الأصحاح
الثاني
نبوّات
ثلاث متلاحقة
إن
كان الصوت
النبوي قد
ألهب القلوب
للعمل فإن
الله في
محبّته لهم
لاحقهم بثلاث
نبوّات
متتالية
لتشجيع كل يد
للجهاد بروح
الله لحساب
مجد البيت
الداخلي الذي
يتأسّس على
السيّد
المسيح مشتهى
كل الأمم. وقد
جاءت هذه
النبوّات
الثلاث
تتحدّث عن.
1.
هيكل مشتهى كل
الأمم
[1-9].
2. الله
يطلب هيكل
القلب
[10-19].
3.
الهيكل
الجديد
والختم
الإلهي
[20-23].
1.
هيكل مشتهى كل
الأمم:
جاءت
الرسالة
الثانية حيث
كان البناءون قد
بدءوا العمل
منذ قرابة
شهر، فكانت
رسالة تشجيع
وسند لهم. إن
كانت النبوّة
السابقة قد جرحتهم
بالتوبيخ فإن
هذه النبوّة
تُضمد جراحاتهم
بكلمات
التعزية
الإلهيّة
المشجّعة.
تاريخ
هذه النبوّة: "الشهر
السابع في
الحادي
والعشرين من
الشهر"، أي
في اليوم
السابع من عيد
المظال،
العيد الأخير
للحصاد في
السنة
اليهوديّة
(راجع لا 23: 39-44)، وقد
اتّسم هذا
العيد بالفرح
وتقديم ذبائح
شكر في آخر
أيام العيد
أكثر من أي يوم
آخر.
كان يليق
بالكل أن
يمتلئوا
فرحًا لا
بالعيد فحسب
وإنّما ببدء
العمل في بيت
الرب، وأن
يقدّموا
ذبائح شكر لله
الذي يردّ
إليهم المجد
المسلوب، لكن
عدوّ الخير لا
يطيق فرح
أولاد الله
وشكرهم،
فحاول
تحطيمهم ببث
أفكار اليأس
خلال بعض
المسنّين
الذين عاصروا
الهيكل
القديم قبل
هدمه (منذ
حوالي70 عامًا)،
هؤلاء قارنوا
بين القديم
وأساسات
الجديد
فحسبوا العمل
القائم كلا
شيء أمام بهاء
مجد القديم.
بينما كان
الكهنة
واللآويّون
يترنّمون
بالفرح
ويضربون
الأبواق من
أجل العمل، إذا
بهؤلاء
المسنّين
صاروا يبكون
بمرارة على مجد
الهيكل
القديم، وكاد
الموقف
يتأزّم فيحوّل
عدوّ الخير
العمل المفرح
إلى حزن وكآبة
قلب وتحطيم
للنفوس.
هكذا
يخطئ بعض
المتقدّمين
في السن
بتحقيرهم لعمل
الجيل
الجديد،
حاسبين
أعمالهم إن
قورنت
بالأعمال
السابقة كلا
شيء [3]. لهذا
ينصحنا الحكيم:
"لا تقل لماذا
كانت الأيام
الأوّلى خيرًا
من هذه؟!" (جا 7: 10).
ولكي
يُنزع الله
روح اليأس أخذ
يُسندهم ويشجّعهم
هكذا.
أولاً: "تشدّد
يا زربابل،
تشدّد يا
يهوشع،
وتشدّدوا يا
جميع شعب
الأرض،
واعملوا فإني
معكم" [4].
وكأنّه
يُطالب
الوالي
والكاهن
والشعب لا أن ينشغلوا
بالمقارنات
بين قديم
وجديد، وإنّما
بالعمل بقوّة
متشدّدين من
أجل "الله"
الحالّ في
وسطهم. ليت كل
مؤمن لا يبدّد
طاقته
بالأفكار
الكثيرة
المحطّمة للناس،
إنّما
لتتشدّد
إرادته
وليتشدّد
قلبه ولتتشدّد
كل طاقاته،
عاملاً بكل
طاقته، متأكّدًا
أن الرب معه
هو سرّ فرحه
ومجده!.
إن كان
غاية المبنى
هو التقاء
الرب بهم خلال
العهد
وتمتعهم
بحلّوله في
وسطهم، فإنه
وسط العمل
يقول لهم: "حسب
الكلام الذي
عاهدتكم به
عند خروجكم من
مصر وروحي
قائم في
وسطكم، لا
تخافوا" [5].
كأنه يقول: لا
تخافوا فإني
أدخل معكم في
العهد ويُقيم
روحي في وسطكم
مادمتم
عاملين... وهذا هو
المجد الحق.
ثانيًا: "هي
مرّة بعد قليل
فأزلزل
السموات
والأرض والبحر
واليابسة
وأزلزل كل
الأمم ويأتي
مشتهى كل الأمم،
فأملأ هذا
البيت مجدًا
قال رب
الجنود" [6-7].
