إن الله ليس عنده محاباة لأحد كقول الكتاب: "لأَنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ مُحَابَاةٌ"(رو٢: ١١). إنه هو الحكيم في تصرفاته ومعاملاته، وهو يظهر ذاته لكل أحد دون تفرقة (الرجاء الرجوع لسؤال سابق في نفس الكتاب عن الإعلان الإلهي) كقول الوحي الإلهي: "لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أُنَادِي، وَصَوْتِي إِلَى بَنِي آدَمَ. أَيُّهَا الْحَمْقَى تَعَلَّمُوا ذَكَاءً، وَيَا جُهَّالُ تَعَلَّمُوا فَهْمًا"(أم٨: ٤ - ٥).
من خلال النقاط التالية نُبين سبب ظهور الله لأناس دون غيرهم، ثم نشرح ضرورة، وأهمية إعلان الله ذاته لبني البشر، وأخيرًا كيف أثرت هذه الإعلانات في حياة البشر، ومدلولات بعض هذه الإعلانات:
أولًا: حكمة الله في ظهوره للآباء والأنبياء علانية دون غيرهم:
لم يكن الله يتعامل مع هؤلاء الآباء بصفتهم الشخصية فقط. لقد تعامل معهم أيضًا بصفتهم آباء لشعبه، فهم الذين سلموا الإيمان بوجود الله لأبنائهم وشعبهم، إنهم أول من نال المعرفة الحقيقية عن وجود الإله الحقيقي، وتعرفوا على صفاته. لقد أكد الله ذلك بقوله: "فَقَالَ الرَّبُّ:"هَلْ أُخْفِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ، وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ؟ لأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، لِيَعْمَلُوا بِرًّا وَعَدْلاً، لِكَيْ يَأْتِيَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ"(تك١٨: ١٧- ١٩).
لقد ضل أبناء آدم، ومن بعدهم أبناء نوح، وكان لابد من جيل جديد يعلن له الله عن ذاته؛ ليسلم الإيمان لمن بعده من أجيال. هؤلاء هم البطاركة العظام إبراهيم وإسحق ويعقوب، الذين سلموا الإيمان لشعب الله، ولهذا السبب أيضًا ظهر الله للأنبياء بصورة مباشرة، وأيضًا لبولس رسول الله للأمم، الذي قاوم الله أولًا بجهل، لكن الله كان عالمًا بصدق نيته فأعلن له عن ذاته.
- الله الذي لا يشاء أن يجبر أحدًا على قبوله:
إن افتراض ظهور الله لكل إنسان (حتى ولو كان معاندًا) بصورة فائقة للطبيعة، كما هو الحال مع هؤلاء الآباء البطاركة، والأنبياء، ينتج عنه حتمًا فزع ورهبة، وهذا بدوره يؤثر على حرية اختيار، وقبول الناس للإيمان بالله. لقد حدث هذا بالفعل حين أراد الله أن يظهر عظمته لشعب بني إسرائيل، حين كان جبل سيناء يرجف والنيران تشتعل فيه، وصوت دوي بوق شديد، والله يتكلم بصوت جهوري من السماء، ولكن الشعب ارتعب، وقالوا لموسى النبي:"...تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ"(خر٢٠: ١٩). لقد استعظم أيوب هيبة الله وجلاله، ولكن صديقه أليهو كلمه مبينًا له أن الله أرسل له إنسان مثله، لكي لا يتعلل بمثل هذه الحجج قائلًا: "هأَنَذَا حَسَبَ قَوْلِكَ عِوَضًا عَنِ اللهِ. أَنَا أَيْضًا مِنَ الطِّينِ تَقَرَّصْتُ. هُوَذَا هَيْبَتِي لاَ تُرْهِبُكَ وَجَلاَلِي لاَ يَثْقُلُ عَلَيْكَ"(أي٣٣: ٦- ٧).
