القديس مار كوركيس الشهيد بين الأسطورة والواقع

مار كوركيس هو أحد أبطال الكنيسة الذي ولد في الربع الأخير من القرن الثالث واستشهد عام 307 م على يد الطاغية دقلديانوس . كرمت الكنيسة الجامعة هذا القديس بشكل عام والكنيسة الكلدانية بشكل خاص , فسُميت كنائس كثيرة باسمه ومنها كنيستان في بغداد ودير في الموصل في منطقة ( بعويرا) . أما كنائس ابرشية العمادية فهناك كنيسة مانكيش والتن وفي ابرشية زاخو ودهوك فهناك كنيسة فيشخابور وشيوز وكذلك بالنسبة الى ابرشيات الموصل والقوش واربيل ...الخ. أضافة الى كنائس الكلدان في المهجر. كما كُرِّم هذا القديس بتخصيص يوم عيد له تخليداً لذكراه فتقام القداديس والأحتفال بمهرجانات خاصة تسمى ب ( شيري) , حيث تقدم كل عائلة نذورها فتجتمع معاً وتطبخ لتكوين مائدة مشتركة من أكلته الشهيرة المسمى (هريسة دمار كيوركيس). وهذه المناسبات لن تقتصر في تلك القرى فقط بل جالياتها في العالم تقدم نفس النذر وفي يومه تعبيراً عن حبها وأيمانها بهذا الشفيع العظيم .


قصة مار كوركيس كنا نسمعها في قرانا فكانت تتلى علينا من كتيب باللهجة الكلدانية تبدأ القصة: كان بعد سوريا مدينة اسمها بيروت وبعدها تأتي قصة التنين . نفهم من هذا بأن كاتب القصة كان عراقياً وذلك لأن سوريا تقع بين العراق ولبنان , لكن القصة كانت تبدوا وكأنها أسطورة من نسج خيال الكاتب حيث هناك تنين متحدي ظهر في نبع العين الذي يسقي بيروت واشترط التنين بشكل أو بآخر مع أبناء المدينة لكي يفتح لهم الماء مقابل بنت شابة ومعها طبق طعام . سؤال وماذا لو ارسل له ولداً هل كان يعلم فيعارض أو يرفض ؟
أما ملك المدينة فطلب من أهلها بأن تكون أبنته الوحيدة خاتمة بنات بيروت , لكن رغم ذلك وصل دورها ووصل القديس الى العين أيضاً فبدأت المعركة بقتل التنين بالرمح وأنقاذ الشابة من أنياب الموت بللت بنت الملك كفها بدم التنين ولطخته على ثوب القديس لمقابلة والدها لغرض تكريمه. لا نعلم كيف كتبت هذه القصة وفي أي زمن ؟ هل أن الكاتب الفها من أيقونة القديس التي رسمها أحد الفنانين ؟ وهل هناك تنين فعلاً في مناطقنا ؟ الجواب كلا لا يوجد مثل هذا الحيوان لا قديماً ولا في زمن المسيح ورسله ولن يكتب أحداً عن التنين شيئاً عدا يوحنا الرائي في سفر الرؤيا, وما رآها في الروح وليس في الجسد, كتبه لكي يرمز لاهوتياً الى ما يقصد . فالتنين يرمز الى الوثنية أو الى الأبليس عدو الكنيسة .
أذن لنضع تلك القصة جانباً, ونبحث عن رموز أيقونة مار كوركيس الشهيرة التي أصبحت شعاراً معروفاً على مستوى الكنائس الكاثوليكية والأرثودكسية . نشاهد فيها مار كوركيس ممتطياً صهوة جواده الأبيض ومُتسلحاً كمقاتل كما نقرا من تعابير وجهه بأنه كان مستعداً بكل شجاعة وثقة . وهكذا الحال الى حركات فرسه في لحظات الطعن .
مار كوركيس الضابط والقائد العسكري المسلح يرمز الى الرب يسوع ذلك المنتصر الذي غلب العالم ، فقال لرسله : ( ثقوا أني قد غلبت العالم ) سلاح القديس مار كيوركيس كان الرمح والدرع والخوذة ،
وهذه هي الأسلحة المطلوبة للقتال في المسيحية وعلى كل مؤمن أن يتسلح بها لكي يقاتل عدوه بدقة وثبات , لكن هذه الأسلحة والتي ذكرها الرسول مار بولس هي سلاح النور , والنور هو الرب يسوع فقال عنها الرسول بولس : ( البسوا الرب يسوع المسيح\" أي تمثلوا به\" ), أنه سلاح الله الكامل , به نقاوم الشر, حيث الدرع الذي يغطي منطقة الصدر يرمز الى البر والقداسة في القلب والأستعداد الكامل لنشر بشارة السلام , والسلام هو حذاء للأقدام . أما خوذة الرأس فترمز الى الخلاص . أما الرمح والسيف
فيرمزان الى كلمة الله الحي أي سيف الروح الذي بها يطعن العدو, وليس السيف الذي قصده الرسول بطرس لفهمه الخاطىء لكلام الرب فقطع به أذن عبد رأس الكهنة. أذن سيفنا هو صليبنا ورمز الصليب هو التضحية, لكي نضحي من اجل خلاص محبينا كما فعل الذي أحبنا قبل أن نحبه. أي نأخذ من ال(أنا) التي هي لنا ونعطي الى الآخر لكي يخلص أي الى ال(انت) لكي نكون (نحن) بالمحبة فنكون معاً في الكنيسة الجامعة .أذن سيفنا هو سيف المحبة لأن حربنا ليست ضد ذوي اللحم والدم بل ضد الرئاسات ضد أسياد العالم حكام هذا الظلام . ضد قوى الشر الروحية \" أفسس 6/ 11-17\" . أما البيت والفتاة في الأيقونة فيرمزان الى الكنيسة المقدسة عروس المسيح , فبنت الملك العروس المرتدية ثوبها وحلتها وتاجها تنتظر متى يأتي عريسها المسيح ليخلصها , هنا نجد مار كوركيس كان رمزاً للمسيح لكي يخلص تلك العروس .

