الرؤيا
الرابعة
سلَّة
للقطاف
في
هذه الرؤيا
يُعلن الله عن
تعجيله
بالخراب الذي
هدَّد به،
كاشفًا عن ثمر
الخطيَّة
المرّ الذي
يُجمع في
سلَّة للقطاف،
لتُقدَّم
حزنًا
وولولة
وجوعًا
وموتًا.
1.
سلَّة للقطاف
المرّ
[1-3].
2.
محاكمة
الظالمين
[4-10].
3. مجاعة
لكلمات الرب
[11-14].
لقد
أراه الله
سلَّة
للقطاف، وفي
العبريَّة
جاءت الكلمة
تعني "فاكهة
في أواخر
الصيف أو في
الخريف"، فقد
جاء الوقت لأكل
الثمار، لكنها
ليست ثمارًا
مفرحة إنما
ثمار الخطيَّة
الناضجة،
التي لا يمكن
الانتظار
عليها. لقد اقترب
وقت الشتاء
المظلم، وكان
لابد من أكل
الثمر الذي لا
يبقى بعد
للشتاء!
لقد
أعطاهم الله
فرصًا كثيرة
للتوبة عن
خطاياهم
والرجوع
إليه، تارة
بالإعلانات
وأخرى بالهبات
والإحسانات
وثالثة
بالتهديدات...
كان يؤدِّب
ليعود فيصفح،
لكن الآن قد
هيَّأوا أنفسهم
للهلاك... "قد
أتت النهاية
على شعبي
إسرائيل" [2].
إنه لا ينسى
أنه شعبه، لكن
نهايتهم قد
أتت لإصرارهم
على شرّهم، إذ
يقول: "لا
أعود أصفح له
بعد" [2]. تتحوَّل
أغاني القصر
(الهيكل)
وأفراحهم إلى
الندب وبكاء،
وعِوض الفرح
تُجمع الجثث
بلا عدد
صامتين، إذا
يرون الهيكل
صار خرابًا،
والضيق أشد من
أن يُحتمل، أو
لأنهم لا
يجدون الطاقة
للبكاء من كثرة
الموتى،
ولعلَّ الصمت
أيضًا علامة
الخوف من
العدو لئلاَّ
يسمع أصواتهم
فيأتي ويقتل
البقيَّة
الباقيَّة!
إن كان
الله طويل
الأناة جدًا، لكن
كما يقول
الرسول: "أم
تستهين بغنى
لطفه وإمهاله
وطول أناته،
غير عالم أن
لطف الله إنما
يقتادك إلى
التوبة،
ولكنك من أجل قساوتك
وقلبك غير
التائب
تُذخِر لنفسك
غضبًا في يوم
الغضب
واستعلان
دينونة الله
العادلة،
الذي سيجازي
كل واحد حسب
أعماله" (رو 2: 4-6).
الله
في محبَّته
يترقَّب فينا
إشارة إليه ليرجع
إلينا، يشتهي
السُكنى فينا
والدخول معنا
إلى أمجاده،
لكننا إن
تمسَّكنا
بالرفض وسلكنا
في الشرّ،
تنضُج
خطايانا
لتُجمع كما في
سلَّة القطاف
المرَّة التي
لا يطيقها الرب،
وتأتي
نهايتنا مع
أنّنا
أولاده،
وتكون بنوَّتنا
له سرّ عذاب
للنفس وشهادة
دينونة، وعِوض
تسابيح الفرح
تصير ولولة
للنفس، تجد
الهيكل قد فرغ
وكل ما في
داخلها من
عطايا وهبات
قد انتهت!
لنرجع إليه
إذن فيرجع
إلينا، ليكون
لنا في داخلنا
فردوسه
المُفرح عِوض
هذه السلَّة المحزنة!
