الأصحاح
السابع
درس
حول الصوم
كان
العمل في
إعادة بناء
الهيكل يسير بقوة
فأرسل أهل بيت
إيل يسألون
الكهنة إن كانوا
يمارسون
الأصوام التي
سبق لهم أن
فرضوها على
أنفسهم بسبب
السبي.
1. سؤال
أهل بيت إيل
[1–3].
2.
صوم بلا روح
[4–7].
3.
الصوم العامل
بالتوبة [8–14].
1.
سؤال أهل بيت
إيل:
في
السنة
الرابعة
لداريوس
الملك، أي عام
518 ق.م، كان
الشعب يعمل بهمة
عظيمة في
إعادة بناء
الهيكل وقد
ظهر ثمر هذا
العمل واضحًا
كما بدأت
علامات
الخراب تختفي
من أورشليم،
فأرسل أهل بيت
إيل مندوبين
هما شراصر
ورجم ملك
ورجالهم
يستشيرون
الكهنة الذين
في بيت الرب
والأنبياء إن
كانوا بعد
ظهور هذه
الحياة
الجديدة توجد
حاجة لممارسة
الصوم
والبكاء في
الشهر الخامس
(اليوم العاشر)
تذكارًا لحرق
بيت الرب (أر 52:
12-13؛ 2 مل 25: 8–10) أم
يتوقفون عنه؟
وكان هذا
السؤال يحمل
صورتين
مؤلمتين هما:
أن الصوم يمثل
ثقًلا في
حياتهم يودون
الخلاص منه،
وأنه كان غاية
في ذاته فلم
يكن يمارس
بروح التوبة
الداخلية
والتغيير
الحقيقي. لهذا
جاءت الإجابة
تحمل توبيخًا
من ناحية
وكشفًا عن
مفهوم الصوم الروحي
الحق.
2.
صوم بلا روح:
إذ
حمل السؤال
علامة ضيق
وتبرم من
جهتهم بسبب الصوم
كما حمل نوع
من الرياء
لهذا أجابهم
الرب أنه ليس
في حاجة إلى
أصوامهم، هم
حددوا هذا
الصوم باختيارهم
ومن حقهم
التوقف عنه
دون سؤال،
إنما كان يليق
بهم في صومهم
أن يمارسوه
بروح صادق وإن
توقفوا عنه أن
يفرحوا بعمل
الله معهم...
بمعني آخر إن
صاموا أو
أكلوا لم
يقدموا
تقدمات حب لله
بل مجرد
ممارسات
خارجية. هذا
ما عناه
بتوبيخه لهم: "لما
صمتم ونحتم في
الشهر الخامس
والشهر السابع
وذلك هذه
السبعين سنة
فهل صومًا ليّ
أنا؟ ولما
أكلتم ولما
شربتم أفما
كنتم الآكلين
وأنتم
الشاربين؟" [5-6].
هم
سألوا عن صوم
الشهر الخامس
فأجابهم
أيضًا عن صوم
الشهر السابع
الذي أقاموه
تذكارًا لقتل
جدليا والي
اليهودية
الأمر الذي
أدى إلى تشتيت
البقية
الباقية من
اليهود بعد
السبي (أر 41: 1-3)
وأكد أنهم
صاموا هذين
الصومين
وغيرهما مثل
صوم الشهر
العاشر تذكار
أول حصار
لأورشليم
بالمجانق
وصوم الشهر
الرابع تذكار
الاستيلاء
على المدينة
في عهد صدقيا
(أر 39: 2؛ 52: 6-7)،
وكأنه يقول
لهم أنا عارف
أصوامكم طوال
هذه المدة
لكنني لا أطلب
كثرة الأصوام
بل نوعيتها.
أنتم
مارستوها دون
الرجوع إلى
الرب ولا في طاعة
للوصايا إنما
لمجرد تهدئة
ضمائرهم.