أما الفرس الأبيض فراكبه هو الأبن الصادق الذي يقض ويحارب بالعدل\" رؤ 19/ 11\" . هنا أيضاً يرمز القديس الراكب على الحصان الأبيض ليقتل التنين الى الرب الذي قاتل التنين المتمثل بالوثنية وعبادة الأصنام والسجود لها كما تقول الآية: ( وسجد الناس التنين لأنه رهب الوحش سلطته, وعبدوا الوحش وهم يقولون:\"من مثل هذا الوحش؟
ومن يجرؤعلى محاربته؟ \" الرب حاربه وغلب مملكته. نعم قتل الشيطان \" التنين\" فخرج الماء من النبع الى العالم كله حيث ماء النبع يرمز الى كلمة الحياة التي أنتشرت في العالم . قتل التنين فماتت الوثنية , كذلك مات الموت معها بموت الرب وقيامته . إذن قصة مار كوركيس ترمز الى الرب الذي حارب مملكة الشر وغلبها بكلمته واستشهاده على مذبح الصليب وقيامته , هكذا كان ماركوركيس مثالاً في البطولة والنصر والأستشهاد لذا أختارت الكنيسة المقدسة عيده كأول عيد بعد ذكرى قيامة الرب , وذلك في يوم 24- نيسان من كل عام .


