العقائد الإيمانية المسيحية تخص خلاص المؤمنين، وهي مسلمة من الله، ويجب الحفاظ عليها، والتمسك بها أمر ضروي جدًا، لأن الحياة المسيحية والسلوك المسيحي يعتمد على المعرفة الإيمانية، ولهذا يجب على كل مؤمن أن يثبت على إيمانه ومعتقداته، كما سلمها الآباء، ولهذا تحرص الكنيسة على نقاوة تعاليمها، وتوصي شعبها بالبعد عن التعاليم الغريبة، وعدم قبول معلمين غير موثوق بهم، والكنيسة حرصًا على سلامة إيمان أبنائها ترفض انضمام أبنائها لطوائف غريبة تحت أي مبرر.
فيما يلي نجيب على هذا السؤال من خلال النقاط التالية:
أولًا: أهمية العقائد الإيمانية
العقائد لها أهمية قصوى في حياة الناس، فمن يؤمن أن الله موجود لا بد أن يعتبره، ويهابه، ويحبه، فيسلك بوصاياه، ويصنع مرضاته. لقد أكد معلمنا بولس الرسول ارتباط الإيمان بالحياة والسلوك، وبالخلاص أيضًا: "وَلكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ" (عب11: 6).وهكذا كل العقائد لها جانب سلوكي عملي مؤثر في حياة وخلاص الناس.
فعلى سبيل المثال مَن يؤمن بضرورة الحياة الجديدة لمعاينة ملكوت الله، لا بد أن يقبل المعمودية بالماء والروح، كما عَلَّمْت بها الكنيسة، ولا بد له من حياة التوبة والنقاوة، ومَن يؤمن أن الروح القدس حل عليه عندما دُهِنَ بالميرون المقدس، وأنه قد صار مسكنًا لروح الله يحرص أن يمتلئ بالروح القدس من خلال الصلاة، وكلمة الله وهكذا...
ثانيًا: الأرثوذكسية تعني التمسك بالإيمان الإنجيلي المسلّم من الآباء الرسل الأطهار.
الأرثوذكسية: هي كلمة من مقطعين المقطع الأول: (أرثو) وأصلها من اللغة اليونانية وتعني استقامة أو مستقيم، والمقطع الثاني من كلمة (ذوكسا) وهي تعني الرأي أو الاعتقاد.. فيكون المعنى الكلي (استقامة الرأي) أو (استقامة الفكر).
الإيمان المسلّم مرة للقديسين.
سلم تلاميذ الرب للمؤمنين الحقائق الإيمانية كاملة، وطالبوهم بالتمسك بها كما هي دون نقص أو زيادة، كقول الكتاب: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ" (يه ١: ٣). لقد ترجمت كلمة "المُسلَّم مرة" في الإنجليزية
(Jude3) "Was once delivered to the saints"
أي أن الإيمان قد سُلم مرةً واحدة كاملاً سليمًا، ولا يحتمل إضافة أو انتقاص شيئًا منه.
الثبات على الإيمان الأول المسلَّم من الكنيسة.
لقد أمر الرسول بولس بالثبات على التعاليم، وعدم قبول أي تعاليم حديثة، مهما كانت شخصية مَن يقدمها، كقوله: "وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»! كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الآنَ أَيْضًا: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»!" (غل ١: ٨، ٩).
ثالثًا: الكنيسة تحرص على نقاوة التعليم
كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية.
لا بد أن تكون الكنيسة رسولية، أي: مبنية على إيمان وتعاليم الرسل الأطهار. لأن ضمان نقاوة التعليم يعتمد على رسولية الكنيسة، الذي يتوافق تمامًا مع تعاليم الآباء رسل المسيح الأطهار، ولا بد أن يتفق فهمنا للتعليم مع فهم الآباء الرسوليين، أي تلاميذ الآباء الرسل في الثلاثة قرون الأولى للميلاد.
إن التعاليم المسيحية هي تعاليم مسلمة لنا، ولا بد من حفظها سليمة كما هي، كقول معلمنا بولس الرسول: "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ. فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ" (١كو١١: ١، ٢).
