محاكمة
نينوى
في
الأصحاح
الثاني يعلن
الله عن نفسه
أنه المدافع
عن المظلومين
والمنكسرين،
والمقاوم للمتكبرين
الظالمين. وإذ
كان يبدو هذا
الأمر
مستحيلاً في
نظر الكثيرين.
فقد ظنوا في
نينوى الملكة
المتربعة على
العرش، ليس من
قوة تقدر أن
تقف أمامها،
ولا من جيشٍ
يتجاسر
ويقتحم
حصونها، جاء
هذا الأصحاح يؤكد
أنها ليست فوق
القانون
الإلهي.
1.
نينوى، مدينة
الدماء
[1-3].
2. الزانية
الساحرة
الجمال
[4-7].
3. تصير
مثلاً كغيرها
[8-11].
4. دمار
تام
[12-19].
1.
نينوى، مدينة
الدماء:
وَيْلٌ
لِمَدِينَةِ
الدِّمَاءِ.
كُلُّهَا
مَلآنَةٌ
كَذِباً
وَخَطْفاً.
لاَ
يَزُولُ
الاِفْتِرَاسُ.
[1]
1. تبدأ
محاكمة نينوى بأول
اتهام ضدها،
وهو أنها "مدينة
الدماء". لقد
سفكت دماء
الكثير من
الأبرياء،
ولذّ لها أن
تعذب الأسرى،
وتبتر
أعضاءهم
بطريقة وحشية.
v "أبغضت
كل فاعلي
الإثم" (مز 5: 5)،
سواء كانوا
عبيدًا أو
أحرارًا أو
إمبراطورًا،
أيا كان فاعل
الإثم. فالله
يحسب الأشخاص
أصدقاء له، لا
على أساس
الكرامات، وإنما
على أساس
الفضيلة كما
ترون1.
القديس
يوحنا الذهبي
الفم
يعلق القديس
أغسطينوس على
قول المرتل:
"وأنت يا الله
تحدرهم إلى جب
الهلاك: رجل
الدماء
والغش..." (مز 55: 23)،
مطالبًا
إيانا أن نحذر
من قتلة
النفوس أكثر
من سافكي دماء
الأجسام. ]الذين
يفصلون
أنفسهم من
الوحدة،
يقتلون
النفوس بتضليلهم
روحيًا وليس
جسديًا
يسفكون الدم[23]].
وفي
تعليقه على
قول المرتل: "وأهرقوا
دمًا ذكيًا،
دم بنيهم وبناتهم
الذين ذبحوهم
لأصنام كنعان،
وتدنست الأرض
بالدماء" (مز 106:
38)، يرى القديس
أغسطينوس
أنه ربما لا
يقصد المرتل
هنا تقديم
ذبائح بشرية.
حقًا لقد
وُجدت هذه
العادة لدى
كثير من الأمم،
خاصة في عبادة
البعل حيث
تقدم العائلة
أحيانًا
أطفالها
ذبائح بشرية
لإرضاء الآلهة.
ولكن ما يقصده
المرتل هنا هو
اشتراك الإسرائيليين
في العبادة
الوثنية
ورجاساتها، فأورثوا
أولادهم هذه
الجريمة،
فنشأوا يمارسونها،
وبهذا قتل
الآباء نفوس
أبنائهم
وبناتهم،
وحرموهم من
الحياة
المقدسة
والشركة مع الله.
هذا القتل
أبشع من قتل
الجسد، لأن
فيه حرمان من
الحياة
الأبدية.
2.
الاتهام
الثاني: استخدامها
للكذب
والخداع،
فكانت تبرر
هجماتها
المستمرة
أنها تحفظ العدالة
وتحميها،
فتلبس ثوبًا
مخادعًا تستر
به نياتها
الشريرة. خلال
الكذب
والخداع
ينسحب القلب
إلى شرور
كثيرة، إذ لا
يصارح نفسه
ليعيش طاهرًا
ونقيًا محبًا
لله والناس،
بل يخفي شروره
وفساده
بكلمات
مخادعة.
v "تهلك
المتكلمين
بالكذب" (مز 5: 6)...
الله يمقت
الشر، يكرهه
تمامًا
ويرذله. الآن
يدعو المرتل
الذين يعيشون
في الشر متكلمين
بالكذب
(بالباطل).