سيرته الذاتية


ولد مار كوركيس بالقبادوقية من أب عسكري أسمه أنسطاسيوس وأم تدعى ناؤبستا. ولما صار أبن العشرين سنة توفي والده فتقلد وظيفته في عهد دقلديانوس الذي كفر وأمر بعبادة الأصنام. فحزن القديس ففرق أمواله على الفقراء وصرف عبيده وتقدم الى الملك معترفاً بالمسيح له المجد بعد أن رأى منشورات الملك ضد المسيحية فثار سخطه عليها فمزقها , فصرخ مار كوركيس أمام الأمبراطور وسط ديوانه قائلاً: ( الى متى تصبون غضبكم على المسيحيين الأبرار؟ وتكرهون الذين عرفوا الأيمان الحقيقي على أن يتبعوا الديانة التي أنتم في شك منها لأنها باطلة ؟ فأما أن تؤمنوا بها أو لا تقلقوا بحماقة المتعبّدين للمسيح . حاول الملك تهدئته عن طريق وزيره وكما وعده بمزيد من الرتب العسكرية اذا جحد مسيحه. فرض العروض الزائلة . فعذبه كثيراً . لكن الرب كان يشفي كل جروحه, فأحتار الملك في تعذيبه فاستحضر ساحراً اسمه أثناسيوس, وهذا أحضر كأساً من السم وتلا عليه أقواله السحرية ثم قدمها للقديس ، رسم القديس علامة الصليب المقدس على الكأس وشربها ولم ينله أذى فآمن الساحر بالرب يسوع عندها أغتاظ الملك فقطع رأسه وناك اكليل الشهادة .

عندئذٍ غضب الملك فأمر بعصر القديس حتى أسلم الروح ، فطرحوه خارج المدينة ، لكن الرب يسوع أقامه حياً, وعاد أيضاً الى المدينة . فرآه الجميع وآمن بسببه في تلك اللحظات ثلاثة آلاف وسبعمائة نفس. أمر الملك بقطع رؤوسهم فنالوا جميعهم أكليل الشهادة . حضر عند دقلديانوس بعض الملوك. فقالوا للقديس

:نريد أن تجعل هذه الكراسي تورق وتثمر فصلى الى الرب فأستجاب له. أخذوه بعد ذلك الى مقبرة وطلبوا منه أن يقيم من بها فصلى الى يسوع المسيح فأقامهم وتحدثوا اليهم ثم عادوا فرقدوا . قدمت له أمرأة فقيرة أبنها الأعمى والأصم والأخرس , فصلى عليه ورشم الطفل بالصليب . فشفى من جميع أمراضه . استمر دقلديانوس في تعذيبه فتعب ومل فأخذ يلاطفه فوعده بزواج أبنته اذا بخر للآلهة , فخادعه القديس بأنه قبل العرض ففرح الملك وأدخله القصر. وبينما كان يصلي سمعته الملكة وهو يقرأ المزامير فطلبت منه تفسيرها فوضح لها كل شىء من بدأ الخليقة الى تجسد المسيح فآمنت بالرب يسوع .

كان الملك مشغولاً بأمر أبلاغ سكان المدينة للحضور لكي يروا مار كوركيس وهو يبخر لآلهة الملك . فلما أجتمع الجميع عند الأصنام وقف مار كوكيس وصرخ في الأصنام بأسم الرب يسوع مخلص العالم ففتحت الأرض فاها وابتلعت جميع الأصنام ، فخزى الملك ومن معه. فدخل حزيناً الى قصره فقالت له الملكة: ( ألم أقل لك لا تعانده لأن ألهه قوي؟) . فعلم من كلامها بأن القديس قد أمالها هي الأخرى الى الأيمان فدفعه الغيظ الى أن أمر بتمشيط جسمها وقطع رأسها فنالت أكليل الشهادة . أخيرأً رأى دقلديانوس أن يضع حدأ لتلك الفضائح التي تلحقه, فقرر قطع رأس القديس ، فنال ماركوكيس أكليل الشهادة . أخذ جسده المبارك أحد المسيحيين ولفه بأكفان فاخرة ومضى به الى بلده , وبنوا على اسمه كنيسة كبيرة