في القديم
عندما أقام
العهد عند جبل
سيناء زلزل
الرب الموضع
وكان الجبل
يُدخن، أما
الآن فإنه
يُزلزل
السماء
(النفس)
والأرض
(الجسد) والبحر
(المواهب)
واليابسة
(الطاقات)، إنّه
يُحطّم
الإنسان
القديم
ليُقيم فينا
الإنسان
الجديد فنحمل
سماته في
نفوسنا،
وتتقدس أجسادنا
مواهبنا
وطاقاتنا. مع
الزلزلة للطبيعة
القديمة ننال
حياة جديدة
مقامة
متناغمة في
الجسد والنفس
ونعمل لحساب
الملكوت.
هذه
الزلزلة هي
علامة مجيء
"مشتهى كل
الأمم"، فإنه
يحل فينا
داخليًا في
مياه
المعموديّة
عندما ندفن
معه فتتزلزل
قوات الظلمة
ويتحطّم
إنساننا الخارجي.
وعندما يأتي
أيضًا في آخر
الأزمنة تتزلزل
الطبيعة
بقوّة ليزول
العالم
المادي ويأتي
الرب ملكًا
سماويًا
أبديًا.
يُترجم
البعض "يأتي
مشتهى كل
الأمم" بـ
"يأتي غنى كل
الأمم"،
بمعنى أن
الهيكل
الجديد يمتلئ
بهاءً بدخول
الأمم إلى
العضويّة
الكنسيّة
مقدّمين إيمانهم
بالمخلّص
وغيرتهم كسرّ
غنى روحي.
ثالثًا: "ليّ
الفضة وليّ
الذهب يقول رب
الجنود" [8]. إن
كانت مقاييس
المجد هي كثرة
الذهب والفضة والحجارة
الكريمة التي
ملأت الهيكل
القديم، ففي
البيت الجديد
يقول الرب: "لا
تقننوا ذهبًا
ولا فضة ولا
نحاسًا في
مناطقكم" (مت 10:
9)، إذ يكون هو
نفسه فضتنا
وذهبنا، هو
زينة البيت
ومجده.
يرى القديس
يوحنا الذهبي
الفم أن
النبي نطق
بهذه العبارة
لأن كثير من
اليهود
استصعبوا كيف
يعود الهيكل
القديم مرّة
أخرى بذهبه
وفضه بعد أن
صار ترابًا
ورمادًا كأن
الرب يقول
لهم: [لماذا لا
يؤمنون، فإن
ليّ الفضة وليّ
الذهب، لست
محتاجًا أن
أقترض من أحد
ليزيّن
بيتيّ؟![10]].
رابعًا: "مجد
هذا البيت
الأخير يكون
أعظم من مجد
الأوّل قال رب
الجنود، وفي
المكان أُعطى
السلام يقول
رب الجنود" [9].
إن قارنّا بين
مجد الهيكل
الأوّل الذي
بناه سليمان
والآخر الذي
بناه زربابل
نجد أن الأوّل
أعظم من جهة
ما حواه من
حجارة كريمة
وذهب وفخامة
في المبنى.
هذا وجاء في
التلمود
البابلي أن
هيكل زربابل
نقصه خمسة
أمور عن هيكل
سليمان هي:
مجد الشكينة،
والنار المقدّسة،
وتابوت
العهد،
والأوريم
والتميم، وروح
النبوّة. لكن
هنا يرفعنا لا
إلى هيكل
زربابل بل
الهيكل الذي
أشار إليه
السيّد بكونه
جسده (يو 2). فما
أمجد الهيكل
الجديّد الذي
فيه تمت المصالحة
بين الآب
والبشريّة
خلال بذل الدم
(كو 1: 20)، لذا
يقول: "وفي هذا
المكان أعطى
السلام يقول
رب الجنود".
إن كان
الله قد أدب
شعبه بالسبي
فتحطّم هيكل سليمان
إنّما
ليردّهم
لبناء الهيكل
في مجد أعظم،
وهكذا
يؤدّبنا الرب
ليهبنا بهاءً
أفضل كما قال القديس
يوحنا الذهبي
الفم[11].
2.
الله يطلب
هيكل القلب:
جاءت
هذه النبوّة
لاحقة
للسابقة بعد
شهرين من
إعلانها،
فيها يوضح
إنّه إن كان
مجد الهيكل هو
حلّول الرب في
وسط شعبه، فإن
غاية الهيكل هو
تقديس القلب،
لذلك
يُطالبنا
ألاّ نُركز فكرنا
على المبنى الحجري
بل على القلب.
فإن أقمنا
الحجري بقلوب دنسه
فما المنفعة
منه؟! ويلاحظ
في هذه النبوّة
الآتي:
أولاً:
يطلب الله من
النبي أن يسأل
الكهنة عن
الشريعة [11] مع
إنّه نبي. فإن
كان الله قد
أرسل النبي ليحثّ
الكهنة
للعمل، لكنّه
يطالبه أن
يسأل الكهنة
عن تفسير
الشريعة،
وكأن كل عضو
في الكنيسة
يعمل مع الآخر
في العمل
الخاص به دون
أفضليّة
للواحد عن
الآخر إلاَّ
من جهة أمانته
فيما أوّكل
عليه، النبي في
نبوّة
والكاهن في
تفسير
الشريعة.