كان
الصوم في
ذهنهم مجرد
امتناع عن
الطعام وليس
عن الشر،
وتمتع بالبر،
لذا يقول القديس
ديديموس
الضرير:
[يلزمنا أن
نضبط البطن
برباطات
المطانيات مع
الدموع! لكن
كم هو مدمر
للإنسان أن
يكون صومه كالرافضين
التمتع بخبز
الحياة (يو 6: 35)،
أي التمتع
بجسد يسوع
الخبز
الحقيقي
النازل من
السماء؟!].
يعود القديس
ديديموس
فيميز بين
نوعين من
الصوم مقدمًا
شهادة الكتاب
المقدس،
قائلاً: [فيما
يخص الصوم
الجيد جاء في
يوئيل: "قدسوا
صومًا نادوا
باعتكاف" (يؤ 1:
14؛ 2: 15). وفي موضع
آخر يعلن:
"صالحة هي
الصلاة مع الصوم
والصدقة
فإنها تنجي من
الموت" (طوبيت
12: 8-9). أما عن
الصوم
الرديء، فنجد
الأشرار
والكافرين
يتهمون الرب
قائلين:
"لماذا صمنا
ولم تنظر؟!
ذللنا أنفسنا
ولم تلاحظ؟!"
(إش 58: 3)؛ ويجيبهم
الرب بقوله:
"أمثل هذا يكون
صوم أختاره؟"
(إش 58: 5). فمن
يتفادي
الطعام الرديء
يلزمه مضاعفة
الأعمال
الصالحة.
بالحق يقول
الكتاب: "إن
تكسر للجائع
خبزك وأن تدخل
المساكين
التائهين إلى
بيتك، إذا
رأيت عريانًا
أن تكسوه وأن
لا تتغاضي عن
لحمك، حينئذ
ينفجر مثل
الصبح نورك
وتنبت صحتك
سريعًا" (إش 58: 7-8)].
3.
الصوم العامل
بالتوبة:
يؤكد
لهم الرب أن
حديثه عن
الصوم بعد
فترة السبعين
عامًا من الذل
هو بعينه
حديثه لهم على
يد الأنبياء
قبل السبي، لا
يطلب الأصوام
أو الأكل
والشرب
(الأعياد)
كهدف في ذاتها...
"أليس هذا هو
الكلام الذي
نادي به الرب
عن يد الأنبياء
الأولين حين
كانت أورشليم
مغمورة ومستريحة
ومدنها حولها
والجنوب
والسهل معمورين؟!"
[7]. كلمة الرب
لا تتغير في
وقت الضيق أو
وقت الرخاء،
إذ هو يطلب
الحياة المقدسة
عندئذ يقبل
أصوامهم كما
أعيادهم
ويشتم عبادتهم
رائحة سرور.
هكذا لا يفصل
الله بين السلوك
الروحي
والعبادة
الروحية لذا
يطالبهم بالآتي:
أولاً:
"إقضوا قضاء
الحق" [9]. إن كنا
نقدم الصوم
لكي ننعم بمراحم
الله، فلا
يليق بنا أن
نحكم بالظلم
على إخواتنا،
لئلا نسمع
كلمات الرب:
"حتى متي تقضون
جورًا
وترفعون وجوه
الأشرار؟!
إقضوا للذليل
واليتيم،
انصفوا
المسكين
والبائس" (مز 82:
2-3). لقد صرخ
حبقوق إلى
الرب، قائلاً:
"قدامي إغتصاب
وظلم ويحدث
خصام وترفع
المخاصمة
نفسها، لذلك
جمدت الشريعة
ولا يخرج
الحكم البتة،
لأن الشرير
يحيط بالصديق
فلذلك يخرج الحكم
معوجًا" (حب 1: 3-4).
بدأ
بالقضاء
بالحق، أي وجه
الحديث إلى
الرؤساء
الروحيين، إذ
يليق بهم قبل
أن يقرروا
الصوم أو
يتوقفوا عنه
الاحتفال
بالعيد
المفرح يلزمهم
مراجعة
حساباتهم في
حياتهم
العلمية هل
يمارسون
العدل فيسمع الله
لهم ويقبل
مشورتهم أم
يمارسون
الظلم فلا
ينتفعون
بالصوم ولا
بالأعياد!