يُقدِّم
لنا النبي
صورة لحال
الظلم
والفساد التي
عاشها
إسرائيل في
ذلك الحين،
فمن ملامحها:
أولاً: يقول:
"اسمعوا
أيها
المتَّهمون
المساكين لكي
تبيدوا بائسي
الأرض" [4]. إنهم
يريدون تحطيم
المساكين،
يوَدُّون أن يبتلعونهم
في بطونهم أو
يدوسونهم
بأقدامهم، أن
يبيدوا بائسي
الأرض. في
حبُّهم
لذاتهم يستبيحون
لأنفسهم
الظلم حتى
إبادة
المساكين والبائسين
تمامًا بكل
وسيلة لحساب
غناهم وبطنهم
ولهوِهم!
حين
تنتفخ الأنا
يظن الإنسان
في نفسه مركز
العالم، يعمل
الكل لحسابه،
ويهلك الكل من
أجل سعادته،
أمَّا رب
المجد يسوع
فقيل عنه
"فإنكم تعرفون
نعمة ربنا
يسوع المسيح،
أنه من أجلكم افتقر
وهو غني لكي
تستغنوا أنتم
بفقره" (2 كو 8: 9). وإذ
نحمله فينا
نغتني به،
وعلامة غنانا
أننا نقبل أن
نفتقر معه لكي
يغتني اخوتنا
بالمسيح الساكن
فينا. نشتهي
أن نُستعبد
لكي
يتحرَّروا فيه،
وأن نموت لكي
ينعموا
بالحياة معه،
وأن نترك كل
شيء لكي
يقتنوه هم
كسرّ غناهم.
هكذا سلك معلِّمنا
بولس الرسول
بروح سيِّده
حين قال: "فإني
إذ كنت حرًا
من الجميع
استَعبدتُ
نفسي للجميع
لأربح
الكثيرين" (1
كو 9: 20)، "فإننا
لسنا نكرز
بأنفسنا بل
بالمسيح يسوع
ربًا، ولكن بأنفسنا
عبيدًا لكم من
أجل يسوع" (2 كو 4:
5).
ثانيًا:
"قائلين متى
يمضي رأس
الشهر لنبيع
قمحًا والسبت
لنعرض حنطة" [5].
يُتمِّمون
الناموس
حرفيًا
فيتوقَّفون
عن العمل في
رأس الشهر وكل
سبت، كأنهم
متديِّنون
محبُّون لله،
لكن تمر عليهم
هذه الأيام
ثقيلة للغاية،
إذ يشتهون أن
تمضي ليعودوا
لتجارتهم ومكسبهم
المادي. في
نظر الناس
وربّما في نظر
أنفسهم
أبرار،
يقدّسون أيام
الأعياد
والسبوت، لكن
قلبهم في
واقعه غير
مقدَّس، إذ هو
مشغول بالربح
والمادة، حتى
وإن توقّف
العمل من
الخارج! وكما
قيل: "لأن
بأفواههم
يظهرون
أشواقًا وقلبهم
ذاهب وراء
كسبهم" (حز 33: 31).
إنها
صورة مؤلمة
للنفس التي
صارت أرضًا،
تستثقل يوم
الرب، وتشعر
في العبادة
أنها طويلة بلا
نفع، بينما
تقضي أكثر
وقتها مبتهجة
بالمكاسب الماديَّة!
ثالثًا:
"لنصغرّ
الأيفة
ونكبرّ
الشاقل ونعوِّج
موازين الغش"
[5].
قيل في
الأمثال
"موازين غش
مكرهة الرب"
(أم 11: 1).
يفسِّر
البعض
تصغيرهم
للأيفة
وتكبيرهم للشاقل،
أنهم يبيعون
للناس
بالأيفة
فيغشُّونهم
بتصغيرها عمَّا
يجب أن تكون
عليه، وعندما
يشترون بالجملة
إنما يشترون
بالشاقل،
فيكبِّرونه
ليغشُّوا
المزارعين
الذين يشترون
منهم. وكأنهم
يسرقون في
معاملاتهم في
الشراء كما في
البيع لحسابهم
الخاص.