- الله يعلن ذاته للإنسان بالطريقة التي تناسبه:
طرق الله في الإعلان عن ذاته تختلف من إنسان إلى آخر. إن الظهورات الإلهية فائقة الطبيعة تناسب المؤمنين بالله المحبين له.. أما عامة الناس فقد يعلن لهم الله عن ذاته بطرق كثيرة، كما حدث عندما كلم الله في حلم أبيمالك، الذي أخذ سارة امرأة إبراهيم، ولكنه عاقب فرعون عندما فعل نفس الأمر. لقد أكد الله هذه الحقيقة لهارون ومريم، أخوي موسى النبي قائلًا لهما: "فَقَالَ:"اسْمَعَا كَلاَمِي. إِنْ كَانَ مِنْكُمْ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ، فَبِالرُّؤْيَا أَسْتَعْلِنُ لَهُ. فِي الْحُلْمِ أُكَلِّمُهُ. وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَلَيْسَ هكَذَا، بَلْ هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي. فَمًا إِلَى فَمٍ وَعَيَانًا أَتَكَلَّمُ مَعَهُ، لاَ بِالأَلْغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ يُعَايِنُ. فَلِمَاذَا لاَ تَخْشَيَانِ أَنْ تَتَكَلَّمَا عَلَى عَبْدِي مُوسَى؟"(عد ١٢: ٦- ٨).
إن إظهار الله ذاته للبشر مشروط بالحب كقول الرب: "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي"(يو ١٤: ٢١).
ثانيًا: إعلانات الله للإنسان نوع من التواصل مع البشر:
- إعلانات الله، وتواصله مع أب الآباء إبراهيم أعظم مثال لتواصل الله مع البشر:
بالبحث في حياة الآباء البطاركة نجد أن الكتاب المقدس قد ذكر أن الله - على سبيل المثال - قد ظهر خمس مرات لإبراهيم، وأنه تكلم معه في تلك المرات، وأنه رآه في إحداها، وهو يصعد إلى السماء كقوله: "فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ صَعِدَ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ"(تك١٧: ٢٢).
أما ما حدث من تفاصيل، وأحاديث لله مع إبراهيم فهو كثير، لكننا يمكننا الإيجاز بما يلي: الوعد بالبركة وكثرة النسل، الوعد بتملك أرض كنعان، والكشف عن ما سيحدث للأمة الخارجة من صلبه، والدخول في عهد معه كقوله: "فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ"(تك١٧: ٥-٧).
إن إعلان الله عن ذاته سواء من خلال ظهوره للآباء والأنبياء، أو عن طريق الوحي الذي كلم به الأنبياء، أو تجسد الرب يسوع أو… أو.. هو إرث ضروري لحياة وسعادة البشر.. وهل من المنطقي أن يخلق الله خليقته، ويتركها دون أن يتواصل معها؟! إنه أمر واجب من الخالق نحو خليقته العاقلة، وذلك للأسباب التالية:
١. الكشف عن معرفة وجوده لخليقته العاقلة:
إن كشف الله للإنسان عن ذاته هو مجد للإنسان، وكرامة منحها الله له، وتقدير له ككائن عاقل. لقد طالب موسى النبي الله أن يعلن له عن معرفته، واعتبر هذا امتيازًا وتقديرًا يمنحه الله له، ولشعبه قائلًا: "انْظُرْ. أَنْتَ قَائِلٌ لِي: أَصْعِدْ هذَا الشَّعْبَ، وَأَنْتَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي. وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: عَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ، وَوَجَدْتَ أَيْضًا نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ. فَالآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. وَانْظُرْ أَنَّ هذِهِ الأُمَّةَ شَعْبُكَ"(خر٣٣: ١٢- ١٣).
٢. ليصون خليقته:
من المنطقي أن يصون الخالق خليقته البشرية الضعيفة، التي تحتاج إليه، ومن المستحيل أن يتحقق ذلك إلا من خلال تواصل الله مع خليقته، وهل لا يصون الصانع صنعته؟!! إن الإنسان دائمًا محاط بالضعف مهما تمتع بقدرات وإمكانيات، ومهما أحاط به أهله وأصدقاؤه، ولا بد أن يأتي الوقت، الذي يحتاج فيه للقوة الإلهية الفائقة، التي تسنده.
