي أقام
هرطقة
النيقولاويِّين
بسبب تخيُّلاته.
إذن "ليمتحن
الإنسان
نفسه" (1 كو 11: 28)
ويأتي، فليست
الدرجة
الكنسيَّة هي
التي تجعل منه
مسيحيًا![56]].
في
اتِّضاع
مملوء شجاعة
قال عاموس
لأمصيا: "لست
أنا نبيًّا،
ولا أنا ابن
نبي، بل أنا
راعٍ وجاني
جمِّيز،
فأخذني الرب
من وراء
الضأن، وقال
ليّ الرب:
اذهب تنبَّأ
لشعبي
إسرائيل" [14-15].
في
اتِّضاع لم
ينكر عمله
القديم
المتواضع كراعي
غنم وجاني
جمِّيز، وفي
شجاعة أعلن أن
الرب هو الذي
دعاه من وراء
الضأن
ليتنبَّأ لشعب
الله
إسرائيل... إنه
ليس نبيًا في
ذهن البعض، لأنه
لم يتتلمذ في
مدرسة
الأنبياء،
ولا ورث النبوَّة،
إذًا هو ليس
بابن نبي،
لكنه نبي بُناء
على دعوة
شخصيَّة من
الله، لذا
يلتزم بالعمل
من قبل من
دعاه.
يقول القدِّيس
يوحنا الذهبي
الفم: [إنه لم
يقل هذا
ليفتخر بذاته
(أن الله دعاه
للنبوَّة)،
وإنما ليُسكت
أفواه الذين
ظنُّوه ليس
بنبي، مظهرًا
لهم أنه ليس
مخادعًا ولا
يتكلَّم بشيء
من عنديَّاته[57]].
ويتحدَّث
القدِّيس
غريغوريوس
النزينزي عن
الروح القدس
الذي عمل في
عاموس ليقيمه
نبيًا،
قائلاً: [هذا
الروح، إذا هو
كلِّي الحكمة والحب،
متى تملَّك
راعِ جعله
مُرتِّلاً
يطرد الأرواح
الشرِّيرة
بمزموره (1 صم 16:
23)، ومتى اِقتنى
راعي غنم
وجاني جمِّيز
جعله نبيًا.
تذكَّر داود
وعاموس![58]].
أخيرًا
في جرأة لم
يصمت عاموس
النبي بل أعلن
له أن امرأته
تزني، وبنيه
وبناته
يسقطون بالسيف
وأرضه
تُقسَّم
بالحبل،
ويموت هو في
أرض نجسة
ويُسبى
إسرائيل عن
أرضه. ولعلَّ
ذلك قد تحقََّق
حرفيًا عند
سبي إسرائيل
بواسطة آشور،
فارتكب أحد
الجنود
المهاجمين الشرّ
مع امرأة
أمصيا، وفقد
أولاده
وبناته بينما
حُمل إلى أرض
وثنيَّة
ليموت هناك.
يا
للمرارة
حينما يَفسد
كاهن الرب أو
ابنه، فيتخلَّى
الرب عنه
ليُفسد جسده
كامرأة أمصيا التي
زنت، ويخسر
مواهبه
وطاقاته التي
تتبدَّد كأبناء
وبنات أمصيا
القتلى
بالسيف،
وعِوض أن يرث يفقد
ما لديه
فيُقسِّم
الغرباء أرضه
ويصير في عار،
وبسببه أيضًا
تُسبى
الكنيسة، إذ
يسقط كثيرون
ويتعثََّرون!
[55]
Ep. 40:1.
[56] Ep. 14:9.
[57] In 2 Cor. hom. 24:3.
[58] On Pentecost 14.