رابعًا: "لنشتري
الضعفاء
بفضَّة
والبائس
بنعلين ونبيع
نفاية القمح"
[6].
في دراستنا
للأصحاح
الثاني يقول
الرب: "باعوا
البار
بالفضَّة
والبائس لأجل
نعلين" (2: 6)،
ورأينا أنهم
في الواقع
يبيعون الرب
البار وحده من
أجل المادة،
ويستهينون به
في شخص
المساكين والبائسين
من أجل نعلين.
سبق فأعلن
لموسى أن يخلعهما
(خر 3)،
وللتلاميذ
ألاَّ
يقتنوهما (مت10:
10).
إنهم
يشترون
الضعفاء
بفضَّة، إذا
صار الفقراء
في بؤس شديد
فيتقدَّمون
للأغنياء من
بني جنسهم
يبيعون
أنفسهم
وأولادهم لهم
عبيدًا ثمنًا
للطعام، حتى
يقدروا أن
يعيشوا الأمر
الذي أثار
نحميا فيما
بعد (نح 5).
أما
بيعهم لنفاية
القمح ففيه
نقض للناموس
ونزع للمحبَّة،
إذ كان يجب أن
يُترك
ليتمتَّع به الفقراء
العاجزين عن
شراء القمح،
فيأخذون النفاية،
بهذا المبدأ
جاء في سفر
التثنيَّة: "إذا
حصدت حصيدك في
حقلك ونسيت
حزمة في الحقل
فلا ترجع
لتأخذها،
للغريب
واليتيم
والأرملة تكون،
لكي يباركك
الرب إلهك في
كل عمل يديك..."
(تث 24: 19).
إذ بلغ
إسرائيل - شعب
الله – إلى
هذا
الحال المرّ
سقط تحت
المحاكمة
القاسية إذ
يقول النبي: "قد
أقسم الرب
بفخر يعقوب
أني لن أنسى
إلى الأبد
جميع أعمالهم.
أليس من أجل
هذا ترتعد
الأرض وينوح
كل ساكن فيها
وتطمو كلها كنهر،
وتفيض وتنضب
كنيل مصر؟!
ويكون في ذلك
اليوم يقول
السيِّد الرب
أني أُغيب
الشمس في الظهر،
وأُقتم الأرض
في يوم نور،
وأُحول أعيادكم
نوحًا، وجميع
أغانيكم
مراثي،
وأُصعد على الأحقاء
مُسُحًا،
وعلى كل رأس
قرعًا وأجعلها
كمناحة
الوحيد
وآخرها يومًا
مرًا" [7-10].
مع كل
ما صنعه
إسرائيل من
الظلم
والآثام حتى أقسم
الرب أنه لن
ينسى جميع
أعمالهم
الشرِّيرة
هذه، أي لا
يصفح بعد، لكنه
لا يزال يحمل
لهم معزَّة
خاصة إذا
يقول: "أقسم
الرب بفخر
يعقوب"... إننا
أولاده،
يفتخر بنا،
ويشتهي
خلاصنا
بالرغم مما
صنعناه وما أسأنا
به إليه.
أمام
ظلم هذا الشعب
ارتعدت الأرض
كلها وناح سكّانها،
وطمت كنهر
وصارت تهتز
كما بزلزال، وكأنها
بنهر النيل
الذي يفيض
بالمياه في
وقت الفيضان
ليعود فيَقل
ماءه! لا
تستطيع الشمس
معاينة هذا
الشرّ فتغيب
وقت الظهيرة
وتتحوَّل الأرض
إلى ظلام عِوض
النور،
وتتحوَّل
الأعياد إلى
نوح والأغاني
إلى مراثي،
ويلبس الناس
المسوح عِوض
الزينة،
ويصيرون كمن
فقد ابنه الوحيد،
في مرارة
قاسية.