ليتهم يتمسكون
بالعدل والحق
منصتين
لكلمات القديس
جيروم على
لسان الرب:
[أعطيتكم
سلطانًا على
قطيعي وعلى
شعب الله،
فكونوا قضاة
لا ذئاب[45]].
ثانيًا:
"إعملوا
إحسانًا
ورحمة كل
إنسان مع أخيه،
ولا تظلموا
الأرملة ولا
اليتيم ولا
الغريب ولا
الفقير" [9-10]. مع
الالتزام
بالعدل والحق
يلتزم أيضًا
بالإحسان
والرحمة كل
إنسان مع
أخيه. يليق
بنا أن نحمل
روح ربنا يسوع
المصلوب حيث
أعلن على
الصليب تعانق
العدل والرحمة
معًا. لقد وفى
الدين الإلهي
عنا معلنًا عدله
ورحمته بلا
تعارض. فلكي
يشتم الله
عبادتنا بما
فيها من أصوام
وأعياد يليق
بنا أن نسلك
بروح الحق بلا
إستهتار،
وبروح الحب
والرحمة بلا
قساوة أو
تجبّر.
يقدم
لنا القديس
جيروم
مثالاً
للتصرف الحسن
قائلاً: [بإن
الشرير يقوم
بأدوار كثيرة
كمن يمثل على
مسرح عندما
يكون جائعًا
يلبس قناع أسد
ليفترس،
وعندما يغتصب ممتلكات
الآخرين يلبس
قناع ذئب
وعندما يقتل يلبس
قناع قاتل
إلخ... هكذا مع
الفارق يليق
بالقديسين أن
تكون لهم
أقنعة مختلفة
لكنها صالحة.
عندما أُعطى
صدقة أكون كمن
يلبس قناع الإنسان
الحنون،
وعندما أحكم
بالحق ألبس
قناع القاضي
الصالح،
وعندما أحتمل
الضرر باتضاع
أحمل قناع
المتضعين...
مسكين هو
الإنسان الذي
له أقنعة
الشر، وسعيد
هو الذي له
الصلاح المتنوعة[46]. وبنفس
الفكر أقول
إننا في
الحياة نعيش
كمن يقوم
بأدوار
متعددة
وقصيرة، ألبس
ربنا يسوع المسيح
فيداخلي
فيكون هو قناع
الحق عندما
أقضي، وقناع
الأبوة
الصادقة
عندما ألتقي
بالأيتام
وقناع الحب
المترفق
عندما أتعامل
مع الفقير إلخ
...
إن
أردنا ممارسة
صوم مقبول لدي
الله أو
الاحتفال
بعيد مفرح له،
لنهتم بكل إخوتنا
خاصة الأرملة
واليتيم
والغريب
والفقير،
نحمل حبًا بلا
بغضة في القلب
حتي نحو
إخوتنا
المضايقين
لنا.
يقدم
لنا القديس
ديديموس
الضرير
مفاهيم روحية
للأرملة
واليتيم
والغريب والفقير،
فالأرملة
الممتدحة هي
التي فقدت
رجلها الشرير
الذي هو
الشيطان،
لتطلب عريسها
الحق ربنا
يسوع،
واليتيم
الصالح هو
الذي فقد أباه
الذي أنجبه في
الخطية إذ
يسمع الصوت
"إنسيّ شعبك
وبيت أبيكِ"
(مز 45: 10)، ليكون
له الرب نفسه
أبًا يقوده
إلى الأعالي.
فقد قيل عن
الله: "يعضد اليتيم
والأرملة" (مز
146: 9)، "أبو
اليتامى
وقاضي
الأرامل" (مز 68: 5).
إنه يهتم أيضًا
بالغريب الذي
ترك "عبادة
الأصنام"
موطنه القديم
لينطلق نحو
أورشليم
العليا، كما
يهتم بالفقير
الذي ترك كل
شيء وحسبه
نفاية ليربح المسيح.