لقد عبر الآباء عن هذا الضعف، والحاجة لمعونة الله الخالق بوصف كل منهم نفسه بالغريب الهائم في قفر، ينتظر من يضمه ليستريح. لقد أظهر المرنم حاجته لتواصل الله معه بقوله: "اِسْتَمِعْ صَلاَتِي يَا رَبُّ، وَاصْغَ إِلَى صُرَاخِي. لاَ تَسْكُتْ عَنْ دُمُوعِي. لأَنِّي أَنَا غَرِيبٌ عِنْدَكَ. نَزِيلٌ مِثْلُ جَمِيعِ آبَائِي." (مز٣٩: ١٢). وأيضًا قوله: "غَرِيبٌ أَنَا فِي الأَرْضِ. لاَ تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ. انْسَحَقَتْ نَفْسِي شَوْقًا إِلَى أَحْكَامِكَ فِي كُلِّ حِينٍ"(مز١١٩: ١٩- ٢٠).
٣. هداية الإنسان في الطريق الصالح:
يخشى الإنسان المجهول، ولا يعرف طريقه كقول إرميا النبي: "عَرَفْتُ يَا رَبُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ طَرِيقُهُ. لَيْسَ لإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِه"(إر١٠: ٢٣). إن الكثيرين يضعون الخطط لحياتهم، ولكنهم لا يعرفون أمر الغد كقول الكتاب: "أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ"(يع٤: ١٤).
يقود الله الحيوان عن طريق الغرائز الطبيعة، التي تتحكم فيه.. والنبات أيضًا بحسب قوانين وضعها له مسبقًا.. أما الإنسان، فالله يعلن إرادته له، التي هي الحياة الأبدية من خلال تواصله معه.
إن الحق والحياة في الله فقط؛ وهذا من أهم أسباب تجسد الرب يسوع المسيح، الذي أخذ جسدًا، وتأنس ليقود الناس في طريق الحياة كقول الكتاب: "اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ"(يو10:10).
٤. الإنسان يجد راحته ومعنى وجوده في معرفته بالله:
يهب الله الراحة، والعزاء لعارفيه كقول الرب: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ"(مت١١: ٢٨). لقد أكد الرب للمرأة السامرية، التي كانت تبحث عن الراحة والسعادة بعيدًا عن الله ولم تجدها، أنه هو فقط الذي يروي كل نفس قائلًا: "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ:"كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ"(يو٤: ١٣- ١٤).وهذا ما أكده أيضًا الوحي الإلهي القائل: "عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي سُرُورًا مَعَ وَجْهِكَ"(أع٢: ٢٨).
ثالثًا: تأثير الظهورات والإعلانات الإلهية على البشر:
- انتقال الإيمان للأجيال اللاحقة:
إن إعلانات الله للآباء، والأنبياء كانت سببًا جوهريًّا في إيمان الأجيال اللاحقة من أبنائهم؛ فنجد أن أب الآباء يعقوب قد استلم إيمان أبيه إسحق، وجده إبراهيم، وتأثر بخبرة آبائه عن الله في حياته اليومية، وخير دليل على ذلك قوله للابان خاله: "لَوْلاَ أَنَّ إِلهَ أَبِي إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَهَيْبَةَ إِسْحَقَ كَانَ مَعِي، لَكُنْتَ الآنَ قَدْ صَرَفْتَنِي فَارِغًا. مَشَقَّتِي وَتَعَبَ يَدَيَّ قَدْ نَظَرَ اللهُ، فَوَبَّخَكَ الْبَارِحَةَ"(تك٣١: ٤٢). وأيضًا يوسف الصديق قد عرف الله، وآمن به، مفضلًا السجن، والموت على التعدي على وصية الله، مع أن الكتاب لم يذكر لنا أن الله قد ظهر له، لكن إيمان آبائه القوي انتقل إليه وصار سندًا له. لقد كشف عن إيمانه القوي بقوله لامرأة سيده: "لَيْسَ هُوَ فِي هذَا الْبَيْتِ أَعْظَمَ مِنِّي. وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لأَنَّكِ امْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟"(تك٣٩: ٩)
- انتقال الإيمان من الآباء لمن حولهم من الغرباء:
لم يقتصر تأثير الإعلان الإلهي، وتواصل الله، ومعاملاته مع الآباء على انتقال الإيمان لأبنائهم فقط؛ بل امتد تأثيره على الغرباء المحيطين بهم، ومثال ذلك ما يلي:
١. أليعازر الدمشقي: تأثر أليعازر عبد إبراهيم بإيمان سيده، وشهد لإيمان سيده قائلًا: “أَنَا عَبْدُ إِبْرَاهِيمَ، وَالرَّبُّ قَدْ بَارَكَ مَوْلاَيَ جِدًّا فَصَارَ عَظِيمًا، وَأَعْطَاهُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَفِضَّةً وَذَهَبًا وَعَبِيدًا وَإِمَاءً وَجِمَالاً وَحَمِيرًا"(تك٢٤: ٣٤- ٣٥). بل أعلن أيضًا إيمانه الشخصي بالله قائلًا: "لاَ تُعَوِّقُونِي وَالرَّبُّ قَدْ أَنْجَحَ طَرِيقِي"(تك٢٤: ٥٦).