إنها
ثمرة
طبيعيَّة
مرَّة
يتذوَّقها من
امتلأ كأسه
بالشر، فإن
أرضه أي جسده
الذي يقدِّم له
الملذَّات
يرتعد أمام
الله ويفقد
حيويَّته،
وينوح كل
سكَّانه، أي
تفقد أحاسيسه
ومشاعره كل
بهجة ليدخل في
حالة من
القنوط
والتبرُّم،
تهتز حياة
الإنسان كما
بزلزال فيصير
كنيل مصر يعلو
ويهبط على الدوام
بلا استقرار.
تغيب عنه شمس
البرّ فيفقد
كل استنارة
سبق فتمتَّع
بها،
وتتحوَّل
أرضه الداخليَّة
إلى قِتام
الجهل. لا
يعرف الفرح الروحي
بل تتحوَّل
أعياده
الداخليَّة
إلى مأتم،
وعِوض
التسبيح ينطق
بالمراثي،
وعِوض الزينة
الروحيِّة
الداخليَّة
يصير في عار
كمن يلبس
المسوح.
تتحوَّل
حياته كمن في
مأتم فيحلق شعر
رأسه ليصير
أقرع، ويبكى
كمن فقد
وحيده، الذي
هو نفسه
الواحدة!
والعجيب
أن هذا الثمر
المرّ قد حمله
السيِّد
عنَّا حين
أحنى ظهره للصليب،
"والرب وضعَ
عليه إثم
جميعنا" (إش 53: 6).
فتحقَّقت هذه
النبوَّة
حرفيًا. فقد
ارتعدت الأرض كقول
البشير
"والأرض
تزلزلت
والصخور
تشقَّقت
والقبور
تفتَّحت وقام
كثير من أجساد
القدِّيسين
الراقدين" (مت
27: 51-52).
تزلزلت
الأرض وتزلزل
الجحيم أيضًا.
وغابت الشمس في
الظهر كقول
ذات البشير
"ومن الساعة
السادسة كانت
ظلمة على كل
الأرض إلى
الساعة
التاسعة" (مت 27:
45). وتحوَّلت
أعياد اليهود
بعد ذلك إلى
نوح وأغانيهم
إلى مراثي،
حيث فقدوا
الهيكل وتشتَّتوا
في كل البلاد
وخسروا
مركزهم كشعب
الله، فصاروا
كمن هم في
مناحة الوحيد.
رأي
كثير من
الآباء في هذه
العبارات
نبوَّة صارخة
عمَّا حدث
أثناء آلام
السيِّد
المسيح، منهم
الأب
لكتانتيوس[59]
والعلاَّمة
ترتليان
والقدِّيس
إيرينيئوس.
ويقول القدِّيس
إيريناؤس: [لقد أعلن
بوضوح عن كسوف
الشمس في وقت
صلبه أنه يتم
في الساعة
السادسة فما
بعد (8: 9)، بعدها
تتحوَّل
أعيادهم التي
حسب الناموس
وتسابيحهم
إلى حزن ونحيب
عندما
يُسلَّمون
للأمم[60]].
وبنفس المعنى
يقول العلاَّمة
ترتليان: [قد
سُبيتم وتشتُّتم
بعد آلام
المسيح كما
سبق فأنبأ
الروح القدس[61]]. كما
يقول: إشعياء:
"ألبس
السموات
ظلامًا" (إش 50: 3).
هذا هو اليوم
الذي يكتب عنه
عاموس: "ويكون
في ذلك اليوم
يقول السيِّد
الرب أني
أُغيب الشمس
في الظهر،
وأُقتم الأرض
في يوم نور".
ففي الظهر
انشقَّ حجاب
الهيكل بهروب
الكاروبيم (حز
11: 22-23)، حيث تُركت
"ابنة صهيون
كمظلَّة في
كرم، كخيمة في
مقثاة" (إش 1: 8) [62]].
