يتخذ الكتاب المقدس موقفًا عدائيًا من المال

  • لماذا يتخذ الكتاب المقدس موقفًا عدائيًا من المال؛ فيعتبره أصل كل الشرور، ويطالب المؤمنين بعدم إلقاء رجائهم على الغنى، ثم يعود ويقول أن الله يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع؟ فإن كان الغنى للتمتع فلماذا هذا التناقض؟

    أولًا: مفاهيم ومعاني هامة

    • الغنى

    كلمة الغنى تعني الاكتفاء والثراء، الذي يحمي الناس من البؤس والحاجة، وهو عكس الفقر. يسعى الكثيرون من الناس نحو تحقيق الغنى بغرض العيش في رفاهية وسعادة، لكن الكتاب يؤكد أن الحياة والسعادة في الأرض وفي السماء لا تعتمد على الغنى المادي كقول الكتاب: "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟" (مر8 : 36-37).

    • المال والثروة

    المال هو ما يملكه الإنسان من ثروة سواء ممتلكات أو أموال، ويصف الناس من يمتلك الكثير من المال أو الثروة بالغَنيِّ، ولكن هذا الوصف خاطئ، لأن الذي يلقي اتكاله على المال، وليس على الله هو فقير وشقي وبائس وعريان، كقول الكتاب: "لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ" (رؤ٣: ١٧- ١٨).

    • الطمع

    الطَّمع هو شهوة الحصول على الأشياء برغبةٍ شديدةٍ وبنهمٍ دون اكتفاء. ولقد حرم الله الطمع بوصية إلهية قائلًا: "لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ" (خر٢٠: ١٧).

    ووصف الكتاب جشع أمثال هؤلاء الطماعين بقوله: "مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْل. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ" (جا٥: ١٠).

    • التعبير الكتابي "محبة المال"

    تعبير محبة المال هو تعبير إنجيلي، ورد لأول مرة في الكتاب المقدس في قوله عن الفريسيين: "وَكَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضًا يَسْمَعُونَ هذَا كُلَّهُ، وَهُمْ مُحِبُّونَ لِلْمَالِ، فَاسْتَهْزَأُوا بِهِ" (لو١٦: ١٤).

    وورد أيضًا في قوله: "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ" (1تي٦: ١٠).

    هذا التعبير قد ترجم في بعض الترجمات الإنجليزية بكلمة covetous بمعنى طمَّاع، وترجمت أيضًا greedy أي جشع أو أناني أو شره.

    • الاكتفاء

    الاكتفاء هو قناعة ورضا الإنسان بما وهبه له الله من نعم وبركات، وهو عكس الطمع والجشع. إن الاكتفاء أمرٌ يخص الحاضر والواقع، وهو لا يتعارض مع الجد والنشاط والتطلع لما هو أفضل. هو فضيلة هامة وهو أساس النفسية السليمة، التي تهيئ الإنسان ليكون ناجحًا في عمله، ونافعًا في مجتمعه كقول الكتاب: "وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ" (٢كو٩: ٨).

    ثانيًا: الغنى اليقيني (الحقيقي)

    سمىّ الكتاب المقدس الغنى المادي؛ بالغنى غير اليقيني أي غير الحقيقي. وينصح الكتاب بعدم الاتكال على الغنى المادي، لأنه كالسراب الذي يزول سريعًا، قائلًا: "أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى.." (١تي٦: ١٧).

    وقد أمر الرب يسوع المسيح ملاك كنيسة اللاودكيين باقتناء الغنى الحقيقي الثابت الذي في الله، وذلك بعدما أمره بعدم اكتناز المال الزائل كقول الكتاب: "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ" (مت٦: ١٩).

    • الغنى الحقيقي

    يظل الإنسان في احتياج دائم مهما بلغ من الثراء، لأنه محاط بالضعف والنقص في أمور كثيرة تمس حياته.

    أما الله فهو الوحيد الذي في غنى دائم، لأنه لا ينقصه أو يعوزه شيء. إنه كلي القدرة، ويملك كل شيء بحسب قول الكتاب: "لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (رو١١: ٣٦).

    وما دام الرب قادر على كل شيء، ويملك كل الأشياء فهو إذًا القادر أن يبارك، ويغني كل حي، كقوله: "بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَبًا" (أم١٠: ٢٢).

    • الله واهب الغنى

    إن الغنى الحقيقي يهبه الله، لأنه هو وحده الغني، لأنه يهب الإنسان الحياة والعمر والصحة والرزق والسعادة والسلام وكل ما يكفيه.