٢. فرعون مصر: تأثر فرعون مصر بإيمان يوسف الصديق، الذي رآه فيه، وشهد له قائلًا عنه: "هَلْ نَجِدُ مِثْلَ هذَا رَجُلاً فِيهِ رُوحُ اللهِ؟" ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ:"بَعْدَ مَا أَعْلَمَكَ اللهُ كُلَّ هذَا، لَيْسَ بَصِيرٌ وَحَكِيمٌ مِثْلَكَ"(تك٤١: ٣٨ - ٣٩).
رابعًا: الكشف عن شخص الله وصفاته من خلال هذه الإعلانات:
إن كل إعلان إلهي له مدلوله الخاص به، وله أهميته في إظهار معرفة الله وصفاته.. فقد ترك الله نوعًا من معرفته الإلهية في كل مرة ظهر فيها، أو تكلم أو تدخل بالبركة، أو أرشد، وكشف، أو أنبأ عن المستقبل أو.. أو.. إنه من الصعب حصر تأثير كل الإعلانات، والمعاملات الإلهية التي تركت أثرًا واضحًا في إيمان البشر.. لكن على سبيل المثال لا الحصر نذكر ما يلي:
ظهور الله يؤكد وجوده، لأن غير الموجود لا يمكن أن يصير ظاهرًا.. لقد أكد الرب أن وجوده حقيقي، وأنه إله سامٍ يتكلم من السماء قائلًا لموسى النبي: "هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّنِي مِنَ السَّمَاءِ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ"(خر٢٠: ٢٢).
أما حفظ الله للآباء (إبراهيم أب الآباء وغيره من الآباء) ووعوده لهم، وتدخله بالخير، من خلال تعاملاته الكثيرة في حياتهم يشهد أن الله حي، لأن الكائن الحي فقط هو الذي يعمل ويثمر، ويتفاعل ويؤثر في غيره. أنه قادر على أداء أنشطة مختلفة تعبر عن حياته. لقد شهد الرب يسوع المسيح عن تأثير روح الله القدوس (الله حي بروحه) قائلًا: "اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ"(يو8:3).
- كلام الله وأحاديثه مع البشر:
إن كلام الله، وتواصله مع الآباء والأنبياء، وما سلمه من وصايا وشرائع، وعهود لهم، يكشف ويشهد لحكمته، التي أظهرها لبني البشر. إن الله الذي شهد الآباء لكمال حكمته في القديم هو الذي ظهر متجسدًا (الرب يسوع المسيح) وشهد له مبغضوه من اليهود قائلين عن كلامه: "أَجَابَ الْخُدَّامُ:"لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!"(يو٧: ٤٦).
أخيرًا:
لا يسعنا غير أن نمجد الله، الذي أظهر ذاته للإنسان، وتواصل معه منذ أن خلقه، ووضعه في جنة عدن، ولكن الإنسان هو الذي أدار ظهره لله رافضًا معرفته بالرغم من إظهار الله معرفته له كقول الكتاب: "لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ"(رو١: ٢١).