ويعطي القدِّيس
يوحنا الذهبي
الفم مفهومًا
روحيًا في
حياتنا
اليوميَّة
لكسوف الشمس
وحلول الظلمة
على الأرض
قائلاً: [يبدو
ليّ أنه ليس
فقط الأرض،
وإنما حتى
طبيعة الجو
ودائرة أشعة
الشمس
تتطلَّع
بحزن، فصارت
أشعَّتها
بالأكثر
غشاوة
(قتامًا)، لا
لأن عناصرها
قد تغيَّرت،
وإنما لأن
أعيننا قد
ارتبكت بسحب
الحزن فصارت
عاجزة عن
معاينة نور
الأشعَّة بوضوح...
هذا ما يبكيه
النبي قديمًا
بقوله: "إنيّ أُغيب
الشمس في
الظهر وأُقتم
الأرض في يوم
نور". يقول هذا
ليس لأن كوكب
النهار
اِنكسف أو النهار
اختفى، وإنما
الذين هم في
حزن لا يقدرون
إدراك نور
الظهر بسبب
ظلام عماهم[63]]. إننا في
حاجة أن ينزع
الله عنَّا
ظلام
الخطيَّة فتستنير
أعيننا بروحه
القدُّوس
لمعاينة
المسيح يسوع
شمس البرّ
والتمتُّع
ببهائه فينا!
أما من
جهة تحويل
الأعياد إلى
حزن والأغاني
إلى نوح فهذا
عمل الخطيَّة
الطبيعي،
أمَّا التوبة
فتهبنا العكس
بالمسيح
يسوع، إذ إليه
نرجع، وفيه
نجد عيدنا
مفرحًا
ومبهجًا بحق.
وكما يقول القدِّيس
غريغوريوس
صانع العجائب:
[من واجبنا أن
نحفظ هذا
العيد،
ناظرين أنه
يملأ العالم
كله فرحًا
وبهجة. لنحفظه
بالمزامير والتسابيح
والأغاني
الروحيِّة...
لقد أكَّد لنا
ربنا أنه
يحوِّل
أحزاننا إلى
فرح خلال ثمر التوبة[64]].
إن ثمر
الخطيَّة
تحطيم من كل
جانب، تحطيم
جسدي حيث
ترتعد الأرض
وينوح كل ساكن
فيها [8]، وتحطيم
نفسي حيث تفقد
النفس نورها وتتحوَّل
إلى حالة كآبة
وتكون في
مناحة بلا انقطاع،
وأخيرًا
تحطيم روحي
حيث يفقد
الإنسان
طعامه
الروحي، إذا
يقول: "هوذا
أيام تأتي
يقول السيِّد
الرب أرسل جوعًا
في الأرض، لا
جوعًا للخبز
ولا عطشًا
للماء، بل
لاستماع
كلمات الرب...
في ذلك تذبل
بالعطش العذارى
الجميلات
والفتيان" [11-13].
هذا هو
ما يهدِّد به
الله الأشرار
أنهم يدخلون
في جوع وعطش
لا إلى خبز
وماء بل إلى
كلمات الرب
واهبة الحياة.
فيجولون من
بحر إلى بحر،
أي من معلِّم
يتَّسم
بالسمة
الزمنيَّة،
لأن البحر
يُشير إلى
العالم
بأمواجه
المضطربة، يطلبون
شبعًا
لنفوسهم وسلامًا
من معلّمين
محرومين من
الشبع الروحي والسلام
الحقيقي،
يبحثون في كل
جهات المسكونة
من الشمال إلى
الجنوب... لكن
بلا جدوى، حتى
تذبل بالعطش
الروحي كل
مواهبهم
وطاقاتهم وإمكانيَّاتهم،
فتموت
العذارى
الجميلات
والفتيان
الأقوياء
بالعطش! إنهم
يدركون ذنب
السامرة، فيبحثون
عن الآلهة
الغريبة في
الشمال "دان" وفي
الجنوب "طريق
بئر سبع"، "فيسقطون
ولا يقومون
بعد" [14].