هكذا
ليتنا ننطلق
مع هذه
الجماعة
المقدسة، النفوس
التي ترملت
لتربح العريس
السماوي،
وتيتمت لتقبل
الله أبًا
لها، وتغربت
لتنطلق إلى
السماويات،
وإفتقرت
لتقتني اللؤلؤة
الكثيرة
الثمن!
ثالثًا:
"ولا يفكر أحد
منكم شرًا على
أخيه في قلبكم"
[10].
يقول القديس
ديديموس
الضرير: [بعد
هذا التعليم
الخاص بعدم
ظلم
المحرومين من
العناية
والحماية
يؤكد الكتاب
بشدة أنه يليق
بنا أننسي
الإهانات لا بالكلام
فقط وإنما من
عمق القلب...
بنفس المعنى
نذكر قول
المخلص في
الإنجيل:
"فإنه إن
غفرتم للناس
زلاتهم يغفر
لكم أيضًا
أبوكم
السماوي" (مت 6:
14)].
لقد
قدم لنا السيد
المسيح مثل
الخادم
المدين بعشرة
آلاف وزنة (مت 18: 23-35)،
فإذ سامحه
سيده على دينه
كان يليق به
أن يعفو عن
أخيه، لكنه إذ
لم يعفو عنه
فقد نعمة
سيده. قد علق
السيد على
المثل بقوله:
"هكذا أبي
السماوي يفعل
بكم إن لم
تتركوا من
قلوبكم كل
واحد لأخيه
زلاته" (مت 18: 35).
رابعًا:
الطاعة
للوصية وسماع
صوت الرب، إذ
يقول: "فأبوا
أن يصغوا
وأعطوا كتفًا
معاندة وثقلوا
آذانهم عن
السمع، بل
جعلوا قلبهم
ماسًا لئلا
يسمعوا
الشريعة
والكلام الذي
أرسله رب الجنود
بروحه عن يد
الأنبياء
الأولين،
فجاء غضب عظيم
من عند رب
الجنود" [11-12].
هذا هو ملخص
شرهم كله
"عناد القلب
الداخلي"، الذي
يغلق باب
مراحم الله في
وجههم
ليسقطوا تحت
غضبه.
من جهة
السماع
للشريعة أو
الوصية يقول القديس
ديديموس
الضرير: [أوصى
الرب الذي
أعطاهم
الناموس بهذه
العبادة: "اصغ
يا شعبي إلى
شريعتي" (مز 77: 1)،
وان يتبع هذه
الدعوة: "يلهج
في ناموس الرب
نهارًا
وليلاً " (مز 1: 2)...
لتكن هذه
الكلمات التي
أنا أوصيك بها
اليوم على قلبك
وقصها على
أولادك وتكلم
بها حين تجلس
في بيتك وحين
تمشي في
الطريق وحين
تنام وحين تقوم
واربطها
علامة على يدك
ولتكن عصائب
بين عينيك
وأكتبها على
قوائم أبواب
بيتك
وأبوابك" (تث 6:
6-8). بطاعتنا
للوصايا
المعطاة لنا نحسب
أوفياء
وسامعين
للناموس. كيف
لا يكون بالحق
وافيًا
وسامعًا
مادام يحفظ
الكلام المقدس
في نفسه وقلبه
فيتكلم بها في
بيته كما في الطريق،
في نومه كما
في يقظته؟!
ففي نومه يقول
للعالم بكل
شيء، "إذا
ذكرتك على
فراشي في السهد
ألهج بك" (مز 63: 6).
وفي يقظنه
ينطق ذات
الشيء، إذ
يذكر في فكره
كلام ربنا
قائلاً بجسارة:
"يا الله،
إلهي أنت،
إليك أبكر" (مز
63: 1). وبنفس
الإشتياق
يقول مع النبي
إشعياء:
"بنفسي إشتهيتك
في الليل" (إش 26:
9)].