إن كان
عمل الكاهن
الرئيسي هو
تفسير
الشريعة،
وكما يقول القديس
جيروم: [عظيم
هو عمل
الكهنوت الإجابة
عن الأسئلة
الخاصة
بالشريعة...
ففي الواقع إن
النقص في
تعليم الكاهن
يعوقه عن عمل
الصلاح
للغير... وبقدر
ما يبني كنيسة
المسيح بفضائل
حياته يؤذيها
بالأكثر
بفشله في
مقاومة الذين
يسحبونها إلى
أسفل[12]].
ثانيًا: إن
حمل إنسان
لحمًا مقدّسا
في طرف ثوبه
ومس بطرفه
شيئًا ما لا
يُقدّسه،
لكنّه إن كان
قد تنجّس بميت
فما يمسه
ينجسّه. كأنّه
أراد تأكيد أن
العدوى تنتقل
إلى حياة
الآخرين في
الخطيّة أسرع
من القداسة.
لأن الهدم
أسرع من
البناء. وكأنّه
يسألهم أن
يهتمّوا
بصحتهم
الروحيّة
وتقديسهم لأن
كل مرض ونجاسة
ينتقلان وينتشران
بينهم سريعًا.
ثالثًا:
يقول "إن حمل
إنسان لحمًا
مقدّسا" ولم
يقل "ذبيحة
مقدّسة"،
فحينما
يصرّون على
الشرّ لا يقبل
الله منهم
بناء بيته
مهما بدا
فخمًا وجميلاً،
ولا يقبل
ذبائحهم بل
يراها
"لحمًا". إنّه
يطالبهم
بمراجعة
أنفسهم لئلا
فيما هم
ينشغلون في
البناء الخارجي
يفقدون تقديس
القلب، إذ
يقول: "فاجعلوا
قلبكم من هذا
اليوم
فراجعًا قبل
وضع حجر على
حجر في هيكل
الرب" [15].
رابعًا: إذ
لا يتقدّس
القلب فإنهم
حتى إن بنوا
هيكلاً للرب
في وسطهم لا
ينعمون
بالبركة، إذ
يقول: "منذ تلك
الأيام كان
أحدكم يأتي
إلى عرمة
عشرين فكانت
عشرة، أتى إلى
حوض المعصرة
ليغرف خمسين
فورة فكانت
عشرين، قد
ضربتكم
باللفح
وباليرقان وبالبرد
في كل عمل
أيديكم وما
رجعتم إليَّ
يقول الرب" [16-17].
فإن يأتي
إنسان إلى جرن
الحصاد
متوقعًا أن يجمع
عشرين
(مكيالاً) من
الحبوب إذا به
يجمع عشرة،
ويأتي إلى حوض
المعصرة
ليغرف خمسين
فورة من عصير
العنب فيجد
عشرين فقط،
أما النباتات
فيضربها
باللفح (هبوب
ريح عنيف)
واليرقات
(الآفات)
والبرد. هكذا
تقاومه الطبيعة
لعلّها تردّه
إلى خالقة.
3.
الهيكل
الجديد
والختم
الإلهي:
هذه
النبوّة
الأخيرة
أُعلنت في ذات
اليوم الذي
أُعلنت فيه
النبوّة
السابقة.
الأوّلى
يؤكّد فيها
الرب ضرورة توجيه
الأنظار إلى
هيكل القلب
وتقديسه حتى يمتلئ
المؤمن
بالبركة
وينعم بحلول
الرب داخله،
أما هنا
فيوجّه
الحديث إلى
زربابل
الوالي الذي
من نسل داود
معلنًا أنّه
يباركه
بتحطيم الأمم
الوثنيّة
المقاومة
وإقامته
خاتمًا للرب
بكونه
المختار من
قلبه.
إن كان
زربابل يمثل
السيّد
المسيح الذي
"ولد في بابل"
إذ حمل جسدنا
وجاء إلى
أرضنا ودخل معنا
حتى القبر،
لكنّه هو
الابن الوحيد
موضع سرور
الآب، فيه
صرنا مختاري
الله (أف 1: 4). فيه
ننعم بالغلبة
لا على أمم
بشريّة
بمركباتها
وخيلها،
وإنّما على
قوّات الظلمة
الشرّيرة.
بالمعموديّة
تنهزم تحت
أقدامنا
أعمال الإنسان
القديم كأمم
وثنيّة
منهارة وننعم
بالختم
السماوي،
الأمر الذي
اشتهته
العروس قائلة:
"اجعلني
كخاتم على
قلبك، كخاتم
على ساعدك" (نش
8: 6). به صرنا كخاتم
نحمل كرامة
السيّد وغناه
وسلطانه
الروحي، نشهد
له كعروس
إتحدت معه على
مستوى فائق.
[10] In I cor. hom 34:9.
[11] Letters to The Fallen Theodore 1:13.
[12] Ep. 53:3.