إن الله هو الرحيم الحنون، الذي لا يتصيد أخطاء الإنسان ليميته، بل يعطي كل إنسان الفرص الكافية تمامًا لخلاصه، وهو لا يظلم أحداً، ولا يعرف محاباة، ولا يضحّي بنفس واحدة لأجل أخرى، أو حتى لأجل الجماعة، لأنه قادر على الخلاص دون معونة أحد. أما قضاؤه بانتهاء حياة إنسان في توقيت معين، أو في ظروف معينة، فذلك يرجع لمعرفته وحكمته العالية، التي قد لا ندركها، ولكننا نؤمن به كإله قدوس، لا حد لقدرته وقداسته. فيما يلي نشرح ذلك بأكثر تفصيل في النقاط التالية:
أولًا: الله الرؤوف الرحيم الذي لا يشاء هلاك أحد:
- قيمة النفس الواحدة:
إن الله لا يشاء هلاك الإنسان، لأن الله محبة، ومَن مِن العقلاء يقبل ألا يصون الصانع صنعة يديه؟! فلماذا صنعها إذًا؟! وهل خلق الله الإنسان ليهلكه؟! بالطبع لا. إنه من المستحيل أن يُهمل أو يَحتقر الله إنسانًا مهما بدا هذا الإنسان حقيرًا في عيون الناس كقول الكتاب عنه: "هُوَذَا اللهُ عَزِيزٌ، وَلكِنَّهُ لاَ يَرْذُلُ أَحَدًا. عَزِيزُ قُدْرَةِ الْقَلْبِ" (أي٣٦: ٥). لقد أكَّد الرب هذه الحقيقة في مَثَل الخروف الواحد، الذي ضلَّ من وسط مئة خروف قائلًا: "مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ عَلَى الْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ الضَّالَّ؟" (مت١٨: ١٢). وإن كان الراعي صمم على رد خروفه الضال، ولم يتركه للهلاك بحجة امتلاكه تسعة وتسعين خروفًا، فهل يضحّي الله بحنانيا وسفيرة، خلقة يديه، إن كان هناك أمل في خلاصهما؟!
- فرص التوبة كثيرة ولا تعد:
يتأنى الله على الإنسان طيلة أيام غربته على الأرض، ويقتاده بطرق كثيرة للتوبة والرجوع من طريق ضلاله، ومن أبسط الأدلة على ذلك قول الوحي الإلهي عن احتمال الله لتذمرات، وعصيان شعبه أربعين سنة في البرية: "وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، احْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ" (أع١٣: ١٨). لقد شرح أليهو لصديقه المتألم أيوب البار عمل الله الدائم في قيادة الإنسان إلى التوبة، موضحًا أن الله يرشد الخاطئ ليتوقف عن شره، وعندما لا يلاحظ (لا يستجيب) يكلمه بطريقه أخرى، ثم يكرر الله نصحه للخاطئ مرة تتلوها أخرى (لعله يستجيب)، وعندما لا يستجيب يكلمه الله من خلال تأديبه، وكل هذا لكي لا يهلك الإنسان كقول الوحي الإلهي:"لكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ. فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، فِي النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ، وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ، لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْحُفْرَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ الزَّوَالِ بِحَرْبَةِ الْمَوْتِ" (أي٣٣: ١٤- ١٨).
- الله لا يسلم أحداً للموت إلا ابن الهلاك:
أعلن الرب صراحة حرصه الشديد على خلاص كل إنسان مهما كانت كثرة خطاياه. لقد مات الرب يسوع على الصليب لأجل العالم كله، وأظهر استعداده لقبول الخطاة، حتى ولو كانوا من صالبيه. وقد قبل الرب اللص اليمين، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، واعدًا إياه بفردوس النعيم. إن الرب يحفظ المؤمنين، ولا يسمح بهلاك أحد منهم، إلا ابن الهلاك كقوله: "حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ فِي اسْمِكَ. الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ" (يو١٧: ١٢). إن الدراسة المتأنية للكتاب المقدس تٌظهر من هو ابن الهلاك كما يلي:
- هو من لا رجاء، ولا أمل منه، لأنه لو كان هناك منه رجاء لما يتركه الله ليهلك، بحسب وعده القائل: "قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ" (مت١٢: ٢٠).