إنها
مجاعة بشعة
فيها تطلب
النفس شبعًا
روحيًا فلا
تجد، لا لأن
الله قد
حرمها، وإنما
لأنها
بذنوبها
المتكاثرة
وعدم رغبتها
في التوبة، تفقد
إدراكها
لكلمة الله كخبز
الحياة.
ليتنا
إذن ننعم
دائمًا بكلمة
الرب التي
يقول عنها
السيِّد نفسه:
"الكلام الذي
أُكلِّمكم به
هو روح وحياة"
(يو6: 63). ويقول القدِّيس
يوحنا الذهبي
الفم: [(كلمة
الله) طعام
النفس،
وحُليِِّها،
وضمانها، ففي
عدم السماع
لها مجاعة
وحرمان[65]].
يرى القدِّيس
غريغوريوس
أسقف نيصص[66]
أن الله إذ
يُهدِّد
الأشرار
بمجاعة ليست
من الخبز،
وظمأ ليس إلى
ماء، فإنه من
الجانب الآخر
يمنح أولاده
فـي الفردوس
ثمارًا
تليق
بمواعيده،
ليست ثمارًا
ماديَّة
ومياه ماديَّة
بل خبز الحياة
وينبوع
الحياة.
هذا هو
الخبز الحيّ
الذي يلزمنا
أن نشبع به ونقدِّمه
لأخوتنا
الجائعين،
كما قدَّم
يوسف قمحًا
وسط المجاعة
لأبيه
وأُمُّه
وأخوته والغرباء
أيضًا. بهذا
المفهوم دعا القدِّيس
غريغوريوس
النزينزي[67]
القدِّيس
باسيليوس
"يوسف
الثاني" الذي
أنقذ مصر من
المجاعة
بتدبيره
الحكيم،
مقدِّما خبز
الملائكة
الذي تقتات به
النفوس
الجائعة إلى
الله. لقد
أعلن أنه
قدَّم طعامًا
لا يُستهلك بل
يبقى إلى
الأبد يهب
حياة.
وحينما
تحدَّث القدِّيس
غريغوريوس
النزينزي
إلى الوفد القادم
من مصر مع
شحنة غلال
قال: [لقد
جلبتم معكم
علاجًا لا
لمجاعة الخبز
والارتواء
بالماء، فإن
مثل هذه
المجاعة ليست
مرعبة
وعلاجها سهل،
لكنكم
تعالجون
مجاعة
الاستماع
لكلمة الرب،
التي هي بحق
أكثر خطورة
وعلاجها شاق
للغاية في
الوقت الحاضر
بسبب الشرّ
المتزايد
ونُدرة وجود
أُناس سامعين
أصليِّين[68]].
إذن
لنرجع إلى
الرب فلا نبقى
في مثل هذه
المجاعة نجول
من بحر إلى
بحر من موضع
إلى آخر فتذبل
بالعطش
العذارى
الجميلات أو
الصالحات
والفتيان [13].
قلنا
أن العذارى
الجميلات هن
الحواس التي
قدَّمها لنا
الله صالحة
وجميلة، فإن
حَرمنا
أنفسنا من
كلمة الله
يذبلن ويصرن
قبيحات
وشرِّيرات،
ليس لهن زيتًا
ليتمتَّعن
بالعرس
الأبدي (مت 25).
بالحرمان من
كلمة الله،
خلال
المجاعة، تتحوَّل
العذارى
الصالحات
التي لنا إلى
عذارى جاهلات
يفقدن نورهن
بأفكارهن
الجسديَّة.
[59] Divine Instil. 4:19 ; Epitome of Div. Inst. 46.
[60] Adv. Haer. 4:33:12.
[61] An Answer to Jews, 10
[62] Adv. Marc. 4:43.
[63] Conc. Statues 2:6.
[64] Four Homilies , 2 (On the Annunciation to the Holy Virgin Mary).
[65] In Matt. hom. 2: 10.
[66] On the Making of Man 19.
[67] Panegyric on S. Basil 36.
[68] Oration 34: 2.