    وهو أيضًا الذي يحميه من شقاء وبؤس هذه الحياة. إن الله قادر أيضًا أن يغني الإنسان أيضًا بالنعم الروحية التي تجعله في حالة اكتفاء روحي ونفسي يحقق له النجاح، وبالطبع الله لا يهمل، ولا يترك هؤلاء الشاكرين، كقوله: "لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ" (عب١٣: ٥).

    • الغنى الداخلي لا يقف أمامه الفقر

    لا يوجد مقياس ثابت للغنى المادي، لكن نفوس الأبرار وإن لم يمتلكوا المال قد تشعر بالغنى، لأنهم يلقون رجاءهم وثقتهم على الله. لقد أعلن معلمنا بولس الرسول هذه الحقيقة بقوله: "كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ، كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ" (٢كو٦: ١٠).  

    • الغنى الذي لا يضمحل أبدًا11 01

    إن الله هو القادر أن يشبع بالرضا كل نفس كقول الكتاب: "تَفْتَحُ يَدَكَ فَتُشْبعُ كُلَّ حَيٍّ رِضًى" (مز١٤٥: ١٦). هو القادر أن يشبع كل احتياجات الإنسان الجسدية والنفسية والروحية في كل أحوال وظروف الحياة المتقلبة.

    لقد عاش يوحنا المعمدان في البرية غير معوز مستغنيًا بالله الذي كان يهتم بكل احتياجاته منذ طفولته وحتى ظهوره لبني إسرائيل، وعال الله إيليا النبي العظيم فترة المجاعة عن طريق الغربان، التي كانت تأتيه بخبز ولحم صباحًا ومساءً.

    ولم تحرق نيران الآتون الثلاثة فتية القديسين، الذين صاروا يتمشون في وسط الآتون، وهم يسبحون الله في فرح وتهليل. إننا نتسائل ماذا كان سيفيد المال هؤلاء القديسون في مثل هذه الشدائد.

    إن رجال الله القديسين في اكتفاء واطمئنان على الدوام، لأنهم يشعرون أن نعمة الله هي كفايتهم وغناهم، كقول الكتاب: "وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ" (٢كو٩: ٨).

    • متعة النفس غناها الذي من السماء

    إن ما يمكن أن يحصل عليه الناس من متع جسدية حسية بواسطة المال من السهل أن يتحول إلى كدر ونكد تحت ظروف الحياة المتغيرة. أما نعمة الله فهي تتحدى كل متاعب وأوجاع العالم.

    إنها تهب الإنسان السعادة، وتمتعه بالفرح والسلام والراحة الحقيقة في كل الظروف. لقد تمتع معلمنا بولس الرسول بالفرح والسلام وهو في سجن مدينة فيلبي، فأخذ يصلي ويسبح الله كقول الكتاب: "وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هذِهِ، أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ، وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ. وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ، وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا" (أع١٦: ٢٤- ٢٥).

    أمر الوحي الإلهي كل نفس ألاَّ تلقي رجاءها على الغنى الكاذب، بل على الله الحي قائلًا: "بَلْ عَلَى اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ" (١تي٦: ١٧).

     ثالثًا: المال هبة الله لنفع الإنسان

    • الثروة هبة من الله وليس شر

    المال ليس خطية في حد ذاته، لكنه هبة ومنحة إلهية. لقد بارك الله في مجهودات الكثيرين من أحبائه، وأغناهم ببركته والذين نذكر منهم: (أب الآباء إبراهيم وأيوب الصديق ويعقوب وسليمان و... ).

    إن الله هو مانح القدرة، التي يصنع بها الإنسان ثروته كقوله: "بَلِ اذْكُرِ الرَّبَّ إِلهَكَ، أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُعْطِيكَ قُوَّةً لاصْطِنَاعِ الثَّرْوَةِ، لِكَيْ يَفِيَ بِعَهْدِهِ الَّذِي أَقْسَمَ لآبَائِكَ كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ" (تث٨: ١٨).

    • أعطى الله الإنسان المال على سبيل وزنات يجب توظيفها

    وهب الله الإنسان عطايا كثيرة أو وزنات بتعبير الكتاب المقدس، بغرض توظيفها، واستخدامها لنفع الإنسان، ونفع من حوله.

    لقد رفض الرب يسوع في مثل الوزنات ما فعله العبد، الذي دفن الوزنة في باطن الأرض بحجة الحفاظ عليها، قائلًا: "فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِبًا" (مت٢٥: ٢٦- ٢٧).