هؤلاء الذين
لهم أهداف باطلة،
يدمنون
الملذات،
شرهون وجشعون.
ها أنتم ترون
أنه يحسب
هؤلاء جميعًا
في طبقة
الكاذبين.
إنه
يشمئز من رجل
الدماء والغش
(مز 5: 6). يشير هنا إلى
القاتل،
المخطط للشر
الغاش، الذي
ينطق بشيءٍ
على شفتيه
ويحمل في قلبه
شيئًا آخر.
ذاك الذي هو
ذئب في ثوب
حمل، هذا لا
يوجد من هو
أشر منه.
بمعنى آخر
بينما يُمكن
مواجهة العدو
الظاهر، فإن
من يخفي شره
بينما يمارسه عمليًا
ليس من السهل
اكتشافه،
فيرتكب جرائم كثيرة،
لهذا يحذرنا
المسيح من
مجيء هؤلاء: "يأتونكم
بثياب
الحملان،
ولكنهم من
داخل ذئاب
خاطفة"[24] (مت 7: 15).
القديس
يوحنا الذهبي
الفم
3. الاتهام
الثالث هو الخطف
والافتراس،
إذ لم يكفوا
عن سرقة ما
للغير، وفي
غير شبع يسعون
لسلب من
يفترسون. يقول
المرتل
سليمان: "من
الظلم والخطف
يفدي أنفسهم،
ويكرم دمهم في
عينيه" (مز 72: 14).
v لننح
مع ناحوم،
ولنقل معه:
"ويل للذي
يبني بيته
بالظلم" (راجع
إر 22: 13، نا 3: 1).
بالحري لنحزن
عليهم كما فعل
المسيح في أيامه
عندما قال:
"ويل لكم أيها
الأغنياء، لأنكم
قد نلتم
جزاءكم
وعزاءكم"
(راجع لو 6: 24).
أطلب: "ليتنا
لا نكف عن
الحزن بهذه
الطريقة، وإن
كان الأمر غير
لائق،
فلننتحب على
فتور إخوتنا.
ليتنا لا نبكي
بصوتٍ عالٍ على
من قد مات
فعلاً، بل
ننتحب على
اللص، والجشع،
والبخيل،
والطمَّاع[25].
القدِّيس
يوحنا الذهبي
الفم
صَوْتُ
السَّوطِ،
وَصَوْتُ
رَعْشَةِ
الْبَكَرِ،
وَخَيْلٌ
تَخُبُّ،
وَمَرْكَبَاتٌ
تَقْفِزُ [2]
ينقلنا
النبي إلى وسط
المعركة
لنسمع صوت الأسواط
التي يحث بها
قادة
المركبات
الحربية الخيول
لتسرع،
وأصوات بكرات
المركبات
الفائقة
السرعة،
ووثبات
الخيل،
وقفزات
المركبات.
وَفُرْسَانٌ
تَنْهَضُ،
وَلَهِيبُ
السَّيْفِ،
وَبَرِيقُ
الرُّمْحِ،
وَكَثْرَةُ
جَرْحَى
وَوَفْرَةُ
قَتْلَى،
وَلاَ
نِهَايَةَ
لِلْجُثَثِ.
يَعْثُرُونَ
بِجُثَثِهِمْ.
[3]
يكمل
تصويره
للمعركة،
فالفرسان
ينهضون للقتال
لكي يثبوا
بخيولهم لقتل
الأعداء،
والسيوف
اللامعة تبرق
كاللهيب،
والرماح
المصوبة نحو
أهل نينوى
تتألق. كثيرون
جرحى، أما
القتلى فبلا
عدد، ليس من
يجمع الجثث،
ولا من يبالي،
بل يتعثر
المحاربون
فيها من
كثرتها ومن
فيض الدماء
النازف منها.
2.
الزانية
الساحرةِ
الجمال:
مِنْ
أَجْلِ زِنَى
الزَّانِيَةِ
الْحَسَنَةِ
الْجَمَالِ،
صَاحِبَةِ
السِّحْر،
الْبَائِعَةِ
أُمَماً
بِزِنَاهَا،
وَقَبَائِلَ
بِسِحْرِهَا.