- هو من رفض الحياة، وأحبَّ الخطية، وما يتبعها من لعنة، كقول المزمورعن يهوذا الإسخريوطي: "وَأَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ. وَلَبِسَ اللَّعْنَةَ مِثْلَ ثَوْبِهِ، فَدَخَلَتْ كَمِيَاهٍ فِي حَشَاهُ وَكَزَيْتٍ فِي عِظَامِهِ" (مز١٠٩: ١٧- ١٨).
ثانيًا: عدل ونزاهة قضاء الله:
إن اتهام البعض الله بإماتة حنانيا، وزوجته سفيرة بلا سبب كاف ليشيع الخوف، والمهابة في الجماعة هو اتهام باطل، لأن خطيئتهما مُثبتة عليهما. أما الادّعاء بأن حكم الله كان قاسيًا عليهما فهو افتراء يتنافى مع عدالة الله كقول الكتاب: "لأَجْلِ ذلِكَ اسْمَعُوا لِي يَا ذَوِي الأَلْبَابِ. حَاشَا ِللهِ مِنَ الشَّرِّ، وَلِلْقَدِيرِ مِنَ الظُّلْمِ. لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُنِيلُ الرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ. فَحَقًّا إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءًا، وَالْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ" (أي٣٤: ١٠-١٢). إن عدل الله ليس مجالًا للشك، وفيما يلي نشرح ذلك بأكثر تدقيق:
- مالك الكون العظيم لابد أن يكون عادلًا:
لقد رفض الوحي الإلهي هذا الاتهام موضّحًأ استحالة إدارة هذا الكون العظيم بواسطة من يبغض الحق (ظالم) قائلًا: "أَلَعَلَّ مَنْ يُبْغِضُ الْحَقَّ يَتَسَلَّطُ، أَمِ الْبَارَّ الْكَبِيرَ تَسْتَذْنِبُ؟ أَيُقَالُ لِلْمَلِكِ: يَا لَئِيمُ، وَلِلْنُدَبَاءِ: يَا أَشْرَارُ؟" (أي 17 : 18). وإن كان لا يليق بالملك أن يُتهم بهذا الاتهام لافتراض نزاهته، مع أنه بشر قد يخطئ، فهل يليق اتهام الله بهذا؟!
- الله لا يضحّي بالواحد لأجل الجماعة:
اعتادت الأمم الوثنية على تقديم الذبائح البشرية لآلهتهم طمعًا في جلب الخير. لكن الله الذي بذل ابنه الوحيد عن البشر، قد أعلن مرارًا عن رفضه لذلك، ناهيًا شعبه من ممارسة هذا الشر كقول إرميا النبي: "وَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتِ تُوفَةَ الَّتِي فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ لِيُحْرِقُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِالنَّارِ، الَّذِي لَمْ آمُرْ بِهِ وَلاَ صَعِدَ عَلَى قَلْبِي" (إر٧: ٣١)، فحاشا لله أن يُضحي بالفرد في سبيل الجماعة، وذلك لأنه لا يقبل ضررًا لإنسان. لقد رفض الله هذا الأمر، عندما طلب موسى النبي من الله محو اسمه من الحياة في سبيل غفران خطايا شعبه وأجابه قائلًا: "وَالآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ، وَإِلاَّ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ". فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: "مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي" (خر٣٢: ٣٢-٣٣).
