الكمال المطلق هو لله وحده، ولا يمكن أن يصل إليه إنسان، لأننا كلنا في الموازين إلي فوق. أما الكمال الذي يصل إليه الإنسان، فهو الكمال النسبي. أما ما يمكن أن يصل إليه من كمال، فبالنسبة إلي قدراته وإمكانياته، ودرجة النعمة الممنوحة له.. وقد قال الرب عن أيوب الصديق \"إنه رجل كامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر. وقال إنه ليس مثله في الأرض\" (أي8,1:1). وكمال أيوب طبعاً هو كمال نسبي، وليس الكمال المطلق. وبهذا المعني كان نوح رجلاً باراً وكاملاً (تك 9:6). وكان يعقوب إنساناً كاملاً (تك 27:25) مع أنه كانت له بعض الضعفات ولكن الله يحكم علي كل إنسان بالنسبة إلي إمكانياته وإلي عصره ومستواه وإلي عمل الروح معه.. وقد يكون الكمال صفة بالنسبة إلي وصية معينة، مثلما قال السيد المسيح للشاب الغني \"إن أردت أن تكون كاملاً، اذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء\" (مت 21:19). وواجبنا أن نسعى إلي الكمال، وليس لنا أن نقول إننا وصلنا إليه، فالكمال درجات كلما يصل الإنسان إلي واحدة منها، يجد كمالاً آخر أعلي وأبعد، في انتظاره، ويكون كمن يطارد الأفق. أنظر إلي بولس الرسول الذي صعد إلي السماء الثالثة، والذي تعب أكثر من جميع الرسل، فإنه يقول: \"لست أحسب إني قد أدركت أو قد صرت كاملاً، ولكن أسعى لعلي أدرك.. افعل شيئاً واحداً، أنسى ما هو وراء، وأمتد إلي ما هو قدام\" (في 15,12:3). فإن كان القديس بولس العظيم لا يحسب أنه قد صار كاملاً، إنما يسعى لعله يدرك، فماذا نقول نحن؟ ومع ذلك فإن بولس يقول بعد ذلك مباشرة \"فليفتكر هذا جميع الكاملين منا\" أي جميع من يحسبون أنهم قد صاروا كاملين، أو جميع الذين يحسبهم الناس أنهم كاملين.. إن طالباً في الابتدائية قد يأخذ الدرجة النهائية في الرياضيات فيقولون أنه كامل بالنسبة إلي هذا المستوي، وقد لا يفقه شيئاً في المستوي الأعلى. وهكذا قد يرتقي من مستوي الكمال في الابتدائية إلي مستوي الكمال في الإعدادية، ثم في الثانوية ثم في الجامعة.. وكله كمال نسبي، ومع ذلك لا يحسب أنه قد صار كاملاً في الرياضيات فهناك مستويات ما تزال أعلي منه…