من لا
يسمع للشريعة
تكون له "كتفًا
معاندة"، أي
يعطي ظهره
للشريعة في
عناد، وكما يقول
القديس
ديديموس:
[يحدث هذا
عندما نكون
مغروسين في
الشر فنستحق
توبيخات
المزمور 49:
"للشرير قال
الله: مالك تحدث
بفرائضي
وتحمل عهدي
على فمك وأنت
قد أبغضت
التأديب
وألقيت كلامي
خلفك؟!" (مز 49: 16-17)...
من يعطي ظهره
لكلام الرب
يتجاهله بدون
إحساس حتى أنه
يدير ظهره
لواهب هذا
الكلام. إنهم
مجانين
ومملوئيين
حماقة إذ
يشتمون الرب
واضع الشريعة
بمخالفتهم
لناموسه،
وكما يقول
الرسول: "الذي
تفتخر
بالناموس
أبتعدى
الناموس تهين
الله؟!" (رو 2: 23)...
إنهم يعطون
ظهرهم للذي
يكلمهم
"حولوا نحوي
القفا لا الوجه"
(أر 2: 27)، مع أنه
كان يجب على
العكس أن
يقدموا الوجه
لخالق كل شيء...
"إليك رفعت
عيني يا
ساكنًا في
السموات" (مز 123:
21)، وأيضًا:
"عيناي
دائمًا إلى
الرب لأنه هو
يخرج رجلي من
الشبكة" (مز 25: 15)].
من لا
يسمع للشريعة
تكون له أيضًا
آذان ثقيلة
عن السمع،
وكما يقول القديس
ديديموس: [إن
الكتف المعاندة
هي ثمرة الأذن
الثقيلة عن
السمع، وليس
أُذن الجسد بل
أُذن النفس.
لقد قيل: "زاغ
الأشرار من
الرحم، ضلوا
من البطن
متكلمين كذبًا،
لهم حمة مثل
حمة الحية،
مثل الصل
الأصم يسد
أُذنه الذي لا
يستمع إلى صوت
الحواة
الراقين رقي
الحكيم" (مز 58: 4-6).
"كيف لا يكون
عنيدًا وأصم
من يثقل أذنه
ويسدها، الذي
من ولادته هو
غريب عن الرب
متكلمًا
بالكذب وهو في
البطن؟! يمكن
أن ينطبق هذا
أيضًا بطريقة
رمزية على
الذين صاروا
غرباء منذ
ولادتهم عن
الكنيسة
أمهم،
إبتعدوا عنها
مفضلين
الأكاذيب منذ خروجهم
من البطن،
سدوا آذانهم
مثل الحية فصارت
طاقتهم في عمل
الشر وبث
السم].
يرى
أيضًا القديس
ديديموس أن
إشعياء النبي
يشهد عن هذه
الآذان
الثقيلة عن
السمع الخاصة
بالنفس،
فيقول: "غلظ
قلب هذا الشعب
وثقل أذنيه
وأطمس عينيه
لئلا يبصر بعينيه
ويسمع
بأُذنيه
ويفهم بقلبه
ويرجع فيُشفى"
(إش 6: 10). "فإنهم
إذ يتلذذون
بدوامة الشر
والكفر التي
إختاروها لأنفسهم
فتثقلت
آذانهم
وإنطمست
أعينهم وغلظ قلبهم
فلا يسمعون
الحديث عن
الفضيلة
ومعرفة الحق
القادرة أن
تجعلهم فضلاء
وتردهم إلى ذاك
الذي إبتعدوا
عنه، هذا الذي
يستطيع أن
يشفيهم من
العمي وعدم
السمع ..."].
ويلاحظ
في الحديث الذي
بين أيدينا
تأكيد الحرية
الإنسانية، فبكامل
إرادته أبوا
أن يسمعوا،
وثقلوا آذانهم
إلخ... الأمر
الذي يؤكده
الكتاب
المقدس بعهديه.