[4]
إنها
لم تعتبر مما
حدث لجيشها من
قتل ملاك الرب
185 ألفًا في
ليلة واحدة،
لذلك يحدث هذا
في نينوى يوم
خرابها التام.
4.
الاتهام
الرابع هو الزنا.
قبلاً صور
نينوى بالأسد
الذي يتمزق
وأشباله تجوع
وتتفرق، هنا
يصورها
بزانية داعرة
تحث الأمم على
العبادة
الوثنية
ورجاساتها.
إنها تعتز
بجمالها
وقدرتها على
الإغراء. أهلكت
الأمم بزناها.
v التعنيف
هو تأديب
توبيخي، وقد
استخدم المعلم
الإلهي ذلك في
إرميا،
قائلاً: "جبهة
امرأة زانية
كانت لكِ،
أبيتِ أن
تخجلي أمام
الكل، ولم
تدعيني إلى
بيتكِ، أنا هو
أبوكِ، وسيد
بتوليتك" (راجع
إر 3: 3-4). "من أجل
زنى الزانية
العاهرة في تجرع
الافتنان"
(راجع نا 3: 4).
وبفنٍ شاملٍ
متكاملٍ بعد
أن أطلق على
العذراء
الاسم الفاضح
المخزي
للزنا،
يدعوها إلى
الرجوع إلى
حياة مكرَّمة
بأن يملأها
بأحاسيس
العار[26].
القديس
إكليمنضس
السكندري
5.
الاتهام
الخامس: إنها صاحبة
السحر أو
سيدته، تبيع
قبائل بسحرها.
إذ كان كل ما
يشغل مملكة أشور
أن تسود
العالم وتخضع
كل الأمم تحت
قدميها. لم
تقف عند
استخدام
الحرب والسلب
والافتراس،
وإنما أيضًا
لجأت إلى
السحر، كما
تفعل الزانية
بسحرها، حيث تصطاد
الشبان
بالإغراء
الجسدي
فتستعبدهم.
هَأَنَذَا
عَلَيْكِ
يَقُولُ
رَبُّ الْجُنُودِ،
فَأَكْشِفُ
أَذْيَالَكِ
إِلَى فَوْقِ
وَجْهِكِ،
وَأُرِي
الأُمَمَ
عَوْرَتَكِ،
وَالْمَمَالِكَ
خِزْيَكِ. [5]
ظنت
نينوى أنها
سيدة العالم
الجميلة التي تقتنص
الأمم بسحرها
وزناها،
فيخضع الكل
للعبادة
لآلهتها،
ويمارسون
الرجاسات
معها. لكن إذ
يبغض الله
الشر، يتعامل
معها كزانية،
ويفضح
فسادها،
فتكون كمن
تعرَّت من
ثياب الزنا الجذابة
للفساد. هذا
ما تنبأ عنه
إشعياء النبي أيضًا
عن بابل التي
فيما بعد سلكت
ذات مسلك نينوى:
"لأنك لا
تعودين
تُدعين ناعمة
ومترفهة...
اكشفي نقابك،
شمري الذيل،
اكشفي الساق،
اعبري الأنهار؛
تنكشف عورتك
وتُرى
معاريك" (إش 47: 1-3). إنها
لا تفقد
جمالها الغاش
فحسب وسحرها،
بل تبدو في
خزي وفضيحة،
كريهة وقبيحة.
تنفضح ألاعيبها
للأمم،
وتنكشف خططها
الشريرة،
ويظهر ضعفها
وفسادها. "وأري
الأمم عورتك،
والممالك
خزيك" ]5[. يدرك
الكل أنها
ليست قوية ولا
سيدة العالم
كما كانت
تزعم.
وَأَطْرَحُ
عَلَيْكِ
أَوْسَاخًا،
وَأُهِينُكِ
وَأَجْعَلُكِ
عِبْرَةً. [6]
صارت
تلك المدينة
التي كانت
الدول تشتهي
التحالف معها
هزأة وأضحوكة
للجميع.
وَيَكُونُ
كُلُّ مَنْ
يَرَاكِ
يَهْرُبُ مِنْكِ،
وَيَقُولُ:
خَرِبَتْ
نِينَوَى
مَنْ يَرْثِي
لَهَا:
مِنْ
أَيْنَ
أَطْلُبُ
لَكِ
مُعَزِّينَ؟
[7]
عوض
التجاء الأمم
إليها خوفًا
من سلطانها، يتطلعون
إلى ما حلّ
بها، فيهربون
منها، لأنها لا
تصلح حتى
للسكنى فيها.
