(لأن الرب عالٍ ويرى المتواضع، أما المتكبر فيعرفه عن بعد"(مز138).. "غير مهتمين بالأمور العالية بل منقادين إلى المتضعين"(رو16:12"
أصدر أوغسطس قيصر أمره باكتتاب كل المسكونة، فذهب الجميع ليكتتبوا، كل واحد إلى مدينته.. فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة إلى ايلهودية، إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم، لكونه من بيت داود وعشيرته؛ ليكتتب مع امرأته المخطوبة وهي حبلى.. وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد؛ فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل.
في اتضاع عجيب اختار الرب الإله أن يتجسد ويولد من أم فقيرة في مذود للبقر.. وبتدبيره الإلهي اختار أن يتربى في طفولته ببلدة قال عنها الناس:"لم يخرج منها شيء صالح".. واختار الرب يسوع أن يعمل نجاراً مع القديس يوسف خطيب أمه، وعندما ابتدأ كرازته اختار تلاميذه من الصيادين البسطاء. ولم يكن لملك الملوك رصيد من الأموال ينفق منه؛ بل كان بعض النسوة ينفقن من أموالهن على حاجاته الضرورية، وعلى ما تلزمه خدمته.. ولم يشأ الرب يسوع أن يولد من سبط الكهنوت (لاوي) ليكون له منصب ديني رسمي رفيع، لكنه كان يتكلم ويعلم بسلطانه وقوته الذاتية وليس كالكتبة والفريسيين الذين اتكلوا على عظمة مناصبهم.. ولما اضطهده رؤساء كهنة اليهود لم يستغل عظمة قدرته وسلطان لاهوته لقهرهم، وفي خدمته اهتم بالخطاة والضعفاء ومن ليس لهم أحد يخدمهم، وتحقيقاً للنبوات دخل ملك الملوك ورب الأرباب أورشليم في صورة بسيطة خالية من مظاهر العظمة الخارجية راكباً على جحش ابن أتان محاطاً بمحبيه من الأطفال وبسطاء القلوب.. وقبل تلاميذه بالرغم من ضعفهم وأخطائهم.. وفي ليلة آلامه غسل المعلم والسيد أرجل تلاميذه وفي حب طالبهم أن يفعلوا هكذا بعضهم ببعض مؤكداً لمن يريد أن يتبعه أن يتخذ له من الاتضاع منهج حياة...
أخي... أختي:
إن ذهبت إلى قصر هيرودس لتلتقي بملك الملوك فلن تجده هناك لأن مكانه المذود، فإن أردت التقابل معه فابحث عنه وسط المساكين والضعفاء والمزدرى من الناس فستجده هناك، وإن أردت غفراناً لخطايك فقل لنفسك أني أول الخطاة ولا تستنكف منهم، ولا تدينهم لأنه قد أتى خصيصاً ليغفر خطاياهم، وإن أردت أن تسلك طريق العظمة فإياك أن تنخدع وترفع ذاتك فلن تفوز هكذا بالجلوس عن يمينه أو عن يساره. ولكن أردت الرفعة حقاً فأحبب المتكأ الأخير لأنه هو الله الناظر إلى المتواضعين في السماء وعلى الأرض، وهو الذي أخلي ذاته آخذاً صورة عبد ليقودك في طريق الاتضاع إلى مجده الأبدي.