خامسًا: يرد
الله عدم
سماعهم له
بعدم سماعه
لهم، إذ يقول: "فجاء
غضب عظيم من
عند رب
الجنود، فكما
كان ينادي هو
فلم يسمعوا
كذلك ينادون
هم فلا أسمع
قال رب الجنود
وأعصفهم إلى
كل الأمم
الذين لم
يعرفوهم
فخربت الأرض
وراءهم لا
ذاهب ولا آئب
فجعلوا الأرض
البهجة
خرابًا" [12-14].
الله
في محبته يهدد
بالغضب حتي إذ
نصرخ إليه: "لا
تسخط كل السخط
يا رب" (إش 64: 8)،
"هل إلى الدهر
تسخط علينا؟!
هل تطيل غضبك
إلى دور
فدور؟! (مز 85: 6)،
نجد نعمة في
عينيه. فالرب
في غضبه كما
يقول: القديس
ديديموس
الضرير لا
ينتقم لنفسه
وإنما يعاقب
لكي يجعلنا
فضلاء،
واضعًا نهاية
للخطية كمرض
أصابنا أو
جراحات فينا،
فإنه "يريد أن
جميع الناس
يخلصون وإلى
معرفة الحق
يقبلون" (2 تي 2: 4).
فبغضه يكشف عن
اهتمامه
بخلاصنا، لذا
قيل: "عندما
يأتي غضبي
أشفيه من
جديد" (إش 7: 4)،
كما يقول من
شُفى من
جراحاته:
"أحمدك يا رب
لأنه إذ غضبت
عليَّ إرتد
غضبك
فتعزيني" (إش 12: 1).
يقول القديس
ديديموس
الضرير: [إن
غضب ربنا إذ
يأتي معه حصاد
الخير ليس بشر
بل هو لازم.
إنه عمل طبيب
الأرواح الذي
"يشفي كل مرض وكل
ضعف في الشعب"
(مت 4: 23)... كطبيب
فهيم صانع
الخيرات
يستخدم
علاجًا
مؤلمًا
وبغيضًا، كما
يشهد النبي...
"هو أيضًا
حكيم ويأتي
بالشر ولا يرجع
بكلامه" (إش 31: 2)].
إنه
يؤدبهم
معلنًا "وأعصفهم
إلى كل الأمم
الذين لم يعرفوهم"
[14]، مع أنه لم
يُشتتهم في
ذلك الحين في
كل العالم
وإنما سمح
بأسرهم
بواسطة أشور
وبابل وهما أمتان
معروفتان لهم
في ذلك حين،
مما يدل على
أن التهديد قد
حمل نبوة
واضحة لما
يحدث لهم برفضه
السيد المسيح
وعصيانهم له
فيتشتتوا في
العالم كله،
بين أمم لم
يكونوا بعد قد
عرفوها.
ما هذه
الأمم التي
يسقط تحت
أسرها
الإنسان برفضه
الإيمان
بالله إلاَّ
الشرور
المتنوعة كقول
الكتاب:
"أسلمهم الله
أيضًا في
شهوات قلبهم
النجاسة" (رو 1:
24)، "أسلمهم
الله إلى ذهن
مرفوض لأنهم
لم يستحسنوا
أن يبقوا الله
في معرفتهم"
(رو 1: 28). فبرفض البشر
معرفة الله
تتخلى عنهم
نعمة الله
فيسقطون تحت
أسر الخطايا
ويقال عنهم:
"مملوئين من كل
إثم" (رو 1: 29)، هذه
هي الأمم
الغريبة عن
طبيعة الإنسان
التي خلقها
الله على
مثاله!
بسبب
العناد تُخرب
الأرض وتتحول
بهجتها إلى خراب،
ولا يكون بها
ذاهب ولا آئب،
هكذا بالخطية
يفسد الجسد
(الأرض)
وتتحول حياة
الإنسان إلى
حياة غمّ
وعقم، فاقدًا
السلام الداخلي
والبهجة
القلبية
والثمر
الروحي.
[45]On Ps. Hom 14.
[46] Ibid.