    • الحكمة في استعمال المال

    الاستعمال الصحيح للمال هو نوع من الحكمة، التي لا غنى عنها. إن الكتاب المقدس لا يمانع في الاحتفاظ بالفائض من دخل الإنسان بعض الوقت لحين يأتي الوقت المناسب لتوظيفه في أمر ينفعه هو وبيته، أو ينفع أهله ومجتمعه.

    وقد أكد الرب ضرورة ذلك عندما أمر تلاميذه بعد ما أكلوا وشبعوا قائلًا لهم: "فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ" (يو٦: ١٢).

    إن الله يهب الإنسان المال والرزق، لكي يستعمله بحكمة دون إسراف أو تقتير كقوله: "يُوجَدُ مَنْ يُفَرِّقُ فَيَزْدَادُ أَيْضًا، وَمَنْ يُمْسِكُ أَكْثَرَ مِنَ اللاَّئِقِ وَإِنَّمَا إِلَى الْفَقْرِ" (أم١١: ٢٤).

    ولكن الوحي الإلهي يمنع اكتناز المال بغرض الغنى، وتأمين الحياة كقوله: "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ" (مت٦: ١٩).

     رابعًا: محبة المال أصل كل الشرور

    الشرور التي تنتج عن محبة المال تنبع من طريقة استخدامه. إن الناس يتعاملون مع المال بطرق خاطئة كثيرة نذكر منها ما يلي:

    • عبادة المال

    عندما يكرس الناس كل جهودهم ووقتهم لجمع المزيد من الأموال؛ فلا يجد الناس وقت كاف للاهتمام بأمور حياتهم الروحية، أو الاهتمام بحياتهم العائلية، أو أي اهتمامات ضرورية أخرى حينئذ يصبح المال معبودًا (إله)، كقول الكتاب: "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ" (مت٦: ٢٤).

    • الاتكال على المال بدلًا من الاتكال على الله

    يتكل الأثرياء غير المؤمنين على ثرواتهم بدلًا من الاتكال على الله الحي، ويظنون أن كثرة أموالهم تضمن لهم الحياة، ولكن الرب أظهر خطأ هذا الاعتقاد بقوله: "انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ" (لو١٢: ١٥). لقدر حذر الرب من خطورة الاتكال على الأموال قائلًا: "... يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ" (مر10 : 24-25).

    • المُستعجل الغنى يتورط في الشرور

    شهوة الحصول على المال (محبة المال) تدفع بصاحبها إن كان فقيرًا للاستعجال للحصول على الثروات، وإن كان غنيًا فيدفعه الطمع للحصول على المزيد والمزيد، وهكذا يزداد طمع الإنسان، وتهوره، ويتعدى وصايا الله، كقول الكتاب: "اَلرَّجُلُ الأَمِينُ كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ، وَالْمُسْتَعْجِلُ إِلَى الْغِنَى لاَ يُبْرَأُ.. ذُو الْعَيْنِ الشِّرِّيرَةِ يَعْجَلُ إِلَى الْغِنَى، وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّ الْفَقْرَ يَأْتِيهِ" (أم٢٨: ٢٠- ٢٢).

    • ارتفاع القلب والكبرياء

    إن الغنى قد يغُرّ صاحبه؛ فيرفع نفسه على إخوته من الناس، وقد يتجاسر فيرفع قلبه، ويتكبر على الله كهيرودس الملك، الذي ضربه ملاك الرب؛ فَدوّد، ومات.

    لقد حذر الكتاب المقدس من زادت ثرواته وأمواله من خطر نسيان الله، وارتفاع قلبه، بقوله لشعب إسرائيل قبل دخولهم أرض كنعان: "لِئَلاَّ إِذَا أَكَلْتَ وَشَبِعْتَ وَبَنَيْتَ بُيُوتًا جَيِّدَةً وَسَكَنْتَ، وَكَثُرَتْ بَقَرُكَ وَغَنَمُكَ، وَكَثُرَتْ لَكَ الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ، وَكَثُرَ كُلُّ مَا لَكَ، يَرْتَفِعُ قَلْبُكَ وَتَنْسَى الرَّبَّ إِلهَكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ" (تث٨: ١٢- ١٤).

    الخلاصة

    الله هو الغني الذي يُغني كل حي، والمال هبة ونعمة منه. هو ليس شرًا في ذاته، لكن الشر يكمن في الاتكال عليه كوسيلة لتأمين الحياة، واعتباره سببًا للغنى والسعادة بدلًا من الله.

    يطالبنا الكتاب باستعمال المال كوزنة موهوبة لنا، يجب توظيفها لصنع الخير، وليس للاكتناز حتى ننجو من خطايا كثيرة كالطمع الذي هو عبادة الأصنام، وارتفاع القلب وظلم الآخرين.