من شدة
الدمار التام
ليس من يرثي
لها، إذ لا
رجاء لصلاحها
بعد، ولا يوجد
معزون، إذ
يشمت الكل فيها.
كل من يراها
يرتعب مما حلّ
بها، فلا يقدر
لسانه أن
يتفوه بكلمة
تعزية.
3.
تصير مثلاً
كغيرها:
هَلْ
أَنْتِ
أَفْضَلُ
مِنْ
نُوَأَمُونَ
الْجَالِسَةِ
بَيْنَ
الأَنْهَارِ،
حَوْلَهَا
الْمِيَاهُ
الَّتِي هِيَ
حِصْنُ الْبَحْرِ،
وَمِنَ
الْبَحْرِ
سُورُهَا؟ [8]
لئلا
تظن نينوى أو
يظن
المستمعون
للنبوة أنه يستحيل
تحقيقها،
يقدم النبي
مثلاً لبلدة
كانت قوية
ومطمئنة وإذ
سلكت في الشر،
وأصرت على مقاومة
الله، حلّ
عليها الغضب
الإلهي، وهي نوأمون.
نوأمون: يرى
البعض أنها
طيبة، وقد
حملت هذا
الاسم، وهي في
صعيد مصر،
ومعناها
"نصيب أو
ممتلكات أمون".
وأمون هو
الإله المصري
جوبتر.
يبدو
أن الملك
سرجون
الآشوري هو
الذي ضرب نوأمون؛
وكما انتصرت
أشور على طيبة
بالرغم من كل قدراتها
وإمكانياتها،
فالدور على نينوى
عاصمة أشور
لتفقد عزها
ويدمرها
البابليون.
"الجالسة
بين الأنهار،
حولها المياه
التي هي حصن
البحر، ومن
البحر سورها".
كانت طيبة على
ضفتي نهر
النيل شرقًا
وغربًا، وتحوط
بها قنوات
المياه
الضخمة،
فكانت كمن في
أمان، كما
كانت نينوى،
إذ سبق فرأينا
كيف كانت
المياه تحوط
بها، فتمنع
جيوش الأعداء
من الوصول إلى
أسوارها.
في
أيام هومر Homer كانت
طيبة مشهورة
بأبوابها
المئة1.
خرائبها
وبقايا
آثارها لا
تزال يبلغ
محيطها 27
ميلاً، تضم في
داخلها معبدي
الأقصر
والكرنك الشهيرين.
يقصد
بالبحر هنا
"نهر النيل"،
وإلى يومنا
هذا يُدعى
هكذا في صعيد
مصر.
كُوشٌ
قُوَّتُهَا
مَعَ مِصْرَ،
وَلَيْسَتْ
نِهَايَةٌ.
فُوطٌ
وَلُوبِيمُ
كَانُوا
مَعُونَتَكِ.
[9]
كوش: غالبًا
ما يقصد بها
منطقة اليمن،
وأحيانًا يقصد
بها جنوب مصر،
أي النوبة،
وأيضًا
أثيوبيا. كانت
كوش تستمد قوتها
وثروتها من
التجارة
والمساعدات
الحربية. كانت
سندًا
لنوأمون.
فوط
ولوبيم:
مملكتان
متجاورتان
غرب مصر في
شمال أفريقيا،
وهما
القيروان
وليبيا،
وكانت مصر
تعتمد عليهما
كثيرًا،
وكانت نوأمون
تحصل منهما
على امدادات،
فتعيش
مطمئنة،
كملكة جالسة
على عرشها.
هِيَ
أَيْضاً قَدْ
مَضَتْ إِلَى
الْمَنْفَى
بِالسَّبْيِ،
وَأَطْفَالُهَا
حُطِّمَتْ
فِي رَأْسِ
جَمِيعِ
الأَزِقَّةِ،
وَعَلَى
أَشْرَافِهَا
أَلْقُوا
قُرْعَةً،
وَجَمِيعُ
عُظَمَائِهَا
تَقَيَّدُوا
بِالْقُيُودِ.