تأسست كنيستنا القبطية الأرثوذكسية بكرازة مار مرقس الرسول أحد
السبعين رسولًا، ولهذا يحق لها أن توصف بأنها رسولية، ولهذا أيضًا تخص الكنيسة آباءها البطاركة برقم مسلسل يشهد أن كل بطريرك من بطاركتها ضمن سلسلة البطاركة، الذين لهم نفس إيمان الكاروز الأول مار مرقس؛ فالبطريرك البابا أثناسيوس الرسولي هو رقم (٢٠) من سلسلة البطاركة، وقداسة البابا كيرلس السادس رقم (١١٦)، وقداسة البابا شنوده الثالث رقم (١١٧)، وقداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني رقم (١١٨) وهكذا...
نقاوة التعليم.
نقاوة التعليم أنه مطابق للأصل المسلم للكنيسة، أي أن التعاليم التي نؤمن بها هي تعاليم الرب يسوع المسلّمة لنا من أحد الآباء الرسل الذين عاينوا الرَّب، وشهدوا لصحتها وسلامتها، كقول الكتاب: "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" (أف ٢: ٢٠).
لقد أصرّ الآباء الرسل على إقامة بديل ليهوذا الخائن، ليأخذ مهمة تسليم الإيمان (العظيمة) بدلًا منه، واشترطوا فيمن سيقيمه الرسل أن يكون قد عاين الرب يسوع المسيح مع باقي التلاميذ من بداية كرازته، وحتى صلبه وقيامته.
إن الكرازة بالمسيح له المجد هي شهادة للحق، والشهود هم مَن عاينوا الرب يسوع المسيح، وسمعوا تعاليمه المقدسة من فمه المبارك، وعاينوا صلبه وموته وقيامته، وصعوده للسماء، كقوله: "فَيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ، مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا، يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ" (أع١: ٢١، ٢٢).
شخصية المعلمين
التمسُك بنقاوةِ التعاليم تستوجب الـتأكد من صحة ما يعتقد به المُعَلِّمون والخدَّام من أمور إيمانية، وأيضًا عدم السماح لأي إنسان باعتلاء منبر التعليم والخدمة، دون التأكد من انتمائه العقيدي، وأيضًا توعية شعب الكنيسة بالتأكد من معرفة هوية وانتماءات المعلمين، وعدم الاستماع لوعظ، وتعاليم معلمين غير معروفين، كقول معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: "وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ" (٢تي ٣: ١٤).
امتحنوا الأرواح.
أي تفسير أو تعليم كتابي لا يمكن قبوله بمجرد نَسبه للروح القدس، لأنه هل من المنطقي قبوله بدون فحص شخصية المُعلّم، ومصادر تعليمه؟! مع أن الكتاب أمرنا بالحذر من الأنبياء الكذبة، الذين سيضلون كثيرين، كقوله: "لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ" (مت ٢٤: ٢٤، ٢٥).
فحص التعليم.
لقد أمر القديس يوحنا الرائي رسول المحبة بالدقة في فحص المعلمين، لأن البعض منهم له صورة المعلم، لكنه نبي كاذب وغاش، كقوله: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ" (١يو ٤: ١).
رابعًا: اِدعاءات وحجج مرفوضة
يحاول البعض أن يجد مبررًا لانضمامه لطائفة أخرى متعللًا بأن ذلك أمر مؤقت لإيجاد حل لمشاكل زوجية، أو للمشاركة في أنشطة اجتماعية أو ثقافية أو من أي نوع، أو بسبب الاختلاف مع أحد الخدام، ولكن الإيمان عند المؤمنين له قيمة عظمى، كقول الرسول: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ" (١تس ٢: ١٣).
إن الحفاظ على الإيمان أمر مهم... لأن مَن ينتقل عن إيمانه السليم لأغراض شخصية يستخف بالإيمان، وينطبق عليه قول الرسول: "كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالًا مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ" (أف4: 14).