- الله لا يحابي أحداً:
يحابي الإنسان الآخرين إرضاءً لهواه، أو طمعًا في نفعٍ من وراء محاباته لهم، أو مجاملة لهم، ولكن الله ليس له هوى يدفعه لتعويج القضاء كالبشر، وهو أيضًا لا ينتظر نفعًا من الإنسان، ولا يجامل إنسانًا، ولا هو محرجًا من إنسان، قد سبق وأعطاه عطية كقول الكتاب "أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟" (رو١١: ٣٥). إن الله لا ينحاز لأحد أكثر من أحد، ولا يَكِيلُ بمكيالين لأن هذا ظلم لا يقبله الله القدير، كقول الوحي الإلهي: "لأَجْلِ ذلِكَ اسْمَعُوا لِي يَا ذَوِي الأَلْبَابِ. حَاشَا ِللهِ مِنَ الشَّرِّ، وَلِلْقَدِيرِ مِنَ الظُّلْمِ. لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُنِيلُ الرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ. فَحَقًّا إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءًا، وَالْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ" (أي٣٤: ١٠-١٢). ولماذا ينحاز الله لبطرس الرسول أكثر من حنانيا وسفيرة، مع أن نفس حنانيا وسفيرة كنفس بطرس الرسول كقول الكتاب: "الَّذِي لاَ يُحَابِي بِوُجُوهِ الرُّؤَسَاءِ، وَلاَ يَعْتَبِرُ مُوسَعًا دُونَ فَقِيرٍ. لأَنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ عَمَلُ يَدَيْهِ" (أي٣٤: ١٩).
- القاضي العادل لابد له من الإلمام بالمعرفة:
إن معرفة الحقائق بتفاصيلها بدقة آداة لازمة لإصدار الحكم المناسب على المتهم، وهل من المنطق أن يعترض أحد بدعوى قسوة حكم قضائي دون معرفة؟! ولهذا لا يمكن لأحد من البشر أن يَدعَّي تبرئة من قضى الله بإدانته (حنانيا وزوجته)، أو العكس، وذلك لأن البشر لا يمكنهم أن يغوصوا فيما وراء المنظور؛ ليعرفوا نيات القلب، ويقرروا من هو ابن الهلاك، ومن هو المستحق لفرصة توبة أخرى، ولكن الرب يعلم من هو له، ومن هو ابن الهلاك كقول معلمنا يوحنا الحبيب: "لكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ. وَلأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي الإِنْسَانِ" (يو٢: ٢٤- ٢٥).
- عدل الله ورحمته يتوافقان تمامًا، ولا تعارض بينهما:
من له سلطان أن يعطي فرصة للتوبة هو أيضًا، الذي يحدد ميعاد اكتمال كثرة مراحمه، واستيفائها. إن مراحم الله، وكثرة رأفته تتوافق، وتتناغم مع عدله؛ ذلك لأن عدل الله لا ينتقص من رحمته شيئًا، ولا رحمة الله تضر بعدله، وهذا هو الكمال بعينه. إن كمال الله يعني أنه كامل في كل الصفات، ولا تطغى فيه صفة على حساب أخرى. لقد أكد الكتاب هذا الاعتقاد قائلًا: "الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا" (مز٨٥: ١٠)،
ثالثًا: بعض مفاهيم وخصائص الموت:
إن الموت أمر سيادي يخص الله وحده، ولا يمكن لأحد من البشر أن يدرك مقاصد الله وحكمته مما حدده من أوقات، ومواعيد انتهاء حياة الإنسان، وليس لأحد الحق في الاعتراض على إنهاء الله حياة حنانيا وزوجته سفيرة في ذلك الوقت، أو أي إنسان آخر. ذلك أن الموت لابد أن يأتي ولا يمكن لأحد التنبؤ بميعاد مجيئه. لقد شبهه الرب باللص، الذي يجب الاستعداد لساعة مجيئه قائلًا: "وَإِنَّمَا اعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي السَّارِقُ لَسَهِرَ، وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ" (لو١٢: ٣٩). لكننا في النقاط التالية نلقي مزيدًا من الضوء على ذلك:
- وجوب إغلاق باب التوبة بالموت:
يظل باب التوبة مفتوحًا أمام بني البشر حتى النفس الأخير من حياتهم، لكن ذلك الباب لابد أن يأتي وقت يغلق فيه. إن التوبة فرصة يعطيها الله لبني البشر فترة حياتهم على الأرض فقط، وبعدها لا ينفع ندم، ولا توجد وسيلة يُغيِّر بها الإنسان حالته الشريرة، التي أنهى بها حياته كقول الحكيم: "إِذَا امْتَلأَتِ السُّحُبُ مَطَرًا تُرِيقُهُ عَلَى الأَرْضِ. وَإِذَا وَقَعَتِ الشَّجَرَةُ نَحْوَ الْجَنُوبِ أَوْ نَحْوَ الشَّمَالِ، فَفِي الْمَوْضِعِ حَيْثُ تَقَعُ الشَّجَرَةُ هُنَاكَ تَكُون" (جا١١: ٣). لقد صلى داود النبي طالبًا من الله الرحمة، والقبول قبل الموت الذي لا تُقبل فيه الصلاة والتوبة قائلًا:"عُدْ يَا رَبُّ. نَجِّ نَفْسِي. خَلِّصْنِي مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ. لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي الْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟" (مز٦: ٤-٥)
- الموت ميعاد لا يعرف له الإنسان:
لم يحدد الله ميعاد انتهاء عمر الإنسان؛ فالموت قد يأخذ رضيع ابن ساعات، أو قد يتمهل على كهل ملقى على فراشه لسنوات. إنه كلص يأتي دون ميعاد، وليس من حق إنسان أن يلوم بحجة أن الموت قد أتاه مبكراً قبل الأوان، لأن مانح الحياة له الحق في أخذ عطيته متى شاء، دون إذن، وعلى العاقل أن يستغل الفرصة ويستثمرها. لقد شبه الرب انتهاء عمر الإنسان في أي وقت بقوله: "لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ. لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: "سَلاَمٌ وَأَمَانٌ"، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ" (١تس٥: ٢-٣).
- الموت ليس بديلًا لدينونة الله في اليوم الأخير:
إن ظروف، وأسلوب نهاية حياة الإنسان (موته) ليس بديلًا للعقاب الأبدي، لأن الأشرار لابد أن يُدانوا في اليوم الأخير، كقوله: "وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ" (عب٩: ٢٧). كما أنه من الضروي التفريق بين أسلوب، أو طريقة موت الإنسان، ومصيره الأبدي؛ فكثيرون قد انتهت حياتهم بطريقة مأساوية أمثال الشهداء، لكنهم أبرار بشهادة الوحي الإلهي، ولهم المواعيد السماوية كقول الكتاب: "رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ، وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقًّا لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَال وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ" (عب١١: ٣٧-٣٨).
أخيرًا:
الحقيقة إننا لا يمكننا أن ندرك أحكام الله، وطرقه لخلاص الناس في زماننا الحاضر كقول الوحي الإلهي: "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!" (رو١١: ٣٣). ولكن من المفيد جدًا لخلاصنا أن نُذكّر أنفسنا بعظمة القضاء، كعمل لا يمكن أن يقوم به كل أحد. فإن كان الأمر على المستوى البشري كذلك؛ فكم بالحري قضاء الله، وأحكامه الإلهية من يمكنه أن يدركها؟!
ولكننا نتساءل لماذا لا يتعظ الإنسان ببساطة، ويخاف من خطيئة الرياء والنفاق (الكذب على الروح القدس)، التي اقترفها حنانيا وزوجته سفيرة؟ أليس ذلك أنفع وأجدى من أن يُقيٍّم الإنسان الضعيف أحكام الله، وتدبيره العجيب، والتي لا يمكن إدراكها بسهولة؟! ليتنا إذًا ننتظر حتى يكشف لنا الله ما عسر علينا من أمور عالية كنصيحة معلمنا بولس الرسول: "إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ..." (١كو٤: ٥).