[10]
إذ
كانت نوأمون
جالسة في
آمان، تعتز بقوتها
وثروتها،
وتسندها بلاد
كثيرة في الجنوب
والشمال،
وتحوط بها
المياه
لتحميها من أية
هجمات، فلم
تكن تتوقع أية
سقوط، إذا بها
تمضي إلى
المنفى مسبية.
لقد خانها
غرورها، وقوتها،
فتحطم
أطفالها. وقد
ألقوا قرعة
على عظمائها،
إذ كان من
عادة القادة
الغالبين عند
افتتاحهم
مدينة عظيمة
يلقون القبض
على عظمائها، ثم
يلقون قرعة
عليهم لكي
يوزعون هؤلاء
العظماء
عبيدًا
للقادة. فعوض
السلاسل
الذهبية ومظاهر
الأبهة
والعظمة، صار
هؤلاء عبيدًا
عراة حفاة
مقيدين
بسلاسل
حديدية
يسحبونهم إلى
بلادهم في
عارٍ وخزيٍ.
أَنْتِ
أَيْضاً
تَسْكَرِينَ.
تَكُونِينَ
خَافِيَةً.
أَنْتِ
أَيْضاً
تَطْلُبِينَ
حِصْناً بِسَبَبِ
الْعَدُوِّ. [11]
ما حلّ
بمدينة
نوأمون يحل
بنينوى، ومن
هول ذلك يصير
سكانها سكرى
مخبولي
العقل،
يشربون من كأس
غضب الله
عليهم. وكما
قيل لأورشليم:
"التي شربت
من يد الرب
كأس غضبه، ثقل
كأس لترنح شربت
مصصت... لذلك
اسمعي هذا
أيتها
البائسة والسكرى
وليس
بالخمر..." (إش 51:
17، 21). وجاء في
إرميا النبي: "لأنه
هكذا قال لي
الرب إله
إسرائيل: خذ
كأس خمر هذا
السخط من يدي،
وأسقِ جميع
الشعوب الذين أرسلك
أنا إليهم
إياها،
فيشربوا
ويترنحوا ويتجننوا
من أجل السيف
الذي أرسله
أنا بينهم؛
فأخذت الكأس
من يد الرب، وسقيت
كل الشعوب
الذين أرسلني
الرب إليهم" (إر
25: 15-17).
للعلامة
أوريجينوس تعليق
جميل على
العبارة: "كل
زق يمتلئ
خمرًا" (إر 13: 12).
كل إنسان كزقٍ
مملوءٍ خمرًا
لكن يوجد نوعان
من الخمر، خمر
صالح هو خمر
محبة الله التي
تسكر النفس
فتذوب حبًا في
الله، فيحيا
متأملاً فيه،
وكأنه قد سكر
بهذا الحب.
هذا الخمر تعده
الحكمة: "الحكمة...
مزجت خمرها...
هلموا كلوا من
طعامي واشربوا
من الخمر التي
مزجتها" (أم 9:
1، 5). أما الخمر
الرديئة التي
تملأ الشرير فهي
كخمر سدوم
وعمورة: "لأن
من جفنة سدوم
جفتهم، ومن
كروم عمورة؛
عنبهم عنب سمّ،
ولهم عناقيد
مرارة؛ خمرهم
حمة الثعابين
وسم الأصلال
القاتل" (تث 32:
32-33). كما يرى أن
الله يمسك
بيمينه كأس
أعمالنا
الصالحة
ليهبنا
بركاته،
وبيساره كأس
ليؤدبنا حتى
نرجع إليه1.
ويحدثنا
القديس
أغسطينوس عن
خمر محبة الله
قائلاً: [أليس
الذين تغيرت
قلوبهم قد
صاروا سكرى؟
يقول: "إنهم
يشربون، كل
خطاة الأرض"
(مز 75: 8). لكن
من هم الذين
يشربون
الخمر؟
الخطاة يشربون
لكي ما لا
يبقوا بعد
خطاة، إنما
لكي يتبرروا،
ولا يُعاقبون2].
"تكونين
خافية" ]11[،
أي
تختفي نينوى
خجلاً بسبب ما
لحقها من عارٍ
وخوفٍ، لأنها
غير قادرة على
مواجهة
العدو؛ وتطلب
حصنًا
يحميها، لكن
ليس من سندٍ
لها.
4.
دمار تام:
جَمِيعُ
قِلاَعِكِ
أَشْجَارُ
تِينٍ بِالْبَوَاكِيرِ،
إِذَا
انْهَزَّتْ
تَسْقُطُ فِي
فَمِ الآكِلِ.
[12]
يشبهها
النبي بأشجار
التين حين
يظهر عليها بكور
التين، هذه
التي متى هزها
الهواء يسقط
كل ما عليها
من تين. هكذا
سوف لا تستطيع
نينوى على صد
العدو، بل
يسقط أولادها
بسرعة فائقة
للأكل!
هُوَذَا
شَعْبُكِ
نِسَاءٌ فِي
وَسَطِكِ.
تَنْفَتِحُ
لأَعْدَائِكِ
أَبْوَابُ
أَرْضِكِ.
تَأْكُلُ
النَّارُ
مَغَالِيقَكِ.
[13]
جيشها
يكون كنساء
عاجزات عن
الدفاع عن
أنفسهن،
وأبواب
المدينة
تنفتح للعدو
بلا مقاومة، تلتهب
النيران في
مغاليقها.
اِسْتَقِي
لِنَفْسِكِ
مَاءً
لِلْحِصَارِ.
أَصْلِحِي
قِلاَعَكِ.
ادْخُلِي
فِي الطِّينِ
وَدُوسِي فِي
الْمِلاَطِ.
أَصْلِحِي
الْمِلْبَنَ.
[14]
بتهكمٍ
يطلب من نينوى
أن تخزن ماءً
ومئونة لفترة
الحصار حتى لا
تموت من العطش
والجوع. فمع كون
المدينة
مبنية على نهر
دجلة والمياه
محيطة بها
خلال النهر
وخنادق
المياه، إلا
أن جيشها وكل
سكانها
يعجزون عن أن
يخرجوا
ليشربوا منها.
يطلب
منها إصلاح
قلاعها،
فيقومون
بإعادة بناء
كل قلعة فيها
أو إصلاحها.
لكن هذا كله
يذهب هباءً،
فتكون كمن هي
في وحلٍ، لا
تقدر الخلاص منه.
هُنَاكَ
تَأْكُلُكِ
نَارٌ.
يَقْطَعُكِ
سَيْفٌ.
يَأْكُلُكِ
كَالْغَوْغَاءِ.
تَكَاثَرِي
كَالْغَوْغَاءِ.
تَعَاظَمِي
كَالْجَرَادِ.
[15]
يدعوها
ألا تعتمد على
كثرة عدد
سكانها ورجال جيشها،
فإنهم يصيرون
مثل الغوغاء
والجراد، الحشرات
المتلفة، لا
تستطيع أن
تصمد أمام النار
المشتعلة،
ولا تقف أمام
السيف.
أَكْثَرْتِ
تُجَّارَكِ
أَكْثَرَ
مِنْ نُجُومِ
السَّمَاءِ.
الْغَوْغَاءُ
جَنَّحَتْ
وَطَارَتْ. [16]
رُؤَسَاؤُكِ
كَالْجَرَادِ،
وَوُلاَتُكِ
كَحَرْجَلَةِ
الْجَرَادِ
الْحَالَّةِ
عَلَى
الْجُدْرَانِ
فِي يَوْمِ الْبَرْدِ.
تُشْرِقُ
الشَّمْسُ
فَتَطِيرُ،
وَلاَ
يُعْرَفُ
مَكَانُهَا
أَيْنَ هُوَ. [17]
بسبب
موقعها
الجغرافي على
نهر دجلة
وحولها قنوات
المياه كانت
بلدًا تجارية
ضخمة، لكن متى
حل الغضب،
وقام العدو عليها
تتحول من
مدينة مكتظة
بالتجار إلى
حقل قد خُرب
بجراد لا يمكن
حصر عدده.
يصير عظماؤها
كجرادٍ في يوم
بردٍ إذ تشرق
الشمس يطير،
ولا يعرف إلى
أين يذهب.
ولعله
يقصد أن
التجار
الأجانب
الذين جاءوا إلى
نينوى بقصد
التجارة، وقد
اقتنوا ثروات
كبيرة، إذ
يرون العدو
قادمًا
يأخذون
ثرواتهم ويهربون.
هؤلاء الذين
كانت نينوى
تظن أنهم يسندونها
وقت ضيقتها،
لكنهم
كالجراد
سرعان ما يطيرون
منها، لعلهم
يجدون مكانًا
آمنًا.
ويرى
البعض أنه
يقصد بالجراد
الهارب هنا
الجنود المُستأجرين
الذين يقومون
بحراسة
الأسوار من الخارج،
فإنهم إذ هم
أُجراء يرون
العدو قادمًا
فيفرون ولا
يعرفون إلى
أين يذهبون.
وكما يقول
السيد المسيح:
"والأجير
يهرب لأنه
أجير، ولا
يبالي بالخراف"
(يو 10: 31).
نَعِسَتْ
رُعَاتُكَ
يَا مَلِكَ
أَشُّورَ.
اضْطَجَعَتْ
عُظَمَاؤُكَ.
تَشَتَّتَ
شَعْبُكَ
عَلَى
الْجِبَالِ،
وَلاَ مَنْ
يَجْمَعُ. [18]
كان
يظن ملك أشور
أنه في حماية
رعاة وقادة
جبابرة بأس،
لكنه فوجئ
بالنبي ييقظه
قائلاً له: "نعست
رعاتك يا ملك
أشور" ]18 [. اضطجع
عظماؤه، إذ
قتلوا وصار
ساقطين في
الشوارع وسط
التراب، أما
شعبه فهرب إلى
الجبال
رعبًا، وليس
من يجمعه.
لَيْسَ
جَبْرٌ
لاِنْكِسَارِكَ.
جُرْحُكَ
عَدِيمُ
الشِّفَاءِ.
كُلُّ
الَّذِينَ
يَسْمَعُونَ
خَبَرَكَ يُصَفِّقُونَ
بِأَيْدِيهِمْ
عَلَيْكَ،
لأَنَّهُ
عَلَى مَنْ
لَمْ يَمُرَّ
شَرُّكَ عَلَى
الدَّوَامِ؟
[19]
يختم
النبي حديثه
مصورًا حال
نينوى بأنها
كمن انكسر
وليس من يجبر
هذا الكسر،
وجُرح وليس من
شفاء للجرح،
حيث لا عودة
لبناء نينوى،
وقيام دولة
أشور من جديد.
وإذ كانت
عنيفة مع كل
الأمم التي
سقطت تحت
يدها، صاروا
يسخرون بها،
مصفقين
بأياديهم، إذ
يرون ثمر شرها
فيعيّرونها.
من
وحي ناحوم 3
لتحطم
نينوى، وتقم
فيَّ أورشليم
الجريدة!
v تسلل
العدو إلى
قلبي، وأقام
له فيّ مملكة.
لتطرد
ملك أشور،
وتشهر به
بصليبك.
لتنزع
عنه سلطانه،
وتقيم ملكوتك
في داخلي!
v انزع
عني ما غرسه
العدو فيّ.
إنه
غريب عن
طبيعتي التي
وهبتني إياها.
انزع
كل حب للظلم،
وكل
كذب وخداع،
لتنزع
عني كل شهوة
رديئة،
وكل
مجدٍ باطلٍ.
افضحني
أمام نفسي،
فارجع
إليك يا كلي
الحب والرحمة.
v اعترف
لك بضعفي،
وعجزي
عن المقاومة،
لكن
أنت هو حصني!
أنت هو
الطبيب
السماوي تشفي
جراحاتي،
وتجبر
كل كسرٍ في
عظامي!
v عوض
خمر الخطية
الذي يفقدني
اتزاني،
هب لي
خمر حكمتك
السماوية،
فأسكر
بحبك، وأتغنى
بمراحمك.
أنسى
العالم وكل
إغراءاته،
وأنعم
بعربون
سماواتك!
1 On Ps. 5.
[23] St. Augustine on Ps 55 954).
[24] On Ps. 5.
[25] Commentary on Nahum 2:1.
[26] Paedagogus 1:9.
1 Homer: Ill: 9: 381.
1 Cf. Homilies on Jeremiah, homily 12: 1-4.
2 On Ps 75 (74).